بين انتصارات بدر وهزائم العصر

 

عبد الحميد المحيمد
 

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم

في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة النبوية خاض المسلمون أولى المعارك ضد المشركين، وقد انتدب النبي صلى الله عليه وسلم صحابته لاعتراض قافلة أبي سفيان التي كانت قادمة من الشام، ولكن أبا سفيان تمكن من الفرار بالقافلة.
وبالرغم من نجاة القافلة فقد أصر طاغية المشركين أبو جهل على مواجهة المسلمين،وقال مقولته المشهورة: لا واللات لا يكون ذلك أبداً - أي الرجوع - حتى ننحر الجزور ونشرب الخمور ونقيم القينات والمعازف ببدر، فيتسامع جميع العرب بمخرجنا وأن محمداً لم يصب العير وأنا قد أعضضناه فلا يزالون يهابوننا أبداً.
التقى الجيشان عند ماء بدر وحمي الوطيس وبدأ المدد الإلهي ينزل ليثبت قلوب المسلمين فكانت الملائكة تقاتل مع المسلمين.
وأنزل الله نصره على عباده المؤمنين في بدر، فكانت هذه المعركة فتحاً مباركاً وفرقاناً ، أعز الله بها المسلمين وأذل الشرك والمشركين.
ولقد أخذت سيوف المسلمين من أعداء الإسلام مأخذها ،فقتل من المشركين سبعون رجلاً وعلى رأسهم فرعون الأمة عمرو بن هشام "أبوجهل".

أسباب النصر
في معركة بدر لم يكن هناك تكافؤ في ميزان القوى فقد بلغ عدد المشركين ثلاثة أضعاف المسلمين ؛فضلاً عن التفاوت الكبير في العتاد.
ومع ذلك انتصر المسلمون ؛لأن النصر من عند الله وليس بكثرة العدد والسلاح.
قال الله تعالى:(( إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون)) آل عمران:160.
وإنما ينصر الجند بالطاعة ويهزمون بالمعصية، فأين جيوش المسلمين من هذا المبدأ؟

عقيدة الولاء والبراء
وفي بدر التزم المسلمون عقيدة الولاء والبراء فلم تمنعهم القرابة والقبلية من قتل أعداء الله ،وفيهم أنزل الله :(( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ )) المجادلة: 22.
وعندما لحق رجل مشرك بجيش المسلمين ليقاتل معهم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تُؤمن باللهِ وَرسولهِ قالَ لا، قالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِك" رواه مسلم.
فأين المسلمون مــن هذه العقيدة ، ودمــاء إخوانهم تسفك بكرة وعشياً، وهـم لا يحركون ساكناً؟
وأين شباب المسلمين من التبرؤ من الكفار، وهم يقلدونهم في كل شيء؟
وأين جيوشنا من هذه العقيدة، و لمن ولاؤهم ؟

علاقة القائد بجنده
ولقد بينت هذه الغزوة أهمية وحدة الصف والالتفاف حول القائد المسلم ،وهذا ما كان عليه حال المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقود المعركة وينظم صفوف صحابته ويشاورهم ويستمع إلى آرائهم.
فقد قال الحباب للنبي صلى الله عليه وسلم -عندما نزل عند أول ماء من بدر- ليس هذا بمنزل ولكن انهض حتى تجعل القُلب "الآبار" كلها من وراء ظهرك، ثم غوّر كل قليب بها إلا قليباً واحداً ، ثم احفر عليه حوضاً فنقاتل القوم ونشرب ولا يشربون حتى يحكم الله بيننا وبينهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أشرت بالرأي، فأخذ بمشورة الحباب.
وهذا ما ينبغي أن يكون عليه قادة المسلمين من مشاورة جندهم واحترام آرائهم.

أهمية الدعاء عند لقاء العدو
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله قبل المعركة ولم ينم الليل وهو يقول: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي.. اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي.. اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإسلام لا تُعْبَدْ فِي الأرْضِ!" مسلم.
واستمر يناشد ربه ويتضرع إليه حتى سقط رداؤه صلى الله عليه وسلم . فما أحوجنا اليوم للدعاء والتضرع إلى الله أن يفرج محنة المسلمين!

وقفة تربوية مع قضية الأسرى
اختار النبي صلى الله عليه وسلم افتداء الأسرى بدل قتلهم ،وقد فادى بعض أسرى بدر بتعليم عدد من صبيان المدينة.
قال ابن عباس: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة. [مسند الإمام أحمد وحسنه شعيب أرناؤوط].
وكان زيد بن ثابت -رضي الله عنه -ممن تعلم الكتابة والقراءة من الأسرى.
هكذا يكون الحرص على العلم والمعرفة ، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من الأسرى أساتذة ، واستفاد من كفاءاتهم ليتعلم أبناء المسلمين.
فما أحوج قادة المسلمين وجيوشهم للتخلق بالعقيدة الصحيحة والإيمان الراسخ والتحلي بأخـلاق سلفهـم، وعندها لن يتجرأ أحد من الطغاة أن يسفك دماء إخوانهم ولا أن ينتهك حرمات مساجدهم.

https://saaid.net/arabic/801.htm

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك