الإسلام سهل الحوار بين الحضارات في جو من التسامح الديني
الإسلام سهل الحوار بين الحضارات في جو من التسامح الديني
البروفيسور عبدو
العولمة الحالية يمكنها تعلم الكثير من الماضية
متابعة: سيف بن سالم الفضيلي
ألقى البورفيسور عبدو الشريف المدير التنفيذي لمعهد زنجبار لبحوث المحيط الهندي أمس محاضرة عن (محيط التسامح: الإسلام في المحيط الهندي قبل الإمبريالية) بقاعة المحاضرات بجامع السلطان قابوس الأكبر أكد فيها ان المحيط الهندي قبل قدوم البرتغاليين في القرن السادس عشر كان موقعا عالميا من نوع مختلف تمت فيه صياغة العلاقات التجارية عبر المحيط دون إكراه، وفي هذا الموقع تطور الإسلام باعتباره وسطا بارزا سهل الحوار بين الحضارات وفي جو ليس من التسامح الديني فحسب بل من القبول والاحتفال بالفرق المتوازن.
وقال: عالمية المحيط الهندي كانت تتطور حتى قبل ظهور الإسلام وحظيت برواج قوي بظهور الإسلام قبل مجيء شركات الهند الشرقي الأوروبية الاحتكارية والإمبراطوريات الاستعمارية المتلاحقة كان المحيط الهندي بحق منطقة حرة، أي كان بحرا مفتوحا للجميع حيث انه لم تحاول دولة واحدة من الدول القارية المحيطية السيطرة على المسائل البحرية حيث ان الإمبراطوريات المنقولة بحرا لم تعرقل عمليات التكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
وأضاف: على أساس التجارة الحرة الحقيقية في البحر المفتوح فإن سلسلة من المجتمعات الساحلية ومجموعة من الموانئ الصغيرة تطورت حول حافة المحيط الهندي من منطقة سفالة الذهبية ومنطقة كيلوا في أقصى الجنوب الغربي عبر زنجبار ومومباسا ومقديشيو على امتداد ساحل الشرق الافريقي مرورا بعدن عند بوابات البحر الأحمر ومكلا وصحار على ساحل جنوب الجزيرة العربية الى هرمز منفذ الخليج وكاليكوت على ساحل ملبار وحتى منطقة ميلاكا في جنوب شرق آسيا، وطور سكان هذه المناطق تجارة بحرية سلمية واعتمدوا عليها بشكل كبير في معيشتهم وازدهارهم وكثيرا ما كانت بينهم امور مشتركة مع الموانئ الأخرى عبر المحيط مقارنة بالمناطق البعيدة الواقعة خلف تلك الموانئ.
وإشار البورفيسور إلى أن التجارة بمستواها الأدنى تتطلب التسامح لكي يحدث التبادل، وان التسامح في الواقع مفهوم غير كاف فالتجارة المزدهرة تحتاج الى الفهم بلغات مختلفة وتقدير مختلف وتقدير مختلف الثقافات والديانات. ثم تحدث عبدو الشريف عن الوسط التجاري في الإسلام الذي كان الوسط المكي، وانها مفترق طرق القوافل لطريقين تجاريين رئيسيين، وبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة كان أحد تجار مكة وكان يرحل الى الشام في قافلة وهو شاب صغير برفقة عمه وبعد ذلك كان يعمل لحساب أرملة ثرية اسمها خديجة التي كانت تاجرة بحق ثم تزوجها.
وان الرسول عليه افضل الصلاة والسلام كان ينتمي الى طبقة التجار وكان بطبيعته مهيأ للتجارة باستحسان، وذكر شرف مهنة التجارة التي أكدها القرآن الكريم وكذلك الأحاديث النبوية ويرضى الله ان يرى الإنسان يكسب منها ليعول أسرته، يقول عليه الصلاة والسلام (التاجر الامين والعادل والمؤمن سوف يبعث يوم القيامة مع الشهداء)، وبيّن تحذير الرسول عليه الصلاة والسلام من اعمال الغش في التجارة وتأثيرها الضار على الحياة الدينية والرفاهية والاجتماعية.
ويضيف: في هذه البيئة احتل الإسلام موقعا سمح له بأن يزدهر وباعتباره آخر الديانات التوحيدية تاق الإسلام الى ان يصبح اكثر عالمية وتسامحا من الديانات السابقة وخصوصا المسيحية واليهودية وحتى الزرادشتية التي تسمي اتباعها (أهل الكتاب) وهم من اهل الذمة وجبت علينا حمايتهم بدلا من إحراقهم في الأخاديد.
ثم تحدث البروفيسور عبدو عن انتشار الإسلام في المحيط الهندي حيث اكد دحض مقولة العرب القائلة بأن الإسلام انتشر بحد السيف وعن طريق الغزاة، بل ان الإسلام انتشر من خلال مراكب التجارة، فأبطال هذا التوسع العجيب كانوا الى حد كبير بحارة وتجار البحر وكثير منهم كانوا أدباء وصوفيين جابوا البحار كل عام لمئات السنين لمزاولة التجارة بطريقة سلمية حول حافة المحيط الهندي، ومن أهم الأمور التي أدت الى تقبل الإسلام ونشره ظهور الإطار الشرعي الإسلامي المرن الذي لم يكن دائما قائما على أساس التفسير الحرفي للقرآن والحديث النبوي الشريف كما صاغته الشريعة بل ببعض مدارس الشريعة في الإسلام وكذلك على أساس اجتماع العلماء الذين سمح لهم بالاعتراف بعناصر الأعراف المحلية.
ثم أشار إلى أن الإسلام أثبت نجاحه الكبير بالنسبة للمحيط الهندي تحديدا في تحويل الناس ولا سيما النخبة المالكة التجارية داخل المجتمعات التجارية المستقلة التي هيمنت على مدن الموانئ فقد وجدت ميزات الانتماء إلى الدين العالمي بترابطه التجاري والثقافي الواسع.
ثم أشار إلى دور اللاجئين من المسلمين والعلماء المتجولين والشبكات الصوفية الذين هربوا من الاضطهاد حيث قاموا بدور مهم في قلب الأرض الإسلامية ومثل هؤلاء سليمان وسعيد من أسرة الجلندى الذين كانوا من اوائل من لجأ إلى شرق إفريقيا بعد غزو عمان من قبل الحجاج عام 705 تقريبا.
مؤكدا ان عملية نشر الإسلام في خضم حركة التجار المسلمين واللاجئين الإسلاميين حول حافة المحيط الهندي قد مهدت السبيل لتدفق الكوادر الدينية والفكرية المسلمة.
ثم ذكر المحاضر موسم الحج وهو موسم توحيد التضامن الإسلامي في المحيط الهندي وايضا في العالم الاسلامي الأوسع، وما لهذا الموسم من سبل تقديم القربات والصدقات والزكوات ففي القرن التاسع عشر ترك مالك العقارات الشهير في زنجبار كوقف لدعم التكية الإباضية في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة.
ثم انتقل البروفيسور الى صدام الحضارات وقال من الممكن أن تتعلم العولمة كما هو معروف الآن الكثير من العولمة الماضية من خلال ضربه لنموذجين من المواقف التي اتخذتها بعض من الدول كالصين الدالة على التسامح فيما بين الشعوب المطلة على المحيط الهندي وهذا ما يمثله القائد الصيني الادميرال زنج هي (القرن الخامس عشر) عندما احضر نوعا من الحجارة الى سيريلانكا مكتوبا عليها لغات مختلفة (رغم ان الصين كانت قوة عظمى .وفعل السلطان سعيد بن سلطان 1840 في زنجبار بعد 400 عام من هذا الحدث عندما جاء مندوب الإرسالية الالمانية ليستأذن منه لبناء كنيسة في زنجبار، رغم ان السيد سعيد كان متدينا ولكن بالنسبة له كان هذا المسيحي من اهل الكتاب وطبقا لما كتبه هذا الارسالي، ببعث السيد سعيد خطاب الى حاكم ممباسا (ارسل اليكم الدكتور الألماني أنه رجل من رجال الدين وانه يريد نشر كلمة الله، افعلوا ما تستطيعون لمساعدته).
ان ما تفعله (العولمة) الآن العكس من هذا تماما اذ نرى وخلال الأسبوع الماضي منع النساء اللاتي يرتدين الخمار وانهن يتعرضن للعقوبة والمحاكمة في فرنسا، لذا آمل ان تتعلم العولمة كما اسلفت من الدول المحيطة بالمحيط الهندي. من جهة آخرى ذكر البروفيسور عبدو الشريف في لقاء صحفي عقد صباح امس بديوان عام وزارة الأوقاف والشؤون الدينية انه زار السلطنة لأول مرة في 1993 ومنذ ذلك الحين تكررت معه الزيارات لأربع مرات وجد من خلالها ان هناك أمورا كثيرة واضحة المعالم قد تغيرت فالسلطنة تتطور وتنمو بسرعة هائلة.
ويضيف: اذا نظرنا الى ما كانت عليه الأمور سابقا وما نراه الآن نجد ان هناك جيلا صاعدا من الشباب المثقفين إذ تم التركيز على دور الشباب في التنمية ومع تقدم هؤلاء الشباب الى الأمام فإنه من الأهمية بمكان عدم نبذ الأخلاق والتقاليد القديمة لهذه البلاد، ولا بد أنكم تعلمون لماذا بدأت حديثي بذكر الأشخاص وعدم ذكر المباني لأننا نرى الامتداد العمراني ينمو ويكبر في هذه البلاد لذلك لم اتحدث في هذا الجانب، وكوني مؤرخا دائما ما اهتم بالمباني والمساكن القديمة وقد زرت منطقة المضيرب ووجدت بعض المباني القديمة، ورغم انه لا يمكن المحافظة على كل هذه المباني القديمة، ولكن لا بد من المحافظة عليها نظرا لأنها مرتبطة بالثقافة العماني.
وحول نظرته لمستقبل التسامح الديني في الدول المطلة على المحيط الهندي يقول البروفيسور ان الوضع الآن يختلف تماما، المسألة لا تقتصر على الدول المطلة على المحيط الهندي ولكن هناك قوى في المحيط الهندي تحاول السيطرة عليه ليحتكروا التجارة ويؤثروا على ثقافة هذه البلدان، وهذا الفارق الكبير الذي بين تاريخ هذه البلاد سابقا وحاضرا ومن الأهمية الا تسمح هذه البلدان بأن يكون هناك من يسيطر عليها.
ثم تطرق البروفيسور عن المزيج الموجود في زنجبار وما افرزه هذا المزيج من ثقافات حيث اكد ان التمازج الذي كان خلط الهوية الزنجبارية فالذين أتوا لزنجبار وعاشوا فيها كلهم يتحدثون اللغة السواحيلية وكل هذا الخليط ساهم في ايجاد لغة سواحيلية فالمفردات العربية تسهم في هذه اللغة بما نسبته 25 بالمائة وكذلك الهندية، مشيرا الى ان اللغة السواحيلية ليست لغة افريقية ولكن جاءت متجمعة من خلال الامتزاج، فالشعر والآداب معظمها مستحدثة من الاصول العربية.
ويضيف: رغم هذا التمازج كله إلا ان كل واحد منا كان يعلم انه من الاصول الفلانية وكل واحد كان يحتفظ بالتقاليد والعادات الخاصة بانتمائه وكانوا (مثلا) العرب عندما يحتفلون بأعيادهم كانوا يقدمون الدعوة لغيرهم من غير العرب لمشاركته، فالتسامح لم يقتصر على الدين ولكنه كان يشمل ايضا الجانب الثقافي وهذه امور تبعث بالتفاؤل وهذا التكامل الذي كان مستمرا عملية اجتماعية طبيعية، إلا انه يمكن ان تقطع هذه العلاقة وكسرها بعضا من الوقت عن طريق السياسة ، وهنا تكمن الخطورة، وحتى لو حدث ذلك فلن يختفي كل شيء، ففي بعض الأوقات تنخفض المشكلة ثم يعيد الناس اكتشاف الأمور المشتركة
المصدر: http://main.omandaily.om/node/50151