أثر الفن والجمال في صناعة القادة
أ. محمد أبو راتب
أسعد ما يتمناه الإنسان في حياته أن يوصف بأنه رجل، والرجال مواقف. فالرجولة خَصلة حميدة تنمو معه عبر مراحل عمره، وتتأثر بشكل مباشر بتربيته البيتية والمدرسية والاجتماعية. فما أجمل أن تصنع رجلاً تفتخر به وقْتَ الشدائد، وما أروع أن تربي قائداً يقودك إلى النجاح، وما أبهى أن تصحب من الرجال من تأمنه على مالك وعرضك وأولادك.
قال المأمون للحسن بن سهل: نظرت في اللذات، فوجدتها مملولة إلا سبعاً. قال: وما السبع يا أمير المؤمنين؟ قال: خبز الحنطة، ولحم الغنم، والماء البارد، والثوب الناعم، والرائحة الطيبة، والفراش الموطأ، والمنظر الحسن من كل شيء. فقال: وأين أنت يا أمير المؤمنين من محادثة الرجال؟ قال صدقت، هي أولى منهن.
إن صناعة القائد تقوم على الإيمان بأن التنمية البشرية عملية ضرورية لتحويل الشباب من أشخاص ذوي طبيعة عادية إلى أشخاص ذوي طبيعة خاصة تحمل في طياتها عناصر التأثير لدى الآخرين. ويمكن أن يكون للفن دور كبير في مثل هذا المشروع. ولتحقيق هذا الهدف الرئيسي في عملية صناعة القائد الذي نطمح إليه، لابد لنا أن نتفنن في تنشئة الجيل الجديد، لأن قادة الغد هم فتيان الحاضر. لذلك علينا أن نبني في داخلهم الانتماء للأمة والوطن والقيم التي نؤمن بها.
وهنا يلعب الفن دوراً حقيقياً في تعميق هذا الانتماء وترسيخه في نفوس الشباب. ففي النشيد الوطني أو السلام الملكي مثلاً يتم ترسيخ الانتماء الوطني للفرد وترسيخ محبة الوطن في القلب والوجدان. لذا اعتمد كل قُطْر من أقطار العالم نشيداً خاصاً يُعرَف به. فينشده أبناؤه أينما كانوا شوقاً له وانتماءً لأرضه. وبهذا تلعب الأناشيد الوطنية والقومية دور الوازع القومي والوطني للفرد رئيساً كان أم مرؤوساً. وفي النشيد الديني والإسلامي انتماء لقضايا الأمة وعقيدتها والعيش في كنف قيَمها، وفي الدراما الشعبية إحياء للتراث الشعبي بقيمه وتقاليده. فلابد للفنانين أن يتمتعوا بانتماء حقيقي لعقيدة الأمة فيحيون في فنهم التراث الحميد والتقاليد الجيدة، وبالتالي يساهمون في رقيِّ المجتمع المتتبع لهم وطهارته.
وكذلك نجد تأثير الأفلام التلفزيونية والسينمائية على الناس، حيث تساهم في تشكيل الرأي العام تجاه كثير من القضايا.
وفي التصاميم العمرانية هندسة فريدة تزيَّن بها المدن لتعرف بها، فتُعرَف دمشق بالجامع الأموي وتعرف القاهرة بالأهرامات وتعرف باريس ببرج إيفل وتعرف لندن بساعتها (بغ بن)، وهذا هو جمال الفن المعماري الذي كرس هذا الانتماء. فيشعر المصري بالفخر عندما يشار للأهرامات والفرنسي عندما يشار إلى برج إيفل، وهذا أكبر دليل على دور الفن في تشكيل الشخصية لدى الفرد والمجتمع، وأثره في عملية الانتماء التي يحتاجها الفرد والقائد على حد سواء. مع تأكيدنا على انتمائنا للأمة الإسلامية فوق كل انتماء، وخاصة لو أخذنا بالاعتبار ما تهدف إليه الحركة الماسونية، إذ تركز على الآثار والعناية بها أكثر مما يجب، لصرْف الناس عن عقيدتهم وتمسكهم بوحدة الدين والانتماء للأمة، وشغْلها بالآثار والمتاحف وغيرها.
وفي مشروع بناء القائد لابد من وضع برنامج تعليمي يركز على تنمية الشخصية وزرْع القيم النبيلة فيها والتركيز على الانتماء إليها، ويؤكد في ذلك مثلاً على القضايا المتعلقة بالهوية، واحترام الذات، وتطوير مهارات الاتصال، والعلاقات الشخصية التي تتيح فرصاً للتدريب في خدمة المجتمع والقيادة، ويركز على مسائل أخرى أساسية في تطوير المجموعة لتصبح عناصرها متميزة ومتزنة الشخصية، قادرة على الوفاء بمسؤولياتها في إدارة المجتمع. ويكون القاضيَ في ذلك منهجٌ منظم لمواجهة شاملة.
أما الهدف من الخدمة فهو عبادة الله، وخدمة المجتمع من خلال المواطَنة المسئولة والفاعلة. ولكي تكون قوية وفاعلة ينبغي أن يكون الفن الركن الأساسي في وسائل التربية في مثل هذا المشروع، لأن لغة الفن لغة سهلة بسيطة تتناغم مع الفطرة ولا تحتاج لبالغ جهد حتى تحقق أهدافها.