إشكالية التقدم العلمي دراسة في فلسفة لاري لودان

أحمد عبد الفتاح محمد أبوعلى

 

يعدّ لاري لودان -المولود في أوستين بولاية تكساس الأمريكية عام 1941- من أهم فلاسفة العلم ونظرية المعرفة المعاصرين.
تقوم نظريته العلمية على توجيه سهام النقد للاتجاهات المعاصرة في فلسفة العلم، وعلى رأسها الفلسفة الوضعية والواقعية والنسبية، معبرا عن نظريته الخاصة في المحافظة على العلم في صورته التقدمية ذات الطبيعية المتفردة، وذلك في مواجهة التحديات الشائعة التي تواجهه.
ولعل كتابه (التقدم ومشكلاته) هو أبرز عمل له في مجال فلسفة العلم؛ حيث يحتوي النصف الأول منه على موجز لنظريته المتعلقة بحل المشكلات، والتي تتمثل في الاختيار العقلاني بين النظريات العلمية وطبيعية التقدم في العلم، أما النصف الثاني -والذي يحمل العنوان "تطبيقات "- فيناقش العلاقة بين التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع(1)، وفيه يوجه الاتهام لفلاسفة العلم بالانسياق وراء وجهة النظر السائدة التي تقول بأن أساس الطبيعية العلمية هي البحث في أسس حل المشكلات وطرقها، مع إغفال المفاهيم الضمنية التي تحتويها هذه النظريات عبر تاريخ العلم وفلسفته، ولذلك يعد كتابه إسهاما قيما في هذا الموضوع المهم الذي لم يوله فلاسفة العلم الاهتمام الكافي، ومن ثم يمثل هذا العمل قيمة وأهمية تاريخية؛ لأنه يدفع الشخص إلى إعادة التفكير في القضايا المعاصرة من منظور وزاوية جديدة(2).
وتعد عملية حل المشكلات وفقا لرؤى معينة ذات دور بالغ الأهمية في عملية التقييم؛ إذ يتبين من تلك المحاولات كيف أن بعض المشكلات تكتسب أهمية تفوق بعضها الآخر(3)، ويترتب على ذلك أن عملية حل المشكلات من الناحية الفلسفية يتحدد بمدى علاقتها بالتقييم والإطار النظري لها.
ويذهب لودان إلى أن المشكلات تنقسم إلى " تجريبية Empirical ومفاهيمية Conceptual، ولقد تعاملت العلوم التجريبية تقليديا مع النمط الأول، وتجاهلت بشكل كبير النمط الثاني، وهو ما يحاول لودان معالجته من خلال تحديد السمات المميزة للتقدم العلمي المتمثلة في عملية الانتقال من وضع المشكلات الشاذة عديمة الحل إلى وضع المشكلات ذات الحل المفترض. 
إن المشكلات المفاهيمية -مثلها في ذلك مثل المشكلات التجريبية الشاذة- إنما تدل على عوائق في نظرياتنا، بمعني أنها تخفق جزئيا في أن تقوم بكل الوظائف التي خصصت لها(4)، ومع ذلك فإننا لا نفترض مسبقا ضرورة نبذها أو عدم الأخذ بها، فهي لها أهميتها الكبرى في عملية تقييم النظرية؛ ولكنها ليست من الأمور الحاسمة، فهي أحد العوامل المهمة التي تحدد مدى القابلية أو القبول العلمي لهذه النظرية. 
لذلك يكمن فكر لاري لودان في تقويض المذاهب الرئيسة لأكثر فروع المعرفة في العلم تأثيرا، ويجب استبدالها بنظريات معرفية قادرة على الإيمان بأن العلم مشروع عقلاني قادر على التقدم(5).
ومن ثم فإن الدافع لهذا البحث هو محاولة الإجابة عن تساؤلات معينة وهي: إذا كان العلم يحقق تقدما معرفيا، وأن التقدم في العلم ما هو إلا عقلاني- فمن أي جانب أو معنى يتقدم العلم؟ وما هو التقدم العلمي؟ وأين تكمن عقلانية تقدم العلم؟ وما هي العقلانية العلمية؟ وما مدى ارتباط التقدم بالطبيعية المعيارية؟
وهذا ما سوف نبرزه في الصفحات التالية: 
1- مفهوم التقدم العلمي Concept Of Scientific Progress:
إن القضية المحورية في المناقشات الحديثة حول نظرية العلم تتركز حول الطريقة التي يتغير بها العلم عبر الزمن، والموضوع الغالب في هذه المناقشات هو ضرورة العودة إلى تاريخ العلم.

إن كتاب -لودان "التقدم ومشكلاته"- هو إسهام إضافي في هذه المناقشات؛ حيث تمثل هدفه المحوري في القول بأن المعاني والدلالات المتضمنة في تاريخ العلم وفلسفته تؤكد من وجهة نظر البحث العلمي أن العلم هو أولا وأخيرا مجرد جهد لحل المشكلات، وهو ما يمكن أن يغير طريقة فهمنا للقضايا العلمية لكل من تاريخ العلم وفلسفته، لذلك يعد مشروعه مشروعا طموحا كما أشار هو بنفسه (لا توجد وسطية أو تواضع في الدعاوى الواردة في هذه الدراسة).

والهدف المحوري الذي يسعى لودان إلى معالجته يتمثل في تفسير فكرة التقدم في العلم، فيفترض بأن العلم تقدمي، وأن هذا التقدم يكمن أساسا في الاختيار بين النظريات المتنافسة. فإذا فهم شخص ماهية اختيار النظرية التقدمية، فسوف يعين ذلك في بلورة وتحديد العقلانية العلمية. 

1-1: وعلى الرغم من أن فلاسفة العلم -من أمثال بيرس- ديوي وكون وغيرهم- تحدثوا عن نشاط حل المشكلات؛ فإن حديثهم جاء عرضيا بخلاف لودان الذي يتميز بأنه جعل من نشاط حل المشكلات المحور الأساسي لنظريته، التي تكمن في توليد أفكار مخالفة للمعارف التقليدية التي اتخذها المؤرخون وفلاسفة العلم كمسلّمات(6).

وكما يرى لودان: فإن المشكلات العلمية التي يهدف العلم إلى حلها من أجل بلوغ التقدم لا تختلف عن أي مشكلات أخرى من أي نوع، وإن كان ثمة اختلاف فسيكون في الدرجة فقط، فإذا كانت المشكلات تمثل نقطة محورية في التفكير العلمي؛ فإن النظريات تعد بمثابة نتيجتها النهائية، فالنظريات كموضوع ذي أهمية معرفية تمدنا بحلول ملائمة للمشكلات، فإذا كانت المشكلات تؤسس تساؤلات العلم؛ فإن النظريات تؤسس الإجابات، وتحل الغموض، وترد الفوضى إلى النظام(7). لكن فيلسوف العلم المعاصر يعجز عن تقديم المعيار الملائم لحل مشكلة ما ببيان عدد الوقائع التي تؤيد النظرية عوضا عن أهمية هذه الوقائع، والسؤال عن عدد المشكلات لا عن مغزاها.

1-2: نحن نعلم أن العلم يزيد من معارفنا وفهمنا للأشياء والأحداث، ولم ينكر لودان الإنجازات المعرفية للعلم، بل مع ذلك اعتقد بأن الممارسة العلمية تجعل العلم أكثر وضوحا إذا ماعد حلا للمشكلات، كما يفعل الطباخون، والمعلمون، والمؤرخون، فكل عمل مادي أو ذهني يعد حلا لمشكلة ما حتى لو كانت مجرد تضييع الوقت، أو كما يقول لودان: المشكلة أحيانا تكون أشبه بأحجية أو شيء غريب أو محير(8). لذلك فقد ذهب إلى أن أسلوبه يمكن تطبيقه على كل المجالات الفكرية وإن كان العلم أولها بسبب نجاحه الملحوظ في حل المشكلات، ولكن ما الذي يجعل المشكلة علمية؟ إنها النظريات التي تقدم حلولا للمشكلات العلمية، ونظرا للاستخدام العقلي لمصطلح (نظرية)، فإنه يكاد يكون كافيا للتمييز بين المشكلات العلمية والأخرى غير العلمية.

والسؤال الآن، هو كيف تقدم النظرية حلا للمشكلة التجريبية، أو على الأقل حلا أفضل عن منافساتها، أو بتعبير آخر، كيف استطاع العلم زيادة معارفنا وفهمنا للأشياء والأحداث، يجب أن نعرف المزيد عن طبيعية المشكلات التجريبية.

وكما سبق أن أشرنا، يتعلق نموذج التقدم العلمي إما بالمشكلة التجريبية أو المفاهيمية، فالمشكلة التجريبية هي أي شيء في الطبيعية يلفت نظرنا بغرابته، أو يحتاج إلى تفسير، ويتم حل المشكلة عندما يقتنع العلماء بأنها قابلة للحل، ومن ثم يشرعون في فهمها وتفسيرها، فالأجسام الثقيلة على سبيل المثال تسقط نحو الأرض بانتظام مذهل. التساؤل عن كيف ولماذا تسقط يمثل مشكلة تجريبية، ونحن نلاحظ أن الأشجار المتفرعة عن أشجار أخرى وكذلك أبناء الحيوانات يشبهون آباءهم بشكل مذهل. البحث في كيفية انتقال مثل هذه الصفات يشكل أيضا مشكلة تجريبية(9).

استدل من ذلك بأنه لكي تحل مشكلة تجريبية يكفي أن نقدم لها تفسيرا. تفسيرا عن كيف ولماذا تسقط الأجسام الثقيلة، أو عن الآلية التي تنتقل بها الصفات من الوالدين إلى الأبناء، فاهتمامنا بعلاج مرض السرطان مثلا هو الذي يدفعنا للبحث عن كيفية وسبب هذا المرض(10).

وحسب وجهة النظر هذه، فإن الحديث عن المشكلات التجريبية وحلولها يشبه إلى حد كبير كلام هيمبل عن التفسيرات السببية، ورغم ذلك يوجد اختلافان مهمان: الاختلاف الأول يتمثل في أن التفسير الأصلي يتعين أن يكون حقيقيا، ولكن العكس عند لودان فكل ما يطلبه هو أن نعتقد في فعلىة أو واقعية الحلول فقط، أما الاختلاف الثاني فيتمثل في أنه بينما يهتم هيمبل بكل الوقائع المفترضة، فإن لودان يرى -على خلاف ذلك- أن الوقائع غير المعروفة لا تمثل مشكلة بالنسبة لنا؛ لأن الوقائع فقط هي التي تحتاج إلى تفسير، فلا حاجة بنا إلى التفسير ما لم تكن هناك وقائع(11).

إن الوقائع Facts تصبح مشكلات عندما يتم التعرف عليها ومعالجتها على أساس أنها وقائع، ولكن حتى كل الوقائع المعروفة لا تؤسس بالضرورة المشكلات التجريبية؛ لأن الوقائع لا تصبح مشكلات تجريبية إلا عندما نسأل عن تفسير مقبول لها، فكلنا يعرف مثلا أن معظم الأشجار لها أوراق خضراء ولكن لا يمكن أن تشكل مشكلة تجريبية إلا عندما يقرر شخص ما أهمية وضرورة استحقاق هذه الواقعة للتفسير(12).

المشكلات التجريبية إذن هي قضايا خاصة بالكون أو حول الأمور التي تشكل المجال الخاص لكل علم معين، أما المشكلات المفاهيمية فترتبط بنظرية خاصة وبمحيطها الفكري، وهي إما داخلية Internal أو خارجية External. فالمشكلات المفاهيمية الداخلية تنشأ عن التناقضات Inconsistencies أو الخلط Confusions داخل النظرية، بمعنى عندما يكون اتساق أو وضوح النظرية موضع ارتياب، أما المشكلات الخارجية فتنشأ عن التعارض مع نظريات أخرى مقبولة، أو مذاهب متباينة بما في ذلك الفلسفة أو المعتقدات الدينية(13).

وبطبيعية الحال استفاد لودان من إغفال الفلاسفة في أخذ المشكلات المفاهيمية في الحسبان عند مناقشاتهم لنظرية العلم، أو أن لها أهمية المشكلات التجريبية نفسها في تاريخ العلم، غير أن هذا الدور أغفله فلاسفة العلم التقليديون والمعاصرون على حد سواء من أمثال لاكاتوش وفيرابند وغيرهم.

1-3: من الضروري التمييز بين النظريات العلمية التي تعد بمثابة الفروض المحددة والموجهة إلى التفسيرات والتنبؤات التجريبية، والتقاليد البحثية التي تمثل مبادئ وفروضا أكثر عمومية(14).

فالتقليد البحثي أكثر شمولا ورحابة من النظرية؛ لأنه يحدد نظرية عامة للطبيعية وأسلوبا عاما لحل المشكلات في إطار مجال طبيعي معين، أما النظرية فتحدد فكرة خاصة وعددا محددا من قوانين الطبيعية(15).

نخلص من هذا إلى أن التقليد البحثي يتألف بصفة عامة من مكونين على الأقل: مجموعة اعتقادات عن أنواع الكيانات والعمليات التي تؤلف حقل البحث، ومجموعة معايير معرفية ومنهجية عن الكيفية التي يتم بها البحث، والكيفية التي نختبر بها النظريات، وما شابه ذلك، ولا يتم اختباره بصورة مباشرة؛ لأن الوجود الذي يبحث فيه أكثر عمومية بحيث يشكل مجموعة نظريات، يكون بعضها متسقا بصورة تبادلية؛ أي يطبق على أجزاء مختلفة من ميدان البحث؛ بينما الآخر غير متسق؛ أي النظريات التي تعد منافسة لهذا التقليد البحثي(16).

إن التقليد البحثي قد ارتكز على توجهات لتطور النظرية عن طريق تحديد الكيانات الأساسية، وطرق البحث الملائمة للمجال الخاص بالمشكلة، بحيث تشكل هذه الالتزامات الميتافيزيقية والمنهجية الأداة التي تحدد التقليد البحثي، ومن ثم فإن وظيفة النظريات هي توضيح كل المشكلات التجريبية، وذلك بإخضاعها إلى نظرية وجودية من التقاليد البحثية(17). وهذا يبلور لنا أن إخلاص العالم المعرفي يعتمد أساسا على التقليد البحثي، وليس على أي نظرية محددة، فليس لديه ولاء لنظرية بعينها في الواقع، لأنه عندما يكتشف نظرية تعد تطورا مهما لما قبلها، فإنه يتخلى عن الأخيرة على الفور، ومن ثم فالتقليد البحثي يأخذ أشكالا مختلفة، وأحيانا متناقضة على مر الزمان.

لكن ما هو مدى وسرعة تغير التقليد البحثي من دون أن يصبح مختلفا؟ وكيف يمكن تحديده، والذي يجعل هذا السؤال مهما أن ما يعد مشكلة يتم تحديدها من خلال التقاليد البحثية. 

كانت إجابة لودان على ذلك هي أن هناك - دائما - عناصر محورية في أي وقت معين، وأن التخلي عنها يعد تخليا عن التقاليد البحثية نفسها في حل المشكلات، فالوظيفة الرئيسة للتقاليد البحثية تكمن في إمدادنا بالأدوات الحاسمة لحل المشكلات التجريبية أو المفاهيمية، ولذلك فالتقدم العلمي يرتبط بالتغير في التقليد البحثي، وليس التغير في النظرية.

1-4: تكتسب النظرية كفاءة في رأي لودان وفقا لعدد المشكلات التي تنجح في حلها، كما يوضع في الاعتبار المشكلات التي عجزت النظرية عن حلها ونجحت النظريات المنافسة في حلها، إذن عملية التقييم تأخذ في الاعتبار المشكلات المحلولة، بحيث تعد في صالح النظرية؛ بينما المشكلات التي فشلت النظرية في حلها لا يجب أن تسجل ضدها إلا إذا أصابت نظرية أخرى في تنبؤاتها. 

لذلك فإن الجزء الثابت من العقلانية العلمية يهتم بشكل عام بالكفاءة، فلا يعني التقدم بحث مسألة الحصول على الحلول، بل يعني مزيدا من الحلول والتي تتطابق مع معايير المجتمع، مع الإيمان بتطور المعايير، فهي تتغير من وقت لآخر، ومن حقبة لأخرى، ومن جيل لآخر، فما يقبله العلماء على أنه حل ملائم في فترة ما، غالبا ما يتم النظر إليه باعتباره غير ملائم في فترة أخرى.

إذن حل المشكلات تقريبي، وكذلك التفسيرات، فما يعتقد حلا لبعض المشكلات في وقت ما، ربما لا يصبح كذلك في وقت آخر، وهذا ينطبق أيضا على التفسيرات. 

إن تحديد ما إذا كانت نظرية ما تحل مشكلة لا يرتبط بما إذا كانت هذه النظرية مؤكدة أو مثبتة(18)؛ لكن من الخطأ -طبقا لآراء لودان- عد حل المشكلات مساويا لتقديم تفسيرات. 

خلاصة القول: أن لودان لم يفعل شيئا لإضعاف الرأي التقليدي القاضي بأن تقديم التفسيرات هو الهدف الأساسي للعلم، فقد رجح وجهة النظر القائلة بأن الهدف هو حل المشكلات ليس بسبب أن هذا الوصف أفضل للعلم، ولكن بسبب أن ذلك أنسب لعمليات التقييم والوزن Counting and Weighing، وعلى الرغم من صعوبة تصنيف المشكلات، فإنه كلما كانت المشكلات أكثر عمومية كان حلها أكثر أهمية؛ لأنها تتعلق بموضوعات الحس المشترك.

مقياس الكفاءة النسبية لحل المشكلات يتحدد إذن بناء على نقاط أساسية: -

يجب أولا أن نقر بأن تلك المشكلات مشكلات حقيقية، ويتعين علىنا طرحها بصورة دقيقة لكي يتم معالجتها، وتحديد وزن نسبي للمشكلات التجريبية والمفاهيمية المحلولة، والأخرى التي لم نستطع حلها.

وهذا يعني أن طريقة حل المشكلات تقاس بناء على معرفتنا هل نظرياتنا الآن يمكن أن تحل مشكلات أكثر أهمية عما فعلت قبل قرن مضى، هذه أسئلة دقيقة في رأيه، بينما أسئلة من قبيل: هل النظرية صادقة، وهل هي ممكنة؟ وهل هي أكثر قربا من الحقيقة عن سابقاتها؟ ربما يؤدي بنا إلى متاهة.

السبب الأساسي في ذلك أن معظم نظريات العلم في الماضي تعرضت للتشكك في مصداقيتها، وهناك أسباب مفترضة للتوقع بأن تتعرض النظريات الحالية للمصير نفسه، ولكن من المؤكد أن الذي يجعل النظرية تستمر معنا هو ببساطة اعتقادنا الحالي فيها. إن الاعتقاد في أخطاء المنظرين السابقين ليس معناه عدم مشاركتهم في معتقداتهم، فلا يمكننا التصرف الآن بالأسلوب نفسه، ولا نشارك في معتقداتنا الحالية. فالمعتقدات ليست مثل الأقنعة، فلا نستطيع أن نقارن بموضوعية معتقداتنا بمعتقدات أجدادنا ونستنتج بأن معتقداتنا ليست أفضل من معتقداتهم(19).

ومما سبق يمكننا أن نلخص مفهوم التقدم العلمي عند لودان فيما يلي:

(أ) يتمثل هدف العلم في حل المشكلات المعرفية.

(ب) يوجد نوعان من المشكلات المعرفية: تجريبية، ومفاهيمية، وهما بمثابة الوحدة الأساسية للتقدم العلمي.

(ج) يعد تقييم النظريات حسب كفاءتها في حل المشكلات.

(د) تتمثل كفاءة حل المشكلات في تقييم ووزن المشكلات المحلولة (تحصل النظريات على درجات أعلى في حل المشكلات التجريبية مطروحا منها درجات إذا تسببت في انحرافات تجريبية أو مشكلات مفاهيمية).

(ر) يعني التقدم زيادة في كفاءة حل المشكلات. 

(هـ) يتم البحث العلمي في إطار التقليد البحثي الذي يحدد النظريات، ولأن النظريات العلمية تميل إلى أن تكون قصيرة العمر، بينما التقليد البحثي يكون أطول بقاء، فإنه بصورة عامة عندما نفكر في التقدم العلمي أو العقلانية العلمية، فنحن في الواقع نقارن التقاليد البحثية. 

(و) تأتي كفاءة التقليد البحثي من كفاءة حل المشكلات للنظريات التي تتكون منه جزئيا(20)

2- التقدم والعقلانية Progress and rationality:

يقول لودان: إن أحد أصعب أسئلة فلسفة العلم في القرن العشرين يتعلق بطبيعية العقلانية، فقد ادعى البعض بأنها متمثلة في تحقيق المنافع الشخصية، وآخرون يرون بأنها أحكاما يمكن دحضها، أو هي بمثابة الفروض التي نقتنع بصحتها أو على الأقل تكون أكثر احتمالا من الأخرى، لكن لم يتبين أن أيا منها غني غناء كافيا، ليتوافق مع بديهياتنا حول العقلانية المتأصلة في كثير من تاريخ الفكر العلمي(21). ولكن ماذا تعني العقلانية إذا عند لودان؟

2-1: بداية إذا كان الحوار الفلسفي يمثل نشاطا خاصا، فلا شيء مسلم به، ولكن وبمنظور واقعي توجد أشياء كثيرة تؤخذ كمسلمات، فما يوجه إلى عقل الإنسان يختلط مع ما يوجه إلى إحساسه ومشاعره، رغم أن دعاوى الشخص الفلسفية -مثل موضوع الجنس، الدين- بالنسبة للشخص الأقل ثقافة، فإنها أمور لا تناقش في اجتماع مشترك بين الجنسين.

مثل هذه الأعراف التي ترتبط بالنقاش الفلسفي المعاصر تجعل من الصعب إجراء حوار أو نقاش حول ما يتضمنه كتابه التقدم ومشكلاته، فهذا العمل هو نموذج وصفي لنظرية التغير في العلم، فيفترض أن يوضح أي نوع من العوامل التي تؤثر في الواقع في القرار العلمي، فهو يسعى إلى جعل النشاط العلمي يتلاءم مع البناء النظري والذي يربط بين الأهداف المفترضة للعلم وبين الوسائل التي يستخدمها العلماء.

فكتابه إذن يقدم نظرية وصفية عن تطور العلم، وعليه تظهر أول صعوبة تواجه الفلاسفة، فيجب تقييم النموذج عن طريق معرفة هل يناسب الوقائع التي يفترض أن يصفها، وبسبب أن فلاسفة العلم معروفون بعدم الإلمام الجيد بالوقائع، فهم يشعرون بعدم الراحة لدراسة هذا الكتاب، حيث إن اهتماماتهم الرئيسة تدور حول تساؤل معين هل العلم في الواقع كما يدعي لودان؟

يسلم لودان بأن كتابه يقدم دعاوى فلسفية، وأنه من الملائم دراسة آثاره التي تلاقي رفضا من جانب المعلقين الفلسفيين بسبب عدم توافقها مع النظرية المعرفية المفضلة لديهم، فهناك أهداف للعلم لها وسائل خاصة لإمكانية تحققها، لكن هذه الوسائل غير متاحة لنا.لذلك هل يمكن تحقيق بعض من هذه الأهداف التقليدية بوسائل أخرى، الوسائل التي تمثل خيارات متاحة لنا ولكن أكثر دقة.إن هذه الافتراضات التالية تتمتع بالاعتراف الواسع: 

- الواقعية العلمية تستلزم النزوع إلى رؤية الجانب المشرق من الأشياء المعرفية Epistemic Optimism. 

- يفترض التقدم العلمي الاحتفاظ التراكمي بكل الإنجازات التفسيرية داخل النظريات اللاحقة.

- تفترض العقلانية العلمية التقارب المتواصل مع الحقيقة.

- تستلزم الموضوعية العلمية القابلية الدائمة لتطبيق مجموعة راسخة Fixed من المناهج العلمية(22).

وإحدى الدلالات التي يمكن استخلاصها من هذه الصورة القائمة -كما يتصور لودان- هي أن العلم الفعلى ليس تقدميا ولا عقلانيا ولا موضوعيا ولا مقبولا ولا واقعيا.

فالفلاسفة والعلماء منذ عصر بارمنيدس وأفلاطون حاولوا إثبات أن العلم ما هو إلا مشروع يسعى من أجل الحقيقة من دون استثناء، قد فشلت هذه الجهود؛ لأنه لم يستطع أحد أن يثبت أن نسقا مثل العلم -مع كل الوسائل المتاحة لديه- يضمن الوصول إلى الحقيقة، سواء على المدى البعيد أو القصير، فلا يوجد وصف للتقارب أو التلاقي معها، والذي يقودنا إلى الاعتقاد بأن العلم له هذه الخاصية اللاتزامنية. ومن ثم، فإذا كانت العقلانية تكمن -فقط- في الإيمان كما يفترض عقليا بأنه حقيقي، وإذا عرفنا الحقيقة بمعناها التقليدي غير البرجماتي، يكون العلم إذن، ويبقى دائما مشروعا غير عقلاني؛ لأننا لا نمتلك معيارا مقبولا للتأكد من أي نظرية ما هي أكثر قربا من الحقيقة أو أكثر احتمالا لتكون حقيقية عن الأخرى.

وهكذا يستطيع الشخص أن يتكلم عن التقدم العلمي حتى في غياب التراكمية، فلا ينكر لودان أن التفسير التراكمي عندما يحدث يكون ذا قيمة معرفية، ولكنها لا تستحق المكانة التي أعطيت لها في الفلسفات العلمية والتي جعلتها شرطا ضروريا للتقدم(23).

2-2 إن وحدة التحليل هي المشكلة وأن هدف العلم هو الحل، وليست الحقيقة ولا الإثبات ولا الدحض، وحسب رأي لودان فإن المشكلة يمكن أن تأتي وتذهب come and go بواسطة الحل ومقاومة الحل by solution and resistance to solution(24).

ورغم أن الاختيار ما بين التقاليد البحثية العلمية يشتمل على مكونات زمنية وثقافية محددة، فإن لودان يعتقد بأن نموذجه للتغير العلمي يقدم مكونات زمنية وثقافية متعددة، مثل تلك التي تسمح للشخص بتقييم التقدم، ومن ثم العقلانية لأي تقليد بحثي؛ لأن القدرة الدائمة على التقييم ما هي إلا الكفاءة على حل المشكلات، وهذا يعني أن الفهم التاريخي هو أكثر المتطلبات دلالة لمهمة الفيلسوف، وعالم الاجتماع، والعالم الممارس عما هو عليه الحال الآن.

فكل عالم ممارس سواء في الماضي أو الحاضر يتمسك بوجهات نظر معينة عن الكيفة التي تتم بها الممارسات العلمية وعما نعتبره تفسيرا كافيا حول استخدام الضبط التجريبي وما شابه ذلك. هذه المعايير والتي يسعى العالم بأن يطبقها في تقييمه للنظريات ربما كانت المصدر الرئيس والوحيد لمعظم الجدل في تاريخ العلم.

وحسب نموذج لاكاتوش وكون للتغير العلمي، فقد تبنيا الرأي القائل بوجود نوعين مختلفين من العلم يتعلقان بالمراحل (الأولية) و (المتقدمة) للنشاط العلمي، رغم اختلاف الأسماء التي يطلق عليها لاكاتوش (الناضج Mature)(غير الناضج Immature) وكون (قبل pre)(وبعد النموذج Post Parading) فكلاهما قد التزما بالرأي الذي يقول بأن مختلف العلوم في مختلف الأزمان تخضع لعملية تحول من الطفولة إلى البلوغ، وعندما يحدث ذلك فإن القواعد العلمية تتغير بالدرجة نفسها.

فيري لاكاتوش بأن الوحدة الأساسية والرئيسة هو برنامج البحث، والذي يتكون من سلسلة من النظريات (يعني أن كل عنصر أخير في السلسلة يجب أن يتضمن كل المضامين التي كان يشتمل عليها العنصر الذي سبقه) فقد اختصر الثورة العلمية إلى شكل من استبداله ببرنامج البحث البالي العتيق واحدا جديدا تقدميا، مثل هذا الاستبدال يحدث فقط عندما تستطيع أحد البرامج المنافسة أن تقدم تنبؤات جديدة لا تستطيع البرامج الأخرى تقديمها (التقدم النظري)، وتتمتع أيضا بتنبؤات معززة بالتجارب عن منافساتها (التقدم التجريبي)(25).

وبالتالي يصل العلم إلى درجة النضج عندما يتجاهل العلماء في هذا المجال مشكلات الانحراف والتأثيرات الخارجية، سواء الاجتماعية أم الفكرية، ويكون التركيز - فقط - على التفسير الرياضي لبرنامج البحث. 

أما كون فيري بأن عملية الانتقال تحدث عندما يفرض أحد النماذج نفسه على الحقل نفسه، وعندما يظهر العلم المعياري Normal science، لذلك فالذي يميز العلم الناضج لكل من (لاكاتوش) و(كون) هو ظهور(النموذج) أو (برامج البحث) المستقلة والتي تكون بعيدة عن النقد الخارجي، فالانتقال ليس مجرد انتقال اسمي، فهما على حد سواء، أصرا على أن العلم الناضج هو أكثر تطورا وأصالة علمية من مثيله غير الناضج(26). لكن يرى لودان أن هناك جوانب غامضة في مفهوم العلم الناضج، بمعنى أن كل علم يخضع لعمليات تحول مستمرة من النوع الذي يصفه(كون) و(لاكاتوش) لا يتطابق مع ما نعرفه عن العلم.

فلو اتخذنا الثورة العلمية لتشارلز لييل Charles Lyell(**) الجيولوجية كمثال، نجد أنه لا يوجد شيء عالمي حولها، فهي محصورة تقريبا في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، ونادرا ما أخذت بجدية في ألمانيا وفرنسا، ولم نر أي عالم جيولوجي لييل (أي منسوبا لتشارلز لييل) حتى في المناطق الناطقة بالإنجليزية. إن أفكاره رغم شهرتها قد تعرضت لانتقادات لاذعة.

فيجب أن نكون قادرين على تعريف الثورات العلمية بالطريقة التي تجعل حدوثها يسمح باستمرار التنافر بين العلماء بخصوص القواعد الأساسية لمبادئهم.

فربما يفترض الشخص على سبيل المثال أن الثورة العلمية تحدث عندما يتخلى عدد من العلماء عن أحد التقاليد البحثية ويتخذون غيره. ولكن ما هو العدد المهم؟ فالأمر ليس عملية عد الرؤوس أو الكلام عن حدوث ثورة لمجرد أن نصف بأن مجتمع العلماء قد اتخذوا تقليدا بحثيا معينا، فالثورات دائما ما تحدث بواسطة عدد صغير نسبيا من العلماء في أي حقل معين، مثل الثورة النيوتونية في الطبيعية والثورة الداروينية في البيولوجي على الرغم من أن معظم العلماء في مجال الطبيعية أو الأحياء لم يكونوا نيوتينيين أو دارونيين(27).

ومن ثم فإن الثورة العلمية كما يرى لودان لا تحدث بالضرورة عندما يقبل كل أو معظم المجتمع العلمي تقاليد بحثية جديدة، ولكن عندما يظهر تقليد بحثي يحدث فوائد ومصالح كافية يشعر بها العلماء في الحقول الخاصة بهم، مهما كانت التزاماتهم بتقاليدهم البحثية، بتعبير آخر تحدث الثورة العلمية عندما لا تواجه التقاليد السابقة أي مشكلات تجريبية خطيرة، أو عندما تواجه التقاليد اللاحقة لا السابقة مصاعب تجريبية خطيرة، وفق هذه الظروف فإن وجود المشكلات المفاهيمية هو الشرط الحاسم لحدوث الثورة العلمية.

وهذا يبلور لنا أن رأي كون القائل بأن الثورات العلمية تقدمية بطبيعتها هو أمر لا يمكن قبوله؛ لأن الثورات العلمية ربما تقتضي التخلي عن تقاليد بحثية أكثر تطورا، واتخاذ تقاليد بحثية أقل تطورا باختصار إن عقلانية الثورات العلمية وتطورها هو أمر مشروط؛ لأن الثورات العلمية ليست الوحدة الرئيسة للتحليل كما تخيل بعض المؤرخين والعلماء(28).

ومما سبق يمكن بلورة موقف لودان عن التقدم والعقلانية في النقاط التالية: 

أ - ليس هناك سبب للاعتقاد بأن النظريات العلمية صحيحة أو قريبة من الصحة.

ب - حماقة عملية الدمج بين المناهج والعقلانية، فالمناهج شيء والعقلانية شيء آخر.

ج - إن الوحدة الرئيسة للتحليل هي المشكلات والقدرة على تقديم حلول لها وليست الثورات العلمية.

3- التقدم والطبيعية المعيارية Progress and Normative Naturalism:

تتضمن هذه النقطة التساؤل حول القواعد المنهجية، فهل هي دعاوى تجريبية Empirical claims حول العلاقات بين الوسائل والأهداف؟ أو بتعبير آخر كيف يكون هناك دليل تجريبي على أن الوسائل التي تصفها القاعدة هي الأسلوب الأمثل لتحقيق الهدف المطلوب؟ أم هل هي ضرورة افتراضية تربط بين الوسائل المنهجية والأهداف المعرفية؟(29) إن الطبيعية المعيارية ترد على كل هذه الاستفسارات.

1-3: يتضمن مشروع لودان البحث التاريخي في المناهج العلمية بهدف تحديد أيهما تقدمي، فقد فسر القواعد المنهجية على أنها عبارات مشروطة conditional statements تربط الوسائل المنهجية بالأهداف المعرفية والتي يرى أنها خاضعة للتغير، بمعنى أن الارتباط بين الوسائل والأهداف يتوقف على الافتراضات الأساسية حول العالم التجريبي بما فيها افتراضات حول القدرة المعرفية للجنس البشري.

فهي إذن دعاوى تجريبية قابلة للإلغاء؛ أي يمكن إعادة صياغتها؛ لكن الشخص يستطيع أن يتخيل بعض العلاقات بين الوسائل والأهداف، والتي تكون في الواقع تحليلية ويمكن إثبات صحتها من عدمه عن طريق التحليلي المفاهيمي.

هذه القواعد إذن ليست مقولات مطلقة، فهي قواعد افتراضية ذات عناصر شرطية مقيدة: فهي تعني أنه من أجل تحقيق أهداف العلم فإن هذه القواعد الافتراضية لا تحدد أهداف العلم، وهي لا تتطلب أن يكون للعلم عدد صغير من الأهداف المقيدة التي يتفق عليها العلماء في الماضي والحاضر.

ومن ثم فالطبيعية المعيارية هي رؤية حول مكانة نظرية المعرفة وفلسفة العلم، فهي نظرية ميتامعرفية وهي افتراض ميتامنهجي، وأن الدعاوى الفلسفية يجب الحكم عليها بالطريقة نفسها التي نحكم بها على مختلف جوانب الحياة العامة مثل العلم، الآراء العامة والقانون؛ أي أن نكون في حالة تواصل مع الأنواع الأخرى من النظريات في تشكيل العالم الطبيعي(30).

3-2: يتم تسويغ القواعد المنهجية بالإشارة إلى الأهداف المعرفية، فالأهداف هي الصفة الرئيسة للطبيعية المعيارية؛ لأن المنهج لا يكون له أي فائدة من دون علم القيم، ومن ثم فإن له مكونين أساسيين: المكون التاريخي والمكون الوصفي؛ لأن أهداف العلم خاصة والبحث عموما قد تعرضت لتغيرات جوهرية عبر الزمن. 

لذلك فقيمة النموذج الشبكي Reticulated Model للودان تكمن في عدم الاقتناع بما يطلق عليه أفضل حل معاصر لمشكلة التوصل إلى إجماع حول العلم، أما النموذج الهرمي Hierarchical Model المتسلسل للتسويغ، فإن الاختلاف الحقيقي في العلم يحدث في المستوى الأدنى من السلم، ويتم حله باللجوء إلى المستوى الثاني أعلى السلم يعني القواعد المنهجية وأحيانا يختلف العلماء حول أي من القواعد المنهجية يتم استخدامها أو كيف تطبق، وعندما يحدث ذلك يتم التوصل للإجماع بالصعود درجة للأعلى حتى الوصول إلى مستوى الأهداف المشتركة، وحسب هذا النموذج فإن الأهداف تعد كأنها محكمة الاستئناف النهائية.

يتمثل نموذج لودان في نفس الثلاثية (النظرية- المنهج- القيم) ونقطة الخلاف بينه وبين النموذج الهرمي تكمن في تأثير كل عنصر من هذه العناصر على الآخر، فالأهداف تؤثر على اختيار الوسائل، والوسائل تسوغ المعارف النظرية؛ بينما الأخيرة تقدم مصوغات ملائمة لتقييم الوسائل للأهداف، وقدرتها على تحقيقها للأهداف المعرفية.

فهذه ليست علاقة واحد- واحد، فالأهداف لا تحدد الوسائل، والوسائل لا تقدم قرارات واضحة حول المسائل النظرية، أو بتعبير آخر فالتسويغات تنساب من أعلى إلى أسفل والعكس على هذا السلم، والأهم أنه لا يوجد مستوى أهم من الآخر، فلم تعد الأهداف تفسر على أنها جامدة وليست هي محكمة الاستئناف النهائية، فالنظريات والمناهج تشكل الأهداف مثل ما أن الأهداف تشكل كلا من النظريات والوسائل، علاوة على أن التغير الداخل إلى أي منها لن يكون شاملا بل تدريجيا؛ أي يحدث على كل المستويات(31).

وفي هذه الصورة، فإن الملمح الأساسي لآلية زيادة المعرفة هو قابليتها على إبقاء نفسها في حالة دائمة من عدم الاستقرار، إن التوتر الدائم بين الأجزاء الثلاثة للنموذج يتسبب في الواقع في تغير، وفي استبدال أحد الأجزاء مكان الآخر، وهذا يشبه حالة وصف لسير أو مشي الإنسان والذي يكون كل خطوة منه دفاعا ضروريا ضد السقوط، فتحريك الشخص قدمه يجبره على المشي خطوة، وبالمثل فإن واقعية التوتر بين الأجزاء الثلاثة من النقاش العلمي تجعل عربة المعرفة تسير.

وهذا ما دفع النقاد إلى الإعلان عن رسم الصورة الساخرة التالية لرأي لودان: إن العالم حسب النموذج الشبكي يكون شخصا سعيدا، فهو يختار هدفه بحرية، وبعد ذلك يجد المنهج الملائم القادر على تحقيقه، وبعد ذلك يبدأ في نقاشات يحصل فيها على إجماع واقعي، وبعد ذلك يشكل العالم حسب الأهداف المختارة(32). لكن ليس صحيحا أن العالم حسب النموذج الشبكي يختار أهدافاً بحرية؛ لأن الاختيار مقيد بمجموعة من الوسائل العلمية المتاحة والمعلومات الحالية الموثوق في كفاءتها، رغم أن الاختيار لا يتحدد بواسطة طريق واحد، فيمكن التصديق عليه نتيجة للبراهين التي تأخذ في الاعتبار النظريات العلمية والقواعد المنهجية المقبولة في هذا الوقت. 

3-3: انزعج جون ووريل بفكرة تغير مناهج ومعايير المشروع العلمي عبر الزمن؛ لأن التغير سوف يفتح الباب على مصراعيه للنسبية، فإذا لم يبق أي مبدأ للتقييم ثابت فلن تكون هناك وجهة نظر موضوعية والتي من خلالها نستطيع إثبات حدوث التقدم(33). وهذا في الواقع كما يرى لودان أحد أعراض الفشل الذريع في إدراك أننا نواجه مشكلة ميتا معرفية، فسواء تغيرت مناهج العلم أم ظلت على حالها، فإن التصريح المستمر للكذبة التي تقول بأن العلماء دائما يفعلون ذلك وبالطريقة نفسها ما هو إلا رد ضعيف ومضحك على مطالب النسبيين.

كما أكد الكسندر روزنبرج على أن الهدف الرئيسس والوحيد للعلم هو المعرفة وأن هذا الهدف ظل كما هو، بينما الأهداف الثانوية والفرعية هي التي تغيرت، الخلاف يصاغ على هيئة تساؤل حول إمكانية تطبيق العلوم الاجتماعية لمناهج العلوم الطبيعية من عدمه.

يقول الطبيعيون: إن أهداف العلوم الاجتماعية يجب أن تكون أهداف العلوم الطبيعية نفسها، لذلك يجب أن يكون المنهج واحدا، والاجتماعيون يرون أن مناهج العلوم الاجتماعية يجب أن تختلف عن تلك المطبقة في العلوم الطبيعية؛ لأن أهداف العلوم الطبيعية تختلف عن أهداف العلوم الاجتماعية. شيء واحد من هذا الجدل نعده أمرا مسلما به، هو أن العلوم الطبيعية لها مجموعة من الأهداف ربما تكون ملائمة أو غير ملائمة للعلوم الاجتماعية. هذا الصراع يمكن أن نتعلم منه شيئا عن أهداف العلم. فكلا طرفي النزاع يرى أن العلوم الاجتماعية أو الطبيعية لها هدف جوهري وحيد وهو المعرفة(34). وهذا يبلور لنا أن الخير الذين يسعون من أجله هو المعرفة، فاختلافاتهم تتركز حول نطاق ومصداقية المعرفة دون أن يمتد الخلاف حول القيم. 

يرفض لودان فكرة أن هناك هدفا وحيدا يمكن تحقيقه بالوسائل العلمية، عنصر شرطي عام بين كل القواعد المنهجية، لماذا؟ لأن العقلانية هي ذرائعية بالكامل، فهي تعكس مناسبة الوسائل للأهداف، وأهداف العلم ليست عرضة للتقييم العقلاني إلا بقدر ما تكون قابلة للتحقق. 

وبناء على ذلك، فالصيغة القائلة بأن العلم يتطلع إلى المعرفة تخفي عدة أفكار بائسة. هل المعرفة التي يتطلع إليها العلم من معرفة العلىات، أم يسعى للمعرفة المؤكد صحتها، فهذه هي الأمور التي يتحدث عنها العلم بأصوات مختلفة في مواقف تاريخية مختلفة، فأرسطو تكلم عن كثير من العلوم في ضوء رؤية كيفية؛ بينما العلم الحديث الآن يتمتع بالخاصية الكمية.

يتفق معظمنا على أنه إذا قال شخصان بأن كل واحد منهما (أنا أريد تحقيق الهدف ×) ثم استمر في تعريفه بأساليب مختلفة تماما، فهما يريدان الشيء نفسه، ولكن لدى كل منهما نظريات مختلفة حول ماهية أهدافهما، فإذا افترضنا أن العلم في الماضي كان يستخدم لتحقيق أهداف معينة (A) والتي تكون أكثر صعوبة من الأهداف(A1) التي تخضع للفحص الآن. عندئذ يبدو من المستحيل الحصول على دليل لمعرفة هل (A1) قابلة للتحقق؛ لأنه -فرضا- لم يحاول أحد حتى الآن تحقيق (A1)، فكيف يمكن أن نطالب بالحكم على قابلية مجموعة من الأهداف قبل أن يحاول أي فرد تحقيقها(35). وهذا يعني أنه بعد تأمل لاحق لنظريات معينة أنها عرضت خصائص عدة فضائل معرفية، حتى رغم أن هذه الخصائص لم تكن فضائل يسعى من أجلها الذين وضعوا هذه النظريات في الأصل، فنيوتن على سبيل المثال عند تطويره لميكانيكيته لم يكن يسعي من أجل نظرية تعطي تنبؤات مدهشة، ولم يكن نفسه لديه هذه النيات، حتى على الرغم من أن نظريته قدمت مثل هذه التنبؤات بوفرة. 

وهذا يبلور لنا أن المشروع التجريبي الناجح -مثل العلم الطبيعي خلال القرون الثلاثة الماضية- يجب أن يضع لنفسه صورة معترفا بها تمثل تاريخه، فاللحظات التاريخية العظيمة والإبداعات، والنظريات الناجحة، والتجارب الكلاسيكية صارت جزءا من التقاليد الأساسية للمجال التجريبي، فالذي يسمح للفريقين: (الكيمائيين أو الجيولوجيين) باعتراف بعضهم ببعض -وهم يشتركون في مشروع عام- ليس بالضرورة أنهم يتفقون على أهداف علمهم، ولكنهم يرون بأنهم يشتركون في القرابة نفسها، وأنهم يتطلعون للإنجازات المقبولة وإن كانت بطرق مختلفة.

ومن ثم ينظر الفلاسفة الذرائعيون والواقعيون والوضعيون والكانطيون الجدد على حد سواء إلى جاليليو ونيوتن على أنهم منهم، رغم أنهم يختلفون كثيرا حول وصف ما يجدونه فاضلا عندهم، وعليه فإن ما يخلق الوحدة والشيوع في المجتمع العلمي هو القانون المتداخل للعلوم.

فربما يقترح شخص هدفًا جديدا للعلم لم يكن يتبناه أبدا، ولم يسع إلى تحقيقه، ولكن الطريقة التي نثبت بها مصداقية هذا الهدف تتضمن بيان أن الإنجازات المعترف بها للعلم محل الدراسة يمكن الاحتفاظ بها، كإنجازات حسب هذا الوصف. فالشخص عليه أن يعرف هل أن المعيار أو القانون الموجود يعرض أمثلة لقابلية التحقق للأهداف الجديدة، وبمجرد أن نتحقق من أن هذه الأهداف التي نختبرها قد فحصت، فيتضح لنا أن هؤلاء العلماء لديهم الكثير من الأمور المشتركة، حتى ولو اختلفوا حول الأهداف الأساسية(36).

ولنفترض أن شخصا ما سأل: ما السبب في أن العدائين في الألعاب الأولمبية أكثر نجاحا من العدائين في المدارس المحلية العلىا؟ وإحدى الإجابات عن هذا التساؤل ربما تقتضي مقالة مطولة في سيكولوجية الوصف التشريحي لكل منهما، وإجابة أخرى مختلفة ربما تشير إلى إجراءات اختيار المشاركين في الألعاب الأوليمبية والتي لا تسمح إلا لعدد من المشتركين ذوي المستوى اللياقي المرتفع، بينما في المجال المحلي يتم اختيار العدائين بواسطة مدربين محليين لديهم مهارات أقل في الاختبار.

وبالمثل فإذا كان علىنا أن نتساءل لماذا قلت معدلات الوفيات حتى على الرغم من الآثار الجانبية للأدوية، فإن التفسير الأكثر وضوحا ربما لا يتطلب مناقشة مطولة حول سمية المواد الكيميائية التي تدخل في تركيب العلاج، ولكن ربما يقتضي الأمر تغير طرق العلاج والعودة إلى المعالجة بالأعشاب الطبيعية(37).

ومن ثم يوضح لودان حجته ببساطة بقوله: أروني بعض الأهداف التي تكون مقصورة فقط على العلم، دعوني أشاهد مناهج تستخدم في العلم ولا تستخدم في أي من الفروع غير العلمية، وهذا يعني أن الدعاوى الزائفة بالفصل بين العلمي وغير العلمي ليس مطلبا أساسيا للمعرفة.

إن التمييز المهم ليس بين العلمي وغيره، ولكن يجب أن يكون بين الدعاوى المثبتة قوية الحجة وغير ذلك؛ لأن هناك العديد من النظريات تقع خارج العلم تشتمل على فروع من الفلسفة والتاريخ والأدب تستخدم معايير تجريبية ومفاهيمية مقبولة في تقييم المذاهب المتنافسة.

إن محاولة إثبات أن مثل هذه الأشكال من الدراسة أو البحث تستخدم وسائل، أولها أهداف مختلفة عن وسائل وأهداف العلم، فهي محاولة ساذجة. إن هذا التقارب بين الأنواع المختلفة من النشاط المعرفي لا يجب أن يخفي عنا أهمية اختلاف الدرجات أو المستويات، فالعلم أسرع من الفروع غير العلمية في درجة أو معدل تقدمه، إن نموذج حل المشكلات يقدم آلية للوصف الدقيق لمعدل التقدم في مختلف الفروع المعرفية، أو بتعبير آخر توصيف المعرفة بكل صورها وإيجاد طرق لتقدمها، لكن إيجاد اختلافات اصطناعية، كأساس بين العلمي والأشكال الأخرى من المعرفة فقط، تعتم المشكلات المحورية لنظرية المعرفة بدلا من أن توضحها(38).

3-4: ومن هذا المنطلق التوصيفي للمعرفة، رفض لودان التاريخ الفكري على أنه تفسيري يهتم فقط بتفسير النصوص، فقد أوصى بتاريخ فكري قوي يكون هدفه الرئيس تفسير التغير والتعديل في الاعتقادات، لكن متابعة القوانين التفسيرية الاجتماعية أو السيكولوجية مرفوضة؛ لأننا لا يمكن أن نطمع في تقديم العدد الكامل لكل المسوغات العقلانية لكل حادثة أو معتقد (×) ولكن تقديم تفسير كاف مقصور على هذه الظروف التي تبدو أكثر ارتباطا وفاعلىة لحدوث (×) لأن السجل الاجتماعي المعرفي للماضي ما هو إلا متاهة ليس لها حدود، أو كما يتبين لنا بأنه قد أصابه الإفلاس التفسيري Exegetically Bankrupt(39).

وهذا يعني أن أي نظرية للاختيار العقلاني يجب أن تكون أفضل نظرية متاحة، وأنه في المقابل يجب أن تتحدد وفق تقييم النجاح النسبي لمختلف أنواع التفسيرات، في الوقت الذي يعترف ولو بصورة عابرة بصعوبة ما يطلق عليه عوامل التفسير العقلاني والاجتماعي المتواصل.

وعليه يجب الأخذ في الاعتبار تاريخ العلم، ليس بسبب أن العلماء - دائما- يكونون أكثر عقلانية من أي شخص آخر، ولكن بسبب أن تاريخ العلم - عبر المجالات الأخرى- يقدم سجلا مؤثرا للأفعال والقرارات، تقترب أكثر مع مرور الزمن من تحقيق الأهداف التي يراها معظمنا بأنها مهمة وذات قيمة، فالسجل يعني تاريخ العلم ليبين لنا أيا من طموحاتنا المعرفية قد تحقق، وأيا منها لم يتحقق(40).

ومما سبق يمكن أن نتبين طبيعة موقف لودان من التقدم والطبيعية المعيارية فيما يلي: 

(أ‌) أن القواعد المنهجية في العلم وفلسفته (على سبيل المثال تفضل النظريات التي تعطي تنبؤات مثيرة عن النظريات التي تشرح ما هو معروف من قبل) أو بتعبير آخر تحديد أكثر الوسائل كفاءة في تحقيق أهداف الشخص المعرفية مثل النظريات الصحيحة لـ(×) أو التفسير الصحيح للظاهرة (Y) إلى آخره.

(ب‌) تسعى الميتامنهجية المعاصرة إلى تقييم المناهج العلمية من منظور منفعتها في تحقيق الأهداف المعرفية الحالية للعلماء، وبذلك فهي لا يمكن أن تأتي بنظرية متكاملة عن التقدم العلمي؛ لأن شرعية الأهداف المقترحة لا تتحدد في ضوء اللحظة الراهنة(41).

الخاتمة:

يتضح من كل ما سبق أن الهدف الجوهري والأكثر عمومية للعلم هو حل المشكلات، وبالتالي يشكل هذا الهدف المسوغ الأساسي والقوي في العلم، بمعنى أنه ومن خلاله نستطيع أن نحكم على عقلانية فعل معين وعدم عقلانية الفعل الآخر في نطاق العلم، مع الأخذ في الاعتبار أن الشخص الذي يفشل في تعزيز أهدافه من خلال تصرفاته، يمكن أن يصبح في النهاية عقلانيا، خصوصا عندما تكون أفعاله من غير قصد تعزز أهداف العلم.

هذه الطريقة المثلى تعد بمثابة العمود الفقري للنظريات المتقدمة وإثبات أوراق اعتمادها العلمي، ومع ذلك فلم يقدم لودان تمييزا بين حل جيد للمشكلات وحل مقبول؛ لأن نظريته عن التقدم العلمي لم تتطلب منا مقارنة كفاءة الحلول بأي طريقة، فالتقدم ليس هو مسألة الحصول على أفضل الحلول، بل مزيد من الحلول بحيث تتطابق مع معايير المجتمع، على الرغم من أنه لم يقدم تعريفا وافيا ودقيقا حول تعريف المعايير العلمية، ولكنه اكتفى بأنها المتاحة أكثر من غيرها، والمستخدمة بفاعلية وتتطور من وقت لآخر.

ومن هنا يكمن الهدف الأساسي للطبيعية المعيارية، فهي ليست بديهيات ذاتية التسويغ ولكنها أمر افتراضي، بمعنى أنها وسائل لأهداف مطلوبة، وبالتالي فهي عرضة للتعديل التجريبي؛ لأنها موجهة نحو الأهداف الملائمة، فلا نحتاج - فقط- لتقييم، هل الوسائل المتاحة محل الدراسة قادرة على تحقيق الأهداف المعرفية، بل يجب تقييم الأهداف نفسها.

فلا مناص إذن من الاعتراف بأن فكر لودان يمثل إسهاما جيدا في تشكيل وجهة نظر فلسفية، ولكنها وجهة نظر تتعارض مع الأهداف التقليدية التي يؤمن بها كثير من العلماء والفلاسفة الذين كانوا يحاولون إيجاد مبادئ عامة وثابتة، بمعنى أن معايير التقييم العلمي الصحيحة للنظريات يفترض أن تكون ثابتة؛ أي ليست تاريخية، فهم لم يعتقدوا - أبدا- بأن القيم تتحكم في المنهج، ولم يتخيلوا أن الخلافات العلمية يمكن أن تحل من خلال هذه المناقشات حول الأهداف.

لكن دعنا نفترض أن العلم في المستقبل سوف يكتشف أن المتعة الجمالية خاصية معرفية، فيستطيع الشخص أن يكتب قصة من الخيال العلمي تصور هذه الخاصية على أنها من النوع الذي يجعل المتعة الجمالية هدفا عقلانيا للعلم، لكن لودان أشار بالقول بأن الأهداف لابد أن تكون قابلة للتحقق، وإذا لم نتحقق منها في الوقت الحالي يمكن التحقق منها فيما بعد، بمعنى أننا لا يمكن أن نرفض هذا الاقتراح.

على أية حال، يمثل فكر لودان مزيجا بين كفاءة النظريات في حل المشكلات والأهداف العملية مثل بناء الجسور والسدود؛ أي العمل وراء عملية تشجيع العلم للبحث التطبيقي، بحيث يسمح لنا بأن نتفاعل مع بيئتنا من أجل تحقيق مصالحنا الخاصة، فتتحدد قيم حياتنا وأهدافنا حسب ظروف عالمنا الذي نعيش فيه.

************************

الهوامش:

*) أستاذ الفلسفة في جامعة طنطا، مصر.

1- Weston, T.S " Review work (s): Progress and its problems: towards Theory of scientific growth by larry Laudan" The philosophical Review Vol 87, No.4 (Oct, , 1978), pp614-616 P614. 

2- Nickles, Tomas " Review works(s): Science and Hypothesis by Larry Laudan" philosophy of science, vol, 49, No.4 (Dec. 1982), PP. 653-655, P655.

3- Laduan, Larry: progress and its problems: towards a Theory of scientific Growth, Berkeley univ of cali press, 1977, P31. 

4- لاري لودان: مدخل إلى حل مشكلة التقدم العلمي, المقالة السابعة من كتاب الثورات العلمية, تحرير: أيان هاكينج, ترجمة وتقديم: د/ السيد نفادي, دار المعرفة الجامعية, الإسكندرية, 1966, ص216.

5- Lynch, M.P " Review work(s): Beyand positivism and relativisim by larry Laudan" Mind, vol 107, No 425 (Jan 1998) PP233-235, P233

6- Laudan, Larry: progress and its problems, PP11-12. 

7- خالد قطب: منطق التقدم العلمي, دار قباء للطباعة والنشر, القاهرة, 2002, ص188.

8- Laudan, larry: Progress and its problems, P15.

9- Ibid PP14-22

10- Mellor, D.H" some problems about solving problems " philosophy of science vol2, (1978) PP522-529, P524.

11- Laudan, larry: Progress and its problems, P16.

12- خالد قطب: منطق التقدم العلمي, ص191.

13- Weston. T.S" Review work(S): progress and its problems " P614.

14- Koertge, Noretta" in praise of truth and substantive Rationality: comments of laudan’s progress and its problems" philosophy of science, vol 2(1978) PP505-521 P511.

15- Laudan larry: Progress and its problems P84.

16- لاري لودان: مدخل إلى حل مشكلة التقدم العلمي, ص222.

17- Mcmullin, Ernan " Reviewed work(s): progress and its problems by larry laudan" philosophy of science, vol 46, no4, (Dec. 1979) PP623-644 PP626.

18- Mc Mullin, Ernan" Reviewed work (s): progress and its problems " P636.

19- Laudan, Larry: Progress and its problems, PP125-126.

20- Koertge, Noretta " in praise of truth and substantive Rationality: Comments of laudan’s progress and its problems " P507.

21- Laudan, Larry: progress and its problems PP121, 122.

22- Laudan, Larry: "The philosophy of progress" philosophy of science, vol2, (1978), PP530-547, PP531, 532.

23- Laudan, Larry: " Two Dogmas of Methodology" Philosophy of science, Vol.43, No4, (Dec.1976) PP585-597., P593.

24- Westman, Robert's " towards a Richer Model of Man: A critique of Laudan’s progress and its problems" Philosophy of science, vol 2, (1978), PP493-504, P493.

25- Chen, xiang" Reconstruction of the optical Revolution: Lakatos VS Laudan" philosophy of science, vol1, 1988, PP103-109, PP103-105. 

26- Laudan, Larry: Progress and its problems, P150.

**) ) اشتهر بأطروحته الجيولوجية العظيمة مبادئ علم الجيولوجيا، وهي إحدى المحاولات لشرح التغيرات الأولي التي طرأت على سطح الكرة الأرضية مثل مقدار المخزون من المياه الموجود في باطن الأرض، كيف نشأت الأرض من عناصر سماوية. وكيف أخذت تدريجيا شكلها الحالي ؟ متي وأين خلقت مختلف النباتات والحيوانات ؟ وكيف تكونت عروق الأملاح في طبقاتء الأرض؟ وما هي الأسباب الحقيقية للبراكين والينابيع الحارة؟ ولقد تأثر الكثيرون بالأساليب المنهجية والأسلوب العلمي لييل في بريطانيا في عصر الملكة فيكتوريا، ولعل أشهر هؤلاء العلماء كان تشارلز دارون، وتعد أهم الكتب النقدية عن لييل هي مقدمة (جيم سيكورد) والتي أعاد فيها طباعة المبادئ. http://www.victorianweb.org/science/lyell.html

27- Ibid, P135.

28- Ibid, PP137-138.

29- Schmaus, warren" The Empirical character of Methodological Rules" philosophy of science Vol; 63 Part 1 (sep. 1996), PP98-106, pp98-99.

30- Laudan Larry: Beyond Positivism and relativism, Theory, Method and evidence, westview press 1996, P154.

31- Freedman, Karyn" Laudan’s Naturalistic Axiology " philosophy of science, 66, 1999, PP526-537, PP528-530.

32- Grobler, Adam " Between Rationalism and relativism on larry Laudan’s Model of scientific Rationality, Vol 41, No 4(Dec.1999) PP493-507, PP497-498. 

33- Worral John" Review works (s): science and values. The aims of science ant their Role in scientific Debate by L. laudan" philosophy of science, Vol39, No2 (Jun, 1988) PP. 263-275. P274.& See also laudan, larry " ifit Ain’t Broke, Don’t Fix it" philosophy of science, vol 40, No3(Sep., 1989), PP369-375, PP369-370.

34- Rosenberg, Alexander " Normative Naturalism and the role of philosophy" philosophy of science, vol 57, No1 (Mar 1990) PP34-43. P37

35- Laudan, Larry: Beyand positivism and relativism, PP158-160

36- Ibid, P161.

37- Ibid, P 163.

38- Laudan, Larry " The philosophy of progress " PP540- 542.

39- Westman, Robert. S " towards a richer Model of Man: A critique of Laudan's progress and its problem's P497.

40- Laudan Larry: Beyond positivism and relativism P138.

41- Doppelt, Gerald " The Naturalist conception of Methodological standards in science: Acritique " philosophy of science, vol, 57, No 1 (Mar. 1990) PP1-19, PP2-3.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/8/173

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك