بالكلمات لا باللكمات
" معظم الناس لا يستمعون بهدف الفهم ،،، ولكن يستمعون بهدف الرد "
( ستيفين كوفى )
تذكرنى هذه المقولة بمشاهدتى للمناظرات التليفزيونية الحالية والتى تقام في مختلف البرامج لمناقشة كثير من القضايا السياسية، والرياضية، والثقافية، كما تذكرنى بالنهج الذى تسير عليه الاجتماعات، بخاصة في محيط العمل، ويتبادر على ذهني أيضًا المناقشات التى تدور بين الأصدقاء أو أفراد الأسرة الواحدة حول أى قضية- حتى وإن لم تكن قضية خلافية - ومن المؤسف أن معظمها ينتهى بإعتداء أحد الطرفين على الآخر سواء كان على الصعيد اللفظى – أو البدني، أو بقطع العلاقات حتى وان كانت حميمية في بداية الأمر، وإذا لم يصدر سلوكًا صريحًا فأن أحد الطرفين يحمل في داخله شعورًا بعدم تقبل الاخر، وعدم استحقاقه( جدارته) للثقة المعطأة.
والتساؤل الآن: ما الأسباب التى تقف وراء كل هذا العداء ، ورؤية الحوار أو النقاش بوصفه معركة حاسمة، ويجب على أحد الطرفين أن يحقق انتصارًا بأى وسيلة، حتى وإن كان على حساب علاقته بالطرف الآخر؟
قد يرجع ذلك إلى عدة أسباب منها تتعلق بالذات ومنها ما يتعلق بالسياق المحيط بالأفراد، ويمكن حصر هذه الأسباب في:
1- أفكار خاطئة حول تأكيد الذات :(أنا لازم أثبت نفسى بأى طريقة ولا اسمح لأحد بأن ينتصرعلىّ)، يعتقد البعض أن ذلك نوعًا من تأكيد الذات،وأنه يعكس قوة الشخصية، وأنلهم آرائهم الخاصة،بأنهم أصحاب مبدأ لا يحيدون عنه ،حتى وإن كان يعبرونعن ذلك بطريقة عدوانية.
2- عدم تقبل النقد: يشعر البعض عندما يوجه نقدًا لأفكارهم أو سلوكهم أنه نوعًا من الاستهزاء بهم وعدم احترامهم ، فالذات لديهم هى خط أحمر ولا يسمحون لأحد أن يتجاوزه ، وإلا نشبت المعركة.
3- أساليب التنشئة الاجتماعية: يقوم الوالدين بتنشئة أطفالهم على عدم تقبل أراء الاخرين،وذلك للتشكيك بهم أو بوصفهم أشخاص غير جديرين بالثقة للاخذ بأرائهم، فالصواب هو ما يعّلمه الوالدين لاطفالهم فقط، وإذا واجه الطفل رأيًا مخالفًا من أى شخص آخر، فلا يسمع له من البداية لانه يريد أن يلحق به الأذى، أو يريد أن يهز ثقته بنفسه.
أين يكمُن الحل ؟!!!!!
يكمُن الحل في محاولة دحض هذه الأفكار الخاطئة من خلال التعرف على طبيعة ثقافة المحاجة ، والتى تعد مقياس للتحضر حيث تُعّرف ببساطة على أنها " قدرة الفرد على الدفاع عن آرائه وتقديم الحجج والأدلة والبراهين الواقعية لإقناع الطرف الآخربها، مع الحث على التخلى عنها في أى وقت إذا تم إثبات زيفها أو خطئها بشكل منطقى".
كيف نحقق ذلك؟
هناك عدد من القواعد التى يجب مراعاتها عند مناقشتك لقضية ما مع أطراف آخرى ومنها:
1- أنقد أفكار أو أراء الشخص وليس الشخص نفسه: لأنه إذا أدرك بأنك تبدى ملاحظات على ما يقال، وبطريقة عقلانية هادئة، فقد يستجيب لك ويعيد النظر في أفكاره،على العكس إذا شعر بأنك تهاجمه شخصيًا ، فيستنفذ كل طاقاته للدفاع عن نفسه ومنها الهجوم.
2- أحكم على ما يقوله الفرد أو يفعله في ضوء السياق الذى يقال فيه، وليس على ما قيل بالفعل: فعلى سبيل المثال حين ترى مرءوسًا يتحدث مع رئيسه بطريقة منفعلة، قد تتسرع وتحكم عليه على أنه متهور، وغير مهذب ، ولكن حين تعلم أن الرئيس قد تخطاه دون وجه حق في الترقية، قد تُعدل من حكمك السابق.
3- حين تقرأ أو تسمع بيانات من الطرف الآخر يجب عليك أن تسأل نفسك أولًا : ما مصدر تلك البيانات؟ وهل هى حقائق غير قابلة للنقاش أم آراء يمكن مناقشتها؟ هل البيانات متصلة بالموضوع أم مجرد مشتتات ؟ هل متناقضة مع بعضها أم متسقة؟
4- اعتمد على استخدام الأمثلة في كلامك: لتساعدك على تحديد ماذا تعنى ؟ كوسيلة للفهم وتوضيح المعنى.
5- تجنب الألفاظ ذات المعنى المزدوج (التوريات): حيث من الأسباب الرئيسية لسوء الفهم بين الناس هو استخدام كلمات تحمل أكثر معنى .
6- تقبل احتمال صحة بعض ما يقال ضدك: فهذا من باب النقد المباح وأنه باب لتطوير نفسك ، وحاول أن تشعِر الآخر أن أحكامك قابلة للمراجعة حتى يقبل التحاور معك.
7- قدم اعتراضك او تحفظك على حديث الاخر وافكاره دوما بصورة ايجابية: وليس في صورة نصيحة أو أمر
8- عندما تتحاور مع شخص ينبغى أن تحذف كلمة أنا أختلف : إذ أنه بمجرد سماعه لها سيتخذ موقفًا دفاعيًا على الفور ويصرف كل تفكيره ليس إلى الأستماع إليك، ولكن كيفية كشف مواقف الخطأ فيما تقول.
ونخلص إلى أنه إذا أتخذ الحوار هذا المسار ، ونجح الفرد في إقناع الآخر بأرائه بهذا الأسلوب المتحضر، سوف يساعده على زيادة ثقته بنفسه ، كما أنه سوف يكتسب احترام الآخرين وتقديرهم له، كما أننا نعكس في النهاية مدى تحضر أمتنا والتى تدرب أفرادها على إدارة اختلافاتهم بالكلمات لا باللكمات.
المراجع التى تم الإستعانة بها :
1- طريف شوقى .(2004). المحاجاة: طرق قياسها وأساليب تنميتها (ط2) فى عبد الحليم محمود السيد ، عبد المنعم شحاته، طريف شوقى (محررين). علم النفس الاجتماعى المعاصر. القاهرة: دار إيتراك للطباعة والنشر والتوزيع.