وثائق الجنيزا في الفسطاط

عبد الحميد ناصف

يواجه المتصدي لدراسة تاريخ اليهود في مصر -وخاصة الفترة الحديثة - مشاكل عديدة. تبدأ بتنوع مصادره ومظانه البحثية(1)؛ لأنه ليس من اليسير الكلام في بضع صفحات عن تاريخ يهود مصر، ولا شك أن الإغراء يشتد في التصميم أو في الاكتفاء بالأحداث البارزة, بينما يتسم تحليل التاريخ بالدقة والتدرج, ولعلنا سنجد خلال تلك الفترة الطويلة من تاريخ اليهود بمصر عديداً من مناطق الظلال بسبب الغياب القاسي للوثائق التي يمكن بجدية الاستناد إليها, على أنه من حسن الحظ أن إلقاء الضوء على وثائق الجنيزا تتيح لنا التقدم بخطوات ثابتة في التعرف على تاريخ يهود مصر.

وتعدّ علاقة اليهود بمصر علاقة من نوع خاص؛ إذ إنهم قد ارتبطوا بها منذ زمن، وكانت علاقة اتصال منذ عصور موغلة في القدم, وفي فترة الحكم العثماني لمصر وصل اليهود إلى المناصب العليا في الدولة, واستمرت أعدادهم في الزيادة مع هجرة يهود آخرين من الأندلس وتطور وضعهم إلى وضع أفضل كثيراً.

وفي فترة لاحقة شجع محمد علي حاكم مصر المتنور التسامح دينيا وعمل على استقدام الأجانب، وبدورهم وجدها اليهود فرصة للعمل في المؤسسات المالية والاقتصادية مع هؤلاء الأجانب، وامتد الأمر حتَّى قامت الطائفة اليهودية ببناء مدارس ومستشفيات ومعابد ومؤسسات خاصة بها(2). 

ومن الطبيعي والحال هكذا أن يكون للمستشرقين اليهود والباحثين الأجانب اليد الطولى والأسبقية في دراسة تاريخ يهود مصر, وهو أمر بالغ الخطورة؛ لأن ذلك يترك لهم مجالاً واسعاً أمام التوظيف السياسي للتاريخ وتطويع أحداثه والخروج بنتائج تصب في اتجاه التأكيد على وجود متميز وقديم للجماعة اليهودية بمصر ككيان منفصل قائم بذاته، له خصوصيته وتفرده وثقافته وحضارته المستقلة بمعزل عن محيطه الاجتماعي العام -المصري- حسب الطرح الذي يقدمه "كلود كاهن"، أو كجيب إنثروبولوجي جنسي وديني ضمن جيوب متناثرة بالأقطار العربية تشكل فيما بينها ما يدعوه غويتين" و"أشتور" بمجتمع حوض البحر المتوسط, ولا شك أن اليهود الذين تقوم وثائق الجنيزا بتوصيفهم لنا كانوا في وضع جيد مقارنة بإخوانهم في الدين الذين كانوا يعيشون في العصر ذاته على الأرض المسيحية؛ ولكن لم يكن الأمر هنا عبارة عن الجنة بأي حال من الأحوال. 

ويعتقد أن التاريخ اليهودي يعاني من أزمة في المصادر أو أن هناك مشاكل عائقة، لمصادر التاريخ اليهودي:

1- فبالنسبة للتاريخ الحديث هناك مشكلة تنوع المصادر وتعددها.

2- مسألة أحادية المصادر؛ أي كونها مصادر يهودية في معظمها، الأمر الذي يعرض الموضوعية التاريخية للخطر.

3- قضية لغة المصادر اليهودية، فكل طائفة منهم في كل بلد كانت تكتب بلهجة مختلفة عن لهجات البلد الذين يحيون فيها، فهناك مثلاً لغة البيدشي (ما بين العبري والألماني)، واللادينو (ما بين العبري والإيطالي), بالإضافة إلى اللهجات اليهودية العربية والفارسية.

ولا شك في أن في بقاء أوراق الجينيزا الخاصة بالمعبد اليهودي بالفسطاط إلى مطلع القرن الـ20 دليلا ضمنيا على مدى التسامح الديني الذي منحته الحكومات الإسلامية التي تعاقبت على حكم مصر للجالية اليهودية بالقاهرة وباقي أقاليم مصر. فقد اعترفت الموسوعة اليهودية بأن العصرين الفاطمي والأيوبي كان عصرين مواتيين جداً لليهود، ولم يسمع خلالهما عن اضطهادات مؤلمة(3)، كما تؤكد أوراق الجنيزا على غلبة مظاهر الحضارة العربية الإسلامية على الجالية اليهودية التي عاشت بمصر، فأغلب هذه الأوراق مكتوب بالأحرف العربية وليست بالعبرية، وحتى الذي كتب منها بالعبرية كتب أيضاً بالعربية, بل إن لفظ الجنيزا في حد ذاتة دليل آخر على غلبة الثقافة واللغة العربية على الجالية اليهودية في محيط القاهرة؛ لأنه محرف من اللفظ (الجنازة) قياساً على أن هذه الأوراق كانت تدفن على نحو ما يدفن الموتى.

ونعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لإعطاء تعريف تفصيلي لمعنى الجنيزا حيث تتفق دلالة الجنيزا GENIZA مع دلالة المصطلح الآرامي في سفر عزر (17:5)في معنى كنوز المحفوظات. كما تتفق مع عبرية العصر الوسيط في معنى (المستودع أو الكتاب المطروحة) وهو مشتق من جنز, بمعنى أخفى أو كمن, وهناك مجانسة بين مصطلحات (الجنيزا) و(الجزارة) في العربية من حيث دلالته على المشهد وعلى كل ما ثقل على قوم واغتموا به(4).

ولكلمة الجنيزا مفهوم الحفظ والاقتناء، فقد نشأ عند يهود مصر في العصر الوسيط محاكاة للمسلمين في الاحتفاظ بالكتب الدينية وحمايتها من الدنس خوفاً مما احتوته من لفظ الجلالة أو ألفاظ مقدسة أو غير ذلك, ويعتقد أن فكرة الإيداع في غرفة مغلقة ومحصنة من الوسائل المستخدمة عند المسلمين، إذ أودعوا الوثائق الدينية المقدسة البالية في غرفة المسجد أو غرفة قريبة من مكتبة المسجد, وقد فضل بعض الفقهاء هذه الفكرة للإيداع وفقاً لما ورد في مخطوط من العصر العثماني، وهي رسالة "محمد بن حمزة الكوز لحصاري (Guze Lhisari)"(5)، إذن الجنيزا تعني أو تشير إلى ذلك العمل الجنائزي لدفن الأوراق التي كتبت بحروف عبرية تمثلاً بتقاليد اليهود التي تحرم تمزيق أو إحراق الحروف العبرية باعتبارها (لغة مقدسة)، وبالتالي يبدو أنهم اختاروا فكرة الإيداع في غرفة محصنة آمنة تمهيداً لنقلها إلى المدافن لتدفن بمراسم جنائزية في المقابر اليهودية. ولعل هذا يفسر لنا وجود كنوز وثائق ومخطوطات الجنيزا في غرفة معبد ابن عزرا، وكذلك في مدافن اليهود في البساتين قرب القاهرة العتيقة.

أول من علم بوجود الجنيزا كان الرحالة اليهودي (سيمون فون جلدر) الذي زار كنيس الياهو في عام 1753م، وألقى نظرة على الجنيزا كما ذكر في يومياته,وفي عام 1864 زار القاهرة (يعقوب سفير) وهما لم يدرسا مضمونها, ثم أتى (إبراهام فيركوفتش) في منتصف القرن 19، ونجح في الحصول على آلاف المخطوطات من مقابر البساتين، وهي التي تكون مجموعة الجنيزا في ليننجراد حاليا, وفي عام 1888 قام تاجر الكتب اليهودي البريطاني (إلكان ادلر) بزيارة معبد ابن عذراء(6)، وكذلك مقابر البساتين، ثم عاد ثانية في ديسمبر 1896 وخرج محملاً بآلاف المخطوطات والوثائق، وهي نفسها التي كونت مجموعه باسمه في مكتبة السمنار الثيولوجي اليهودي في نيويورك، وفي عام 1896 جاء إلى القاهرة أستاذ التاريخ اليهودي بكامبردج (سلومون شيختر)، واستخلص نحوه 140 ألف مخطوطة أرسلت لمكتبة جامعة كامبردج، ويذكر أن تلك المجموعة عبارة عن وثائق كبيرة من الوريقات غالبيتها بالأحرف العربية, كانت مودعة في جنيزا كنيس (عذرا) في القاهرة القديمة(7) على بعد خطوات من القاعة التي كانت تعقد فيها جلسات المحكمة الربانية، والتي كان يقوم بالتدريس فيها عديد من الأشخاص، ومنهم (موسى الميموني) وابنه (إبراهام)، وكانت الوريقات محفوظة بكل ورع وإجلال, لقد استطاع شيختر الحصول على عدد كبير من القطع حيث قام بتجميعها في كامبردج كما أسلفنا(8). 

بعدها قام اليهودي المصري (جاك موصيري) عام 1911 بتمويل جهود بعض الباحثين، والتي أسفرت عن اكتشاف نحو 4 آلاف مخطوطة موجودة الآن تحت اسم (مجموعة موصيري) في الجامعة العبرية, ويذكر أن وحدة البحوث الإسرائيلية بجامعة عين شمس برئاسة إبراهيم البحراوي قد تقدمت بمشروع بحث إلى الجامعة عام 1981 بعنوان (بحث حماية المخطوطات اليهودية المصرية من النهب والتهريب)، وتم بالفعل تشكيل فريق العمل، وبعد عام من الدراسة التحضيرية تبلور المشروع في ورقة عمل قدمت إلى اللجنة الدائمة للآثار بتاريخ 26/3/1983، ولكن العمل توقف نتيجة العنت اليهودي! 

وهناك حوالي 7 آلاف وثيقة وأجزاء من الوثائق الخاصة بتاريخ اليهود في مصر وفلسطين ومجمل حوض البحر المتوسط، وتعود أقدم وثيقة إلى عام 750م بينما يعود أحدثها إلى القرن العشرين غير أن أغلب النصوص ترجع إلى القرون من العاشر حتَّى الثاني عشر الميلادي.

وقيل: إن (سالمون شختر) نقل نحو 300 مخطوطة مكتوبة على جلد الغزال بلغات عبرية وعربية مكتوبة بالعبرية والآرامية إلى جامعة كامبردج, وأيضاً قدم لنفس الجامعة حوالى 140 ألف وثيقة من تلك الوثائق حوالي عام 1896(9). 

ويبقى السؤال: لماذا كانت كمية وثائق الجنيزا التي وصلتنا ضخمة في العصر الفاطمي المتأخر والأيوبي عن باقي العصور الأخرى؟ وتكمن الإجابة في اضطرار يهود الأندلس إلى الفرار أمام حملات الإبادة الجماعية التي وجهتها حركة الاسترداد Reconquista المسيحي في الأندلس, والمعروفة بالـ Reconquesta إلى بقايا المسلمين واليهود في الأندلس, في الوقت نفسه تعرضت الجاليات اليهودية في كل مكان من إيطاليا وفرنسا وإنجلترا إلى عمليات وحشية للإبادة التامة, فكان أن اتجه اليهود إلى البلاد الآمنة في ذلك الوقت والتي منها مصر.

وتتوزع تلك الوثائق منذ أواخر القرن 19 على مكتبات العالم في البودليان وكامبردج ومعهد اللاهوت اليهودي في نيويورك, وفي جامعة تل أبيب توجد قاعة خاصة للوثائق أطلق عليها اسم (قاعة عبودي)، وهو اسم العائلة البريطانية التي تبرعت بتكاليف اقامة القاعة، وفي تلك المناسبة ألقى البروفيسور ساسوت سوميخ (قريب العائلة) كلمة ذكر فيها أن هناك صوراً لآلاف الوثائق التي اكتشفت في الجنيزا بالقاهرة وصلت من معهد سيمونسون في جامعة كامبردج, والمعروف أن هناك مجموعة أخرى من هذه الوثائق في جامعة لينجراد 

ولم يقتصر وجود الجنيزا على مصر فقط فقد كتب عدد كبير من تلك الوثائق خارج مصر في:

1- شمال إفريقيا ومعها صقلية وإسبانيا(10).

2- فلسطين وسوريا(11). 

3- العراق ومعظم ما جاء منها خطابات تحمل آراء شرعية منبعثة من الأكاديميات اليهودية الموجودة في بابل. 

4- اليمن والهند.

5- تركيا، وبعدد أقل جاء بعضها من أوروبا.

6- وتوجد أوراق جنيزا أخرى في بخارى Bakhara وفي طهران (Teheran) بإيران في بدروم أحد المعابد اليهودية وكانت الرطوبة قد طفت على الكثير من أوراقها، ففي بحث أجري عام 1896 لم يعثر إلا على Kotubah أو اثنين فقط.

- وقد دخلت مصر -الموطن الأصلي للجنيزا- مجال المحافظة على تلك المصادر الهامة ودراستها فقد أنشأت بكلية آداب القاهرة مركزاً للدراسات الشرقية من بين شعبة الجنيزا، وأصدرت دليلاً لوثائق الجنيزا الجديدة التي تظهر لأول مرة، وهي مجموعة غير تلك المجموعات المعروفة لنا منذ أكثر من مائة عام. كما توجد بعض الوثائق الجنيزية بحوزة متحف الفن الإسلامي بالقاهرة ويقوم مركز الدراسات الشرقية بدراستها ونشرها بالتعاون مع هيئة الآثار المصرية(12).

- وقد يكون من المناسب أن نعطي موجزاً لأماكن مجموعات الجنيزا في أنحاء العالم 

مجموعة فركوفتش Firkovich's Collection-1

والتي تعد أقدم مجموعة للجنيزا وهي تنسب للعالم الروسى اليهودي إبراهام فركوفتش، وقد حصلت المكتبة الروسية العامة في بطرسبورج على تلك المجموعة عن طريقين: الأولى باعها فركوفتش للمكتبة. والأخرى آلت إلى المكتبة نفسها عام 1876(13), أيضاً حصل فركوفتش على عدة وثائق من جنيزا القاهرة سلمها لمكتبة مدينة بطرسبورج ومن أشهر محتويات المجموعة مخطوط الأنبياءThe Codex Of The Prophets(14)

مجموعة البودليان بجامعة اكسفورد Bodleian Collection 2_ 

بأكسفورد حيث اهتمت مكتبة البودليان بامتلاك وتكوين مجموعتها من أوراق الجنيزا، خاصة بعد أن تمت عملية تجديد معبد ابن عزرا عام 1890م, وللمجموعة تلك كتالوج مطبوع وآخر يصف المجموعة(15).

مجموعة إلكان ناثان أدلر 3-Elkan N.Adler's Collection

حيث لم يتكمن من الوصول لغرقة الجنيزا في معبد ابن عزرا أثناء زيارته للقاهرة عام 1888، وإن كان في الزيارة الثانية عام 1896 قد تمكن من الحصول على عدد من المحفوظات وأوراق الجنيزا, والمجموعة تلك موجودة في مكتبة السينمار اللاهوتي اليهودي في نيويورك "Jewis Theological Seminary Of America, NY"(16).

مجموعة أنطونين Antonin's Collection-4

وهي تنسب إلى تاجر العاديات الروسي أنطونين كابوستين الذي عاش في القدس خلال الفترة من 1865 حتَّى عام 1894، والمجموعة موجودة الآن في المكتبة العامة ببطرسبرج، وتحتوي على 1200 قطعة من وثائق الجنيزا.

مجموعة كمبردج المعروفة بمجموعة تايلور-شيختر 5-TAYLOR-Schechter Collection, Cambridge 

تعد مجموعة كمبردج أضخم وأشهر مجموعة جنيزا في العالم، وهي المجموعة التي أخذها سليمان شيختر معه من القاهرة عام 1896، ونقل تلك الوثائق بتأييد من تايلور مدير كلية سانت جون بكمبردج، وتكون هذه المجموعة من 140,000 من الوثائق والمخطوطات والكتب,كما تشتمل على ثلاثة أضعاف هذا العدد من أوراق الجنيزا(17). 

- كما توجد مجموعات أخرى في بعض الجامعات المعروفة بأوروبا وأمريكا, ومراكز الدراسات اليهودية ولدى بعض الأشخاص مثل: مجموعة في المتحف البريطاني, ومجموعة في الاتحاد الإسرائيلي العالمي بباريس, وفي المكتبة العامة بفرانكفورت, وفي جامعة ستراسبورج, وفي كلية دروبس في فيلادلفيا بأمريكا, كما توجد مجموعة سايروس آدلر، وهناك مجموعة الفرير Freer بواشنطن, ومجموعة نهاري نسيم التاجر اليهودي التونسي القادم من القيروان والمستقر في مصر عام 1048 إلى عام 1095م، ونسبت إليه مجموعة رسائل تصل إلى 200 رسالة من الجنيزا, وقد قام بدراستها مراد ميخائيل في أطروحته للدكتوراه من الجامعة العبرية عام 1965(18).

- غير أن البحث والعمل في وثائق الجنيزا ليس بالأمر السهل وذلك لاعتبارات وصعوبات منها:

1- أنها ليست من سجلات المحفوظات الرسمية؛ وإنما هي شبيهة بسلة المهملات التي ألقيت فيها أوراق مختلفة بعد الاستغناء عنها, فاختلط بعضها ببعض.

2- ولأنها عاشت حوالي ألف عام في حجرة بمعبد ابن عزرا بالفسطاط ليأخذ منها الناس ما يريدونه من أوراق ليكتبوا في الأماكن الشاغرة بها, فأدى هذا إلى أن الباحث الآن قد يجد جزءاً من وثيقة في مجموعة وثائق مكتبة جامعة كمبردج، ويجد جزءاً ثانيا من الوثيقة نفسها في مجموعة مكتبة بودليان بأكسفورد، وجزءاً ثالثا في مكان آخر، وجزءاً رابعاً قد لا يعثر علية أبداً(19). وهكذا الحال. 

3- صعوبة حل رموز بعض كتابات الوثائق الجنيزية؛ نظراً لما تعرضت له من عوادي الزمان والرطوبة والحفظ السيئ واستخدام أحبار رخيصة, واختلاف الخطوط من بلد إلى آخر ومن عصر إلى عصر.

4- كما أن معظم الوثائق لا تحمل تواريخ(20).

5- معظم المادة العربية في الجنيزا كتبت بحروف عبرية، والعارفون بها قلة من المؤرخين.

والدراسة في وثائق الجنيزة منهجيا استمدت من المناهج والقواعد التي كان قد وضعها باحثو البرديات التاريخية واللغوية لدراسة أوراق البردي, حيث كان يهدف النظر إلى هذه الأوراق على أساس أنها امتدت لأوراق البردي العربية المصرية استناداً إلى القول بأن أوراق البردي قد بطل استخدامها بمصر الإسلامية منذ القرن 5هـ/11م؛ أي في نهاية العصر الفاطمي في حين أن أغلب أوراق الجنيزا ترجع إلى العصر الفاطمي المتأخر وحتى العصر العثماني(21).

وتختلف وثائق البردي عن وثائق الجنيزا التي هي أكثر شمولاً وإتقاناً وأحسن تعبيراً وصدقاً في أحداثها وأفكارها، وليس مرد هذا الاختلاف أن كتاب هذه الوثائق كانوا يهوداً وأن كتاب البرديات العربية كانوا في معظمهم غير يهود؛ ولكنه اختلاف في التوقيت الذي يرد زمن خطابات الجنيزة إلى زمن متأخر عن أي خطاب آخر مكتوب على البردي حوالي 250 عاماً. كما أن مرد الاختلاف راجع أيضاً لأن وثائق البردي جاءت أساساً من موظفين, أو من أناس عاشوا في مدن أو قرى. ولقد حفظت الجنيزة أيضاً كمية لا بأس بها من الخطابات جاءت من الريف المصري(22).

أيضاً أوراق الجنيزا لا تخص إلا أفراد الجالية اليهودية بالفسطاط فقط، ولا تصور إلا حياتهم الخاصة فقط، على عكس أوراق البردي التي جاءتنا من جميع أنحاء مصر، وتمثل جميع فئات شعب مصر. كما أن أوراق الجنيزا في أصلها أوراق دينية توراتية وتلمودية خاصة بأتباع أمة دينية معينة هي اليهودية, في حين أن أوراق البردي العربية تحتوي على مادة تاريخية ولغوية تغطي جميع نواحي الحياة المدنية وأنواع أنشطتها المختلفة(23).

موضوعات تلك الوثائق تنوعت ما بين حجج وعقود, قرارات هيئات عامة, نشرات, مراسيم خاصة بالسلطات اليهودية, صفقات خاصة كالبيع والتأجير للمنازل أو ممتلكات ثابتة, منح أو سلف أو قروض ووصايا وعطايا وعقود زواج وقسائم طلاق، وكذلك صفحات لمحاضر جلسات المحاكم اليهودية, حسابات تجارية وحسابات خاصة وقوائم جرد لمكتبات(24).وعلى العموم فوثائق الجنيزا تنقسم إلى ثلاثة أقسام لغوية: الأول بالعبرية، والثاني بالعربية المكتوبة بالعبرية، والثالث بالآرامية(25), أما من ناحية الموضوعات فهي على ثلاثة أنواع:

أ‌- المصادر الأدبية:

1- الصلوات.

2- الشعر الديني.

3- صفحات من التوراة على لفائف ورق بردي. 

4- ترجمات توراة لليونانية.

5- قصص نثرية والمشناة والتلمود. 

6- مؤلفات في التنجيم والفلسفة والطب ونصوص سحرية...

ب- المصادر الوثائقية:

1- مذكرات للمفكرين (العلماء) والتجار.

2- معلومات عن عقود الزواج.

3- وثائق الطلاق والوصايا, صفقات.

4- بيع وشراء وفواتير حساب وعهدات عتق عبيد وإماء وأبرياء.

5- خطابات رسمية وتقارير وشكاوى. 

ج- البيوط "الشعر الديني أو تلاوة التوراة بأسلوب شعري".

- وسأشرع بالتفصيل في عرض ما يتيسر مما تحتويه تلك الوثائق والأوراق:

1- لعلنا نلاحظ ضآلة المعلومات التاريخية السياسية والعسكرية في الجنيزا, وكان بعض اليهود الذين يجيدون العربية يسافرون بانتظام على سفن جنوية أو بيزية وعلى سفن الروم المسافرة من شمال إفريقيا إلى صقلية أو على طول الساحل الصقلي, ولعل هذا يفسر وجود البعض من وثائق الجنيزا في تلك المناطق أيضاً(26).

2- بعض الوثائق تصف تفصيلياً أحداث ذات مدلولات عامة, فقد عرفنا أن اضطهاد المسيحين واليهود على يد الحاكم بأمر الله من خلال وثائق الجنيزا يخالف ما ورد بالمصادر التاريخية الكلاسيكية، فقد وجد في إحدى الوثائق مدح للحاكم ووصف له بأنه يشبه المسيح في عدالته، والذي يحمي غير المسلمين من التهم الباطلة الموجهة إليهم, وبدت لنا من خلال الجنيزا انتفاضة اليهود والقبط المفاجئة في عهد هذا الخليفة على أنها انفجار ضد الحاكم الفاطمي "الليبرالي" بصفة عامة وليست بسبب أهواء ونزوات الحاكم.

- وهناك خطابان هامان من الجنيزا يشيران إلى غزو الصليبين لبيت المقدس عام 1099م- نشرهما البروفيسور غويتاين في مجلة الدراسات اليهودية للسنه52, ع3 - يشيران إلى المذابح التي وقعت في المدينة، وتكمن أهميتهما أنهما جاءا من عهد ومكان لم يصلنا منه إلا القليل من الوثائق.

- وهناك خطاب ورد من الموصل كتب في ديسمبر عام 1236م يصف بإيضاح الهجوم الوحشي للتتار على ضواحي المدينة.

3- الجنيزا غنية أيضاً بما يختص بإدارات الولايات الإسلامية، فهناك إشارات عديدة إلى الجعلية أو الجزية على غير المسلمين، والتي كانت تمثل عبئاً ثقيلاً على كاهلهم؛ لأننا نقرأ عن أوامر بالحبس لمن لا يدفع هذه الضريبة، ولقد كانت مفروضة على الفقير المعدم والضعيف آنذاك خلافاً لما جاء في الشريعة الإسلامية، وكما كان الحال في العهد البيزنطي وورد في البرديات العربية فإن هذه الجزية كانت تدفع في الموطن الأصلي للشخص، وعلى كل دافع لها أن يحمل براءة تفيد ذلك(27).

- كذلك من الخطأ ما تردد من أن الحكومة الإسلامية لم تهتم بالحياة الداخلية لمجتمعات غير المسلمين، فلقد كانت أكاديمية بيت المقدس -والتي هي أعلى سلطة دينية يهودية في عهد الفاطميين- تتسلم منحة أساسية للنفقة عليها وصيانتها من الخلفاء الفاطميين، وبالتالي كان يحق لهؤلاء الخلفاء حق الإشراف على انتخاب رئيس الأكاديمية "الحاخام الأكبر"، وكذلك قدمت منح مماثلة لبيت التعليم اليهودي في القاهرة.

4- بالنسبة للحياة العائلية أو الأسرية. فالجنيزة غنية بموضوعات للحديث عنها، فالزواج مثلاً لم يكن اتفاقًا عرفيا بل اتفاقا حقيقيا موثقا، ويرتبط في العادة بالاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية لكلا الطرفين المتعاقدين على الزواج. كما أن مركز المرأة كان أقوى بكثير مما كتب في كتب المشرعين وبعض المصادر الأدبية الأخرى، فالمجتمع اليهودي-فيما يتعلق بالطبقة الوسطى منه - كان مجتمع أحادي الزواج، وفي عقود الزواج كان للزوجة الحق في اختيار سكن الزوجية، وللزوج حق السفر بموافقة الزوجة، ولها الحق أيضاً أن تطرد الزوجة الثانية إن لم تكن على هواها..

5- لقد كانت وثائق الجنيزا القاهرية مصدراً غنياً لتاريخ اللغة العربية وللتعبيرات التي أثرت في قواعدها وفي تركيب كلماتها وأدبها وأسلوبها. ولقد وجدت نماذج كثيرة للغة العربية في هذه الوثائق من كتابات بخط متقن بأسلوب عربي سليم في الخطابات التي كتبها اليهود المغاربة, إلى جانب أساليب ركيكة تدخل فيها اللهجات المغربية والمصرية والشامية واليمنية, ومن الغريب أن اللغة المصرية الدارجة التي وجدت في البرديات العربية لم تظهر في وثائق الجنيزا(28).

6- وإذا انتقلنا لجنيزا العصر الحديث تحدثنا الوثائق تلك عن اليهود المطرودين من إسبانيا أواخر القرن 15م، ومن ثم الاتجاه نحو مصر في طريقهم للاستقرار في فلسطين، وإن فضل الغالبية منهم البقاء في مصر، وخاصة في القاهرة والمدن الساحلية، ومع هذا لا تتضمن الوثائق أي معلومات عن بقائهم في القرى، ويبدو أن هذا راجع للمرسوم الصادر في عام 1354م بمنع أهل الذمة من شراء الأراضي، وإن لم يستمر هذا المنشور لفترة طويلة.

7- الوثائق الجنيزية وكذا الإسلامية قالت بأن اليهود منذ النصف الثاني في القرن 15م فما فوق عملوا في مجالي التجارة والالتزام ولعل هذا يفسر سر سكناهم في المناطق الساحلية، وعواصم البلاد، أيضاً تخبرنا عن مراكز تجمعاتهم في مناطق مثل أبوقير, الخانكة, المحلة الكبرى, الطور, الإسكندرية, المنصورة, بولاق, البرلس, بنها العسل, دمياط, المنزلة, السويس, فوه, الفيوم, القاهرة, رشيد.

8- وهناك وثيقتان خاصتان بتاريخ مصر عام1735م، أولهما وصفت الاضطرابات الشعبية التي حدثت يوم 18 ديسمبر من عام 1754 في مدينة القاهرة لدى موت الوزير والقاضي اليهودي وتدمير حي اليهود والتعذيب الذي تعرض له اليهودي أنطونيو دي اوليفيرا من مواليد مدينة لشبونة في 8 صفحات. والوثيقة الثانية نشرت عام 1755م في سبع صفحات, والذي نشرهما يهودي برتغالي يدعى موشية ابن شبهات أمزلج ويعمل أستاذاً للاقتصاد في جامعة لشبونة وعضو أكاديمية العلوم بها، وطبع عام 1923 في خمس نسخ فقط, وأهمية تلك الوثيقتين أنهما يعودان لفترة فقيرة إلى حد ما في المادة التي تتناول يهود مصر، ولا ترد فيها تفصيلات كثيرة عن تاريخ البلاد بصورة عامة, بل إن اندرية ريمون في مقالته عن الحركات الشعبية في القاهرة إبان القرن 18م صرح بأنه لم يتمكن من دراسة الموضوع بعد عام 1733م لعدم توافر المصادر. والجبرتي في تاريخه لتلك الفترة التي لم يعايشها استعان بإشارات أحمد جلبي (شلبي) عبد الغني ولكن مؤلف شلبي توقف بموته في 1738، ومع ذلك فإن الأحداث الواردة في الوثيقتين لم تُذكر لا عند جلبي ولا عند الجبرتي، وإن كانا قد كتبا عن الحماس الديني المتعلق بآخر أيام القاهرة عام 1733 وأيضاً عن الارتفاع الكبير في الأسعار للسلع الأساسية وربما يمكن أن نفهم على ضوئها خلفية الأحداث المذكورة في الوثيقتين, حتَّى كتّاب التاريخ العثماني لم يأتوا على ذكر أي شيء وكذلك المؤرخون المحدثون.. إذن كيف نجح كاتب هاتين الوثيقتين في الحصول على معلوماتهما؟ الإجابة تكمن في صفحة الغلاف في الوثيقة الأولى حيث قال: "لقد جمعت هذه المعلومات من وثائق لها مصداقيتها ومن تقارير لشخصيات جادة ومحترمة", وعلية فإن مصادر دى أوليفيرا- حتَّى الساعة الراهنة- تعد مؤكدة وشهادات شخصية. ويبدو أن السبب يكمن في احتواء هاتين الوثيقتين على معلومات عامة عن القاهرة في تلك الأيام وسكانها، والمؤامرات التي كانت تحاك بها، والصراعات بين القوى التي كانت تشهدها والاضطرابات والمعارك والخيانات والجشع، وموضوعات أخرى من المؤكد أنها أدت إلى التوترات في القاهرة العثمانية.

ولعلنا نلاحظ أن فترة الحكم العثماني من بين عصور التاريخ المصري أتت خلوا من دراسات معتبرة عن يهود مصر، وفي فترة عانت تجاهلاً بوجه عام بحيث لم يتح لباحث أجنبي أو عربي أن قدم دراسة مستفيضة عنها قبل الدراسة التي أعدها محسن شومان من آداب الزقازيق (اليهود في مصر من الفتح العثماني حتَّى أوائل القرن الـ19), وتثير هذه المسألة بدورها قضايا مثل اهتمام دوائر البحث والجهات العربية الخاصة بالوثائق المتعلقة باليهود الموجودة داخل مصر, ومن ذلك الاعتناء بأمر البحث عن الوثائق العربية الخاصة باليهود القرائين التي اطلع على مقتطفات منها الباحث "دونالد ريتشارد"، ونشر وعلق على بعض نصوصها بالعدد 15 من دورية التاريخ الاقتصادي والاجتماعي عام 1972، وذكر أنها محفوظة بمبنى مجاور لمعبد اليهود القرائين بالخرنفش في قلب القاهرة الفاطمية، وأنها تغطي سنوات متفرقة تمتد من 1034إلى 1865م.

وفي إطار الحديث عن نتائج العمل والاشتغال في الجنيزا يجدر بنا بداية مناقشة مسألة تواكب جهود جمع الجنيزا مع تطور الحركة الصليبية, حيث يعتقد أن محاولة البعض إلصاق الجنيزا بالصهيونية تلوي عنق الحقيقة، كما أنها متهافتة؛ فالباحث المشتغل فيها يدلل بأدلة واهية مثل:

أن مجموعات الجنيزا جمعت وتكونت في المكتبات العامة للدول الكبرى التي تبنت فكرة قيام إسرائيل، فبالنسبة لأمريكا وصلها أول نصوص الجنيزا على يد "كيروس أدلر Cyrus Adler" عام 1891، وفي عام 1896 أحضرت الأختان Mrs Lewis; Mrs Gilson إلى كمبردج مجموعة أخرى، وأيضاً بمحاولة ربط استعمار إنجلترا لمصر ببداية التنقيب عن الجنيزا(29). 

وبالعودة إلى محتويات الجنيزا نجد المعلومات التاريخية السياسية والعسكرية ضئيلة في الجنيزا، وكثيراً ما كانت الوثائق تحتوي على إشارات قصيرة إلى الحوادث الرئيسة في التاريخ- التي تتصل في معظمها بالشدة والضيق أو على كارثة بالنسبة لمن يهمهم الأمر من السكان- مثل اكتساح المرابطين والموحدين لشمال أفريقيا أو الحروب البحرية المستمرة والقرصنة في البحر المتوسط. وكان بعض اليهود الذين يجيدون الحديث بالعربية يسافرون بانتظام على سفن جنوية أو بيزية وعلى سفن الروم المسافرة من شمال أفريقيا إلى صقلية, وهناك في الجنيزا إشارات وتلميحات كثيرة إلى مسئولين مسلمين كبار وشخصيات هامة من كل بلاد العالم الإسلامي من إسبانيا إلى سوريا ومن صقلية حتَّى اليمن(30).

ولأوراق الجنيزة إمكانية دراسة النصوص التوراتية المفقودة, الخاصة بالفرق اليهودية التي اضطهدها إخوانهم في الدين والتي وجدت في بلاد الشرق الإسلامي صدراً حانياً مثل طائفتي القرائين والسامرة, ولعل هذا ما يفسر العثور على بعض فقرات وصفحات من الأسفار والنصوص التوراتية الخاصة بتلك الفرق في دشوت جنيزا القاهرة(31)، وعليه فقد عثر بين دشوت الجنيزة على أوراق من النص العبري اسفرسيراخ وفقرات من الترجمات اليونانية للتوراة وأجزاء من العهد الجديد، وقد نشر هذه النصوص Burhitt عام 1897 وتيلور عام 1955, وعثر أيضاً على نص آرامي لسفر ليفي ونص كتبه بعض يهود دمشق قدم معلومات عن فرقة مجهولة من اليهود درسها المستشرق شختر في مؤلف مستقل عام 1915, أما أقدم نص مؤرخ للتلمود بتاريخ 517هـ/1133م فقد عثر عليه أيضاً في دشوت الجنيزا، وقام بنشره شختر أيضاً عام 1896(32)، وأيضاً عثر "يعقوب (جاكوب) مان" في إحدى قطع الجنيزا على سفر الأعمال لأبناء فلسطين، الذي قام بنشره، وقد وجدت بكنيس الشامعين بالفسطاط بقرب كنيسة بربرة التابعة للأقباط الأرثوذكس مخطوطات كثيرة يرجع بعضها إلى العصر الذي سبق ظهور المسيحية ومعظمها يرجع للعصر الفاطمي والأيوبي(33).

وكان الدكتور "صمويل شيرن Sm.Stern" الأستاذ في أكسفورد قد اكتشف موضوعات إسلامية هامة بين وثائق الجنيزا مثل أزجال عربية قديمة وبعض مقاطع شعرية وخطابات في التصوف الإسلامي, وهناك حوالي عشرون ورقة عن قاضي قضاة الفاطميين, ووجدت صفحات منسوخة عن مخطوطات إسلامية, وعلى أية حال فإن الوثائق غير الموضوعية التي وجدت في الجنيزا هي التي لها أهمية بتاريخ الإسلام الاجتماعي(34).

ولعل في بقاء هذه النصوص طوال تلك الفترة، وأيضاً لغاتها التي كتبت بها -وهي العربية والعبرية واليونانية- ما يؤكد التسامح الديني والحرية المذهبية، ومن تلك الزاوية تعود أهمية تلك الوثائق في دراسة علم الأديان المقارن نتيجة للاحتكاك الفكري والاجتماعي والحضاري مع الديانتين الأخريين, ولقد تبدى هذا الأثر في ظهور بعض العادات والتقاليد التي استعارها اليهود من الأديان الأخرى, وكان البروفسور غويتاين S.D.goitein قد صرح بأن هدفه الأساس من دراساته هو مقارنة تأثر كل من الشريعتين اليهودية والإسلامية إحداهما بالأخرى(35).

وتوضح لنا الوثائق أن اليهود لعبوا دوراً رئيساً في تجارة العبور زمن الفاطميين, ومن أهم ما يسر عليهم ذلك عدم تطبيق الفاطميين الاشتراطات الهامة في القانون الإسلامي, ومنها فرض ضرائب تميزية على التجارة التي يقوم بها "غير المؤمنين" أو دافعو الجزية لمحاباة التجار المسلمين. ولما كان اليهود يستطيعون إقامة العلاقات مع إخوانهم في الديانة المقيمين في البلاد الأخرى وإبرام الاتفاقيات التجارية والتأمينية معهم والتي كان من شأنها تيسير العمليات المالية المعقدة التي كانت تفرضها التجارة العالمية في ذاك العصر, فلقد عاد ذلك على اليهود بميزات هامة, ويظهر لنا بوضوح هذا الانتشار الواسع ليهود البحر المتوسط في المحيط الهندي(36). 

ولابد هنا من القول: إن هذا التسامح من قبل الملوك لم يشاركهم فيه سكان البلاد؛ ذلك أن الرخاء الذي كان يتمتع به هؤلاء لم يكن من شأنه سوى إثارة الضغينة في أوساط باقي المصريين من المسلمين, وتعود لهذا العصر قصيدة من الشعر كتبها أحد المسلمين، والتي انتقلت شفوياً من واحد لآخر، والتي تنادي شعب مصر إلى التحول لليهودية نظراً لليسر الذي ينعمون به زمن الفاطميين(37). 

وتظهر الوثائق أن معظم القضايا المدنية في عهد الفاطميين كانت تنظر أمام محاكم يهودية, وفي أكثر من حالة نرى في وثائق الجنيزا -ولأسباب ما زالت في حاجة إلى إيضاح- قضايا يهودية تنظر أمام محكمتين إسلامية ويهودية في وقت واحد، أو في أن فصلاً من هذه القضايا ينظر أمام جمع عام بينما يتم النظر النهائى في القضية أمام محكمة يهودية. ويعد هذا التداخل بين الشريعتين اليهودية والإسلامية الذي كشفت عنه تلك الوثائق موضوعاً شائقا يستحق الدراسة(38).

ومع حكم الأيوبيين للبلاد يتبين من الوثائق أنه -خلافاً لما تشير إليه المراجع الأدبية، والتي يتوجب قراءتها بعناية فائقة -لم يكن هناك خلاف ملموس في حياة الطائفة، فيما عدا مظاهر أكيدة من التشدد الإسلامي وقدراً من المحافظة مع مزيد من الاستقرار في حياة البلاد، مقارنة بآخر الفاطميين الذين شهد حكمهم كثيراً من الاضطرابات, ومع ذلك فقد تم الحفاظ على الحياة الطائفية, وعلى نشاطاتها العشائرية والثقافية(39).

هناك خطابان هامان في الجنيزا يشيران إلى غزو الصليبين لبيت المقدس عام 1099م, قام "مان" بنشرها، ويعتقد أن هذين الخطابين سيجدان ترحيباً كبيراً من دارسي الفترة الصليبية؛ وذلك لأنهما جاءا من عهد ومكان لم يصل منه إلا قليل من الخطابات(40). 

كما توجد في خطابات الجنيزا إشارات إلى مذابح كثيرة وقعت في فلسطين زمن الحروب الصليبية على عهد الأيوبيين، وهناك خطاب هام ورد من عدن يرجع إلى عام 1202م، ويتردد فيه صدى الأحداث التي وقعت في اليمن حين كان يحكمها الملك المعز ابن أخي صلاح الدين، وتروي ظروف اغتياله وحلول أخيه مكانة، في الوقت الذي كان فيه الأتابك سنقر هو حاكم البلاد الحقيقي, أيضاً هناك خطاب ورد من الموصل وكتب في ديسمبر 1236م يصف يإيضاح هجوم التتار الهمجي على ضواحي المدينة وبخاصة ضاحية العمرانية(41). 

ولقد تحرت وثائق الجنيزا عن حياة اليهود في مجتمعاتهم عامة وفي المدن الكبرى خاصة، وتتبعت مفاخرهم ووظائفهم التي شغلوها(42)، ومن الخطأ أن نفترض أن الحكومات الإسلامية لم تهتم بالحياة الداخلية لمجتمعات غير المسلمين، فلقد كانت أكاديمية بيت المقدس -وهي أعلى سلطة دينية يهودية في عهدي الفاطميين والأيوبيين- تتسلم منحة أساسية للنفقة عليها ولصيانتها من قبل الحكام المسلمين، كما سبق أن ذكرنا كذلك كانت تقدم منحة مماثلة لبيت التعليم اليهودي في القاهرة(43). ولقد أوردت الجنيزا تلك المواضيع الدينية اليهودية التي عرضت على السلطات الإسلامية، مثلما حدث حين اعترض اليهود على قوانين إبراهيم بن موسى بن ميمون الاصلاحية واعتبروها بدعة، وقدموا للسلطات الإسلامية بذلك التماساً لإلغائها، وكان ذلك في عهد العادل أخي صلاح الدين وخليفته في حكم مصر(44). 

وبمراجعة العديد من الوثائق نرى فيها الشريعتين الإسلامية واليهودية تعملان معاً وفي وقت واحد, وتشهد بوضوح في بعض الحالات أن الشريعة الإسلامية تطبق في الأمور التي تختص بالممتلكات غير المنقولة, كما نرى التقسيم لملكية البيوت على أساس الـ24 سهماً(45). ففي القرن 13م في عام 1232م رفعت جماعة متنازعة على صفقة منازل دعوى في مدينة بلبيس أمام المحكمة الإسلامية, "وتم التقسيم وفقاً للشريعة الإسلامية"، وتم التصديق على هذا الحكم أمام محكمة الربانية(46).

وحيث إن التجارة بين مختلف الأماكن تحتاج إلى تقارير وقوائم مكتوبة؛ لذلك كان من الطبعي أن تعاوننا التجارة وتقدم لنا الكثير عن التاريخ الاقتصادي. ولقد قام غويتاين بجمع ودراسة ما يزيد على 300وثيقة تتعلق بتجارة الهند في القرنين 11و12م(47)، نرى في تلك الوثائق: أسعار المنازل وإيجاراتها، وثمن البضائع المختلفة وتكاليف شحنها من بلد لآخر، وتقنية هذه الأعمال ومقدار حجمها وكميتها، وتكاليف المعيشة آنذاك، وكيفية تنظيم المشروعات الصناعية مثل صناعة الزجاج والسكر. وإنه لمن المدهش أن استطاعت وثائق الجنيزا أن تعطينا صورة حية لحياة الكادحين والصناع خصوصاً أصحاب الحرف والعمال الذين لم تكن لهم الفرضة للكتابة عن أنفسهم(48). 

وفيما يتعلق بموضوع الحياة العائلية فالجنيزا غنية بموضوعات شائقة ومتنوعة عنها, وقد سبق أن ذكرنا أنه في ذلك الوقت لم يكن الزواج مجرد عقد اتفاق عرفي ولكنه كان اتفاقاً حقيقياً موثقاً، فهو عادة يرتبط بالاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية لكلا الطرفين المتعاقدين على الزواج. وبالإضافة إلى عقود الزواج الكثيرة فإن هنالك العديد من أحكام ووقائع جلسات المحاكم، والمتصفح للمادة الوثائقية يرى أن مركز المرأة الحقيقي في المجتمع كان أقوى بكثير مما ذكر في كتب المشرعين وفي بعض المصادر الأدبية الأخرى؛ فالمجتمع اليهودي -فيما يتعلق بالطبقة الوسطى منه- كان مجتمعاً أحادي الزواج في الأغلب الأعم, وكان طبيعياً أن يشتمل العقد على شرط بألا يتخذ الزوج زوجة أخرى، وألا تكون له محظية(49). وفي عقود زواج الجنيزا كان للزوجة في الغالب الحق في اختيار سكن الزوجية, ولم يكن للزوج حق السفر "دون موافقة زوجته ورضاها".

وغني عن القول أن أعظم هدية قدمتها الجنيزا هي الإدراك الودي لروح وأفكار أهل حضارة العصور الوسطى، فهي لم تزودنا فقط بخطابات خاصة, ولكنها زودتنا بخطابات أعمال لرجال مثقفين في مجموعاتهم، وهؤلاء التجار الذين كانوا بشراً بالفعل ومهذبين للغاية كانت لهم أيضاً اتجاهاتهم الفلسفية ونظرتهم نحو المكسب والخسارة.

وبالعودة إلى موضوعات التاريخ في وثائق الجنيزا أثناء حكم المماليك- وهم عبيد من أصول تركية أو شركسية، أصبحوا سادة لبلد ليس لهم أي رباط بأهله سواء على المستوى الإثني أو اللغوي أو الثقافي سوى انتمائهم المشترك للإسلام - فقد شهدت مصر في عهدهم أشد الفترات سوءًا في تاريخها، وسوف تلقى الأقليات الدينية وحتى السكان المسلمون كل أنواع السلطوية والاضطهاد والاغتصاب وتفاقم الانفعالات الاستبدادية في حياتهم اليومية، وسوف تتصاعد سطوة علماء الدين ففي هذا العصر سوف يذاع صيت أحد علماء الدين وهو ابن تيمية (ت1328م) والذي كان من أهم المتشددين في أوانه ضد "الكفار" و"الهراطقة". لقد انطوت -إلى حين- في أراضي الإسلام صفحة الحضارة والانفتاح والتسامح(50).

ومن علامات القدر أن قضية عمل النساء التي لم تكن مثارة تقريباً في عهد الفاطميين وفقاً لما جاء في وثائق الجنيزا أصبحت قضية حادة ومقلقة. لقد عمد المماليك على دعم احتكارات الدولة، مما أصاب الصناعة الخاصة في البلاد بالخراب دون أن تؤدي تلك الخطة إلى رفع مستوى معيشة الشعب(51). 

وعلى الرغم من ذلك فلابد من ملاحظة أنه بالرغم من حالات الاضطهاد والتعذيب, لم يتأثر أبداً التنظيم الطائفي لليهود الذي يعد أحد أسس القانون العام في أرض الإسلام.

وشهدت اليهودية المصرية في ظل حكم العثمانيين تحسناً في أوضاعها وتغيراً في بنيتها الداخلية، وهناك ثلاث وقائع هامة شهدتها اليهودية المصرية تحت الوصاية العثمانية:

1- تدفق كبار الدكاترة العلماء من أصول إسبانية على ضفاف النيل, نذكر منهم "رابي ديفيد بن سلمون بن زيمرا"(52) الذي سيصبح الحاخام الأكبر للقاهرة في عهد العثمانيين, ورابي يعقوب كاسترو, ورابي موسى بن إسحاق الأشقر. وهكذا تكونت في البلاد ثلاث إبراشيات إحداها للمستعربين (السكان الأصليين)، والثانية للمغاربة (القادمين من شمال أفريقيا) والثالثة للأسبان وكان لكل منها محكمة خاصة بها لها مؤساستها.

2- تعديل التنظيم الطائفي بإلغاء وظيفة الناجد حوالي عام 1560م, سوف تقوم الدولة فيما بعد بتعيين الحاخام الأكبر, كما ستتصاعد عملية "التطبع بأوربة" و"التجرد من الطابع المصري".

3- تقلد اليهود مناصب المسئولية المالية للدولة ووظائف محصلي الضرائب ومديري هيئة صناعة النقود ومهمة الصيارفة الرسمين(53)، فاليهود هم الذين سوف يزودون السلطة القائمة بكبار الموظفين الذين يصبحون أول من يعاني من تغيرات النظام، ومن المشاحنات فيما بين العائلة المالكة، وأيضاً من الوطنية المصرية, لقد تدهورت أوضاع يهود مصر خلال القرنين 17و18م مما كان له أثره على مستواهم الثقافي، وكان الفساد قد انتشر في البلاد على الوضع نفسه الذي كان حاصلاًَ في رأس الإمبراطورية التي كانت آنذاك في حالة انحدار. إن حالة اليهود كما يصرح الجبرتي لم تكن على ما يرام في النصف الثاني من القرن 12هـ. وفي الحقيقة كان مصير يهود مصر يسير بوجه عام وفق ما شهدته مصر من تأرجحات وتقلبات، وهو ما كان يشبه أيضاً مصير مواطنيها المسلمين والأقباط, كما يمكن تصوير تاريخ مصر خلال القرنين الماضين على شكل منحنى متصاعد في النصف الثاني من القرن 19 وبصفة خاصة خلال الفترة 20-1930، ثم يبدأ في الانحناء ببطء من الأربعينات حتَّى يسقط بطريقة حادة في العقد التالي(54)، وعموماً فوثائق الجنيزا الممتدة من القرن 16 وحتى ق19 تعاني من الإهمال والتجاهل إلا من أوراق صغيرة خص بها أصحابها العصر العثماني وهي:

1- الفصلة التي ضمنها أندرية ريمون في كتابه تجار وحرفيو القاهرة في ق18م.

2- دراسة "إريه شمو يلفتر Shmuelevtz, Areyeh" "اليهود في القاهرة زمن الفتح العثماني"، وذلك ضمن مجموعة الأبحاث التي ضمنها الكتاب الذي أشرف على نشره سفير إسرائيل السابق بالقاهرة شيمون شامير بعنوان "يهود مصر" في لندن عام 1981.

3- بحث مايكل ونتر في الكتاب نفسه عن "اليهودية والمصرية خلال الفترة العثمانية كخلفية للعصور الحديثة"، ثم أعاد نشره في كتابة الذميون: اليهود والنصارى ضمن فصول كتابه "المجتمع المصري في ظل الحكم العثماني 1517-1758م"(55).

4- محاضرة لمارك كوهين أستاذ دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون والأستاذ الزائر بالجامعة العبرية بالقدس في المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة بعنوان "وثائق الجنيزا بالقاهرة مصدر للتاريخ المصري"(56).

5- كما ألقى د/إبراهام دافيد الأستاذ بالجامعة العبرية محاضرة بعنوان "يهود مصر في نهاية العصور الوسطى". ويلاحظ أن هذه المحاضرات كانت دليلاً واضحاً على قاعدة خاصة بالباحثين اليهود الذين يخضعون كل ما يتعلق بتاريخهم وثقافتهم "للتوظيف السياسي"، وقد اعترف المحاضر-ضمناً، وعلى غير ما أراد الذهاب إليه- بتمتع اليهود المصريين بالحرية الاجتماعية داخل إطار الحياة العامة للمجتمع المصري, وأنه لم يكن هناك قيد على حركتهم في جميع المجالات، وأنهم عاشوا في كل مكان على أرض مصر، وباعتبارهم مصريين لم ينعزلوا داخل "جيتو" سكان كما كان يعيش أقرانهم في أوروبا. والحادثة التالية تدل على تغير الأوضاع وبزوغ روح التسامح عند الحكام الجدد؛ ففي إحدى القضايا الأولى التي نظرت أمام قاضٍ عثماني في القاهرة أثناء فترة حكم الوالي "خايربك", كسب أحد اليهود الأتراك قضية ضد أحد أمراء المماليك، ففاجأ قرار القاضي -الذي أصدر الحكم- القاهريين الذين لم يعتادوا على أن يقاضي يهوديٌ أميراً مملوكياً, ناهيك عن أن يكسب القضية!(57).

وبالنسبة لوثائق وأوراق الجنيزا الجديدة فقد نشر دليل عام لها يحتوي على مضمون تلك الوثائق، لعله يساعد الدارسين في سبر أغوار تلك المصادر, وحيث صنفت تلك المصادر الوثائقية إلى موضوعات تخص: التعليم, والشؤون الدينية, والحياة الاجتماعية, والنظم الاقتصادية، أغلبها تنتمي للنصف الأول من القرن العشرين، وتنتظر الباحثين للعمل فيها، وإخراج دراسات جادة في تاريخ مصر والمنطقة العربية وحوض البحر المتوسط(58).

وبعد، فمن المحقق أن كُتاب الخطابات والحجج التي وجدت في جنيزا القاهرة كان معظمهم من اليهود, على أن ما لا يقل عن 80% من هذه الوثائق المحفوظة لم يكتب بالعبرية, ولكن كتب بالعربية, لغة حضارة ذلك الوقت، ولقد ذكر المسلمون والمسيحيون كثيراً في هذه الوثائق. الأمر الذي لا يعطي انطباعاً بأن اليهود في ذلك الوقت كانوا أقل حركة من أعضاء المجتمعات الأخرى. على أية حال, فإن القدر الهائل من حرية الحركة الذي تمتع به الناس والذي عكست لنا صورته جنيزا القاهرة كان من المستحيل أن يتحقق ما لم يكن لهذا الشعب حق قانوني في ذلك, وما لم يسمح بذلك مناخ السياسة العامة في الولايات المعنية، وأبلغ شهادة عن حرية الحركة هذه تأتي من الصمت عن تقلصها وتوقفها في آلاف خطابات الأعمال والخطابات العائلية الكاملة والقطع المتناثرة من هذه الخطابات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) لعل أزمة جويل بينين وكتابه "تاريخ شتات اليهود المصريين.." الصادر في نسخته العربية عام 2008خير مثال على ذلك، فقد تصدى له البعض وكان في طليعتهم المرحوم د/رؤوف عباس وسانده أعضاء الجمعية المصرية للدراسات التاريخية حتى أنهم أقاموا ندوة الجمعية السنوية كرد على ذلك المجلد، وكانت الندوة تحت عنوان "اليهود في البلاد العربية".

2) انظر: جمال عبد السميع الشاذلي: التاريخ اليهودي.يهود الدول العربية ويهود أمريكا,القاهرة,2004,ص3-13.

3) انظر التفاصيل: في أحمد فؤاد السيد؛ اوراق جينزة القاهرة. هل هي امتداد لعلم البرديات العربية ودراساته؟ دراسة نقدية للأبحاث المستخلصة من أوراق الجنيزا اليهودية" في ندوة عن الدراسات البردية في مصر, مركز الدراسات البردية, جامعة عين شمس, القاهرة, 1983, ص249، على أن تدابير الاحتياط التي أخذت بها السلطات الحكومية (الإسلامية)- في بعض الأوقات- لا يمكن أن تسمى بنقض لحرية الحركة لليهود, فقط في بعض الاوقات المتاخرة, تحت حكم صلاح الدين نجد في خطاب مرسل من الإسكندرية إلى عدن رجلاً يعبر عن خشيتة من ألا يسمح له ناظر الميناء بالسفر لشكه فيه، لسبب واحد وهو وصوله على مركب إفرنجي .. للتفاصيل راجع: غويتاين, "وحدة عالم البحر المتوسط في أواسط العصور الوسطى" في كتاب: دراسات في التاريخ والنظم الإسلامية, ت: عطية القوصي, القاهرة,ص411.

4) راجع: ابن منظور;لسان العرب, القاهرة 1301, مادة: ج ن ز؛

-The ENCYCLOPAEDIA Of Islam (New EDITION), Vol, 11, LEIDEN, 1991,P.987.

5) وكان J.Sadan قد نشرها بالمقارنة مع مثيلاتها عند السيوطي والزركشي في بحثة المعنون:

-J.SADAN; "Geniza And Genia-Link Practices In Islamic And Jewish Tradition In Bibliotheca Orientalis XL111 No. Y2,1986.

6) معبد ابن عذرا في مصر القديمة أو كما يسمية البعض معبد الجنيزا نظراً لاكتشاف العديد من أوراق الجنيزا الهامة في حجرة بالمعبد, ويرجع تاريخ بنائه إلى حوالي ق14م, ويقال: إنه كان كنيسة للنصارى باعها ابن طولون لليهود، واشتراها إبراهيم بن عزرا ولذلك أطلق اسمه عليه (ولا ندري من هو إبراهيم هذا) ولكنه ليس بالتأكيد إبراهيم بن عزرا الشاعر اليهودي الأندلسي الذي عاش في القرن 12م. انظر: عبد الرازق قنديل,"المعابد اليهودية في مصر", مجلة رسالة المشرق, مج3 ومج4, ع1 لسنتي 94-1995, القاهرة, ص321؛ النبوي جبر سراج؛ "أهم المعابد اليهودية في مصر", في: الجنيزا والمعابد اليهودية في مصر, مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة, 1999, ص71-144.

7) انظر ما يلي: سطفان رايف, "وثائق الجنيزا القاهرية فى مكتبة جامعة كمبدريج" فى دوريةB.I,A,C,C,, ع12 لسنه 1989؛ حسنين ربيع ورفاقة؛ دليل وثائق وأوراق الجنيزا الجديدة, مركز الدراسات الشرقية, آداب القاهرة, 1992, ص3-4.

BERNARD. LEWIS; "sources For The Economic History Of The Middle East" In: Studies In The Economic History The Middle East Form The Rise Of Islam To The Present Day; Edited By: M.A Cook, Oxford Univ…, London, 1970, p83.

8) The Jewish ENCYCLOPEDIA, Art. GENIAH.by: E.N.A; London And N.Yoork, ; Vol.5, MDCCCV1, p612. 

ألفريد مورابيا؛ "يهود مصر في ظل الإسلام من الفتح العربي إلى حملة بونابرت 641 إلى 1709؛ في: جاك حسون (محرر)؛ تاريخ يهود النيل, ت: يوسف درويش, القاهرة, 2007, ص55-56؛ حسنين ربيع ورفاقة, دليل... مرجع سابق, ص8.

9) ويعتقد أنه نتيجة للجهود المشتركة للسيدتين "أجنيسى لويس ومارجريت جبسون" –اللتين كانتا لهما دور معلوم في التعريف بوثائق دير سانت كاترين في سيناء مصر- من إسكتلندا واللتان لفتتا الانتباه لوجود هذه المجموعة. وللدكتور شارل تايلور مدير كلية سانت جونز وللدكتور سولومون مشختر الباحث في التلمود تم ترتيب زيارة الأخير للقاهرة ... للتفاصيل انظر: The Jewis Encyclopedia Op. cit,p.612.؛ ألفريد مورابيا؛مرجع سابق, ص55-56؛ مجلة "قوس قزح", ع21, سبتمبر 1991, تل أبيب, ص8-9.

10) عن الوثائق الجنيزية في البحر الأحمر وخاصة في صقلية راجع:

- The EncyclopAEDIA of Islam (NEW Edition). ART: GENIZA. by,S.D.Goitein, Vol.11, LEDIEN.J.Brill, 1991, p987.

11) حيث وجدت بعض أوراق من الجنيزا في المعبد اليهودي بحلب تعود للقرن 14م, وفي عام 1898 نقلت تدريجياً بمحتوايتها بعد أن غطتها الأتربة إلى المقبرة اليهودية في المدينة نفسها.. انظر:

- The Jwish Encyclo Pedia,Op.Cit,P.613.

12) The Jewish EncyclopEDIA, Op.Cit,p.613.

13) Paul E.kahle ; The Caiho Geniza; Oxford, 1959, p5.

14) راجع: حسنين ربيع ورفاقة؛ مرجع سابق, ص15.

15) انظر: المرجع السابق, ص15.

16) انظر: غويتاين، مرجع سابق، ص387، the jewis encyclopedia .op.cit.p.612 

17) انظر: حسنين ربيع ورفاقة؛ دليل... مصدر سابق؛ ص11-14؛The Jewish Encyclop EDIA.Op.Cit,P.612.؛ ش.ق. رايف؛ "مجموعات الجنيزا بمكتبة جامعة كامبردج" في: موردخاى فريد مان (محرر) دراسات في جنيزا القاهرة, ت: النبوى سراج؛ سلسلة الدراسات الدينية والتاريخية، مركز الدراسات الشرقية بالقاهرة, 2002, ص150- 152.

18) حسنين ربيع ورفاقة؛ مصدر سابق؛ ص14 -16؛ ويجدر بالذكر أن رئيس المعبد أثناء تلك الزيارة كان هو "الرابى رافاييل بن شمعون Rafil Ben Shimon" والذى سمح لأدلربأخذ جوال يحتوي على كل المتوافر من المخطوطات والأوراق الجنائزية. كل ذلك تم في مدة أربع ساعات فقط .."In About Four Hours".

راجع:- The Jewish Encyclopedia; Op.Cit,P.612.

19) راجع حسنين ربيع ورفاقة, مصدر سابق, ص20-21.

20) المصدر السابق؛ ص21.

21) عن البردى وأهميتة بتوسع انظر:

- ADOLE. GAOHMANN ; FROM The World Of ARABIC PAPYRI ;1952 

وهو من مطبوعات الجمعية المصرية للدراسات التاريخية؛

A.H.S.EL-Mosalany (Editor) PROCEDINGS Of The XIX th International Congress Of Papyrology, A1N SHAMS Univer.- CENTER Of PAPYROLOGICAL FTUDIES, 2vol,Cairo,1992.

22) انظر: غويتاين؛ كما توجد بعض الكتابات التي اعتمدت بصورة أساسية على أوراق البردي في تأريخها ليهود مصر- انظر:هنز؛ الحياة الاقتصادية في العصر الوسيط ونصوص من مخطوطات أوراق البردي. من مصدر يهودي بالقاهرة, هايدلبرنح, 1954 (بالألمانية).

23) انظر –B-LEWIS ;Fources For The …;Op .Cit,P.82.

24) راجع –The ENCYCLOPAEDIA Of ISLAM ;Op.Cit,P.987.

25) في الحقيقة. ليس من السهل علينا أن نقرر متى كان إنسان الجنيزة يحتاج إلى الكتابة بالعربية ومتى كان يحتاج إلى الكتابة بالعبرية, ويبدو أن معظم الرسائل المتصلة بالأمور الاجتماعية أو الدينية كانت تكتب بالعربية, بينما كتبت الرسائل الخاصة ورسائل الأعمال بالعربية, كذلك كتبت الحجج الشرعية عدا عقود الزواج وقسائم الطلاق, في معظمها بالعبرية ايضاً ... 

26) للمزيد من التفاصيل انظر:الفصول16،15،13مرجع غويتاين السابق الذكر.

27)

28) ؛ جان سوفاجية وكلود كاهن؛ مصادر دراسة التاريخ الإسلامي, ت: عبد الستار الحلوجي ورفيقة؛ القاهرة, ص44.

29) للتفاصيل انظر: أحمد فؤاد السيد, مرجع سابق, ص235-280.

30) خير من يمثل تلك الدراسات هو غويتاين في مجلداته الخمس والمعنونة:

S.D.GOITEIN ;A Mediterranean society .The JEWISH COMMUNITIES Of ARAB AS FORTRAYEO IN The DOCUMENTS The CAIRO GENIZA, Volume5, PUBLISHED UNDER THE AUSPICES Of The NEAR EASTERN CENTER UNIVERSITY Of CALIFORNIA .LOS ANGELES, 1967.

31) انظر: أحمد فؤاد السيد؛ مرجع سابق, ص260.

32) المرجع نفسه, ص261.

33) انظر: نفتالى فيدر؛ التأثيرات الإسلامية في العبادة اليهودية, ت: محمد سالم الجرح, ط1, القاهرة, ص13؛ أحمد فؤاد السيد, مرجع سابق, ص261.

34) راجع: غويتاين.

35) انظر: أحمد فؤاد السيد, مرجع سابق, 264.

36) انظر: ألفريد مورابيا؛ مرجع سابق؛ ص60؛ "خطابات ووثائق عن تجارة الهند في العصور الوسطى"؛ في كتابه: دراسات في التاريخ الإسلامي ..., مرجع سابق, ص453-483.

37) كثيراً ما كان للشخصيات اليهودية الهامة اسمان: أحدهما عبري، كان يستعمل فيما بين الإخوة في الديانة والآخر اسم عربى استعمل خارج نطاق الطائفة, ويلاحظ في وثائق الجنيزا أنه فيما عدا استثناءات نادرة لم يحمل يهود مصر أسماء توراتية, كانت أسماؤهم في الغالب عربية وزاهية مثل "ملكة الذهب" و "صاحبة اللؤلؤ".

38) انظر: غويتاين؛ "وثائق جنيزا القاهرة.., مرجع سابق, ص392.

39) ألفريد مورابيا, مرجع سابق, ص67-70.

40) نشرت بالعبرية مع ملخصات بالإنجليزية أوردها "شاكد" تحت أرقام 52,32,28,23 في:

S.SHaked; A tentative Bibliography Of Geniza Document ; Paris, 1964

41) للتفاصيل: غويتاين, مرجع سابق, ص400.

42) Jacob mann.jews in egypt and Palestine under the fatimid caliphs.vol.i.ox ford1922.p.38

43) انظر: غويتاين, مرجع سابق, ص402.

44) للتفاصيل يرجع إلى مؤلفات أدولف جروهمات عن أوراق البردي المصرية. في مكان آخر من الدراسة.

45) انظر: غويتاين, مرجع سابق, ص403.

46) انظر: غويتاين, خطابات ووثائق عن تجارة الهند.. مرجع سابق, ص453-483.

47) انظر: غويتاين.

48) في أحد الخطابات المرسلة من أحد الحرفين- يرجع إلى القرن 15م- ويتصدره السلام والتحيات للشيخ عبداللطيف (لقب الشيخ لم يكن قتصراً على المسلمين وحدهم)، وأنه في أحسن صحة، وأن المركب قد أبحرت به حتى وصلت إلى مدينة سمنود، وأن الحال متوقفة في المدينة عكس الحال في القاهرة, ولسوف يقضي عيد الفصح مع أهله وناسه في القاهرة... انظر: محاسن الوفاء؛ دراسة ثلاثة وثائق من الجينزا القاهرية" في دورية جامعة عين شمس. مركز الدراسات البردية والنقوش, ع17,2000، ص300-301، ويجدر بنا التنوية أن تلك الوثيقة نشرها للمرة الأولى "أشتور" في:

History Of The Jews, 111,Fragment The Cairo Genizah. 

49) للتفاصيل راجع: غويتاين, مرجع سابق, ص403-404, ويتسائل غويتاين عما إذا كان عقود الزواج الإسلامية المعاصرة لوثائق الجنيزا تحتوي نفس الشرط السابق؛ ونجيب بالإيجاب، ويمكن الرجوع في ذلك إلى عشرات الدراسات التي كان مصدرها الرئيس سجلات المحاكم الشرعية الإسلامية.

50) انظر: مايكل ونتر؛ المجتمع المصري تحت الحكم العثماني, ت: عبد الرحمن آل الشيخ؛ القاهرة.

51) انظر: ألفريد موربيا, مرجع سابق, ص73.

52) يعتقد أن هذا الحاخام هو نفسه "الرابي بن داود بن زمرة" الذي وصل إلى مصر قادماً من الأندلس عام 1492م، وقام ببناء معبد سمى على اسمه, والبعض يعارض هذا التوجه على اعتبار أن هذا المعبد كان موجوداً في حوش السيوف بالقاهرة... راجع عبد الرازق قنديل, "المعابد اليهودية في مصر" في دورية رسالة المشرق, القاهرة مج3 ومج4, ع4 وع1 لسنتي 1995-1994, ص316-317.

53) انظر: ألفريد مورابيا, مرجع سابق, ص75.

54) للوقوف على وجهة نظر المؤرخين اليهود لتأريخهم خلال القرنين19 و20 راجع: محمود سعيد عبد الظاهر؛ "مدرسة المؤرخين الجدد في إسرائيل" في دورية رسالة المشرق, مج10، ع1-4, القاهرة,2001، ص173-221؛ جوردون كرامر وألفريد مورابيا؛ "في مواجهة الحداثة: اليهود في القرنين التاسع عشر والعشرين" في: جاك حاسون (تحرير) تاريخ يهود النيل... مرجع سابق, ص79-108.

55) ترجم إلى العربية بواسطة إبراهيم محمد إبراهيم في سلسلة الألف كتاب الثاني عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2001؛ وبالعودة إلى تلك الفصلة من الترجمة العربية (ص298-339 و415-421) لم نعثر على أية استشهادات بوثائق الجنيزا!

56) راجع: عرفه عبده على؛ تهويد عقل مصر, القاهرة, 1989, ص36؛ كما يذكر في مكان آخر (ص30) أن وفد من الأكاديمين الإسرائيلين زاروا المعابد اليهودية ودار الكتب المصرية في أكتوبر 1979 حيث قاموا بتصوير بعض الأوراق والمخطوطات, وكان من بين هؤلاء الأساتذة إبراهيم دافيد ومارك كوهين ويوسف سادات وآخرون.

57) انظر: مايكل ونتر؛ مرجع سابق, ص300؛ ويبدو أن أكثر الصعوبات التي حاقت باليهود خلال الحقبة العثمانية حدثت أثناء ثورتين (تمردين) قام بها المماليك ضد السيادة العثمانية، وهما تمرد أحمد باشا الخاين في 23-1524م وتمرد علي بك الكبير في الفترة 69-1773م.

58) انظر: حسنين ربيع ورفاقة؛ مصدر سابق؛ ص28-76.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/9/196

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك