السقوط المتوقع للنظام الإيراني
عبدالله موسى الطاير
معظم الإيرانيين لا يؤمنون بعصمة المرشد، ولا بالتخويل الإلهي الذي يدعيه، ولكنهم قليلو الحيلة؛ فخوفهم على إيران يجعلهم يتصرفون بروية.
نظام ولاية الفقيه مدرك تماما أن شرط بقائه في السلطة مرهون بقدرة حرسه الثوري على إبقاء المنطقة المحيطة بإيران مشتعلة، إضافة إلى إحكام القبضة الأمنية على الداخل، ولذلك زيدت ميزانيته 50% رغم ظروف الاقتصاد الإيراني، وقد صرح وزير الدفاع السابق "شامخاني" أثناء تأبين أحد قيادات الحرس الثوري الذي قتل في العراق بأنه من أجل تجنب سفك الدماء في طهران، يجب على الإيرانيين أن يضحوا بدمائهم في العراق، أي أن النفوذ الإيراني في الخارج يحافظ على النظام متماسكا قويا في الداخل.
وإذا كان ما قاله المسؤول الإيراني هو ترياق الحياة لولاية الفقيه، فهل الإيرانيون جميعا مع هذا الدواء؟ كثير من الدراسات المتخصصة في الشأن الإيراني تجيب بالنفي، ولكن مليشيات الباسيج التي تتغلغل في مفاصل المجتمع الإيراني تجعل نقد أو الاعتراض على سياسات ولي الفقيه أسرع الطرق بصاحبها إلى السجن أو القبر.
هنا يكون السؤال مشروعا عن علاقة الحكومة الإيرانية بمؤسسة ولاية الفقيه وأين يمكن أن تصطف الحكومة التي انتخبها الشعب؟
هل ستكون معه أو مع ولاية الفقيه؟
الحقيقة أن الوضع الداخلي الإيراني معقد جدا، وقد صمم بحيث يصعب فهمه حتى على الإيرانيين أنفسهم، فالرئيس الإيراني المنتخب -بموافقة المرشد الأعلى- يتمتع بحرية نسبية في السياسة الداخلية والاقتصاد وهي مساحة تمنحها له المؤسسة الأمنية بأمر من المرشد.
وفي حوار صحفي لها بعد أن منعت من زيارة إيران قالت الصحافية الأميركية المتخصصة في الشؤون الإيرانية لورا سيكور إن الانفتاح الذي حدث في بداية عهد الرئيس خاتمي لم يكن ليحدث لو أن المرشد كان ضده تماما، وأن قرار وأد أجندة خاتمي الإصلاحية لم يكن لينفذ لو لم يكن المرشد مؤيدا لذلك القرار. والمرشد -كما تقول- يوعز لمحاور ضغط محددة، وجماعات مصالح معروفة لتتحرك في الوقت المناسب وتحقق إرادته دون تدخله المباشر.
ويتبادر سؤال حول حتمية سقوط النظام ومتى؟ فتجيب لورا بأن الإيرانيين لديهم عقيدة راسخة في إيران كبلد، ولكنهم مضطرون إلى السير في ركاب النظام كما سار مواطنو أوروبا الشرقية ضمن الإطار البيروقراطي لحكوماتهم رغم عدم شعبيتها، ولكنهم كانوا يلمحون مؤشرات سقوطها تلوح من خلفهم وإن ابطأت. أحد أركان قوة النظام في الداخل تمثل إلى وقت قريب في فكرة الثورة، والتحرر، ودعم حركات التمرد حول العالم، وتعظيم خطاب العداء للاستعمار والاستكبار العالمي وبخاصة الأميركي، بيد أن هذا الركن بدأ يتهاوى مع تغير حاد في فكر الثورة ووقوفها ضد الثوار في سورية، وتورطها في قتلهم وتشريدهم واصطفافها إلى جانب النظام على عكس مبادئها التي تبقيها قوية في الداخل، كما أنها تخلت عن ركن آخر أصيل في فكرها الثوري وهو العداء لأميركا ودخولها معها في مفاوضات برنامجها النووي، وتعاون البلدين في أكثر من موقع في محاربة الإرهاب. هذا التقهقر عن ثوابت الثورة الأيديولوجية كفيل بإثارة أسئلة الداخل وحثه على إعادة التفكير في خياراته.
معظم الإيرانيين لا يؤمنون بعصمة المرشد، ولا بالتخويل الإلهي الذي يدعيه، ولكنهم قليلو الحيلة؛ فخوفهم على إيران يجعلهم يتصرفون بروية، وبمرور الوقت يتولى النظام إضعاف نفسه ما يسمح بانتعاش التيارات المناهضة له. وعندما يشعر الإيرانيون بأن ثمن البقاء في ربقة العبودية لمرشد يعتبر نفسه الحاكم بأمر الله نيابة عن الإمام الغائب أغلى من ثمن الثورة عليه فإنهم بدون شك سوف يتجهون نحو التغيير وسيكون شعارهم الذي يتغلبون به على الخوف هو "هيهات منا الذلة". وقد لا ننتظر أكثر من تساوي كفة المخاطر والفرص في إزاحة النظام ليتأسس الحد الفاصل للتحرك ضده.
صحيح أن النظام على مدى 37 عاما عمل على تحصين نفسه ضد الثورات من خلال التربية الأيديولوجية لأتباعه وللجهاز الأمني الضخم والمتغلغل في مفاصل المجتمع الإيراني، ولكن أبناء الثورة وأحفاد رجالها المخلصين تسري عليهم سنن التغيير، والزمن والأحداث ونكوص قيادة الثورة عن مبادئها كفيلة بتهذيب قناعاتهم والعودة بهم تدريجيا إلى حالة الوعي بعد السبات العقدي الذي أدخلتهم فيه ولاية الفقيه.
فارس (إيران) ليست غريبة على الثورات، فبين العامين 1905-1911م قامت الثورة الدستورية وانتهت بتغييرات في هرم القيادة وقيام البرلمان وإعلان الدستور. وبعدها بـ 52 عاما كانت الثورة البيضاء التي تكونت من سلسلة من الإصلاحات الاستراتيجية بدأها الشاه محمد رضا بهلوي عام 1963م واكتملت في عام 1978م. ثورة الشاه البيضاء تمثلت في إضعاف فئات الشعب التي دعمت النظام التقليدي، واتخذ لتحقيق ذلك عدة مبادرات منها الإصلاح الزراعي، وبيع بعض المصانع المملوكة للدولة من أجل تمويل الإصلاح الزراعي، منح حق التصويت للنساء، وتأميم الغابات والمراعي، وانتهت هذه الإصلاحات بزوال حكم الشاه ونفيه وموته خارج إيران. هناك إذاً رهان على المزيد من الأخطاء التي يرتكبها النظام الحالي، في مقابل انفتاح الشعب الإيراني على العالم.
ويقيني أن ذلك سيعجل بوتيرة سقوط النظام أسرع مما يتوقع البعض. فالعبء الذي يتحمله الإيرانيون في رعاية الإرهاب، وتصديره، وتأسيس وتمويل التنظيمات الإرهابية حول العالم، والمشاركة في قتل الشعوب العربية المسلمة سوف يتعاظم معه الشعور بالذنب والرفض المطلق لهذا النوع من الأعمال التي هي من صميم عمل المرشد وتتنافى مع تطلعات الشعوب الحرة المتحضرة.
وفي هذا السياق كتب اللورد Ken Maginnis مقارنا بين الظروف التي سبقت ثورة عام 1979م من الانحطاط غير المنضبط، والشرطة السرية والتعذيب والإعدام، ومعارضة معظم الشعب الإيراني لأجندات الدولة الإصلاحية وهي الظروف التي أسقطت الشاه محمد رضا بهلوي في فبراير من عام 1979م، وبين حال الإيرانيين بعد مرور حوالي 37 عاما، فتلك البيئة التي احتضنت الثورة تبدو الآن مألوفة لدى الإيرانيين في جميع أنحاء البلاد وفي الخارج، فالنظام الحالي أكثر وحشية من نظام الشاه، والاقتصاد يعيش حالة من الفوضى بسبب تصلب ولاية الفقيه التي تعيش خارج مرحلتها الزمنية. وبذلك فإن سقوط نظام الملالي لم يعد محل اختلاف بين المراقبين، ولكن التوقيت والكيفية يبقيان محل جدل حتى الآن.
المصدر: http://www.alriyadh.com/1526320