لماذا لا يثق الأمريكيّون في وسائل إعلامهم؟

فايز الشهري

 

يعد الإعلام الأمريكي (القديم والجديد) هو الأضخم حجماً والأكثر تأثيراً وانتشاراً داخل الولايات المتحدة وخارجها. ومع هذه السيادة الإعلاميّة الأمريكيّة الهائلة فإن مستوى ثقة الجمهور الأمريكي في وسائل إعلامه تتراجع بشكل مخيف. وهذا التراجع الذي كشفت عنه مؤخراً استطلاعات غالوب (Gallup polling) مستمر منذ سنوات. وتقرّر "غالوب" بأن هذا ليس جديداً فثقة الأميركيين في وسائل الإعلام تتآكل مع مرور الوقت، ولكن الحملات الانتخابيّة الرئاسيّة بين "ترمب" و"كلنتون" ربما أسهمت في خفض الثقة الحاد هذا العام (32% فقط لديهم ثقة في وسائل الإعلام).

وبشكل عام فإن أسباب تراجع ثقة الأمريكيين في وسائل إعلامهم ظلت وما زالت قضيّة أمريكيّة ساخنة تارة باتهام العائلات والتكتلات الضخمة المالكة للوسائل بالجشع وإخراج الإعلام عن دوره كخدمة اجتماعيّة تنويريّة، وتارة أخرى بالتفسيرات التآمريّة التي ترى أن الهيمنة على الإعلام الأمريكي هي ثمار خطط صهيونيّة أو ماسونيّة للسيطرة على أكبر قوة في العالم. أمّا أن يكون سؤال "لماذا لا يثق الأمريكيون في وسائل الإعلام؟" عنوانا رئيسا ضمن عناوين مجلة "The Atlantic" الشهيرة والرصينة (عدد 16 سبتمبر 2016) فهذا يعني الكثير. ويناقش كاتب الموضوع "ديريك طومسون" تقرير "غالوب" عن تراجع ثقة الأمريكيين في وسائل إعلامهم ضمن أربع فرضيّات متداخلة: الأولى: أن وسائل الإعلام هي من روّجت هذه المقولات فصدقها الناس، والثانية: سباق الحملات الانتخابيّة وتقاطع المصالح، الفرضيّة الثالثة: الحياة الحديثة التي خفّضت الثقة ليس في الإعلام وحده وإنما في كثير من المؤسسات مثل الكنيسة والخدمات الطبيّة والمدارس العامة وغيرها. أما فرضيّة ديريك الرابعة فتقول بأنّه بات من السهل العثور على مصادر أخبار توافق وجهة نظر الجمهور ومصادر أيضا تؤجج الغضب ضمن سباق المؤسسات الإعلاميّة على التقييم والرواج بما في ذلك منصات الإعلام الجديد وهي تقدّم للجمهور المعلومات والأخبار التي يتفقون معها.

ومن آخر القضايا التي أثارت أسئلة "مصداقيّة" الإعلام الأمريكي تلك الرسائل الإلكترونيّة التي تسربت عن اختراق مراسلات الرجل الصامت "كولن باول" وزير الخارجيّة الأمريكي السابق الذي قال عن "ترامب" في رسالة مسربة بأنه عار وطني “national disgrace” وشخص منبوذ دوليا "international pariah" يتحالف مع عنصريين. وقد يبدو هذا الرأي مستغربا من شخصيّة "جمهوريّة" بارزة تجاه مرشح حزبه ولكن لسان "ترمب" "الفالت" وهو يسخر من الملوّنين والمهاجرين يبدو انه أثار حفيظة "باول" الجامايكي الأصل فخرج عن وقاره. وهذا الرجل قليل الكلام نشرت له رسالة مسربة أيضا واصفا فيها الديمقراطيّة "هيلاري كلنتون" بأن لديها سجلا طويلا من الجشع والطموح الجامح "a long track record, unbridled ambition, greedy".

وحيث (ينبغي أن) يتكئ الإعلام في ممارساته على معايير مثل الدقة، والأمانة، والموضوعيّة فإن مسألة الموثوقيّة في الإعلام تأتي نتيجة طبيعيّة لتجذّر هذه المعايير. وفي تجربة المدرسة (الليبراليّة) الأمريكيّة في الإعلام وانتكاساتها ونقدها اليوم دروس مجانيّة للإعلام العربي الذي تاهت مهنيته بين الترفيه الممجوج أو التزلف السامج ناهيك عن ضعف الإسهام الفاعل في قيادة التنمية البشريّة الإيجابيّة.

قال ومضى:

إن كنت لا تملك تغيير ما حولك فلا تحرم نفسك شرف تشجيع القادرين على ذلك.

المصدر: http://www.alriyadh.com/1534182

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك