مستقبل الإسلام السياسي

 (مشاكله والخيارات المتوفرة)

بقلم كراهام إي. فُلر

ترجمة :مركز العراق للدراسات والبحوث المستقبلية

       يواجه الاسلاميون مشكلة مهمة جداً وهي هل انهم سيكونوا قادرين على النهوض امام التحديات التي تواجه القيادات غير الفاعلة او القيادات المستقبلية؟ ان الاسلاميين قادرون على تحديد ومعالجة مشاكل كثيرة لكن تحقيق النجاح يتطلب منهم التحرك في مدارات اوسع من ادوارهم التي يؤدونها في الوقت الحاضر هذا اذا رغبوا في ان يكون لهم اثر بليغ في احتياجات المجتمع.
الاسلام كأيديولوجية:

   يؤكد التحليل في هذا الكتاب على ان الاسلام لا يمكن النظر اليه كبديل لايديولوجيات اخرى مثل الديمقراطية والفاشية والاشتراكية واللبرالية والشيوعية، حيث لا يمكن تحديد الاسلام بنوع معين من الايديولوجيات بل من الافضل تعريف الاسلام على انه تعدد ثقافي. ومن الصعب القول بان الاسلام برنامج منعزل بذاته رغم امكانية تحدي بعض الاتجاهات مثل اجندة اجتماعية محافظة, الدعوة الى التغيير السياسي والدعوة غير المباشرة لتبني القانون الاسلامي. لذا فان الاسلام ليس ايديولوجية بل هو اطار سياسي ثقافي ديني للتفاعل في القضايا التي تهم المسلمين الناشطين سياسياً.

 

الاسلام الذي يقول لا:

  يجب على الاسلامين ان يطوروا اجندة بناءة سلمية ايجابية واضحة للدولة والمجتمع، فاذا اصبحت مسألة "الاصالة" هدفاً مهيمناً على الاحزاب الاسلامية فان هذا سوف يعرضهم للادانة بانهم يتبنون دوراً سلبياً في الدفاع عن الموروث الثقافي وانعدام الرؤية المستقبلية وهذا يعني ان الاحزاب تمثل (الاسلام الذي يقول لا) أي انهم سيمثلون منهجاً سلبياً يركز فقط على ما هو محرم وممنوع، حيث اننا نرى اهتماماً ضئيلاً بالامور التي تبعث الامل والبهجة عند المتطرفين الاسلاميين، لذا فان من الوظائف الاساسية للدين هو زرع روح الامل والتمعن في نظرة الآخرين للحياة، الا ان (الاسلام الذي يقول لا) قد فشل فشلاً كبيراً في هذا المشروع، ويتركز هذا الفكر من خلال التأكيد على الاخطار التي يواجهها العالم الاسلامي من قبل الدول الغربية، ويبدو هذا الامر جلياً من خلال موقف المسلمين الرافض للعالم الخارجي بدلا من التركيز على الهدف الايجابي لتحسين الحكومة والمجتمع في العالم الاسلامي وبالنهاية يمكن للمجتمعات الاسلامية ان تقاوم الهيمنة الغربية وان تتخذ منهجاً مختلفاً عن المناهج الغربية من خلال تحسين الحكومة الاسلامية.

  وقد اتخذ المتطرفون الاسلاميون منهجاً لتقليص الاسلام الى رمزية الشريعة ثم تقليص الشريعة الى القانون العائلي وقانون العقوبات "أي الحدود" . ومثل هذا الموقف سوف يجعل الاسلاميين مصدر ازعاج للمجتعمات التي يعيشون فيها، وبهذا فانهم يتخلون عن مسؤولياتهم في جعل القيم الاسلامية مهمة وقابلة للتطبيق في القضايا الاقتصادية والاجتماعية المعقدة في الحياة اليومية.

 

الدفاع عن التقاليد او التغيير:

   يعيش الاسلاميون بين محورين هما: اما ان يكونوا حراساً للتقاليد او ان يكونوا في طليعة حركة التغيير، وقد ادرك الكثير منهم بان التغيير هو شيء اساسي في المجتمعات الاسلامية لكن لكي يقوموا بدور الاصلاح يتوجب عليهم التعاون بل وحتى منافسة العلمانية اللبرالية. فلسفياً يمكن الوصول الى حل وسط لكن واقعياً نرى ان كل حزب يريد ان يزيد من دائرة انتخابه فالاسلاميون لا يمكنهم تجاهل الدائرة الانتخابية المحافظة في المجتمع لكن هذا ربما يجبرهم لاتخاذ مواقف محافظة متشددة وتأييد واقع المجتمع ,ففي الكويت على سبيل المثال انفصل الاخوان المسلمون الى مؤيد ورافض لحق المرأة في الانتخاب، وادت النقاشات حول هذه المسألة الى تشكيل مجموعتين اسلاميتين مختلفتين احداهما متطرفة (السلفية والوهابية) والاخرى اكثر اعتدالاً.

  كيف يجب على الاسلاميين التعامل مع الليبراليين؟ فاذا وسعوا ذخائرهم في الهجوم على اللبراليين كما هو الحال في مصر والكويت في المسائل الثقافية والاقتصادية فانهم بذلك يؤيدون جدول عمل الحكومات التي تحكم المسلمين وهي اضعاف المصلحين اللبراليين وغلق الطريق امام حركة التغيير وبالتالي فان الاسلاميين يضعفون قوى التغيير التي تفيد الاسلاميين انفسهم من خلال الانفتاح السياسي المتزايد. ففي الاوقات العصيبة تميل المجتمعات والايديولوجيات للرجوع الى الاسس التي تؤمن بها، لذا فان الاسلاميين يمكن ان يعودوا الى التفاسير التقليدية القديمة للاسلام وخاصة في القضايا الاجتماعية في تحديد دور المرأة في المجتمع والى ارتداء نوع معين من الازياء والدعوة الى المحافظة على الاداب ونبذ الفنون المحرمة مع الاصرار على فصل الذكور عن الاناث في الجانب التعليمي.

 

الانشقاق الليبرالي ـ المحافظ بين الاسلاميين:

  بينما تستمر الحركات الاسلامية بالتكاثر فان الليبراليين ينشقون عن الاسلاميين المتطرفين والمحافظين، السؤال هو مَن مِن تلك المجموعات سيكون افضل؟ هذا يعتمد على الوقت والبلد والظروف المحلية، ففي باكستان على سبيل المثال نشاهد مظهراً مقلقاً للمنظمة الاسلامية ذات التوجه السياسي (جماعتي اسلامي) تحت ضغط مشدد من قبل جماعات اسلامية متطرفة لا تتبنى الحلول الوسط في القضايا الاجتماعية والطائفية ومثال ذلك قضية كشمير. ويعزى الوضع المتدهور في باكستان الى ظهور جماعات اسلامية متطرفة في باكستان، لكن في تركيا حيث نجد درجة معينة من الرفاه وعدم وجود حالة التفجر الداخلي في المجتمع نرى ان الحزب الاسلامي مثل "حزب الرفاه او حزب الفضيلة" يبدو قوياً وان المتطرفين الاسلاميين قلة قليلة ليس لها اثر في المجتمع .لذا فان حركة الاسلاميين تشهد تنافساً على المستوى الاجتماعي فقط من قبل حركة فتح "الله كولن" السياسية الاسلامية، الا ان هذه الاختلافات لا تؤدي بالضرورة الى تلك الانشقاقات لكن الاسلاميين ارغموا على توجيه النقد العلني الى جماعات اسلامية اخرى خاصة عندما يشعرون بانهم تحت وطئة السلاح من قبل الانظمة المحلية  اضافة الى الحكومات الغربية المعادية. لكن بعد احداث الحادي عشر من ايلول بدأنا نرى ظهور الانقسامات بين المتطرفين والاسلاميين المعتدلين.

 

الاسلام يتجه نحو اليسار:

   احدى النقاط المهمة في هذا الكتاب هي الغياب المدهش للجانب اليساري في الطيف السياسي لاغلب الدول الاسلامية وهذا يؤدي بنا الى التساؤل فيما لو سيأخذ الاسلاميون الفائدة من ذلك الفراغ، على الرغم من ان الشيوعيين والاشتراكيين الذين ظهروا في فترة الحرب الباردة قد فقدوا اهميتهم في العالم الاسلامي الا ان (الجانب اليساري) لا يمكن ان يختفي حيث يعتبر جزءاً مهماً في الطيف السياسي الذي يركز على اشعال التهم والقضايا الاقتصادية والاجتماعية. ان تأكيد الاسلاميين على مبدأ العدل سيؤدي بصورة طبيعية الى موقف متطرف في القضايا الاقتصادية والاجتماعية ومع ذلك فقد اظهرت الحركات الاسلامية تحفظاً اقتصادياً واجتماعياً ملحوظاً خاصة بما يتعلق بالحاجة الملحة للاصلاح الاقتصادي والاجتماعي في العالم الاسلامي.

  وفي باكستان ومصر عارض الاسلاميون الاصلاح والذي كان يمثل حاجة ملحة، ففي باكستان عارضوا زيادة ضرائب الدخل وهذا يصب في مصلحة الاغنياء الذين يستفيدون من غياب الضرائب. ان الاسلام ليس دين تطرف احد اهدافه المهمة هو حث الاسلاميين الى اتخاذ سياسات متطرفة في الاصلاح وفي العدل الاجتماعي والاقتصادي بل هو نظام اجتماعي وسياسي عادل لكن احد الخصائص الاسلامية هي الصراع ضد الفساد والذي يشكل التحدي الاسلامي المتطرف للوضع الراهن. وتبقى بعض المسائل الخطيرة مثل سوء توظيف الفوائد الاقتصادية والفرق الشاسع في الدخل والانظمة الاقطاعية والسيطرة على البشر خارج الصورة الاسلامية. بالحقيقة ان ايران هي البلد الوحيد الذي اتخذ فيه الاسلاميون اجندة اقتصادية واجتماعية اكثر تطرفاً، والسؤال هو هل سيخضع الاسلاميون للاغراءات لاتخاذ سياسات اقتصادية اجتماعية متطرفة خاصة بعد وصول المشاكل الاجتماعية الى ذروتها ليقدموا بذلك منجماً غنياً للمكاسب السياسية؟ ويسأل (جوزيف ساماها) وهو احد الكتاب في صحيفة الحياة فيما لو حصل الاسلاميون على شرعية كافية في النظام السياسي لعدة اقطار اسلامية لانهم الآن مقتنعون بترك مسألة (التغيير الكبير).

 

اخطار سياسات الاسلاميين المبنية على ردود الافعال:

  هل سيتم رفض القيم السياسية الغربية المفيدة لانها مشبوهة ولان الاجندة السياسية الغربية مشبوهة ايضاً؟ سيحتاج الاسلاميون الى تحديد ما يريدون رفضه هل انهم يرفضون الافكار ذاتها او مصدر تلك الافكار، هذه المسألة ليست بالسهلة لان المشروع الغربي في قيمه السياسية الموجودة في السياسة الخارجية كان ولا يزال مشروعاً غير عادل مبنياً على المصالح الخاصة كما ويوصف بالازدواجية في المعايير.

   لذا فان الاسلاميين يعانون من حالة الصراع بين الاثنين وأحد الامثلة هو الموقف ازاء العراق حيث ان اغلب المسلمين يعلمون بان صدام حسين قد انتهك كل المفاهيم الاسلامية للحكومة العادلة وقد اضطهد وقتل الاسلاميين وذبح مئات الآلاف من المسلمين في ايران والكويت.لكن على الرغم من ذلك عندما تعرض صدام للجيوش الغربية نظر الكثير بل اغلب المسلمين الى التدخل الذي قام به الجيش الغربي على انه خطر عظيم، وان صداماً بطل لانه وقف بوجه امريكا، ومثال اخر هو حرب حلف شمال الاطلسي ضد التطهير العرقي في كوسوفو عام 1999 والذي تعرض الى النقد الشديد من قبل الكثير من الاسلاميين الذين اظهروا قلقاً شديداً من امكانية توسع قوات حلف شمال الاطلسي لتشمل مناطق اخرى عكس ما اظهره حلف شمال الاطلسي من حماية مسلمي كوسوفو في اوروبا من اضطهاد مسيحيي صربيا.

  وعندما انتقد نائب الرئيس الامريكي (آل غور) رئيس الوزراء الماليزي "مهاتير محمد" عام 1999 بخصوص محاكمة انور ابراهيم وهو قائد اسلامي مشهور شعر الكثير من الماليزيين بالاهانة ليس بسبب رفضهم بل بسبب التدخل الغربي السافر في انتقاد ماليزيا.

  وفي عام 2001 وعلى الرغم من الاعتراف بان هجوم الحادي عشر من ايلول على مركز التجارة العالمية كان جريمة الا ان كل المسلمين تقريباً عارضوا بشدة هجوم الجيش الامريكي على افغانستان وعلى اعلان الولايات المتحدة الحرب على حكومة طالبان لانها تمثل الارهاب، رغم ان العالم الاسلامي في السنوات السابقة عارض بالاجماع نظام طالبان لانه يمثل صيغة اسلامية بدائية محرجة وفي النهاية يُنَظر الى الهجوم الامريكي ضد احد البلدان المسلمة على انه اسوء من النظام او سقوطه.

   لذا فان الاسلاميين يظهرون اهتماماً كبيراً في مهاجمة (اعداء الاسلام) اكبر من اهتمامهم في تطوير قيمهم المستقلة، وهذا يعني ان الاسلاميين يستطيعون ان يعلنوا عن قيمهم المستقلة والتي ربما تتفق او لا تتفق مع القيم والمصالح الغربية عندما يحررون انفسهم من هذا النوع من ردود الافعال.

 

الاسلام والشريعة:

  هل ان الشريعة هي التركيز او الموضوع الاساس للاسلاميين او ان لديهم اهدافاً اوسع؟ يشير المتطرفون بصورة خاصة الى ان ا لشريعة هي العنصر الاساس حيث انها تعتبر البذرة لخلق مجتمع ودولة اسلامية اصيلة، كل هذا يطل على النقاش حول ماهية الشريعة او حقيقة الشريعة، هل يمكن فهمها بصورة ضيقة على انها ليس اكثر من قانون شرعي اسلامي "أي فقه" كما يضعه العلماء؟ ويرفض الاسلاميون المحدثون هذه النظرة الضيقة التقليدية. او هل ان الشريعة هي مبدأ لطرق عدة للوصول الى الخالق؟

  وحتى التطبيق الكامل كما يرى بعض الاسلاميين هو غير كافٍ بذاته لتحقيق ما ارادت الدولة الاسلامية تحقيقه ويمكن تطبيق الشريعة لكن لا تزال الدولة تظهر عجزها عن تكوين حكومة عادلة وحكيمة في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويهتم الاسلام بالمبادئ الاخلاقية وفهم الكون وعلاقة الانسان بالخالق من جهة وعلاقته بالبشر من جهة اخرى.

  ومن الصعب على غير المسلم ان يتساءل عن مركزية الشريعة ليس فقط بالنسبة للدولة الاسلامية بل لاجندة اعمال الاحزاب الاسلامية سابقاً بل يمكن القول بان الشخص غير المسلم لا يرى علاقة واضحة بين تطبيق الشريعة وتكوين مجتمع افضل وحكومة عادلة في العالم الاسلامي في وقتنا الحاضر، ويمكن لبعض الناس انكار اهمية قيم الشريعة دينياً او فلسفياً لكن يمكننا التساؤل عن مركزية الشريعة في حل مشاكل المسلمين الرئيسية في الوقت الحاضر، هل ان الدول الرئيسية في العالم الاسلامي التي تقترب من تطبيق الشريعة في الوقت الحاضر مثل السعودية العربية، باكستان، ايران، افغانستان تحت حكم طالبان والسودان تظهر نجاحاً في الحكم؟ ان الحقيقة التي يجب ذكرها هي انه لا توجد دولة اسلامية استطاعت ان تصنع تقدماً ملحوظاً تجاه خلق مجتمع مثالي على الرغم من انها اقتربت من التطبيق الكامل للشريعة حيث ان تلك الانظمة لم تتقدم تجاه مجتمع مثالي بالمقاييس الدنيوية التقليدية التي يتقاسمها الاسلاميون مثل الانتعاش الاقتصادي، سياسة التعليم، العدالة في المجتمع، التوازن الاجتماعي، معادلة النظام الاقتصادي، حكومة افضل، النضوج الحضاري، القوة الوطنية والتأييد الاجتماعي للنظام الحاكم.

  لكن على الرغم من ذلك فان الشريعة هي شيء اساس ومركزي في المفهوم الاسلامي لتقوية الفهم الاخلاقي للافراد والمجتمع.

  ومن جهة اخرى نرى ان الشريعة تعمل ضمن الاطار الاخلاقي لحياة الانسان وليس القصد منها هو التعامل مع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي اغرقت الدول والمجتمعات الجديدة، ان هذه المشاكل التي تحتوي على عامل اخلاقي يمكن للشريعة ان تضع له خطوطاً عريضة ذات طبيعة قانونية ادارية مؤسساتية تتضمن تطور المجتمع السياسي ضمن البناء السياسي المعاصر ـ ويؤكد الكثير من الاسلاميين المحدثين ان الشريعة هي ليست اداة سحرية ذات نتائج فورية، حيث اشار الاسلاميون في اندونيسيا انهم مهتمون بقضايا اكثر اهمية من تطبيق الشريعة حيث انهم يعملون على تقوية تعليم الدول الاسلامية والصحة والاقتصاد والمجتمع وهذه المهمة تمثل الشريعة العظيمة.

  ان فشل المجتمع والدولة بدأ يتزايد محتِماً بذلك الاصلاح والتغيير في اتجاه الحكومة الصالحة، وان تأكيد الاسلام على مبدأ الحكومة العادلة والمجتمع العادل ما هو الا خطوة نحو التغيير الشجاع وان لم يكن تغييراً جذرياً، لكن بسبب قوة الشريعة الرمزية وطبيعتها المنغمسة في السياسة فان الاسلاميين المحدثين يخطون بحذر لتجنب حالة عدم تقييم دور الشريعة في الحياة المعاصرة، ولا تزال كل تلك المجتمعات التي ذكرناها والتي اتخذت خطوات هامة تجاه التطبيق الكامل للشريعة تعاني من فقدان الاجوبة للكثير من التساؤلات التي تطرح على الحكام والادارة غير الكفوءة والحكومة الفقيرة لابسط مقوماتها واخيراً عدم الرغبة بالسماح للجماهير في المشاركة في العملية السياسية وبدءً بايران فان الجميع منهمكون في السؤال التقليدي وهو اسلام من او أي نوع من الاسلام نحن نتحدث عنه؟ هل ان الحكومة تجيب على اسئلة الناس؟ هل ان للناس رأياً فيما يريدون؟ من له الحق في تفسير الاسلام؟ واي ايديولوجية اخرى؟ هل تحسنت الحياة بصورة كبيرة على المستوى المادي والاخلاقي؟ ومن يتفحص تلك المجتمعات يرى ان مشكلة الفساد والقسوة والابعاد والسياسات السيئة والصراع من اجل السلطة موجودة على الرغم من الجهود الجادة لخلق حكومة اسلامية وخلق دور جدي للشريعة الاسلامية، وعلى الرغم من صعوبة تكوين حكومة متكاملة فمبدئياً يجب ان نتوقع تقدماً هاماً تجاه التطوير في تلك المناطق بسبب وجود الخطوات الجادة في تطبيق الشريعة، بالحقيقة لقد شاهدنا في بعض او اغلب تلك الدول سياسات وظروفاً اسوء من سياسات الدول التي لا تعير اهمية للشريعة، والان يجب ان نكون واضحين جداً فهذا لا يعني سقوط الاسلام بذاته، ويدعى بعض الاسلاميين ان الاسلام السياسي نفسه الاسلام والمشكلة هي ان الاسلام لم يُشرَح بصورة شجاعة فعالة وواسعة بما فيها الكفاية، كما ان الاسلاميين لم يضعوا حدوداً فاصلة واضحة بين القضايا المتعلقة بالاسلام والقضايا السياسية العلمانية، ولم يتم اظهار القيم الاسلامية العميقة او لم تُطبَق في المشاكل السياسية الدولية في الحياة الاجتماعية والسياسية للمجتمع البشري، ان المفاهيم الاسلامية التي تظهر في الفقه والفلسفة السياسية ترتبط بالاماكن والاوقات والظروف التاريخية وهذا ما يجعلها صعبة التطبيق في الوقت الحاضر بدون اعادة التفكير او الاجتهاد، ان الخالق سبحانه لم ينـزل الشريعة كما نراها في السنة النبوية بل انزل القرآن الذي طبقه الرسول الاعظم حسبما يفهمه وبعد هذا قام العلماء بايجاد الشريعة على اساس هذين المصدرين "أي السنة والقرآن" لذا فان الشريعة هي حصيلة اوجدها الانسان على مر العصور وهي ذات تفسيرات مختلفة بخصوص كيفية تطبيق القرآن والسنة في المجتمع، حيث ان التفسيرات تختلف طبقاً للحقيقة المعاصرة، لذا من السهل ان تقبل بالشعار الذي يقول "ان الاسلام هو الحل" بدل من الفكرة القائلة "ان الشريعة هي الحل" حيث ان الفكرة الاولى تقترح بان الاسلام يقدم خزيناً غنياً من الافكار الفلسفية والاخلاقية التي يمكن ان تعطينا خطوطاً عامة لارشاد المجتمعات التي تعاني من مشاكل عديدة.

  اما الفكرة الثانية فتقترح وجوداً مسبقاً لمجموعة من القوانين التي تلبي وتجيب عن كل المسائل بصورة تلقائية هذا اذا ما تم تطبيقها بصورة كلية، لكن الحدود او العقوبات الاسلامية لا تعطي علاجاً تلقائياً فاذا تم سجن السارق او قطع يده فان هذا العمل لا يؤدي الى احداث تغييرٍ كبيرٍ في المشكلة الاخلاقية وهي السرقة، وان القضية الاجتماعية الحقيقية هي فيما اذا كانت العقوبة القاسية او العقوبة الاقل قسوة تكون ذات تأثير بليغ في المجتمع.

  ان الشريعة على دراية كبيرة بالظروف الاجتماعية المختلفة التي تنتج السرقة كما وتعطي الشريعة مجالاً واسعاً للعلماء في تفسير وتطبيق الاحكام، والحال كذلك في جريمة الزنا حيث يمكن وضع عقوبة معينة عن طريق القانون اذا رغب المجتمع في ذلك لكن نوع العقوبة غير محدد باخلاقيات ذلك المجتمع، فهل ان الرجم اقرب الى ارادة الخالق من القتل اذا قرر المجتمع تطبيق عقوبة الاعدام لجريمة الزنا؟ تراث الفقه مرتبط بماضي الاسلام الذي يصعب تطبيق الكثير من خصائصه في الوقت الحاضر، فعلى سبيل المثال مبدأ العبودية كان وما يزال واقعاً انسانياً عاماً في كل المجتمعات منذ بداية البشر حيث انه ذُكر في التوارة والانجيل والقرآن، اما بخصوص معالجته فقد وضعت الشريعة تشريعات بخصوص المعاملة الحسنة للعبيد لكن في الوقت الحاضر لا نرى من المسلمين من يطالب بالعودة لتلك العصور، حيث تبقى القيم الاجتماعية المحافظة محفوظة عند المجتمعات بطرق تتناسب مع العصر الذي يعيشه ذلك المجتمع، لكن ما مصداقية السياسات التقليدية المحافظة المهمة للعصور التي سبقت عصرنا هذا امام الحقائق التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية الحاضرة؟ فلان المرأة مبعدة عن قوة العمل بصورة عامة وهناك الكثير من الاخلاقيات الاجتماعية المختلفة التي تطبق في المجتمعات، وهذه القضايا كلها موضع جدلٍ من قبل كل من المحافظين والمتحررين، ان القيم الاجتماعية المحافظة جيدة ولها وزن وتأثير وقبول بمقدار علاقتها بالاحتياجات والحقائق المعاصرة ويمكن ان تكون المبادئ الاخلاقية الاسلامية اكثر اهمية من خلال اعادة تفسيرها بصورة تنسجم مع الحقائق المعاصرة.

 

مزج الثقافة السياسية الاسلامية والغربية:

 ان المفارقة في الاسلام السياسي في القرن الحادي والعشرين هي ان الاسلاميين يستطيعون ان يبقوا كقوة سياسية فعالة فقط من خلال دمج مفاهيم الفكر السياسي الغربي الواسعة والتجربة السياسية خاصة في الانظمة الديمقراطية، لكن تطور الفكر السياسي في العالم الاسلامي لا يمكن ان يتقدم ويزدهر ما لم يقم بتفعيل وهضم الفكر السياسي الاسلامي اضافة الى التقاليد.

  ان النماذج السياسية الغربية للحكم في العالم الاسلامي سوف تتجعد او تذبل مثل الشتلات التي تزرع في غير اماكنها ما لم تتضمن تغذية الثقافة الاسلامية التي ينبثق منها الاسلام السياسي، ان هذه العملية هي حتمية وجوهرية لتطوير فكر سياسي اصيل في العالم الاسلامي.

  وبعد كل هذا فلا يوجد هناك فكر اصيل حيث ان الافكار في العالم اليوم مرتبطة بتقاليد جاءت من حضارات مختلفة في اوقات مختلفة، وحتى فكر اليونان القديم الذي يعتقد بانه الجذر الاصلي للحضارة الغربية ظهر انه مرتبط بحاضرات الشرق الادنى، فاذا ارتبط الفكري الاسلامي بالفكر الغربي المعاصر فانه يرتبط بالانظمة الحديثة التي لها عروق وجذور في الشرق الادنى، ويظهر التطور المؤسساتي والنمو الفكري الحقيقي فقط عندما يبدأ الفكر السياسي والاجتماعي الاسلامي الذي ظل مقيداً لفترة طويلة بالتطور من خلال التفاعل مع القوى الخارجية، وفي الوقت نفسه فان الجهود المبذولة في العالم الاسلامي لخلق فكر سياسي واجتماعي مستقل بصورة كاملة عن اطار الحضارة الاسلامية محكومة بالفشل، لذا فان "الاغتراب" الظاهري الذي نراه في العالم الاسلامي يعطي مقاييس مضللة للتقدم الفكري والسياسي الاصيل في تلك المجتمعات حتى اذا نال الاعجاب من قبل العالم الغربي، ويظهر الاغتراب مدى اعتلاء الحضارة  الغربية على الحضارة الاسلامية مستفيداً بصورة اساسية من النخبة المغتربة لكنه فشل في الوصول الى جذور الحضارة والمجتمع الاسلامي، وليس من المدهش ان نرى نفوراًمن اغلبية السكان الذين يشعرون ان قيمهم التقليدية مهملة ويشعرون بانهم متخلفون عن عملية الحداثة التي تشهدها نخبة معينة من المجتمع، لذا فقد اصبح الاغتراب والعلمانية صفتين مذمومتين لانهما تمثلان ايديولوجية الحكم الظالمة والحكومة الفاسدة التي تحظى بتأييد غربي قوي، وقد كانت الجهود التي تبذلها الانظمة الاسلامية لتأخذ لوناً اسلامياً محافظاً املاً في ارضاء الجماهير وللحصول على شرعية اسلامية اقل بكثير من الجهود التي يقوم بها الاسلام السياسي للتمسك بالمفاهيم الغربية، وقد كانت الثقافة الاسلامية التقليدية مُجبَرة على الاندماج مع بعض الافكار الغربية بسبب ادراكها بقيمة تلك الافكار واثرها في النظام الاسلامي المستقبلي ولم تكن هناك حلول اخرى امام الاسلاميين غير التعامل مع القيم السياسية الغربية على انها الهيئة المسيطرة على الفكر السياسي على مستوى العالم، ولم تكن النتيجة سلبية بل كانت اكثر ايجابية في احداث تطورٍ سياسيٍ اصيلٍ ضمن ا طار التقاليد الاسلامية، لذا فان الحركات الاسلامية تمثل اول تفاعل فكري بين الفكر السياسي الغربي والاسلامي  بطرق مصممة لتكوين اندماج حقيقي بدلاً من حركة الحداثة والتجديد من خلال فتح الباب على مصراعيه امام التقاليد، وان بعض الاسلاميين فرحون بوجود الحواجز بين الثقافات لكن الكثير من الناس ليسوا كذلك حيث انهم يدركون ان التفاعل بين الثقافات والحضارات لن يتقدم ما دام احد العناصر الرئيسية في العملية غير موجود، وهكذا اصبح الاسلام السياسي في النهاية الموضوع الاساس للمواجهات والمناقشات والمصالحة بين القوى الثقافية الاسلامية والثقافية الغربية مسبباً بذلك توافقاً تدريجياً على المستوى الفكري، وبصورة طبيعية لا يوجد هناك (اسلام سياسي) واحد وستتحرك مجاميع مختلفة تجاه قبول او رفض بعض الافكار و الانظمة السياسية الغربية المنتقاة على عدة مستويات، حيث ان تركيا ستكون اول بلد ينجح في الوصول الى توافق واندماج اصيل بين التقاليد الاسلامية والتقاليد الديمقراطية اللبرالية الغربية.

  وعند قولي هذا فانا لا اشير الى مجموعة "كمال" العلمانية التي ترفض بصورة كلية التجربة الاسلامية بل اشير الى التجمع الجديد الذي يظهر في تركيا من خلال القبول التدريجي للاسلاميين المحدثين في الانظمة السياسية والاجتماعية، وهذا الشيء يحدث لان تركيا قد تقدمت كثيراً في تأسيس انظمة حديثة للحكومة الديمقراطية اكثر من أي بلد اسلامي اخر، لذا فان مهمة تركيا الان هي فتح النظام الديمقراطي والرجوع الى الوراء لدمج تلك العناصر الاجتماعية والايديولوجية التي تُركِت خلال مشروع الاغتراب، ان الكثير من الاتراك يدركون هذه القضية الحتمية فهم يقدرون ضرورة هذا الاندماج وهم يدركون ايضاً ان تلك العوامل لا يمكن تجاهلها في دولة ديمقراطية تتطلع للانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

 

 الاسلام والقيادة:

  من المحتمل ان تكون الحركات الاسلامية قادرة على تكوين قيادة ضمن سياستها المختارة كما نلاحظه في الكثير من الحركات الاخرى، وحتى اذا وجد الاسلاميون الدليل في القيم الاسلامية لحل المشاكل المعاصرة فانهم سُيظهرون ان اهتمامهم الاساس ينصب في المشكلة الحاضرة، فاذا لم يكن هذا الموقف مهماً فانه ليس خطأ الاسلام بل هو بسبب فهم المسلمين الخاطئ للاسلام وبسبب فقدان الذكاء السياسي بين المسلمين حيث نرى ان اسلاميين مختلفين من دول مختلفة يأتون بطرق مختلفة لفهم وتطبيق القوانين الاسلامية، ولا يمكن لاحد ان يخمن مدى نجاحهم لكنهم على الاقل يمثلون احدى القوى الشعبية التي تعمل على فتح النظام السياسي داخل الدول المتسلطة غير الناجحة، وسوف تبقى الحركات الاسلامية في المشهد السياسي لفترة طويلة الى ان تغطى من قبل اولئك الذين يأتون باجوبة وتنظيمات افضل هل هناك شيء جديد حول الفعالية السياسية والاجتماعية الاسلامية الحالية؟ نعم حيث ان الحركات الاسلامية في الماضي كانت تحشد الجماهير في مسائل لم يتم التخطيط لها مثل التمرد الهندي ضد البريطانيين او الحركة المناهضة لبريطانيا بخصوص الضرائب المفروضة على التبوغ في ايران في القرن العشرين او الصراع ضد الاستعمار في الجزائر الا ان حركة الاسلام الحديثة هي ليست تحالفاً غير مخطط له على الرغم من ان بعض القيادات الاسلامية تحشد الجماهير في قضايا معينة حيث ان حركة الاسلام الحديثة تتضمن تنظيماً جيداً وقواعد تنظيمية رسمية وهيئة من الاعضاء وتمويلاً خاصاً واجندة عمل اجتماعية وسياسية، فقد تعلم الاسلاميون الكثير من خلال مشاهدة طرق التحشيد التي يقوم بها الشيوعيون والعرب القوميون في منتصف القرن الماضي.

 

التحديات الاقتصادية الاجتماعية:

  ان السياسة مهمة جداً الا ان هناك عوامل اقتصادية اجتماعية لها نفس الاهمية، حيث يحدد رجل الاقتصاد السياسي (الآن ريشارد) تسع انواع من التحديات الاقتصادية الاجتماعية التي يجب ان تواجهها أي حكومة من حكومات الشرق الاوسط اذا ارادت تلك المجتمعات التغلب على واقع الانحلال الذي تعيشه في العالم بغض النظر عن السياسة، يجب ان تواجه الحكومات "اصلاح النمو الاقتصادي، تحديد التوسع السكاني، توفير فرص العمل، القضاء على الفقر، التواصل مع حركة التحضر، المحافظة على المياه، توفير الغذاء، ايقاف التلوث والدمار البيئي وجمع الاموال للاستثمار، وربما نتساءل عن التطور الذي قام به الاسلاميون في تلك الميادين، فقد سجل الاسلاميون مساهمة ملحوظة في التواصل مع حركة التحضر من خلال الخدمات الاجتماعية المتنوعة في العالم الاسلامي.

  الا ان اغلب المهام الاخرى تقوم بها الحكومة وليست الحركات الاسلامية. فعندما يتحرك الاسلاميون في السياسة من خلال البرلمان فانهم سوف يرغمون على التعامل مع تلك المهام بدقة اكبر وربما تُعرَض لهم فرص المساهمة في الفكر السياسي، اما جمع الاموال من مستثمرين اجانب فربما يكون من اصعب المهام الموكلة بالاسلاميين حيث انهم يقارنون سجلهم وحجمهم في السلطة مع شكوكهم ضد الاجانب عندما يكونون خارج نطاق السلطة. وقد اُجريت دراسة اخرى في منتصف عام 2002 وقد حددت ثلاث مناطق للكارثة الاساسية في العالم العربي والتي تحتاج الى المزيد من الاهتمام: وهي عدم وجود حرية في النظام السياسي وهذا يحرم الدول العربية من الاستفادة من جهود المواطنين ومن تفعيل عملية الاصلاح المطلوبة، والمستوى المتدني للمواطنين في مجال التعليم وهذا يجعلهم غير مؤهلين لتبني ظروف العالم المعاصر اضافة الى الحالة الاجتماعية المتدنية للمرأة والتي تؤثر على تقدم الجهود الاجتماعية في المجتمع العربي. وقد اكد الاسلاميون على الاصلاح والحرية السياسية من بين تلك المتطلبات الثلاث، اما في مجالي التعليم وتطوير المرأة فقد واجه الاسلاميون خيارات قاطعة وهي اما ان يؤيدوا المنهج الاسلامي التقليدي المحافظ الذي ادى بالمجتمع العربي الى ان يصل الى حاضره المتدني في العالم اليوم او انهم يأخذون الدور القيادي في تطوير فهم جديد ومعاصر لروح الاسلام، وسوف يحدد الطريق الذي سيتخذه الاسلاميون فيما لو سيكون الاسلاميون جزءاً اساسياً في مستقبل العالم الاسلامي.

 

التأكيد على الشمولية في الاسلام:

  تنظر الاديان لبعضها البعض بطرق مختلفة: حيث انها اما تنظر الى اوجه التشابه او اوجه الاختلاف ولكل اختيار تضمينات مميزة، حيث ان التأكيد على اوجه التشابه يتضمن مسألة المعاصرة والفهم والتغلب على الاختلافات الثقافية وفوق كل ذلك الحاق اهمية كبيرة بمفهوم المعاصرة والتسامح كجزء من المظهر الديني، اما التأكيد على الاختلاف فيتضمن البحث عن اوجه الاختلاف وتقييم تلك الاختلافات والتعامل مع الاستقامة الدينية كقيمة عليا، وتقع الاختلافات العميقة في علم النفس وعلم الاجتماع بسبب الاختيار فعلم النفس الذي يؤكد على الاختلافات بدلاً من تأكيده على اوجه التشابه يقوم على اساس انعدام الامن في الهوية الاجتماعية والدينية وعلى امكانية انتقاد وطعن المجتمع، اما التأكيد على اوجه التشابه فيتطلب درجة من الامن الاجتماعي والثقة التي لا يشعر معها الفرد بانه مهدد من قبل الاخرين مهما كانوا يملكون من قوة، لذا فان المجتمعات التي تعيش تحت الظلم والاضطهاد تتبنى ستراتيجية محافظة تمت بصلة للمسلمات الاساسية وتؤكد على التقاليد والثقافات الاصيلة والخط الرسالي غير المنحاز والمصمم للمحافظة على الثقافة من القوى الخارجية، وهذه الشروط تصف العالم الاسلامي اليوم على انه ثقافات محاصرة وتدفع بهم الى تبني اصفى صيغة اسلامية محايدة، وهذا هو احد تفسيرات ظهور نظرة ضيقة غير متسامحة تجاه الاسلام المعاصر وهذا التفسير يضعف موقف الاسلاميين المهتمين بتوسيع وتحرير فهم الاسلام.

  ان الظروف الدولية والاقليمية التي تحيط بالعالم الاسلامي في الوقت الحاضر لا تؤدي الى انجاح عملية التحرير في داخل المجتمع، وعلى الرغم من ذلك فان حركات الاسلاميين تواجه تحدياً كبيراً في التغلب على هذا الفكر لكي تواجه بصورة شجاعة التغيرات المطلوبة، ولا يمكن للاسلام ان يزدهر اذا كانت مسألة الاصالة تعني البحث عما هو خاص بالاسلام وما يميزه عن المعتقدات الاخرى فربما تكون هذه الفروقات مهمة من اجل الحفاظ على تقاليد المجتمع وليس مهمة بالنسبة لطبيعة دين شمولي، حيث ان الاسلاميين سوف يزدهرون سياسياً على المدى البعيد اذا اهتموا بايجاد اوجه الشبه مع المعتقدات الاخرى وهو احد معاني التعدد حيث انه يمثل الخطوة الاولى تجاه خلق مجموعة من القيم الشمولية التي يمكن تقاسمها مع المجاميع والاحزاب الاخرى حتى اذا لم يكن كافياً لتأسيس قاعدة للتحالف السياسي.

  ويتحدث الدكتور (علي مازردي) عن الحزب الاسلامي الكيني الذي تكون فيه العضوية مفتوحة لاعضاء من معتقدات دينية مختلفة قائلاً ان حركة "نور" في تركيا تبحث في مدى تحديد القيم العامة في معتقدات الاخرين لتستخلص ما يسمى "الاسلام بلا اسلام" أي تستخلص معتقداً دينياً يُصَرح به بعبارات شمولية للناس الذين لا يستخدمون الثقافة الاسلامية بصورة خاصة، ان المنهج الذي يعتمد على القيم يعطي الحركة مرونة اكثر ويجعلها اقل تهديداً للاجانب او الغرباء اكثر من المنهج الذي يعتمد على الشعائر، وان الكثير من الجوامع والمجتمعات الاسلامية في امريكا اليوم تتواصل مع اعضاء من غير المسلمين من اجل ايجاد اجوبة عامة للمشاكل المشتركة.

   فاليوم الكثير من الغربيين يصرحون عن عدم ارتياحهم تجاه بعض التوجهات التي يتبناها المجتمع الغربي قائلين بانها غير صحيحة ويتساءل الكثير كيف يمكن للمجتمع الغربي ان يقاوم تحديات فترة ما بعد التحضر رغم التجزئة الاجتماعية واطلاق الحريات غير المقيدة وتقليل الشعور بالمجتمع والالتزامات الاجتماعية واتساع دائرة الانحراف اذا لم نقل الفوضى بين الافكار والاهتمامات والقيم التنافسية وتضخيم الفوارق في الدخل وهيمنة السوق كاقوى قوة مسيطرة على المجتمع وتعزي الحركات هذا البحث عن الاستقامة الى وجود كوارث اجتماعية بارزة.

  وفي هذا المعنى لا يمكن لاحد ان يتأكد من امكانية او عدم امكانية تطور نوع معين من التقارب بين العالم الغربي المتحضر وبين التقاليد الدينية ومن ضمنها تقاليد الاسلام، ولا اتكلم في هذا الموضع عن تحالف بين الاصوليين الاسلاميين والمسيحيين بل اتكلم عن نظرة مشتركة بخصوص مشاكل اخلاقية عامة وعراقيل تواجهها كل المجتمعات، وان أي تقارب من هذا النوع سوف يؤدي الى تراجع في الامور الاخرى.

 

الدين والتحديات ما بعد التحضر:

  ان الصفة اللافتة للنظر في فترة ما بعد التحضر هي استمرار مهاجمة مفاهيم وحقائق التحضر، لقد كان التحضر مشروع اربعمائة سنة وهي عملية التحرك بعيداً عن الايمان والمعتقدات (اضافة الى الخرافات) كقاعدة لفهم اعمال العالم المادي حيث ان التحضر يستلزم احتضان الفكر والعلم والايجابية والتجربة، وبالنتيجة كان من المحتم على كل دين ان يعيد التفكير في مواقفه تجاه قضايا العالم المادي وان يأخذ بنظر الاعتبار طبيعة ومصدر ومدى السلطة الدينية، وقد ارغمت كل الاديان على ادراك ان الفكر التحضري كان ولا يزال المؤسسة الفلسفية الحاكمة للمجتمع المتحضر وقد اسست حركة التنوير ايماناً جديداً بقوة التعليم وقوة العقل وخلقت بذلك تفاؤلاً جديداً يمكن للمتعلمين من البشر ان يستفيدوا منه في اسعاد المجتمع لذا فيمكن للسلطة ان تنال القبول فقط باظهار مهارات ومعرفة جيدة وليس من خلال الاصرار على احترام التقاليد، وبينما تحتل التجربة مكان التفاسير الخاصة بقضايا العالم المادي المبنية على اساس المعتقدات فانها لا ولن تستطيع ان تعزل الدين عن القضايا التي تخص القيم الروحية والاخلاقية حيث ان العلم لا يستطيع الاجابة عن الاسئلة الفلسفية مثل ما علة وجودنا هنا على الارض، وما هو غرض حياة الانسان وما هو معنى الموت، لكن هناك شكوكاً تحوم حول الفوائد الشمولية للتفكير تظهر بصور مختلفة في مشروع التنوير حتى عند تقدم (التجربة) او المذهب القطعي في عصرنا الذي يشهد تقدماً علمياً وتكنولوجياً ملحوظاً.

  وقد وجد الكثير من نقاد التحضر في المشكلة الاخلاقية للقرن العشرين تبريراً لمخاوفهم حيث يقتل عشرات الملايين من الناس من قبل الايديولوجيات المادية بطريقة لم يسبق لها مثيل في التاريخ وهذا ما يزيد الشكوك في قيم وفعالية انظمة التحضر الاخلاقية وقد مزق التحضر التقاليد والمعتقدات واستبدل بها فكراً مزعوماً وبيروقراطية اخلاقية مصنعة ومنظمات صناعية لا انسانية وقد اصبحت الجهود المادية اكثر احباطاً بسبب الحياة السياسية الغليظة للقرن العشرين، وقد تأمل (نيتشه) في الاثار الاجتماعية والاخلاقية (لموت الآله) وقد سلط (فرويد) شكوكاً بخصوص اصالة التفكير في العقل الانساني وعزاه الى قوى ودوافع خفية ووساوس تكمن في اللاشعور ويمكن اظهارها بصورة جزئية عن طريق علم النفس التحليلي وقد تقدم الهجوم على الدين والحكمة الالهية خطوة باتجاه الظهور التدريجي لفكر ما بعد التحضر، حيث ان وجود (حقيقة) في حركة ما بعد التحضر اصبح امراً مشكوكاً، وكان تقديس تعددية الاحتمالات المتوقعة والاعلان على ان القوة هي التي تحدد (الحقيقة) من اعظم الرؤى في حركة ما بعد التحضر، فكيف لا يختلف فهم الامريكي الابيض للحقيقة الاجتماعية والتاريخية عن فهم المرأة الامريكية السوداء؟

  وهل ان النظرة الامريكية تحمل أي اهمية للنظرة الاسلامية الضعيفة بخصوص تلك الحقيقة؟ ان حقائق الثقافات تختلف من بلد لآخر، وان فهم تعددية دور  المنظار النسبي في تقييم (الحقيقة) يدعو الى تحرير وتشجيع المساواة السياسية والاجتماعية، لذا فقد جاء الدين للاوقات العصيبة من كل من المحدثين الذين يستبدلون العلم والتفكر بالايمان ومن فكر ما بعد التحضر الذي ينكر وجود أي صيغة للتفكير او أي حقيقة او منظار فعال في العالم النسبي، او كما يصرح (مقتدر خان) بان الانسان ما بعد التحضر الذي يكون قلبه فارغاً بدون الايمان وعقله غير ناضج بدون التفكر يمكن ان يدمر المؤسسات الهشة التي جاءت بها حركة التحضر لكنه لا يستطيع ان يفهم او يتعامل مع ظهور الايمان ما بعد التحضر .. وان الذين يشعلون حرباً خاسرة لاجل التحضر ضد مرحلة ما بعد التحضر يرفضون ظهور الايمان لانه يمثل العودة لما قبل التحضر، لكن (مقتدر خان) اكد من جانب اخر على ان الاسلام شهد ظهوراً كبيراً في القرن العشرين بينما تقهقرت اهمية الاديان الاخرى وانحصرت في مجالات محدودة او اقتصرت على التقاليد والشعائر التي تؤدى في مواسم معينة، هذا صحيح لكن هناك بعض الاسئلة بخصوص ما تشير اليه هذه الظاهرة، هل ان هذه الظاهرة تمثل دائرة اخرى لتجدد الاسلام الذي ظهر في فترات مختلفة من التاريخ الاسلامي؟ او هل انه يمثل شيئاً مختلفاً في اعطاء فكر جديد حول دور الاسلام في الحكم والمجتمع تحت ظروف الحياة الاسلامية الجديدة التي ليس لها مثيل في السابق المتمثلة بالعولمة وحركة الديمقراطية في الدول والمجتمعات في عالم ما بعد التحضر؟ فاذا كان الاسلام يمر بدائرة اخرى من التجدد في الاوقات العصيبة فلربما يضمحل الظهور الجديد للاسلام لنفس الاسباب التي ادت الى اضمحلال الممارسات العامة للمعتقدات الدينية الاخرى عندما يقوم الاسلام بادوار سياسية واجتماعية تهدف الى تغيير العالم الاسلامي، وبكلمة اخرى اذا لم تجد الاديان السماوية الاجوبة المناسبة للمشاكل السياسية والاجتماعية المهمة في عصرنا الحاضر فهل سوف يتقدم الاسلام ويكون في مكان افضل؟ لكن تحديات التحضر وما بعد التحضر ربما لا يمكن لاي دين ان يجيب عنها حيث ان مشاركة كل الاديان ومن ضمنها الاسلام تكون على مستوى الوعي الشخصي وذلك عندما يجد الانسان الدليل الاخلاقي لتكوين حياته عندما تفشل الانظمة الوضعية في تلبية الاحتياجات الاخلاقية والروحية للمجتمع، ومن خلال اصلاح الفرد يمكن تكوين مؤسسة تهتم بالتغير الاخلاقي على المستوى الاجتماعي والمؤسساتي.

  ان هذه العملية يمكن ان تصف مستقبل كل الاديان، وقد دخلنا عصر القيم النسبية والفردية، ان الخصائص الاجتماعية المدمرة للتحضر وما بعد التحضر اضافة الى تجزئة المفاهيم الديمقراطية والتعددية تضع حملاً ثقيلاً على كاهل الشخص ليحدد طريقة العيش التي يرغب بها، وهذا الشيء واضح جداً في امريكا حيث يحدد الشخص المعتقدات التي يراها مناسبة لهُ، وان ما يظهر مقبولاً من قبل المجتمع الامريكي في هذا اليوم ربما تتبناه اوربا الغربية غداً وهذا لا يعني تقليد امريكا بل لان امريكا هي البلد الاول الذي يعكس خصائص ما بعد التحضر وكذلك تميل البلدان الاخرى الى اتباع الانماط الامريكية لانها تمر بنفس التغيير الاجتماعي والاقتصادي الذي تشهده امريكا.

  لذا فانا اقترح وجود شيء ذي اطار شمولي في الاديان في تعاملها مع ثقافة الانسان وهذا الشيء يتأثر بالاختلافات السياسية والاجتماعية والثقافية لكنه يصب في نفس الاتجاه.

  كما وتظهر حركة البروتستانت اتجاهاً مشابهاً في عملية التغيير خصوصاً ملاحظة في امريكا اللاتينية حيث انها تتحدى الكاثوليكية التقليدية، وتعمل الكاثوليكية على انها الايمان الذي يحصل عليه الانسان منذ المهد وتقوم الكنيسة بمراقبة اعمال الانسان من المهد الى اللحد على غرار المبادئ الكاثوليكية، لذا فقد حاربت حركة البروتستانت هذه التقاليد الكاثوليكية من خلال ما نراه من ان الشخص في مكان معين وزمان معين يعلن بصورة طوعية عهداً جديداً مع الخالق، وهذا العمل  هو تعبير عن الاستقلال الذاتي للفرد الذي يمثل رفض المعتقدات الموروثة منذ الولادة.

  ومن الواضح للكثير من الاسلاميين ان الشخص يكتسب مسؤوليات جديدة وذلك من خلال التفكر في معاني القرآن والسنة النبوية بدلاً من التقليد الاعمى وفي عملية الاصلاح كان المفسر الذي يعتمد على قدراته الشخصية قادراً على احداث تطور اجتماعي ملحوظ لكنه قابل للانجراف في معتقدات اجتماعية ودينية هامشية متطرفة، وهذا يمكن رؤيته في العالم الاسلامي، ان التعليم هو افضل عملية لتشجيع الافراد للتفكر في انفسهم ولايوجد هناك نموذج منفرد بل هناك نماذج متعددة للحياة الاخلاقية الجيدة.

  لهذا فاننا واقعاً ندخل في عصر الفردانية وهو احد انماط الحياة التي تتطلب مسؤولية فردية كبيرة منعزلة بصورة متزايدة عن الانظمة التقليدية وعن تقاليد العائلة والتقاليد العشائرية، وضمن تلك الظروف الجديدة للحياة فان الانسان مجبر على الاجابة عن الكثير من الاسئلة التي لم يكن لها سابقة في التاريخ، حيث ان الدولة او المجتمع المتعدد اصبح غير قادر على توفير اطار عمل مناسب او توفير الاطر الاخلاقية والدعم المتوفر في النظام الابوي التقليدي وفي هذه الظروف يصبح دور الدين والقيم الاخلاقية دوراً جوهرياً، ان قوة واهمية القيم الدينية الشخصية التي يصل اليها الانسان بصورة مستقلة تكون اعظم من تلك التي يرثها الانسان بدون تحليل او تفكير، كما ويمكن تبني القيم العلمانية لكن يجب ان تظهر في صيغ ملموسة يمكن الاحتفاء بها على شكل شعائر ليكون لها وزن اجتماعي وعاطفي، ان ايمان الشخص المتحضر سيمثل اختياره الفعال المبني على اساس تلبية احتياجاته.

  لقد لاحظنا في هذا الكتاب كيف ان القضايا غير الدينية ساهمت في تقوية الاسلام السياسي وجعله محطة للآلام والامال والتطلعات، وهنا يظهر السؤال الآتي: هل ان تخفيف تلك الآلام بصورة تدريجية يساهم في ازالتها؟ ان الاسلام سوف يبقى مبدءاً شرعياً لكنه ربما يُظهر مكانة اقل في الافق السياسي بينما تعمل قوى اخرى على تخفيف الآلام غير الروحية المتعلقة بالعالم المادي وسوف تستعيد الكثير من الاحزاب السياسية تحت حرية سياسية اكبر نفس الاجندة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يتبعها الاسلام مضعفة بذلك الاحتكار الاسلامي المعتبر للحقل السياسي في الوقت الحاضر.

  وبكلمة اخرى لا يزال من غير الواضح فيما اذا كان الظهور الاسلامي في الوقت الحاضر ظاهرة دينية او ظاهرة علم الاجتماع الديني استجابة للتحديات التي يواجهها المجتمع الاسلامي في العصر الحديث وان الكثير من الاسلاميين غير مرتاحين بخصوص هذه الافكار، لا يحتاج الاسلاميون للقلق لان الثورة الديمقراطية والتغير في العالم الاسلامي لا تزال ضعيفة في اغلب البلدان، فاذا فشلت حركات الاسلاميين في ايجاد نجاح في الانظمة الديمقراطية التي يبحثون عنها فانهم ربما سيكونون مضللين في هذه العملية وفي الوقت الحاضر فانهم يواجهون مشكلة تحديد قبول او عدم قبول حالة الاقلية ضمن النظام السياسي والبرلماني مع قدرتهم على التأثير لكن ليس تقرير المناقشات او الانسحاب من النظام بشكل كلي، وهذا بالنتيجة هو قرار فيما لو سيرغب الاسلاميون بالحكم او التأثير.

  وفي الوقت نفسه يتمتع الاسلام السياسي بلحظات نادرة في التاريخ حيث يمكنه العمل بصورة حرة بدون منافسين ويمكنه منافسة النظام السياسي القائم في العالم الاسلامي ويمكنه فرض التغير واعادة الاسلام الى الخارطة الثقافية والفكرية، لا نعلم كم ستبقى هذه الفترة لكنها تضمنت تضمينات عميقة ومن الافضل للغرب التعامل مع الاسلام بكل انواعه بصورة جدية والا فان الانعكاسات سوف تكون غير سارة لكلا الطرفين.

 

الاستنتاج:

   لقد عرضت في هذا الكتاب عدد من المتغيرات التي سوف تؤثر بصورة كبيرة على مستقبل الاسلام السياسي وتبين أهم القضايا التي يجب التعامل معها بصورة ايجابية اذا كتب لتلك الحركات البقاء ولا يمكن لاحد ان يخمن المنهج الذي سوف يتخذ لكني سوف اخمن بطريقة مختصرة اين سنجد تلك الحركات العشرين سنة القادمة وهنا سوف اعرض بعض الاستنتاجات:

ـ ان العشرين سنة القادمة سوف تضع مطاليب كثيرة وضغوطاً على الحركات الاسلامية لانها سوف تحصل على مكانة في النظام السياسي في العالم الاسلامي فبينما يجب تحديد الحركات الاسلامية التي تدعو للعنف لا يجب تحديد الحركات الاسلامية الاخرى التي لا تدعو الى العنف، لذا فان الحركات سوف لا تواجه تحديات البقاء ولكن ستواجه الحاجة الى تلبية مطالب الناس من خلال ايجاد الحلول للكثير من المشاكل التي يعانون منها.

ـ اتوقع ان تسوء العلاقات بين العالم الاسلامي والولايات المتحدة على اساس الكثير من العوامل: منها النتائج غير المقنعة حول الحرب على الارهاب وفشلها المحتمل في انهاء الارهاب وحالة الاستياء المتزايدة في العالم الاسلامي نتيجةً لذلك، ان هذه العملية ربما تؤدي الى ارهاب متزايد ضد امريكا، وان مثل هذا الموقف سوف يضع امريكا في وضع دفاعي.

ـ بسبب الارهاب المتزايد ضد الولايات المتحدة فان التوترات بين المسلمين في الغرب والغربيين سوف تنمو لتخلق موقفاً محلياً قبيحاً تكون فيه الحريات المدنية متأثرة بالعقلية الامريكية وسوف تشعر الحركات الاسلامية التي هي محط للكثير من الشكوك لانها تمثل ارضاً ممهدة لمقاومة الاتجاهات الامريكية سوف تشعر بشدة الضغوط الامريكية التي قد يصاحبها تخويل من قبل الحكومات التسلطية من اجل طمسها بالقوة.

ـ لذلك فان الكثير من الحركات الاسلامية سوف تكون بعيدة عن مهامها الاساسية مثل تقوية المجتمع الاسلامي في كل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والاخلاقية حيث ان تلك الحركات سوف تركز على مسائل الدفاع او الانتقام وسوف تكون لها فرصة ضئيلة في تطوير اجندة لبرالية اكثر انفتاحاً تحت تلك الضغوط والقيود المفروضة.

ـ سوف لا تقع كل الحركات في هذه الورطة حيث ان الاسلاميين في الدول التي تتبنى انظمة ديمقراطية سوف يعملون للحفاظ على النسيج الاجتماعي بدلاً من ان يكونوا ضحايا او من ان يدمروا النظام السياسي وسوف تشهد حركات الاسلاميين في دولٍ مثل تركيا وماليزيا والكويت والاردن اضافة الى البحرين والمغرب واليمن تلك المواجهة وتتغلب عليها اما موقف الدول الاخرى فهو غير موثوق منه بنفس الدرجة.

ـ سوف يصبح الاسلاميون منشغلين جداً في دعم حركات التحرير الوطنية للاقليات المسلمة التي ترزح تحت وطأة الهيمنة القاسية من قبل روسيا والهند والصين وسوف تتخذ تلك الحركات اعظم صيغ الاسلام لدعم نبضها الوطني وسوف تنتقد روسيا وافريقيا استخدام الدين كمحطة للنزاعات العرقية.

ـ ان مستقبل الاسلام السياسي سوف يكون مرتبطاً بدواعي الاصلاح حيث ان الاسلام ليس الوسيلة الوحيدة للاصلاح والتغيير لكنه الوسيلة المهيمنة الاساسية خاصة في المجتمعات المغلقة.

ـ ان القوى الاجتماعية المتعددة والمضايقات التي تحدد مسار الاسلام السياسي سوف تستمر باستفزاز الاسلام السياسي ما دامت تلك المضايقات موجودة، فاذا لم يتبنَّ الاسلام السياسي تلك القضايا بصورة فعالة فسوف تظهر قوى اخرى لتتبناها.

  لذا فان البديل لذلك هو الاتجاه اليساري فاما ان يتبنى الاسلام السياسي اجندة الاصلاح اليسارية المتطرفة او يتركها الى الاتجاه اليساري ويفقد التفوق ، فاذا حدث ذلك فمن المتوقع ان نشهد صراعاً بين الاسلام واليسار المتطرف وهذا ما يذكرنا بالسبعينيات من هذا القرن.

ـ ان المشهد السابق مظلم يعكس طبيعة الكثير من مشاكل العالم خاصة في العالم الاسلامي وهذه الظروف لها تأثير مباشر على الاسلام  السياسي، وان القراءة المتفائلة للعقود القليلة القادمة سوف تعطينا :

* نظاماً عالمياً تكون عواقبه سليمة ويقل فيه خطر الارهاب بصورة عامة.

* ترك واشنطن للسياسات القاسية تجاه العالم الاسلامي في نطاق الحرب ضد الارهاب وتبني نوع من التعاون الودي مع العالم الاسلامي.

* والوصول الى حلول عادلة بخصوص المسألة الفلسطينية.

* اصلاحاً وتغييراً سياسياً هاماً في العالم الاسلامي تدعمه الولايات المتحدة بصورة فعالة.

* تحسناً في ظروف العالم الثالث وخاصة في العالم الاسلامي واصلاح حالة العجز والغضب وابدالها بالامل والشعور بالتقدم.

* ازدياد الدوافع المحلية للسكان في العالم الاسلامي لرفض التعاطف مع الارهاب ضد الولايات المتحدة.

 

  وباختصار فقد بذل الاسلاميون جهوداً كبيرة لاستعادة حضارتهم الماضية ضمن اطار الثقافة الاسلامية كعنصر اساس في التطور المستقبلي وقد حاولت الكثير من القوى المختلفة ان تقود عجلة الاسلام السياسي وخرجت بعض هذه القوى بنتائج هدامة والبعض الاخر بنتائج بناءة منتجة وافكار مبتكرة لجمع اسلام الماضي مع اسلام الحاضر.

  وسوف تعرقل الضغوط والمواجهات والقوى الدولية والاقليمية الصيغ الفعالة للتحرر الإسلامي من الظهور كقوة مسيطرة لبعض الوقت، ويمتلك الاسلامي السياسي بداخله احتمالات القيام بادوار ايجابية او سلبية في التطور المستقبلي للعالم الاسلامي وما يسعنا الا ان نامل من الاسلاميين المتحررين ان يواظبوا على العمل باتجاه فهم جديد للاسلام في العصر الحديث وايجاد صيغة شاملة للقيم الإسلامية، فاذا لم يستطع الإسلاميون النهوض امام هذا التحدي فسوف تحل محلهم قوى سياسية اخرى تعرض ما لديها من تطلعات.

 

تعليق:

الكاتب والموضوع.. يستحق الاهتمام والمتابعة والدراسة والتعليق.

 

الكاتب:

  فالكاتب خبير ميداني في الحركات الاسلامية بشقيها السني والشيعي وعلى علاقة تفصيلية مع شخصياتهم وقادتهم وقد زار بلدان العالم الاسلامي وانشأ علاقات حميمة مع قادة الحركات، ووجوه العمل الاسلامي واطلع على واقع هذه الحركات ومدى تفاعل الامة معها ومدى اهتمام هذه المجموعات والفعاليات السياسية الاسلامية بقضايا المجتمع.

  واختص الكاتب بالبحث عن واقع الشيعة في العالم العربي واتجاهاتهم السياسية ومقالتهم المختلفة واجندتهم وقد جاءت كتاباته عن معايشة مع واقع هذه الوحدات ايضاً، وكانت كتاباته تتميز بالمتابعة الدقيقة وهو شخصية ميدانية حيث قضى فترة طويلة في مراكز البحث في وكالة المخابرات المركزية وخرج منها ليتفرغ وليتخصص في شؤون العالم الاسلامي ويمكن القول عنه انه استطاع ان يفهم تصورات ومعاناة وافق تفكير المجموعات الاسلامية، وله تحسس وفهم دقيق للوضع العراقي بكل اطيافه وقريب من الهم الكردي والشيعي كذلك السني بعد سقوط الطاغية.

  شخصية باحثة وموضوعية يستشف، يدرك تحديات كل طيف، ويرسم توقعاته على اسس محسوبة بدقة.

 

الموضوع:

  يتحدث الكاتب عن الحركات الاسلامية والمجموعات الدينية التي تهتم بشان السلطة وتغير الاوضاع الاجتماعية والسياسية في المناطق العربية الاسلامية.

  وكما هو معروف فان مثل هذه الفعاليات والمجموعات اصبحت اليوم موضع استقطاب اهتمام معاهد البحث في مراكز القرار الغربي الذي لاسباب عديدة ابرزها ان هذه الحركات تعد مشكلة مؤثرة على الوضع السياسي في بلدان مهمة تعتبرها الدوائر الامريكية في دائرة مصالحها الحساسة او الخطيرة وذلك بسبب موقعها او دورها في امداد العالم بالنفط.

  الكاتب تبادل قضايا مهمة في هذا الفصل من كتابه الذي يتحدث عن التحديات التي تواجه الحركات الاسلامية السياسية.. وانعكاسات ذلك.. الاقتصادية والسياسية والامنية.

  من هنا تعتبر القضايا التي طرحها الكاتب في هذا الفصل قضايا مهمة والتي تمثل تحديات وجديرةبالتحقق والدراسة والنقاش ويمكن ادراجها ضمن العناوين التالية:

1ـ هل الاسلام نظام سياسي، او هو اطار ثقافي عام؟

  فاذا قلنا بالاول فانه سيكون بالضد من الانظمة السياسية كالديمقراطية او الملكية الهاشمية، او غيرها، واذا قلنا بالثاني فانه يمكن اعتماد الاسلام كثقافة واطار اخلاقي وقانوني في كل هذه الانظمة، والدليل على الثاني هو ان الاسلام السياسي معتمد في اكثر من نظام حكم فعلاً ولكن ايدلوجياتهم في شكل الحكم مختلفة، والمسألة حساسة وبحاجة الى نقاش معمق وان كان الكاتب يمر عليها سريعاً.

2ـ هل الاصالة التي تعتبرها القوى الاسلامية قيم عليا تعني السلبية والرفض للاخرين ام تعني قدرة على وضع برنامج قادر على حل مشاكل الواقع.

  [لذا فان الاسلاميين يظهرون اهتماماً كبيراً في مهاجمة اعداء الاسلام اكبر من اهتمامهم في تطوير قيمهم المستقلة..].

3ـ البحث في شعار هل الحل في الشريعة؟ والمقصود فيها تطبيقات فقهية مقننة بدون لحاظ الزمان والمكان والاهداف والمقاصد العامة، ولذا فان شعار الاسلام هو الحل هو الاكثر صلاحاً والفرق عميق وهو موضع بحث ونقاش بين مفاصل العمل الاسلامي السياسي.

4ـ هل يمكن الاستفادة من التجارب السياسية من خارج التجربة الاسلامية والاشكاليات في تحقيق التجربة الاسلامية الخاصة ويكون ذلك بدمج التجارب السياسية العالمية ضمن قيم وتقاليد وقواعد المجتمع الاسلامي فهل يمكنهم ذلك.

  وهنا يشير الكاتب الى ان الحركات السياسية الاسلامية قد استفادت من التجارب الغربية سواء في تشكيلاتها ام في عملها السياسي وتعبئتها الجماهيرية وتعتمد الحركات السياسية الاسلامية في نظر التقليديين الاسلاميين على تاثراتهم ممن تأثر بحركات التجديد، وهنا يعرض الكاتب التجربة الزكية "حب العدالة" كنموذج متقدم، الناجح في عملية المزج بين قيم الاسلام والتجربة الديمقراطية الغربية.

5ـ قدرة الاسلاميين على قيادة الشارع وهذه القدرة مرتبطة بذكاء العاملين للاسلام والفشل يعود اليهم والى فهمهم الخاص للاسلام ويرى الكاتب ان الحركات الاسلامية سوف تبقى في المشهد السياسي لفترة طويلة، واذا نجحت في السابق في تحشيد الجماهير في قضايا التحدي ومواجهة الاجنبي فهل تستطيع تحشيد الجماهير في حل مشاكلهم الداخلية والذي يتطلب تنظيماً وتنسيقاً متقدماً؟

6ـ التحديات المعاصرة والخروج منها وقد ادرج تسع تمارين لمشاكل المنطقة الاسلامية التي تعتبر تحديات مزمنة والتي تواجه الحكومات فعلاً، بغض النظر عن السياسات المعتمدة وهذه التحديات هي:

          ـ اصلاح النمو الاقتصادي.

          ـ تحديد التوسع السكاني.

          ـ توفير فرص العمل.

          ـ القضاء على الفقر.

          ـ التواصل مع حركة التحضر.

          ـ المحافظة على المياه.

          ـ توفير الغذاء.

          ـ ايقاف التلوث والدمار البيئي.

          ـ جمع الاموال للاستثمار.

 كما ان العالم الاسلامي يواجه عملية الاصلاح في حرية النظام السياسي ومجال التعليم وموضوع دور المرأة.

7ـ هل تستطيع الحركات الاسلامية شمول المجتمع بكل اديانه وطوائفه ببرامجه ومشاريعه، وهل تستطع هذه الحركات ان ترفع شعارات عامة قابلة لجمع الاخرين، او تركز على الخصوصيات والشعائر وما يميزها عن غيرها.

8ـ قدرة الاسلام على التعامل مع مفردات الحداثة والتجدد وما بعد الحداثة ولعل ابرزها موضوع الفردانية والتركيز على القيم الخاصة لكل فرد، والتفسير بعدما تم تجاوزه في مرحلة التنوير وتقديس العقل واعتماد التجربة.. ففي هذا الصدد نحتاج الى تفسير لتصاعد الحالة الاسلامية في عصر ما بعد الحداثة وهل تفسير ذلك راجع للواقع الاجتماعي والتحديات التي يعيشها العالم، ونجد تفسيرها في علة الاجتماع والمشاكل.

  في ختام بحثه يصل الى مجموعة استنتاجات يعتبرها نتائج مهمة في رسم مستقبل الاسلام السياسي في العشرين سنة القادمة والتي تتمثل في :

1ـ يتوقع ان تحتل الحركات الاسلامية مواقع متقدمة في النظام السياسي مما سيجعلها امام صعاب علاج مشاكل الناس بعد ان اجتازت تحديات البقاء.

2ـ مزيد من التوتر وسوء العلاقة مع الولايات المتحدة بسبب مواقف امريكا، من العالم الاسلامي ومسألة الارهاب.

3ـ الموقف الامريكي المعادي للحركات سوف يشجع الحكومات التي تزيد من القمع للحركات ودعم امريكا لهذه الحكومات التسلطية وهذا مما سوف يعزز الكره للولايات المتحدة.

4ـ سوف تنشغل بقضايا الدفاع عن نفسها مما يمنعها من تقديم برامج تنموية.

5ـ ان مستقبل الاسلام السياسي منوط بتحقيقه للاصلاح وفي علاج مشاكل وتحديات المجتمع، وهذه مسائل يحتاجها المجتمع وينتظرها وفي حالة عدم تحققها فسوف يبحث المجتمع عن حركات بديلة تستطيع تحقيق طموحاته.

 

  ـ هذا ملخص اهم افكاره وهنا نثبت مجموعة ملاحظات:

1ـ ان الموضوع بمجمله يعتبر بحثاً يتسم بالموضوعية والدقة والعمق .

2ـ ان ابحاثه تعتمد على تقييمات نابعة من هموم وقيم مجتمعه وليس من اطار ومفاهيم المجتمعات العربية والاسلامية ونجد ذلك واضحاً في بحث تحدي الحداثة، وما بعدها.

3ـ ان محور بحثه يرتكز على العلاقة بين الاسلام السياسي والولايات المتحدة، وينطلق من وحي ما بعد 11 سبتمبر.

4ـ ان التساؤلات التي يطرحها كتحديات ومجال بحث، قد يصل فيها الى تقييمات واحكام تنسجم مع قيمة اللبرالية وتحتاج الى بحث معمق في اوساط الاكثرية الاسلامية للوصول الى تصورات وتحليلات للوصول الى فهم واطار مناسب لحسم الجدل في هذه المواضيع.

  وهنا ندعو الباحثين والمختصين لمناقشة وبحث هذه الاثارات بمزيد من التفصيل من اجل رسم توقعات مناسبة لمسار الاحداث القادمة ومستقبل الحركات الاسلامية في تلاطم الاحداث والارادات التي تحكم في هذا العالم.

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك