هل نحن قادرون على ممارسة الحوار؟
يُحكى أن نابليون بونابرت القائد الفرنسي الشهير، كان يقوم بجولة تفقدية على أحد المعسكرات المرابطة بانتظار هجوم وشيك على الأعداء، فلاحظ بفراسته التي لا تُخطئ عادة، بأن هناك جنديين ليسا على ما يرام مع بعضهما وأن ثمة مشكلة أو تباغضا بينهما. استدعى قائد الكتيبة التي ينتسب إليها الجنديان المتباغضان، وطلب منه أن يحضرهما في الصباح الباكر ليقوما بتنظيف نافذة غرفة العمليات الحربية التي يشرف عليها بنفسه، واشترط أن يقوم أحدهما بالتنظيف من داخل الغرفة والآخر من خارجها. لم تستمر عملية تنظيف النافذة سوى دقائق معدودة، لكنها كانت كافية جداً لأن تُذيب “جليد الخلاف” الذي جمّد علاقتهما كل ذلك الوقت. وكان نابليون مع بعض قادته الكبار يُراقبون ذلك التحول السريع في علاقة الجنديين، حيث أخبرهم بأن الجيش لن ينتصر في أية معركة إذا كان الجنود على خلاف مع بعضهم، وأن “القطيعة” عادة هي من تتسبب في شحن وتأليب وتأجيج المتخاصمين، وأن الحل يكمن دائماً في “الحوار” بمختلف أشكاله وطرقه ومستوياته، وذلك من أجل أن تعود الأمور إلى نصابها، وهذا لن يكون إلا بالاقتراب كثيراً من المشكلة ومواجهتها وذلك بتغليب المشتركات والمصالح والاعتبارات.
لقد أدرك نابليون بونابرت أن الحوار بشكله المناسب، هو القادر على ترميم التصدعات والتشوهات والخلافات بين الخصوم والأعداء، وكلما كانت “المسافات” متباعدة بين المختلفين/ المتخاصمين كانت القطيعة هي الأكثر سيطرة وحضوراً وخطورة، وكلما كانت الفضاءات متقاربة كانت فرص النجاح أكثر.
الحوار، هو أهم قيمة/ طريقة يؤمن بها البشر على اختلاف أعراقهم وثقافاتهم ومعتقداتهم، منذ عصر الإنسان الأول وحتى عصرنا الراهن، لأنه ــ أي الحوار ــ كان ومازال هو المنهج العقلاني الذي تستقيم به الأمور وتستقر به الحياة.
والحوار، بعيداً عن فوضى التعريفات والمصطلحات، هو ليس مجرد وسيلة للإقناع أو الإثبات أو الحجة، يُمارسها المتحاورون والمتخاصمون والمتصارعون، ولكنها أكبر من كل ذلك بكثير، فالحوار هو حقيقة دامغة ورؤية عميقة وبصيرة نافذة، هدفه الأول والأخير، هو الوصول إلى مساحات واسعة وسماوات رحبة من الاحترام والتسامح والقبول والانفتاح والمراجعة والتناغم والتكامل.
وكم نحن بحاجة ماسة وضرورية للحوار الآن، أكثر من أي وقت مضى، خاصة في ظل تنامي حالات الكره والبغض والتشاحن، وزيادة في منسوب الطائفية والعصبية والفئوية، الأمر الذي تسبب في صراعات وصدامات ومواجهات بين المختلفين والمتباينين، إذ يُحاول كل طرف شيطنة الطرف الآخر وإقصائه وتهميشه مدعياً امتلاكه للحقيقة المطلقة والوصاية الكاملة على المجتمع، رافضاً كل مساعٍ للحوار أو الالتقاء أو التقارب.
نعم، قد يكون الحوار هو الحل الأمثل للكثير من المشكلات والأزمات والتحديات التي تواجه المجتمع وتتسبب في تشنجه وتطرفه وتخلفه، ولكن ذلك لن يحدث إلا إذا آمنا بأن الحوار ليس غاية ولكنه ممارسة.
السؤال الذي ينتطر الإجابة: هل نحن قادرون على ممارسة الحوار؟ المقال القادم، قد يحمل بعض الإجابة.
المصدر: http://hewarpost.com/?p=2859