الحوار هو لغة الإسلام
الحوار هو لغة الإسلام
الشيخ فوزي الزفزاف
قبل أن نتحدث عن أهمية الحوار الديني والحضاري ومدى الحاجة إليه، أو عن عدم أهميته وعدم الحاجة إليه.. يتطلب الأمر أولا أن نبين موقف الإسلام من الحوار بصفة عامة: سواء أكان بين المسلمين وغير المسلمين، أو بين المسلمين فيما بينهم، وهل الإسلام يقر الحوار ويدعو إليه أم يرفضه ولا يوافق عليه؟. نقرر ونؤكد على أن الحوار هو لغة الإسلام وقد قضى الله سبحانه أن تكون علاقته جل شأنه بمخلوقاته قائمة على أساس الحوار الإقناعي وليس على أساس القهر والإكراه، وأن القرآن الكريم وهو دستور المسلمين ، ومصدر عقيدتهم وشريعتهم قد وجهنا إلى أن الحوار هو الأسلوب الذي يجب على المسلمين اتباعه عند بحث القضايا والمشكلات، وعند مناقشة حل الخلافات التي تنشأ بين المسلمين وغيرهم، أو بين المسلمين بعضهم مع بعض.. وأن الحوار هو اللغة التي استعملها الله جل شأنه مع مخلوقاته ليرشدنا إلى استعمال الحوار في جميع مجالات حياتنا.
من أجل الوصول إلى الحق عن اقتناع عقلي، وارتياح نفسي، واطمئنان وجداني.. كي يعيش المجتمع الإنساني في إخاء وتواصل، وأمن وأمان، وحب وسلام. وقد أراد سبحانه أن يعلمنا عمليا ومن خلال القدوة أن النهج السليم في تأسيس وادارة العلاقات بين البشر، أن يكون قائما على أساس مبدأ الحوار وحسن استخدامه مع الناس كافة أفرادا كانوا أو جماعات، أو شعوبا وحضارات، مسلمين وغير مسلمين : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) "البقرة : 83 "، و(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً) طه: 44"، و(وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) "الأحزاب: 70"، و(وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) "العنكبوت: 46" إلى آخر الآيات القرآنية التي تؤكد على ذلك. نقرأ القرآن الكريم فنجد أن مادة "القول" وما اشتق منها: كقال، ويقول، وقل، وقالوا، ويقولون، وقولوا ...الخ، هذه المادة التي تدل على التحاور والمناقشة والجدال والمعارضة والمراجعة بين الناس فيما يتعلق بأمور حياتهم، قد تكررت في القرآن الكريم أكثر من ألف وسبعمائة مرة. فمثلا لفظ "قال" قد تكرر في القرآن الكريم أكثر من خمسمائة مرة، ومن ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَيَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ) "البقرة: 258". ولفظ "قالوا" قد تكرر في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة، ومن ذلك قوله سبحانه: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَاتُؤْمَرُونَ ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ، قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) "البقرة: 67 -71". ولفظ "يقول" قد تكرر في القرآن ثمان وستين مرة، ومن ذلك قوله تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ) "المائدة: 109". ولفظ "قل" تكرر في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة، ومن ذلك قوله سبحانه : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) "الأنعام: 19". ولفظ "يقولون" قد تكرر في لقرآن الكريم أكثر من تسعين مرة، ومن ذلك قوله جل شأنه: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً) "الكهف: 22". وأسلوب الحوار والجدال وعرض الآراء والمناقشة في القرآن الكريم يتسم باتساع دائرته وتعدد قضاياه، وشموله لما لا يحصى من الموضوعات. فهناك محاورات بين الخالق عظمت قدرته وبين مخلوقاته من الرسل الكرام ومن الملائكة المقربين، بل ومن الشيطان الرجيم. وهناك حوار بين الرسل وأقوامهم، أو بين الأخيار والأشرار، أو بين الأخيار فيما بينهم، أو بين الأشرار فيما بينهم. وهناك حوار مع أهل الكتاب، أو مع المنافقين، أو مع المقلدين لسابقيهم في الباطل والضلال، أو مع السائلين للرسول عليه الصلاة والسلام. وهناك حوار يدور حول إثبات وجود الله جل شأنه ووحدانيته، وحول الدعوة إلى الإيمان باليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء، وثواب وعقاب، وهناك حوار حول القرآن الكريم وإعجازه.. الخ ما ورد في القرآن الكريم من حوارات في موضوعات كثيرة.. فهذه الآيات الكثيرة التي تكررت في القرآن الكريم، وردت فيها مادة "القول" وما اشتق منها، والتي تكررت أكثر من ألف وسبعمائة مرة كما أشرنا سابقا إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الحوار هو لغة الإسلام، وأنه اللغة التي ارتضاها الخالق جل شأنه لعباده للمناقشة والجدال والتفاهم في حل مشاكلهم وقضاء مصالحهم.