مابين الترجمة والابتعاث نهضة أمة وتغريب أخرى

سلطان الحويطي

 

معظم المجتمعات التي ترفض الأفكار الجديدة تدور في دائرة الجهل المغلقة ..

وقد عانت أوربا بأكملها من هذا الأمر في عصور ما قبل "الرينيسانس" عندما سيطرت الكنيسة على العقول وقمعت كل فكر جديد

وعلى اثر ذلك غاصت العقول في تراكمات تراثيه وإيديولوجيات تسير في كل اتجاه ماعدا الاتجاه الصحيح .. ومارست الهروب عن الواقع .. وهذا أتاح الفرصة لتهيمن الرمزية على وعي الناس . فقد تعلقوا بالمعجزات والخوارق وكانت كل مفاهيمهم هلامية وغامضة وكانت أفكارهم مشوشة أي أن العقول مستعبده فقد كانوا غاطسين في الغيبيات مبتعدين عن الواقع . لذا انتصرت الاسطوره على العقل .. وسميت تلك الفترة بعصور الظلام وهي العصور الوسطى ذاتها

التي كانت تشهد بها الحضارة العربية أوج تألقها في قرطبة نعم فقبل ستة قرون كان فلاسفتنا اساتذه العالم وكان علمائنا يمثلون مرجعيه لكبار مفكري قارة أوربا ..!!

ولكن كيف نهضت أوربا من سباتها وأي ثمن دفعت .. وكيف هيمن ليل الجهل على ألامه الاسلاميه وأي ثمن ستدفع ؟

انه سؤال ربما يبدوا شائكا نوعا ماء إلا أن إجابته بسيطة وليست لغزا يصعب حله .. فكما قلنا سابقا متى ما أدركت ألامه جهلها كان بإمكانها النهوض ..

فالخطوة تبدأ بتقييم الوضع العام والدعوة للإصلاح والتنوير .. ومن ثم الاستفادة من الحضارات المتقدمة بترجمة كتبها وأعمالها والاستفادة منها 

والترجمة في نظري هي سر التقدم

وهذا ما فعلته أوربا عندما تم ترجمه أعمال المسلمين ورغم إن ذلك لاقى رفض في البداية ووصف بأنه غزو فكري عربي !! إلا انه بعد خمسين عام من ترجمه الكتب العربية الاسلاميه وجدت أوربا الطريق

الصحيح نحو التقدم .. وقبل أن تجد أوربا الكنز العربي .. دفع علمائها الثمن أرواحهم والهدف تحرير الإنسان من الجهل .. فقتل "غاليليو" و "كوبرنيكوس " وغيرهم الكثير .

لقد كان عصر النهضة الاوربيه مزامناً لعصر الظلام العربي الإسلامي

فبعد نفي ابن رشد والحجر على العقول وانهيار البورجوازية التجارية في معظم المراكز الاسلاميه اخذ الظلام يخيم شيء فيشأ على الوطن العربي رغم استثنائية ابن خلدون .. ومنذ ذلك الوقت والوطن العربي يغط في سبات عميق جدا

وعندما استيقظ وجد انه قد أصبحت هناك فجوه كبيره بينه وبين العالم المتقدم .. واخذ يتخبط للخروج من مرحله الانحطاط العربي .. لكن ما زاد الأمر سوء هو الهزيمة ألنفسه التي نعاني منها .. فقد اعتقدنا أننا لا يمكن أن نصل لمستوى العالم المتقدم

واكتفينا بأن نتربص لكل اكتشاف جديد ولكي نداري انبهارنا وهزيمتنا

يخرج علمائنا بعد كل اكتشاف غربي جديد وبعد تمحيص وتدقيق يخبرونا ان الاكتشاف ليس بالجديد فهو موجود لدينا من 1400 عام .

إنها قمة السخافة بأن تعطي الهزيمة شكل  عكسي!!!

أيضا الانهزامية النفسية والتخبط جعلتنا نستورد لغة وثقافة ستعصف بنا قريبا

أصبحنا شعب يؤمن بالخرافات .. شعب لا يعرف سوى النوم والتناسل

شعب جعل من السخافة قمة المجد فبجل المطربين والشعراء والفنانين

وأصبحوا هم قاده ألامه .. وهم من يقررون مصيرها .. وأصبحت الفتوحات الاسلاميه لا تتعدى أقدام لاعبي كره القدم .. ثم أننا تعمقنا قليلا وليتنا لم نفعل فجعل تراثنا ينحصر في فتره الجهل والجوع والتخلف !! أي في بدايات القرن العشرين .

ونحن ندفع الثمن باهظا بأن أصبحنا نعيش على هامش الحياة !!

وقد  تفشى الجهل والفساد والبطالة وأخذت تنخر في جسد المجتمع العربي المنهك .

إن هذه المقدمة كانت ضرورية لتوضيح التقارب بين عصر الظلام الأوربي وعصر الظلام العربي . وكيف أن نهضة أوربا اعتمد على ترجمه الكتب العربية كعامل أساسي ومهم جدا مع وجود عوامل أخرى مساعده كالازدهار التجاري الذي شكلته امبراطويه اسبانيا  والبرتغال .

وكيف أن العرب ما زالوا يتخبطون في دائرة الجهل المغلقة !!

متوهمين الاكتمال والاكتفاء .. تحفهم أساطير وأمجاد واهية . أوربا خرجت من ظلامها بأن أخذت خلاصه  حضارة أبهرت العالم وقادته , ولم ترسل أبنائها ليتعلمون عند العرب بلغه العرب لأنها تدرك بأنه يستحيل أن تنهض أمه على لغة غير لغتها ولا ثقافة غير ثقافتها . فاللغة هي وعاء الحضارة .

واليوم عندما ننظر لعدد الكتب المترجمة للعربية سنجد انه في عام 2002 وصل إلي 330 كتاب في جميع التخصصات !! بينما أن دوله كفيتنام تتفوق على هذا العدد بكثير ومازال العدد في تناقص مخيف !!

إن الفجوة الكبيرة بيننا وبين أوربا عززت من الانهزامية لدينا .. فالانبهار بثقافتهم جعلنا لا نستفيد من حضارتهم بشكل علمي وعملي صحيح .. بل جعلنا تابعين لهم . نريد أن نستورد حضارتهم بكل مقوماتها .. والمفترض أن نبحث عن طريق التفوق عليهم

فالاستيراد ينتج عنه حضارة ممسوخة  .. وهو ما نفعله الآن بتوجهنا لأبتعاث أبنائنا  في الدول الغربية .

وهو بالضبط ما فعله "محمد علي باشا "في القرن التاسع عشر عندما أرسل الطلبة المصريين لتعلم في فرنسا .. وكانت المحصلة أن ذابت الشخصية العربية المسلمة في الشخصية الاوربيه وجلبت قيم وأخلاق غريبة عن المجتمع المصري .. وكان على رأس هرم المبتعثين "رفاعة الطهطاوي" وهو خريج الأزهر والمؤهل تأهيل شرعي وقد ذهب لإمامه البعثة المصرية في الصلوات وإرشادهم في أمور دينه وعاد بعد ستة سنوات قضاها في باريس يحمل لواء التغريب  يدعوا إلي تحرر المرأة !!

وأصبحت مصر في ذلك الوقت قطعه ممسوخة من أوربا حتى أن جاء الزعيم الراحل "جمال عبدالناصر " يبث مبدأ الاشتراكية في المجتمع المصري . , وماتلى ذلك من صراعات داخليه وخارجية قضت ولو بشكل نسبي على النهج التغريبي  .

لسنا ضد  الأبتعاث ولكن لابد أن نسأل أنفسنا   : ماذا نريد من الابتعاث ؟

أليس الاستفادة من ما وصلت له الحضارة الغريبة وأن تعود لنا من هناك كوادر مزوده بكل ما تحتاجه الامه من علم وفكر  وان تكون هناك خطه وفق جدول زمني يضمن التحول من الاستهلاك إلي الإنتاج إذا لا خلاف حول ذلك ولكن الخلاف حول المنهجية الابتعاث فالابتعاث بهذا الشكل العشوائي لا يعطينا  إلا   استنساخ ل أفكار وعادات وتيارات لا تحتملها بيئتنا فلكل مجتمع خصائصه المتفردة .. ولغته  .

إذا لابد من تقنين الابتعاث في مجالات معينه .. وفئات متميزة .. وفترة زمنيه محدودة

تخضع بعد ذلك لمرحله بناء داخليه , وهذا التقنين سيعود علينا بالفائدة حتى من الناحية الاقتصادية فبربع ميزانيات الابتعاث نستطيع جلب خبرات عالميه في جميع المجالات  .. يعلمون أبنائنا في  بيئتنا المحافظة  كما فعلت اليابان تمام .

وان تقوى مناهجنا الدراسية وتترجم الكتب وتعاد صياغة كتب التاريخ العربي وتوفر المكتبات

في كل مكان وتنمى روح القراءة والإبداع . وبهذا نستطيع أن نبني  حضارتنا بلغتنا وبمعتقداتنا وبعقولنا.

المصدر: http://www.alhwiti.com/news/details/38/2015-02-16

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك