حوار الحضارات أم صدامها؟
حوار الحضارات أم صدامها؟
المستقبل - الثلاثاء 22 آذار 2011
جيروم شاهين
اهتمت المؤتمرات والندوات والمجلات العربية ببحث مفهوم حوار الحضارات، أو صدامها إذا استعرنا أطروحة الباحث الأميركي الراحل صمويل هنتنجتون الذي بشّر بصدام الحضارات عنواناً للعالم بعد زوال الكتلة الاشتراكية وحلول الاسلام ككتلة نقيضة للغرب بديلاً للاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية زمن الحرب الباردة. وقد شكّل هنتنجتون مرجعية أساسية في بحث مفهوم وحوار الحضارات، أو العلاقات التي تقوم في ما بينها. وصار تصوره للعلاقة بين الثقافات يثير الكثير من الجدال في المؤتمرات والندوات والمقالات والبحوث المنشورة في المجلات. بهذا المعنى فإن رحيل هذا الكاتب الأميركي، الذي كان كتابه "صدام الحضارات" وصفة للحروب، كما رأى العديد ممن كتبوا عنه في العالم العربي، جعل عدداً من المجلات العربية تستعيد رؤيته للعلاقة بين الحضارات وتحليله لأسس الصراع في حقية ما بعد الحرب الباردة.
تشير مجلة العربي بعد رحيل هنتنجتون في نهاية العام 2008 في مقالة طويلة تعرّف بعمل الباحث الأميركي الذي اعتبرت أطروحته حول صدام الحضارات بمثابة اعلان حرب على العالم الاسلامي، وقيل أحياناً انها كانت ملهماً للحرب على أفغانستان والعراق. يجادل هنتنجتون في كتابه "صدام الحضارات" أن البشر في حقبة ما بعد الحرب الباردة أخذوا يكتشفون من جديد هوياتهم الثقافية، التي تعني لهم أكثر بكثير مما يعنيه أي شيء آخر. وقد أصبحنا نرى، لهذا السبب، أعلاماً ترتفع وصلباناً وأهلة وأغطية رأس للدلالة على الهويات الثقافية القديمة. وهو يتخوف من أن تؤدي الاصطفافات الجديدة، استناداً إلى الانتماءات الحضارية، إلى اندلاع حروب بين الأعداء الحضاريين القدماء خصوصاً أن البشر الذين يبحثون عن هوياتهم الثقافية ويعيدون الارتباط بالأعراق التي ينتمون اليها بحاجة إلى أعداء يؤكدون لهم اختلافهم.
ومن هنا فإن المحور المركزي للكتاب هو أن الثقافة والهويات الثقافية، أي الحضارات بالمفهوم الأوسع، ستشكل أنماط الصراع والصدام والتفكك في حقبة ما بعد الحرب الباردة. ويضرب هنتنجتون مثلاً على ذلك عملية الاصطفاف السياسي في حرب البوسنة حيث وقفت روسيا عسكرياً وسياسياً إلى جانب الصرب. فيما دعمت السعودية وتركيا وإيران وليبيا البوسنيين لأسباب القرابة الثقافية والحضارية.
ونشرت مجلة "التسامح" العمانية تصوراً عن العلاقة بين العرب والغرب، محللة عملية الاستقطاب الحاد بين نظرية المؤامرة الرائجة في الواقع الثقافي والفكر العربي، ونظرية "صدام الحضارات" التي صكّها هنتنجتون. فهناك شكوك متبادلة أتت إلى ترويج مقولة صدام الحضارات في الغرب، كما أدت إلى رواج نظرية المؤامرة في العالم العربي حيث تشاع في أوساط العامة والخاصة هواجس وشكوك في كل ما يفعله الغرب تجاه العرب. لقد انهارت جسور الثقة التي حاول المثقفون العرب والغربيون بناءها، بعد رحيل الاستعمار، وعلى مدار عقود من الزمن، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول. وليست النظريتان سوى عقدتين حضاريتين تعبران عن نوع من التعصب للذات والهوية الخاصة، بكل من الغرب والعرب، وإن اختلفت الركائز والمنطلقات على الجانبين. فالتعصب الغربي للهوية يضرب صفحاً عن فكرة الحرية، التي فهمها العقل الغربي ومارسها على أنها "حريته" التي لا تتوقف عند حرية الآخر. ومن ثم وقع الغرب في مأزق التناقض بين الحرية والتعصب لهذه الحرية الخاصة بت وحده، والتي حاول فرضها على الآخر بالقوة، في ما يمكن أن نسميه تصدير الديموقراطية. في المقابل يتبدى التعصب العربي للهوية بوصفها أصالة السلف حيث يعيش العرب المعاصرون في ما يمكن أن نطلق عليه وصف "الخوف من العالم الحديث"، وذلك منذ انبثق وعينا بهذا العالم وسنتجه، أي الغرب. وإذا كانت عقدة صدام الحضارات تضرب بجذورها عميقاً في "نزعة التمركز الغربي حول الذات"، التي ألهمته كثيراً من رؤاه ومواقفه، منذ بدء صعوده الحضاري، فإن ذهنية عقدة المؤامرة في الفضاء الثقافي والوجودي العربي هي أقرب إلى أن تكون "حالة وجدانية" "نفسية" منها إلى موقف استراتيجي واعٍ.
تبدو أطروحة هنتنجتون إذن مثيراً لما نشرته الدوريات وناقشته بعض المؤتمرات والندوات والمجلات العربية. فقد اختارت جريدة الحرية التونسية، على سبيل المثال، وفي مؤتمرها الذي عقدته في العاصمة تونس تحت عنوان "الاعلام وحوار الحضارات"، اعادة النظر في طريقة بحث المؤسسات الاعلامية لمفهوم حوار الحضارات الذي يحضر بقوة في الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية في البلدان العربية جميعها. وقد ناقش المؤتمر دور وسائل الاتصال في الدفاع عن صورة العرب الحقيقية في الخارج، وتساءل عما اذا كانت صورة العرب في العالم الغربي قد تغيرت خلال العقد السابق، ما يجعل من الضروري ان تحاول وسائل الاعلام العربية، خصوصاً تلك المنشورة باللغات الأجنبية، أن تعمل على تحسين هذه الصورة المتغيرة نحو الأسوأ في الخطاب الغربي. لقد أثرت أحداث أيلول على علاقة الغرب بالعرب وأحدثت تصدعات وشروخاً كثيرة. لكن التناقضات الصارخة في المشهد الإعلامي العربي تؤجج الشعارات العرقية والطائفية والمذهبية ولا تترك مجالاً للتقارب والتصالح، أو الحوار بين العرب في ما بينهم، والعرب من جهة والغرب وبقية شعوب العالم وأممه وحضاراته من جهة أخرى.
لقد عمل تركيز منتدى أصيلة على علاقات الجنوب الجنوب السياسية والاقتصادية والثقافية، كما التاريخية، على نقل حوار الحضارات إلى محور آخر، فإذا كانت العلاقة بين العالم العربي ودول الشمال متأزمة بسبب تشديد الخطاب الغربي على كون العالمين العربي والاسلامي مصدرين للتطرف والارهاب، فإن دول الجنوب تبدو جاهزة لإقامة علاقات أكثر ايجابية مع العالم العربي. وبذلك يتوسع مفهوم الحوار بين الحضارات والثقافات، الذي تركز على مدار سنوات على العلاقة بين العرب والغرب، وكأن الكرة الأرضية لا يسكنها الا الأوروبيون والأميركيون الشماليون!.
المصدر: http://zatelemad.com/play-8741.html