إشكالية التنمية السياسية في الخطاب الإسلامي المعاصر .. قراءة في موقف الجماعات الإسلامية الخليجية من الشورى والديمقراطية

الدكتور هاشم عبد الرزاق صالح

 

أولاً/ مفهوم التنمية السياسية:

يرتبط الحديث عن الديمقراطية والإصلاح، بشكل كبير، بحاجة المنطقة إلى التنمية الشاملة. فالديمقراطية شأنها شأن التنمية مشروع مستمر متعدد الأوجه والأشكال، كما أن الديمقراطية والتنمية مسألة بالغة الأهمية، تتشارك فيها كل الدول العربية، والعلاقة بين الديمقراطية والتنمية كعلاقة اليد بالأخرى، لا تعمل واحدة منهما بكفاءة إلا إذا ساندتها الثانية، ومبدأ الديمقراطية لا يتحقق إلا في ظل الحكم الراشد.

ثمة اتفاق بين الباحثين على أن التنمية هي عملية حضارية مدروسة ومخططة، تهدف إلى إيجاد تحولات كبيرة في القطاع الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك في المجال السياسي. وفيما يتعلق بمفهوم التنمية السياسية، التي هي جزء مهم من التنمية الشاملة، فيعد من المفاهيم الحديثة، وهو يشير إلى كونها عملية بناء المؤسسات، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، لتحقيق الاستقرار السياسي، من خلال التحول من النظم الشمولية إلى النظم الديمقراطية(1). ويؤكد البعض أن مصطلح التنمية السياسية يعني التحول إلى الديمقراطية، أو العزوف عن الاتجاه اللاديمقراطي، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، بهدف بناء نظام سياسي متطور، وتحويل المجتمعات التقليدية إلى مجتمعات حديثة، من خلال التركيز على مقومات التنمية السياسية، ويأتي في مقدمتها:

1-المشاركة السياسية.

2- التعددية السياسية.

3- التداول السلمي للسلطة.

4- حماية واحترام حقوق الإنسان(2).

يمكن القول إن إتاحة الفرصة لجميع الفئات السياسية والاجتماعية بالمشاركة في اتخاذ القرارات، سواءً بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين عنهم، يولّد الأمن والاستقرار السياسي داخل البلد، ويعمل على تحقيق الوحدة الوطنية، وكذلك تحقيق أهداف التنمية السياسية.

يتضح مما سبق أن ثمة علاقة بين الديمقراطية والتنمية السياسية، وهي أن الأولى لازمة لتحقيق الثانية، إذ لا يمكن تحقيق أهداف التنمية بدون مشاركة فعلية وحقيقية من قبل شرائح المجتمع، وبمختلف انتماءاتهم الإثنية والاجتماعية.

وقد توصل مفكرون إسلاميون، بعد دراسة شاملة لتراث الفكر الإسلامي، إلى نتيجة تؤكد عدم التعارض بين الإسلام وقيام دولة مدنية عصرية، وأن التنمية السياسية لا يمكن أن تتم في ظل سجن العقل في أسوار الماضي، والارتهان للفكر الديني المطلق، كما أنها لا يمكن أن تتم بدون ملامسة آفاق التطور والتحديث للفكر السياسي في العالم المتقدم(3).

 

ثانياً/ الشورى والديمقراطية في الفكر الإسلامي المعاصر:

شغلت قضية الشورى والديمقراطية المفكرين الإسلاميين في كل مكان، وأخذت هذه القضية تطرح بوتيرة متصاعدة ومكثفة في الخطاب الإسلامي الحديث والمعاصر، وبأنماط مختلفة من الفهم والتحليل، تكشف عن تحول في الرؤية السياسية، وتغير في النظرية الفكرية والسياسية عند الإسلاميين(4).

الشورى مفهوم سياسي له جذور راسخة في المجتمع الإسلامي، وهو يميز نظام الحكم في الإسلام عن بقية الأنظمة غير الإسلامية، فقد خاطب الله (سبحانه وتعالى) رسوله الكريم بقوله: [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ](5). وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله(صلى الله عليه وسلم)". وكذلك اهتم الخلفاء الراشدون، وعلماء المسلمين، بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بممارسة الشورى في حياتهم العامة(6).

فالشورى مبدأ أساس في الدولة الإسلامية، سواء أكانت بمعنى المشاركة في الحكم، والتوجيه والرقابة في الشؤون العامة، أم بمعنى اختيار الحاكم وتعيينه(7). وثمة من عدّ الشورى ركناً من أركان الإسلام، استناداً إلى الآية الكريمة [وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ](8). حيث وردت الشورى هنا بين الصلاة والزكاة، وهما من أركان الإسلام(9).

أما الديمقراطية، فتعد من المفاهيم الحديثة التي ارتبطت بنشأة المجتمع الأوربي وتطوره التاريخي. وغالباً ما تمارس الديمقراطية – في المفهوم الغربي – في سياق الحكم العلماني الذي يفصل الدين عن السياسة، فالأساس الذي تقوم عليه يعتمد على المبدأ القائل بأن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر الشرعية(10)، بينما الشورى في الإسلام لا تنفصل عن الدين، وسيادة الشعب تكون مقيدة بالالتزام بالشريعة، بعكس الديمقراطية الغربية، التي تنطوي على طلاقة الهوى والشهوات السياسية من قيود الأخلاق والدين(11).

تباينت مواقف المفكرين الإسلاميين، والحركات الإسلامية، من مفهوم الديمقراطية، بين مؤيد لها ومعارض، ويمكن تقسيم موقف هؤلاء من الديمقراطية إلى مرحلتين:

المرحلة الأولى، امتدت منذ القرن التاسع عشر، وحتى سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924، حيث تأثر المفكرون الإسلاميون في هذه المرحلة بفكر الديمقراطية الأوربية وممارستها، وحاولوا إثبات وجود تشابه بين الديمقراطية والمفهوم الإسلامي للشورى، وسعوا في مواجهة أزمة الحكم الخانقة، واستبداد الحكام في العالم الإسلامي، إلى تسويغ اقتباس جوانب من الأنموذج الغربي، اعتقدوا بتوافقها مع الإسلام، وقدرتها على تخليص المجتمعات الإسلامية من أزمتها السياسية، فأثار الشيخ (رفاعة الطهطاوي) (1801-1873م)، حواراً حول فكرة الديمقراطية في العالم العربي، بعد عودته من (فرنسا)، وألف كتابه "تَخْلِيصُ الإِبْرِيزِ فيِ تَلْخِيصِ بَارِيز" ليمتدح فيه النظام الديمقراطي الذي نشأ في فرنسا، وحرص على إثبات أن الديمقراطية التي شاهدها في (فرنسا) تنسجم كثيراً مع مبادئ الإسلام وتعاليمه(12).

وحذر المصلح (خير الدين التونسي) (1810-1899) في كتابه "أقوم المسالك في تقويم الممالك" من رفض تجارب الأمم الأخرى، انطلاقاً من الظن الخاطئ بأنه ينبغي نبذ كل اختراعات وتجارب غير المسلمين، ومنها التجربة الديمقراطية(13).

أما (جمال الدين الأفغاني)، فقد أكد على أن الاستبداد من أهم أسباب انحطاط المسلمين وتأخرهم السياسي والاجتماعي(14)، وركز كثيراً في كتاباته على التبشير بمبدأ الشورى، والدعوة إلى اتخاذ المؤسسات النيابية سبيلاً لتطبيق روح الشريعة الإسلامية(15)، معتبراً أن تطبيق نظام الشورى هو العلاج الأكثر فاعلية للقضاء على ظاهرة الاستبداد(16).

في حين كانت دعوة الشيخ (محمد عبدة) امتدادً لدعوة (الأفغاني)، مضيفاً إليها سعيه إلى ايجاد صلة وصل وتوفيق وتصالح بين قيم الثقافة العلمية والعقلية، وبين محتوى الشريعة الإسلامية، لذلك نراه يدعو إلى إعادة تأويل الشريعة الإسلامية وتفسيرها، لجعلها أكثر تكيفاً مع متطلبات الحياة الحديثة، لأن الله تعالى لم يشرع، حسب رأيه، سوى مبادئ عامة، تاركاً للعقل البشري أمر تطبيقها على قضايا المجتمع الخاصة(17).

وجاء بعده (محمد رشيد رضا) ليؤكد أن أعظم درس يمكن أن يفيده أهل الشرق من الأوربيين، هو معرفة ما يجب أن تكون عليه الحكومة، لأن الإسلام الحقيقي يقوم على أمرين: الإقرار بوحدانية الله، والشورى في شؤون الدولة(18).

وكان للحركة الدستورية، التي انطلقت في الدولتين العثمانية والقاجارية، انعكاسها المباشر على ساحة الفكر السياسي الديني في (العراق)، والعالم الإسلامي، فانقسم العلماء إلى تيارين: تيار المستبدة المؤيد للحكم السلطاني، وتيار المشروطة المؤيد للحكم الدستوري. فانبرى الشيخ (محمد حسين النائيني)، باعتباره من أبرز أنصار المشروطة، لتوعية المسلمين بحقيقة الديمقراطية وفوائدها، واستعان بالأدلة الشرعية للرد على خصوم الدعوة الدستورية(19).

ويرى (النائيني) أيضاً أن النظام الديمقراطي الغربي يتطابق، في كثير من جوانبه وتفصيلاته، مع نظرية الشورى في الإسلام، لذلك لا يجد أية موانع في اقتباسه وتطبيقه في المجتمع الإسلامي، لكن بعد إجراء بعض التعديلات لينسجم مع مبادئ الإسلام(20).

أما المرحلة الثانية، فقد بدأت بعد سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924، وظهور دعاة العلمانية والتغريب، الذين نادوا بصياغة دساتير وأنظمة قانونية حديثة، تحاكي التجربة الأوربية في استبعاد الدين من شؤون الحياة العامة، ورفعوا شعار "فصل الدين عن الدولة"، متهمين الإسلام جزافاً بأنه كان وراء تخلف العرب. في هذه الحقبة تحولت النظرة إلى الديمقراطية الغربية بوصفها خطراً يهدد هوية الأمة الإسلامية وعقيدتها، من خلال دعوات التغريب التي أطلقها المستعمرون وأعوانهم، لطمس الثقافة الإسلامية وإزالتها(21).

انعكست هذه النظرة على مواقف الحركات الإسلامية المعاصرة من الديمقراطية، فبالنسبة لتنظيم (الإخوان المسلمين)، نجد تفاوتاً واضحاً بين مواقف المؤسس (حسن البنا) و(حسن الهضيبي) من جهة، ومواقف (سيد قطب)، ومن سار على نهجه، من جهة أخرى. فقد اقترب (البنا) من التصور الديمقراطي المعمول به في الغرب. لكنه شدد على أن الحاكم مسؤول بين يدي الله والناس، وهو أجير لهم وعامل لديهم(22).

غير أن هذا الموقف المرن نسبياً من الديمقراطية، يتناقض بوضوح مع النهج الذي تبناه (سيد قطب)، الذي أكد على أن "الحاكمية لله"، وأن الديمقراطية من خصائص المجتمع الجاهلي، حيث يقول: "… فالحاكمية العليا في المجتمع الإسلامي لله وحده، متمثلة في سيادة الشريعة الإلهية… وحين يصنع الناس – بعضهم لبعض – هذه الضغوط، ويخضع لها البعض الآخر منهم، لا يكون هذا المجتمع متحرراً، إنما هو مجتمع بعضه أرباب، وبعضه عبيد… مجتمع متخلف، أو بالمصطلح الإسلامي: مجتمع جاهلي"(23).

ويصف أحد المتأثرين بفكر (سيد قطب) الديمقراطية بأنها "مؤسسة غير إسلامية… لأنها تمثل وجهة نظر الأغلبية، كيفما كانت طبيعة هذه الأغلبية، وبذلك يصبح رأي الاغلبية هو معيار إقامة الحقيقة، وإن كان ذلك على حساب العقيدة والدين والاستقامة"(24).

في حين يرى الشيخ (يوسف القرضاوي)(*): "إن الديمقراطية بجوهرها لا تنافي الإسلام، لأنها تقوم على أن يختار الناس من يحكمهم، فلا يقود الناس من يكرهون، ولا يفرض عليهم نظام لا يرضون عنه". ثم يتساءل مستنكراً: "فهل الديمقراطية في جوهرها تنافي الإسلام؟ ومن أين تأتي هذه المنافاة؟ وأي دليل من محكمات الكتاب والسنة يدل على هذه الدعوى؟… الواقع إن الذي يتأمل جوهر الديمقراطية يجد أنه من صميم الإسلام"(25).

 

ثالثاً/ الشورى والديمقراطية والتنمية في الخطاب الإسلامي المعاصر في الخليج العربي:

شغلت قضية إصلاح المجتمع حيزاً كبيراً من اهتمامات الجماعات الإسلامية ومفكريها في الخليج العربي، التي دخلت من أجل هذه القضية في جدال عنيف مع بعض التيارات الفكرية في المجتمع الخليجي.

عرفت منطقة الخليج العربي، منذ مطلع القرن العشرين، ظهور دعاة إصلاح إسلامي أخذوا يدعون إلى إصلاح المجتمع، لمواجهة الجهل والتخلف والتقاليد البالية من خلال استلهام مبادئ الشريعة الإسلامية. ومن أبرز دعاة هذا الاتجاه، (محمد بن عيسى آل خليفة) و(ناصر بو حمير) و(عبد الرحمن المعاودة) و(عبد الله الزايد) في البحرين. وقد أكد هؤلاء على أهمية التعليم والانفتاح على العقل، ومحاربة الاستبداد والاستعمار، وإنصاف المرأة، كما نص عليه كتاب الله وسنة نبيه(26).

وفي (دبي)، دعا المصلح (أحمد بن سلطان بن سليم) إلى إنهاض المجتمع وإصلاحه، من خلال نشر العلم، الذي يشجع عليه الإسلام، وإنشاء المستشفيات، ومحاربة البدع، والتخلف الفكري، بما ينسجم مع دعوة الإسلام إلى طلب العلم ونبذ الجهل(27).

أما في (الكويت)، فقد برز المصلح الشيخ (يوسف بن عيسى القناعي)، والشيخ (عبد العزيز الرشيد)، اللذان تبنيا الدعوات الإصلاحية لإنهاض المسلمين في المجتمع الخليجي، وتدارك أمرهم، وإصلاح ما فسد من أحوالهم، عن طريق التسلح بالعلم، ونبذ الخلافات، والتعصب الديني، والتمسك بأصول الإسلام وقيمه السامية. فينادي (عبد العزيز الرشيد) محذراً المسلمين، قائلاً: "… إن الخطب لجلل، والمصيبة عظيمة، إذا لم يتدارك علماء الإسلام الأمر قبل فواته، والخرق قبل اتساعه، ويتركوا ما بينهم من تباغض وتشاخص وتنابز بالألقاب… يغضوا النظر في كثير مما ينكرون على إخوانهم في الدين"، ثم ينبه إلى أهمية العلم في حفظ كيان المسلمين ومستقبلهم قائلاً: "كانت المدارس، ولا تزال، من الطرق التي توصل إلى الإصلاح… وهي أمضى سلاح يتسلح به المصلحون بقطع دابر الفساد، وهدم علالي الخرافات والبدع، ومن أعظم الأسباب لحماية الدين من زيغ الزائغين وتهجمات الملحدين"(28).

كما هاجم (الرشيد) بشدة دعاة التغريب في المجتمع العربي الإسلامي، الذين يلهثون وراء الفكر الغربي الأوربي، أمثال (طه حسين)، منتقداً في الوقت نفسه المسلمين الذي يناصرون أمثال هؤلاء، بعد أن شككوا في القرآن وتعاليمه، حيث يقول: "… حتى أعداء الدين، وحتى الملحدين الذين تبجح (طه حسين) بمدحهم، ويحرص كل الحرص على أن يحاكيهم في أقوالهم، وأفعالهم وآرائهم. وليس العجب… من سلوك هذا الأعمى المعوج .. إنما العجب من أقوام أنزلوه فوق منزله. العجب منهم، وهم يدعون الإسلام، كيف أخذوا يناصرونه، بعد أن ضرب الحق الصراح بآرائه الشائنة في الدين والقرآن"(29).

وتوجهت (جمعية الإصلاح الاجتماعي)، التي تعد إحدى الواجهات الرئيسة للإخوان المسلمين في الكويت، إلى مجلس الأمة الكويتي بالعديد من المطالب، دعت فيها المسؤولين إلى إحباط كل المحاولات الرامية إلى إفساد المجتمع، ونشر الفوضى الأخلاقية، مثل المجاهرة في شرب الخمرة، والتجارة بالصور الخليعة، وارتداء الملابس الفاحشة، والمطالبة بالتصدي لظاهرة الاستخفاف بالدين والمظاهر الإسلامية، التي تولت نشرها بعض الصحف العربية والمحلية، تمثلت بكتابات رخيصة لبعض الأقلام المندسة، تنال من الإسلام، وتسخر من تعاليمه، كذلك نشر صور فاضحة للفنانات والفنانين العرب والأجانب، والتزام بعض الصحف الكويتية بنشر صور فتيات شبه عاريات، والتعرض للدعاة البارزين، والسخرية من آرائهم(30).

وفي سياق إصلاح المجتمع، تصدى رموز التيار الإسلامي (السني والشيعي) في بعض أقطار الخليج العربي، لبوادر الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، التي حاولت إشعالها عناصر طائشة من الطرفين(31)، إلا أن مجموعة من علماء الدين، من كلا الطائفتين، سعوا إلى توطيد العلاقة بينهما، والوقوف بوجه دعاة الفتنة والصراع الطائفي، من خلال العمل على تجاوز نقاط الاختلاف، والبحث عن كوامن الالتقاء(32). فهذا الشيخ (حسن الصفار)، أحد رموز التيار الإسلامي الشيعي في (السعودية)، يوصي أتباعه بضرورة الانفتاح على الآخرين، وفهمهم، عن طريق المشاركة في الحوار المباشر، حيث يقول: "… في نفس الوقت الذي نلوم الناس لعدم معرفتهم بنا، من خلال مصادرنا الذاتية مباشرةً. فنحن ملامون لعدم معرفتهم بصورة مباشرة من خلال مصادرهم. لا يستطيع الواحد معرفة الشيعة من خلال قراءة كتابات من يكرهونهم. وبصورة مماثلة يجب أن لا يعتمد الشيعة على كتب منحازة ضد السنة لتكوين رأي حول السنة(33).

وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الخلاف في الاجتهادات والتفسيرات الفقهية بين المسلمين (السنة والشيعة)، كانت موجودة منذ نشوء المذاهب الإسلامية. وهي ليست جديدة أو طارئة. كل ما في الأمر أن هذه الاجتهادات، إذا وضعت في إطارها الفقهي والتاريخي، بعيداً عن التعصب، تصبح شأناً مألوفاً في الحياة العامة. فالمشكلة كانت على الدوام فيمن يتعصبون تحت لواء المذهبية، ولم تكن على الاطلاق في المذهب نفسه.

وبعد انتهاء حرب الخليج الثانية 1991، نشط التيار السلفي الإصلاحي في العربية السعودية، في طرح أفكاره وتصوراته حول إصلاح المجتمع، مستغلاً ضعف الدولة في مرحلة ما بعد أزمة الخليج، وتعرض البلاد إلى مشاكل اقتصادية، وتغيرات اجتماعية، وانتشار مظاهر الفساد الإداري والاجتماعي، فألقى الشيخ (سلمان فهد العودة) خطاباً بعنوان "رسالة من وراء القضبان"، دعا فيه الناس أن يبادروا إلى إصلاح ما فسد في المجتمع، ومما جاء فيه: "… يا دعاة الأمة، يا شباب الأمة، يا خبراء الأمة، يا رجال الأمة، أين كنتم، وأين كانت مستوياتكم، كلكم جميعاً مطالبون أن تكونوا دعاة إصلاح، ودعاة تغيير نحو الأفضل، ودعاة تصحيح لكل فاسد، ودعاة احتساب على جميع أنواع المخالفات الشرعية، سواءً كانت مخالفات تتعلق بعلاقة الناس مع ربهم، أو علاقة بعضهم ببعض: حكاماً أو محكومين"(34).

وفي الخليج العربي، تناول التيار الإسلامي قضايا تخص الديمقراطية و الدستور والمشاركة السياسية. واحتلت تلك القضايا حيزاً بارزاً من اهتمامات رموز التيار الإسلامي في الخليج. فظهرت أول وثيقة مشتركة تتعلق بمطالب رفعها وجهاء السنة والشيعة في (البحرين) عام 1938، طالبوا فيها السلطات بتمثيلهم في المجالس البلدية والقضائية والتعليمية(35).

كان موقف رموز التيار الإسلامي في الخليج واضحاً من موضوع الشورى والمشاركة في العملية السياسية، فقد أعلن الشيخ (عبد الرحمن عبد الخالق)، زعيم الحركة السلفية في الكويت، إيمانه بمبدأ الشورى، قائلاً: "الشورى هي النظام الإسلامي الوحيد الذي يأتي عن طريقه الإمام والحاكم أو الأمير أو الخليفة… وليس هناك من طريق سليم شرعي إلى هذا المنصب الخطير العظيم، إلا طريق الشورى، وليس هناك طريق غير ذلك(36).

وأشار الشيخ (عبد الرحمن عبد الخالق) إلى أكبر انحراف سياسي حدث في تاريخ المسلمين، أفسد أنظمة الحكم وصادر حق الأمة في الشورى، وهو تعيين (معاوية بن أبي سفيان)، ابنه (يزيد) خليفة من بعده، حيث يقول: "إن موضوع الشورى في الإسلام من أخطر الموضوعات وأجلها، لأنه أهم الأمور في تسيير شؤون المسلمين، وكما قال (الحسن البصري): أفسد أمر هذه الامة اثنان: (عمرو بن العاص) يوم أشار على (معاوية) برفع المصحف. و(المغيرة بن شعبة)، حين أشار على (معاوية) بالبيعة لـ(يزيد). ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة"(37).

على الرغم من أن الشيخ (عبد الخالق)، عد الديمقراطية نظاماً غربياً مفروضاً على المسلمين من قبل المستعمرين، وأنه نظام يناقض الإسلام في أخص خصوصياته، وهي السيادة، لأنه يجعل الحكم للشعب، ويجعل الشعب مصدر السلطات جميعاً، إلا أنه أجاز تولي المناصب التشريعية والتنفيذية، في ظل الأنظمة الديمقراطية، ورفض مقاطعتها "آملاً بتغيير الأنظمة الفاسدة من داخلها، وتبديلها، والحد من شرورها وآثامها، وإزاحة من يتقلدون المناصب ويتولون إدارة شؤون المسلمين من اللادينيين وأهل الشهوات والأهواء… وعدم تخلية الساحة لهم ليزيفوا إرادة الأمة، ويتسلقوا إلى دفة الحكم، ويستولوا على مقدرات المسلمين"(38).

وقد أصدر كتاباً في السبعينات بعنوان "المسلمون والعمل السياسي"، عد فيه أن مسألة المشاركة السياسية تكون أحياناً فرضاً واجباً على المسلمين(39)، واستعان، وهو ينظر لمشروعية الدخول في الحياة الديمقراطية والمجالس التشريعية، بفتوى للشيخ (عبد العزيز بن باز)، يقول فيها: "لا حرج في الالتحاق بمجلس الشعب، إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق، وعدم الموافقة على الباطل، لما في ذلك من نصر الحق، والانضمام إلى الدعاة إلى الله"(40).

سعت (الجماعة السلفية) في الكويت إلى أن تكون قوة فعالة على الساحة السياسية في (الكويت)، لذلك حرصت الجماعة على المشاركة في جميع الأنشطة السياسية والنقابية، فعلى صعيد الساحة الطلابية، كانت فروع الاتحاد الوطني لطلبة الكويت، داخل الكويت وخارجها، الهدف الأول للتنظيم الطلابي للجماعة السلفية، وكان من أبرز قياداته: صالح النفيسي وجاسم الشريدة وعنبري العنزي. وخاضت الجماعة السلفية الانتخابات الطلابية باسم (قائمة الاتحاد الإسلامي)، وتمكنت بالتعاون مع جماعة (الإخوان المسلمين) من السيطرة على الهيئة الإدارية للاتحاد الوطني لطلبة الكويت، وجمعية المعلمين، طوال سبعينات وثمانينات القرن العشرين(41).

كما شاركت الجماعة السلفية في انتخابات مجلس الأمة الكويتي، التي جرت في شباط 1981، بمرشحين هما: جاسم العون وخالد السلطان. ويسوغ أحد قياديي الجماعة لتلك المشاركة بالقول: "… إن عملهم السياسي في البرلمان كان يهدف لتغيير المادة الثانية من الدستور، والدعوة لإقامة حكم الله، وتغيير البلاد مع حكم الشرع". وبناءً على ذلك، خاض مرشحو الجماعة السلفية تلك الانتخابات تحت شعار "تعديل المادة الثانية من الدستور"(42).

وقد أكد ممثلو الجماعة السلفية، بعد فوزهم بمقعدين في البرلمان، على الدعوة لتغيير المادة الثانية من الدستور الكويتي. وينص التعديل المقترح على أن "دين الدولة الإسلام، ويعاقب على المساس به. والشريعة الإسلامية مصدر التشريع"، إلا أن الحكومة الكويتية، عارضت بشدة هذا التعديل(43).

على الرغم من موقف الحكومة الرافض للتعديل، لا ترى الجماعة السلفية أن ثمة تناقضاً بين تطبيق الشريعة الإسلامية، والحكم الوارثي. جاء ذلك على لسان أحد رموزها، حيث صرح بذلك (جاسم العون) قائلاً: "… إن الأصل في الإسلام هو الشورى، إلا أن الحكم الوراثي جائز، لأنه لم يبين أحد من السلف الصالح بأن الحكم الوراثي باطل"(44). لكن الجماعة، في الوقت نفسه، ترى أن ثمة فارقاً بين الحاكم الظالم والحاكم الكافر. حيث يقول (خالد السلطان): "… إن شرط القيام على الحاكم ليس الظلم، وإنما يكون الحاكم كافراً واضح الكفر، فالظلم ليس معناه الكفر"(45). ودعت الجماعة إلى انتخاب المرشح الملتزم بالإسلام عقيدة ومنهجاً، وإن مواصفات المرشح هو ما أجمع عليه فقهاء المسلمين، أي: "القوي الأمين"(46).

تجدر الإشارة هنا، أن الجماعة السلفية في الكويت، لم تشارك في التحركات الشعبية التي شهدتها الساحة السياسية في الكويت، للمطالبة بإعادة العمل بالدستور، وإرجاع مجلس الأمة، الذي قام أمير الكويت بحله في آب 1968، كما وُصفت مشاركتهم بالحركة الدستورية، التي شكلتها التنظيمات السياسية في الكويت، بأنها رمزية. كذلك لم تشارك الجماعة في التوقيع على البيان، الذي أصدرته الهيئات الشعبية، وجمعيات النفع العام، التي تدعو إلى مقاطعة انتخابات المجلس الوطني، الذي دعت الحكومة إلى تشكيله. بل على العكس ساهم عدد من أعضاء الجماعة في تشكيلة ذلك المجلس، الذي باشر أعماله قبيل حرب الخليج الثانية في 2 آب 1990(47).

وبعد تحرير الكويت، شارك (التجمع الإسلامي الشعبي)، وهو التسمية الجديدة للجماعة السلفية في الكويت، في الانتخابات البرلمانية، لانتخاب مجلس الأمة السابع. ومثّل التجمع سبعة مرشحين. ولأول مرة تعلن الجماعة السلفية عن برنامجها الانتخابي، والذي وصف بأنه خطوة متقدمة في مجال المشاركة السياسية. وقد أفرزت نتائج الانتخابات عن فوز ثلاثة من مرشحي التجمع الإسلامي الشعبي(48).

أما التيار السلفي الجهادي في المملكة العربية السعودية، فقد هاجم الديمقراطية، وعدها "رمزاً من رموز الشرك والوثنية"، ودعا إلى محاربتها. فقد انتقد (أبو محمد عاصم المقدسي)، أحد رموز التيار السلفي الجهادي في السعودية، الديمقراطية في كتابه الموسوم "الديمقراطية والدين" مؤكداّ فيه "… إن الديمقراطية دين غير دين الله، وملة غير ملة التوحيد. وإن مجالسها النيابية ليست إلا صروحاً للشرك ومعاقل للوثنية، يجب اجتنابها، لتحقيق التوحيد، الذي هو حق الله على العبيد، بل يجب السعي لهدمها ومعاداة أوليائها وبغضهم وجهادهم. فالديمقراطية كفر بالله، وشرك برب السماوات والأرضين، ومناقضة لملة التوحيد ودين المرسلين"(49).

في حين أيد تنظيم (الإخوان المسلمين) في (الكويت) الديمقراطية، شريطة أن تكون ضمن حدود الشريعة الإسلامية، وليس الأنموذج الغربي، لذلك سعى للمشاركة السياسية، فساهم في أول انتخابات برلمانية عامة، تشهدها (الكويت)، لانتخاب أول مجلس تأسيسي للبلاد، عام 1962، لوضع دستور للبلاد(50). إلا أن نتائج تلك الانتخابات كشفت ضعف (الإخوان المسلمين)، في مقابل تفوق التيار القومي على الساحة البرلمانية آنذاك. وكذلك شارك ممثلو الإخوان المسلمين، بمختلف واجهاتهم، في انتخابات مجلس الأمة الأول عام 1963.

أما رموز التيار الإسلامي الشيعي في الخليج العربي، فقد تناولوا مجموعة من المسائل الفكرية والمفاهيم الإسلامية، وتمكنوا من طرحها بشكل مفصل، مثل: الشورى، والحرية، والوحدة الإسلامية، وغيرها. ولعل أبرز من أثار فكرة الشورى والديمقراطية في الخليج العربي السيد (محمد الشيرازي)(**)، فقد انتقد السيد (الشيرازي) الدكتاتورية والاستبداد، وعدهما الداء العضال الذي أربك تقدم العالم الإسلامي، ومكن أعداء الإسلام من الاستحواذ على مقدرات الأمة الإسلامية، ودعا المسلمين، من مختلف مواقعهم، إلى محاربة الاستبداد و"إرساء معالم وحقائق الشورى والديمقراطية والحرية في كل جوانب حياة الأمة"(51).

أجرى السيد الشيرازي مقارنةً بين النجاح الذي كانت عليه الدولة الإسلامية، عندما كانت تطبق مبدأ الشورى، وبين واقع الهزيمة الذي عاشته الأمة، عندما تخلت عن هذا المبدأ، فيقول: "… ولا يخفى أن من أسباب هزيمة المسلمين في هذا القرن استبداد الحكام، فإنهم يأتون إلى الحكم إما بالوراثة، وإما بالدكتاتورية، ويقتلون المعارضين، ويزجونهم في السجون … بينما نرى نجاح الإسلام سابقاً معتمداً على الاستشارية، حتى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) على عظمته كان يستشير، وأخذ برأي أصحابه في قصص معروفة"(52).

جاء تأكيد (الشيرازي) على مبدأ الشورى، بوصفه الشريعة الدينية والسياسية للدولة الإسلامية، حيث يقول: "جعل الإسلام موازينه السياسية: (الشورى)، حين لم تكن ديمقراطية في أي بلدان العالم، حيث قال سبحانه: (وأمرهم شورى بينهم) الشورى، الآية 38. وبناءً عليه، كان يرى بأنه "لا يكفي للعالم المسلم أن يطبق مبادئ الإسلام، وقوانينه، بدون قانون الشورى، لأن الناس يرون انه لم يطبق قانون الإسلام الذي هو الشورى، فينفضون من حوله، ثم يثورون عليه حتى إسقاطه"(53).

كما شجع أحد أبرز رموز التيار الإسلامي الشيعي في المملكة العربية السعودية، وهو الشيخ (حسن الصفار)، أفراد الطائفة الشيعية على المشاركة في النشاط السياسي، وبأية طريقة ممكنة، لإيصال صوتهم إلى المسؤولين في الحكومة. واستعان الشيخ (الصفار) بالموروث الديني الشيعي، ليؤكد على مبدأ المشاركة السياسية، لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية للشيعة(54).

كان التيار الإسلامي الشيعي في (البحرين) و(الكويت)، من أنشط التيارات الإسلامية في التعامل مع قضايا الديمقراطية والمشاركة السياسية. وعلى ضوء ذلك ساهمت بعض التنظيمات الإسلامية الشيعية في (البحرين) في العملية السياسية التي شهدتها البلاد. فقد كانت جمعية (التوعية الإسلامية)، وهي الواجهة الدينية لـ(حزب الدعوة الإسلامية/ فرع البحرين)، مركزاً مهماً للدعاية الانتخابية، التي تكررت في المناسبات الانتخابية للمجلس التأسيسي والمجلس الوطني(55).

وشاركت (الكتلة الدينية) في الانتخابات النيابية التي جرت في (البحرين) عام 1972، من خلال مرشحيها الستة في الدوائر الانتخابية للقرى الشيعية. وقد تضمن البرنامج الانتخابي للكتلة الدينية جملة نقاط تمس الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، من أهمها: دعم النقابات العمالية، وتحريم بيع الخمور، ومنع التعليم المختلط في التعليم العالي(56). واستطاع مرشحو الكتلة الدينية أن يحققوا انتصاراً كبيراً، حيث تمكنوا من الفوز بتسعة مقاعد في تلك الانتخابات، إلا أن افتقار أجهزة الدولة إلى الخبرة في كيفية التعاطي مع الحياة الديمقراطية الحديثة، واعتمادهم الحل الأمني في معالجة الأزمات، كان أحد الأسباب التي حفزت التنظيمات الإسلامية الشيعية لمطالبة الحكومة، اعتماد مبادئ الديمقراطية، كأساس لعودة الحياة البرلمانية والدستورية، وإلغاء قانون أمن الدولة، لحل الأزمة السياسية في البلاد(57).

وطالبت (حركة أحرار البحرين الإسلامية)، التي تأسست عام 1982، بعودة الحياة الديمقراطية في (البحرين)، وأكدت في برنامجها على أن "الحياة النيابية، أمر مطلوب للحد من الظلم الواقع على أبناء الشعب"(58).

وفي (الكويت)، مثل نائبان شيعيان من أصل عشرين نائباً، الطائفة الشيعية في أول مجلس تأسيسي بعد استقلال (الكويت) عام 1961. وقد ساوى الدستور الكويتي لعام 1962 بين الكويتين في الحقوق والواجبات. وبذلك أصبح للشيعة تواجد برلماني في مختلف المجالس النيابية، التي شهدتها البلاد لاحقاً(59).

وفي 23 كانون الثاني عام 1963، جرت انتخابات نيابية لانتخاب أعضاء مجلس الأمة الكويتي. وقد شارك الشيعة في تلك الانتخابات تصويتاً وترشيحاً. واستطاع خمسة من مرشحيهم الفوز بمقاعد مجلس الأمة. وارتفع هذا العدد، في انتخابات الفصل الترشيحي الثاني عام 1967، ليصل إلى تسعة مقاعد. أما في انتخابات عام 1971، فقد فاز مرشحو الشيعة بستة مقاعد. وخلال انتخابات عام 1975، فاز عشرة مرشحين من الشيعة.

ولأول مرة شارك وزير من الطائفة الشيعية في تشكيلة الوزارة، حيث تسلم النائب (عبد المطلب الكاظمي) وزارة النفط(60).

فضلاً عن ذلك، شارك الشيعة بثمانية أعضاء في (لجنة تنقيح الدستور)، التي أعلنت الحكومة عن تشكيلها عام 1979. غير أن التيار الشيعي الثوري استطاع سحب البساط من تحت أقدام التيار الشيعي التقليدي، ليفوز عدد من مرشحيه في انتخابات عام 1981(61).

كما خاض التيار الإسلامي الشيعي الانتخابات الطلابية، التي جرت خلال الأعوام (1979-1983)، باسم (القائمة الإسلامية الحرة). وتمكن مرشحو هذه القائمة من الحصول على نسب من الأصوات، تباينت من سنة إلى أخرى(62).

وأخيراً، شاركت مجاميع من الشيعة في انتخابات المجلس الوطني لعام 1989، الذي لم يستمر سوى عدة أشهر، نتيجة اجتياح الجيش العراقي للكويت في 2 آب 1990(63).

 

الخاتمة:

مما سبق يمكن القول، إن ثمة تيارات إسلامية، جعلت الديمقراطية، على إطلاقها، نقيضاً للإسلام، بما يصل لمرحلة التكفير، وجعلها والإسلام نظامين متضادين يعادي أحدهما الآخر. في حين أن هناك شبه إجماع لدى الجماعات الإسلامية الأخرى، ومنها التنظيمات الإسلامية في الخليج العربي، على أن الإسلام، بمبادئه الغزيرة، قادرٌ على استيعاب الديمقراطية بمفهومها المعدل، المقارب للشورى، وليس بمفهومها الغربي المطلق، الذي يمنح ممارسة غير محدودة لحرية الفرد، ويمنحه حق التشريع المطلق، ذلك لأن الإسلام دين حضارة وفكر واسع، يحوي كل القيم العادلة والمنطقية، للانطلاق نحو تحقيق تنمية شاملة تحقق الرفاه والاستقرار السياسي والاجتماعي

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ثناء فؤاد عبد الله، آليات التغيير الديمقراطي في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت، 1997)، ص205.

(2) حميد حسين كاظم الشمري، دور التنمية السياسية في التطور الديمقراطي، مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية. على الموقع: www.annabaa.org

(3) للتفاصيل ينظر: هاشم يحيى الملاح، الجذور التاريخية للحكم الراشد في الحضارة الإسلامية، والدعوات للحكم الديمقراطي الإسلامي الرشيد في الفكر الإصلاحي الحديث والمعاصر، ضمن ندوة (الحكم الراشد والتنمية المستدامة في العراق ودول الجوار)، مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل، 25 شباط 2009. راكان المجالي ، محددات التنمية السياسية ومعوقاتها في الوطن العربي، جريدة الرياض الألكترونية ، على الموقع : www.alriyadh.com

(4) زكي أحمد، تحولات ومتغيرات الحركة الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي في العقد الأخير، مجلة المستقبل العربي، السنة (17)، العدد (188)، تشرين الأول 1994، ص ص 13-22 .

(5) سورة آل عمران، الآية (159).

(6) محمود الخالدي، نظام الشورى في الإسلام، مكتبة الرسالة الحديثة، (عمان، 1986)، ص ص7-9. قحطان عبد الرحمن الدوري، الشورى بين النظرية والتطبيق، مطبعة الأمة، (بغداد، 1974)، ص ص6 ومابعدها.

(7) ثناء فؤاد عبد الله، آليات التغيير الديمقراطي في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت، 1997)، ص375.

(8) سورة الشورى، الآية (38).

(9) البغدادي، الإسلام والعلماء والسياسة، مصدر سابق، ص36.

(10) زكي أحمد، الديمقراطية في الخطاب الإسلامي الحديث والمعاصر، مجلة المستقبل العربي، السنة (15)، العدد (164)، تشرين الأول 1992، ص ص 115-120 .

(11) حيدر إبراهيم علي، التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية ، ط2، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت، 1999)، ص ص295-298. رجا بهلول، حكم الله – حكم الشعب، حول العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية، دار الشروق، (عمان، 2000)، ص ص78 وما بعدها.

(12) أحمد صدقي الدجاني، تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث، ضمن ندوة: أزمة الديمقراطية في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت، 1987)، ص ص121-122.

(13) المصدر نفسه، ص ص122-123.

(14) المخزومي، خاطرات جمال الدين الأفغاني، مصدر سابق، ص35.

(15) محمد عمارة، الأفغاني المفترى عليه، دار الشروق، (القاهرة، 1984)، ص207. أحمد شكر الطبيحي، مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت، 2000)، ص59.

(16) رفعت سيد أحمد، الدين والدولة والثورة، الدار الشرقية، (القاهرة، 1989) ص ص44-47.

(17) أحمد الموصللي، لؤي صافي، جذور أزمة المثقف في الوطن العربي، دار الفكر، (بيروت، 2002)، ص22.

(18) الدجاني، تطور مفاهيم الديمقراطية، مصدر سابق، ص ص124-125. وللمزيد ينظر: قادر، مفهوم الديمقراطية لدى الحركات والتنظيمات السياسية، مصدر سابق، ص ص43 ومابعدها.

(19) الوائلي، العلامة النائيني، مصدر سابق .

(20) الهيان، الدين والديمقراطية في فكر العلامة النائيني، مصدر سابق .

(21) ينظر: الفصل الأول، ص ص 45-47.

(22) بشار حسن يوسف، الحركات الإسلامية المعاصرة في المشرق العربي 1945-1991. دراسة تاريخية سياسية، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة الموصل (كلية التربية، 2005)، ص ص107-108. حسن إسماعيل الهضيبي، دعاة لا قضاة، أبحاث في العقيدة الإسلامية ومنهج الدعوة إلى الله، ط2، دار التوزيع والنشر الإسلامية (القاهرة، د،ت)، ص ص91 ومابعدها.

(23) سيد قطب، معالم في الطريق، ط8، دار الشروق، (القاهرة، 1980)، ص ص118-119.

(24) الخضرا، النمط النبوي – الخليفي، مصدر سابق، ص489.

(*) أحد أكثر المفكرين الأصوليين المعتدلين، وعضو بارز في تنظيم الإخوان المسلمين في مصر. بعد المحنة التي تعرض لها الإخوان في الخمسينيات استقر القرضاوي في (قطر)، وتولى منصب عميد كلية القانون في جامعة قطر. له مؤلفات عديدة تناول فيها مختلف القضايا من وجهة نظر إسلامية معتدلة، فضلاً عن محاضراته التي تلقى اهتمام مختلف الفئات الاجتماعية. ينظر: الموصللي، موسوعة الحركات الإسلامية، مصدر سابق، ص 365.

(25) يوسف القرضاوي، فتاوى معاصرة، ج2، المكتب الإسلامي، (بيروت، 2000)، ص ص705-706.

(26) خلف الله عبد الله وآخرون، دراسات في أدب البحرين، مصدر سابق، ص ص221-222.

(27) مجلة صوت البحرين، السنة (4)، العدد الأول، 1953، ص27.

(28) مجلة الكويت، المجلد الثاني، 1929، ص ص42-44.

(29) المصدر نفسه، ص ص52-53.

(30) عبد الله، الحركة الأدبية والفكرية في الكويت، مصدر سابق، ص359. بدر نذير، صحف الكويت والاستخفاف بالدين، مجلة المجتمع، العدد (951)، 19 كانون الثاني 1990، ص12.

(31) للاطلاع على جانب من المهاترات الطائفية ينظر: فؤاد إبراهيم، مدخل إلى فهم الذات والآخر، مجلة شؤون سعودية على الموقع الألكتروني : www.rasid.com . الرشيد، تاريخ الكويت، مصدر سابق، ص ص405-408. الحسن، الشيعة في المملكة العربية السعودية، ج2، مصدر سابق، ص ص171-177.

(32) محمد علي الحرز، دور علماء الإحساء في بناء الوحدة الوطنية، بحث منشور على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) على الموقع : www.rasid.no-ip.org .

(33) مأمون فندي، من المواجهة إلى المقاومة المبدعة، الخطاب الشيعي المعارض في العربية السعودية، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد (101)، خريف 1996، ص7.

(34) تسجيل صوتي للشيخ العودة، على الموقع : www.islamway.com

(35) الشهابي، البحرين 1920-1971، مصدر سابق، ص106. موسى، البحرين، النضال الوطني والديمقراطي، مصدر سابق، ص21.

(36) عبد الرحمن عبد الخالق، الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي، بحث منشور على الشبكة الإسلامية، على الموقع : www.islamweb.net

(37) المصدر نفسه.

(38) عبد الرحمن عبد الخالق، مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية، مجلة الفرقان، الكويت، العدد (36)، نيسان 1993، ص23. عبد الرزاق الشايجي، فتاوى وكلمات في حكم المشاركة بالبرلمانات، دار التجديد للنشر والتوزيع (الكويت، 1996)ـ ص ص123 وما بعدها.

(39) لقاء مع الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، برنامج (الشريعة والحياة)، قناة الجزيرة الفضائية، الثلاثاء 27/3/2001.

(40) عبد الخالق، مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية، مصدر سابق، ص17.

(41) المديرس، الجامعة السلفية في الكويت، مصدر سابق، ص ص64-65.

(42) المصدر نفسه، ص66.

(43) أحمد باقر، دراسة حول المادة الثانية من دستور دولة الكويت. وهل يؤدي تعديلها إلى فوضى تشريعية؟ مطبعة الفيصل (الكويت، 1994)، ص20.

(44) إبراهيم بشمي، الكويت، الواقع والرؤى، فرز الأوراق الديمقراطية، مطابع دار الخليج (الشارقة ، 1982)، ص56. هنا نتساءل حول هذا الرأي: هل هو مبني على قاعدة فقهية، أم أنه من باب محاباة السلطة الحاكمة؟! وذلك لوجود إجماع من فقهاء الأمة، المتقدمين منهم والمتأخرين، على رفض تداول السلطة وراثياً، واعتباره مناقضاً لما أقره الرسول (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدون من بعده.

(45) المديرس، الجماعة السلفية في الكويت، مصدر سابق، ص68.

(46) المصدر نفسه، ص68.

(47) فلاح عبد الله المديرس، الحركة الدستورية في الكويت، مجلة شؤون اجتماعية، السنة (13)، العدد (52)، شتاء 1996، ص ص66-67.

(48) مجلة الفرقان، الكويت، العدد (30)، تشرين الأول 1992، ص18.

(49) أحمد الكاتب، جذور الاستبداد في الفكر السياسي الوهابي، كتاب منشور على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) على الموقع: www.alkatib.co.uk

(50) للتفاصيل ينظر: عبد الله، التطور التاريخي للمجالس التشريعية في الكويت، مصدر سابق، ص ص 84-85. يوسف حسن داود التميمي، الكويت، دراسة في تجربة المشاركة السياسية ، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بغداد (كلية العلوم السياسية، 1991)، ص ص155-156.

(**) ولد عام 1928 في (النجف الأشرف). انتقل إلى (كربلاء)، بصحبة والده السيد (مهدي الشيرازي)، وتلقى العلوم الدينية على يد كبار العلماء والمراجع في الحوزة العلمية بكربلاء. بلغ درجة الاجتهاد في العشرين من عمره. هاجر إلى الكويت، واستقر فيها وهو في سن الـ (44). له مؤلفات كثيرة، أبرزها: موسوعة الفقه (125 مجلد)، إيصال الطالب إلى المكاسب (16 مجلدا)، الوصول إلى كفاية الأصول (5 مجلدات)، السبيل إلى انهاض المسلمين، وغيرها. أنشأ العديد من المؤسسات الدينية والإنسانية، في مختلف دول العالم. توفي عام 2001. ينظر: موقع السيد الشيرازي : www.alshirazi.com

(51) حسن آل حمادة، هكذا ربانا الإمام الشيرازي، منشورات ديوانية الإمام الشيرازي، ط2 (الكويت،2004)، ص12.

(52) جهاد الخنيزي، معالم مرجعية الإمام الشيرازي في القطيف، دار العلوم (بيروت، 2002)، ص89.

(53) السيد محمد الشيرازي ، السبيل إلى انهاض المسلمين ، ط3 ، دار المنهل (بيروت ،1992) ، ص ص 19-20 .

(54) فندي، من المواجهة إلى المقاومة المبدعة، مصدر سابق، ص8.

(55) المديرس، الحركات والجماعات السياسية في البحرين، مصدر سابق، ص95.

(56) الحسن، موقفنا تجاه الحركات الدينية في البحرين، مصدر سابق، ص59

(57) غسان سلامة، الديمقراطية كأداة للسلام المدني، في : ديمقراطية من دون ديمقراطيين، ندوة مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت، 1995)، ص ص 121-123 . محمد حسين الجمري، في البحرين: التجربة البرلمانية بين الماضي والحاضر، مقال منشور على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت): www.bahrainonline.org

(58) موجز حول الحركة الإسلامية البحرينية، مصدر سابق، ص4.

(59) المديرس، الشيعة في المجتمع الكويتي، مصدر سابق، ص34.

(60) Lawson، opposition Movements، Op.Cit، pp. 29-30.

(61) راشد، حل مجلس الأمة والحركة الدستورية في الكويت، مصدر سابق، ص ص57-58. مغامس، الديوانية الكويتية، مصدر سابق، ص ص 78 ومابعدها.

(62) ينظر: الجدول ( 3 )، الفصل الرابع، ص 201.

(63) المديرس، الشيعة في المجتمع الكويتي، مصدر سابق، ص ص42-43.

المصدر: http://alhiwarmagazine.blogspot.com/2014/05/blog-post_6187.html

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك