كيف تجمع بين العدل والإحسان؟

يقول الله تعالى : ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان …”

في هذه الآية الجامعة للمنهج الخلقي الإسلامي ، تركيز واضح على أمر المسلم بالتزام خلق العدل مع الاحسان ، وعلى تحريم البغي مع الايذاء للآخرين .

ومن المفاهيم القاصرة في أذهان الكثيرين أن العدل أمر إلهي موجه لمن تسلم مسؤولية من البشر ، أو أنه يتحقق في عمل الهيئات والمجالس والمؤسسات الاجتماعية، وليس على أفراد المسلمين دور في تحقيق العدل .

والحق أن المواضع التي جاءت فيها التوجيهات الإلهية والنبوية لإقامة ميزان القسط والحفاظ عليه يلاحظ فيها أن على الأفراد مسؤولية لا تزول بحال ، وفي بعض المواقف قد تكون العدالة العامة المتعلقة بالمجتمع كله متعلقة بتصرف فرد واحد، مثل الشاهد في مجلس القضاء.

وفي هذا المقال نشير إلى بعض الأساليب المتعلقة بالفرد الواحد ، التي تمكنه من الإقامة على العدل ، ودوام الإحسان ، ليكون ممن يجتمع فيه العدل والإحسان، فمن هذه الأساليب :

–        مراجعة النفس وتنبيهها وتحذيرها من الوقوع في أي اساءة أو ظلم ، واتخاذ القرار الصريح باجتناب الظلم ، ومعاهدة النفس على السعي لإقامة القسط في كل موقف ومشهد ومجلس أشارك فيه ، وجعل هذا الالتزام شاملاً لكل علاقات الفرد ومحيطه ، مع نفسه وأسرته وأهله وأصدقائه وزملاء عمله وعامة مجتمعه ، وحماية هذا الالتزام بحسن الخلق والتودد إلى الناس.

–        في حالات التنازع والصراع ، على المؤمن أن يسعى للانتصار بالتقوى ، ليس بالبغي والاعتداء ، حتى لا يتحول إلى ظالم بعد أن كان مظلوماً، وما يتركه لله ، يعوضه الله خيراً منه ، أما ما يناله بسخط الله ، فقد يكون مدخلاً ليخسر ما ناله وهو صاحب حق .

 

–        إذا وقع المؤمن في موقع القادر على عقوبة من ظلمه ، عليه أن يعتدل في هذه العقوبة حتى لا يقع في البغي ، وإن عفا وأصلح فتلك منزلة أرفع ، والعفو في حال المقدرة وظهور الحق لا ينافي العدل .

–        الحرص على إرادة الخير لكل الناس، وجعل هذا الحرص حاضراً عند حضورهم، بل سابقاً لكل نشاط اجتماعي يشارك به الفرد ، فإرادة الخير السابقة تطهر النفس من نوازع الغل والحقد ، وتنبه الفرد إلى مواطن الشطط في أحكامه وتصرفاته .

–        جعل إرادة الخير للآخرين عامة شاملة ، تشمل كل المسلمين ، من عرفت منهم ومن لم أعرف ، وتتصل بكل الناس ، مسلمهم وكافرهم ، هذه الإرادة الشاملة تجعل المؤمن يسر عند كل خير يناله أحد من الناس ، وهي بهذا العموم تطهر القلب من الخبث ، وتجعل صاحبها ينتبه عند حرمان الخير حتى عند البعيد ، وتبعد صاحبها عن تخصيص من هو قريب منه بأي شكل ينافي العدل أو يوقع الظلم .

–        الإنصاف من نفسك أولاً ، بادر إلى مراجعة ذاتك ومحاكمة نواياك وتصرفاتك ، وإن كان عليك حق ، ولو قليل ، بادر إلى تأدية ما عليك ، ولا توقف ذلك على اشتراط أن يعطي كل الآخرين حقوقهم ، فإن ذلك يقرب تحقق العدل، ويسهل على النفس الإحسان.

–        السعي والمبادرة بالعطاء ، حتى يعرف المرء بذلك ، وحتى لا يفوته موضع يتهم فيه بتقصير ، ولا يقع في موقف يتهم فيه بإساءة ، وحتى تحب نفسه مشاعر الخير والحب ، وتنبذ مشاعر الأنانية والكراهية والحقد .

وبعد … هذه مداخل مختلفة قد تساعد المرء في تحقيق أمر الله بالعدل والاحسان ، قد يكون بعضها أوضح من بعض ، أو أقرب لبعض الناس من البعض ، ومن اتبع أمر الله وقصد رضاه سيجد للخير أبواباً كثيرة ، ربما لن يحصيها الإنسان إن قصد دخولها كلها ، لكنه يبادر لدخول الأقرب إليه منها . جعلنا الله ممن يحققون حسن القول وحسن العمل ، والحمد لله رب العالمين .

المصدر: https://alfajrmg.net/2015/02/03/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%AC%D9%85%D8...

الأكثر مشاركة في الفيس بوك