من معالم التعارف: لابد من الاعتراف بالآخر؟
من معالم التعارف: لابد من الاعتراف بالآخر؟
لاريب أن هناك هامش من القلق يؤثر على واقع المجتمعات العربية و الإسلامية، يتراوح بين المد و الجزر، حسب التطورات الجوهرية التي تمس العمق الاجتماعي العربي و الإسلامي، و لعل التحول السياسي الطائفي ينال القسط الأوفر في حجم التأثير، ليس فقط لأنه هناك نقص في الوعي السياسي و تشوه في التصور السليم للرشاد السياسي و إنما لأن مفهوم السياسة أصلا في وعينا الثقافي كعرب و مسلمين منذ قرون يعرف اضطرابا تداوليا، و هذا الاضطراب ينعكس آليا على الوعي الاجتماعي للتنوع و التعدد الطائفي و المذهبي و ما هنالك من تمايزات تاريخية ...
هذا القلق ناتج من موروثات ثقافية و اجتماعية بلغت مستوى القداسة لدى إنساننا، و هذه القداسة جعلت الفرد أو الجماعة أو الطائفة أو الحزب، يركن لما يعرف بالعجب الذاتي كعلامة فارقة بينه و بين الآخر المجاور أو المقابل في الساحة العربية و الإسلامية، و مع تضخم هذه العقدة العجبية في الأنا العربي و الإسلامي أصبح مفهوم التعارف غريبا عن الثقافة العربية و الإسلامية النقية، لأن التعارف كمفهوم ليس فقط يشكل هالة ثقافية أمام المقدسات الثقافية المستحكمة في واقعنا و لكنه يصطدم بجدار إنكار الآخر...
بصراحة: هناك تساؤل كثيرا ما حاولت بحثه مع الأحبة من المفكرين و الساسة المخلصين لقضية الأمة الواحدة في عالم الأقطاب: كيف يمكننا إحياء قيمة التعارف في واقع تعادي محاوره الاعتراف ببعضها البعض؟
هذا السؤال لا يجيب عنه أحد بل الجميع بلغة اللقاء تحت خيمة الوطن بأخلاق إسلامية راسخة في تفاصيل الحياة، و خصوصا في حيثيات و كواليس تدبير أمور الناس، لأن تذليل العقبات أمام الأفراد المسلمين في مشوار التعايش و النهضة من خصوصية الساسة و العلماء و الإعلاميين و الفنانين و ما هنالك ممن يحمل عنوان المثقف أو النخبة في المجتمعات العربية الإسلامية، و من يعتبرون أسوة لعامة الناس و بخاصة الأجيال الصاعدة، لأن التعارف لا يتحقق بدون ترسيخ حقيقة الاعتراف بسنة الاختلاف بيننا في عدة خصوصيات، وذلك عبر تفعيل مواطن الوفاق و الاتفاق كقاعدة مشتركة لبلوغ صيغة إدارية لما نختلف حوله سواءا في فهم الدين و السياسة و الثقافة و الاقتصاد و الاجتماع، و لعل مأزق التعارف في واقعنا العربي و الإسلامي يتعلق بحقيقة الاختلاف التي لا تزال تستثمر سلبيا في أبعاد حياتنا، وعليه تكون المعادلة أن الاعتراف بحقيقة الاختلاف و استثمارها حضاريا في تبادل المهارات و المعارف و التجارب بيننا ضمن عنواني العروبة و الإسلام الخالصين، سنصل حتما لتجديد وعينا لقيمة التعارف كثقافة لصناعة مواطنة حية وخلاقة للتنمية في أوطاننا...
بكلمة: إن المد الديمقراطي الكاسح للجغرافية العربية-الإسلامية، له محاسنه و أيضا مساوئه، حيث المساوئ تتمثل في العناد السياسي العربي الرسمي الذي يسعى في العديد من أشكاله نحو عدم الاعتراف بالآخر الجواني بشتى عناوينه المذهبية و الدينية و العرقية و السياسية، و بالتالي يكون المعلم الأول للتعارف "الحوار" بحاجة لقيمة الاعتراف بالآخر من قبل كل أقطاب الواقع العربي و الإسلامي...وأي إنكار لهذا المعلم من أي طرف يعتبر مؤشرا على الطائفية المقيتة و الجهل الحضاري لديه، بينما الخيار الأمثل في ظل الشرق الأوسط الكبير و الجديد، أن نلتقي في ساحة إرادة الاعتراف ببعض لننال وسام التعارف.
أ. غريبي مراد
المصدر: http://www.husseinalsader.org/inp/view.asp?ID=3373