الوقف، معناه وفلسفته
الدكتور رضوان السيد
الحسبة في الشريعة عامٌّ يتناولُ كلَّ ( عملٍ) مشروعٍ يُفعلُ لله تعالى كالأذان والإقامة ، والوقف ، وأداء الشهادة .. إلى كثرة تعداده … ولهذا قيل : القضاءُ بابٌ من أبواب الحسبة ، وقيل جزءٌ من أجزاء الاحتساب .
نصاب الاحتســــاب لعمر بن محمد بن عوض السنامي . تحقيــق موئل عز الدين ، دار العلوم ، 1982 ، ص 13 .
أولاً : الوقف والاحتساب :
يعني الاحتسابُ القيامَ بعملٍ من أعمال الحسبة : " فالاحتسابُ طلبُ الأجر ، والاسمُ الحسْبةُ .. وفي الحديث : من صام رمضانَ إيماناً واحتساباً ، أي طلباً لوجه الله تعالى وثوابه … والاحتسابُ في الأعمال الصالحات وعن المكروهات هو البدارُ إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجوّ منها . وفي حديث عمر : أيها الناسُ احتسِبوا أعمالكم فإنّ من احتسب عمله كُتب له أَجْرُ عمله ، وأَجْرُ حِسْبته … " (1). وهكذا فإنّ العمل الحسبي يشترك مع العمل التعبُّديّ في أنه مطلوبٌ ، بمعنى أنه يتضمن أداءً للواجب أو للمندوب . لكنه يضيف لذلك مسألةَ المبادرة الفردية والإحساس الرسالي العاري عن المنفعة الشخصية أو المباشرة أو الدنيوية . وهذا هو المقصود مما يتكرر في وثائق الوقف من أوصافٍ مثل : لوجه الله تعالى ، أو قُربى لله تعالى ، أو حِسْبةً رجاءَ ثواب الله عزَّ وجلّ . فالاحتسابُ كما قال السنامي (-725هـ/1324م) لفظٌ عامٌّ يتناولُ كلَّ عملٍ مشروعٍ يُفْعلُ لله تعالى .. مثل الوقف وغيره . لكنْ لو تأملنا الأمثلة الأخرى التي ذكرها صاحبُ " نصاب الاحتساب " للأعمال الحسْبية من مثل أداء الشهادة والقضاء ، لوجدْنا أنّ جانب الإيثار وتطلُّب الأجر الأخروي أظهر في الوقف منه في القضاء أو في المناصب السلطوية الأخرى – بما في ذلك الإمامة الكبرى إن لم يصلُحْ لها غيره – والتي يبدو فيها جانبُ المنفعة الشخصية وإن بحدودٍ متفاوتة .
بيد أنّ للحسـبة جانبــاً آخر . فالجانبُ الأولُ ، الذي يدخُلُ ضمنه الوقف ، هو جانبُ العمل بالمعروف والمشروع رجاءَ الثواب . أما الجانبُ الثاني فهو جانبُ الانتهاء عن المنكر والنهي عنه . ولذلك يقول الإمام الغزاليُّ (-505هـ/1111م) عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنهما القطبُ الأعظمُ في الدين(2) . ويقول ابن تيمية (-728هـ/1327م) إنّ كلَّ الولايات حِسْبة ، وإنّ مقصودها أن يكونَ الدينُ كلُّهُ لله ، وأن تكونَ كلمةُ الله هي العليا (3).
وهكذا يصير الوقْفُ فرعاً على الفلسفة الكبرى للدين نفسه ، والتي يُشبه أن تكونَ عقداً بين الفرد وربّه ، أو أنه دَين المعنى ، كما يقول الأنتروبولوجيون : ( إن تُقرضوا الله قرضاً حَسَناً يُضاعفْهُ لكم ، ويغفر لكم … ) (سورة الصف /10) .
وإذا كان الوقفُ بوصفه عملاً حِسْبياً ديناً من هذه الجهة ؛ فإنه من جهةٍ ثانيةٍ من أجلّ وجوه الكسْب لصاحبه لأنه عملٌ للعباد أو بعض فئاتهم من طريق العمل لله(4) : " فالكسْب نظامُ العالَم ، والله تعالى حكم ببقاء العالَم إلى حين فنائه ، وجعل سببَ البقاء والنظام كَسْبَ العباد ، وفي تركه تخريب نظامه … ولهذا فهو فريضةٌ على كل مسلمٍ ، كما أنّ طلب العلم فريضة … " . وبذلك يصبح العمل ، والعمل الذي تتوافر فيه النية ، أي الحسبة بالذات ، عبادةً أو بمنزلة العبادة .
أ . المشروعية : يستشهد العلماء لمشروعية الوقف بقوله تعالى : ( لن تنالوا البرَّ حتى تُنفقوا مما تُحبُّون ) ( سورة آل عمران /92). فالوقف ليس عطــاءً عادياً ، بـــل فـــيه شيءٌ من الشِدَّة على النفس بتخلّيــها عمـــا تُحبُّه . – و( يا أيها الــــذين آمـــنوا أنفِقوا من طيّــبات ما كسَــبتم ، ومما أخرجْنا لكم من الأرض ) ( سورة البقرة / 167) . فالإنفاقُ المشروعُ من الطيّب العزيز على صاحبه من جهة ، وهذا يعني من جهةٍ أُخرى حُرمة وقْف الكسْب الحرام ، وحُرمةَ الوقف على معصية . وفي الحديث الشريف : " إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُهُ إلاّ من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم يُنتفعُ به ، أو ولد صالح يدعو له " . والواقعُ أنّ الصدقة " الجارية " هي الوقفُ بعينه لأنّ منفعتها مستمرّة , وكذلك الأمر في العملين الحسْبيَّين الآخرين : العلم النافع الذي يتوارثُهُ التلامذة أو يخلّدُ في الكتب ، وأخيراً بقاء الذكر الحسن بالولد الصالح الذي قال صاحبُ الدر المختار إنه القائم بحقوق الله تعالى ،وحقوق العباد (5).
ويستدلُّ العلماءُ أيضاً على مشروعية الوقف بحديث عمر أنه أصاب أرضاً من أرض خيبر ، فقال : يا رسول الله ! أصبتُ أرضاً بخيبر لم أُصِبْ مالاً قطُ أنفَسَ عندي منه ، فما تأمرني ؟ فقال : إن شئتَ حبَّسْتَ أصلها وتصدَّقْتَ بها ! فتصدَّقَ بها عمر على ألاّ تُباع ولا تُوهَب ولا تُورث : في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل ، لا جُناح على مَنْ وليها أن يأكل منها بالمعروف ، ويُطعمَ غيرَ متموِّل (6) . وقد قال ابن حجر في " فتح الباري " إنّ حديثَ عمر هو أصلٌ في مشروعية الوقف(7) . وحديثُ عمر هذا فيه المعنى البارز للحسبة بقوله : " لم أُصِبْ مالاً قطُّ أنفَس عندي منه "(8) . والمعنى البارز للوقف : حبس االعين وإجراء المنفعة(9) . لكن فيه أيضاً العنصر الآخر المؤكّد للاختيار الفردي البحت ، وللمعنى الرسالي أو الحسْبي ، فقد قال له رسول الله (ص) : إن شئتَ ! فالأمرُ ليس واجباً دينياً ؛ بل هو عملٌ فرديٌّ احتسابيّ يشقُّ المرءُ في فعله على نفسه من أجل التسامي ورجاءَ الأجر ؛ فضلاً طبعاً عن وعيٍ غلاَّبٍ بالحاجات الاجتماعية والإنسانية : يقول صاحب الدر المختار : حكمة الوقف أو سببه في الدنيا برّ الأحباب ، وفي الآخرة تحصيل الثواب (10)!
ب . وجوه الخلاف : اخــتلف الفقهاءُ في مِلْكية الموقوف ، أو في مآلاتها . فقال أبو حنيفة (-150هـ/767م) إنه يبقى في مِلْك صاحبه ، ولذلك فهو غيرُ لازمٍ ، ويستطيع الرجوعَ عنه ، كما يستطيع بيعه . ويتفق المالكية مع أبي حنيفة في بقاء الموقوف بملك الواقف ، وعدم تأبيده . أمّا أبو يوسف ومحمد من أصحاب أبي حنيفة ، والشافعية والحنابلة فيذهبون إلى انقطاع ملكية الواقف للموقوف ، وانتقاله إلى ملكية الله تعالى ، بمعنى أنه على التأبيد وأنه لا يُباعُ ولا يورَث (11). ولا شكَّ أنّ هذا الرأي هو الذي يتفق والمعنى الحِسْبي للوقف ؛ وبخاصة أنه استند إلى نيةٍ واختيارٍ فرديٍ عميق ، فلا يمكن الرجوعُ عنه وإلاّ تنافى مع المعنى المقصود منه ، وصار بمثابة الهدية أو الهبة التي تُعطى عادةً لمنفعةٍ مباشرة ؛ بل إنها تتوقفُ عادةً عليها .
بيد أنّ أبا حنيفة الذي قلّل من المعنى الحسْبي للوقف ،واعتبره هبةً عاديةً يمكن الرجوعُ عنها ، وترتبط بحياة صاحبها ، أصاب حين لم ير مشروعية الوقف الذري أو الأهلي لاصطدامه بأحكام الإرث من جهة ، ولضآلة المعنى الحسْبيّ فيه من جهةٍ ثانية ؛ إذ إنه وقفٌ على الورثة أو بعضٍ منهم . يقول الكنديُّ في " الوُلاة والقُضاة " عن سعيد بن أبي مريم (12): " قدم علينا إسماعيل بن اليسع الكندي قاضياً بعزل ابن لهيعة ، وكان من خير قضاتنا ، غير أنه كان يذهب إلى مذهب أبي حنيفة ، وكان مذهبه إبطال الأحباس ، فثقُلَ على أهل مصر وشنِئوه .. " . فالمعروفُ أنّ الوقفَ منذ القرن الثاني الهجري على الأقلّ وقفان : خيري وأهلي أو ذري . ومع أنّ الوقف الخيريّ هو الذي يتحقق فيه المعنى الكامل للحسْبة أو رجاء الأجر . أو معنى أنه " قُربةٌ وطاعةٌ لله " ؛ فإنّ الناس احتاجوا إلي الوقف الأهلي وبخاصةٍ في العصور المتأخرة بسبب كثرة الاعتداء من جانب السلطان والقضاة على تركات الصغار . فكان الأهل يلجأون إلى الوقف على ذريتهم حتى لا تستطيع السلطات التدخل . وقد كان في ذلك نوعٌ من الصون للملكية الخاصة ، ومنعٌ لتشرذم التركة في الجيلين اللاحقين على المورِّث (13). لكنّ المعروف أيضاً أنّ الأوقاف الأهلية تشرذمت وتوزعت وتضاءلت أنصبة المنتفعين منها في العصور المتأخرة فضلاً عن سوء إدارتها ؛ بحيث كان من الضروريّ إلغاؤها – وهذا ما حدث في غالبية الدول العربية والإسلامية . فلا حاجةَ لرثائها لضآلة معنى الوقف فيها ، ولأنها ما عادت تؤدي أيَّ غرضٍ من الأغراض المقصــودة منها ، كما أنــه لم تعد إليها حاجةٌ من أجل صَون الملكية ، لأنّ الاعتداء على الملكية الخاصة ما عاد ممكناً (14).
ثانياً : الوقف ومقاصد الشريعة : لا نعرف حتى اليوم متى تبلورت أُطروحة " مقاصد الشريعة " لدى الفقهاء المسلمين . فقد اعتاد المفسّرون منذ الطبري (-310هـ/922م) على القول إنّ الشريعة تصون الأنفس أو الأبدان والأموال والأعراض من طريق الحدود : حدّ القتل ، وحد السرقة ، وحدّ الزنا والقذف (15). وأولُ مَنْ نعرفه حتى الآن ذكر المقاصد بشكلٍ موجزٍ ولكنْ مستقلّ هو إمام الحرمين الجُويني (-478هـ/1085م) الذي يتحدث – وإنْ في معرضٍ غير ملائم عن المقاصد الكلية و" القطعية " للشريعة وهي صَون الدين والعقل والنفس والعِرض أو النسْل والمال أو المِلْك (16). والمعروف أنّ " المقاصد " لم تَغِبْ بعد ذلك عن كتب الأُصوليين من الفقهاء ، إلى أن أفردها بالتأليف والتفصيل أبو إسحاق الشاطبي (-790هـ/1388م) في الموافقات . وعند الشاطبي ذُكرت الأوقاف في سياق ذكر الضروريات أو المصالح الضرورية للعباد ، والتي أُنزلت الشريعةُ بل الشرائعُ من أجل صَونها ؛ وهي الخمـــسُ المـــذكورةُ من قبــل : النفس والــعقل والدين والنسل والمِلْك (17) . وهكذا فإنه بالكشف عن أنّ مقاصد الشريعة الكلية أو القطعية هي نفسُها مصالحُ العباد(18) ، تبدو الأعمالُ الحسْبيةُ من مثل الصدقة والوقف وسائر وجوه البِرّ بين أكبر المحقِّقات لتلك المصالح .
والمعروف ، ما دام الأمر بهذه المثابة ، أنّ مباحثَ الاستصلاح والمصالح المرسَلة ( وما شابهها من مثل العادة والعُرف والاستحسان وقاعدة رفع الحرج ، وقاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد … الخ ) بُحثت من قبل في زمن بناء علم الأصول ، تارةً باعتبارها دليلاً فرعياً ( مثلما هو الأمر عند المالكية) ، وطوراً باعتبارها من مسائل تحقيق المناط ( مثلما هو الأمر عند الشافعية والحنفية والحنابلة ) . والذي أراهُ في علّة تأخر ربط الأعمال الحسْبية ومنها الوقف بالمصالح ، واستطراداً بمقاصد الشريعة أمران ؛ الأول الارتباط الشديد في القرنين الثاني والثالث للهجرة بتأثيرٍ من المعتزلة ، بين أصول الدين ، وأصول الفقه ؛ بحيث اضطُرَّت سائر التيارات الفكرية إلى اعتبار أصول الفقه أو مباحث منه من العقائديات والتعبديات ، والأعمالُ الحِسْبيةُ تدخل ضمن المعنى الكبير للدين ، لكنّ فيها جانباً اختيارياً بارزاً ليس بالوسع تجاهُلُهُ أو استيعابُهُ ضمن بحوث التأصيل . والأمر الثاني أنه عندما ذُكرت المصالح باعتبارها مضامينَ لمقاصد الشريعة قيل إنها ضروريةٌ وقطعية . لكنّ الأمر ليس كذلك في قضية الوقف ؛ بل الأدنى للاعتبار في هذه الحالة هو الزكاةُ المفروضةُ . وهذا هو الفرقُ فيما أحسبُ بين العِلّة والمقصِد على الرغم من المشتركــات بينهمـا في وجوهٍ أُخرى . فالزكاة معلَّلةٌ في القرآن بأنها تطهير ( سورة التوبة / 103) ، وبأنها حقٌ للسائل والمحروم ( سورة الذاريات /19) . بينما في الأعمال الحسْبية مثل الوقف هناك استحثاثٌ وتحدٍ من مثل قوله تعالى ( سورة الصف / 10) : ( إن تُقرضوا الله قرضاً حسَناً … ) ؛ فالأمْرُ موقوفٌ على إرادة العامل أو الواقف ونظره للدين وللجماعة وللأمة ، ورؤيته لاحتياجاتها . وهكذا تكونُ الزكاةُ للضرورات ، ويكون الوقفُ للحسبيات المتصلة بالوعي بالمستقبل واحتياجاته . ولهذا فقد بدأ الحديثُ فيه من هذه الوجهة ، وجهة الترابط بين المقاصد والمصالح عندما قسّم الشاطبي المصالح إلى ضروريات وحاجيات وتحسينيات(19) ؛ فدخَلَت بعضُ وُجوه الوقف في الحاجيات ، ودخل بعضُها الآخر في التحسينيات ، تبعاً لأهمية موضوع الوقف ومجاله . فالمقاصدُ عند الشيخ ابن عاشور إنما هي " حفظ نظام الأمة ، واستدامة صلاحه بصالح المهيمن عليه وهو نوعُ الإنسان (20)" -أو أنّ المقاصد الشرعية إنما تنحصر في " جلب الصلاح ودرء الفساد "(21) . ولا شكَّ أنّ الوقف بهذا المعنــى داخــلٌ ضمن المــصالح التي تنــدرجُ في مقاصد الشريعة .
ثالثاً : الوقف وحقوق الله والعباد : لقد بدا من الفصل السابق الخاصّ بعلاقة الوقف بمقاصد الشريعة ، أنه لا يدخُلُ فيها إلاّ تَبَعاً ، وليس باعتباره أصلاً من الأصول . ويرجع ذلك إلى الاختلاف في النظر إلى مقاصد الشريعة ؛ وهل هي أساسٌ لعلم أصول الفقه أو أنها سقفٌ له ، أو أنها خارجه . ثم إذا اعتبرنا أنّ المقاصد هي فلسفةُ التشريع ، وأنّ علم الأصول هو علمٌ لآليات النظر والاستنباط ؛ فأين تقعُ الأعمالُ الحسبيةُ مثل الوقف منه ؟ يتردد الشاطبي في ذلك . فهو يرى أنّ الأحكام خمسةٌ كما هو معروف : الواجب والمحرَّم والمندوب والمكروه والمباح . والوقف عنده قد يكون مندوباً وهو الأكثر ، وقد يكونُ واجباً وهو الأقلّ إذا برزت ضرورةٌ إليه مثل البناء لإيواء أيتامٍ أو مشرَّدين لا يستطيعه غير شخصٍ واحدٍ في تلك الناحية . هنا يصبح الوقْفُ من فروض الكفاية التي يأثَمُ الجميعُ إن لم يقم بها واحدٌ قادرٌ أو مؤهَّلٌ منهم . على أنَّ الأمر هنا يمكن ردُّهُ إلى المصالح ( الداخلة ضمن المقاصد أو أنها هي مضمونها ) التي قد تكونُ ضروريةً ، وقد تكونُ حاجيةً أو تحسينيةً كما سبق . بيد أنَّ الشاطبيَّ لا يلبث أن يُدْرِجَ الوقف وسائر أعمال البِرّ التي تتجاوزُ الواجبات على المكلَّف ضمن الحقوق المشتركة بين الله والعباد . والحقُّ عند الأصوليين هو الثابت الذي لا يجوزُ إنكارُه ، وهو يكون حقاً لله على العبد ، كما يكون حقاً لإنسان على إنســان ، أو حقـاً مشتركاً بين الله والعبد . على أنَّ الشاطبي يرى أنَّ كلّ حكمٍ شرعيٍ ليس بخالٍ عن حقّ الله تعالى وهو جهة التعبد ، وإن غلب حقّ العبد في الأمور الدنيوية ، وحقّ الله في الأمور الأُخروية والعامّة – بينما يتساوى الأمران من وجهة نظره في مسائل البِرّ والأوقاف ؛ بمعنى أنها تكونُ حقاً لله من حيث إنها أعمالٌ حسبيةٌ ، وحقاً من نوعٌ ما للناس على الواقف أو المتصدّق (22). لكنّ الوقف كما هو معروفٌ ليس حكماً شرعياً بالأوّلية بل هو اختيار الواقف المكلَّف . ثم إنه ليس حقاً للناس عليه مثل الزكاة ، أو أنه لا ينطبق عليه تعريف الحقّ الذي يُعرَّفُ بأنه الثابتُ الذي لا يجوزُ إنكارُه . وهكذا تبدو الأعمالُ الحسْبيةُ مثل الوقف أدنى إلى اعتبارها حقاً لله تعالى ؛ بمعنى أنَّ المكلَّفَ يقومُ بها حسبةً ورجاءَ الثواب ؛ وإن تعلقت بها معانٍ أخرى كثيرة أهمّها مصالح الجماعة أو بعض أفرادها وفئاتها (23).
رابعاً : الوقفُ والسياسةُ الشرعية : روى أبو عبيد القاسم بن سلاّم(24) بسنده إلى إبراهيم التيمي وابن الماجَشــون قال : لما افتتح المسلمون الســوادَ قالوا لعمر ( بن الخطَّاب ) : إقسمه بيننا فإنّا فتحناه عَنوة ! فأبى وقال : فما لمن جاء بعدكم من المسلمين ؟ وأخافُ إن قسمتُه أن تَفاسدوا بينكم في المياه … ولكني أحبِسُهُ لله وللمسلمين . قال أبو عبيد : أراه أراد أن تكونَ فيئاً موقوفاً للمسلمين ما تناسلوا يرثهُ قرنٌ بعد قرنٍ ، فتكون قوةً لهم على عدوّهم … وبهذا كان يأخذ سفيان بن سعيد وهو معروفٌ من قوله إلا أنه كان يقول : الخيارُ في أرض العَنوة إلى الإمام ، إن شاء جعلها غنيمةً فخمَّس وقَسَم ، وإن شاء جعلها فيئاً عاماً محبوساً على المسلمين ، ولم يخمّس ، ولم يقسم .
لقد ذكرْتُ هذا النصَّ لعدة أسبابٍ منها أنَّ المقصود بحقوق الله إنما هو المصالح العامّة للمسلمين ، ولأُشير أيضاً إلى أنَّ الدولةَ الإسلامية أو السلطةَ الإسلامية كانت بين أوائل مَنْ أوقفوا . لكنّ هدفي الأول من ذكر واقعة حبس أراضي السواد والشام ومصر إيضاح علاقة الوقف بالدولة في أذهان المسلمين الأوائل . فالإمامةُ نفسُها أو السلطة كانت في أذهانهم عملاً من أعمال الحسْبة . إسمعوا معي هذين البيتين لصحابيٍ رأى خَطراً على الدولة في التمرد على عثمان (25):
عجبتُ لما يخوضُ الناسُ فيه يريدون الخلافةَ أن تزولا
ولو زالت لزال الخيرُ عنهم ولاقَوا بعده شراً وبيلا
ومن الواضح هنا أنه لم تكن لدى الناس في عصر الصحابة أفكارٌ دقيقةٌ أو محدَّدةٌ عن صلاحيات الإمام ؛ بدليل أنّ هناك صحابةً عارضوا قرار عمر ، وأرادوا أن تُقسَّم الأرضُ بين فاتحيها . لكنْ منذ القرن الثاني الهجري نجد أنّ هناك تحــــديداً لصلاحيــــات السلــطة السياسية لدى الفقـهاء على النحو التالي (26) : تقرير أمور الحرب والسلم ، وتولية سائر الموظفين وعزلهم ، وقسمة الفيء ، وإقامة الحدود ، وإمامة الجمعة في المصر . ويعتبر الفقهاء تصرُّفَ عمر داخلاً في باب قسمة الفيء ، أي دخل الأراضي التي غلب عليها المسلمون دونما قتالٍ حسبما جاء في نصّ القرآن . لكننا نعلمُ أنّ عمر لم يفرّق في تحبيسه بين ما غلب عليه بالسيف أو عَنوةً ، وبين ما فُتح صُلْحاً . بعد ذلك نقرأُ أنَّ الوليدَ بن عبد الملك أوقف على الجامع الأموي الذي بناهُ أوقافاً ، لكننا لا نعرفُ إن كانت من امواله الخاصّة أو من الأراضي التي يُشرفُ عليها ويديرها للمسلمين ؛ وكذا الأمر في المشافي التي أقامها للمجذومين . والمعروف أنّ الأراضي الخراجية التي جعلها عمر لله وللمسلمين ما جرت المحافظةُ عليها مما دفع عمر الثاني إلى فرض الخراج عليها دونما تفرقةٍ فيها بين ما تديره الدولة وما يديره أو يحوزُهُ أفرادٌ من المسلمين . لكنّ الأوقاف التاريخية التي نعرفُها على كثرة أصنافها جاءت كما نعلم في الأعمّ الأغلب من جانب أفرادٍ من القادرين تجاراً كانوا أو مُلاّكاً أو من المسؤولين في الدولة . وإذا كان الأفراد القادرون من غير المسؤولين قد أسهموا إسهاماتٍ كبيرةً في الوقف في شتى العصور ؛ فإنّ المسؤولين لم يقصّروا . بيد أننا لا نعــرفُ يقينــــاً هل أوقافهم الضخمة تلك كانت مـــن أموالهم الخاصـــة أم من الأراضي الخـــراجية أو الأمـــيرية إلاّ في ثلاث حالات : حـــالة الوزير نظام المُلْك السلــجوقي (-485هـ /1092م) الذي أنفق على إنشاء المدارس المعروفة بالنظاميـــات (27) من أموال السلطان - وحالــــتي نــــور الدين زنكي(28) (-569هـ/1173م ) ، وصلاح الدين الأيوبي (594هـ/1196م)(29) اللذين أوقفا أيضاً من أراضي الخراج أو الإقطاع ، كما صارت تُعرفُ ، على مدارس العلم ، وأعمال البِرّ . وما ناقشهم أحدٌ من الفقهاء في جواز ذلك أو هل يدخُلُ ذلك في صلاحياتهم أو لا يدخل – مع أنّ ذلك كان ممكناً في حالتي نور الدين وصلاح الدين على الخصوص . فيبدو أنّ الفكرة السائدة كانت أنّ الولايات - والعامة منها على الخصوص - إنما هي عملٌ من أعمال الحسْبة ، وكذلك الأَمْرُ في الوقف . ويُعَلّل هذا أنه في العصور الكلاسيكية الإسلامية كانت أكثر الأوقاف الخيرية من تحبيس السلاطين والأمراء والولاة ؛ بينما كانت أكثر الأوقاف الذُرية أو الأهلية من تحبيس الأفراد ، وبعض الأُمراء خشية الاعتداء على أملاكهم بعد الوفاة ، كما سبق ذكره . ولهذا لا يصحُّ القول قبل القرن الثامن عشر الميلادي إنّ الدولةَ كانت تحاولُ دائماً الاعتداءَ على أموال الأوقاف أو مصادرتها ؛ مع أنَّ اعتداءاتٍ كثيرةً كانت تحدُثُ طبعاً وليس من جانب رجالات الدولة وحسْب ؛ بل ومن أثرياء ومتنفّذين في بعض النواحي وبدون علم الدولة والولاة . وقد قيل إنّ الضمانة الأولى للوقف كانت وضعه تحت وصاية السلطة القضائية(30). وقد أَسهم القضاءُ فعلاً في الحفاظ على الوقف ؛ لكنّ ذلك ما حدث ضدّ إرادة السلطة السياسية أو في مواجهتها . لنقرأْ هذا النصَّ المعبِّر من كتاب " الولاة والقُضاة " للكندي(31) : " أولُ قاضٍ بمصر وضع يده على الأحباس تَوبة بن نَمِر زمن هشام (بن عبد الملك بن مروان ) ، وإنما كانت الأحباسُ في أيدي أهلها ، وفي أيدي أوصيائهم ؛ فلما كان توبة قال : ما أرى مرجع هذه الصدقات إلاّ إلى الفقراء والمساكين فأرى أن أضع يدي عليها حفظاً لها من التَواء والتوارُث . فلم يَمُتْ توبةُ حتى صارت الأحباسُ ديواناً عظيماً … " . فالسلطة القضائية عندما وسَّعت صلاحياتها بحيث شملت الأوقاف – وكان ذلك أمراً طبيعياً ، وإلاّ فأين تُدوَّنُ صيغةُ الوقف وتُحفظ ؟ - ما فعلت ذلك في مواجهة السلطة السياسية أو استقلالاً عنها . ومع ذلك فإنّ قُضاة المذاهب كانوا يتنافسون على ولاية الأوقاف ، ويتهم بعضُهم بعضاً أحياناً ؛ من مثل ما فعله قاضي القُضاة الطرسوسي ( - 758هـ/1356م) في كتابه " تحفة الترك " عندما شكا من ولاية الشافعية لأوقاف الجامع الأموي ، وللأوقاف الذُرّية ؛ بحجة أنّ القضاة الأحناف سيكونون أحرص على الأوقاف منهم لو عهد إليهم نائب السلطان بالوصاية عليها (32)!
إنّ الذي أبقى على الأوقاف في العصور الإسلامية الوسيطة كان إيمانَ الناس بها حكاماً ومحكومين ، وأنها كانت تؤدي وظائف لا يمكن الاستغناء عنها . وقد كان واضحاً أنها تستندُ إلى مفهومٍ للاعتقاد والعمل حسبةً واكتساباً شكَّلَ الفلسفة الكبرى للاجتماع الإسلامي . وهو مفهومٌ أرغم حتّى الفقهاء الأحناف الذي كانوا مترددين في أصل الوقف ، وفي وظائفه ، على العودة عن آرائهم ، والتحول إلى حلفاء كبار للوقف منذ الجيل الثاني وفيما بعد, وعبر الحِقَب السلجوقية والمملوكية والعثمانية . وقد دفع استتبابُ المؤسَّسة ، رغم عدم وضوح أصلها التاريخي والفقهي إلى قول بعض الفقهاء إنها تستندُ إلى إجماعٍ من جانب الصحابة ما شذَّ عنه أحدٌ بعد ذلك ! بينما اكتفت أكثريتهم بإثبات المشروعية من طريق العُرْف والعادة والاستصحاب(33) .
أ . الوقف والدولة الحديثة : عندما نتحدثُ عن الوقف بعد القرن الثامن عشر الميلادي ؛ فإنما نتحدث عن تغيراتٍ جذرية في فهم الدولة في عالَم الإسلام لنفسها ومهماتها ،وفي تأثرها بنزعة المركزة التي سادت في الدولة القومية الأوروبية . ولهذا لا يجوزُ قياس السابق على اللاحق . فقد صارت للدولة الجديدة سياسات إزاء الوقف ، وسائر نشاطات وتنظيمات المجتمع التقليدي . وبدا ذلك أولَ ما بدا في أَوقاف بعض الجهات والفئات التي أرادت الدولة استيعابها أو إلغاءَها من طريق ضرب مصادر دخلها مثلما فعل العثمانيون بأوقاف الطريقة البكتاشية(34) . ثم كان الاتجاهُ لمعالجة المشكلات المستعصية للأوقاف الذرية أو الأهلية مما أفضى إلى حلِّها وإزالتها عبر إجراءات قرنٍ كامل . كما جرى التدخل في الأوقاف الخيرية وإدارة أكثرها بشكلٍ مباشرٍ بحجة سوء الإدارة من جانب الأولياء والأوصياء ، أو لأنّ الدولة الجديدة صارت تُشرف على المرافق والجهات بما في ذلك العقارات الموقوفة عليها . إنّ المقصودَ هنا ليس الدفاع عن الدولة أو إدانتها بل إيضاح أنّ تغييراً جذرياً حدث في المفاهيم كلّها ؛ سواءٌ بالنسبة للدولة وأدوارها ، أم بالنسبة للوقف ووظائفه .
ب. الدولة والوقف والمجتمع المدني : ما عاد للـدولة إسهامٌ في الوقف ، أو أنّ المفاهيم تغيرت حسبما سبق ذكره . فعندما تقوم الدولةُ اليوم بمنح جمعيةٍ خيريةٍ أرضاً لتقيم عليها مدرسةً مثلاً لا نقول إنها أَوقفت أرضاً على تلك المدرسة . وهكذا فإنّ الواقفين اليومَ يفعلون ذلك باعتبارهم أفراداً يبتغون الحسبةَ والأجر ، أو يملكون وعياً اجتماعياً أو سياسياً غلاَّباً يدفعُهم لذلك . بيد أنّ المفاهيم المتغيرة للوقف ووظائفه وإمكانياته ، وللدولة وأدوارها ، وعلائقها به ؛ لن تُفهم تماماً إلاّ من ضمن فهم التكوينات الاجتماعية الجديدة ، وعلاقاتها بالتكوينات العالمية ، والتي اقتضت في الحقيقة تغييراً في مهمات الدولة وأدوارها . فالدولة الإسلامية الوسيطة في صيغتها المثالية هي مؤسسة حسْبية ، أو أنها بتعبيرٍ آخر مشروع الاجتماع الإسلامي الذي يَبْلُغُ به غاياته القصوى (35). وإذا كان انفصالٌ كبيرٌ قد وقع بين مقاصد الدولة وممارساتها ؛ فإنّ ذلك لم يترتبْ عليه تغييرٌ كبيرٌ في وعي الجماعة بها ؛ بمعنى أنه لم يترتب على تخلُّف الواقع عن المقاصد الحسْبية ظهورُ فكرةٍ عن الاستقلالية أو الانفصام بين الإمامة والجماعة . فقد ظلّت غاية الجماعة الوصول إلى الإجماع ، الذي يعني نظرياً التطابُق بين الدولة والجماعة . فالأوقاف والتنظيمات والمؤسسات الاجتماعية الأخرى هي مؤسساتٌ حسْبيةٌ صُغرى ، تنضوي ضمن الدولة ، المؤسسة الحسْبية الكبرى ، ذات الأبعاد الرمزية الكبيرة . وبقدر ما كانت الدولة تبتعد في ممارساتها عن أصلها المقصدي ، بقدر ما كانت تلوذُ وتعتصم ، ويزدادُ لواذُها واعتصامُها بتلك الرمزية المثالية محاولةً منها للاحتفاظ بشرعيتها المستندة على ذلك ؛ وهذا معنى " طوبى الخلافة " ، كما يسميها عبد الله العروي (36). فالحديث في نطاق الإسلام الوسيط عن الصراع بين الدولة والمجتمع هو حديثٌ يتّسم بالكثير من التبسيط والإسقاط . ويساويه في ذلك الحديث عن أنّ الوقف كان حيلةً من الحيل لمنع السلطان من العدوان على الملكية الخاصة أو العامّة . وقد ظلّت البحوث طوال عقودٍ وعقودٍ تتحدث عن التنظيمات المدينية المهنية والحرفية والمحلية والاجتماعية ، التي تتجاوز الدولة أو تقف في مواجهتها . ثم تبيَّن أنَّ تلك التنظيمات إنما تستمد شرعيتها وقدرتــها على الحركية والاستمرار من الآليــات الموروثة للانتظام ضمن الدولة (37) .
وقد أتى زمنٌ في بدايات ظهور الدولة الحديثة بالمشرق ، بدا فيه أنَّ الدولة تضغط على الأوقاف باتجاه إزالتها أو إضعافها . وقد حدث ذلك فعلاً ؛ لكنّ الدولة الضاغطة والراغبة في الاستيلاء كانت دولةً جديدةً ذات منحىً كوربوراتي ، وليست الدولة الجامعة أو الجماعية التي كانت المُسْهِمَ الأكبر في الأوقاف في العصور الكلاسيكية . فالدولة التي لم تعد مؤسَّسةً حسْبيةً كانت تُناهِضُ وتُزيح أدوات وهياكل الاجتماع التقليدي ذات المعنى الحسْبي في الأساس ، وإن تهلهلت آلياتُها وتفككت (38). وبالتوازي مع نزوع الدولة للانفصال عن جذرها الأيديولوجي ، مع ازدياد دعوى شمولية الهيمنة الفعلية على الفئات الاجتماعية ، ظهر المجتمع بقواه المتعددة والتي تتبادل الضغوط والتنافس والتفاوض والتسْويات فيما بينها ومع الدولة ؛ فصارت سائر التنظيمات والمؤسسات تنحو إلى الاستقلالية ، ومن ضمنها مؤسسةُ الوقف التي ظهرت لها أشكالٌ تنظيميةٌ جديدةٌ تتلاءمُ مع الوظائف الجديدة مع الاحتفاظ بالرمزية العالية ذات الأصل والمعنى الحسبي . وفي هذه الحقبة بالذات ، حقبة الظهور التدريجي لما يمكن تسميتُهُ بالمجتمع الحديث أو المدني بالفئات والقوى المتعددة (1857-1981م) (39) ، وليس قبل ذلك ، يمكن الحديثُ عن تجاذُبٍ وتنافُرٍ بين الدولة والأوقاف ؛ ليس في مجال الوظيفة والفعل الاجتماعي السياسي وحسب ؛ بل وفي الجذر الأيديولوجي أيضاً .
ويزداد الحديث في البحوث المعاصرة حول الوقف عن المجال المشترك بينه وبين الدولة (40). والمعنيُّ بذلك وجود وتكاثُر فُرَص وإمكانيات التعاون في مجال سدّ الحاجات الاجتماعية المتزايدة التي ما عادت الدولة تستطيع الوفاءَ بها بمفردها . وكنتُ قد ذهبتُ إلى مثل ذلك في بحثٍ سابق (41). لكنني أودُّ الإضافة هنا أنّ ميل الدولة للتعاون والمشاركة لا يعودُ إلى العجز أو النزوع للتواضُع والمُسالمة وحسْب ؛ بل سبُبُه العميق قدرة الدولة في عالم الإسلام على الخروج على الأصول الرمزية للمشروعية ، والقدرة على الاستناد إلى أصولٍ جديدةٍ ؛ بينما بقيت الأوقاف والمؤسسات الخيريـــة الإسلامية الأُخرى مشدودةً إلى أصولها الرمزية والحسْبية . ولذلك ما عاد هناك صراعٌ حاكم ، وصار التعاوُن ممكناً للاختلاف في مصادر المشروعية ، وبالتالي في المهمات والمقاصد ؛ وإن بقي التنافُس مرئياً ومحسوباً .
خامساً : الأوقافُ والتنمـــية : فكرة الوقـــف في الأساس فكرةٌ تنموية المــنحى(42) ، شأن سائر الفرائض والمندوبات ذات المقصد الحسْبي . ويرجع ذلك إلى أصلها باعتبارها قُربة ، والمتصل باختيار الفرد ، وصراعه مع نفسه من أجل الإحسان والإجادة . ثم لأنّ المجالات التي يعملُ فيها الوقف تتّسمُ بالتنامي والزيادة ، فالوقف يطمح إلى تلبية تلك الاحتياجات التي لا يمكنُ الوفاءُ بها إلاّ بنموّ الوقف ، وقدرته على الإنــتاج من أجل الإسهـام في نموّ الأمة والمجتمع وتحقيق وظائفهما في العالَم . وهذا الطابع الرسالي لفكرة الوقف والزكاة ، يُعطي العملَ والكسْب طابعاً رسالياً أو تعبُّدياً تُعبِّرُ عنه حقيقةُ أنّ الوقف إنما هو " حبْس العين وتسبيل المنفعة " والمنفعة المقصودةُ من الوقف قائمةٌ في نموّها على العمل الذي يتضمَّنُ تراكُماً مادياً ضرورياً لأداء الوظائف من جهة – وهو ضروريٌّ أيضاً للوصول إلى المعاني والمقاصد غير المادية للأوقاف . وقد دفع هذا المعنى المزدوج للعمل في الإسلام : تحقيق النموّ المادي وارتباطه بزيادة الزكاة والصدقات والأوقاف ؛ وبذلك زيادة " الكسْب الحِسْبي " إذا صحَّ التعبير ؛ دفع هذا المعنى للكسْب ، وظهور الثروات الكبيرة ، وازدهار التجارة البعيدة المدى ، وحدوث ثورة زراعية في عالم الإسلام الوسيط – إلى التساؤل من جانب باحثين ومهتمين عن أسباب عدم ظهور الرأسمالية ، التي أدت إليها نظرةٌ مُشابهةٌ للعمل والكسْب ، في أوروبا على مشارف القرن السابع عشر الميلادي (43).
تجلَّى المنحى التنمـــوي للوقف إذن في ارتـــباطه بمستقبل الاجتماع البشري في عالم الإســـلام في إقبال أمير المؤمنـــين عمر بن الخـــطَّاب على " وقف " الأرض الزراعية لتفيدَ منها الأجيالُ الجديدةُ للأمة بدلاً من أن تحتكرها أُسَرُ الفاتحين . كما تجلَّى ذلك المعنى نفسه في اتساع مجالات الوقف ، واتصالها بالمصالح الاستراتيجية للمجتمع وليس الآنية فحسب؛ في حين كانت مصارفُ الزكاة محـدَّدةً في وجوهٍ لمكافحة الفقر والعَوَز ، وتلبية المطالب العاجلة المُلِحّة . لقد انقسمت الأوقافُ الخيرية كما هو معروفٌ إلى قسمين كبيرين : القسم التعبُّدي ، الخاصّ بالإنفاق على المساجد والزوايا والأربطة وطرق الحجيج ، وما يتصل مباشرةً بشؤون أداء الفرائض الدينية . والقسم الاجتماعي والثقافي النوعي المتجلّي في استحداث المدارس والأسبلة والخانات ووجوه التجدد والعيش الأخرى ذات الطابع التحسيني والتنموي . وإذا كانت فكرة التنمية غير ظاهرةٍ في القسم التعبُّدي والحسْبي البحت رغم وجودها ؛ فهي ظاهرةٌ فعلاً في القسم الاجتماعي والثقافي المتصــــل بالتنــمية البشريـــة من جهة ، وتنـمية وجوه الكسْــب من جهةٍ أُخرى (44) .
ومع أنّ الخَلَلَ لم يظهر في الوقف ووظائفه قبل القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي ؛ فإنّ تراجع فكرة التنمية في الأوقاف ، صار واضحاً قبل ذلك بكثير . وقد تجلَّى هذا الاضطراب في اضطرار السلطانين نور الدين زنكي ، وصــلاح الدين الأيوبي ، إلى ضمّ أراضٍ وعقارات من أراضي الإقطاع ، وأملاك الدولة إلى الوقف لاستحداث بعض الخدمات ، ووجوه البِرّ والخير . وظلَّ الأمر على هذا النحو بعد ذلك حتى القول بمشروعية وقف النقود في القرن السادس عشر الميــلادي ، أيام العثمانيين(45) . وهكذا فإنّ ازدهار الأوقاف في حِقَبٍ معيَّنةٍ كان تعبيراً عن ازدهارٍ اقتصاديٍ وثقافيٍ في المجتمع الإسلامي ، أو بتعبيرٍ آخر : الازدهارُ التجاري فيما بين القرنين العاشر الميلادي والسادس عشر أدى إلى ازدهار أعمال الوقف وزيادتها وتكاثر مجالاتها ؛ بينما كان الانحسارُ الاقتصادي نتيجة الأزمات السياسية أو الأعمال الحربية ، أو تراجع النشاط التجاري ، أو الطواعين ؛ يؤدي إلى تراجع أعمال الوقف الخيري ، وزيادة أعمال الوقف الأهلي ، وزيادة تدخل الدولة من أجل إيقاف أراضٍ وعقاراتٍ ، واستحداث مرافق تدعم الوضع الاجتماعي . فالأوقاف ما كانت رافعاً من روافع الأوضاع الاقتصادية بمعنى أنها ما كانت تُسهم إسهاماً ظاهراً في التنمية ؛ بل صارت مرآةً شفّافةً للأوضاع الاقتصادية والسياسية ، تنحسرُ بانحساراتها ، وتزدهر بازدهارها . فقد كان أكثر الواقفين الكبار من التجار ورجالات الدولة أو نسائهم ، وعندما تتراجع الحركة الاقتصادية ، أو تضطرب الأوضاع السياسية ، تتضاءلُ قدرةُ هاتين الفئتين على الإنفاق ، فتتراجعُ أوضاع الأوقاف أو مقاديرها . وهكذا فإنّ نموَّ الأوقاف كان في الأعمّ الأغلب نمواً كمياً ، بسبب طبيعة الموقوفات من جهة ، وطبيعة إدارة الوقف من جهةٍ ثانية ، والاختلال الناجم عن الثبات النسْبي للناتج من الأوقاف ، والزيادة المطّرِدة في الإنفاق على المرافق الموقوف عليها . فالعين المحبوسة والتي كانت تؤجَّرُ لِمددٍ تطول أو تقصُر ما كانت تحقّق زيادةً في الإنتاج ؛ بل الذي كان يحدُثُ عكسَ ذلك في الأغلب لسوء الصيانة أو الإدارة ، ولشروط الواقف التي تحولُ دون حرية الحركة حتى لو توافر الأوصياءُ المُبْدِعون . ثم كان هناك الخوف الدائم من أن يؤدي التغيير أو الاستبدال إلى ضياع الوقف ، وبالتالي ضياع المرفق الموقوف عليه (46) . والذي كان يحدُثُ في كثيرٍ من الحالات أنه عندما تتضاءلُ مواردُ الوقف ؛ فإنّ واقفين آخرين كانوا يتدخلون لإضافة أوقافٍ جديدةٍ أو لاستحداث مرفقٍ جديدٍ مُشابهٍ بأوقافٍ جديدة . ولذلك كانت المساحات الموقوفةُ تتزايدُ بدون توقُّف ، دون أن يعني ذلك زيادةً نوعيةً في الخير الاجتماعي أو الرفاه الاجتماعي . ثم إنّ الأوقاف وإن كانت مؤسَّسةً في فكرتها ( بمعنى أنها تقتضي الاستمرار ) ، لكنها لم تُصبح كذلك في سيرورتها رغم توحُّد جهة الإشراف عبر العصور . فوقف نظام المُلْك على نظامياته العشر ظلَّ قائماً من الناحية النظرية ، لكنّ المدارس تضاءلت عدداً وعُدَّةً بعد جيلين لهلاك أُسرة نظام المُلْك ،وظهور أُسَرٍ جديدةٍ وواقفين جُدُد أنشأوا مدارس جديدةً حين كانت النظاميات في طريقها إلى الزوال . والأمر نفسه يمكن قوله عن أوقاف سلاطين المماليك وأُمرائهم . فقد طال عُمُرُ أوقاف السلطان الناصر محـمد بن قلاوون (693-741هـ/1293-1340م)( بمعنى استمرار القدرة على الإنفاق على المرافق الموقوف عليها ، وليس مجرد استمرار تحبيس العين ) لطول مدة سلطانه من جهة ، ولأنَّ أَولاده حكموا من بعده حتى قيام سلطنة الجراكسة . ويمثّل " وقف النقود " محاولةً جادَّةً لتجاوز مسألة " تحبيس العين " أي تجميد قيمتها وإنتاجها عند حدٍ معيَّنٍ في الواقع . لكنّ سيطرة فكرة " بقاء " العين بشكلٍ من الأشكال ، حدَّ من فائدتها وحركيتها . ولهذا فما يقالُ من أنّ ثلث أرض مصر ، أو رُبْع أراضي الدولة العثمانية كانت وقفاً ، يُعبّر من جهةٍ عن الالتزام العالي الوتيرة بالاحتياجات الاجتماعية ؛ لكنه يُعبّر من جهةٍ ثانيةٍ عن عجز المؤسسة عن النمو إلاّ بالطرائق الكمية التقليدية .
* * * *
يــــذكر بعـــضُ الباحثـــين أنّ الإقبــال على الوقف تضاءل إلى حدٍ بعيد (47) . لكنّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلّم يقول : الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة . فهناك مؤشّراتٌ كثيرةٌ على عودة أصل الوقف ومعناه الحسْبي إلى التوهُّج من جديد . كما أنَّ فكرة التنمية النوعية وليس الكمية وحسْب بارزةٌ في تنظيمات إدارات الوقف والزكاة في سائر أنحاء العالَم الإسلامي اليوم . وهي فكرةٌ لم تعُدْ جديدةً بدليل قيام البنك الاستثماري للوقف قبل حوالي المائة عام(48) . وبدلــيل وجود مؤسَّساتٍ وقفية تدير وتنمي مرافق يزيدُ عُمُرُها على القرن أيضاً . فــإذا كان الكَسْب نظامَ العالَم ، كما يقــول محــمد بــن الحســـن الشيـــباني (-189هـ/804م) (49)؛ فإنّ العملَ الخيريَّ القائمَ على الاحتساب ، والوعي الواسع ، والثقة بالله وبالأمة ومستقبلها ، هو مناطُ هذا الكـــسْب ومعناه : ألم يقل صلواتُ الله وسلامُهُ عليه : إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلةٌ فليغرسها ؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب ، مادة ( حسب) . وقارن بالسنامي : نصاب الاحتساب ، تحقيـــق موئل عز الدين ، دار العلوم ، 1982 ، ص 13؛ وعبد الله محمد عبد الله : ولاية الحسبة في الإسلام ، مكتـــبة الزهراء ، 1996 ، ص ص 53-60 ، والفضل شلق : الحسبة ، دراسةٌ في شرعية المجتمع والدولة ؛ بمجلة الاجتهاد ، عدد 2 ، شتاء العام 1989 ، ص ص 15-89 وبخاصةٍ ص ص 15-21 .
(2) الغزالي : إحياء علوم الدين ، نشرة دار المعرفة ببيروت ، بدون تاريخ ، 1/306.
(3) ابن تيمية : الحسبة في الإسلام أو وظيفة الحكومة الإسلامية ، بيروت ، دار الكاتب العربي ،بدون تاريخ ؛ ص2.
(4) محمد بن الحسن الشيباني : الكسب ، بتحقيق سهيل زكار ، دمشق ، 1980 ، ص 47 .
(5) الدر المختار وردّ المحتار 3/392. وقارن بوهبه الزحيلي : الفقه الإسلامي وأدلته ،م8 ، 160 وما بعدها ، دار الفكر للنشر ، 1985، ص ص 160-168 . وفي شأن عدم جواز الوقف من حرامٍ أو على معصية ؛ قارن بأبي إسحاق الشيرازي : المهذّب ، مصر 1316هـ، 1/441، ومحمد بن عبد العزيز بنعبد الله : الوقف في الفكر الإسلامي . وزارة الأوقاف بالمغرب ؛ م2، ص 207-215.
(6) رواه الجماعة ؛ قارن بالشوكاني : نيل الأوطار 6/20.
(7) ابن حجــر العسقلاني : فتـــح الباري ، طبع الريــــان ، 1979 ، م14 ، ص ص366-368. و قارن بالخصّـــاف : أحكام الأوقاف ، القاهرة 1904 ، ص ص 3-17 .
(8) الدر المختار 3/399-400.
(9) قارن بتعاريف مختلفة للوقف في محمد عبيد الكبيسي : أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية ، بغداد ، 1977، 1/58-89، ومحمد أبو زهرة : محاضرات في الوقف ، دار الفكر العربي بالقاهرة ، 1971، ص 40-42.
(10) الدر المختار 3/401.
(11) قارن بالآراء المختلفة في ملكية الوقف لدى السرخسي : المبسوط ، مصر ، مطبعة السعادة ، 1331هـ ،12/27، والدردير : الشرح الصغير على أقرب المسالك ، تحقيق مصطفى كمال وصفي ، 4/106- وانظر رضوان السيد : الاجتهاد والتجديد في مسائل الأوقاف والزكاة في الوطـــن العربي ، بمجلة المستقبل العربي ، عـــدد 259،م9/2000 ، ص ص50-61 وبخاصةٍ ص51-52 .
(12) الكندي : كتاب الولاة وكتاب القضاة ، نشر رفن كست ، بيروت 1908، ص 371 .
(13) قـــارن عن مشكلات الوقــف الذري أو الأهلي مقــدمتي على كتاب الطرسوسي : تحفـــة الترك ، دار الطليعة 1992 ، ص ص 38-40 . وانظر للطرسـوسي نفسه : أنفع الوسائل في تحرير المسائل ، مصر 1926 ، ص ص 66-98 . وانظر عن محاولات الاعتداء على الأوقاف ، المقريزي : السلوك ، تحقيق سعيد عاشور ، القاهرة 1970 ، 3/1/345-347، ومحمد محمد أمين : الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر ، دار النهضة العربية بالقاهرة 1980 ، ص 326-330 ،وحياة ناصر الحجي : السلـــطان الناصر ونظام الوقف في عهـــده ، مكـــتبة الـفلاح 1983 ، ص 50-51 .
(14) قارن بمقدمة ابن خلدون . تحقيق علي عبد الواحد وافي . القاهرة 1959 ، م3 ، ص 1991 ، ومحمد بن عبد العزيز بنعبد الله : الوقف في الفكر الإســـلامي ، مرجع سابق ، م2 ، ص ص 216-220 ، وابراهيم بيومــــي غانم : الأوقـــاف والسياســـة في مصر ، دار الشروق بالقاهرة ، 1998 ، ص ص 339-352، ص 460-464 .
(15) قارن بعبد المجيد الصغير : الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية في الإسلام ، دار المنتخب العربي ، بيروت 1994 ، ص ص 347-357.
(16) الجويني : غياث الأُمم في التياث الظُلَم . تحقيق عبد العظيم الديب ، قطر 1400هـ ، ص 112 فقرة رقم 46 . وقد حققه في الفترة نفسها فؤاد عبد المنعم أحمد .
(17) الشاطبي : الموافقات في أصول الشريعة ، بتحقيق عبد الله دراز ومحمد عبد الله دراز . المكتبة التجارية بمصر . بدون تاريخ ،1/38.
(18) الموافقات ، مصدر سابق 2/9-12 . وقارن بحمادي العبيدي : الشاطبي ومقاصد الشريعة ، مكتبة قتيبة 1992 ، ص ص 139-147 .
(19) الموافقات ، مصدر سابق ، 2/10-12 .
(20) قارن بالطاهر بن عاشور : مقاصد الشريعة الإسلامية ، نشر الشركة التونسية للتوزيع ، تونس 1978 ؛ ص 63 .
(21) مقاصد الشريعة ، مرجع سابق ، ص 64 . وقارن بنور الدين بوثوري : مقاصد الشريعة ، التشريع الإسلامي المعاصر بين طموح المجتهد وقصور الاجتهاد ، دار الطليعة ، بيروت 2000 ، ص ص 30-32 .
(22) الموافقات ، مصدر سابق ، 2/318-323 .
(23) قارن بعبد الرحمن إبراهيم الكيلاني : قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ودار الفكر . دمشق 2000 ، ص 83-88 .
(24) أبو عبيد القاسم بن ســلاّم : كتاب الأموال . تحقيق محمد خليل هراس . مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة 1968 ، ص 81-82 ، 84-85 . وفي تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر ، تحقيق صلاح الدين المنجد ، دمشق 1951، م1 ، ص 590 : قال مالك ، تصير الأرض"وقفاً " بنـفس الاغتنام ، ولا خيار فيها للإمام .
(25) تاريخ الطبري ( نشرة دي غويه ) 1/3010-3011 ، وتهذيب الكمال للمزي ، نسخة مصوَّرة بالأوفست ، م1 ، ق 343 .
(26) قارن عن ذلك برضوان السيد : الجماعة والمجتمع والدولة ، دار الكتاب العربي ، بيروت 1997 ، ص ص50-52.
(27) قارن بناجي معروف : علماء النظاميات ومدارس المشرق الإسلامي ، بغداد ، 1973 ، ص ص 42-186 ، George Makdisi, The Rise of Colleges. England 1981. PP.35-74.
(28) النعيمي : الدارس في تاريخ المدارس . تحقيق جعفر الحسني ، دمشق 1948 ، م1 ، ص ص 99-113 ، وابن قاضي شهبة : الكواكب الدرية في السيرة النورية . تحقيق محمود زايد ، بيروت 1971 ، ص 37-38 .
(29) النعيمي : الدارس ، مرجع سابق ، م2 ، ص ص 174-177 .
(30) إبراهيم الـــبيومي غانم : الأوقاف والسيـاسة في مصر ، مرجع سابق ، ص ص 56-58.
(31) الكندي : الولاة والقضاة ، مصدر سابق ، ص 346 .
(32) الطرسوسي : تحفة الترك ، مصدر سابق ، ص 40 ، 82، 101 –105 .
(33) قارن بالنووي : شرح صحيح مسلم 10/85-86، ومحمد الطاهر بن عاشور : مقاصد الشريعة الإسلامية ، مرجع سابق ، ص 206 .
(34) ذكرTh .Zarcone ثلاثة أسبابٍ لإقدام الدول الحديثة على التدخل في الأوقاف أو مصادرتها : الطمع في مواردها الميلادية، والعصرنة الشاملة، وسلب الفئات التقليدية أسباب استقلايتها ؛ قارن Thery Zarcone, “ Waqfs et confreries religieuses a l’epoque moderne : l’Influence de la reforme des Waqfs sur la sociabilite et la doctrine mystique” in : Bilici, le Waqf dans le monde musulman cotemporain. Istambul 1994. PP.137-148. وانظر رضوان السيد : الاجتهاد والتجديد في مسائل الأوقاف ، مرجع سابق ، ص ص 54-55.
(35) قارن بلؤي صافي : العقيدة والسياسة ، معالم نظرية عامة للدولة الإسلامية . المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، 1996 ، ص ص 81-148، ورضوان السيد : الجماعة والمجتمع والدولة ، بيروت 1997 ، ص ص 21-85 .
(36) عبد الله العروي: مفهوم الدولة ، المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ، 1980 ، ص ص 114-121 .
(37) قارن بالنقاشات حول ذلك في ، رضوان السيد : مفاهيم الجماعات في الإسلام ، الطبعة الثانية ، دار المنتخب العربي ببيروت 1993 ، ص ص 80-85 .
(38) قارن بإبراهيم بيومي غانم : الأوقاف والسياسة ، مرجع سابق ، ص ص 383-499 ، Randi Deguilhem, Naissance et mort du Waqf damascain de Hafiza Hanum al-Murahli (1880-1951); in R. Deguilhem: le Waqf dans
l’espace Islamique Outil de pouvoir Socio-Politique. Damas 1995,PP.203-
225
(39) يمكن العودة مبدئياً إلى دراستي برتران بادي عن التكون الحديث للدولة في عالم الإسلام ؛ برتران بادي : الدولتان ، الدولة والمجتمع في الغرب ، وفي دار الإسلام . المركز الثقافي العربي ، 1996 ، وللمؤلف نفســه : الدولة المستوردة ، دار العالم الثالث ، القاهرة، 1996 .
(40) قارن بإبـــراهيم بيومـــي غانم : الأوقــاف والسياسة ، مرجع سابق ، ص ص 71-73 .
(41) رضوان السيد : الاجتهاد والتجديد في مسائل الأوقاف والزكاة في الوطن العربـي ؛ بمجـــلة المــستقبل العربي ، عدد 259، م9/2000، ص ص 50-61 .
(42) قارن عن ذلك ؛ عبد العزيز الدوري : دور الوقف في التنمية ؛ بمجلة المستقبل العربي ، 1997 ، عدد 7 ، ص ص 5-19 ، وإبراهيم بيومي غانم : نحو إحياء دور الوقف في التنمية المستقلة (دراسة غير منشورة ، 1997) ،ص 6-8 ، ومنذر القحف : الوقف الإسلامي ، تطوره ، إدارته ، تنميته ، دار الفكر المعاصر ، 2000 ، ص ص 101-146 ، ومحمد الأرناؤوط : دور الوقف ، مرجع سابق ، ص ص 78-86.
(43) قارن عن ذلك ؛ ماكسيم رودنسون : الإسلام والرأسمالية ، الترجمة العربية ، 1982 ، ص ص 20-28 ، ورضوان السيد : ماكس فيبر في الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية ؛ سلطة الأيديولوجيا وعلائقها الاقتصادية والاجتماعية ؛ في رضوان السيد : الجماعة والمجتمع والدولة ، مرجع سابق ، ص ص 337-355 .
(44) قارن على سبيل المثال للسعيد بوركية : دور الوقف في الحياة الثقافية بالمغرب . المغرب 1996 ، وندوة ( تحرير عبد العظيم رمضان ) : تاريخ المدارس في مصر الإسلامية ، 1991 ، ويحيى الساعاتي : الوقف وبنية المكتبة العربية ، الرياض ، 1998 .
(45) قارن عن وقف النقود John Mandaville, “ Usurious Piety: The Cash Waqf Controversy in the Ottoman Empire”, IJMES. 1979, Vol.10.N.3.PP.306-323; Murat Cizakza, “ Changing Values and the Contribution of the Cash Endowments 1585-1823; in F.Bilici, Le Waqf dans le monde Musulman Contemporain, Op. Cit. PP.61-70. ومحـــمد الأرناؤوط : دور الوقـــف في المجتمعــات الإسلامية ، دار الفـــكر المعـاصــر ، 2000 ، ص ص 11-34 ( تطور وقف النقود في العصر العثماني ) ، ومراجعة رضوان السيد لكتاب ريتشارد رب : مفـتي اسطنبول ، بمجلة الاجتهاد ، السنة الأولى ،عدد 3 ، 1989 ، ص ص 287-295.
(46) قارن بالزيلعي : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ،م5 ، ص 192-193 ، وحاشية ابن عابدين بهامش البحر الرائق ، م5 ، ص ص 302-306 . وقارن بمحاولاتٍ فقهية ذات طابع تقليدي لحل مشكلات الوقف المستعصية ؛ محمد قدري باشا : قانون العدل والإنصاف للقضاء على مشكلات الأوقاف ، مصر 1302 هـ ، ص ص 44-49 ، وعبد الوهاب خلاف : أحكام الوقف ، القاهرة 1951 ، ص ص 202-205 ، ومحمد عفيفي : الخلوّ في الأوقاف في مصر في العصر العثماني ؛ بمجلة الاجتهاد ، السنة الثامنة ، عدد33 ، 1996 ، ص ص 186-197 ، وللمؤلف نفسه : الأوقاف والحياة الاقتصادية في مصر في العصر العثماني ، القاهرة 1991 ، ص ص 145-151 .
(47) قارن بمحمد بن عبد العزيز بنعبد الله : الوقف في الفكر الإسلامي ، مرجع سابق ، م2 ، ص ص 223-242، وإبراهيم بيومي غانم : الأوقاف والسياسة ، مرجع سابق ، ص ص 386-422 .
(48)Faruk Bilici, Les Waqfs monetaires a la fin de l’Empire ottoman et au debut de l’epoque republiqaine en Turquie: des caisses de solidarite vers un systeme
bancaire moderne in: Le Waqf dans le monde Musulman, Op.Cit.51-60.
وابراهيم بيومي غانم : الوقف والسياسة ، مرجع سابق ، ص ص 501-514 ، ومروان قباني : مؤسسة الوقف في التطبيق المعاصر ؛ في : أوقاف ، العدد التجريبي . الأمانة العامة للأوقاف ، الكويت ، 2000 ، ص ص 73-97.
(49) محمد بن الحسن الشيباني : الكسب ، تحقيق سهيل زكار , دمشق ، 1980، ص 47 .