قروبات الواتس بين التواصل والقطيعة

محمد عثمان الثبيتي

 

خدمة القروبات في الواتس آب؛ أصبحت ظاهرة تتراوح إيجابيتها وسلبيتها من خلال التعاطي الجمعي للحوارات التي يتناولها المُنظِّمون لها، والشفافية التي تُغلِّف نقاشاتها، ومنبرًا تجاوز التواصل في حدّه الأدنى إلى آفاق تكشف للآخرين عن مستوى الوعي، وأنماط التفكير، وسعة ثقافة الشخص، إضافةً إلى قدرته الفعلية على قبول الرأي الآخر، سواء اتفق معه أو خالفه، ولكن يبدو أن هذه الخدمة الجماعية أعطت نتائج عكسية لتفاعلها في مُعظم تجمعاتها.

لقد أفرزت لنا هذه القروبات مُشكلات؛ سببها الموضوعات التي تُطرَحُ فيها؛ فما بين كلاسيكي يرفض الأفكار الجديدة ومُتحرِّر من القيود الماضوية ومُدعٍ للثقافة؛ يرى أنه المعني بتأهيل أفراد القروب؛ تاهت بوصلة الحوار، واستُبدلت بلغة الإقصاء، ولا حرج من التندُّر والسخرية تارة، ومن التجريح تارة أخرى؛ الأمر الذي أدى إلى نشوب الكثير من القضايا التي وصلت إلى سُدة المحاكم الشرعية بتهمة القذف، أو الجهات الأخرى للفصل في نزاعاتها بداعي الاختصاص، ناهيكم عن ما أحدثته من قطيعة لبعض العلاقات بين مكوّناتها إما أُسريًا أو عمليًا أو صداقة.

ومن وجهة نظري يعود هذا إلى التعاطي السلبي للثقافة السائدة في المُجتمع؛ المتمركزة على الأحادية التي تتنافى مع العقل كأداة للتحليل والنقد -في إطار ثوابتنا وقيمنا- وأهمية تحريره من التبعية العمياء التي تسعى لإيقاف التدفُّق المعرفي وتحجيمه توجسًا وخِيفة من تداعياته المُحرِّكة للراكد، فالمجتمع لا زال يفتقد لثقافة التعددية التي تمر بإرهاصات تحتاج إلى زمن لاستيعابها، فالفكرة عندما تُطرح للنقاش تخرج من حكم الشخص إلى مُلك الجميع، عندها لن يستطيع أحد إقفال باب النقد عنها، فمتى ما كانت مُقنعة ومُبررة فحتماً ستلقى رواجاً بين مُتلقفيها، والعكس صحيح، أما أن يتعمد الدفاع عنها - فقط - لأنها من بنات أفكاره، فهذه قمة اللاوعي.

ثقافة الاختلاف «مُعضلة مجتمع»، وتتعاظم عندما تجدها سائدة بين المحسوبين على الوعي وقادة الفكر، مما يجعلني أعذر العامة من العراك في ساحات الواتس آب انتصاراً للذات مرة وللفكرة مرة أخرى.

المصدر: http://www.ajel.sa/opinions

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك