مسألة الخير العام في مبادئ وعمل مؤسّسات المجتمع الدولي
أحمد أبو الوفا
مقدمـة:
لا شك أن تطور القانون الدولي من قانون يقتصر على العلاقات بين الدول إلى قانون يحكم أنشطة مؤسّسات المجتمع الدولي وعلاقاتها؛ يثير العديد من المشاكل الهامة فيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المؤسّسات على الصعيد الدولي. لدرجة أنه يمكن القول: إن إحدى العلامات البارزة للعلاقات الدولية تتمثل في الدور المتزايد الذي تلعبه هذه المؤسّسات. على أنه يلاحظ أن المؤسّسات الدولية -سواء أكانت ذات نزعة عالمية أم ذات طبيعة إقليمية، وسواء أكانت حكومية أم غير حكومية- لا تلعب ذات الدور؛ فهذا الدور متغاير ويشمل أشكالاً متعددة، وهو يتوقف في النهاية على الاختصاصات الممنوحة للمؤسّسة الدولية المعنية(1) ، فمن الواضح أن تلك المؤسّسات (وبصفة أعم القانون الدولي نفسه) ليست غاية في ذاتها. فلأنها نتاج تطور تاريخي حادث في المجالات الدولية المختلفة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها)، فإنها بطبيعتها أدوات لحل المشاكل الحيوية التي تصادف الدول والأفراد في علاقاتها المتبادلة. هذا الدور يمس مجالات متعددة، منها:
- العمل على حل المشاكل التقليدية للمجتمع الدولي: مثال ذلك تحقيق الأمن الجماعي, وذلك بتحريم اللجوء إلى استخدام القوة أو التهديد بها والعمل على معاقبة المتعدي، ومعالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية الموجودة في المجتمع الدولي المعاصر والتي هي نتائج ظروف تاريخية عفا عليها الزمان وأصبحت في ذمة التاريخ، وذلك بالعمل على إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد يقوم على أسس مغايرة ويهدف إلى حماية الدول الضعيفة اقتصاديا؛ خصوصا الدول الآخذة في النمو. أخيرا لعبت المؤسّسات الدولية دوراً مهماً في القضاء على ظاهرة احتلال الإنسان لأخيه الإنسان واستغلاله، وذلك بتصفية الاستعمار والظاهرة الاستعمارية بوجه عام.
- مواجهة المشاكل الجديدة والمتجددة التي تواجه المجتمع الدولي؛ إذ مما لا شك فيه أن التقدم العلمي والتكنولوجي على مختلف مستوياته، وتغير كُنْهِ وطبيعة الحياة المعاصرة (على المستوى الدولي والوطني) قد أدى إلى بزوغ العديد من المشاكل التي ما كانت لتوجد بالدرجة التي توجد بها الآن في ظل المجتمع الدولي القديم (الذي كان موجودا في القرن التاسع عشر وما قبله).
يكفي أن نذكر - هنا - المشاكل الخاصة بالضمان الاجتماعي، والفقر، والحق في الصحة، والحق في الغذاء، ومواجهة الكوارث الطبيعية، وغيرها.
لذلك تنص المادة 1/3 من ميثاق الأمم المتحدة على أن من أهداف المنظمة:
"تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية, وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا, والتشجيع على ذلك بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين, ولا تفريق بين الرجال والنساء".
كذلك تنص المادة 2/3 من ميثاق جامعة الدول العربية على أن أهداف الجامعة:
تحقيق التعاون الوثيق بين الدول المشتركة فيها, وذلك بحسب نظم كل دولة وأحوالها، في الشؤون الآتية:
- الشؤون الاقتصادية والمالية، ويدخل في ذلك التبادل الجمركي والجمارك والعملة وأمور الزراعة والصناعة.
- شؤون المواصلات ويدخل في ذلك السكك الحديدية والطرق والطيران والملاحة والبرق والبريد.
- شؤون الثقافة.
- شؤون الجنسية والجوازات والتأشيرات وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين.
- الشؤون الاجتماعية.
- الشؤون الصحية.
ونشير - هنا - إلى مسألة الخير العام في فكرة وعمل مؤسّسات المجتمع الدولي، من خلال التركيز على بعض الموضوعات المهمة في هذا الخصوص، وعلى أساس أنه لا يمكننا أن نحيط خبرًا بكل مناحي ذلك العمل في إطار هذه الدراسة.
أخذًا في الاعتبار ما تقدم، سنشير إلى الحق في الغذاء، ومحاربة الفقر والقضاء عليه، وفي مجال الكوارث الطبيعية، وفي مجال الضمان الاجتماعي، وفي إطار الإسلام. فإذا انتهينا من ذلك فحقيق بنا أن نشير إلى القيود التي يجب على مؤسّسات المجتمع الدولي مراعاتها في هذا الخصوص.
أوَّلاً: في مجال الحق في الغذاء:
من مسائل تحقيق الخير العام على الصعيد الدولي "كفالة الحق في الغذاء" لمن يحتاجون إليه من السكان وخاصة في البلاد الفقيرة.
وقد عُنيتْ بذلك الحق العديدُ من المؤسّسات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة (ومقرها مدينة روما - إيطاليا) وبرنامج الغذاء العالمي (World food program). كذلك عنيت به بعض الأجهزة الدولية الأخرى، مثل لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، (المنشأة في إطار العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966)، ولجنة حقوق الإنسان (التي أنشأها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966)، ولجنة حقوق الطفل (التي أنشأتها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989).
كذلك تم إنشاء وظيفة "المقرِّر الخاص"(2) (Special rapporteur) للحق في الغـذاء منذ عام 2000 (بقرار من لجنة حقوق الإنسان السابق الإشارة إليها).
ولا شك أن تحقيق هذا الحق الجوهري للإنسان من شأنه كفالة الخير العام لقطاع عريض من سكان الكرة الأرضية, ما زال يعاني - حتَّى الآن- من سوء التغذية والفقر والجوع.
ثانيًا- في مجال محاربة الفقر والقضاء عليه:
تلعب مؤسّسات المجتمع الدولي -أيضًا- دورًا مهما في القضاء على الفقر أو الإقلال منه. ولا شك أن الفقر يؤثر على العديد من حقوق الإنسان (مثل الحق في الغذاء، والتعليم، والمسكن، والعمل، وخصوصية الحياة الخاصة، والحقوق السياسية والحريات الأساسية، وغيرها).
لذلك نص إعلان الألفية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة على: "خلق بيئة -على المستويات الوطنية والعالمية- تؤدي إلى تحقيق التنمية وتقضي على الفقر"(3).
ولا جرم أن الفقر يشكل مشكلة صعبة تواجه المجتمعات الوطنية (في كل الدول) والمجتمع الدولي أيضًا، لذلك سعت مؤسّسات المجتمع الدولي إلى التصدي لها. يكفي أن نذكر ما جاء في إعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية الذي تبناه رؤساء الدول والحكومات بمقر الأمم المتحدة في نيويورك بخصوص "التنمية والقضاء على الفقر" والذي جاء فيه(4):
- لن ندخر أي جهد في سبيل تخليص بني الإنسان، والنساء والأطفال، من ظروف الفقر المدقع المهينة واللاإنسانية، التي يعيش فيها حاليا أكثر من بليون شخص.
- لذلك نعتزم أن نهيّء - على الصعيدين الوطني والعالمي - بيئة مواتية للتنمية وللقضاء على الفقر.
- إن النجاح في تحقيق هذه الأهداف يعتمد -في جملة أمور- على وجود حُكْم صالح في كل بلد. ويتوقف أيضا على وجود حكم صالح على الصعيد الدولي، وعلى وجود شفافية في النظم المالية والنقدية والتجارية. ونحن ملتزمون بإيجاد نظام تجاري ومالي متعدد الأطراف منفتح، ومنصف، وغير تمييزي، ويمكن التنبؤ به، ويرتكز على القانون.
- نشعر بالقلق إزاء ما تواجهه البلدان النامية من عقبات في تعبئة الموارد اللازمة لتمويل تنميتها المستدامة.
- نتعهد أيضًا بمعالجة الاحتياجات الخاصة لأقل البلدان نموا. وندعو البلدان الصناعية إلى القيام بما يلي:
• اعتماد سياسة تسمح بوصول جميع صادرات أقل البلدان نموا إلى أسواقها دون فرض رسوم أو حصص عليها.
• تنفيذ البرنامج المعزز لتخفيف ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون.
• منح مساعدة إنمائية أكثر سخاء, وخاصة لتلك البلدان التي تبذل جهودًا حقيقية لتوظيف مواردها للحد من الفقر.
• نحن مصممون أيضا على الاهتمام بصورة شاملة وفعالة بمشاكل البلدان النامية المنخفضة أو المتوسطة الدخل، باتخاذ تدابير متنوعة على المستويين الوطني والدولي لجعل تحمل ديونها ممكنا في المدى الطويل.
- إننا ندرك الاحتياجات والمشاكل الخاصة للبلدان النامية غير الساحلية، ونحث المانحين الثنائيين والمتعدِّدي الأطراف على حدٍّ سواء على زيادة المساعدات المالية والتقنية المقدمة إلى هذه الفئة من البلدان.
- نعقد العزم كذلك على ما يلي:
• أن نخفض نسبة سكان العالم الذين يقل دخلهم اليومي عن دولار واحد، وكذا نسبة سكان العالم الذين يعانون من الجوع، ونسبة السكان الذين لا يستطيعون الحصول على المياه الصالحة للشرب أو دفع ثمنها إلى النصف بحلول سنة 2015.
• أن نكفل -بحلول ذلك العام نفسه- تمكَّن الأطفال في كل مكان -سواء الذكور أو الإناث منهم- من إتمام مرحلة التعليم الابتدائي، وتمكّن الأولاد والبنات من الالتحاق بجميع مستويات التعليم على قدم المساواة.
• أن ينخفض معدل وفيات الأمهات -بحلول ذلك العام نفسه- بمقدار ثلاثة أرباع ووفيات الأطفال دون سن الخامسة بمقدار ثُلثي معدلاتها الحالية.
• أن يتم إيقاف انتشار فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، ووباء الملاريا والأمراض الرئيسة الأخرى التي يعاني منها البشر.
• أن نقدم مساعدة خاصة إلى الأطفال الذين أمسوا يتامى بسبب فيروس (الإيدز).
• أن نحقق -بحلول عام 2020- تحسنا كبيرًا في حياة 100 مليون شخص على الأقل من سكان الأحياء الفقيرة, وفقا لما اقترح في مبادرة "مدن خالية من الأحياء الفقيرة".
- نعقد العزم أيضا على ما يلي:
• تعزيز المساواة بين الجنسين باعتبارهما وسيلتين فعالتين لمكافحة الفقر والجوع والمرض ولحفز التنمية المستدامة فعلاً.
• وضع وتنفيذ استراتيجيات تتيح للشباب في كل مكان فرصًا حقيقية للحصول على عمل لائق ومنتج.
• تشجيع صناعة المستحضرات الطبية لجعل العقاقير الأساسية متاحة على نطاق أوسع, ومتيسرة لجميع الأشخاص الذين يحتاجون إليها في البلدان النامية.
• إقامة شراكات متينة مع القطاع الخاص ومع منظمات المجتمع المدني، سعيًا إلى تحقيق التنمية والقضاء على الفقر.
• كفالة أن تكون فوائد التكنولوجيا الجديدة -وبخاصة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات- متاحة للجميع.
ثالثا- في مجال مواجهة الكوارث الطبيعية:
من الثابت أن الكوارث الطبيعية تهدد حياة وسلامة الأشخاص، وكذلك الأموال والممتلكات في المناطق التي تحدث فيها؛ لذلك تسعى مؤسّسات المجتمع الدولي إلى اتخاذ ما يلزم لمواجهتها، سواء على المستوى غير الحكومي (مثل منظمات أطباء بلا حدود، وأطباء حول العالم) أو على المستوى الحكومي وهو ما نذكره الآن.
أ- فعلى المستوى العالمي:
عُنيتْ المنظمات الدولية العالمية بهذه المسألة عناية كبيرة، خصوصا منظمة الأمم المتحدة:
- من ذلك التقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة عام 1981 بخصوص "الجهود الدولية المبذولة لتلبية الاحتياجات الإنسانية في حالات الطوارئ"(5).
- كذلك أعلنت الجمعية العامة بقرارها 44/ 226 المؤرخ في 22 ديسمبر 1989م اعتبار عِقْد التسعينات عقدًا دوليًا للحد من الكوارث الطبيعية. فقد نص هذا القرار على أهداف العقد، ومنها:
1- تحسين قدرة كل بلد على التخفيف من آثار الكوارث الطبيعية بسرعة وفعالية.
2- وضع مبادئ توجيهية واستراتيجيات ملائمة لتطبيق المعارف العلمية والتكنولوجية، مع مراعاة التنوع الثقافي والاقتصادي بين الدول.
3- تعزيز المساعي العلمية والهندسية الرامية إلى سد الثغرات الحرجة في هذه المعارف من أجل تقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات.
4- نشر ما هو قائم وجديد من المعلومات التقنية المتعلقة بالتدابير اللازمة لتقييم الكوارث الطبيعية والتنبؤ بها وتخفيف آثارها.
5- وضع تدابير لتقييم الكوارث الطبيعية والتنبؤ بها والتخفيف من آثارها.
- "إنشاء وظيفة منسق الإغاثة في حالات الطوارئ" بدرجة وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، وأهم وظائفه ما يلي:
أ- تجهيز الطلبات المقدمة من الدول الأعضاء المتضررة للحصول على مساعدة طارئة تتطلب استجابة منسقة.
ب- القيام بالتشاور مع حكومة البلد المتضرر بتنظيم بعثة مشتركة بين الوكالات لتقييم الاحتياجات المطلوبة لمواجهة الكارثة التي وقعت.
ج- تيسير وصول المنظمات التنفيذية إلى المناطق التي تواجه حالات الطوارئ من أجل الإسراع بتقديم المساعدة الطارئة، وذلك بالحصول على موافقة جميع الأطراف المعنية.
د - القيام بالتشاور مع المنظمات التنفيذية المعنية بإدارة صندوق الطوارئ المركزي والمساعدة في تعبئة الموارد.
هـ - العمل كمنسق مركزي مع الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية بشأن عمليات الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة.
ب) على المستوى الإفريقي:
تم إنشاء مركز التميز الإقليمي لإدارة الكوارث في 15 أغسطس 2005 (مقره في كينيا).
وتتمثل أهداف المركز في الآتي:
- تعزيز التعاون بين الدول المشاركة.
- بناء آلية لتعبئة الموارد وتحسين قدرات إدارة الكوارث في جميع الدول.
- تيسير ودعم وتقوية التعاون على المستويات الإقليمية والدولية لتحقيق الإدارة الفعالة لبرامج مواجهة الكوارث الطبيعية.
- بناء قاعدة بيانات بقدرات الدول المشاركة للمساعدة على الاستجابة الفعالة للكوارث.
- التنسيق مع المنظمات الإنسانية المعنية بشؤون الإغاثة.
- تطوير برنامج تدريبي خاص بإدارة الكوارث الطبيعية تستفيد منه الدول المشاركة.
- تطوير وتعزيز برنامج لإدارة المعلومات له موقع على الإنترنت، والقيام بحملة دعائية للتوعية العامة، وإنشاء شبكة اتصال بين الدول المشاركة.
- تطوير آلية استجابة إقليمية - بعد موافقة الدول المشاركة - لتنسيق جهود إدارة الكوارث الطبيعية(6).
ومن أجل تحقيق الأهداف السابقة تؤكد الدول المشاركة على التزامها بالمبادئ التالية:
- المساواة في السيادة وسلامة حدود جميع الدول المشاركة.
- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المشاركة.
- الحفاظ على السلام الإقليمي والاستقرار والأمن.
- الاعتراف، والدعم، والحماية، والاحترام للإنسان وحقوقه الأساسية، وفقًا للقوانين والمواثيق الدولية.
- الاقتسام المشترك والعادل للمزايا والمسئوليات وفقا للاتفاقية المؤسّسة للمركز.
- عدم التفرقة على أساس الجنس أو الدين(7).
ج) على المستوى العربي:
صدر قرار مجلس جامعة الدول العربية رقم 6402 (الدورة 21) في 4 مارس 2004 بإنشاء "المركز العربي للوقاية من أخطار الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى".
ويهدف المركز إلى تحقيق ما يلي:
- الوقاية من أخطار الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى.
- تشخيص وتحديد مواقع ونطاقات الزلازل.
- تحديد الأماكن المعرضة للسيول والفيضانات والانزلاقات الأرضية.
- تحديد المناطق التي تحتوي على الفراغات الجيولوجية "الكهوف الأرضية" في المناطق السكنية.
- اقتراح حلول تقنية على أساس علمي للحد من أخطار الزلازل, والوقاية من الكوارث الطبيعية الأخرى, وتشجيع التعاون العلمي والتقني بين مختلف الدول الأعضاء.
- تعزيز قدرات الدول العربية في مجال إدارة الكوارث الطبيعية والتخفيف من آثارها.
- دعم وتشجيع عمليات التدريب، وإعداد البحوث والدراسات، وتبادل المعلومات واستخدام التقنيات الحديثة في مجال إدارة الكوارث.
- تقديم المساعدة الفنية للدول الأعضاء المعرضة للكوارث الطبيعية.
وبغية تحقيق الأهداف السابقة يسعى المركز إلى تنفيذ المهام التالية (م4):
- الدعم التقني والعلمي للدول الأعضاء بقصد الوقاية ومواجهة أخطار الزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية الأخرى.
- القيام بدراسات لتقييم الأخطار وتنظيم الوقاية من الكوارث الطبيعية.
- جمع ونشر معلومات بصفة دورية بالتعاون مع مراكز البحوث والهيئات المتخصصة في هذا المجال، ووضع خرائط للزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية.
- التنسيق والربط بين المراكز الوطنية المعنية في الدول الأعضاء.
- تنظيم لقاءات علمية وفنية للخبراء.
- إقامة مشاريع بحثية في مجال الوقاية من أخطار الزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية الأخرى، والعمل على تنفيذها مع المنظمات العربية والإقليمية والدولية والجهات الأخرى المتخصصة في هذا الشأن.
- إنشاء قاعدة بيانات عن الوقاية من أخطار الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى.
- تنظيم دورات تدريبية قصيرة ومتوسطة المدى.
- تعميم المعلومات عن طريق كل الوسائل المناسبة.
رابعاً - في مجال الضمان الاجتماعي:
من الحقوق المهمة على الصعيدين الداخلي والدولي - حالياً - الحق في الضمان الاجتماعي والذي يهدف إلى تأمين الشخص ضد أخطار العجز والمرض والشيخوخة، وذلك بتوفير دخل له يمكّنه هو وأسرته من مواجهة أعباء الحياة.
ونظرًا لأهمية هذا الحق، فقد عنيت به مؤسّسات المجتمع الدولي عناية كبيرة. يكفي أن نذكر الأمثلة الآتية:
أ) من أهداف "مجلس أوروبا" (Council of Europe):
تحسين الوضع الاجتماعي لطوائف الأفراد الذين هم في حاجة إلى ذلك، مثل: العمال المهاجرين، شباب العمال، النساء اللاتي تعملن، الأطفال ذوي الإعاقة... إلخ(8).
ب) في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، قرر المجلس الأعلى منذ عام 1426هـ/ 2005م:
"مد الحماية التأمينية لمواطني دول مجلس التعاون"؛ إذ نص القرار الصادر عن المجلس على ما يلي:
"تحقيقاً لأهداف مجلس التعاون بشأن التكامل بين الدول الأعضاء, وتسهيل تنقل القوى العاملة الوطنية فيما بين دول المجلس, والتي منها البند المتعلق بتحقيق الطمأنينة الاجتماعية لمواطني دول المجلس العاملين في غير دولهم، عن طريق نظام شامل ومناسب للتأمينات الاجتماعية والتقاعد المدني في كل دولة يغطي هذه الفئة أسوة بمواطني الدولة مقر العمل، أقر المجلس الأعلى في دورته الأخيرة مد مظلة الحماية التأمينية للمواطنين العاملين خارج دولهم في أي دولة من دول المجلس الأخرى في القطاعين العام والخاص من خلال التقاعد المدني والتأمينات، على أن يكون تنفيذ ذلك اختيارياً من 1 يناير 2005م وإلزاميًا من 1 يناير 2006"(9).
ج) في إطار جامعة الدول العربية جاء في الوثيقة العربية الاسترشادية للضمان الاجتماعي(10) أن:
"الضمان الاجتماعي حق يكفله المجتمع وترعاه الدولة ويحميه القانون، يقصد منه حماية المواطنين في حالات الشيخوخة والعجز والمرض وإصابات العمل ومرض المهنة، وعند فقدان المعيل والبطالة وانقطاع سبل العيش, وعند الحمل والولادة, والإعانة على تحمل الأعباء العائلية، وفي حالات الكوارث والطوارئ والوفاة.
ويمكن لأنظمة الضمان الاجتماعي أن توفر الرعاية الاجتماعية لمن لا راعي له طفلاً كان أو عاجزًا أو مُسِنًّا"(م1).
وتضيف الوثيقة في المادة 11 الآتي:
" تكون منافع الضمان الاجتماعي نقدية وعينية.
أوَّلاً: المنافع النقدية وهي:
(أ) المعاشات طويلة الأمد وتشمل:
- معاش المسنين.
- معاش العجز بسبب إصابة العمل.
- معاش العجز الكلي لغير إصابة العمل.
- معاش الوفاة.
- المعاش الأساسي لفاقد المعيل ولعديم الدخل.
- علاوة العائلة.
(ب) المنافع النقدية قصيرة الأمد وهي:
1- المنافع اليومية في حالات العجز المؤقت بسبب المرض.
2- المنافع بسبب إصابة العمل.
3- المنافع بسبب الولادة.
(ج) المنح الإضافية: وهي مبالغ معينة تستحق دفعة واحدة لا سيما عند:
1- الحمل.
2- الولادة.
3- الوفاة.
4- الكوارث والطوارئ.
ثانيًا - المنافع العينية وتشمل:
(أ) الرعاية الاجتماعية لمن ليس له مأوى أو معيل.
(ب) العناية الصحية والاجتماعية.
(ج) إعادة التأهيل ورعاية الأحداث الجانحين والعَجَزَة وذوي الاحتياجات الخاصة، وتقديم الخِدْمات الصحية لنزلاء دور الرعاية الاجتماعية".
ولا شك أن هذه المزايا والمنافع من شأنها تحقيق الخير العام على المستوى الفردي، وفي النهاية على مستوى المجموع، بما تحققه من:
أوَّلاً: مزايا مالية تمنح للأفراد لتحسين أحوالهم المعيشية.
ثانيًا: مزايا عينية تغطي الجوانب الاجتماعية اللازمة لحياة كريمة وآمنة.
ويكفي أن نذكر هنا ما قررته الوثيقة بخصوص هذه المنافع العينية؛ إذ تنص المادة 24 على ما يلي:
"يقدِّم الضمان الاجتماعي خدمات الرعاية الاجتماعية التالية:
أ- رعاية من لا راعي لهم من الأطفال في دور الحضانة ورياض الأطفال.
ب- رعاية المسنين في دور المسنين أو في البيت في الأحوال التي تقتضي ذلك.
ج- رعاية العَجَزَة وذوي الاحتياجات الخاصة في الدور الخاصة بهم.
د- رعاية الأحداث.
هـ- تقديم المساعدات العينية في حالات الكوارث والطوارئ.
و- تقديم الرعاية الاجتماعية للفرد والأسرة".
وتضيف المادة 25:
"تشمل العناية الصحية التي يقدمها الضمان الاجتماعي ما يلي:
أ- التدابير اللازمة للوقاية بالتنسيق مع الجهات المعنية المختصة, بقصد إرساء قواعد الإسهام في الوقاية من إصابة العمل, وكفالة الصحة والسلامة المهنية والعمالية.
ب- إعادة تأهيل المرضى والمصابين بإزالة آثار الإصابة أو تخفيفها لديهم, والعمل على تدريبهم على مِهَنهم أو حِرَفهم, أو على مِهَنٍ أو حِرَفٍ أخرى مناسبة, بقصد منحهم فرصة أخرى للعمل والإنتاج.
ج- العناية الطبية والتأهيلية الشاملة لذوي الاحتياجات الخاصة.
د- الضمان الصحي الشامل لنزلاء دور العناية الاجتماعية.
تبين القوانين واللوائح المنظمة في كل دولة إجراءات التنسيق والتكامل فيما يتعلق بالعناية الصحية".
خامسًا - مسألة الخير العام في فكر وعمل المؤسّسات الإسلامية:
نشير إلى المبدأ العام، ثم إلى هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية.
أ- المبدأ العام:
الإنفاق من أجل الخير العام مطلوب إسلاميًا، فقد حض عليه القرآن الكريم داعياً إليه ومشجعاً عليه.
ولأجل أهمية هذا الإنفاق جمعه الله تعالى مع الإيمان في قوله: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾ (البقرة: ١٧٧).
كذلك حض عليه سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ (المنافقون:١٠)، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (البقرة: ٢٥٤).
وجاء التنبيه على الأجر العظيم لهذا الإنفاق في قوله سبحانه: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: ٢٦١)، وللحصول على ذلك الأجر، يجب ألا يقترن هذا الإنفاق بالمن والأذى، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة: ٢٦٢)، ثم قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ﴾ (البقرة: ٢٦٤).
وإذا كان من المقرر في الفقه الإسلامي أنه: "يجوز محاربة العدو بالحصار، ومنع السابلة، دخولاً وخروجًا"(11) ، فإن السيرة النبوية المشرفة تظهر أن البُعْد الإنساني في التعامل - حتَّى وقت الحرب - يجب عدم إغفاله, وأنه يمكن تقديم المساعدة الاقتصادية للعدو رغم حالة العداوة القائمة(12).
يكفي أن نذكر هنا المثال الآتي: "قصة ثُمَامة": فقد أمرهُ عليه الصلاة والسلام "أن يَمِير أهل مكة وهم حرب عليه". وملخص هذه القصة أن ثُمَامةَ بعد أن أسلم قال له أهل مكة أصَبوْتَ؟ فقال: إني والله ما صبوت؛ ولكني أسلمت.. وايم الذي نفس ثمامة بيده لا تأتيكم حبة من اليمامة ما بقيت حتَّى يأذن فيها محمَّد -صلَّى الله عليه وسلم-، وانصرف إلى بلده ومنع الحمل إلى مكة حتَّى جهدت قريش, فكتبوا إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يحمل إليهم الطعام, ففعل رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-، وكتب إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل رغم أن أهل مكة كانوا يومئذ حربًا لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-(13) ، فعرفنا "أنه لا بأس بذلك"(14).
ويروي ابن شبة أن أهل مكة حينما أضر بهم فعل ثمامة، كتبوا إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلَّى الله عليه وسلم- لثمامة: "يا ثمامة، لا يثأر المسلم بالكافر"(15).
حري بالذكر أن تلك المقاطعة التي فعلها ثمامة ترجع إلى أنه حينما أُسِرَ، خرج رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-فقال: ما وراءك يا ثمامة؟ فقال: إن عاقبت عاقبت ذا ذنب، وإن مننت مننت على شاكر، وإن أردت المال فعندي من المال ما شئت, فمنَّ عليه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- بشرط "أن يقطع الميرة عن أهل مكة ففعل ذلك حتَّى قحطوا"(16).
بهذا يكون الرسول -صلَّى الله عليه وسلم-:
• قد طبق - منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناَ - ما أخذ به البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، والملحق باتفاقات جنيف لعام 1949، والذي نص على أنه لا يجوز تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب القتال, أو تدمير أو تعطيل المواد التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة (م54). وبذلك يكون للسيرة النبوية سبق زمني بخصوص هذه المسألة.
• قد أكد على ما استقر عليه القانون الدولي حديثاً بخصوص الحق في المساعدة الإنسانية (Droit a l'assistance humanitaire- Right to humanitarian assistance)، وهو حق بدأت تبزغ أهميته منذ وقت قصير، ويهدف إلى تجنيب السكان المدنيين الآثار السلبية المترتبة على توقيع الجزاءات الدولية، خصوصاً جزاء المقاطعة الاقتصادية(17).
ب- هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية:
أُنشئت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التابعة لرابطة العالم الإسلامي -ومقرها مكة المكرمة- بقرار من المجلس التأسيسي للرابطة في دورته العشرين عام 1398هـ، وتسعى الهيئة لتحقيق الأهداف التالية:
1- العمل على مساعدة اللاجئين والمنكوبين الذين تصيبهم الكوارث والمجاعات وتقديم الإغاثة للمتضررين منهم.
2- الإسهام في تنمية المجتمعات الإسلامية في الجوانب الحضارية والدعوية والتعليمية والصحية والاجتماعية، وغيرها من الجوانب.
3- كسب ثقة المتبرعين والجهات الداعمة.
4- العناية بذوي الاحتياجات الخاصة من تعليم وتأهيل.
5- تأصيل روح التطوع والاعتماد على الذات في المجتمعات الإسلامية.
6- التعاون والتنسيق مع الجمعيات والمؤسّسات والهيئات ذات الأهداف المشابهة داخل دولة المقر وخارجها(18).
ولتحقيق هذه الأهداف تستخدم الهيئة ما يلي:
- تلَقِّي ما يبذله أهل الخير من ولاة الأمر ورجال الأعمال والمواطنين والمؤسّسات من التبرعات, بجانب حث المسلمين على التطوع بالجهد, والتبرع بالمال.
- تقديم الغوث والمساعدة للمحتاجين والمصابين من الكوارث والنكبات على مختلف الأصعدة: الدعوية والإغاثية والاجتماعية والصحية والتنموية والتعليمية، بما في ذلك إنشاء المساجد والمدارس.
- إنشاء المستشفيات والمستوصفات ونحوها في المجتمعات الإسلامية المحتاجة لذلك والقيام بإدارتها وتطويرها.
- كفالة أيتام المسلمين، وإنشاء الدور والمراكز الاجتماعية لهم وإدارتها.
- إنشاء المشاريع والبرامج التي تساعد الهيئة على تنمية مواردها وتحقيق أهدافها(19).
سادسًا - القيود التي يجب على مؤسّسات المجتمع الدولي مراعاتها:
الاختصاصات التي تمارسها مؤسّسات المجتمع الدولي، في تحقيقها للخير العام ليست مطلقة؛ وإنما يجب عليها أن تراعي بعض القيود التي تشكل الإطار الذي تعمل من خلاله، والنطاق الذي لا يمكن تجاوزه.
وأهم ما يجب مراعاته - في هذا الخصوص - يتمثل في أمرين:
أ- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول:
لا شك أن محاولة المؤسّسة الدولية أو سعيها للتدخل في الشؤون الداخلية للدول من شأنه ترتب العديد من الأصداء أو الانعكاسات على العلاقات مع النظام الداخلي للدول؛ علة ذلك أن تلك الدول قد جعلت من عدم التدخل شرطاً لدخولها في علاقات مع تلك المؤسّسات، ولأن تجاوز المنظمة لسلطاتها سيترتب عليه الاعتداء على سيادتها. لذلك فمن أهم مظاهر العلاقة بين النظام القانوني للمؤسّسات الدولية والنظام القانوني للدول الأعضاء التزام عدم تدخل المؤسّسة في الشؤون الداخلية لتلك الدول، وهو مبدأ يطبق على كل مؤسّسة دولية حتَّى في حالة عدم وجود نص صريح يذكر ذلك، على أساس أن أية دولة لا تقبل -على الأقل في ظل الوضع الراهن للعلاقات الدولية- أن تتعامل مع مؤسّسةٍ ما, إذا كان ذلك سيترتب عليه فَقْدُها لاستقلالها الداخلي, عن طريق تدخل المؤسّسة في الشؤون التي تعد من صميم اختصاصها الداخلي.
لذلك نص ميثاق الأمم المتحدة على أن:
"ليس في هذا الميثاق ما يسوِّغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولةٍ ما، وليس فيه ما يُلزم الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تُحَلّ بحكم هذا الميثاق".
ب- ضرورة استبعاد الاعتبارات السياسية عند قيام المؤسّسة الدولية بأعمالها:
يلاحظ أن العديد من الأعمال القانونية الصادرة عن المنظمات الدولية تُستوحى أساساً من مواقف وأيديولوجيات ذات طبيعة سياسية؛ فالعديد من الأعمال الصادرة عن هذه المؤسّسات تتمثل أساساً في ردود فعل خاضعة لضغط "أغلبية حسابية" أكثر من كونها مواقف يتم تبنيها بعد تفكير عميق, واستنادًا إلى تطبيقٍ مخلصٍ للقانون. الأمر الذي قد يقوّض هيبة المؤسّسة ومكانتها في الأوساط الدولية.
ولعل هذه الاعتبارات السياسية التي تلعب دورًا ليس باليسير في أجهزة المؤسّسات الدولية الحالية هي التي تفسر - حالياً- سياسة "الكيل بمكيالين والأخذ بمعيارين deux poids et deux mesures " أو سياسة" المعيار المزدوج double standard "أو اللغة المزدوجة double language المطبقة في الكثير من المنظمات الدولية المعاصرة(20).
___________________________
1) راجع: أحمد أبو الوفا, الوسيط في قانون المنظمات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2011، ص11.
2) وتتمثل وظائفه فيما يلي:
- تعزيز التحقيق: الكامل للحق في الغذاء واتخاذ الإجراءات اللازمة على المستويات الوطنية، والإقليمية والدولية.
- بحث طرق التغلب على العوائق التي تمنع كفالة الحق في الغذاء.
تقديم توصيات بخصوص الخطوات الممكنة لكفالة الحق في الغذاء بصورة مطردة. راجع:
The right to adequate food, office of the high commissioner for human rights, UN, Geneva, 2010, p37.
3) General Assembly Resolution 55/ 2088, September 2000.
4) قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 سبتمبر 2000، منشور في "حقوق الإنسان مجموعة صكوك دولية"، الأمم المتحدة، نيويورك، 2002، المجلد الأول، ج1، ص98-101.
5) راجع: E/1981/16
6) انظر: المادة السادسة من اتفاقية تأسيس المركز.
7) المادة الخامسة من اتفاقية تأسيس المركز.
8) راجع: Conseil de l'Europe, Guide du conseil de l'Europe, Direction de la presse et de l'information, p25.
- وانظر أيضاً: ما تم تبنيه في إطار الاتحاد الأوروبي من لوائح وتوجيهات بخصوص أنظمة الضمان الاجتماعي وتطبيقها على العمال وأفراد أسرهم، والتسوية في الأجور بين الذكور والإناث، والحصول على فرص عمل، وتحسين صحة العمال،... إلخ، في:
L. Dubois/ C. Gueydan, Les grands textes du droit de l'union européenne, Dalloz, Paris, 2003, t. 2, pp139-180.
9) راجع: "الدورة الخامسة والعشرين للمجلس الأعلى قمة زايد، آفاق جديدة لمستقبل واعد"، الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، 1426/2005، ص19.
10) اعتمدها مجلس وزراء العدل العرب في دورته الحادية والعشرين، بالقرار رقم 593، د21، 29/11/2005.
11) المحقق الحلي, شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، مطبعة الآداب في النجف الأشرف، 1389-1969، ج1 ص311.
12) يقول ابن حزم: "وإعطاء الكافر مباح وقبول ما أعطى هو كقبول ما أعطى المسلم "ابن حزم: المحلى، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ج9، مسألة 1639، ص159.
13) ابن هشام, السيرة النبوية. ط البابي الحلبي، القاهرة، ج2، ص639.
14) الإمام عمر بن محمد السنامي, نصاب الاحتساب. تحقيق: مريزي عسيري، دار الوطن، الرياض، 1414-1993.
15) ابن شبة, تاريخ المدينة المنورة، ص438.
16) شرح كتاب السير الكبير للشيباني، ج4، ص1031.
17) قيل إن: "مبدأ الرفق والرحمة حرّم على المسلمين في حروبهم أن يلجأوا لقهر عدوهم بتجويع الأمة المحاربة، أو منع أسباب الحياة من قوت أو دواء أو لباس من الوصول إلى غير المحاربين منها". عبد الرحمن عزام: الرسالة الخالدة، القاهرة، ص141-142.
18) المادة 5 من النظام الأساسي للهيئة.
19) المادة 6 من النظام الأساسي للهيئة.
20) لعل ذلك هو الذي دفعنا إلى القول:
- إن النظام الدولي الحالي يتكون من رأس كاسح وجسم كسيح (فهو في يد الدول الكبرى، مع خضوع تام من قبل الدول الضعيفة). ولذلك فقد أدى هذا النظام لا إلى زيادة -كما يدعون- رقعة المعمور orbis terrarium من الشرعية الدولية. وإنما إلى طمسه كلية وتماماً.
- إن النظام الدولي الحالي هو نظام سينهار حتماً ولن يدوم؛ لأن لُحْمته وسَدَاهُ، تركيبه ونسيجه، ملاطه وكنهه، ظلم الضعيف. والظلم أبدًا لا يدوم, فلا أفلح من ظلم. إذ من الثابت أن مرتكزات وثوابت العدالة والشرعية لا بد وأن تهزم المتغيرات السياسية السطحية؛ علة ذلك أن النظام الدولي الحالي هو نظام دخل في متاهة كلها ضباب, فهو يستند إلى تفرقة بين من يملكون ومن لا يملكون Haves and haves not القوة. لذلك فنحن في أرض المتناقضات land of paradox؛ بل قُلْ: في أرض الطغيان land of tyranny التي يتحكم فيها الغيلان، راجع: تعليقنا على قضية لوكيربي (ليبيا-الولايات المتحدة الأمريكية). في المجلة المصرية للقانون الدولي، 1992، ص244 وما بعدها.