الدين والدولة في أزمنة التغيير: المنظور النهضوي ومتطلباته

رضوان السيد

 

-I-
أولاً: مرَّ التفكير الإسلامي بالدولة منذ القرن التاسع عشر وإلى مشارف الثورات العربية بأربع مراحل، وهو يخوض الآن غمار المرحلة الخامسة. تقع المرحلة الأُولى بين الطهطاوي (1834)، وخير الدين التونسي (1867)، وقد كان لدى كلٍّ من الرجلين وعيٌ قويٌّ بالغرب والنهوض الأوروبي؛ لكنّ أُصولهما الثقافية مختلفة؛ فالطهطاوي أزهريٌّ ذهب بالمصادفة إلى باريس حيث قضى خمس سنواتٍ كتب عنها كتابه: تخليص الإبريز في تلخيص باريز، وظلَّ موظفاً عاماً في إداراتٍ مختلفةٍ بمصر لحوالي الخمسين عاماً، كتب خلالها وترجم كثيراً جداً. وقد وعى الثقافة الفرنسية المعاصرة له، وحاول في مؤلَّفاته ومترجماته التوليف بين المفاهيم والمؤسسات التي عرفها في فرنسا من جهة، والموروث الديني والثقافي الإسلامي. وكان شديد الاقتناع بمشروع محمد علي للنهوض بالدولة والبلاد، وقد سيطرت عليه فكرة المنافع العمومية أو المصالح العامة، التي رأى فيها سرَّ النهوض الفرنسي، وكانت دعوته ضرورةَ زرع هذه الفكرة لدى العامة في المجتمعات الإسلامية، وما رأى الطهطاوي أنّ هناك مشكلةً في الإسلام أو معه؛ وإنما هناك ضرورة لانتقاء وتبيئة القيم الإسلامية المنْسية في مشروع محمد علي والدولة العثمانية للنهوض والإصلاح، وبخاصةٍ أنه رأى أنّ تلك القيم تتلاءم مع ما رآه وقرأه في فرنسا عن تجربتها مع الثورة(1). 
أمّا خير الدين التونسي فهو رجلُ دولةٍ منذ فتوته الأولى، وقد تولى مناصب سامية في تونس وإسطنبول، وقد عرض في كتابه (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك) وقائع النهوض في عدة بلدانٍ أوروبية، زارها وعرفها عن كثب، وقدّم للكتاب بفذلكةٍ تُشبه مقدمة ابن خلدون، دعا فيها إلى إقامة المؤسَّسات التي تنهض بالمصالح العامّة باعتبار ذلك علة النجاح في النهوض الأوروبي. واللافتُ هنا الدورُ الذي رآه للإسلام في إقناع العامة المتدينة بأنّ الدين يُقرُّ بل ويشجّع الإصغاءَ للمصالح في إقامة المؤسسات الجديدة. ولأنه ما كان يعرف المصادر الفقهية والأُصولية فالراجح أنّ الفقيه محمد بيرم الخامس هو الذي ساعده في ذلك(2). 
أمّا المرحلة الثانيةُ من مراحل التفكير الإسلامي في الدولة والدين في الأزمنة الحديثة، فرمْزُها الأزهريُّ، ومفتي مصر فيما بعد الشيخ محمد عبده(- 1905)، وذروتها تلميذه الشيخ علي عبد الرازق، وقد تقلبت بمحمد عبده الظروف كما هو معروفٌ بعد فشل الثورة العُرابية، واحتلال البريطانيين لمصر. وهكذا حمل قناعةً رافقته في منافيه ومناصبه وتتمثل في أمرين: إصلاح التربية والتعليم، وإصلاح الفكر الديني والمؤسَّسات الدينية؛ ولذا فقد نشط في مناحٍ مختلفة تصبُّ جميعاً في النهوض بالشأن الديني، ومن طريق الفكر الديني المستنير رأى الإسهام في النهوض الاجتماعي والسياسي والثقافي. لقد عمل على إصلاح المناهج بالأزهر، كما فسّر القرآن أو بدأ بذلك لأمرين اثنين: التأسيس لفكرة السُنَن في نهوض الأُمَم وانحطاطها، وظهور المدنيات واختفائها. والأمر الثاني: ضرب فكرة التقليد والثبات على القديم، وفتح باب الاجتهاد، والكشف عن قيم الإسـلام الأصيلة. ومـن ضمن تلك الكشـوف قولُهُ بالدولة المدنية، والحكم المـدني في الإسلام. فهناك –بحسب ما رأى في جداله مع فرح أنطون- تداخُلٌ بين الدين والدولة في التاريخ والحاضر؛ لكنّ الإسلام لا يقول بالدولة الثيوقراطية شأن التجربة الكاثوليكية في أوروبا الوسيطة؛ ذلك أنّ الشأن السياسي في الإسلام هو شأنٌ مدنيٌّ قائمٌ على العدالة والحرية(3). ومع أنه توفّي مبكّراً في عام 1905؛ فإنه أَلهم عشرات المصريين والعرب في إقامة المؤسسات التعليمية على النمط الحديث، وفي المشاركة في الثقافة النهضوية على النمط الأوروبي باعتبار أنّ عمليات التقدم هي من مقاصد الشريعة. وقد بلغ هذا النمط من التفكير إحدى ذُراهُ في كتاب تلميذه علي عبد الرازق: الإسلام وأصول الحكم (1925)، والذي رأى فيه أنّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم ما أتى ليقيم دولةً أو نظاماً سياسياً دينياً، بل كانت دعوته دعوةً دينيةً بحتة(4). 
أما المرحلةُ الثالثةُ من مراحل التفكير الإسلامي بالدولة والدين وعلائقهما فإنها تمتدُّ من عشرينيات القرن العشرين وإلى خمسينياته. وهي مرحلةٌ بزغت فيها الإحيائية الدينية الإسلامية، وسيطر فيها فكر الهوية، وأول مظاهر وظواهر هذه المرحلة الزاخرة أنّ السيد محمد رشيد رضا (- 1935) -أحد أقرب تلامذة محمد عبده إليه، وصاحب مجلة المنار الشهيرة- كان بين أوائل مَنْ ردُّوا على مصطفى كمال الذي فصل الخلافة عن السلطنة (1922) في وثيقةٍ مشهورة، في مقالاتٍ نشرها بمجلة المنار ثم جمعها تحت عنوان: الخلافة أو الإمامة العظمى، وقال فيها: إنّ الخلافة الإسلامية كانت دولةً دينية. قام مصطفى كمال بإلغاء الخلافة بتركيا عام 1924 وأنشأ الجمهورية العلمانية، والطريف أنّ ردود الفعل الأولى على إلغاء الخلافة جاءت من الهند ومصر، وهما بلدان ما كانا خاضِعَين للدولة العثمانية؛ مما يدلُّ على أنّ المسألة ما كانت مسألةَ دينٍ جرى النيلُ منه، أو أنّ مؤسسة سياسية/دينية تحطّمت؛ بل هو الشعور بالخوف على هوية المجتمعات والدول لدى قسم من النُخَب الطالعة إبّان نشوء الدولة الوطنية في حقبة ما بين الحربين. وهكذا صارت الإشكالية ليس كيف نتقدم، بل كيف نحافظ على هويتنا وديننا، ومن رموزه الخلافة(5). أما الظاهرة الأُخرى في هذه المرحلة، فهي نشوء حركات الهوية الدينية والثقافية مثل جماعة الإخوان المسلمين بمصر (1928)، وجمعية الشبان المسلمين (1927)، وحركة الشبيبة الإسلامية ببلاد الشام (1933)، وجماعة أنصار السنة، والجمعية الشرعية... الخ. وهي حركاتٌ وجماعاتٌ وجمعياتٌ ذات طابع دَعَوي وتربوي، ما لبثت أن تسيَّست أو تسيَّس بعضُها بالتدريج في مصر والشام والهند وجاوة وسومطرة وآسيا الوسطى على مدى العقود اللاحقة. وإلى جانب تربية الشبان على الإسلام، كان لها هدفان بارزان: مكافحة التغريب في الحياتين العامة والخاصة، ومكافحة الاستعمار والغزو السياسي والعسكري والثقافي(6). وقد شهدت هذه المرحلة افتراقاً تدريجياً بين التيارات الوطنية والأخرى الإسلامية، وذلك باستثناء بلدان المغرب العربي أو شمال إفريقيا؛ فإنّ انشقاقات النُخَب فيها بين الوطني والإسلامي تأخر إلى الخمسينات والستينات من القرن العشرين. 
أما المرحلة الرابعة والحاسمة من مراحل التفكير الإسلامي في علائق الدين بالدولة فتمتدُّ من مطالع الخمسينات من القرن الماضي، وإلى قيام الثورات العربية(2010). لقد استعلى واستعلن في العقود الثلاثة الأولى من هذه المرحلة -أي فيما بين الخمسينات والسبعينات- ما صار يُعرف بالصحوة الإسلامية، وسادت فيها فكرة النظام الإسلامي الكامل الذي تكاثرت أدبياته إلى حدود الإشباع، وتحولت خلال هذه العقود الثلاثة الحركات والجمعيات الإسلامية إلى أحزاب متينة البنية، وشامخة العنوان. وبحسب فكرة النظام الكامل هذا؛ فإنّ الإسلام هو نظامٌ شاملٌ للحياة في المجتمعات والدول من كلّ النواحي العقدية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وهو يقوم على ثلاث مقولات مترابطة: إحلال الشريعة محلَّ الأمة أساساً للمشروعية في المجتمع والدولة، أو ذلك هو السبيل الوحيد لكي يظلَّ المجتمع مسلماً والدولة إسلامية- وضرورة الدولة والنظام السياسي لبقاء الدين- والإيكال إلى الدولة بالتالي بمهمة أساسية من أجل الأمرين السابقَين، وهي تطبيق الشريعة أو حكم الله(7). فبحسب حسن البنا في الصياغات الأولى للأُطروحة؛ فإنّ الإسلام دينٌ ودنيا، ومصحفٌ وسيف(8)، وبحسب عبد القادر عودة: الدولة هي الدين والدينُ هو الدولة(9)، وبحسب المودودي وسيد قطب: سوادُ الدين في الدولة وعليّها هو حكم الله في الأرض. ومن أجل ذلك كان استخلاف الله للإنسان وللمؤمنين على الخصوص من بني الإنسان(10)، وهذا معنى حتمية الحلّ الإسلامي كما بلورها الشيخ يوسف القرضاوي في السبعينات من القرن الماضي(11).
لماذا كان هذا الاندغامُ بين الدين والدولة، أو لماذا صار كلٌّ منهما ضرورياً للآخر أو للأُخرى في نظر الإسلاميين؟ هناك ذاك الافتراق الحاصل في الثلاثينات والأربعينات بين النُخَب الوطنية والأُخرى الإسلامية، وقد تطور ذاك الافتراقُ إلى صِدامٍ بعد قيام حكومات الضباط في الخمسينات والستينات في سائر أنحاء العالمين العربي والإسلامي. وهناك الحرب الباردة التي اندلعت أواخر الأربعينات في العسكر والسياسة والاقتصاد والثقافة على مدى العالم، وكان العالم العربي والعالم الإسلامي من ساحاتها المشتعلة. وهناك المشكلات الكبرى التي حدثت وتفاقمت في بيئات الإسلام الحضارية والسياسية مثل احتلال فلسطين من جانب الصهاينة يعاونهم كلُّ الغربيين ولا يقاومهم الاتحاد السوفياتي. وهناك ترتيبات ومذابح انقسام المناطق الإسلامية الرئيسة عن الهند وإقامة دولة باكستان في تلك المناطق عام 1947. وهناك الأدبيات العلمانية واليسارية المعادية للدين والتي حمل لواءها مثقفون عربٌ ومسلمون كثيرون وتحالفت مع حكومات الضباط، أو مع أحد طرفي الحرب الباردة. وهناك الحروبُ الثقافية التي نشبت على هوامش الحرب الباردة واستُخدم فيها الإسلاميون مثلما استُخدم القوميون والشيوعيون. وهناك عجز الحكومات العسكرية واستبدادها، والتي أخرجت فئاتٍ شعبيةً واسعةً من دورة الإنتاج والحراك والحياة السياسية المتضائلة. وهناك أعمال القمع المباشر لذوي التوجهات الدينية من الشبان، والتي وضعتْهم ضمن جمهور الإسلاميين الذين شكّلوا حركات المعارضة الرئيسة للأنظمة العسكرية(12). وهناك أخيراً وليس آخِراً ضعف وعجز واستتباعُ المؤسَّسات الدينية السنية، وهو ضعفٌ وعجزٌ واستتباعٌ أفقدها كلَّ جاذبيةٍ وحجية، وترك عشرات الآلاف من ذوي الأمزجة الدينية حائرين بين الاستكانة لتهافُت تلك المؤسسات أو الذهاب إلى الجهاديين أو إلى الرحابة النسبية للإخوان ومتفرعاتهم(13).
على أنّ الثمانينات من القرن الماضي شهدت تطوراتٍ لافتة؛ فقد قامت الثورة الإسلامية في إيران ونجحت في إقامة نظام حكمٍ ثيوقراطي، أفكاره هي أفكار الإخوان في النظام الكامل؛ إنما له خصوصيةٌ آتيةٌ من المذهب الشيعي الجعفري، وقد تبلورت تلك الخصوصية في نظام "ولاية الفقيه". ووقتها ظهر ذلك التمييز بين الثيوقراطية الشيعية، والنوموقراطية السنية لدى الإسلاميين الحزبيين وغير الحزبيين.. والتطورُ الآخَرُ أو الثاني انقسامُ الإسلاميين إلى جهاديين بالداخل وتُجاه الخارج؛ ومتلائمين لا يُقرُّون العنف، وإن ظلُّوا مصرين على أسلمة المجتمع والدولة، من طريق المشاركة تحت سقف الأنظمة القائمة بحسب المُتاح والمقدور عليه. والتطور الثالث: انطلاقُ اجتهاداتٍ من جانب الإخوان والمفكرين القريبين منهم تمضي في أُطروحة التلاؤم ين الإسلاميين والأنظمة السائدة في تخلٍّ واضحٍ عن مسألة الحاكمية، والانفتاح على المسألة الديمقراطية. ومع أنّ ذلك الانفتاحَ ما كانت له نتائجُ فكريةٌ واضحةٌ؛ بل كانت نتائجه عملية؛ لكنّ أبرز جوانبه أو أعلامه: الشيخ محمد مهدي شمس الدين وقوله بولاية الأمة على نفسها(14)، وراشد الغنوشي والمعالم والقواعد التي بلورَها لديمقراطيةٍ إسلامية، أو ديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام(15).
على أنّ نهايات الحرب الباردة ما أسهمت في تطوير ذاك الانفتاح أو التشجيع عليه؛ فقد نشبت حربٌ عالميةٌ على العراق بعد غزوه للكويت، وأَعلن الأميركيون عن انبلاج زمن الهيمنة، هيمنتهم هم في عالم ما بعد الحرب الباردة، واشتداد قبضة الأنظمة العسكرية على الشعوب العربية، يدعمها الأميركيون. وطوال عشرين عاماً من الغزوات والاجتياحات، ما أمكن للإسلاميين -جهاديين ومتلائمين- أن يرتاحوا أو يجنوا ثمرات شعبيتهم المتزايدة. وصارت الحرب الداخلية على الإسلاميين حرباً عالميةً على الإرهاب، وقد دفع ذلك الباحث المصري الراحل نزيه الأيوبي في كتابه: تضخيم الدولة العربية(1994)(16) إلى القول: إنّ الانسداد في النظام العربي والدولة العربية سيستمر، وستتخلله تمردات إسلامية مسلَّحة تُخمد بسرعة، وسط القمع وتعطُّل سائر وظائف الدولة، ومساندة الأميركيين لتلك الأنظمة المستتبَعة في مواجهة الإسلاميين، والمعارضات الأُخرى.
-II-
مع قيام حركات التغيير والثورات دخلْنا بالطبع في زمنٍ آخر، ولا أريد الخوض في ذلك الآن؛ إنما لا بد من التنبيه إلى ثلاثة أمور: سواد شعارات الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، وهي شعاراتٌ بلغ من استتبابها أنّ مشيخة الأزهر -التي أصدرت بياناً عن مستقبل نظام الحكم في مصر- ذكرت -بعد النص على مرجعية الإسلام في النظام الجديد- أنّ نظام الحكم هذا ينبغي أن يكونَ دستورياً وعصرياً وديمقراطياً وتعددياً ومؤسَّساً على المواطنة. وقد كاد صائغو البيان -وهم مجموعةٌ من الشيوخ والمثقفين المسلمين والمسيحيين، وبينهم إخوانٌ وسلفيون- يذكرون بين سمات نظام الحكم أنه مدنيٌّ، لولا اعتراض الإخوان والسلفيين على ذلك باعتبار أنّ المدني يعني في أذهان الناس العلماني، وسأعود إلى ذلك بعد قليل. والأمر الثاني أنّ هذه الشعارات تراجعت كثيراً في الدرجة وليس في الذكر -وما أزال أتحدث عن مصر- إبان الحملة للاستفتاء على الإعلان الدستوري، ولصالح القضايا المتعلقة بالهوية الإسلامية لمصر والتي تتعرض للتهديد، رغم أنّ المادة الثانية في دستور العام 1971 -والتي تنصُّ على أنّ الإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع- ما كانت معروضةً للنقاش أو للاستفتاء. وحصل الأمر نفسُه في الحملة الانتخابية لمجلسَي الشعب والشورى؛ إذ عاد شعارا: (الإسلام هو الحلّ)، و(تطبيق الشريعة) إلى الارتفاع، ومن جانب الإخوان ومعهم السلفيون هذه المرة. ويحصل الأمر نفسُهُ هذه الأيام مع اقتراب مواعيد الاستفتاء على الدستور الجديد، والعودة لانتخاباتٍ لمجلسَي الشعب والشورى اللذين أبطلتْهما المحكمة الدستورية العليا. والأمر الثالث أنّ الثورات التي انخرط فيها الإسلاميون الحزبيون، وتبنَّوا شعاراتِها، ما دفعت مفكريهم حتى الآن -وهم الطرف الرئيس في بناء الأنظمة الجديدة- إلى مُراجعةٍ نقديةٍ لمقولاتهم العَقَدية السالفة الذكر في أزمنة الإقصاء والملاحقة، باستثناء بعض البيانات العامة للتلاؤم أو عدم التلاؤم مع النموذج التركي أو الإيراني.
استناداً إلى هذا كُلِّه أمامنا من الناحية الفكرية المقولتان: مقولة الإسلاميين التأسيسية ذات الأضلاع الثلاثة: الشريعة هي أساسُ المشروعية في الدولة والمجتمع، والدولة ضروريةٌ لحفظ الدين، ولها مهمةٌ دينيةٌ أساسية هي تطبيق الشريعة. أمّا المقولةُ الأُخرى؛ فهي: الدولة والدين في أزمنة التغيير: المنظورُ النهضويُّ ومتطلباته.
إنّ اللافت في نقاشات الإسلاميين -حزبيين وغير حزبيين بشأن علاقة الدين بالدولة فيما بين العشرينات والثمانينات من القرن الماضي- أنها كانت كلّها نقاشات عقدية، وهي نتاج فكر الهوية؛ فعلي عبد الرازق كان آخِرَ من استند إلى علوم الفقه والكلام ودروس التجربة التاريخية للأُمة في تتبُّع نشوء الخلافة ومسارها عبر العصور. أمّا الإسلاميون -وبينهم بالطبع فقهاء وعلماءُ كلامٍ ومؤرّخون وفقهاء دستوريون- فإنهم أقاموا مقولتهم كلَّها على القرآن، وعلى تأويلٍ خاصٍّ وعقائدي للآيات المعنية بشؤون الحكم والأمر والسلطة والاستخلاف والخلافة؛ فالأستاذ عبد القادر عودة -على سبيل المثال- وهو فقيهٌ كبيرٌ كما يبدو من كتابه في التشريع الجنائي الإسلامي- ما سلك مسلك الفقيه ولا المؤرّخ في كتابه أو بيانه القوي لصالح الدولة الإسلامية بعنوان: الإسلام وأوضاعنا السياسية(17). ويقال الأمرُ ذاتُه عن سائر كُتّاب الإسلاميين حتى الثمانينات من القرن الماضي، كما سبق القول. وأذكر أنه عندما كان أستاذنا محمد ضياء الدين الريّس يدرِّسُنا كتابه: النظريات السياسية الإسلامية(18) عام 1967 أنّ أحد زملائنا المصريين اعترض عليه وقال له: إنه يشتبه في علمانيته، وإلاّ فلماذا لا يقرر بشأن الدولة والإسلام ما قرره الشيخ محمد الغزالي وكفى؟! وما انزعج الدكتور الريّس بل تبسَّم وقال له: أُجيبك بما يجيب به الأستاذ محمود شاكر من لا يفهمونه: هذا سِنْخٌ وذاك سِنْخٌ آخر! فقال له الطالب: لقد زدْتَ الأمر غموضاً! نعم، بعد بيان الأستاذ سيد قطب: "معالم في الطريق" ما عاد هناك مقالٌ لقائل! كان الريّس – شأنه شأن الدارسين التقليديين للفكر الإسلامي -يفهم قول الماوردي (-450هـ): إن الإمامة موضوعةٌ لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا(19)- أنّ "موضوعة" معناها مصطَلَحٌ أو متفَقٌ عليها بين الجيل الإسلامي الأول، وليست شأناً دينياً او مُوحىً به، وأنّ مهمتَها الأساسية سياسة الدنيا أو إدارة الشأن العام. وأنّ حراسة الدين كما فسّرها الماوردي تعني صَونه على أعرافه وأُصوله المستقرة؛ أي بالمفهوم الحديث -والكلام ما يزال للريس- صون الحريات الدينية في العقيدة والعبادة، فلا تدخُّلَ للدولة في الشأن الديني، ولا تدخل للفقهاء في إدارة الشأن العام، والمجالان متصالحان منذ انتهاء مسألة خلق القرآن في القرن الثالث الهجري. أمّا أساسُ الشرعية -ما دامت الإمامةُ قائمةً على الاختيار- فهو الأُمّة التي يرُشِّحُ أهل الحلّ والعقد فيها من يصلح أو يصلحون لها بحسب شروطٍ وسماتٍ حدَّدها الماوردي. وقد انتقد إمام الحرمين الجويني (-478هـ) المعاصر للماوردي في "غياث الأُمَم"(20) تصورات الماوردي وتقريراته في عدة مسائل؛ من بينها قوله: إنّ أصل السلطة أو الإمامة أو أصل مشروعيتها العقل والنقل، والواقع أنّ أصلَها -ما دامت قائمةً على الاختيار من الأمة- هو الشورى والإجماع. وقد اعتبر الجويني أنّ سبب وهم الماوردي هو تأثُّرُهُ بعَقَديات المتكلمين وجدالاتهم مع الشيعة الذين يعدّون الإمامةَ من أُصول الدين. والأمر ليس كذلك، لا في أصل الإمامة، ولا في مهامِّها؛ فعلى المتكلمين أن يَدَعوا الإمامةَ وشأنَها؛ لأنّ أصلَها الأمةُ والجماعةُ، كما أنّ مهامَّها مصلحيةٌ وتدبيريةٌ وليست دينيةً أو اعتقادية، وشأن المتكلمين أو اللاهوتيين الاهتمامُ بالأمور العقدية دون المصلحية. والطريف أنّ المتكلمين ظلُّوا مُصرّين على إيراد بابٍ في الإمامة في آخِر كتبهم، ينصُّون في أوله على أنّ الإمامة ليست من الأمور التعبدية؛ بل هي من الشؤون المصلحية والتدبيرية، التي يكثر فيها الاجتهاد والرأي وتوخّي المصالح، ويخالطه الخطأ والصواب، وهذا ليس شأن التقريرات في العقائد. ومنذ القديم أُثيرت شُبُهاتٌ بشأن قدسية الإمامة أو عدم قدسيتها لثلاثة أسباب: أنّ الدولة في الإسلام نشأت في زمن النبوة، وأنّ الخلفاء وشعراءَهم وفقهاءهم عبر العصور أضْفَوا على السلطة -كل سلطة- طابعاً قدسياً (أًوَلم يلقّب الأمويون منذ عبد الملك بن مروان، والعباسيون أنفسهم على نقودهم بلقب خلفاء الله؟!)، وأنّ الإمامة تقوم بإنفاذ شرع الله، فتكون لها قدسية بسبب قداسة المهمة القائمة عليها. لكنّ النبي عليه الصلاةُ والسلام ما سلك في الشؤون الدنيوية مسلكَهُ في الشؤون التعبدية؛ فقد كان يذكر في العبادات أنها فرائض إلهيةٌ؛ بينما كان يستشير في الشأن الدنيوي الناسَ وأصحابَهُ وأصحاب الخبرة في المجال. وقد سلك في الحرب والسلم والممتلكات والتنظيمات المالية مسالكَ مختلفةً في الأوقات المختلفة، وليس هناك أثرٌ أو حجية تشريعية لتصرفات الأئمة والخلفاء حتى في زمن الراشدين؛ بدليل أنّ كلاًّ منهم سلك مسالك خاصةً به وبعهده وزمنه تبعاً لإدراك المصالح ورعايتها. أما حُجّةُ القيام على الشريعة وتطبيقها فقد أجاب عنها كلٌّ من الجويني وتلميذه الغزالي؛ فالدولةُ في الإسلام ما كان لها حق التشريع لا باسم الله، ولا باسم هذا الخليفة أو ذاك؛ بل كان الفقهاء أو علماء هذا المذهب أو ذاك هم القائمين بذلك. ومنذ القرن الرابع الهجري وإلى نهاية المرحلة الكلاسيكية كانت هناك شكوى من الفقهاء لتدخُّل السياسة في الشريعة بالتجاوُز من جانب السلطات في قضايا العقوبات والتعزيرات، وفي قضايا المالَين الخاصّ والعام(21). ونحن نعرفُ الآن أنّ السلطان سليمان "القانوني" كان يصدر أوامر ذات صبغةٍ تشريعيةٍ أثارت تذمراتٍ كثيرةً لتأثيرها في حقوق الناس أو بعض فئاتهم، وهكذا اضطُرَّ للعودة إلى شيخ الإسلام أبي السعود لتصفُّح تلك "المعروضات" والموافقة أو الردّ. فالسلطة السياسية -سواءٌ أكانت خلافةً أم سلطنةً أم الأمرين معاً- ما كان لها تدخُّلٌ مشروعٌ أو له أثر تشريعي في الشأن الفقهي أو القانوني. وعندما كان ذلك يحصل فإنه لا يخلِّف أثراً، ولا يشكّل سابقةً يمكن اللجوء إليها أمام القضاء. وقد جرت نقاشاتٌ وصدرت أوامر سلطانيةٌ عثمانية مختلفة على مدى قرنٍ ونصف بشأن "وقف النقود" -وهو شأنٌ تدبيريٌّ محضٌ وإن استند لدوافع دينية وحسبية- وما سرى في النهاية إلاّ بعد أن توافق على مشروعيته أهل الاختصاص(22).
ما نزال في الحِقَب الكلاسيكية، ويتعلق الأمر بطبيعة السلطة وأساس شرعيتها، كما يتعلق بمهامِّها. وما كان الأمر يستحقُّ هذا القَدْرَ من الجدال لولا مصاعبُ ومآسي المائة عامٍ الأخيرة على إنساننا وديننا وإدارة شأننا العام. وقد كانت هذه الأمور واضحةً إلى حدٍ كبير عندما قرّر الشيخ محمد عبده في جداله مع فرح أنطون أنّ السلطة في الإسلام -أي في الرؤية والتجربة التاريخية للأمة- مَدَنية، وقد قال لنا الشيخ محمد أبو زهرة في أحد دروسه بالأزهر في أواخر الستينات من القرن الماضي: إنّ رأي الشيخ عبده صحيح، أمّا تعليلُهُ (لقوله: إنّ السلطة في الإسلام مدنية) بأن الإسلام لم يعرف سلطةً كهنوتية، فهو ضعيفٌ؛ لأنّ السلطة الكهنوتية أو سلطة رجال الدين ليست الصيغة الوحيدة للدولة الدينية. فاعتبار الدين أو الشريعة المعصومة أساس السلطة أو مصدر شرعيتها أو تعليق الشرعية على ذلك، وليس على إرادة الأمة، هو قولٌ بالدولة الدينية أيضاً! وعندما سأله طالبٌ عن سبب عدم تنبُّه عبده لذلك، أجاب الشيخ ساخراً: لأنّ الإمام ما عرف وقتَها ما عرفه الشيخ حسن البنا والشيخ حسن مأمون فيما بعد! وقد دخل الإسلاميون في هذا النزوع التأصيلي للشرعية والمشروعية، والذي أفضى إلى انحرافٍ خطيرٍ في الفكر والنظر إلى الأمة وسلطتها منذ الأربعينات من القرن العشرين لعدة أسباب؛ منها الخوفُ من الوقوع فيما وقع فيه الغربيون في زمانين: في الزمن الوسيط حيث أقاموا السلطة على الحق الإلهي للباباوات أو للملوك، وفي الأزمنة الحديثة -أي أزمنة الدولة القومية- حيث راهنوا الدولة بفصلها عن الدين، وإعطائها سلطاتٍ مطلقةً بما في ذلك سلطة التشريع، وصَوغ القوانين وإنفاذها. وقد شهدوا في الثلاثينات والأربعينات وما بعد سطوة الشعبويات الهائلة في الفاشيات من جهة، ثم في الشيوعيات من جهةٍ ثانية. وفي كلتا الحالتين تظهر الحشود والجماهير بوصفها كائناتٍ جبّارةً وأُسطورية القوة والسطوة، والتي تتركز في النهاية في أيدي طُغاةٍ وجبّارين -بحسب التصوير القرآني- بيدهم حقُّ الإرغام المطلق بمقتضى سلطة الشعب أو السلطة الشعبية، وبمقتضى السلطات التي تعطيهم إياها القوانين النافذة، والتي يكون قد صاغها لهم أو لمن سبقوهم بشرٌ مثلهم وتخوّلهم السيادة على رقاب العباد وزعامة البلاد. ولا ننسى أنّ الإسلاميين ومنذ التكون النظري والأيديولوجي في الأربعينات، وإلى مشارف الثورات العربية عام 2010، ما كانوا خارج السلطة وفي مواجهتها بالدرجة الأُولى، بقدر ما كانوا في وعيهم خارج التيار الرئيس للجمهور وفي الزمنين الدستوري والشمولي. ولهذه الأسباب كلِّها تشكّل وَعْيُهُم حتّى بالتجربة الإسلامية الكلاسيكية باعتبارها النقيض أو ينبغي أن تكون النقيض للتجربة الغربية سواء في التعامُل مع الدين أو التعامل مع الشأن السياسي وبناء الدولة. ومن هنا نفهم أسباب الخوف من الديمقراطية وسلطـة الأمة، والتي لا تقلُّ عن الخوف من طغيان الحاكم الفرد. وقد مرَّ النهضويون المسلمون بتجربةٍ مختلفة، ولذلك تقدم خوفُهُم من جبروت الحكم الفردي، وأرادوا – شأن التجربة الغربية القائمة على الدستور وفصل السلطات- تقييد سلطات الحاكم، وأعادوا تأويل "الشورى" وإعطاءها مدلولاتٍ سياسيةً ما عادت لها منذ دهور، بحيث تعني فصل السلطات وتقييد سلطة أولي الأمر بالدستور، والحكومة المسؤولة، ومجالس الشورى المنتَخَبة الشبيهة على بُعدٍ أو قُربٍ بالبرلمانات الغربية(23). وهكذا أنتج السياق التاريخي خلال حوالي نصف القرن تفسيرين مختلفين بل متناقضين للنصوص نفسِها. فالنهضويون العرب والمسلمون كانوا يشهدون -من خلال الرحلات للدراسة والاستطلاع، ومن خلال الإدارات الاستعمارية المباشرة- الجوانب المختلفة للتجربة الأوروبية العسكرية والسياسية والقانونية والثقافية. وقد شجعتهم جوانبها الإيجابية على الاستلهام والتقليد أحياناً، وساعدهم في ذلك أمران: أنهم ما اعتبروا التجربة الأوروبية في مجال علاقة الدين بالدولة حقيقةً بالاتّباع لا في زمانها الوسيط ولا في زمانها الحديث. والأمر الثاني أنهم ما كانوا يملكون مشروعاً سياسياً إسلامياً خاصاً بهم، فلم يدخلوا في عمليات الصراع على السلطة، وإنما دعموا أو دعم بعضهم تياراتٍ سياسيةً وثقافيةً قائمة، بل وشاركوا أحياناً في إطلاقها أو تطويرها. أمّا في زمن الهوية وفكرها وعقائدياتها؛ فإنّ الإسلاميين بدأوا يعملون على مشروعٍ سياسيٍّ مناقضٍ للفكر الغربي والتجربة الغربية، بعد أن حاولوا أو حاول بعضهم الدخول في التجربة السياسية القائمة وقتها وفشلوا. وقد استظهرتُ في بعض كتبي(24) أننا كنا سنشهد تجربةً إسلاميةً معاصرةً مختلفةً سواء في التفكير بطبيعة السلطة والدولة، وعلاقة الجمهور بالدين، أو علاقة الشريعة بالقانون، لو أنّ الإسلاميين الأوائل الذين خاضوا التجارب الانتخابية أو الوزارية أو تعاونوا مع حكومات الضباط الشعبوية فيما بعد حقّقوا شيئاً من النجاح. لكنْ من جهةٍ أُخرى كان الزمان زمان عقائدياتٍ وشمولياتٍ حتى لدى الذين كانوا يعدّون أنفسهم أحراراً وليبراليين وعلمانيين في الخمسينات والستينات، فكيف بذوي الأمزجة والتوجهات الدينية. وإذا كان كلُّ الضبّاط العرب يستطيعون أن يكونوا زعماء أوحديين وقادةً خالدين، ومعبودي جماهير، والميّت من بينهم مَثَلٌ، والحيُّ منهم أَمَل. وإذا كان التاريخ قبل ذلك وبعده حافلاً بالحتميات التي تنتهي إلى انتصار الشعوب من خلالهم وحدهم، فلماذا لا يكون الحقُّ في طريقٍ ثالثٍ أو رابع غير الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية، ولماذا لا يكون الحقُّ والصواب التاريخي الكبير في حتميةٍ مُضادّةٍ إلهية المصدر هي الحتمية الإسلامية أو حتمية الحلّ الإسلامي، بحسب تعبير الشيخ القرضاوي(25)؟!
انتهت أنظارُ الأيديولوجيين الإسلاميين إذن حزبيين وغير حزبيين إلى إحلال الشريعة محلَّ الأمة(26) بوصفها المرجعية العليا ومصدر المشروعية والسلطات باعتبار أصلها الإلهي وباعتبار أنّ الناس مَخوفون على الدين أيضاً، وليس طغاة الحكام ومتغربوهم فقط، بدلاً من أن يكونوا حامليه وحاضنيه! ولأنهم قالوا بتطبيق الشريعة لتحقيق الحلّ الإسلامي بالفعل، فإنهم أعطَوها صفة القانون وقوته الإلزامية، وكيف لا تكون الشريعةُ ملزِمةً وهي ذاتُ الأصل الإلهي؟ ثم إنه لا بد من أداةٍ للتنفيذ، ولا أداة في هذه الحالة إلاّ الدولة، التي توكَلُ إليها مهمة صَون الدين، وتطبيق شريعته. وهذا تصوُّرٌ متنافر الأجزاء وملفَّق من التجارب الأوروبية الوسيطة والحديثة، ومما اعتبروه الصورةَ الصحيحة لنظام الحكم في الإسلام بحسب القرآن وتجربة النبي والراشدين. إنّ أفظع ما في هذا التصور أو النموذج العقائدي أمران: أنه يسلب الشريعة والسلطة من الأمة ويضعُهما في مواجهتها، وأنه يضع الدين وشريعته بيد السلطة السياسية. وضرر المقولة الأولى -أي أنّ الشريعة مصدر السلطات بدلاً من الأمة- هو أنه يضع الشريعة خارج الأمة بدلاً من أن تظل حاضنةً لها، ويحوّل الشريعة إلى سلطةٍ قامعةٍ باسم الله، فيسيء إلى الدين وقيمه الأخلاقية. وضرر المقولة الثانية أنها تضع الدين في يد السلطة السياسية بحجة الحاجة لتطبيقه، فيتحول إلى سوطٍ بيدها باسم الله. وإذا كنا ما استطعنا الخلاص من القذافي على مدى أربعين عاماً رغم أنه ما كان بيده غير الكتاب الأخضر، واللجان الثورية، فكيف إذا صار القرآن بتصرف السلطة السياسية؟! وبالطبع؛ فإنه حتى صورة الإسلاميين هذه عن التجربة الإسلامية الوسيطة في علاقة الدين بالدولة غير صحيحة. فدولتا الخلافة والسلطنة ما كانتا -حتى في نظر الفقهاء- قائمتين على الشريعة ولا كان التشريع بيدهما. فالشريعة -وهي مكوَّنةٌ من عقائد وعبادات وأخلاقيات ومعاملات- كانت بيد المتكلمين وعلماء الأصول، أما التشريع فكان بيد الفقهاء، والفرق معلومٌ وشاسعٌ بين الشريعة والفقه، وبخاصةٍ أنّ من مصادر التشريع الفقهي الإجماع، والطريقة الرئيسة لاستنباط الأحكام أو إنشائها هي الاجتهاد. وعلى أيِّ حالٍ؛ فإنّ الزمان غير الزمان، والتجربة غير التجربة، ولا داعي للتقليد أو للتأصيل -كما فعل الإسلاميون- ولا للقطيعة كما فعل مثقفونا الكبار في المرحلة الماضية: فـ﴿تلك أمةٌ لها ما كسَبت ولكم ما كسَبتم ولا تُسألون عمّا كانوا يعملون﴾(البقرة: 134). وإنما يُهمنا التصور الرئيس الذي تقتضيه التجربة التاريخية لأمتنا وفيها القرآن والرسول والخلافة والصدّيقون والطالحون والطغاة والورِعون، والشريعة والقانون، ولها منطقها الداخليُّ والعام. وفيها أنّ الأمة مصدر السلطات المصلحية والتدبيرية والاصطلاحية. وهي تحتضن القرآن والدينَ والشريعةَ ومنظومتها الأخلاقية. وتختلف علائقها بالشأن الديني عن علائقها بالشأن السياسي. فالدين خيارٌ فرديٌّ حُرٌّ ولا سلطة لأحدٍ فيه أو عليه؛ بيد أنّ الأمر الدينيَّ العامّ -الشعائريَّ والأخلاقيَّ في الإرشاد العام والفتوى والتعليم- تولت تدبيره في التاريخ والحاضر مؤسَّساتٌ دينيةٌ ما توافرت لها القُدسيةُ بالطبع، وأحياناً ما توافرت لها الكفاءة، كما خضعت في كثيرٍ من الأحيان لأرباب الأمر السياسي؛ ولذلك استطاع الإسلاميون تحدّيَها، كما استطاعوا تجاوُزَها في الكثير من الأحيان في الأزمنة المعاصرة بسبب جماهيريتهم المستجدة، وبسبب سوء علاقة الجمهور بالسلطات، وحُسْن علاقة رجالات المؤسسة الدينية بتلك السلطات، أو تبعيتهم لها.
إنّ التصور الإسلامي المنفتح والإصلاحي في الزمن الجديد حيث يستعيد الناس إدارة شأنهم العام: أنه لا حكم عليهم غير حكم حقهم ومصالحهم ورُشدهم التدبيري في صون المصالح العامة وتطويرها، وفي إنتاج المؤسسات المؤهلة لذاك الصون والتدبير والإدارة. ولذا فمن الطبعي أن يكون خيارُهُم عصرياً ودستورياً وتعددياً وديمقراطياً ومؤسَّساً على مبدأ المواطنة كما ظهر في شعارات الثورات، وكما جاء في وثيقة الأزهر. أما الإدارة العامة للشأن الديني فينبغي التفكير فيها في زمن الحرية بطريقةٍ مختلفةٍ، فلا نسارع إلى الحكم على المؤسسة بالفشل أو الإبطال. ليس المطلوب التقديس أو العصمة كالكاثوليك والشيعة، ولا التذرُّر كما عند البروتستانت، بل المطلوب منها ولها الاستقلال والحرية والتجديد والنهوض للإقدار على القيام بالوظائف الأربع الباقية: قيادة العبادات، والفتوى، والتعليم الديني، والإرشاد العام. أمّا الإبطال أو المزيد من الزعزعة فلا يصحُّ ولا يستقيم؛ لأنّ ذلك يوقعُنا في مشكلةٍ أكبر، وهي إمكانُ استيلاء أهل السلطة بالفعل على الدين، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إيقاع الدين لجهات العقيدة والعبادة والفتوى والتعليم في أيدي الحزبيين الإسلاميين أو المتشددين الدينيين الذين انصرفوا في السنتين الماضيتين -وقبل ذلك- إلى تحدي عقائدنا وعباداتنا وأعرافنا، وأساءوا إلى حريات الناس وحقوقهم وكراماتهم. فلنفكر جيداً بالدين في زمن الحرية، بحسب تعبير مارسل غوشيه(27). إنّ الدين حاضنٌ ومحضونٌ من جانب جماعة المسلمين، ولا حقَّ للسلطات منتخبةً كانت أو غير منتخبة في التدخل فيه انتصاراً أو معارضة؛ لأنه عباداتٌ مفروضة، وأخلاقياتٌ وقيمٌ عامةٌ هي خيارات الأفراد، ونتاجُ التقاء تلك الخيارات على المستوى الجمعي كان الدين العام في التاريخ والحاضر، وهذا الدين العام هو الذي يكون على السلطات صَونُهُ أو حراسته بحسب تعبير الماوردي، من ضمن حراستها للحريات والحقوق الأساسية للناس، وليس أكثر.
-III-
ثالثاً: إنّ المنظور الكبير لتجربتنا التاريخية إذن، يعدّ الأمة مصدر السلطات، أو مصدر الشرعية للنظام كُلِّه. وما دام الأساسُ واضحاً، فلا حاجة للتلفيق أو التوفيق بين التصورات القروسطية والأُخرى الحديثة كما فعل أكثر المنظِّرين للدولة الإسلامية في الأزمنة الحديثة والمعاصرة. وأبلغُ الأدلة على ذلك أنّ شباب الثورات طرحوا هذه الشعارات التي تُنشئُ مجتمعاً سياسياً عصرياً، ودولةً مدنيةً، فنزل الجمهور معهم إلى الشارع. لكنّ زمن ما بعد الأنظمة الجمهورية الخالدة -وليس زمن ما بعد الثورات- دفع بالإسلام السياسي إلى الواجهة، وأخرج الإسلامُ السياسيُّ من جيوبه السرية والعلنية إشكاليات المرحلة السابقة، ومنها الإقصاء والقطيعة والإحيائية والتوتُّر بقصد الوصول للسلطة والاحتفاظ بها دونما مراجعةٍ لمقولات زمن ما قبل الثورات؛ فانهمك الجميعُ -الخصومُ والأصدقاءُ، وغير الخصوم والأصدقاء- في نقاش تلك الإشكاليات، وهي في الحقيقة جروحٌ غائرةٌ في الهوية والوعي والواقع. ولأنّ الشأن العامَّ وإدارتَه يُهمّان كلَّ الناس، وكلُّهم متيقظون؛ فليست هناك خشيةٌ في المدى المتوسط على الدولة والمجتمع السياسي الجديد(28)، وإنما الخشية -بخلاف ما يعتقد كثيرون- على الدين ذاته؛ فلدينا الشعبوية الزاخرة للإخوان، والانفجاراتُ الصاعقةُ للسلفيين، وكلا الطرفين يستخدم الدين بكثافةٍ واستماتةٍ من أجل إدخاله في بطن الدولة، واستعماله في الصراع على السلطة. وتارةً باسم أسلمة الدولة، وطوراً باسم تصحيح عقائد الناس وممارساتهم الدينية! والدين واقعٌ في قلب المجتمع، وهو جوهر نسيجه القيمي والاجتماعي والثقافي والإنساني. ومعدةُ الدولة قاسيةٌ وفتّاكةٌ وهي حَرِيّةٌ أن تُفتّت الدين، فينقسم اجتماعنا الإنساني ويتشرذم، وهذا فضلاً عمّا يُحدثُهُ ذلك من رِدّةٍ في المدى المنظور على التديُّن والمتدينين، وعلى الفئات الاجتماعية والسياسية الأُخرى. فالخطر على الدين في المرحلة التاريخية التي تمر بها مجتمعاتنا آتٍ من ثلاث جهات: جهة القول بامتلاك الدين نظاماً كاملاً في السياسة والاقتصاد، وجهة القول بتطبيق الشريعة من أجل تصحيح النظام العقدي والتشريعي أو إكماله، وإحقاق نظريته السياسية والاقتصادية. وأخيراً لجهة استخدام الدين في الصراع على السلطة بحيث يقول هذا الطرف للمواطن: انتخبْني لأنّ ديني أصحّ أو أفضل، ويقول ذاك الطرف: بل انتخبني وخُذْ برنامجي لأنه أفضلُ من الناحية الدينية. إنّ القول بوجود نظامٍ للحكم وللاقتصاد في الإسلام هو تكليفٌ له بما لا يُطاق، كما يقول المتكلمون المسلمون. وقد تبيَّن العجزُ عن ذلك بمسارعة الإخوان بعد انتخاب د. مرسي إلى التحول للقول بالدولة المدنية، بعد أن قضَوا دهراً يجادلون في ذلك بحجة الاشتباه بين المدني والعلماني. كما تبيّن العجز في المجال الاقتصادي بالمسارعة للتخلّي عن مقولة الاقتصاد الإسلامي إلى طلب الاقتراض المباشر من صندوق النقد الدولي. وفي الأمرين هناك تلاؤمٌ سريعٌ وإيجابي في نظر الأصدقاء والحلفاء؛ إنما ما الذي يُحدثُهُ ذلك في وعي الجمهور الحزبي والمتديِّن؟ إنّ الخشية هنا لا تأتي من عقائدية الإخوان، ولا من عقائدية السلفيين (الذين سارعوا بدورهم لتشكيل أحزاب سياسية، وخوض الانتخابات، بعد أن كانوا يحرّمون الحزبية ويحرّمون الانتخابات!)؛ بل تأتي من هذه البراغماتية الصاعقة إن لم نقل أكثر. وقد بدأْتُ بأُطروحة النظام الكامل لاتصالها المباشر برؤية الدولة وإدارة الشأن العامّ؛ وإلاّ فإنّ أُطروحة "تطبيق الشريعة" هي الأخطَرُ على الدين بالذات. لقد أراد الإسلاميون منذ أيام حسن البنّا الخروجَ من علمانية الفصل بين الدين والدولة، والتي سمّاها سيّد قطب: الفصام النكِد. لكنّ مقولة "تطبيق الشريعة" تفعل العكس في الواقع؛ لأنها تفصل الشريعة والدين عن المجتمع، ثم تعيد فرضهما عليه بصيغٍ حزبيةٍ من طريق الدولة والسلطة. وهكذا تُحول الشريعة إلى أيديولوجيات سلطوية، وتُعطي السلطان السياسي سلطاتٍ ومهامَّ دينية، وتزعُمُ أنّ إيمان ودينَ دولة المسلمين ومجتمعاتهم ناقصان غفلةً وجهلاً أو كفراً، ولا بد من استعادتهما. وهذا في حين يقول الله عزَّ وجلَّ في سورة المائدة: 3 ﴿اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتم عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينا﴾، ثم لماذا قامت الثورات؟ هل قامت لإكمال الدين أو تطبيقه، أم قامت لتحسين إدارة الشأن العامّ وإصلاحها؟! ما كان الإسلام ولا كانت شريعته سائدةً في مجتمعات المسلمين وفي العالم منذ آمادٍ وآمادٍ كما هي اليوم. فلماذا هذا الخَطَلُ الذي يستمرُّ في الرؤى والمفاهيم، وهو خَطَلٌ يشكّل خطراً على الدين وشريعته، وعلى مجتمعاتنا وسلامتها الدينية والقيمية والإنسانية. هل هي ثورةٌ ثقافيةٌ استئصالية على شاكلة ثورتي ماوتسي تونغ وكيم إيل سونغ ذواتي الادعاء الإطلاقي غير الإنساني؟! أمّا الإسراف في استخدام الدين في الصراع الديني والسياسي أو التنافُس على السلطة في الدولة والمجتمع فقد قسّم في هذه الفترة القصيرة -في تونس وليبيا ومصر واليمن وربما في مواطن أُخرى- بيوتاتٍ وأُسَراً وجماعاتٍ منا، ونوشك ألاّ نصلّيَ معاً، وألاّ نعتقد العقائد ذاتها، ولا نمارس الشعائر ذاتَها!
إنّ هذا كلَّه لا يكفي في تعليله الطغيانُ السابقُ، ولا الحملاتُ الغربيةُ على الإسلام؛ بل هناك خوفٌ جارفٌ على الهوية الإسلامية لدى جمهورٍ عريض، وهناك خوفٌ جارفٌ من الإسلام من جانب مثقفين عربٍ ومسلمين كثيرين، وهذا فضلاً عن العالم ومجتمعاته من حولنا. لقد نشر أُستاذنا الدكتور طه عبد الرحمن كتاباً مهماً في فلسفة الدين قبل أشهُر اسمه: "روح الدين"(29)، ومن ضمن ما يخشى فيه من العلمانية أنها تُخرج الدين وأخلاقَه وتأثيراته ليس من الدولة فقط؛ بل ومن المجتمع أيضاً. ولستُ أدري كيف يكونُ ذلك ممكناً ما دام الدين، وما دامت منظومته القيمية مُدخلةً في سَمْت الأفراد والجماعات والمجتمعات، وكانت وستظلُّ مؤثّرةً بطرائق مباشرة وغير مباشرة في اجتماعنا الإنساني والدولي، ولا خوف عليها من العلمانية وسواها من الدهريات، إلاّ إذا سلكْنا مع الدين والمجتمع المسلكَ أو المسالك التي ينتهجها الإسلاميون، فلنخرُجْ من الإسلام السياسي، لتبقى لإسلامنا سكينته ووحدتُه ووظائفه الشعائرية والقيمية، فيبقى له سوادُهُ الأعظم، بحسب تعبير الإمام أبي حنيفة. أمّا مثقفونا الذين يخشون من الإسلام، فقد قضَوا العقود الخمسة الأخيرة وهم يحاولون تحريرنا من الإسلام أو تحريرَ الإسلام منا. وقد أنهت الثورات تلك الأوهام العُصابية، وإن يكن علينا الاعتراف أننا نقعُ في خِضمِّ مرحلةٍ تغصُّ باختلاط المفاهيم والتباسها في علاقتنا بموروثنا الديني والثقافي والحضاري. إننا مفتقرون ومفتقدون لنهوضٍ كبير، وعملٍ كثير على الوعي العامّ والوعي الثقافي بالدين ورمزياته التي تتلبّسُ لبوساً شعائرياً غلاَّباً. فالرمزي يصبح عندما يتوتّر شعائرياً، والشعائري يتلبس لبوس الاعتقاد، والاعتقاد في زمن التحولات الكبرى يتحول إلى مقولاتٍ مطلقة. لقد قسّمت عقود القرن العشرين السوداء إسلام السواد الأعظم من المسلمين -أي أهل السنة والجماعة- إلى ثلاثة اتجاهاتٍ هي: السلفية والإخوانية والصوفية وديننا الواحد حتى الآن يوشك أن يصبح تحت وهج السلطة أدياناً متنابذة، أو تدخُلَ فِرَقُهُ في صراعٍ عنيف فيما بينها كحال الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت على مدى ثلاثمائة عام.
وهناك المثل القائل: "لا تتنازعوا على جلد الدبِّ قبل صيده"؛ لكنّ الواقع عندنا أنّ الدبَّ قد جرى اصطيادُه؛ في حين يفترق الناس من حوله إلى ثلاث فِرق: فرقة تعترف بالاصطياد؛ لكنها تنظر إلى الدبّ فتجدَه من دون جلد. وفرقة ترى أنّ عملية الصيد لم تقع بعد. في حين ترى فرقةٌ ثالثةٌ أن الدبَّ غير موجودٍ أصلاً!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شذرات الطهطاوي السياسية موزعة في تخليص الإبريز (1834)، والمرشد الأمين للبنات والبنين(1872)، ومناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية(1847). وهي منشورةٌ عدة مرات، ونرجع هنا إلى نشرة محمد عمارة للأعمال الكاملة للطهطاوي، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر (1973-1977). وقارن بفهمي جدعان: أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العصر الحديث، بيروت، 1981، 118- 122، ورضوان السيد: سياسيات الإسلام المعاصر. بيروت: دار الكتاب العربي، 1997، ص244-247، وعبد الإله بلقزيز: الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، 2004، ص41-43.
(2) خير الدين التونسي: مقدمة أقوم المسالك إلى معرفة أحوال الممالك، تحقيق المنصف الشنوفي، تونس، الدار التونسية، 1972، ص49-53. وقارن برضوان السيد: سياسيات الإسلام المعاصر، مرجع سابق، ص243-246، وعبد الإله بلقزيز: الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر، مرجع سابق، 41-43.
(3) الأعمال الكاملة لمحمد عبده، دراسة وتحقيق محمد عمارة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر (5 أجزاء، 1972-1973). وأعمال الإصلاح الفكري والتربوي في الجزء الثالث. وقارن بمحمد عبده: الإسلام بين العلم والمدنية، دمشق، دار المدى، 2002. وللأستاذ محمد الحدّاد دراساتٌ تجديديةٌ عن فكر محمد عبده رجعتُ إليها هنا في التقييم العام. وقارن بعبد الإله بلقزيز: الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر، مرجع سابق، ص48- 52.
(4) علي عبد الرازق: الإسلام وأصول الحكم (وردود الطاهر بن عاشور ومحمد الخضر حسين عليه)، تقديم رضوان السيد، بيروت، دار جداول، 2011. ودعوة الإسلام في زمن النبي عند علي عبد الرازق: "رسالةٌ لا حكم، ودينٌ لا دولة" (ص82). وقارن بوجيه كوثراني: الدولة والخلافة في الخطاب العربي إبّان الثـورة الكماليـة، بيروت، دار الطليعة، 1996 (ص 52 وما بعدها)، وفهمي جدعان: نظريات الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر؛ في غسان سلامة وجياكومو لوشياني: الأمة والدولة والاندماج في الوطن العربي، الجزء الأول، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1989، ص107-138.
(5) وجيه كوثراني: الدولة والخلافة، مرجع سابق (ص 47 وما بعدها)، وعبد الإله بلقزيز: الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر، مرجع سابق، ص83 وما بعدها. 
(6) رضوان السيد: سياسيات الإسلام المعاصر، مرجع سابق، ص171-180، 182- 183. وانظر علي أومليل: الإصلاحية العربية والدولة الوطنية، بيروت، دار التنوير، 1985، ص172.
(7) قارن بمحمد يوسف موسى: نظام الحكم في الإسلام، 1955، ص89-116، ومحمد المبارك: نظام الإسلام، الحكم والدولة، بيروت: دار الفكر، الطبعة الرابعة، 1981، ص12-18. وانظر رضوان السيد: الدين والدنيا والدين والدولة في الإسلام المعاصر؛ بمجلة التسامح العُمانية، م 19، 2007، ص12-22.
(8) محمد عبد القادر أبو فارس: الفقه السياسي عند الإمام الشهيد حسن البنا، عمان: دار عمار، 1999، ص32، 42. وبراق زكريا: الشريعة والدولة في الفكر الإسلامي المعاصر، أطروحة ماجستير 2012، غير منشورة؛ ص152-170. وانظر نبيل عبد الفتاح: المصحف والسيف، صراع الدين والدولة في مصر، القاهرة، مكتبة مدبولي، من دون تاريخ، ص36-38.
(9) عبد القادر عودة: الإسلام وأوضاعنا السياسية، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة، دون تاريخ، ص5-6، 283-295. وقارن بنزيه الأيوبي: العرب ومشكلة الدولة، بيروت، دار الساقي، 1992. وانظر للقرضاوي: من فقه الدولة في الإسلام، القاهرة، دار الشروق، 2001، ص7.
(10) المودودي: نحن والحضارة الغربية، دار الفكر ببيروت، من دون تاريخ للطبع، ص8-9، والمودودي: نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور، دار الفكر ببيروت، من دون تاريخ للطبع، ص87-97. وللمودودي نصٌّ بعنوان: الخلافة والمُلْك، وآخر بعنوان: الإسلام والجاهلية. وقارن لقطب: معالم في الطريق، القاهرة، دار الشروق، 1995، ص34-45، ومقومات التصور الإسلامي له، القاهرة: 1993، ص103-104، والمستقبل لهذا الدين له، ص110-111.
(11) رضوان السيد: الصراع على الإسلام، بيروت، دار الكتاب العربي، 1997، ص179-188.
(12) رضوان السيد: المؤسسات الدينية بين الإحيائيات والسلطات: مقالة بمجلة التسامح العُمانية، م 20، 2007، ص128-156.
(13) محمد مهدي شمس الدين: في الاجتماع السياسي الإسلامي، محاولة تأصيل فقهي، بيروت، 2002.
(14) راشد الغنوشي: الحريات العامة في الدولة الإسلامية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1993.
(15) تُرجم الكتاب إلى العربية، بمركز دراسات الوحدة العربية (بيروت، 2010).
(16) انظر رضوان السيد: سياسيات الإسلام المعاصر، ص189. وقارن بعبد الإلـه بلقزيز: الدولـة في الفكـر الإسـلامي المعاصـر، مرجع سابق، ص234-244.
(17) محمد ضياء الدين الريس: النظريات السياسية الإسلامية، القاهرة، مكتبة الأنجلو، 1960.
(18) المـاوردي: الأحكام السلطانيـة والولايات الدينيـة، القاهـرة، 1966، ص5-6.
(19) الجويني: غياث الأُمم في التياث الظُلَم، تحقيق عبد العظيم الديب، الدوحة 1400 هـ، 211-221.
(20) قارن بعبد الجواد ياسين: السلطة في الإسلام، بيروت، المركز الثقافي العربي، 2008، ج1، ص316-327.
21) قارن عن السياسة والشريعة والسياسة الشرعية؛ مقدمتي على الجوهر النفيس في سياسة الرئيس لابن الحداد، بيروت، مركز ابن الأزرق، 2011، ص51-66.
(22) قارن عن الشريعة والقانون في العصر العثماني؛ مقالةً لريتشارد ربّ R.Repp ترجمتُها لمجلة الاجتهاد، م2، 1989، ص153- 173، ومراجعة لي لكتابRepp عن مفتي اسطنبول(= شيخ الإسلام)، بمجلة الاجتهاد، م1، ع3، 1989، ص239-245. وانظر عن: "وقف النقود" والجدالات حوله ومؤسساته، كتاب محمد الأرناؤوط: دراسات في وقف النقود. مفهوم مغاير للربا في المجتمع العثماني، بيروت، دار جداول، 2011. وانظر عن دور شيخ الإسلام أبي السعود؛ سامي زبيدة: الشريعة والسلطة في العالم الإسلامي، ترجمة عباس عباس، بيروت، دار المدى الإسلامي، 2007، ص188-201.
(23) قارن عن الشورى وتطورات النظر إليها دراستي بعنوان: مسألة الشورى والنزوع الإمبراطوري في ضوء التجربة التاريخية للأمة بمجلة الاجتهاد، م6، ع25، 1994، ص29-44، ومراجعة الدكتور إبراهيم بيومي غانم لكتاب توفيق الشاوي في فقه الشورى والاستشارة بمجلة الاجتهاد، م5، ع20، 1993، ص267-278. وقارن بدراستي: أزمة الفكر السياسي الإسلامي في كتاب السيد وبلقزيز: أزمة الفكر السياسي العربي، دار الفكر بدمشق (النشرة الثانية، 2006، ص19-21). وانظر سامي زبيدة: الشريعة والسلطة، مرجع سابق، ص244-247، 278-285.
(24) رضوان السيد: سياسيات الإسلام المعاصر، مرجع سابق، ص167-178، والصراع على الإسلام، مرجع سابق، 218-222.
(25) قارن للقرضاوي: الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1971، ص67-83، ومن فقه الدولة في الإسلام، مرجع سابق، ص49-53، والسياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها(1998).
(26) قارن بدراستي عن أزمة الفكر السياسي؛ في السيد وبلقزيز: أزمة الفكر السياسي العربي، مرجع سابق، ص26-32. ورأيي هناك مختلفٌ بعض الشيء. وانظر برهان غليون: نقد السياسة، الدولة والدين، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1991.
(27) في كتابه: الدين في الديمقراطية، ترجمة شفيق محسن، بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2007، ص138-152.
(28) يرى بعض الباحثين أنّ "وجود الدين في كل مكان" لا يمنع عمليات التحول الديمقراطي، بسبب الوعي الجديد والحادّ للناس بحقوقهم؛ قارن بـ:
Olivier Roy: The Transformation of the Arab World; in: Journal of Democracy, July 2012, Vol. 23. Number 3. p 1-20.
(29) طه عبد الرحمن: روح الدين، من ضيق العلمانية إلى سَعة الائتمانية، بيروت، المركز الثقافي العربي، 2011، ص91-180.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/8/171

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك