الإسلام السياسي ومسألة الشرعية: الظهور والمآلات والمستقبل

رضوان السيد

-I-

كان لمسألة الشرعية وجدليات ظهورها وصيرورتها بين الأمة والجماعة والدار والسلطة تأثيرات عميقة في مصائر الدولة ومفهوم السيادة على مدار العصور. وقد عادت المسألة لتلعب دوراً كبيراً في أفهام وأخلاد وذهنيات كثيرين من العامة والخاصة في القرنين التاسع عشر والعشرين. ولذلك رأيتها حقيقة بالقراءة من جديد وسط المجريات الراهنة والعاصفة مع الجهاديين ومع الإسلام السياسي لتبيُّن الإمكانيات والاحتمالات المستقبلية.

وكنتُ قد استظهرت في دراساتي لمسألتي الشرعية والسيادة أو العكس -في الأزمنة الكلاسيكية المتقدمة والمتأخرة- أنّ ما صار إليه الفقهاء والمتكلمون والمؤرخون والجغرافيون بالنسبة لهذين المفهومين -فيما بين القرنين الثاني والخامس للهجرة، والثامن إلى الحادي عشر للميلاد- أنّ هناك مفهومين للشرعية: أحدهما تأسيسي، وسميتُهُ المشروعيةLegitimacy، والآخر "شرعية مصالح" إذا صحَّ التعبير Legality وهيكل الشرعية التأسيسية الوحـدات الثلاث: وحدة الأمة، ووحدة الدار، ووحـدة السلطة. ويبدو هذا الفهم للمشروعية أو السيادة المكتمـلة في أقدم التعـريفات التي وصلت إلينا مـن طريق الفقيه الكبيـر أبي حنيفـة النعمان بن ثابت(-150هـ/767م) في رواية تلميذه محمد بن الحسن الشيباني(-189هـ/804م) عنه. يذكر أبوحنيفة أنّ دار الإسلام هي الدار التي تسود فيها شرعةُ المسلمين وإمامُهُم، وأن تكونَ مستقلةً فـي الشرعة والتخوم عمّا يجاورُها من دور الكفر والحـرب، وأن يكـونَ فيها المسلم والذمـيُّ آمنَين بالأمان الأول. ثم جاء الشافعي(-204هـ/819م) فقال في الرسالة: إنّ المسلمين أجمعوا أن تكونَ الدارُ واحدة، وأن يكونَ الإمامُ واحداً، مثلما هي الأمة واحدة. ونلاحظ في تعريف الشافعي أنه مجرَّد، إذا صحَّ التعبير؛ لأنه كان يكتب في النظرية الفقهية، في حين أنّ تعريف أبي حنيفة مستمدٌّ من التجربة التاريخية للأمة وتكوُّن دار الإسلام زمن الفتوحات والعصـر الأُموي(632-750م). ولستُ أقصِدُ هنا إلى دراسة التكون التاريخي للأمة والسلطة؛ بل إلى قراءة المفاهيم الأساسية هذه قـراءةً تحليليةً لملاحظة مآلاتـها. فأبو حنيفة ومدرسته، وكذلك مالك بن أنس(-179هـ/795م) ومدرسته، أعطَوا الأولوية للوحدتين: وحدة الأمة (لاستنادها إلى القرآن)، ووحدة الدار في التماسُك السياسي وفي الأحكام. في حين حاول الشافعية إقامة توازُنٍ بين هذين الأمرين، وأمر وحدة السلطة أو الإمام الواحد. واهتمَّ الحنابلة على وجه الخصوص بوحدة السلطة أو الإمام أو مَنْ هو صاحبُ الأمر في الدار. ولذلك فقد اختلفت آراؤهم عندما بدأت تلك الوحدات تتعرض للاختلال الواحدة بعد الأُخرى. إنما قبل الدخول في الحكم على الاختلالات، وأيُّها تُزيلُ الشرعية؟ أودُّ التعرض بإيجاز إلى ما سميتُهُ "شرعية المصالح"، وقد عنيتُ بها تلك الاختلالات التي ما اعتبرها الفقهاء وبعض المتكلمين مُخِلّةً بالمشروعية. ومن ذلك طريقة الوصول للسلطة، وتجاوز حدّ السلطة من جانب ولي الأمر، ثم انقسام السلطة أو ظهور السلطات رغم بقاء الجميع من الناحية الشكلية الفقهية تحت ولاية الإمام أمير المؤمنين. كان الحسن البصري(-110هـ/728م) قد اعتبر إمارة معاوية بن أبي سفيان غير شرعية؛ لأنه قام بثلاثة أمور: ابتزَّ الأمة أمرها بغير شورى، وولَّى ابنه الأمر من بعده، واحتكم إلى الهوى والمصالح في الدماء والأموال. بيد أنّ أكثرية الفقهاء (وليس المتكلمين) قالت بشرعية سلطته، وسمّت عامَ اجتماع المسلمين عليه: عام الجماعة(40هـ/660م). وقد جرى تعليلُ ذلك فيما بعد بأنه أنهى الفتنة وحقّق الاستقرار، واستمرّ في الغزو والصوائف والشواتي إلى حين وفاته عام(59هـ/678م). وبالطبع فإنّ ذلك ما كان رأْي المعارضين من المحكِّمة والشيعة والمرجئة وبعض المعتزلة. لكنّ هذا الأمر صار تقليداً ظهر في العقيدة السنية فيما بعد في قولهم: الصلاة وراء كلّ إمام، والجهاد مع كلّ أمير. وهناك قولٌ مشهورٌ لأحمد بن حنبل(241هـ/855م) بوجوب طاعة المتغلِّب إذا ساد في دار الإسلام، وقمع الفتنة، وجاهد العدوّ. وهكذا ومنذ زمنٍ مبكّرٍ ما عاد تجاهُلُ الشورى أو تجاهُلُ إرادة الناس أو تجاهُلُ مَنْ صاروا يُعرفون بأهل الحلّ والعقد مبرراً لاختلال الشرعية. وفي كتب الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية في زمن السلطنات اشتراط الكفاية والشوكة لشرعية السلطة. وتشمل الكفاية بالطبع العدالة بشروطها؛ لكنها تشمل أيضاً قمع الفتنة بالداخل. أما الشوكة فهي خاصةٌ بالقتال ضد الخارج، ضدَّ دُور العدوان والحرب، وقد صارت الشوكة أساس شرعية السلطنات في نظر الفقهاء؛ لكنها شرعيةٌ انتُزعت بالغلبة العسكرية كما هو معروف قبل الغزوات الخارجية وبعدها. ولذلك فقد قلتُ بأنّ الاختلال في "شرعية المصالح" لا يُخِلُّ بالشرعية التأسيسية في نظر الفقهاء، وإن بقيت هناك قِلّةٌ ترى إمكان الثورة على المتغلِّب أو الظالم. ومع كلِّ هذا فقد اختلف الفقيهان الشافعيان الكبيران الماوردي(-450هـ/1055م)، والجويني (-478هـ/1085م) اختلافاً شاسعاً على مسألتين حدثتا في عصرهما: الأولى ظهور السلطنات ومدى إخلالها بوحدة الأمة، ووحدة السلطة. والثانية هل يمكن تصور خروج السلطة العليا من قُريش؟

قال الماوردي: إنّ الشرعية التاريخية للخلافة ولقريش فيها، إنْ جرى الإخلالُ بهما فقد جرى الإخلال بالشرعية التأسيسية. ولذلك ينبغي أن يبقى الخليفة قرشياً، وأن تبقى الخلافة شكلاً على الأقلّ كما تواضع عليها الصحابةُ زمن الراشدين. أما السلطان الذي يتولى تدبير الأمور دون الخليفة؛ فيمكن شرعنته بأن يعلن ولاءه لأمير المؤمنين فتظلَّ السلطة واحدةً لوحدة مرجعيتها. وخرج الجويني على المسألتين؛ فقد رأى أنّ شرط القرشية ما عاد ضرورياً. كما أنّ الخليفة فقد الشرعية؛ لأنه وكيلٌ عن الأمة في تدبير الأُمور، وما دام قد صار عاجزاً عن مباشرة الأمور بنفسه، فينبغي أن تنتقل السلطة إلى السلطان الذي يتولَّى التدبير بالفعل. وما اتّبع أحدٌ بالطبع رأي الجويني، لكنّ الملحوظ أنّ وحدة السلطة والسلطان سقطت أو تغير مفهومها، وبقيت في نظر الجميع الوحدتان: وحدة الأمة، ووحدة الدار، رغم تعدد الأيدي المدبِّرة.

إنّ الذي أردتُ الوصولَ إليه من هذا الإيجاز أنّ الشرعية التأسيسية -في النظر الإسلامي الكلاسيكي- ترتبط بمفهوم السيادة ارتباطاً وثيقاً، وليس بالتطورات الداخلية مهما بدت مُفزعة. والسيادة منذ أيام أبي حنيفة ومالك والشافعي أمران: النظام الداخليُّ العام(صَون الدين على أصوله المستقرة)، والاستقلال عن الخارج وعدم التبعية له مباشرةً أو بشكلٍ غير مباشر من خلال إحلال قوانينه وأنظمته محلَّ الأعراف السائدة في هذا الموضع أو ذاك من دار الإسلام. وقد حدث ذلك أولَ ما حدث في صقلية التي استولى عليها النورمان عام 571هـ/1175م، ثم توالى سقوط المدن والإمارات والممالك بالأندلس، إلى أن انتهت الدول الإسلامية هناك عام 1492م بسقوط غرناطة كما هو معروف. روجر الثاني ملك صقلية الذي كان يعرف الثقافة الإسلامية، ويحترم الدين الإسلامي، أتى بالمسلمين إلى بلاطه فعملوا في العلوم والترجمة والحِرَف، وترك لهم قضاتهم وبعض مساجدهم، ومعاملاتهم التجارية. لكنّ فقهاء الجزيرة وفقهاء شمال إفريقية -وكانوا في سوادهم الأعظم من المالكية وبعض الإباضية- أفتوا المسلمين جميعاً بالهجرة إن عجزوا عن الجهاد. وكانت عندهم ثلاث حُجج: أنه لا ولايةَ لغير المسلم على المسلم، وأنه لا تصحُّ المعاملات والأنكحة وإن سمح بها "الطاغية"؛ لأنَّ ولي الأمر غير مسلم، وما عاد المسلمون والذميون على الأمان الأول، ولأنّ الهجرة التي أمر بها القرآن في أول الإسلام لم تُنسَخ وإنما تعود للسريان على كلِّ دارٍ إن جرى الإخلال بالأعراف المستقرة، أو حَكَمَها غيرُ مسلم. وَحْدَه الفقيه المازَري التونسي أجاز للأئمة والمعلِّمين وقراء القرآن البقاء لتعليم المسلمين من المستضعَفين الباقين أمور دينهم. وقد توالت الفتاوى بالهجرة عند سقوط كل مدينة أندلسية إلى أن سقطت غرناطة فجرى الطلب من جميع المسلمين مغادرة البلاد إذا استطاعوا. وكما نعلم فإنّ الفقيه الونشريشي من القرن العاشر الهجري جمع هذه الفتاوى في رسالته: (أسنى المتاجر) فيمن غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر. وفي تلك الفتاوى ليست هناك استثناءات إلاّ للمستضعفين الذين لا يملكون النفقة، أو يخشون خشيةً محقَّقةً من الموت في الطريق. 

-II-

في الربع الأول من القرن التاسع عشر اكتملت السيطرة البريطانية على الهند، وجرى بالتدريج تجاهل الاتفاقيات بين شركة الهند الشرقية وحكومات أباطرة المغول لصالح الحكم الاستعماري المباشر. ولذلك بدأت الفتاوى تظهر ابتداءً من عام 1804م، والتي تقول: إنّ الهند ما عادت دار إسلام. ولأنّ الهنود جميعاً أحناف، والفقيه الحنفي يهتم بسواد أحكام الإسلام في الدار، فقد قال بعضُهم: ما تزال الشكليات محفوظة، فالسلطان مسلم، ولا أحد يتعرض للمسلمين في عباداتهم ومعاملاتهم. لكنّ نزعةً سلفيةً قويةً ظهرت وقتها من خلال التعرف على كتب ابن تيمية وابن القيم، ومن خلال كتب الإصلاحيين السلفيين اليمنيين الذين كانت لهم صِلاتٌ وثيقةٌ بالهند. وزاد الطين بلةً أنّ البريطانيين بدأوا يتدخلون في الأوقاف، وفي المِلْكيات؛ لأنهم أرادوا إنشاء مزارع كبيرة على الطرائق الحديثة. ولذلك كثُر لجوء الفلاّحين الفقراء إلى الفقهاء. فأفتى الفقهاء الأحناف أولاً كما سبق القول بتحمُّل الظلم واللجوء إلى السلطات المغولية، حتى إذا تعذر الصبر؛ فإنّ مَنْ قُتل دون ماله فهو شهيد. أما السلفيون الجدد فأفتوا بالجهاد فإن لم يمكن فبالهجرة، وإلى أين؟ إلى أفغانستان التي عجز البريطانيون والروس عن احتلالها. وكانت مأساةً هائلةً استمرت قرناً من الزمان؛ لأنّ آخِر فتاوى الهجرة تعود لعام 1920. وأفظعُ ما جرى ثورة عام 1857م والتي شارك فيها سائر مسلمي الهند، وسقط منهم عشرات الأُلوف، وقُضي علي نخبتهم، كما جرى إلغاءُ السلطنة المغولية؛ لأنّ السلطان المغلوبَ على أمره وقف مع الثائرين بقدر ما استطاع. وأحسبُ أنّ هذا الوعي المأساوي والفصامي وعلى مدى قرن هو السبب في رفض كثرةٍ كاثرةٍ من المسلمين البقاء في دولةٍ واحدةٍ مع الهنود غير المسلمين بعد الاستقلال. وكانت مأساة البداية 1946-1947 مقتل ملايين المسلمين والهندوس، واكتملت المأساة بانقسام الدولة إلى دولتين مطلع السبعينات من القرن الماضي، والاضطراب المستمر هناك إلى اليوم.

لقد أطلتُ بعض الشيء في نموذج الهند لفقد الشرعية: تغيير نظام الحياة قسْراً، والحاكم غير المسلم أو ما صرْنا نعرفُهُ بالاستعمار. كما أطلْتُ بسبب النتائج المترتبة على ذلك، والتي أثّرت في الوعي في سائر أنحاء العالم الإسلامي إلى اليوم. بيد أنّ ما جرى لمسلمي الهند وعليهم جرى مثلُه بالطبع في الجزائر عام 1831م، وفي آسيا الوسطى في أربعينات القرن التاسع عشر، وفي البوسنة والهرسك في سبعينات القرن التاسع عشر، وفي السودان في ثمانينات القرن التاسع عشر، ووصولاً إلى ليبيا عام 1911. ولنذكر الجزائر؛ لأنّ المثالَ فيها دالٌّ على ما نقصده؛ فالفقهاء المالكية وعلى رأسهم الأمير عبد القادر دعوا الجزائريين للهجرة إلى المغرب، إلى تلمسان بالتحديد. بينما قال الفقهاء الأحناف -وكانوا قلة-: إنّ الهجرة غير ضرورية؛ لأنّ الفرنسيين ما تدخلوا في العبادات الشرعية. وبالطبع ولحسن الحظّ ما هاجر غير الشبّان، وقد تجمعوا من حول الأمير عبد القادر وجاهدوا الفرنسيين إلى أن خسروا الحرب، وأُسر الأمير عبد القادر، ونُفي عام 1847م. وقد ثبَّتت الحالة الجزائرية مسألة فقد الشرعية الكاملة في أذهان المسلمين؛ لأنّ الاستعمار الفرنسيَّ كان جارفاً، ويريد العصف بكل شيء، وبالتالي لا حلَّ إلاّ بترك الدين أو ترك البلاد. وهذا هو رأْي فقهاء المالكية بالجزائر والمغرب وتونس ومصر. وقد قال الفقيه المغربي علي بن عبد السلام التسولي، والفقيه المالكي المصري محمد عليش: إنه لو أنّ الفرنسيين تركوا كل شيء على حاله، لكنّ وليَّ الأمر غير مسلم؛ فإنّ على غير القادرين على مُجاهدة الكفار الهجرة عن الديار. وكانت الظروف أقلّ سوءًا في الأقطار ذات الفقه الحنفي، ليس لأنّ الفقهاء كانوا ينصحون بالصبر والمهادنة ما دام التعرض لعباداتهم لم يحصُل؛ بل ولأنّ دولتهم الكبيرة العثمانية كانت ما تزال باقية، ولذلك بقي الأمل حتى بعد الهجرة بإمكان العودة من طريق الدولة وحروبها أو مفاوضاتها. ومما له دلالته على التعلُّق بالخلافة العثمانية أنّ الهنود -الذين لم يخضعوا بتاتاً للسيطرة العثمانية- أنشأوا في العقد الثاني من القرن العشرين حركةً سمَّوها "حركة الخلافة" لدعم الدولة العثمانية، واضطروا غاندي إلى المسايرة ودعم تلك الحركة، وهو الأمر الذي أثار تعجب نهرو، وذكر ذلك في مذكراته فيما بعد. فوسط الظروف الاستعمارية المتفاقمة؛ قامت بالطبع حركاتٌ وطنيةٌ وإصلاحياتٌح لكنّ ذوي الذهنية الدينية من البسطاء، وعلماء المذاهب الفقهية المحترمين، وبعض شيوخ الصوفية، تقلّصت "الشرعية" في نظرهم إلى دائرة العبادات، وكراهية الأجانب المستعمرين، والتطلع إلى أمير المؤمنين العثماني؛ ليس لأنهم كانوا يأملون به باعتباره محرِّراً بالدرجة الأولى؛ بل لأنه يرمز إلى الخلافة الكبرى، ولأنه ما يزال مستقلاً ولا يخضع للأجانب؛ ولذلك كانت السنوات الواقعة بين نهاية الحرب الأُولى عام 1918 وعام 1924 شديدة الهول والقطع في وعي ذوي الذهنية الدينية من العرب والمسلمين، وفيما بين الهند وتركستان وإندونيسيا (جاوة وسومطرة والملايو) وآسيا الوسطى، والبلقان، ومصر والشام، والجزيرة العربية. ففي كل هذه الأقطار والنواحي، وبحسب كتاب لوثرب ستودارد: "حاضر العالم الإسلامي"(ترجمه عجاج نويهض، وعلّق عليه تعليقاتٍ ضافيةً شكيب أرسلان) كانت هناك عالميةٌ إسلاميةٌ صاعدةٌ، تقول بالجامعة الإسلامية، وترى في رمزها (الخلافة وتركيا) المظهر الوحيد الباقي للشرعية الإسلامية الكلاسيكية. 

-III-

لاحظ تشارلز آدامز ما سبق للوثرب ستودارد أن لاحظه فيما يتعلق باتجاهات التفكير في الشرعية في أذهان النُخَب الإسلامية؛ لكنّ آدامز كان معنياً بالوضع في مصر في العقدين (1910- 1930). وأهميةُ ملاحظات آدامز أنه ما كان معنياً بالحركة الإصلاحية أو ما صار يُعرف بتيار محمد عبده فقط؛ بل وبالتيارات الإسلامية الأُخرى، أو ما سمّاه بتيار الجمعيات الدينية والخيرية. فقد ظهرت مئاتُ الجمعيات التي كانت لها ثلاثة أهداف معلنة: إحياء الوعي الديني أو تجديده، والأعمال الخيرية والاجتماعية، والأعمال التربوية في مجال الهوية الموجَّهة للأطفال والفتيان. وقد افتتح هذا النوعَ من الجمعيات في القرن العشرين ظاهراً الشيخ محمد عبده في "الجمعية الخيرية الإسلامية". بيد أنّ الجمعيات الأُخرى كانت مهتمةً أكثر بالوعي الديني بالتحديد. فجمعية عبده كانت إصلاحيةً نهضوية مثل جمعيات المقاصد في القرن التاسع عشر. أما الجمعيات الجديدة فهي إحيائية معنية بإحقاق الهوية ومكافحة التغريب. ومن ذلك الجمعية الشرعية، وجمعية أنصار السنة المحمدية، وجمعية الشبان المسلمين، وجمعية الإخوان المسلمين. ومما له دلالته أنّ حسن البنا سمَّى جمعيته "جماعة" بخلاف الآخرين، وهو مصطلح سني عريق ربمّا زوَّده به رشيد رضا، وله عدة دلالات بحسب المصادر: الأمة في موطنٍ معين، والإجماع الفقهي، والاجتماع على إمام. وقد امتدت ظاهرة الجمعيات إلى بلاد الشام والعراق. لقد سقطت الخلافة التي ما كانت تحكم في مصر منذ عام 1805 على الحقيقة؛ لكنّ رمزيتها ظلّت على علاقةٍ بالشرعية التأسيسية للوحدات الثلاث السالفة الذكر، وشعور عامة الناس أنهم ينتمون إلى أمةٍ واحدةٍ على اختلاف تجلياتها. وما كان الاستعمار احتلالاً وحسب؛ بل أحدث تغييراتٍ اجتماعيةً مزلزلة ليس في الواقع فقط؛ بل وفي الوعي أيضاً. وصحيح أن الحركة الوطنية المصرية في مرحلتيها مرحلة -مصطفى كامل، ومرحلة حزب الوفد- كانت تستقطب الوعي الوطني العام، ولها جمهورٌ هائل. لكنّ ذوي الذهنية الدينية -على ضآلة أعدادهم في البداية- كانت حركة الوعي لديهم مختلفة. وبعبارةٍ أُخرى فإنّ هذه الجمعيات كانت تتحول إلى بؤرٍ هي البقية الباقية للشرعية الدينية بمعناها العميق. وهذا الأمر تجاوز حتّى المؤسسات الدينية؛ فالأزهر -على سبيل المثال- ما وجد حرجاً في تركيز الشرعية في النظام الملكي الدستوري القومي، وإن شاركت قلةٌ من علمائه في الجمعيات. وقبل ذلك وبعده- وبعكس الجمعيات الخيرية العامة مثل جمعية عبده السالفة الذكر- فإن نجاحات الجمعيات الجديدة ما تمثّلت في أعمالها الخيرية؛ بل في تركيزها على مسائل الهوية والانتماء، وعلى قياداتها الكارزماتية. وهكذا فإنه ومنذ أواسط الثلاثينات بدا أنّ أنجح جمعيتين هما: جمعية الشبان المسلمين، وجمعية الإخوان المسلمين. وقد أثار ذلك اهتمام هيوارث -دن تلميذ تشارلز آدامز، الذي يبدو أنه كان مكلَّفاً من الاستخبارات البريطانية بمتابعة نشاط تلك الجمعيات؛ فقد شبّهها بحركات الإحياء البروتستانتية العاملة عادةً على نهوضٍ دينيٍ جديد، وهي معاديةٌ للغرب؛ لكنّ البنّا زعيم أكبرها مرنٌ، ويمكن التفاوُض معه. وقد أفاد حسن البنا في حركته أو جمعيته من أربعة أمور: وعيه الحادّ بحركات الإحياء الديني، حركات الجهاد والهجرة وآخِرها الحركة السنوسية التي كانت ما تزال تقاتل الطليان بليبيا، واعتباره أنّ الباقي للشرعية الإسلامية الدولة السعودية الناشئة على نهج الكتاب والسنة فحسْب، والقدرة التنظيمية الهائلة، وعدم القطع مع سائر التيارات الوطنية الراديكالية وغير الراديكالية التي يتشارك معها في الوعي القاطع ضد الاستعمار والتغريب، وإن لم تشاركه رأيه في تركُّز الشرعية أو انكماشها إلى حدود تنظيمه. ولذلك استظهرتُ أنّ التنظيم أو بؤرة الشرعية الباقية والمتجددة تقدَّم لدى الإخوان المسلمين بالذات على اعتبارات العقيدة في السنوات العشر الأُولى. ولذلك فقد عمد بعد اتساع التنظيم إلى اجتراح "النظام الخاص" 1938/1939. وأعضاؤه المرتبطون به وحده هم خلاصة أو نخبةُ النخبة في التطابق الناشئ بين التنظيم والعقيدة. ويبدو ذلك على خير نحوٍ في رسالة البنا للمؤتمر الخامس. فالأهداف هي: تكوين الفرد المسلم، ثم الأسرة المسلمة، ثم المجتمع المسلم، ثم الحكومة المسلمة، فالدولة، فالخلافة الإسلامية، فأُستاذية العالم. ويتم ذلك على ثلاث مراحل: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة، وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخيُّر الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج. فماذا يعني هذا كلُّه؟ إنه يعني أنّ أزمة الشرعية في نظره وصلت إلى أعمق الأعماق. ما عادت هناك دار إسلام، ولا عادت هناك مرجعية إسلامية بزوال الخلافة. وما عادت المشكلة تنحلُّ حتى بتنصيب خليفةٍ أو زعيم في إحدى البقاع؛ بل لا بد من العودة إلى مرحلة "دعوة الإسلام" إذا صحَّ التعبير بتربية أفرادٍ عليه بعيداً عن أوضار ثقافة الاستعمار، والدولة المتغربة الناشئة، ثم المُضيّ قُدُماً بالتنظيم الذي يعيد المجتمع المسلم فالدولة والخلافة. ولذلك ففي حين انهمك الجميع بمن فيهم أستاذه محمد رشيد رضا بمحاولات استعادة الخلافة، ومصارعة أعدائها، رأى حسن البنا أنّ الموقف بلغ من الفساد حداً يذكّر بظروف دعوة النبي محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- الأُولى؛ أي أنّ الأمر هو أمرُ إعادة تأسيس، تكون فيه النواةُ ذلك التنظيم الذي أقامه لاحتضان الشرعية أو الدعوة الأُولى أو الجماعة الأولى، ثم تأتي الخطوات التالية بحيث تكون الخلافةُ المكتملة الشرعية هي نهاية المطاف. وما ذكر الشيخ البنّا مسألة الهجرة إلاّ عَرَضاً، مع أنها جزءٌ من التأسيس للإسلام الأول. لكنّ سيد قطب ذكرها وركّز عليها. وبالطبع فإنّ الظروف كانت قد تغيرت تغيرا ًكبيراً؛ لكنها كانت في الواقع وظلت ضمن المشروع الأصلي، وإن كانت هجرةً داخليةً أيام البنا، وصارت هجرةً للمجتمع الجاهلي أيام سيد قطب. فالشرعية لدى البنا تحتاج في تكونها الجديد إلى الهجرة الداخلية، إلى البؤرة أو التنظيم أو دار الأرقم بن أبي الأرقم، وحذارِ من الهجرة الخارجية؛ لأنّ تجاربها فشلت خلال أكثر من قرنٍ بسبب التغول الاستعماري بالهند والجزائر وليبيا على وجه الخصوص. وهذا التركُّز للشرعية في التنظيم في زمني الجاهلية والغفلة هو الذي حقّق ثلاثة أمور: كارزماتية التنظيم أو الجماعة، وكارزماتية المرشد أو الإمام الذي جرى الإقبال على مبايعته، وبالتبع كارزماتية الهدف وهو الدولة الإسلامية. ولذلك فإنّ التنظيم يستعصي على الانقسام أو التزعزُع في أزمنة الملاحقة والاضطهاد بالذات، ولو لم يبق منه خارج السجن إلاّ ثلاثة أفراد كما قال لنا الراحل الشيخ محمد الغزالي نقلاً عن البنّا في إحدى المرات. فمن غير المتصوَّر أو المعقول أن تختفي الجماعة، أو يحدث ما جاء في الأثر الذي يرويه الإمام مسلم عن إمكان اختفاء الجماعة والإمام، باعتبار ذلك من أمارات يوم القيامة!

ومع ذلك فالذي أراه أنّ الدخول بعد التكون التنظيمي والآخر العَقَدي في مشروع الدولة الإسلامية أو الحاكمية أو النظام الكامل، ليس من عمل الشيخ حسن البنا المباشر بالتحديد، وإن يكن من ضمن أهدافه بالطبع؛ ذلك أنّ الدولة أو الاستيلاء على السلطة لتحقيق المشروع ضروريٌّ لاكتمال الشرعية. فالنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ما بُعث إلاّ لإقامة دولة الدين التي تتأستذ على العالم، كما فهم البنّا من قوله تعالى: ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾، وقوله: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾. لكنّ البنّا شهد الأهوال التي صاحبت قيام دولة باكستان الإسلامية عام 1947. وفي الوقت نفسِه كان قد بدأ صِلاته بضباط الجيش، فربما اتجه تفكيره إلى استخدامهم وسيلةً للوصول إلى السلطة، وتحقيق برنامجه من خلال ذلك في المدى الأطول. وعلى أي حال، فإنه قُتل عام 1949. والذين خَلَفوهُ فكّروا فوراً بإكمال المشروع والمشروعية من خلال السلطة التي يتولَّونها بأنفُسهم، وما ارتعبوا مثله من تجربة باكستان؛ بل على العكس، صارت باكستان النموذج والمثل. وما تراجعوا عن ذلك رغم انتكاسة عام 1954؛ بل إنّ ذلك دفعهم لإكمال الإطار النظري لإسلامية الدولة مسترشدين بكتابات أبي الأعلى المودودي التي تفعل أمرين: جلاء أبعاد الطهورية الإسلامية التي يستحيل معها تعايش الإسلام والكفر في دارٍ واحدة، والترتيبات التنظيمية للدولة في ظلّ الظروف الحديثة المعتبرة في إحلال الشرعية. وعندما يتحدث الدارسون عن ذلك اليوم بل وخلال العقود الماضية ينسبون ذلك إلى سيد قطب. ولا شكّ أنه كان الأبلغ في التعبير عن المشروع الحركي والنظام الكامل تحت قبعة الحاكمية. لكنّ آخرين عديدين كتبوا في ذلك قبل سيد قطب؛ فالمشروع للدولة الإسلامية التي تطبّق الشريعة قائمٌ كلُّه في كتاب عبد القادر عودة: (الإسلام وأوضاعنا السياسية)، وكتابه الآخر: (الإسلام وأوضاعنا القانونية). بل إنّ عودة يرى أنّ الإخوان تأخروا كثيراً في العمل الجاد من أجل إقامة الدولة، لأنّ الدين هو الدولة؛ والدولة هي الدين، والشريعة هي التي تتقدم على الأمة وتعطيها الشرعية لما تقوم به وفقاً لمبادئها وأحكامها. بل إنه يخشى أن يؤثّر هذا التأخُّر في السعي الحثيث إلى تبخُّر شرعية التنظيم أو تبخر الشرعية من التنظيم. وفي حين يرى بعضهم -استناداً إلى كتاب "دُعاة لا قُضاة" الصادر عن شيوخ الجماعة في السجون أواخر الستينات- أنه كان هناك مشروعان في الإخوان: المشروع الدعوي غير الدولتي الذي رعاه تيار حسن الهضيبي والتلمساني والآخرين باعتباره المعبِّر عن روح مشروع حسن البنا، والمشروع الراديكالي الثوري الاستيلائي الذي قاده سيد قطب؛ فإنّ الذي أراه أنّ مشروع قطب مجرَّداً عن حواشيه البلاغية والإبلاغية والإنشائية هو الأكثر تعبيراً عن دعوة الإخوان الأولى بزعامة حسن البنا. وربما جاء الكتاب المذكور -الذي روَّجت له إدارة السجون المصرية- تعبيراً عن الانكسار الذي نال من الشيوخ نتيجة الاضطهاد، أو أنه كان حمايةً لأعضاء التنظيم من الإبادة. قام تنظيم الإخوان لاستعادة الشرعية التي انفقدت في كل مكان بهذا القدر أو ذاك، ولذلك كان حسن البنا من قبل مثل سيد قطب من بعد، على اختلاف الزمان بل والمكان (في السجن أو خارجه). ويكون علينا ألا ننسى أنّ عقائديات وعنفيات سيد قطب ثم القرضاوي ما واجهت التحديات التي واجهتها "دعوة" حسن البنا. ففي النصف الثاني من الستينات كانت الحتميات في أوجها لدى اليساريين العرب أو القوميين المتحولين إلى اليسار. وفي نظر القرضاوي أنه إذا كانت القومية حتمية، وكذلك الشيوعية، فلماذا لا يكون الحلّ الإسلامي حتمياً؟! والمعروف أنه في الوقت نفسه فإنّ شرعية الدولة الوطنية العربية كانت تتعرض للاستنزاف على أيدي العسكريين.

إنّ السرعة الهائلة التي استعاد فيها التنظيم حيويته منذ مطالع السبعينات، وخططه لنشر مفهومه للشرعية أفقياً في المجتمع، ورأسياً في أحشاء الدولة، ليس دليلاً على قوة التنظيم فقط؛ بل هو دليلٌ أيضاً على عقائدية التنظيم، ويقينه بضرورة إقامة الدولة الإسلامية. أمّا الذي عاد فيه التنظيم إلى أسلوب حسن البنا بالفعل فهو التخلّي عن فكرة الصراع المسلَّح تحت اسم الجهاد لإقامة الدولة، على المستويين المحلي والعالمي، واعتماد الانتشار التدريجي للتغلغل في بطن السلطة، وللسواد الاجتماعي والقيمي أو ما سميتُه في إحدى دراساتي: السمتية الإسلامية، وهي أبرز ظواهر الصحوة. وقد واجهت تلك السْمتية بل وتسببت في ثلاث مشكلات: انفجار الجهاديات من قُطبيي الإخوان ومتسلِّفيهم، وإعراض الطبقات الوسطى والمدينية عنهم، والشُبُهاتُ من حولهم في المجتمع الدولي. ويحتاج الأمر إلى بحثٍ مستفيضٍ في كيفية تجاوُزهم لعقبتي الجهاديين، والمجتمع الدولي. لكنني أُريدُ التركيز على مسألة القبول بهم من جانب الطبقات الوسطى في المجتمع المصري والمجتمعات العربية الأُخرى؛ لاتصال هذا الأمر بمسائل الشرعية والتأهُّل والتمكين التي هي موضوعُ هذه الورقة. فمنذ عبد القادر عودة ومحمد الغزالي ومحمد محمد حسين وإلى سيد قطب ومحمد قطب والقرضاوي في مرحلته الأُولى، جرى التركيز على الانفصال الشعوري والثقافي والتربوي والقانوني والسياسي عن العصر وأنظمته وثقافاته؛ حتى لقد صارت هذه الطهورية وهذا التأصيل أحد أسباب قوتهم التنظيمية، وأساس كل ذلك بالطبع تركُّز "الشرعية" المرتبطة بالشريعة في التنظيم أو في الجماعة. في الوقت الذي عمقت فيه هذه الانفصالية الإحساس بعدم تأهُّلهم للسلطة في مجتمعٍ كالمجتمع المصري. إنما في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، جرت مساعٍ حثيثةٌ لجعل السمْتية الانفصالية أو التمامية استيعابيةً إذا صحَّ التعبير. وما ظهر ذلك في سلوكهم تجاه فئات المجتمع المدني، وأطراف المجتمع السياسي فقط؛ بل كانت له مظاهر قانونيةٌ وتشريعيةٌ. فعلى يد عشرات القانونيين والفقهاء الدستوريين الحاضرين في صفوفهم أو المتقربين منهم، جرى نشر فهمٍ لحكم الشريعة يجعلها مُساويةً لحكم القانون في الدولة الحديثة. كانت الشريعة قد صارت لها طبيعة القانون المُلْزم ضمن مقولة النظام الكامل؛ لكنها كانت هناك ذات أصل تكليفي إلهي، أمّا هنا فقد اختلف الأمر، بمعنى أنّ المؤوِّلين والمرشِّدين ذهبوا إلى انّ حكم الله (المتجلِّي من خلال الشريعة) لا يختلف في تنزلاته الواقعية عن القوانين ذات الطبيعة الديمقراطية في الدول المعاصرة. ولذا فبدلاً من كتابات الأربعينات والخمسينات والستينات عن التمايز والقطيعة والافتراق بين الشريعة والقوانين الوضعية والنظام الثالث، صار "النظام الإسلامي" المراد إنشاؤه أو إقامته إنما يرعى حقوق الناس وحرياتهم، ويحافظ على مدنيتهم، ولا ينقض أو لا يسعى لأن ينقض ما وصل إليه الناس في الدول الليبرالية، وفي النظام العالمي. ولذا فإلى جانب التسوية بين حكم الشريعة وحكم القانون، عادوا إلى الاستعانة بمقولة الشاطبي(-790هـ/1388م) في مقاصد الشريعة، فكثرت في الأوساط القريبة منهم كتابة الدساتير الإسلامية، والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان في ظلّ الضرورات الخمس لمقاصد الشريعة لدى الفقهاء. وكما سبق القول فإنّ أساتذةً كثيرين معروفين، وما كانوا محسوبين على الإخوان وإنما على السمْتية الإسلامية الجديدة، دخلوا في هذه التسويغات، التي أفاد منها الإخوان في إغناء مخزونهم الحِجاجي والنشري. لقد صاروا في نظر أبناء الطبقة الوسطى في التسعينات يشبهون حزباً من الأحزاب الديمقراطية المسيحية المحافظة في أوروبا. فبدوا ملائمين ومتلائمين؛ ليس فقط للفئات الريفية التي يحظون بشعبية فيها. بل ولفئاتٍ مدينيةٍ واسعةٍ رأتهم يتجنبون العنف، وغير المألوف، ويحترمون القوانين، ويدخلون في الرأسماليات النيوليبرالية، ولا يشاركون في الفساد، ويتمدّحون بالشريعة باعتبارها القانون الأمثل لا أكثر ولا أقلّ. 

-IV-

استطاعت الإسلامية الجديدة خلال ستين أو سبعين عاماً إجراء تحولات ضخمة في الفهم للدين وعلائقه الاجتماعية والدولتية والعالمية. ومن خلال تلك التحويلات صار الإسلاميون حاجةً، وأحياناً ضرورةً في بعض المجتمعات العربية والإسلامية بالمعاني الأخلاقية والاجتماعية والسياسية. وصحيح أنّ السلفيين يشاركون الإخوان اليوم باعتبارهم أحد جناحي الإسلامية الجديدة عند أهل السنة؛ لكنّ السلفيين انفجاريون، ولا يملكون رؤيةً سياسيةً متماسكة ولا تنظيمات متماسكة. ولذلك يظلٌُّ الإخوان متسلِّفين - كما يسميهم الباحث الراحل حُسام تمام- أو غير متسلِّفين هم الفريق الأبرز في هذا الإسلام السياسي. ويذهب باحثون مثل أوليفييه روا وجيل كيبيل وسعد الدين إبراهيم وفرانسوا بورغا إلى أنّ الإسلام السياسيَّ هذا فشل، وهو في طريقه إلى الانقضاء؛ لكنني أرى أنّ له مستقبلاً في مجتمعاتنا إن لم يكن في سلطاتنا لعدة أسباب؛ أولها: تأسُّسه على فكرة أو عقيدة استعادة الشرعية التي حظيت بوزنٍ مُضاعَفٍ بسبب تضاؤل الشرعية الأُخرى، شرعية الدولة الوطنية العربية. كان لدينا من جهة مقولة الشرعية المتشبثة بالشريعة بوجهها الجديد ذي الجانب العقائدي/ السياسي والتنظيمي. ولدينا من جهةٍ ثانيةٍ الدولة الوطنية العربية ممثَّلةً بالعسكريات والأمنيات والفئويات التي تخلّت عن الدولة والمشروع، وانصرفت إلى المذابح والتقسيمات بالداخل، والاعتماد في البقاء في السلطة على التوازنات الدولية والإقليمية وصولاً إلى الاستقرار في أحضان الهيمنة الأميركية المتجددة. وثانيها: اكتسابه مشروعية وثقةً بنفسه وفي النظر العام بالفوز في الانتخابات بعد الثورات فقد كانت لدى الإخوان والحركات المشابهة دائماً مشكلةٌ مع الجمهور، ولذا بدوا حتى هزيمة عام 1967 حركات أقليةٍ وعنف. ولذا ما كان إعراضهم وما كانت جدالاتهم مع الديمقراطية لأنها غربية وتغريبية فقط؛ بل وللإحساس بأنّ الناس لن يحسموا الأمر لصالحهم حتى في انتخابات حرة. لقد كانوا يقولون ويكتبون: كيف نُقدِّم حكم العامة على حكم الله في صناديق الاقتراع على فرض حريتها وهي ليست حرة؟ ومن قال: إنّ السيادة للشعب كما في الديمقراطيات الغربية؟! بل هي لله عز وجلّ. لكنّ سقوط كل شرعيةٍ للأنظمة الأمنية والعسكرية السائدة، ثم ما أُجري من تلاؤماتٍ وتأويلاتٍ بين المرجعية العليا، والديمقراطية الإجرائية، ثم حدوث الثورات التي ركبوا أمواجها، كل تلك الأمور دفعت شرائح عريضةً من الجمهور باتجاههم. وقد أكسبهم ذلك ثقةً بالنفس، ما كفّ من غربها قليلاً غير ما اقتطعه منهم السلفيون في صناديق الاقتراع. وما قلّل ذلك من سواد عصمة الشريعة لديهم؛ بل إنّ أحدهم قال: إنّ الجمهور إنما أقبل على حكم الشريعة والجماعة صَوناً لإيمانه. إضافةً إلى أنّ ذلك صار مفيداً في المشهد العام، وفي المشهد الغربي. وبالطبع فإنّ الفشل في إدارة السلطة كان يمكن أن يؤثر في شعبية الإخوان وحتى في شرعيتهم؛ إنما للأسف فإنّ الظروف البديلة في سائر ربوع بلاد الثورات وبخاصةٍ في مصر ما ساعدت على التقليل من شرعية الإخوان في نظر الشرائح الصحوية، والأخرى المعادية للنظام السابق. وثالثها: صلابة تنظيماته العَقَدية، رغم افتقاره إلى القيادات الكارزماتية؛ لأنه يمتلك كارزما الشريعة أو النوموقراطية، وكارزما التنظيم أو الجماعة التي تحتضنها، وكارزما إقامة الدولة التي تطبق الشريعة وتستعيد الشرعية. ورابعها: وأهمُّها تمكُّنُهُ من القيام بعمليات تحويل مفهومية في قلب الدين ارتبطت به وارتبط بها، ويصعُب إخراجه وإخراجها من يقين العامة وبعض الخاصة إلاّ في مدياتٍ متطاولةٍ من نجاج الدولة المدنية والحكم الصالح. وذلك مثل الإسلام دين ودولة، والدولة ضروريةٌ لصون الدين، وارتباط الشرعية بلشريعة، والإسلام هو الحل.

إنّ الشرط الأول إذن للتمكن من البدء بمراجعةٍ عميقةٍ للأوضاع السائدة الآن فيما يتعلق بالحركات الإسلامية الجهادية والتنظيمية يتمثل في "نجاح الدولة الوطنية المدنية، والحكم الصالح". وأنا أركّز على "الحكم الصالح" بالتحديد؛ لأنّ للدولة المدنية شروطاً ثقافيةً لا تتوافر اليوم. فالدولة المدنية هي نقيض الدولة الدينية القائمة في صيغتها الثيوقراطية في إيران وصَيَغها الممتزجة في عدة دولٍ أُخرى أبرزها إسرائيل. ونحن نعلم أنّ الدولة المدنية مستحيلةٌ في الإسلام، وفي أزمنة الحداثة مبدأً أو مآلاً. بيد أنّ ارتجاجات الهوية ما تزال عاصفةً في مجالنا الثقافي والحضاري نتيجة التجربة الاستعمارية والعولمة، ونتيجة تردّي الدولة الوطنية العربية وفقدها لشرعيتها. كان ماكس فيبر قد تحدث عن ثلاث صِيَغٍ للشرعية هي: الصيغة التقليدية القائمة على تقاليد وأعراف المُلْك والترتيبات الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية. والصيغة الحديثة الدستورية والقانونية. والصيغة الكارزماتية المتمثلة في القائد أو القيادة. وقد ألحق Hudson بالصيغة الكرزماتية الأنظمة الثورية العربية، التي لم تتوافر لها شرعيةٌ تقليديةٌ أو دستورية. لكنْ حتى الشرعية الثورية فإنها تعتمد في المدى المتوسط لبقائها على تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى؛ أي الإنجاز. وفي الحدّ الأدنى أن تتمكن من صَون المجتمع، والحيلولة دون استتباعة للخارج أو انقسامه الداحلي. وما تمكن العسكريون الانقلابيون العرب في الستينات والسبعينات من الوفاء بأيٍّ من هذه المظاهر والظواهر والشروط. بل إنّ فشلهم في ذلك هو الذي رفع من شأن عقائديات الإسلاميين التي ترتبط فيها الشرعية بالشريعة والتنظيم(الذي حلَّ محلَّ الجماعة والأمة). ولذلك فقد ذهبتُ إلى أنّ المطلوب اليوم هو تحقيق الحكم الصالح أو حُسْن إدارة الشأن العام، بما يعيد إلى المجتمعات تماسُكها، ويحقق استقراراً ركائزُهُ العدلُ الاجتماعي والاقتصادي والتنمية والحريات الأساسية. لقد أرهقت الموجة الأول من الثورات المجتمعات والدول، واستطاع الخليجيون حفظ استقرارهم والتأثير إيجاباً في استعادة الزمام وترميم الاستقرار، والقيام بمهمات الدفاع عن الانتماء العربي. ويبدو أنه ما تزال للجيوش الوطنية مهماتٌ ووظائف في هذا السياق، أو في هذه المرحلة الانتقالية باتجاه الدولة المدنية. 

فالذي أقصِدُهُ أنه بالتسانُد بين دائرة الاستقرار العربي، ودائرة الجيوش الوطنية التي لا تريد العودة للتسلُّط بل تريد الحفاظ على التماسُك الوطني والقومي، بحيث تتمكن الحكومات الجديدة من توجيه المؤسسات باتجاه الإدارة الصالحة التي تعيد بناء المؤسسات وتطويرها- بهذا التساند، وتلك الإدارة الصالحة، يمكن للجمهور أن يطمئنّ للجهتين: جهة الاستقلال الوطني والقومي، وجهة الكفاءة في إدارة الشأن العام. ومن ضمن تلك الكفاءة بالطبع استيعاب مَنْ يمكن تعاوُنُهُ من جماعات الإسلام السياسي، وليس من العنيفين الذين يعتبرون أنفسهم جهاديين في مواجهة الدول والمجتمعات. وبالطبع فهناك تفصيلاتٌ كثيرةٌ بعضها يتعلق بمفهوم الدولة المدنية، وبعضها الآخر يتعلق بأهداف حركات التغيير التي مرت موجتُها الأولى. لكنني إنما أردتُ في هذه الورقة الحديث عن مستقبل الإسلام السياسي من خلال مسألةٍ مركزيةٍ عنده هي مسألة الشرعية.

إنّ الحكم الصالح في المرحلة الانتقالية (بين الثورات والدولة المدنية) يمهِّد ويُمكِّنُ من الدخول في عملياتٍ زاخرةٍ للإصالح الإسلامي. وكنتُ قد ذهبتُ في عدة بحوثٍ إلى أنّ تفاقُم ظاهرة الإسلامي السياسي يدلُّ على أنّ الإصلاح السياسيَّ أصبح ضرورياً للدخول في عمليات الإصلاح الديني. فمن وجوه الإسلام السياسي التي تحظى باستحسان الجمهور: عملُهُ على تحسين أو إصلاح إدارة الشأن العام، بانتزاعها من أيدي العسكريين الذين أساءوا الإدارة، وفوَّتوا المصالح، وطغَوا على الناس. ولذلك فقد رأى قسمٌ كبيرٌ من الجمهور أنّ الحلَّ هو في إقامة دولة الدين. فلا يمكن مخاطبةُ الناس بخطابٍ مدنيٍّ بحتٍ في هذه الظروف إلاّ إذا كانت إدارة الشأن العام سائرةً إلى صَلاحٍ بعد خروجها من أيدي الطُغاة والفاسدين. لكنْ حتّى الإصلاح له مفاهيمُهُ التي ينبغي التدقيقُ فيها وراء ما يحتمله الجمهور وما لا يحتمله. 

هناك مفهومان مُتداوَلان للإصلاح الديني: المفهوم الأول، وله تاريخٌ؛ فقد بدأ أيام محمد عبده، بل وأيام الطهطاوي وعلي مبارك وخير الدين التونسي. وأصحابه يذهبون إلى أنّ نصوص الإسلام الأول وقيمه لا تتناقض مع قيم التقدم والحداثة الأوروبية. ولذلك فإنهم مستعدون مثل شيخ الأزهر اليوم لتبنّي أطروحات الإسلاميين في الظاهر مثل تطبيق الشريعة، ثم الذهاب- كما في بيان شيخ الأزهر عن مستقبل نظام الحكم في مصر- إلى أنّ مبادئ الشريعة -التي جاءت في المادة الثانية من دستور عام 1971 في مصر باعتبارها المصدر الرئيس للتشريع- لا تتناقض مع قيام دولةٍ عصريةٍ وتعدديةٍ وديمقراطيةٍ قائمة على المواطنة. وقد مضى شيخ الأزهر قُدُماً في هذا السبيل، فأسَّس في بيانٍ ثانٍ لشرعنة حركات التغيير السلمية والتصدي للطغيان، وفي بيانٍ ثالثٍ قال بالحريات الأربع الأساسية، وفي بيانٍ رابعٍ دعم حقوق المرأة ومساواتها وحرياتها. وما وافقه على ذلك المحافظون، ولا وافقه بالطبع الإحيائيون الذين شارك بعضهم أو حضروا إعلانات الأزهر. وفي رأي أهل الإصلاح بهذا المعنى أنّ حركات الهوية التي تحظى بدعم الجمهور لا تحتمل أكثر من ذلك، وهذا إذا كانت تحتمله. فالمسألة مسألةُ أهداف ومسألةُ أسلوبٍ ناجمٍ عن إدراكٍ معيَّن. وأنا أرى أنه لا مشكلةَ في احتمال الجمهور ووعيه، بشرط السير في عمليات إصلاح إدارة الشأن العام. أمّا المفهوم الثاني أو الآخر فهو الذي أسميه الإصلاح التنويري أو النهضوي. وهو يعتمد على قيام نخبةٍ من المفكرين الذين ينطلقون من الثقة بالدين وبوعي المجتمع وإدراكه. وهؤلاء يقولون: إنّ العرب والمسلمين لا يشْكون خوفاً على الدين، بل يرون أنّ ما يرادُ إصلاحُهُ إنما هو إدارةُ الشأن العام. وفيما عدا ذلك فإنّ إدخال الدين في بطن الدولة، أو الزعم أنّ الدين غير مطبَّقٍ الآن وإنما ينبغي الاستيلاءُ على الدولة وتطبيقُ الشريعة بواسطتها، كلُّ ذلك فيه خطرٌ على الدين أكثر من خطره على الدولة. فالدين في حضن المجتمع، وأساس منظومة قيم التماسك وأخلاقياته. وتكليفُ الدين من جانب حزبٍ أو جماعة بإصلاح إدارة الشأن العام فيه افتئاتٌ على الدين وتكليفٌ له بما لا يُطاق. ولذلك فلكي يستقيم أمر الشأن الديني/ الاجتماعي ينبغي أن يظلَّ مستقلاً عن الدولة، فلا يخضع لها، ولا تخضع له، بل يتعاونان كما كان عليه الحال في الأزمنة الكلاسيكية عندما كان الفقهاء يفهمون الإمامة(= السلطة السياسية) باعتبارها أمراً مصلحياً وتدبيرياً واجتهادياً ولا شيء أكثر من ذلك. فالدولة لا تقيمُ الدين أو تستنقذه، والدين لا يطمح أن يحلَّ محلَّ النخبة السياسية في إدارة الشأن العام. وهناك فرقٌ بين ما نقولُهُ وما تقوله العلمانية من فصلٍ بين الدين والدولة؛ لأنّ المشروع الراديكالي الفرنسي يريد فصل الدين عن المجتمع وثقافته أيضاً. والرأي أنّ المجتمع (وليس الأفراد فقط) لا يستقيم أمر تماسُكِه دون منظومة القيم الدينية. فهجمةُ التغريب والحداثة والعولمة والتي عصفت بالأعراف الاجتماعية الخاصة والعامة، هي التي أثارت المخاوف الشديدة على الدين لدى الجمهور، ودفعت باتجاه الاعتماد على الدولة (الإسلامية) في صَون الدين من عواصف الغرب والأنظمة القائمة. وقد احترف الإسلاميون الصحويون مسائل إثارة المخاوف على الهوية من أجل تسهيل مقولة اعتبار الدولة والنظام السياسي ركناً من أركان الدين، ومن هنا تأتي ضرورة استيلائهم على الدولة! 

للخروج من هذه الدائرة المفرغة، يكون من الضروري أن تنصلح إدارة الشأن العام بعودتها إلى الناس بدلاً من الطاغوت العسكري أو الاستيلاء الأصولي. وعندما يصبح الناس مسؤولين عن إدارة شأنهم العام يصير ممكناً التصدي لعمليات تحويل المفاهيم الدينية على مدى السبعين عاماً الماضية، والتي أخرجت الدين عن طبيعته، في الوقت الذي كان فيه العسكريون العرب وبعض العسكريين المسلمين (في الدول غير العربية) يُخرجون الدولة والنظام السياسي عن مهامّه في حفظ مصالح الناس وحرياتهم وأمنهم. ونتيجة عمليات تحويل المفاهيم في قلب الدين، نشأت أدبياتٌ هائلةٌ عن النظام السياسي في الإسلام(والحاكمية مرجعيته العليا)، والنظام الاقتصادي، والنظام الاجتماعي، وضرورة الدولة للدين، وضرورة الدين للدولة. وأساسُ ذلك كلّه كما سبق القول اختلال شرعية الدولة الوطنية العربية بسبب استيلاء العسكريين عليها، وتعطيل مهامّها، وتحويلها إلى أجهزةٍ لقمع الناس، ومصادرة حرياتهم وإنسانيتهم. ولا يخلو الأمر بالطبع من مسؤوليةٍ للإسلاميين الصحويين من جهاديين وحزبيين. وصحيحٌ أنّ معارضتهم لأنظمة الطغيان العسكري مشروعة؛ لكنّ اللجوء للخروج على الدولة والمجتمع والعالم بالعنف باسم الجهاد فيه تدميرٌ للدين وسكينته وتبادُله الاحتضان مع المجتمعات ومشاعر الأمن العميقة للناس. فالجهاديون يواجهون الدول والمجتمعات بالتكفير واستحلال الدم كأنما لم ينزل دينُ الله إلاّ لهم. أمّا التنظيميون أو الحزبيون فإنهم يريدون الحلولَ محلَّ العسكريين باسم استعادة المشروعية من أجل إعادة تطبيق الشريعة أو الإسلام! وهذا سعيٌ وراء وهمٍ اخترعوه مستغلّين خوف المجتمع على الدين، ويأسه من دول العسكريين القامعة والفاسدة. ولذا فالذي أراه أنّ شرعيتهم شرعيةٌ مؤقتةٌ بسبب الأوضاع الاستثنائية في الشأنين الدولتي والديني.

إنّ مربط الفرس هو في العمل من جانب قوى التغيير على إصلاح إدارة الشأن العام، واستعادة الزمام في الدولة. وقد بدأت هذه العملية، ولذلك ينبغي أن يتطور الإصلاح الديني من حالة المواربة والتأويلات المتضاربة، إلى صراحة الإصلاح النهضوي والتنويري لصون الدين، مع البدء في صَون إدارة الشأن العامّ وإصلاحها. وكلا هاتين العمليتين (الإصلاح السياسي فالإصلاح الديني) تحفل بصعوباتٍ كبرى، لكنها شديدة الخصوبة، وستكون لها نتائج شاسعةٌ في أزمنةٍ تغييريةٍ متسارعة.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/12/245

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك