أميركا وروسيا شركاء في الأفكار.. أعداء في الاختيار!
علي الخشيبان
كتب (بزيزنسكي) مستشار الأمن القومي الأميركي في حكومة الرئيس كارتر رسالة الى الرئيس كارتر مع بداية غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان قال فيها: "يمكننا الآن أن نجعل الاتحاد السوفيتي يواجه حرب فيتنام هو الآخر"، لم تكن أميركا في ذلك التوقيت وغيرها من حلفائها العرب في الحرب ضد السوفييت يتوقعون أكثر من أن الاتحاد السوفيتي كان يطمح بكل قوة الى الوصول الى مضيق هرمز حيث إمدادات النفط العالمي تمر من هناك، كشفت الأيام لاحقا خلاف ذلك أن الاتحاد السوفيتي لم يكن قادرا على مواجهة هذه الفيتنام الأفغانية فبعد تلك الحرب بسنوات لم تصل في مداها الى عقدين من الزمن تفكك الاتحاد السوفيتي.
لننقل هذه الصورة الى العام (2016) لندرك انه مازال في جعبة الغرب مسار يحمل في طياته الكثير من الانتقام في مواجهة روسيا، ونحن ندرك ان السياسة الغربية تؤمن ان تعرض مصالحها يحولها الى وحوش شرسة مادامت قادرة، هكذا كتب ساسة أميركا تحديدا وهذه طبيعة الدول سياسيا عندما تتعرض مصالحها للخطر، فالحيادية في السياسات المرتبطة بالمصالح ليست خطوة حكيمة فهي في النهاية تنتج الضعف السياسي.
النصيحة التي قدمها مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر الديمقراطي حزبيا، تبعث نفسها من جديد في سوريا، فالسياسية الأميركية تتخذ اليوم مسارا جديدا لتطبيق هذه الاستشارة، فقد جربت في أفغانستان قيادة المعركة من الخلف عبر دفع المجاهدين حيث كانت فلسفة تلك المرحلة تقوم على منهجية "اقتله ولكن بسلاح لا تمسكه يدك" اليوم نشاهد في سوريا فلسفة جديدة جعلتنا نعتقد ان أميركا أصبحت صديقة لروسيا وأصبح بوتين يقود المعركة نيابة عن أصدقائه الأميركان، هذه ليست حقيقة مهما بدت نظرية المؤامرة أكثر انتشارا وأكثر تأكيدا في هذا الزمن.
فلسفة القرن الحادي والعشرين الأميركية مازالت كما هي تريد إعادة رسم المنطقة وتبحث بكل قوة عن فيتنام جديدة تغرق فيها روسيا لوحدها، ولكن هذه المرة بهدف القتل وليس الإنهاك والتفكيك، أميركا اليوم ترغب في تحقيق مجموعة أهداف سياسية، ولكن قبل ذكر هذه الأهداف فإن مستشاري الأمن القومي اليوم يتعاملون سياسيا مع هذه المرحلة في صراعهم مع روسيا وفق فلسفة تقول "شريك في الأفكار، عدو في الاختيار".
ماذا يعنى هذا الكلام تحديدا..؟ أميركا لم ولن تتجاوز عقدة الاتحاد السوفيتي فمازالت الرأسمالية الغربية وعطفا على تراكم هائل من المشكلات الاقتصادية والثقافية التي كانت الرسمالية خلفها تشعر بالقلق الأميركي الذي مازال في تنام شديد من روسيا، ما نراه اليوم من مسارات سياسية تبحث عن اتفاقات محتملة بين روسيا وأميركا تعبر عن فكرة الشراكة في الأفكار ولكن ذلك لا يتجاوز هذه المرحلة والحوارات السياسية بينهم أثبتت ذلك، فعندما يأتي الاختيار تعود أميركا لتكون عدوا شرسا للخيارات الروسية تساعدها في ذلك اوروبا وحلفاؤها.
أعود هنا الى القواعد السياسية التي تريد أميركا تنفيذها في المنطقة:
أولا: ترغب أميركا في الاستفادة القصوى من الأزمات العربية لجعل إسرائيل النموذج الديمقراطي والسياسي صاحب الإغراء الأكثر للجيل العربي الشاب، عبر تعزيز أفكار المشاركة السياسية والحزبية..
ثانيا: أميركا تسهم في صياغة نموذج مهتز عن الإسلام بحيث يتم تحفيز صناعة الأفكار المتطرفة في المنطقة والتي تطرحها الجماعات الجهادية بهدف خلخلة الثقة بين الإسلام وبين الشباب العربي المسلم.
ثالثا: إغراق روسيا وجرها الى منطقة تاريخيا يمسك الغرب وأميركا بقواعدها ويفهمها ويتحكم بها بشكل دقيق، بمعنى آخر هذه الحالة تشبه الحصان الهائج تمسك فيه أميركا والغرب باللجام بينما تمتطيه مع عدم الثبات روسيا التي توشك على السقوط، وتقف إيران خلفة وهي تضربه بالسوط الطائفي.
رابعا: تطمح أميركا لتحقيق فكرة التقسيم السياسي في المنطقة ليس بيدها ولكن عبر دعم سياسة بوتين التي تقوم على ان العنف يمكن ان يغير قواعد التاريخ.
في المواقع الالكترونية يظهر عدد الجماعات والفئات التي تتحارب في سوريا كبيرا والرقم مخيف جدا فلا يمكن لأحد أن يتصور تلك الأعداد الهائلة بتوجهاتها الأيديولوجية الأكثر رعبا، لقد فسرت تلك الأعداد الكبيرة من المتحاربين الكثير من الأسئلة حول قيام أوروبا وأميركا دون الاتحاد السوفيتي بإخلاء سوريا وتهجير سكانها ونقلهم الى أوروبا وأميركا وكل دول العالم عدا روسيا بهدف افتتاح مسرح من الصراعات الدولية والطائفية بجانب ما يحدث في العراق من استهداف طائفي ممنهج.
في الصورة النهاية فإن أميركا التي تتشارك الأفكار مع روسيا ولكنها تخالفها في الاختيار ساهمت منذ البداية بدفع إيران لتقتات من مخلفات سياساتها وصراعاتها في المنطقة عبر السماح لها ودعمها بترسيخ الصراع الطائفي كي يضمن الغرب أن تكون إيران جدارا عازلا يغض الطرف عنها بين الغرب والمسلمين بهدف إشغال المسملين بالصراعات الطائفية، بينما يتفرغ الغرب لتحقيق أهدافه.
وأختم بما قاله أحد وزاء الخارجية في دولة خليجية "اعرف ما يحدث في سورية، وستفتح الأوراق يوما".
المصدر: http://www.alriyadh.com/1546015