صور مشرقة من تاريخ المرأة المسلمة

الشيخ ناصر بن سليمان العمر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كثيرا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)([1]) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)([2]).

أما بعد: أيها الأخوة المؤمنون: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، أتقدم بشكري للمبرة، لجمعية " المبرة " الخيرية بمكة المكرمة، التي أتاحت لي هذه الفرصة للقاء بهؤلاء الأحبة الكرام، ثم أشكركم أيها الأخوة الكرام على حضوركم، وأسأل الله - جل وعلا - أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى.

الموضوع قديم جديد - أيها الأحباب - موضوع المرأة، موضوع نستمع إليه بين فينة وأخرى، ولقد ساهم كثير من الدعاة في الحديث عن المرأة من جوانب متعددة، وقد ألقيت محاضرة منذ سنتين حول موضوع المرأة، أو منذ ثلاث سنوات تقريبا، وهي: " فتياتنا بين التغريب والعفاف ".

وعندما ألقيت هذه المحاضرة، وأحمد الله جل وعلا، وأثني عليه الخير كله، أنها وجدت قبولا من لدن كثير من المسلمين والمسلمات، فجاء من يتساءل: أنت قد بينت صورة من صور المؤامرة على المرأة، وبينت الصورة الغربية للمرأة، هلا كان هناك صفحة لنموذج المرأة المسلمة، وبخاصة في الماضي؟

لأن السؤال كأنه جاء على الشكل التالي: إنك جزاك الله خيرا - وأسأل الله أن يتقبل دعوة هذا القائل - بينت خطورة المؤامرة على المرأة المسلمة، وبينت الصورة الغربية، ونحن نجد أن كثيرا من النساء - والحمد لله - قد اقتنعن بترك سلبية المرأة الغربية، وتجاوزن هذه المرحلة، ولكنك لم تبين بشكل واضح أو مفصل - حيث إنني اختصرت فعلا في بيان الصفحة الأخرى - بمن تقتدي هذه المرأة.

فطفقت خلال المدة الماضية، والفترة الماضية، أقلب صفحات التاريخ، وأبحث عن الصورة المشرقة لتاريخ المرأة المسلمة، فوجدت - ولم أفاجأ بذلك - صفحات مشرقة، احترت في الحقيقة من أين أبدأ في هذه الصفحات، ومن هذه الصور؟

فأعددت هذه المحاضرة، وبناء على طلب الجمعية، وكان هذا الطلب في الحقيقة عزيزا على نفسي، منذ سنة تقريبا، فوعدتهم أن أعد مثل هذه المحاضرة، للقاء مع الأخوة الكرام، في هذا الموضوع، وبخاصة أنني سررت عندما علمت أن الجمعية سباقة بمثل هذه المحاضرات والندوات، وبخاصة التي تتعلق بالمرأة المسلمة، وأنهم قد خصصوا مكانا للمرأة في مجتمعنا، بعيدا عن الرجال، مما يهيئ لاستماعها وتعلمها.

أقول أيها الأحباب: إن كان من هناك من اعتذار أعتذر به، فأقول: إن الموضوع طويل؛ لأنني سأعرض لصور مشرقة، ووجدت أنه يصعب علي وعليكم أن أعرض هذه الصور حسبما أرغب، ولكنني سأكتفي من القلادة ما أحاط بالعنق، والحر تكفيه الإشارة، واللبيب من الإشارة يفهم.

وأنتم أحرار؛ فلذلك سأجتزئ على أهم ما أراه ضروريا في مثل هذه المناسبة المباركة، وبناء على رغبة الأخوة، سأتحدث إلى قرب العشاء، أو إلى العشاء، ونتيح فرصة بعد صلاة العشاء للإجابة على بعض أسئلتكم، على أن تكون، أو على أن يكون الوقت المحدد لذلك قصيرا، حتى لا أُملَّكم ولا آخذ مشاغركم أيها الأحبة.

 

 

ثانياً: أسباب الحديث في هذا الموضوع

 

أيها الأخوة الكرام: كما قلت لكم، هناك أسباب كثيرة تدعو للحديث في مثل هذا الموضوع، ورأيت أنه لا داعي للتكرار في بيان هذا السبب، وقد بينت سببا جوهريا، ولكن يكفي أن أشير إلى ما أشار إليه الأخ الكريم في مقدمته.

أن هناك مؤامرة كبرى، تحاك على بناتنا ونسائنا، كما بينت سابقا في " بناتنا بين التغريب والعفاف ".

وثانيا: أنني بدأت ألمس مظهرا مؤسفا في مجتمعنا، ولعل هذا سبب جديد، لم أذكره من قبل، وهو أنني بدأت تأتي إلى طلاب العلم، وإلى المشايخ، وإلى الدعاة شكوى من كثير من الفتيات الملتزمات - أسأل الله لهن الثبات - مضايقات، من أين؟ من اليهود؟ من النصارى؟ من العلمانيين؟ لا، بدأت تأتي - مع كل أسف - من بعض المسلمات - هداهن الله -، بل من بعض الآباء، ومن بعض الأخوة والأخوات، بل من بعض الأزواج.

وهذا أمر وإن كان - والحمد لله - قليلا الآن، ولكنني أخشى من تفاقمه، وكثرته، وزيادته، وهنا لا نستطيع أن نعالج الأمر بعد استفحاله، ولذلك أردت أن أقول للأخوة الكرام، وللأخوات اللائي يعرضن بالملتزمات، ويقدحن بالتزامهن: إنكن عندما تقدحن في هؤلاء الملتزمات إنما تقدحن في سنة الرسول r.

إن اللمز ليس موجها لفلان أو فلانة، إنما هو موجه للمنهج الذي التزمت به تلك الفتاة، وهذه - والله - خطورة، حتى سمعت من الاستهزاء ما يصل، بل هو من الكفر – والعيـاذ بالله -، بعض الاستهزاء بالملتزمات هو من الكفر والله - جل وعلا - يقول: (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)([3]).

" وإن الرجل ليقول الكلمة لا يلقي لها بالا الكلمة من غضب الله جل وعلا تهوي به في النار سبعين خريفا "  ([4]).

فأقول: هذا سبب رئيس، وهو خطير جدا، ولا أستطيع - في الحقيقة - أن أتحدث عن هذا الموضوع؛ لأنه يحتاج إلى محاضرة مستقلة، ولكن أقول: هو خطير، ليس على الفتاة الملتزمة، بل إنه خطير على القائل وعلى القائلة؛ لأنه يؤْدي بدينه، إن لم يتب إلى الله جل وعلا.

فأردت أن أقول: إن التدين وإن الالتزام هو الأصل، والتطرف والشذوذ والخروج عن النهج هو لأولئك النسوة، لتلك النسوة، ولأولئك الرجال، الذين يستهزئون بهؤلاء الملتزمات، هم الذين في الحقيقة تطرفوا، وهم الذين خرجوا عن المنهج السوي.

وأخيرا: من الأسباب التي يجدر أن أشير إليها أنني لاحظت أن معاملة المرأة لا تزال بين إفراط وتفريط، لا زلنا نشكو من هذه القضية، ويكفي أن أشير إلى حادثة واحدة، فقد اطلعت في الأسبوع الماضي على جريدة " عكاظ "، فأجد في صفحة واحدة قصتين مختلفتين، تصوران واقع كثير من أفراد مجتمعنا.

قصة امرأة تشكو زوجها، وتقول: إن زوجي يفعل بي كذا وكذا، مع أنها لم تتزوج - كما قالت - إلا منذ عدة أشهر، فتقول: إنه يتسلط على مالي، وعلى راتبي، حتى إنه يطلب مني مطالب قاسية، ويوفر راتبه، ويأخذ من راتبي.

حتى تقول: لقد وصل به الأمر - وهذه دعواها على كل حال، ولم نحقق في الموضوع، أو نستمع من الطرفين، ولكنني أعرض صورة معروضة في الجريدة - تقول: حتى إنه طلب شراء سيارة، واختار نوعا خاصا من السيارات، وهو نوع سيارة " مرسيدس " تقول: فاشتريتها له، واستمر في مطالبه، وفي الأخير بدأ يضربها ويهينها إن لم تدفع أكثر وأكثر.

هذه صورة مؤسفة، وقد قلت هذه القصة، وأذكر أنه كان بجواري قاض من قضاة المسلمين، فقال: إن هذه القصص كثيرة جدا. فهو يتكلم من منطق مسئولية، ومن واقع الواقع الذي يعيشه كقاض من القضاة، يمارس القضاء منذ سنوات طويلة، يقول: إن هذه القضية: قضية أخذ المال من المرأة، وضرب المرأة كثير كثير.

الصورة الأخرى: في نفس الجريدة، بل في نفس الصفحة، أو في الصفحة نفسها، رجل يقول: يشكو زوجته - وهذا من المضحك المبكي - ويقول: إنني رزقت منها بولدين، وتحملت منها، وهي الآن وصلت إلى أنها تضربني، فما الحل؟ سبحان الله !

هذا واقع - أيها الأحباب -، ولا غرابة في ذلك، أقول: لا غرابة من حيث وجوده، وإلا فهو مؤسف أن يوجد في مجتمع مسلم، أقول: لا غرابة، لا تتصوروا أن هذه الحالات قليلة ونادرة، بل هي موجودة، وأذكر أنه جاءني رجل، وشكا لي هذه الحالة، وشكا لي أمر زوجته، وأنها تتعدى عليه وتهينه، ويقول: إنني أصبر من أجل الأطفال، إذن نحن نعيش في قضية المرأة بين إفراط وتفريط.

 

 

ثالثاً: كلمات للمرأة المسلمة

 

أيها الأحباب، أيها الأخوة الكرام، وأيتها الأخوات الكريمات، بين يدي هذه المحاضرة، ولأنها محاضرة في النساء، وللنساء في أصلها، فإنني وجهت، وأوجه هذه الكلمات.

فأقول: أُخية، هذه الكلمات لك أنت، يا جوهرة مصونة، ودرة مكنونة، صدرت من قلب يحب لك الخير، ويرجو لك النجاة، ويأمل أن تحيين حياة كريمة أبية، صدرت من قلب أغناه التعب، مما تلاقينه من عار وعذاب، يغار عليك من الذئاب البشرية، والكلاب الإنسية، والوحوش الهمجية، أملاها عليه واجب الأخوة، وعهد النبوة.

أمي، أختي، بنت عمي وأخي، كيف ترضين لنفسك أن تكوني ألعوبة في يد الرعاع، تباعين وتشترين كسقط المتاع، ثم تُرمَين بعد ذلك، تواجهين وحدك الحسرة والضياع؟! أين عقلك؟ أليس فيه بقية؟ أين أصلك؟ هل ذهبت الأنفة والحمية؟ بل أين دينك؟ ألست مؤمنة تقية؟

مـا مضـى فات والمؤمل غيب  

 

ولك الساعة التي أنت فيها  

 

هيا، هيا أُخية، نقف وقفة تأمل وتفكير، مع درس علم وتذكير، فالفرصة لا زالت سانحة، والتوبة مشرعة صالحة، قبل فوات الأوان، وحلول الهوان، وتمني أن الذي كان ما كان، وهناك لا ينفع الندم، ولا البكاء على الأطلال.

حفيدة هاجر وخديجة، أين أنت من أمهاتك الأبرار، وآبائك الأخيار، وبنات عمك ذوات الإشراق والأنوار؟ حديثنا معك هذا اليوم ذو شجون، فأنت الداء والدواء، وأنت الخصم والحكم.

المرأة في القرآن والسنة

رابعاً: مكانة المرأة في كتاب الله جل وعلا

 

رأيت من الصور التي لا بد من عرضها، من الصور المشرقة، ومن الصفحات المشرقة، صفحة كلنا نعرفها، ولكننا قد لا نتأمل فيها، ألا وهي موضوع "المرأة في القرآن والسنة".

المرأة لها مكانتها في الكتاب والسنة، فدعونا نقف وقفة يسيرة، مع مكانة المرأة في كتاب الله جل وعلا:

فقد جاءت عدة أسماء باسم المرأة، فها نحن نجد صورة من أطول سور القرآن باسم " النساء "، ونجد سورة " المجادلة "، ونجد سورة " مريم "، ونجد سورة " الممتحنة ".

أما الآيات التي جاءت في المرأة فهي كثيرة جدا، يقول جل وعلا: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)([5]) ويقول سبحانه وتعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ)([6]) ويقول جل وعلا: (مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً)([7]) ويقول جل وعلا: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)([8]) ويقول سبحانه: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ)([9]) إلى غير ذلك من الآيات.

أما ورود المرأة في القرآن، وورود قضية المرأة في القرآن، فأشهر من الحصر، ولكنني أشير إشارة عجلى إلى بعضها، وهي صورة أيضا صورة مشرقة للمرأة في كتاب الله جل وعلا.

نجد في سورة الأحزاب قضية، وقصة نساء وبنات الرسول r (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ)([10]) نجد عددا من الآيات، تتحدث عن نساء النبي، وعن بنات النبي r وعن نساء المؤمنين.

أيضا نجد قصة مريم، في أكثر من سورة من سور القرآن، ونجد قصة أم موسى في "القصص"، نجد في سورة "النور" الحديث عن قضية الإفك، وهي براءة لعائشة - رضي الله عنها - وبراءة للمرأة المسلمة.

إن الوقوف مع قضية الإفك وقصة الإفك له علاقة بما أشرت إليه قبل قليل؛ لأن المرأة الملتزمة لا غرابة أن تستمع من المنافقين ومن العلمانيين شيئا من هذا الأمر، فيجب أن تستعد له، ولو سلم أحد لسلمت عائشة - رضي الله عنها -.

وأذكر أنني اطلعت على كاريكاتير، في صحيفة كويتية - مع كل أسف - منذ سنوات، وهذه الحرية التي أديت، وأعطيت للصحافة الكويتية، سبب رئيسي لما حل بالكويت.

أيها الأحباب: عندما بدأ الحجاب في جامعة الكويت منذ عدة سنوات، ثارت الصحافة الكويتية ثورة عارمة ضد هذا الأمر، وشنوا الحملات تلو الحملات على الملتزمات، حتى رأيت كاريكاتيرا لرسام معروف، هلك - والحمد لله - في بريطانيا شر ميتة، عندما أطلقت عليه النار، وهو الرسام المعروف بـ "ناجي العلي".

ورأيت الكاريكاتير يقول: فتاة متحجبة في الجامعة، على صدرها شعرة، فتأتيها فتاة سافرة قبيحة تقول لها: هذه الشعرة من لحية مَن؟

وهذا له أبعاد كثيرة جدا، صورة شعرة على صدر فتاة متحجبة، ترمى بتحجبها بالبغاء والفجور مِن مَن؟ مِن رجل له لحية، أرأيتم أي استهزاء بعد هذا الاستهزاء؟ وسخرية بعد هذه السخرية بالله ورسوله؟ وقد نال جزاءه عاجلا، وما عند الله، فقد قدم على الله، والله - جل وعلا - حكم عدل.

أقول: إن قصة الإفك التي هزت بيت رسول الله r وبرأها الله من فوق سبع سماوات، حتى وقع فيها بعض الصحابة - وهم قلة -، إن الهجوم على الفتاة المسلمة، واتهامها بالاتهامات الباطلة، أقول: لها أسوة بالصبر والتحمل، كما صبرت عائشة رضي الله عنها.

نجد أيضا من الصور في القرآن: المرأة الصابرة، امرأة فرعون، هذه المرأة العجيبة في البيت الكافر، وكيف صبرت؟ واقرءوا قصتها في سورة " التحريم ".

نجد زوجة إبراهيم - عليه السلام - في أكثر من سورة من سور القرآن.

نجد أيضا ملكة سبأ، وقصتها كما تعلمون في سورة النمل، وهي قصة عجيبة، حتى يكاد أن يقول الشاعر:

ولو كان النساء كمثل هذي  

 

لفضلت النساء على الرجال  

ويكفي أن أشير من قصتها إلى أنها امرأة عاقلة، امرأة وهي كافرة، قبل إسلامها، كانت تستشير في تصرفاتها، لم تستبد بالأمر، وكانت تستشير (مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ)([11]) فلم يأخذها الغرور، ولم يأخذها ملكها لتتصرف كما تشاء، وقادها - والحمد لله - قادها عقلها وفهمها، وقبل ذلك توفيق الله - جل وعلا - لها بالإيمان بسليمان - عليه السلام -، فقد آمنت بسليمان - عليه السلام -.

إذن هذه القصة، أشير إلى وجوب تأملها، والاطلاع عليها، وحديث العلماء من المفسرين وغيرهم عن هذه القضية، وفيها العبر والدروس.

 

  خامساً: مكانة المرأة في السنة النبوية

أما السنة أيها الأحباب، أيها الأخوة والأخوات، فحديث السنة عن المرأة حديث طويل طويل، وقد وردت أحاديث كثيرة جدا منها:

" استوصوا بالنساء خيرا "  ([12]) ومنها: " رفقا بالقوارير "  ومنها: " الجنة تحت أقدام الأمهات "  وعن أبي هريرة t قال: " جاء رجل إلى رسول الله r فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك "  ([13]) متفق عليه.

نجد أن الرسول r يخصص وقتا للإجابة على أسئلة النساء، ويقضي شئونهن وحاجتهن.

نجد من الصفحات المشرقة في تاريخ المرأة في السنة: في بيعة العقبة، وهذا يدل على دور المرأة المسلمة في الدعوة إلى الله - جل وعلا - في بيعة العقبة - أيها الأخوة - في البيعة، كيف اشترك فيها امرأتان من الأنصار - مع شدة الموقف وصعوبته -، وهذا يدل على أن المرأة شجاعة بطلة، نحتاج إليها في بعض المواقف التي تخصها.

كذلك نجد مشاركة النساء في الجهاد، وقصة أم عطية معروفة، فقد شاركت في سبع غزوات مع رسول الله r شاركت في التمريض، وشاركت في خدمة المجاهدين، وحفظ متاعهم، وإن كان الحديث عن التمريض يحتاج إلى وقفات، واشترط العلماء لمشاركة المرأة شروطا معروفة، ليس هذا مكانها وبيانها.

أقول: إن المرأة في السنة موضوعها معروف، وواضح وجلي، ولا أحتاج إلى أن أقف حوله وقفة طويلة.  

 

رسائل إلى المرأة

سادساً: رسالة للفتاة الملتزمة

 

رأيت - أيها الأخوة والأخوات - في مقدمة هذه الرسالة أن أوجه أسئلة، بل هي رسائل في الحقيقة، وجهت ثلاث رسائل: الرسالة الأولى: للفتاة الملتزمة، والرسالة الثانية: للمرأة المسلمة عموما، وإن كان يفترض في كل مسلمة أن تكون ملتزمة، والرسالة الثالثة: لكم أنتم يا أولياء الأمور من الآباء والأزواج والأخوة والأبناء.

وهذه الرسائل هي على شكل أسئلة فقط، ولكنني أحب أن أقول لكم: إنني لم أضع سؤالا إلا وهو يصور قضية من القضايا، التي نعاني منها، إنني لم أضع هذه الأسئلة اعتباطا، بل إنني لا أبالغ إذا قلت: إن بعض الأسئلة - وهو سؤال في سطر واحد - يعبر عن محاضرات ومحاضرات، بل يعبر عن رسائل عدة وصلت إلي، تحكي واقع المرأة، وشئون المرأة، ولكن لضيق الوقت، أحببت أن يكون على شكل أسئلة، وكما قلت في بداية حديثي: والحر تكفيه الإشارة، واللبيب من الإشارة يفهم.

أما الرسالة الأولى: فهي للفتاة الملتزمة، فأقول: لماذا أختي الملتزمة؟ لماذا الاهتمام الزائد بمظهرك؟ إن من الرسائل التي وردت إلي - كما قلت - أن بعض الفتيات الملتزمات يهتممن أو يولين مظهرهن اهتماما زائدا، هل يعني هذا أنني أريد من الفتاة الملتزمة أن تكون دميمة، أو أن تهمل مظهرها؟ كلا وحاشا.

ولكن بلغني أن بعض الفتيات الملتزمات تقضي يوميا ما لا يقل عن ساعة أو ساعتين، من أجل جمالها ومظهرها، وقد تخرج إلى السوق - هداها الله - أو إلى مجمع الرجال، فأقول: إن هذا هو الخلل، أما أن تتجمل باعتدال لزوجها، ولبنات جنسها، فهذا مطلب شرعي.

لماذا الإعجاب والغرور بما لديك أيتها الأخت من علم وعمل؟ لماذا عدم القرار في البيوت؟ لماذا كثرة الكلام أيتها الأخت الملتزمة وبخاصة في الهاتف؟

لماذا التساهل بأمر الزوج، بحجة أنك مشغولة بالدعوة؟ من الشكاوى التي وصلت أن بعض الأزواج يشكو زوجته الملتزمة؛ لأنها ترى أنها ما دامت ملتزمة، فعلى زوجها أن يعذرها، ولو قصرت في حقه، أقول لها: لا يا أُخية، إن التزامك يفترض عليك أن تقومي بحق زوجك أولا، وهو أصل من أصول الدعوة، ومن أصول الإسلام، أن تعنى المرأة بأمر زوجها.

أقول: لماذا الإعجاب والتعلق ببعض الطيبات؟ وعدم الاعتدال في الحب والبغض، وهذه مسألة أضطر أن أقف معها وقفة يسيرة:

من الملاحظات التي بدأت تظهر الآن في صفوف النساء عموما، وفي الملتزمات أيضا، التعلق والإعجاب، تتعلق الفتاة بأخت لها تعلقا حتى - مع كل أسف أقول - وصل عند غير الملتزمات بالعشق، أن فتاة تعشق أخرى، هذا عند غير الملتزمات.

أما عند بعض الملتزمات فهو الحب الذي فيه إفراط وتفريط، والبغض أيضا، فقد سمعت بعض الشكاوى من بعض الطيبات، أن فلانة تهجر فلانة، لموقف يسير، أو لخطأ بسيط، وهذا لا يجوز، كما ورد في الأحاديث.

أقول: على الفتاة أن تعتدل في بغضها وحبها، وليست الفتاة فقط، بل على الرجل، وعلى المرأة، ولكنه في الفتاة أكثر؛ لعاطفتها، ولوجود هذه الظاهرة بين الفتيات:

وأحـبب إذا أحببت حبا مقاربـا  

 

فـإنك لا تـدري متى أنت نازع  

وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا  

 

فـإنك لا تـدري متى أنت راجع  

 

وأبغض بغيضك بغضا رويدا  

 

إذا أنت حاولت أن تحكما  

وأحـبـب حبيبك حبا رويدا  

 

فليس يئولك أن تطرمـا  

 

 

  سابعاً: رسالة للأخت المسلمة عموما

 

أما الرسالة الثانية: فهي للأخت المسلمة عموما، فأقول لها: أختي الكريمة، اسألي نفسك، هل أنت مؤمنة حقا؟ أين برهان إيمانك وتقواك؟ كيف ترضين أن تعيشي على هامش الحياة؟ لماذا الإعجاب بالكافرات، والتشبه بهن؟ " ومن تشبه بقوم فهو منهم "  ([14]) " ومن أحب قوما حشر معهم ".

أختي الكريمة: هل تتمنين أن تحشري يوم القيامة مع خديجة، وعائشة، وأسماء، وسمية؟ أو تحبين - وحاشاك من ذلك - أن تحشري مع ديانا، وكرستينا أوناسيس، ومادونا، وغيرها من نساء الكافرات؟ اختاري أيتها الأخت، والعمل هو برهان ذلك.

ما مفهوم الحرية لديك؟ وهل تعرفين معنى الرقي والتمدن؟ كم تخرجين من بيتك في الشهر؟ بل إلى أين تذهبين؟ ما مستوى تدين صديقاتك وصواحبك؟

ماذا تقرئين؟ أتقرئين كتاب الله؟ أو المجلات والأزياء؟ وهذا أمر مؤسف، قد بينته في مناسبات سابقة، أتعلمون - وأكرر يا أحبتي الكرام - قد قلت لكم: إنه يدخل إلى أسواقنا أكثر من خمسة ملايين - في الشهر - نسخة، بين مجلة وجريدة، وثبت بعد ذلك أن الرقم يزيد على عشرة ملايين، جزء كبير منه مخصص للنساء.

ومن المؤسف أننا أصبحنا نرى ظاهرة عند الفتيات، تدخل إلى المكتبة، وتأخذ خمس ست مجلات، من المجلات الخبيثة المحرمة، كم تقضي من الوقت في قراءتها؟ كم تدفع من المال في شرائها؟ كم يؤثر عليها وعلى أخلاقها؟ ولو سألنها: هل تقرئين كتاب الله؟ لقالت: أحيانا، أو في رمضان، والله المستعان.

من قال لك أيها الأخت إن الالتزام تعقيد؟ بل هو جنة، إن الالتزام جنة، من لم يدخلها دخل النار - والعياذ بالله -، نعم لأن الالتزام هو الالتزام بالإسلام، ومن لم يلتزم بالإسلام دخل النار.

هل ترين الأفلام، والصور، والمسلسلات؟ أقول لك: اتق الله.

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل

 

خلوت ولكـن قــل علــي رقيـب

ولا تحسبن الله يغفـل سـاعة

 

ولا أن مــا تخــفي عليـه يغيـب

 

يا مدمن الذنب أما تستحي

 

واللـه في الخلوات ثانيكـا

غرك من ربـك إمهالـه

 

وستره طـول مســاويكا

 

وإذا خلوت بريبة فـي ظلمـة

 

والنفس داعيـة إلـى الطغيـان

فاستحي من نظر الإله وقل لها

 

إن الـذي خـلق الـظلام يراني

 

كم سبب لنا هذا الفيديو، وسببت لنا هذه الأفلام من جرائم وآثام؟ الآن نعيش مآس مرة في مجتمعنا؛ بسبب رؤية الأفلام، وبسبب رؤية الصور العارية، والله المستعان.

أيضا أقول سؤالا أخيرا: أين حق زوجك؟ وأبنائك؟ وبناتك؟ بل أين حق ربك جل وعلا؟

 

  ثامناً: رسالة للآباء والأزواج والإخوة والأبناء

 

أما الرسالة الأخيرة: فهي لكم أنتم أيها الآباء، والأزواج، والأخوة، والأبناء:

أيها الأخ الكريم: هل قمت بحق القوامة التي شرفك الله بها؟ أخشى أننا، بل إن واقع بعضنا كما - اسمعوا في هذه القصة - أقول: إن واقع بعض الأزواج واقع مر، ولدي الأدلة الكثيرة جدا على هذه القضية، تصوره هذه الصفحة: " زينب بنت جعفر بن معيقب " من ربات الفصاحة والبلاغة، قال لها "محمد بن علي" بعد محاورة معها لما أعجب بها قال لها: ألك بعل؟ - أي: ألك زوج؟ - قالت: لي من الرجال ما أنا بعله.

وهذا هو الواقع الآن، كثير من الرجال الزوجة هي القيمة في البيت، وقد ذكرت قصصا، لا أريد أن أكررها، رجال إذا رأيتهم في أماكن عملهم في شجاعتهم على من تحت أيديهم، أمرهم عجيب ولكنهم:

أسـد علي وفي الحروب نعامة

 

قصعاء تنفر من صفير الصافر

 

أمام المرأة أمرهم عجيب، وقد ذكرت هذه القصة، وأكررها لأنها مؤلمة، ولأنها تصور واقعا، لو كانت قصة واحدة في الحقيقة لما ذكرتها، ولكن لأن هذه القصة تكررت عندي بحالات كثيرة، فأذكر هذه الحقيقة:

يحدثني أحد المنتسبين لجهة من الجهات يقول: عندنا مسئول، رجل شديد عنيد، إذا دخل هابه الجميع، متسلط، فيوم من الأيام أراد الله أن يفضحه، فجاء بأطفاله معه، فلما دخل - وكانوا أطفالا صغارا - فلما دخل إلى هذه الجهة التي هو فيها، أو إلى المؤسسة التي هو فيها، قام له الموظفون هيبة، حتى لفت أنظار الأطفال، فإذا طفل ينادي أخاه - وكان بعيدا - قال: تعال تعال، انظر انظر، كل هؤلاء - وكان عددهم كبيرا - يخافون من أبي وأبي يخاف من أمي.

نعم، وهذه القصة مع كل أسف: سيطرة بعض النساء على بعض الرجال، والله أمر عجيب، وذكرت لكم القصة التي في جريدة عكاظ قبل قليل.

إذن أقول: هل قمت بحق القوامة التي شرفك الله بها؟ أين أنت من حديث " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "  ([15])؟ هل أنت ممن يضيق على زوجته وأخته الملتزمة؟ ألا تعلم أنها لك نور في الظلمات؟ ألا تعلم أنها نور لك في الظلمات؟

هل أنت ممن يجلب وسائل الفساد والدمار إلى بيته، ثم يقول رأيت الناس يفعلون ففعلت؟ هل أعددت للسؤال أمام الله - جل وعلا - جوابا؟ وللمقام مقالا؟

اتقوا الله أيها الآباء، اتقوا الله في بناتكم، اتقوا الله في زوجاتكم، اتقوا الله في أخواتكم، فنحن - كما قلت - كثير من البيوت بين إفراط وتفريط، منهم من أهمل بنته وزوجته، لا يعلم أين تذهب، ولا بمن تتصل، وآخرون - مع كل أسف - ضيقوا على نسائهم، وعلى زوجاتهم، واعتبروهن كسقط المتاع.

حتى إننا - إلى الآن - نسمع من بعض الناس إذا أراد أن يحدثك عن المرأة تقدم بقوله: " أكرمك الله "، وكأنه يريد أن يتحدث عن حيوان - أعزكم الله - أو عن كلب، كلا وحاشا، المرأة المسلمة مكرمة، لها مكانتها، ولها قيمتها.

 

 

تاسعاً: عمل المرأة وما يتعلق به

 

أيها الأخوة الكرام، أيها الأحباب: رأيت أن مما لا يجوز أن أفوته في هذا المقام قضية مهمة، تتعلق بعمل المرأة، وهذه القضية لأنه بدأ ينتشر في مجتمعنا أن المرأة العاملة هي التي تتوظف، ونسي هؤلاء أن المرأة العاملة حقيقة هي التي تمكث في بيتها، مع حاجتنا في الحقيقة إلى المسلمات الملتزمات، في المدارس، وفي مجال أعمالهن.

ولكنني سأذكر ثلاث حقائق؛ لتبين أن عمل المرأة له إيجابيات، وله سلبيات، ويجب أن نعطي الأمر حقه، وأن المرأة العاملة عليها إن كانت مضطرة للعمل، سواء ضرورة خاصة، لحاجتها إلى المال، لسبب من الأسباب، أو ضرورة عامة، لحاجة المسلمين إليها في عملها، وفي مجالها.

فأقول: أقف مع هذه الحقائق الثلاث:

الحقيقة الأولى: ما يتعلق بالأطفال: فقد ثبت أن المرأة العاملة يصاب كثير من أطفالهن بمصائب عدة، خذوا هذه الحقيقة، نشرت مجلة "هكساجين" الطبية عام ثمانية وسبعين وتسعمائة وألف، نشرت في عددها الخامس، أنه لا يكاد يوجد مستشفى للأطفال في أوربا وأمريكا إلا وبه عدة حالات من هؤلاء الأطفال، الذين قد ضربوا ضربا مبرحا من أمهاتهم العاملات.

وفي سنة سبع وستين وتسعمائة وألف دخل المستشفيات البريطانية أكثر من ستة آلاف وخمسمائة طفل، ضربوا ضربا شديدا، أدى إلى وفاة ما يقرب من عشرين بالمائة منهم، وأصيب الباقون بعاهات جسدية وعقلية مزمنة، وقد أصيب مئات منهم بالعمى، كما أصيب مئات آخرون بالصمم.

وفي كل عام يصاب المئات من هؤلاء الأطفال بالعنة، والتخلف العقلي الشديد، والشلل، نتيجة الضرب المبرح، ويتساءل التقرير: هل هؤلاء الأمهات وحوش؟ وينتهي في مقاله إلى أن هؤلاء الأمهات يواجهن أزمات نفسية خطيرة، أدت بهن إلى ضرب أطفالهن ضربا مميتا، أو مؤديا إلى عاهات مستديمة.

ويقول: إن أغلب هؤلاء الأمهات لسن مجرمات بطبيعتهن، ولكن وجود الأم واضطرارها للعمل، أدى إلى هذه الحالة، والخروج ثم عودتها مرهقة إلى المنزل، لتواجه الطفل الذي لا يكف عن الصراخ، يفقدها توازنها وعواطفها، ثم تبدأ بضربه.

وفي إحصائية أخرى قامت بها، ودراسة أخرى أجرتها منى يونس، على عينة عشوائية مكونة من مائة وعشر نساء عاملات، لاستظهار أثر العمل على صحة الطفل، طلعت النتيجة كما يلي:

قالت النساء: أضطر إلى ترك طفلي مع من لا يرعاه ويحبه مثلي، أي تتركه إلى الخادمة، أمتنع عن إرضاع طفلي إرضاعا طبيعيا، أرفض طلبات أطفالي في المساعدة في استذكار الدروس، يتعبني عملي خلال الحمل، أمتنع عن مناقشة أطفالي حول المواضيع التي تهمهم، أترك طفلي المريض في البيت أحيانا.

أما الحقيقة الثانية: فهي الآثار السلبية لعمل المرأة على زوجها، وفي دراسة أيضا أجرتها منى يونس ذكرت العينة جملة من الآثار:

فقد أجاب أربع وثمانين بالمائة منهن بقولها: أضايق زوجي بغيابي عن البيت عندما يكون متواجدا فيه، وقال اثنان وأربعون بالمائة منهن: أثير أعصاب زوجي بكلامي حول مشاكل عملي مع رؤسائي وزملائي، وقال سبع وستون بالمائة منهن: أثير أعصاب زوجي عندما أناقشه حول اعتقاده بعدم كفاءتي في العمل.

وأجاب ثلاث وعشرين بالمائة منهن بقولها: أؤلم زوجي بتركي له وحيدا في حالات مرضه الشديد بسبب ذهابي إلى عملي، وقالت اثنان وعشرون بالمائة منهن: أقلق زوجي بتأجيل فكرة إنجاب طفل آخر بسبب العمل، وقال اثنا عشر بالمائة منهن: أثير أعصاب زوجي عندما أرغب أن يكون لي رأي أساسي في المواضيع الهامة في الأسرة، وقال تسعة بالمائة منهن: أثير أعصاب زوجي عندما أسأله مساعدتي في إدارة شئون المنزل كالطبخ وغسل الأواني والملابس، إذن هذه قضية وحقيقة يجب أن يعيها الرجال، وتعيها النساء.

وأخيرا: هل المرأة عندما تعمل من أجل ادخار الأموال، لمصلحة الإسلام والمسلمين، ومصلحة أسرتها؟ أقول: إن الدراسات أثبتت خلاف ذلك؛ لأن المرأة العاملة غالبا استهلاكية.

واستمعوا إلى هذه الحقيقة في جريدة "المسلمون"، في عدد ثلاث مائة واثنين في ألف أربعمائة وإحدى عشر، هذا الخبر: عقد في كندا مؤتمر نسائي، شاركت فيه أكثر من خمسين دولة على مستوى العالم، وقد ناقش المؤتمر موضوعين رئيسيين هما: العنف ضد النساء، والمساواة الاقتصادية بين الرجال والمرأة، وفيه أن النساء يشكلن ثلثي عدد القوى العاملة في العالم.

النساء العاملات يشكلن في العالم سبعا وستين بالمائة، بينما لا يمتلكن أكثر من واحد بالمائة من مجموع ممتلكات وعقارات وثروات العالم، والله رقم مخيف، الدليل أن المرأة استهلاكية، وهذه الشواهد تؤكد ذلك.

 

 

عاشراً: نساء ومواقف

خديجة رضي الله عنها

 

بعد هذا - أيها الأحباب - نقف الآن مع هذه الصفحات المهمة، مع موضوع المرأة، أبدأ فأقول: وقد اخترت لكل موقف عنوانا، من هذه العناوين:

العنوان الأول: نساء ومواقف: خديجة - رضي الله عنها -، هل أتحدث عن إيمانها بالرسول r وكيف أنها أول من آمنت برسول الله r من النساء؟ هل أتكلم عن تسليتها لرسول الله r ووقوفها معه؟

وكثير من الأزواج الملتزمين من طلاب العلم، ومن الدعاة، يشكون من زوجاتهم، يقول: إذا تأخرت بدأت زوجتي في الصراخ، وفي الشكوى، وقد تتصل بأهلها: وقد تأخر للدعوة، وقد تأخر للعمل.

أقول لها: يا أُخية، أين أنت من خديجة؟ هل أتحدث عن خديجة - رضي الله عنها - ومساعدتها لرسول الله r من مالها؛ لأنها كانت غنية؟ ولذلك حزن الرسول r على وفاتها حزنا شديدا.

عندما توفيت - يا أحبتي الكرام - كان عمرها فوق الستين سنة، ذهب جمالها ونضارتها، فلماذا حزن عليها رسول الله r؟ حزن عليها لأنها لها المواقف المشرفة في تاريخ الدعوة، فأين نساؤنا من ذلك؟ أين أزواجنا من ذلك؟ أين أخواتنا من ذلك؟ وإن كنا - والحمد لله - نجد نماذج طيبة في هذا الجانب.

 

 

  عائشة رضي الله عنها

هل تريدون أن أتحدث لكم عن صفحة أخرى مشرقة: عن عائشة رضي الله عنها؟ عن عنايتها برسول الله r كان رسول الله r يجد الراحة تلو الراحة عند عائشة - رضي الله عنها -.

هل أتحدث عن علمها؟ ولا أقول: إنها أعلم النساء، بل إنها أعلم النساء على الإطلاق، ومن أعلم الرجال على الإطلاق، فكان الصحابة يأتون إليها، ويسألونها - رضي الله عنها -.

هل أتحدث عن محنتها في قصة الإفك - كما قلت قبل قليل -، وصبرها، وإرجاعها الأمر إلى الله - جل وعلا -، هل أتحدث عن شجاعتها، وأمرها بالمعروف، ونهيها عن المنكر، نعم أيها الأحبة، أشرت إشارات سريعة، لماذا؟ لأنكم كلكم تعرفون هذا الأمر، فلا أريد الإطالة فيه.

  أسماء رضي الله عنها

أما أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - فقصتها بالهجرة معروفة، وسبب تسميتها بذات النطاقين، وعلمها، فقد روت ثمانية وخمسين حديثا، بعضها في الصحيحين، بل إنني وجدت أن مما يجب الوقوف عنده مما يتعلق بأسماء هذا الحديث، فاستمعوا إليه، بل أقول للأخوات الكريمات: استمعن إلى هذه القصة من أسماء، بل هذه الصفحة المشرقة من أسماء؛ لأن من أكثر ما يوجد في المحاكم الآن، وفي الصحف، قضية مال المرأة، وراتب الزوجة، والخلاف بين الزوج وزوجته في هذه القضية.

أخرج مسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر قالت: " تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه، قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته، وأسوسه، وأدق النوى لناضحه، وأعلفه، وأستقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله r على رأسي، وهي على ثلثي فرسخ "  ([16]) الحديث.

الله أكبر، صبرها هذا الصبر، وهذا التحمل، وهذه الإعانة للزبير t نريد من نسائنا أن يكن كذلك، حتى أصبح غنيا من الأغنياء، وكانت زوجته أسماء - رضي الله عنها - تقدم هذه الصورة المشرقة للمرأة المسلمة الملتزمة.

  هاجر أم إسماعيل رضي الله عنها

صورة لا بد من الوقوف معها: وهي هاجر أم إسماعيل، هاجر - أيها الأخوة -، أمنا هاجر - رضي الله عنها - تصوروا الموقف: يأتي بها إبراهيم - عليه السلام -، ويضعها في الأرض، بواد غير ذي زرع، وحدها مع طفلها، ويتركها - يا أحبتي الكرام -، ثم تلحقه وتقول: إلى من تتركنا؟ ولا يجيب عليها، فتقول بفطرتها وعقيدتها: آلله أمرك بهذا؟ قال إبراهيم - عليه السلام -: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا جل وعلا.

وفعلا نحن نريد هذا الإيمان من الأخوات الكريمات، أن تثق بالله ثقة مطلقة، وألا يدخلها الشك، ولا الريبة، وأن تثبت في دعوتها، ومساعدة زوجها، كما ثبتت هاجر - رضي الله عنها-.

  الخنساء رضي الله عنها

صورة جديدة ومهمة، وهي قديمة، بين الجاهلية والإسلام، لماذا أقول هذه القضية؟ لأن من الملاحظات التي جاءتني أن بعض الأخوات يلتزمن، ولكن لا تتغير أحوالهن كثيرا، فأردت أن أعرض هذه الصورة للخنساء، بينما كانت مشركة، وعندما أسلمت، والإسلام هو الالتزام، والالتزام هو الإسلام.

الخنساء - أيها الأخوة - بنت عمرو بن الشريد، كانت تفد إلى رسول الله r فتنشده من شعرها، وكان يستزيدها ويقول: هيا يا خناس.

انظروا إلى هذين الموقفين، عندما مات أخوها صخر، رثته برثاء عجيب، من عيون الشعر العربي، وبكت عليه، ولبست الصوف، لبست الصوف، والخشن من الثياب، وبكت عليه، واستمرت تبكي سنوات، لم تبك يوما أو يومين، أو شهرا أو شهرين، بل سنوات طويلة، وقد خلد التاريخ والأدب العربي هذه القصائد منها:

يذكرني طلوع الشمس صخرا

 

وأبكيه بكل غـروب شمس

ولـولا كثرة الباكين حولـي

 

علـى إخوانهم لقتلت نفسي

ألا يا صخـر لا أنساك حتى

 

أفارق مهجتي ويشق رمسي

 

وتقول أيضا:

وإن صخرا لحامينا وسيدنا

 

وإن صخـرا إذا نشـت لنحار

وإن صخرا لتأتم الهداة به

 

كأنـه علـم فـي رأسـه نار

 

اسمعوا: تمدح أخاها - وهو جاهلي -، اسمعوا يا إخوان: تمدح رجلا مشركا بمدح عجيب تقول:

لم تلفه جارة يمشي بساحتها

 

لريبة حين يخلي بيته الجار

 

المشركون - وهم مشركون - يمدحون الرجل أنه لا يدخل إلى ريبة، إلى جارته، وإلى غيرها، وما أحوجنا في هذا البيت لبعض المنتسبين إلى الإسلام:

لم تلفه جارة يمشي بساحتها

 

لريبة حين يخلي بيته الجار

حمال ألويـة هبـاط أوديـة

 

شهاد أنديـة للجـيش جرار

 

إلى أن تقول قصائد كثيرة:

كـأن عيني لذكراه إذا خطرت

 

فيض يسيل على الخدين مدرار

 

أرأيتم يا أحباب هذه الصورة؟ لما أسلمت ماذا حدث؟ أسألكم: بعاطفة المرأة أيهما أقرب للمرأة؟ أقرب أخوها أو ابنها؟ لا شك أن الابن هو الأقرب، وهو الأشد، لما في القادسية - أيها الأحباب - انظروا الصفحة، عندما أسلمت، وتغيرت حالها، جاءت لأبنائها قبل دخول القادسية، في معركة القادسية، فقالت لهم:

يا بني، أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وتعلمون ما أعده الله من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، والله - جل وعلا - يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)([17]) فدخلوا المعركة، فلما دخلوا المعركة استشهدوا جميعا، أربعة، ماذا فعلت هذه المرأة التي بكت على أخيها سنوات وسنوات؟ هل شقت ثوبها؟ هل رفعت صوتها؟ هل ندبت حظها؟ هل قالت لماذا تذهبوا إلى الجهاد؟ لا.

اسمعوا ماذا قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. وتوفيت بعد ذلك بسنوات.

  زينب المقدسية وصور أخرى

أما صورة أخرى: فهي عن العلم، "زينب المقدسية" محدثة جليلة، ولدت سنة ستمائة وستة وأربعين، تعلمت وعلمت، وقرئ عليها أكثر من ثلاثين كتابا من كتب العلم، الله أكبر، قرئ عليها من بنات جنسها أكثر من ثلاثين كتابا من كتب العلم، نحن نتمنى من أخواتنا أن يقرأن ثلاثين كتابا من كتب العلم.

أما "سيدة بنت عبد الغني" فهي عالمة فاضلة، وحافظة متقنة للقرآن الكريم، اعتنى والدها بتربيتها وتعليمها؛ ليؤهلها لحرفة تعليم النساء، فحفظت القرآن الكريم، وبرعت في حفظه، وتلقت بعض العلوم، وجودت الخط، واجتمعت بالأندية النسائية، وكانت تتبرع بكل ما كانت تتقاضاه من أجر تعليمها في طرق الخير.

أما الدعوة فانظروا إلى هذه الصفحات "زينب بنت أبي البركات" واعظة من واعظات النساء، في القرن السادس الهجري، وعظت النساء في رباط البغدادية، ودرست الفقه والأدب.

و"سمراء بنت نهيك" من ربات الوعظ والإرشاد، أدركت رسول الله r وعمرت، فكانت تمر في الأسواق، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتضرب النساء على ذلك بسوط كان معها.

نحن لا نريد من نسائنا أن يضربن بسوط، ولكن نريد منهن ألا ينزلن للأسواق إلا في حالة الضرورة القصوى، وضمن الضوابط الشرعية المعتبرة.

  أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية

الجلوس في البيت، وهذه قضية - الله المستعان - أصبح البيت عند كثير من النساء كالسجن، لابد أن تخرج، تصوروا يا إخوان، تخرج كل أيام الأسبوع، إما للمدرسة، أو للوظيفة، أو للمستوصف، أو لجاراتها، وإذا جاء الخميس والجمعة لابد أن تخرج، بدل أن كانت المرأة لا تخرج في الشهر إلا مرة أو مرتين، وبضوابط شرعية، أصبحت المرأة لا تقر في البيت ثلاثة أيام - إلا من شاء الله -.

اسمعوا إلى هذه القضية: وهي صفحة مشرقة من صفحاتنا: أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، محدثة فاضلة، ومجاهدة جليلة، كانت من ذوات العقل والدين والخطابة، حتى لقبوها بخطيبة النساء.

" أتت النبي r وهو في أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك "  اسمعوا أيها الأخوة، بل اسمعن أيتها الأخوات إلى قصتها:

" أنا وافدة النساء إليك، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد في بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع، والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجا ".

اسمعن أيها الأخوات " وإن الرجل منكم إذا خرج حاجا أو مجاهدا حفظنا لكم أموالكم، وغسلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفلا نشارككم في هذا الأجر؟ ".

كل مطلبها ما هو؟ المشاركة في الأجر " فالتفت النبي r بوجهه الكريم إلى أصحابه ثم قال: هل سمعتم بما قالت امرأة قط أحسن من مسائلها في أمر دينها من هذه؟ قالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي r إليها فقال: افهمي أيتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها - موافقته - يعدل ذلك كله، فانصرفت وهي تهلل ".

صور من مراقبة الله في السر والعلن

 

صورة جميلة لابد من الوقوف عندها: مراقبة الله في السر والعلن، بعض النساء إذا خلت نظرت إلى بعض الصور، نظرت في الأفلام، بل قد تتحدث في الهاتف، فاسمعوا إلى هذه القصة: امرأة سافر زوجها، وغاب عنها طويلا في الجهاد في سبيل الله، فأرقها غيابه، فيوم من الأيام كان عمر يمشي، ويسمع إلى هذه المرأة وهي تقول في وسط الليل:

تطاول هذا الليل وازور جانبه

 

وأرقنــي ألا حبيبـا ألاعبـه

فـوالله لولا الله ربا أراقبـه

 

لحرك مـن هذا السرير جوانبه

 

الله أكبر، ما منعها إلا خوف الله - جل وعلا -؟ فنحن بحاجة إلى مراقبة الله - جل وعلا -.

فسأل عمر حفصة: كم تستطيع المرأة أن تصبر عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر، فأمر ألا يتأخر الرجل عن أهله أكثر من ذلك.

أما القصة الأخرى: وهي صفحة دليل على المراقبة، فكان عمر t يتفقد الرعية، فإذا هو يسمع صوتا؛ لأن بيوتهم كانت بسيطة، فإذا امرأة تقول لبنتها: يا بنية اخلطي اللبن بالماء، قالت: يا أمي، ألم تعلمي أن عمر t منع أن نخلط الماء باللبن، أو أن نخلط اللبن بالماء؟ قالت لها أمها: يا بنيتي، وأين نحن من عمر، وأين عمر منا؟ فقالت البنت: يا أمي، إن كان عمر لا يرانا، فإن رب عمر يرانا، لا يا أمي، فرفضت، فخطبها عمر t لابنه عاصم، فولدت بنتا، من أبنائها أيضا، منهن بنت تزوجها عبد العزيز بن مروان، فولدت عمر بن عبد العزيز، خامس الخلفاء، كما ورد في إحدى الروايات، إذن نحن نحتاج إلى المراقبة، أن نراقب الله جل وعلا.

أيضا أيها الأحباب: من المواقف والصفحات المشرقة: أم عبد الله الصغير، آخر ملوك الأندلس، كانت تربيه، وتحاول أن تصلحه، وتقول له: إنني أخشى يا بني أن يضيع ملكك؛ لأنه كان مغرق في الشهوات، فلما سقطت الأندلس على يديه جلس يبكي على صخرة، فجاءته - انظروا ماذا قالت - قالت كلمة تكتب بماء الذهب، قالت له: يا بني، ابك مثل النساء ملكا مضاعا، لم تحافظ عليه مثل الرجال.

وصفحة أخرى: قام أحد الدعاة يدعو إلى التبرع للجهاد في سبيل الله، فيفاجأ أنه قد جاءه تبرع من نوع غريب، جاءته الأموال، جاءته الملابس، جاءه الذهب، لكنه جاءه تبرع من نوع غريب، ما هو هذا الذي تُبرع به؟ إنه ظفيرة امرأة، فأرسلت المرأة تقول: إنك حثثتنا على التبرع للجهاد، وأنا لا أملك ما أتبرع به إلا ظفيرتي، فإنني أقطعها لتكون حبلا لفرس في سبيل الله -جل وعلا-.

مواقف عجيبة، وصفحات مشرقة.

أيضا الخشونة - أيها الأحباب - ونحن لا نريد من المرأة أن تكون خشنة، لا، ولكننا نريد منها ألا تسرف في اللباس، وفي الجمال، فاسمعوا "زينب بنت أحمد الرفاعي" عابدة زاهدة ورعة، حفظت القرآن، وتفقهت في الدين، وسمعت الحديث من خالها "أبي البدر الأنصاري"، ومن جدها "أبي بكر الأنصاري"، وأخذ عنها أولادها، ولبست الخشن من الثياب، وتركت الطيب من الطعام، وقنعت بالدون اليسير عليه مع القدرة، ولزمت طريق أبيها، حتى وافتها المنية.

  سمية بنت خياط أول شهيدة في الإسلام

والصورة الأخيرة التي أختم بها هذه الصور المشرقة، في الصبر والمصابرة، وقصدت أن تكون هي الأخيرة؛ لأننا نريد من المرأة، ومن الفتاة الملتزمة أن تصبر على ما تلاقي.

كما قلت قبل قليل: إن السهام مشرعة ضد الدعاة عموما، وضد المرأة خصوصا، وضد الفتاة المسلمة بشكل أخص، فأقول لها: لك قدوة في "سمية بنت خياط" سيدة جليلة، ذات إيمان قوي في الإسلام، أسلمت قديما بمكة، فكانت سابعة سبعة في الإسلام، فعذبت من قبل المشركين عذابا أليما - وهي عجوز كبيرة - فصبرت، ولم ترتد عن الإسلام.

فكان رسول الله r يمر بعمار بن ياسر، وأمه سمية، وأبيه، وهم يعذبون بالأبطح في رمضان في مكة فيقول: " صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة "  وقد مر بها أبو جهل - عليه من الله ما يستحق - فطعنها بحربة في قبلها، فماتت - رضي الله عنها - وهي أول شهيدة في الإسلام.

 

 

  الحادي عشر: صور مشرقة من العصر الحاضر

 

أيها الأخوة: هذه صور مشرقة من تاريخنا، أما صور مشرقة من العصر الحاضر، فأقول بكلمات فقط، حتى أختم هذه المحاضرة، أحمد الله، والله إن هناك صور مع ما نراه من مآس في واقع كثير من النساء، وما نراه في الأسواق، وما نراه في حفلات الزفاف، وما نسمع عنه من هنا وهناك، فهناك صور مشرقة - والحمد لله - كل يوم تزداد.

من هذه الصور المشرقة أبشركم - والحمد لله - أن عدد النساء اللاتي التحقن بجماعات تحفيظ القرآن في المملكة بلغن عشرات الآلاف - والحمد لله -، وأن الحافظات لكتاب الله - أبشركم والحمد لله - خلال السنوات القريبة بلغن المئات - والحمد لله -.

منذ عشرين سنة، لا يوجد، لا نعرف مائة رجل، بل لم تكن جماعات تحفيظ القرآن موجودة، وإنما يوجد أفراد من هنا وهناك، أما الآن فالحافظون لكتاب الله بعشرات الآلاف، أما الحافظات فهن الآن بالمئات، ونلمس المزيد من الصور المشرقة.

أبشركم: إقبال النساء على الدورات النسائية، فأذكر أن مركزا صيفيا، أو جماعة لتحفيظ القرآن - وهي قريبة من مكة - أقامت دورة لتحفيظ القرآن، ولتعليم النساء، شارك فيها في العام الماضي سبعمائة وخمسين امرأة، وشارك فيها هذه السنة ألف ومائتان وخمسين امرأة والحمد لله.

أيضا أبشركم: إقبال النساء على المحاضرات، فأذكر أن جمعية من الجمعيات خصصت محاضرة للنساء، حضرها أكثر من ألفي امرأة، وبعضها حضرها ألف وخمسمائة امرأة، وأكثر وأقل - والحمد لله - إقبال منقطع النظير.

إقبال المرأة - أيضا من الصور المشرقة أبشركم - على الكتاب الإسلامي، على الشريط الإسلامي، إقبال والله يسر.

بل من الصور المشرقة أننا رأينا عددا من الأزواج، بعد أن تزوجوا التزموا، كان معهم تقصير، فسألناهم على يد من التزمتم؟ قالوا: على يد زوجاتنا.

أحد الأخوة أراني بيته، بل مجموعة بيوت، لأن والده متزوج عدة نسوة، قال: انظر إلى هذه البيوت، قلت: ماذا فيها؟ قال: يا أخي الكريم، إنها كانت لا تخلو من آلات اللهو، والآن - والحمد لله - ليس فيها آلة لهو من آلات اللهو، قلت: الحمد لله، قال: وأقبل أهل البيوت على تعليم كتاب الله، وتعلم كتاب الله وحفظه، قلت: الحمد لله، قال: وبدءوا في قيام الليل، قلت: الحمد لله، قال: كل هذا على يد واحدة من أخواتي، الحمد لله.

نعم، إن المرأة الآن تقدم صورة - والله - تسر، والحمد لله، بل في بعض المحاضرات، لا تجد المرأة مكانا من الزحام.

المرأة الآن في حفلات الزفاف والأعراس - والحمد لله - توزع الكتاب، وتوزع الشريط، وتوجه النساء، وتدعو إلى الله.

إقبال النساء على التبرع للمجاهدين أمر يشرح الخاطر، ويسر - والله -، ويغيظ الأعداء.

فأقول: حمدا لك ربي، أن الصور المشرقة التي تحدثت عنها قبل قليل، بدأنا نجد نماذج منها في مجتمعنا، ولكن الفرق بين المجتمعين، أن المجتمعات الماضية كان الأصل هو الالتزام، والكثرة للملتزمات، والشاذات والمقصرات قلة، أما الآن فلا تزال كثير من النساء - هداهن الله - تعيش في ضياع، في الأزياء، والتشبه بالغرب، والخروج إلى الأسواق، وشراء المجلات، ورؤية الأفلام، فالله الله.

 

 

الثاني عشر: ماذا نريد من الأخت الملتزمة ؟

 

وأختم بكلمة لا بد أن أقولها، لأنه بلغني أن بعض الفتيات، بل بعض النساء الكبيرات - وخاصة في بعض المجتمعات - يشربن الدخان، حتى يحدثني أحد الشباب منذ أيام أنه وقف عند بقالة، فجاءت فتاة، واشترت دخانا بخمسة وثلاثين ريال.

والله إنه مؤسف، والله إن شرب الدخان لا يليق بالرجال، وما رأينا عاقلا - والله ما رأيته وعلى كثرة ما سألت عاقلا - وهو يشرب الدخان يقول: إنني استفدت من الدخان، فكيف بالنساء؟ إنه يزري بالرجال وبالنساء، فحذار حذار يا أحبتي الكرام.

أختم هذه الكلمة بهذه الكلمات: أخيرا، ماذا نريد من الأخت الملتزمة؟ نريد منها صدق الالتزام، وأن تكون قدوة صالحة، نريد منها القيام بواجب الدعوة، في بيتها، وبيئتها، وعملها، ومدرستها، نريد منها العناية بأهلها، وزوجها، وأولادها، نريد منها عدم التأثر بما يثار حولها من تهم، واستهزاء (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ)([18]).

نريد منها الاستمرار في طلب العلم، وعدم الشعور بالاستغناء أو الاستعلاء، نريد منها الحكمة، الحكمة في الدعوة إلى الله، وأن تنزل الناس منازلهم، وأن تخاطب الناس بما يعقلون، أتريدون - أختي الكريمة - أن يكذب الله ورسوله؟

نريد منها الاستشارة، يا أختي الكريمة استشيري أباك، استشيري أمك، استشيري زوجك، استشيري أخاك، استشيري أخواتك، قبل أن تقدمي على أي خطوة، في عملك، وفي شئونك، إياك أن تنفردي برأي، فهذا قاصمة الدهر، ملكة سبأ - وهي كافرة - تستشير، وحق لها أن تستشير.

بل إن رسول الله r كان يستشير النساء، أحيانا بزوجاته، فالله الله أيها الآباء، أيها الأخوة، أيها الأزواج، استشيروا نساءكم، في بعض أموركم، وخاصة إذا كن من الملتزمات، وأنتن أيها الأخوات إياكن أن تقطعن أمرا دون استشارة، حتى لا تجنين الشوك.

عليكن بالصبر، وعدم الاستعجال، أو اليأس، أن تستشعري الهدف الأسمى لعملك ودعوتك، وذلك باستحضار الإخلاص، والبعد عن الرياء والسمعة والإعجاب، فإنها محبطات للعمل.

أقول أخيرا: أيها الأخوة الكرام، أيتها الأخت الكريمة، نريد منك أن تحيي، وأن تعيشي، وأن تموتي لله جل وعلا (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)([19]).

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 


[1] - سورة آل عمران آية : 102 .

[2] - سورة الأحزاب آية : 70-71 .

[3] - سورة التوبة آية : 65-66 .

[4] - الترمذي : الزهد (2314) وابن ماجه : الفتن (3970) وأحمد (2/355) .

[5] - سورة آل عمران آية : 195 .

[6] - سورة التوبة آية : 71 .

[7] - سورة التحريم آية : 5 .

[8] - سورة النساء آية : 32 .

[9] - سورة النساء آية : 34 .

[10] - سورة الأحزاب آية : 30 .

[11] - سورة النمل آية : 32 .

[12] - البخاري : النكاح (5186) ومسلم : الرضاع (1468) .

[13] - البخاري : الأدب (5971) ومسلم : البر والصلة والآداب (2548) وأحمد (2/327 ,2/391) .

[14] - أبو داود : اللباس (4031) .

[15] - البخاري : الجمعة (893) ومسلم : الإمارة (1829) والترمذي : الجهاد (1705) وأبو داود : الخراج والإمارة والفيء (2928) وأحمد (2/54 ,2/111) .

[16] - البخاري : النكاح (5224) ومسلم : السلام (2182) وأحمد (6/347) .

[17] - سورة آل عمران آية : 200 .

[18] - سورة الأنعام آية : 10 .

[19] - سورة الأنعام آية : 162-163 

المصدر: https://uqu.edu.sa/page/ar/82478

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك