دور المرأة المسلمة بين الأصالة والمعاصرة

فاطمة بنت خليل محمد محسن

بسم الله الرحمن الرحيم 

المقدمة 

الحمد لله رب العالمين , محي القلوب بنور العلم والدين , خالق الذكر والأنثى, جاعل النساء شقائق الرجال . القائل في كتابه العزيز :( وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ([1][1]).

والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ...

عندما تداعى محور الكفر على الإسلام وأهله ، وأخذوا زمام المبادرة في قيادة البشرية ، ارتفعوا بها في مجال التقدم العلمي ، والحضارة المادية ، إلا أن البشرية وقفت على حافة الهاوية بسبب إفلاسها في جانب الدين والأخلاق , وظهر الفساد في البر والبحر، وعرف الأعداء الذين درسوا تاريخنا وحقائق حياتنا ، أن سر عظمتنا هو إسلامنا وعقيدتنا الربانية ، التي ترقى بنا عن بريق الدنيا ومتاعها الزائل ، لذا عمدوا إلى استلال مفاهيم العقيدة السليمة من قلوبنا ، بالحكمة حيناً وبالمكر والخداع حيناً آخر ، وبتخطيط ماكر استطاعوا أن يسلخوا المسلمين عن دينهم ، وذلك بإقناع السذج منهم أن الإسلام تحفة قديمة ، غالية الثمن إلى حد أنه يصعب استخدامها في هذا الزمن الأهوج ، ولا بد من حفظ تلك التحفة على أجمل الرفوف ، وفي أفخم الخزائن البلورية ، تريك كل شيىء لكنك لاتستطيع لمسها . وبهذه الصورة الرائعة من الخداع أبعدوا المسلمين عن شرعهم العظيم وعقيدتهم الصحيحة .

وقد أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطر الذي يتهدد المسلمين إذا ما ابتعدوا عن دينهم وعقيدتهم . فقد روى أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل : أوَ من قلةٍ نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ) .

و أصبح حال المسلمين , كما قال الشاعر :

رأيته كالطير مقصوصاًجناحاه

 

 

أنى نظرت إلى الإسلام في بلدٍ

 

وفي هذا الجو المشحون بالفوضى نشأ جيل مسلم ، وجد الطريق ، ولكنه تخبط وتعثر في خطواته ولم يتعلم من كبواته كيف يقف ويصحح المسيرة ، ويعترف بالخطأ ويجدد العزم ويمضي من جديد , فها نحن نرى الشباب الحائر الضائع ، لاهثاً وراء الشهوات , وقد ملئت بهم جامعاتنا ومعاهدنا ومدارسنا ، وصارت كأنها مسرح يتسابق فيه الشباب والفتيات ، لإظهار حبهم للغرب ومواكبة أفكاره ومبادئه ، التي تعتبر حسب زعمهم قمة التطور والحضارة المعاصرة .

وكم كان ينتابني الحزن والأسى ، وأنا أرى فتيات في عمر الزهور يقعن فريسة التقليد الأعمى للممثلات والمغنيات الغربيات ، وشباباً في ريعان الصبا ولكنه مائع مستهتر بمبادىء الدين والأخلاق . وأخذتني الحيرة وتساءلت في نفسي مراراً من هو المسؤول عن ضياع هؤلاء جميعاً ؟ وأخيراً وقفت على الحقيقة  وهي :

إن المرأة  طرف فيما يتعرض له هذا الجيل من ضياع وانحراف عن طريق الهدى والرشاد , فلقد طالها جانب كبير من مؤامرة أهل الغي والضلال ، حيث إنهم اهتدوا إلى معرفة سر قوة وعظمة جيل السلف الرائد ، ولقد أقض مضاجعهم أن تبقى المرأة في مملكتها تربي الأجيال وتصنع الأبطال العظام ، فخططوا بمكر بالغ لإخراجها من بيتها وزجوا بها في معركة تقليد المرأة الغربية ، وهي الخاسر فيها لامحالة ، وفعلاً نجحوا في مطلبهم ومرادهم . فالمرأة ركن أساسي في بناء المجتمع وهي سر سعادته أو شقائه ، بصلاحها يصلح الجيل الناشىء وبفسادها يفسد ، فهي الأم والزوجة  والأخت والمعلمة والمربية ,فهي تمثل نصف المجتمع , وهي تلد النصف الثاني , فهي الأمة بأسرها . وعـليها أن تجد السبيل لتغيير هذا الواقع الأليم ، وذلك بالعمل على تربية جيل إيماني , فريد بصفاته وملامحه، جيل يتربى في أحضان العقيدة الربانية , يحفظ القرآن الكريم ويتدبره ، ويتفهم معاني السنة النبوية الشريفة ، ويتدبر سيرة السلف الصالح من الصحابة المجاهدين الفاتحين ليكون أهلا للقيادة , ويغير مجرى الأمور كلها ، ويسهم في قلب موازين القوى في العالم ، لتصب في صالح الإسلام والمسلمين ، فإذا حققت هذا الهدف وأوجدت هذا الجيل القرآني ، فإنها ستكون الصخرة التي ستتحطم عليها مؤامرات من أطلقوا شعار " دمروا الإسلام أبيدوا أهله " ، ولئن كانت حصيلة القرن الماضي هي غياب الإسلام عن الساحة ، فذلك لا يعني الغروب ،لأن الغروب لا يحول دون الشروق مرة أخرى في كل صبح جديد ، معلناً رجوع الأمور إلى نصابها , عندها سيأوي العباد إلى الإسلام كما تأوي الطير إلى أعشاشها ، طلباً للعيش الكريم والأمن والأمان بعيداً عن ضوضاء الفوضى والتناقضات.

وقد سنحت لي الفرصة بإلقاء عدداً من المحاضرات والدروس ، في الجمعيات والمراكز والمساجد عن مكانة المرأة ودورها في بناء المجتمع المعاصر ، وقد رأيت جمع هذه المواضيع في كتاب ليكون عوناً للمرأة المسلمة ، لتقوم  بالمسؤولية الملقاة على عاتقها خير قيام .

وقد عرضت فيه ما يلي : 

1. مكانة المرأة في الإسلام ومكانتها عند أصحاب الديانات الأخرى وقبل الإسلام.

2. دور المرأة في المجتمع كأم ، ومربية للأجيال وزوجة لها حقوق وعليها واجبات. ودورها كداعية إلى الله , واعتمدت في ذلك على كتاب الله وسنة نبيه  ىلص ملسو هيلع هللا وكتب السير والتاريخ وبعض تجاربي الخاصة ، وذلك للدلالة على أن تطبيق الإسلام بمعانيه السامية يمكن أن يكون واقعاً  تلمسه الأيدي وتراه الأعين .

3.  ناقشت بعض القضايا المعاصرة التي تهم المرأة كقضية تحرير المرأة .

4. و ناقشت الموقف العدائي لدعاة التغريب من الإسلام وما هي أهدافهم الماكرة من وراء هذه الدعوات ؟ وماذا جنت المرأة من هذه الحرية المزيفة  ؟

وأخيراً فإنني أرجو أن تكون هذه المحاولة المـتـواضـعة ، شعلة نور وهداية لكل امرأة تريد أن تتخذ من الاسلام دستوراً ومنهاجاً لحياتها , ولا أقول إني قد أحطت المرأة علماً بكل ما تحتاج إليه ، ولكنه جهد المقل الضعيف . وأسأل الله تعالى أن يكتب لي الأجر والثواب ، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم القيامة ,يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

 

سبحانك اللهم وبحمدك

الفقيرة إلى رحمة الله تعالى

فاطمة بنت خليل محمد محسن ، أم حذيفه

القدس / أبو ديس في يوم الخميس 7 محرم 1423 هـ  وفق 21/3/2002 م

 

مكانة المرأة عبر التاريخ 

المرأة عند اليونان : 

كانت المرأة في المجتمع اليوناني أول عهده محصنة عفيفة , لا تغادر  البيت , ولا تسهم في الحياة العامة لا بقليل ولا بكثير ، وكانت محتقرة حتى سموها رجساً ، وكانت مستعبدة تباع وتشترى مسلوبة الإرادة والحرية لا تستطيع التصرف بما تملك حتى زواجها كان موكولاً للرجل  , وعندما بدت مظاهر الحضارة اليونانية ابتذلت المرأة واختلطت بالرجال في الأندية والمجتمعات فانتشر الفساد وعمَّـت المنكرات .

المرأة عند الرومان : 

كان رب الأسرة هو المسيطر على الأبناء ذكوراً وإناثاً فكل ما يملكه الأبناء هو ملك للأب ، والبنت ليس لها حق التصرف فيما تملك ,وهي ليست مؤهلة  للتصرف  في أي شيىء . وعندما فكروا بتعديل القانون قرروا إعطاء البنت حق ملكية ما تكسبه بسبب عملها ، وكذلك أعطوها حق بيع نفسها لمن تريد بعد وفاة وليها وكان عندهم في عقد الزواج صك اسمه حق سيادة الرجل عليها , وتوقع عليه المرأة ويسمى " اتفاق السيادة  .

 المرأة عند الهنود : 

لم يكن للمرأة في شريعة "مانو" حق في الاستقلال عن أبيها أو أخيها أو زوجها ، ولم يكن لها حق الحياة بعد وفاة زوجها ، بل يجب أن تموت يوم موته وأن تحرق معه وهي حية على موقد واحد ، وكانت تقدم قرباناً للآلهة لترضى ، ولكثرة احتقارهم لها فقد جاء في شرائعهم :[ ليس الصبر المقدر والريح والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار أسوأ من المرأة ].

 

المرأة عند اليهود : 

هي في مرتبة الخادم محرومة من الميراث ، وإذا ملكته لعدم وجود إخوة لها يحرم عليها الزواج من عائلة غريبة . وهي عندهم لعنة لأنها أغوت آدم فأخرجته من الجنة ، وكانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها وهجروها ، فقد جاء عندهم في التوراة :[ المرأة أمرّ من الموت ، إن الصالح أمام الله من ينجو منها ، رجلاً واحداً بين هؤلاء وجدت أما امرأة واحدة بين كل أولئك لم أجد ].

 المرأة عند النصارى : 

لقد  هال رجال الدين النصارى ما آل إليه المجتمع الروماني من انحلال أخلاقي شنيع ، فاعتبروا المرأة مسؤولة عن هذا كله ، فقرروا أن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه ، وأعلنوا أنها باب الشيطان وهي سلاح إبليس للفتنة والإغراء .

فهي كما يقول القديس تروتوليان :[ إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ناقضة لنواميس الله مشوهة لصورة الله - الرجل - ].

وقد عقد مؤتمر في فرنسا عام 586 للميلاد موضوعه الجواب عن السؤال التالي: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان ؟ وأخيراً قرروا أنها خلقت لخدمة الرجل فحسب ، وهي قاصر لا يحق لها أن تتصرف بأموالها دون إذن زوجها أو وليها .

وقد كان القانون الإنجليزي يبيح للرجل أن يبيع زوجته .

ولما قامت الثورة الفرنسية وأعلنت تحرير الإنسان من العبودية والمهانة لم تشمل المرأة بحنوها ، ونص القانون الفرنسي على أنها ليست أهلاً للتعاقد دون رضى وليها إن كانت غير متزوجة .

المرأة عند العرب قبل الإسلام : 

كانت المرأة مهضومة الحقوق لا ميراث لها ، وليس لها أي حق على زوجها ، فهو يطلقها متى يشاء ويتزوج من غيرها بلا حدود ، وكانالعرب في الجاهلية يتشاءمون من ولادة الانثى  حتى وصل الأمر بهم الى وأد البنات وهن أحياء خشية الفقر والعار .([2][1])

مكانة المرأة في الإسلام 

 بقيت المرأة مستضعفة مهـضـومةالـحقوق , مهيضة الجناح ,مسلوبة الإرادة  حتى جاء الإسلام بشريعته الغراء ووضع الميزان الحق في إقراره لكرامة المرأة وإنسانيتها  وأهليتها لأداء رسالة سامية في المجتمع , و أعطاها مكانة عالية لتجد   ممن حولها التقدير والاحترام اللائق بها كأم مربية للأجيال , وزوجة لها حقوق وعليها واجبات , وشابة يصان عرضها من عبث العابثين وأصحاب الشهوات . فقد قال الرسول ىلص ملسو هيلع هللا:( إنما النساء شقائق الرجال ) رواه أبو داود .

ومن أهم الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة والتي سلبت منها  عبر العصور السابقة هي :

1. حق الحياة :

فقد حرم الله عز وجل وأدها كما كان يصنع بها العرب في الجاهلية ، فقال عز وجل :( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ).([3][1])

وأنكر على من يتشاءمون لولادتها فقال الله تعالى :( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْانثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ).([4][2])

2. حق الملكية والتصرف بأموالها :

لقد أعطى الإسلام للمرأة حق ملكية الميراث ، فقال تعالى :( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْانثَيَيْنِ ).([5][3])

وأعطاها أيضاً حق التصرف بأموالها فلها أن تبيع وتشتري وتتصدق من أموالها كما تشاء ، فهي كاملة الأهلية . وإذا كانت عاملة فهي تستطيع أن تتصرف بمالها وتنفق منه  بالطريقة التي تريد  وفق الأحكام الشرعية .

3. حق الموافقة على الخاطب أو رفضه :

فالمرأة كالرجل لها حق اختيار الزوج المؤمن الصالح ، ولا يجوز إجبارها على الإقتران برجل لا تريده . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن وإذنها صمتها ) رواه مسلم .

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً :( لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر ، فقيل له : إن البكر تستحي فقال : إذنها صمتها ) رواه البخاري .

وقد جاءت الخنساء بنت خدام فأخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم:( بأن أباها  زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فردّ نكاحه ) رواه البخاري .

4 . حق العلم  والتعلم :

سواء أكان العلم في المسجد كما كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ا، أو في المدارس والجامعات كمـا هو في وقتنا الحالي فقد قـال الـرسول صلى الله عليه وسلم ا:( أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ... فله أجـران  ) رواه البخاري ، وقد كان الرسول ىلص ملسو هيلع هللا يجعل للنساء يوماً ليعظهن ويذكرهن ويأمرهن بطاعة الله تعالى .

 

 

 

5. حق مفارقة الزوج :

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :( جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر . فقال رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا: فتردين عليه حديقته ؟ فقالت: نعم . فردت عليه حديقته وأمره ففارقها ). رواه البخاري .

وإلى جانب هذه الحقوق فقد قرر الإسلام أن المرأة والرجل خلقا من أصل واحد فقال تعالى :( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَـامَ ان اللَّهَ كَـان عَـلَيْـكُمْ    رَقِيبًا ).([6][4])

ثم إن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة  في التكليف فقال عز وجل :( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ انثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانوا يَعْمَلُونَ ).([7][5])

إلى جانب ذلك فقد دفع عنها اللعنة فلم يحملها مسؤولية خروج آدم من الجنة بدليل قوله تعالى :( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا ان تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ).([8][6])

وقد أكرم الله تعالى المرأة بنتـاً وأمـاً وزوجةً فقــال في كتابـه الــعزيز عن حـق الأم  :

( وَوَصَّيْنَا الْانسَان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي ان أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي انعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَان أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي اني تُبْتُ إِلَيْكَ وَاني مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .([9][7])

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ا:( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصـالـحة ) رواه مسلم ، وقال  صلى الله عليه وسلم أيضاً :( استوصوا بالنساء خيراً ...... ) رواه البخاري ومسلم .

أما تكريمها بنتاً فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من يلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له ستراً من النار ) رواه البخاري ومسلم .

6 . حق المشاركة السياسية

لقد أجاز الإسلام للمرأة أن تشارك في انتخاب رئيس الدولة . فقد قال تعالى :( وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ قَلْبُهُ ).([10][8]) كما قال مجيد أبو حجير [ والشهادة واجبة على الرجل والمرأة ،والانتخاب هو شهادة حق فيها إخبار عمن يصلح لقيادة الأمة . والانتخاب اجتهاد لا تمنع منه الأنوثة لأن الفتيا تصح من المرأة ، كما أن عملية الانتخاب في عصرنا الحاضرمنظمة وتجري في فترة قصيرة لاتعطل المرأة عن وظائفها الأصلية كزوجة  وأم مربية . وهذا بعكس ما إذا أرادت المرأة أن ترشح نفسها نائبة في البرلمان فإن الإسلام يقف من ذلك موقف النفور  لا لعدم أهلية المرأة لذلك بل للأضرار الاجتماعية التي تنشأ عن ذلك والمخالفات لأحكام الشريعة وآداب الإسلام وأخلاقه ، وللجناية البالغة على ســلامة الأسرة وتماسكها ، وانصراف المرأة عن معاجة شؤونها بكل هدوء وطمأنينة ] ([11][9]) , لأن متطلبات العمل السياسي المعاصر كثيرة ومتنوعة , فمن خروج من البيت ساعات طوال لمواكبة الأحداث اليومية ، وما يقتضيه العمل السياسي من خروج المرأة وسفرها خارج البلاد , وكثرة المتغيرات السياسية , كل هذه الأمور تتعارض مع طبيعة المرأة ومهمتها كزوجة و كأمٍ  وكمربيةٍ للأجيال .

وحتى إذا تولت المرأة المناصب السياسية فلن يغير هذا العمل من صفاتها التي فطرهـا الله عـليها , وستبقـى الرقة والحنان هي طبيعتها التي تميزها عن الرجل . والدلائل على ذلك كثيرة : فهذه أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند كانت عنـد ذكــر ابنها

" سانجهاي "  الذي قتل في حادث طائرة تبكي شأنها شأن أي امرأة في العالم وينزف قلبها ألماً وحسرة على فقد ولدها . وهذه رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر تفقد ابنها في صحراء إفريقيا فتظهر على شاشات التلفاز وهي تبكي وتعتذر عن القيام بعملها كرئيسة للوزراء حتى يعثروا لها على ولدها علما أنها كانت تلقب بالمرأة الحديدية .([12][10])

فكوني أختي المسلمة حفيدة الخنساء وأسمـاء ونسيبـة , شجاعـة جريئـة وقافـةً عند حدود الشـرع ذكية حكيمة في تدبير الأمور , بصورة تنـاسب فطرتك التي فطرك الله عليها . ولا تقلدي نساء الغرب بالتحرر من الضوابـط الأخلاقيـة والأحكـام الشرعيـة وتذكـري قــول الله تعـالى :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم ).([13][11])فهذه الآية من أوضح ما يدل على أن  المرأة تشارك الرجل في سياسة المجتمع . وقد قال رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا  ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويجير عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم . ) رواه أبو داود والبيهقي .

 شذرات عطرة من سيرة  المرأة المسلمة

 لقد اتصفت المرأة المسلمة في صدر الإسلام بجملة من الصفات ، أهلتها لتشارك بفاعلية في الحياة العامة ، فقد كان لها من قوة الشخصية ، والقدرة العقلية وفصاحة اللسان وحسن الفهم والبيان  ، والقدرة على الصبر والثبات . ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم ا يحث على تكريمها ورفع شأنها , وإعطائها المكانة التي تليق بها في المجتمع ، فهاهو معلم البشرية الأول عليه الــصــلاة والــسـلام  يعلّـم زوجـاته بنفسه ، فقد مرّ على زوجـتـه جويرية بنت الحارث وقد كانت عابدة قانتة لله تعالى فقال لها :( ألا أعلمك كلمات تقوليهن : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ، ورضاء نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته ) رواه مسلم .

ولقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها فقيهة محدثة تنظم الشعر أيضاً , ويروي الشعبي فيقول :( قيل لعائشة رضي الله عنها يا أم المؤمنين هذا القرآن تلقيته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الحلال والحرام . وهذا الشعر والنسب والأخبار سمعتها عن أبيك وغيره فما بال الطب ؟ قالت : كانت الوفود تأتي رسول صلى الله عليه وسلم فلا يزال الرجل يشــكو علـتـه فيـسـأل عن دوائها فيخبره بذلك فحفظت ما كان يصفه وفهمته ).([14][12])

وقال أبو موسى الأشعري t:( ماأشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط  فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً ) رواه الترمذي ،  وقد بلغ مسندها ألفان ومائتان وعشرة أحاديث ,وقال الزهري :( لو جمع علم الناس كلهم وأمهات المؤمنين لكانت عائشة أوسعهم علماً ) رواه الحاكم .

وقد ذكر البلاذري في فتوح البلدان : أن أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب  كانت تتعلم الكتابة في الجاهلية على يد امرأة كاتبة تدعى الشفاء العدوية فلما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم طلب إلى الشفاء أن تعلمها  تحسين الخط وتزيينه كما علمتها أصل الكتابة .

وهذه أم الدرداء الصغرى " هجينة بنت يحيى الوصابية " روت علماً جماً عن زوجها أبي الدرداء وعن سلمان الفارسي وعن عائشة وعن أبي هريرة ؛ وعرضت القرآن على أبي الدرداء واشتهرت بالعلم والعمل وكانت تقية زاهدة ؛ عاشت طويلاً حتى أدركت خلافة عبد الملك بن مروان ، وكان مرة جالسًا في صخرة بيت المقدس  وأم الدرداء جالسة معه حين نودي لصلاة المغرب فقام وقامت تتوكأ عليه حتى دخل بها المسجد وكانت عالمة فقيهة يجلس إليها الرجال فيقرأون عليها وكان عبد الملك بن مروان يستمع إليها .([15][13])

[  وهذه فاطمة بنت علاء الدين السمرقندي الحنفي صاحب كتاب " تحفة الفقهاء " حفظت التحفة فكانت فقيهة , طلبها كثير من الرجال فلم يزوجها والدها , وعندما صنف أبو بكر الكاساني كتابه " بدائع الصنائع" وهو شرح التحفة عرضه على شيخه – أبوها – ففرح به كثيراً وزوجه ابنته وجعل مهرها منه ذلك فقالوا : شرح تحفته فزوجه ابنته ، وكانت الفتوى تأتي فتخرج وعليها خطها وخط أبيها فلما تزوجت صاحب البدائع كانت تخرج وعليها خطها وخط أبيها وخط زوجها ].([16][14])

وهذه خولة بنت ثعلبة أنزل الله فيها قرآناً عندما أخذت تشتكي زوجها وتقول :

( يا رسول الله أكل شبابي , ونثرت له ما في بطني , حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي , ظاهر مني . اللهم إني أشكو إليك . فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ظهار زوجها منها فقال لها : حرمت عليه ) فأنزل الله قوله تعالى :( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ  )([17][15])

ويأخذ رسول الله البيعة من النساء فيقول :( تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئاً ، قـالت هـنـد زوج أبـي سـفـيان - وكانت متخـفـيـة لم يـعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد -: إنك والله لتأخذ علينا ما لا تأخذ على الرجال فسنؤتيكه . قال: ولا تسرقن . قالت : والله إن كنت لأحببت من مال أبي سفيان الهنة والهنة . فـقـال أبو سفيان - وكان حاضراً -: أما ما مضى فأنت منه في حل . فقال رسول اللهاصلى الله عليه وسلم : أهند ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌؟ قالت : أنـا هـنـد فـاعـفـو عـمـا سلف عفا الله عنك . - وكانت قد لاكت كبد عمه حمزة بعد استشهاده في أحد - قال : ولا تزنين قالت : وهل تـزنـي الـحرّة ؟ قال : ولا تقتلن أولادكن . قالت: ربيناهم صغاراً وقتلتهم في بدر كباراً فأنت وهم أعلم . فضحك عمر حتى استلقى . قال : ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيـديـكن وأرجـلكن  قالت : والله إن إتيان البهتان لقبيح ولبعض التجاوز أمثل . قال : ولا تعصينني في معروف . قالت : ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد أن نعصيك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: بايعهن واستغفر لهن الله ).([18][16])

فهاهو القائد الأول ومعلم البشرية يصغي لهند ولا ينهرها ولا يعنفها وإن دل ذلك على شيء ، فإنما يدل على مدى احترام رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأي المرأة وحقها في المناقشة والحوار .

وقد روت كتـب الـسيـــرة عن فـصـاحـة وبـلاغـة المرأة شيئاً كثيراً ، فـقـد روي أن عمر بن الخطاب t قد ساءه مغالاة الناس في مهور بناتهم ، فصعد المنبر وحمد الله فأثنى عليه ثم قال :( لا أعرف من زاد في الصداق على أربعمائة درهم ؟ فقد كان رسول الله سو صلى الله عليه وسلم هيلع هللا وأصحابه الصداقُ فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لما سبقتموهم إليها  ، ثم نزل المنبر ، فاعترضته امرأة من قريش  فقالت : يا أمير المؤمنين : نهيت الناس أن يزيدوا في صدقاتهم على أربعمائة ؟ قال نعم ،قالت أما سمعت الله يقول في القرآن ؟ قال : وأي ذلـك ؟ قالت : قولـه تعـالى (  وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) قال عمر : اللهم غفراً ، كل الناس أفقه من عمر ، وقـال قولتـه المشهورة : أصابت امرأة وأخطأ عمر ).([19][17])

فهذا أمير المؤمنين رغم مكانته وهيبته عند المسلمين يصغي إلى نصح امرأة ويعترف بخطأه وبصحة قولها ، وهذا من تمام العقل والحكمة ، ويدل على مدى الإحترام والتقدير الذي كانت تحظى به المرأة في صدر الإسلام .

وحكت كتب السير والتاريخ عن قدرة المرأة العقلية وذكائها فهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ا من مكة وكان معه أبو بكر الصديق فحمل معه جميع ماله ، تقول أسماء :( فأتاني جدي أبو قحافة وقد عَمِيَ فقال : إن هذا فجعكم بماله ونفسه . فقلت : كلا قد ترك لنا خيراً كثيراً فعمدت إلى أحجار فجعلتها في كوة البيت وغطيت عليها بثوب ثم أخذت بيده ووضعتها على الثوب فقلت : هذا ما تركه لنا فقال : أما إذا ترك لكم هذا فنعم )([20][18])

وشـاركت المرأة الرجل عبر التاريخ الإسـلامي مياديـن الجهاد ، فهذه أم عمـارة – نسيبة المازنية – تقول :( لقد رأيتني وقد انكشف الناس عن رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا وما بقي إلا نفر يتمون عشرة وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه والناس يمرون به منهزمين ورآني لا ترس معي فرآى رجلاً مولياً معه ترس . فقال لصاحب الترس : ألقي ترسك لمن يقاتل ، فألقى ترسه فأخذته فجعلت أتترس به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رجل على فرس فضربني فتترست له فلم يصنع سيفه شيئاً فولى فأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح : يا أم عمارة أمامك قالت : فعاونني عليه حتى أوردته شعوب المنية ).([21][19])

وهذه صفية بنت عبد المطـلـب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الخـنـدق قـالت :( أنا أول امرأة قتلت رجلاً فقد كان حسان بن ثابت معنا فمر بنا يهودي يطوف بالحصن فقلت لحسان : مثل هذا لا آمنه على أن يدل على عوراتنا فقم فاقتله قال: يغفر الله لك لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا . فاحتجزت - شدت وسطها - وأخذت عموداً ونزلت فضربته حتى قتلته ).([22][20])

وعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت :( غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام ) رواه مسلم .

وكانت رفيدة الأنصارية تخرج للمعركة لتداوي الجرحى وتسقي العطشى فكان لها خيمة تداوي فيها الجرحى وتحتسب ذلك عند ربها , وعندما أصيب سعد بن معاذ في معركة الخندق قال رسول الله ىلص ملسو  صلى الله عليه وسلم :( اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب ).([23][21])

وقد شاركت المرأة المسلمة في صدر الإسلام بالحدث السياسي فهذه زينب بنت رسول الله ىلص ملسو هيلعهللا أسلمت قبل زوجها وفرق الإسلام بينها وبينه :( وعندما حصلت معركة بدر كان أبو العاص بن الربيع في صف قريش ضد المسلمين فوقع في الأسر ولما علمت زينب بذلك بعثت بقلادة لها لتفتدي بها زوجها فلما رأى رسول اللهصلى الله عليه وسلم االقلادة عرف أنها لزينب فرق لها وقال : إن أردتم أن تطلقوا لها أسيرها فأطلقوه وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ا من يأتيه بزينب من مكة وحاول أهل زوجها منعها من ذلك ولكنها استطاعت أخيراً أن تلحق بأبيها مع زيد بن حارثة وبقي زوجها العاص بن الربيع بمكة حتى خرج مرة تاجراً إلى بلاد الشام فلقيته سرية للرسول صلى الله عليه وسلم ا فأصابوا ما معه وقفل هارباً حتى دخل على زينب تحت جنح الليل فاستجار بها فأجارته وجاء في طلب ماله فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح فكبر وكبر الناس صرخت زينب من صفة النساء وأخذت تقول : أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع . قال : فلما سلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة أقبل على الناس فقال: أيها الناس هل سمعتم ما سمعت ؟ قالوا : نعم . قال : أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم أنه يجير على المسلمين أدناهم . ثم انصرف رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا فدخل على ابنته فقال : أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له . وخرج إلى المسلمين فقال لهم : إن أردتم أن تردوا عليه ماله أو أن تأخذوه فهو فيء الله وأنتم أحق به . فقالوا : يا رسول الله بل نرده عليه فردوه عليه ثم قفل راجعاً إلى مكة وأدى إلى كل ذي مال حقه ثم قال : يا معشر قريش هل بقي لأحد عندي مال لم يأخذه ؟ قالوا : لا , فجزاك الله خيراً فقد وجدناك وفياً كريماً قال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا يطلب زوجته فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ).([24][22])

وقد أجارت أم هانئ بنت أبي طالب عام الفتح رجلاً , وقد أراد أخـوهـا علي بن أبي طالب أن يقتله , فجاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت :( زعم ابن أبي وأمي علي أنه قاتل رجلاً أجرته - فلان بن هبيرة – فقال صلى الله عليه وسلم لا : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ) رواه البخاري ومسلم .

وقد تـصـدت الـمرأة بشجاعة وجرأة للحكام , فوقفت في وجوههم لتقول الحق , فهذه أسماء بنت أبي بكر يدخل عليها الحجاج عندما قتل ولدها عبد الله بن الزبير فيقول لها :[ إن ولدك ألحد في هذا البيت وإن الله أذاقه من عذاب أليم وفعل به ما فعل . فقالت له : كذبت والله لقد كان باراً بوالديه صواماً قواماً فلقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج من ثقيف كذابان ,الآخر منهم شر من الأول وهو مبير . أما الكذاب فقد رأيناه وأما  المبير فلا أخالـك إلا إياه ، فلقد أفسدت عليه دنيـاه وأفسد عليـك آخرتك ].([25][23])

وقد كان رسولنا الكريم يرفع من شأن النساء سواء كن زوجاته أم بناته أم نساء المؤمنين عامة فقد كان الأب الحاني، والزوج الرفيق بزوجاته ، والقائد الحكيم المتواضع ، وقد سـار أصحابه من بعده على نهجه في إعلاء شأن النساء .

  ([1][1])  المرأة بين الفقه والقانون ص 13- 22 .

النساء شقائق الرجال

 قال تـعـالى :( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) .([26][24])

لقد أرست هذه الآية مبادئ جليلةً وحقائق عظيمةً في بيان الغاية  التي خلق الانسان من أجلها , ولو تـدبـرها الـنـاس لـكـانـت كـفـيـلةً بإحداث تغييرٍ جذريٍ في حياتهم , ولقد خلق الله تعالى الإنسان واستخلفه في هذا الكون ، وأنزل له المنهج الذي  يتطابق ويتناسب مع فطرته التي فطره عليها , وقد رسم هذا المنهج الملامح الوضّاءة للمجتمع المسلم ، وأرسى القواعد والمبادىء والأحكام الشرعية التي تقود الفرد والمجتمع إلى ما فيه خيرهم في الدنيا  والآخرة . ومع ذلك فقد تاهت البشرية في دياجير الظلم والجهل فترةً من الزمن , وانعكس ذلك على المرأة فجردت من كل خصائصها الإنسانية ، وعندما أفاقت البشرية من غفوتها وأرادت رفع الظلم عن المرأة تعالت الصيحات ، من هنا وهناك كلٌ يطالب بإعطاء المرأة حقوقها كاملة غير منقوصة ، حتى تأخذ مكانها في المجتمع , إلا أن هذه العدالة كانت مشوبة بالأهواء , بعيدة عن صلب الحقيقة لبعدها عن التشريع الرباني ، فأعطيت حقوقاً ليست لها ، وسلبت منها صفات هي من أصل فطرتها , فكانت النتيجة غياب الصورة  الصحيحة التي توضح ما للرجل وما للمرأة من حقوق وما عليهما من واجبات .  وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ). ([27][25])

قال القرطبي في تفسيره  :[ هذه الآية تبين أن الله تعالى خلق العالم وأعطى كل شيىء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به ، وأعطى كل شيىء خلقه من جنسه ، ثم هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ]، وهذا يعني أن كل الكائنات في هذا الوجود الكبير تعمل منفردة ومجتمعة داخل النواميس المودعة في فطرتها وتكوينها ،  فالرجل والمرأة زوجان يكمل كل منهما الآخر , ولكن مجال عمل كل منهما مختلف عن الآخر ، لأن الله تعالى أوجد اختلافاً في تركيب جسم الرجل وجسم  المرأة , وأوجب عليهما وظائف تتـناسب مع الطبيعة التي فطرهم عليها , وقد تعرض العالم الأمريكي" ألكسيس كاريل " الحائز على جائزة نوبل للسلام لهذا الموضوع في كتابه " الإنسان ذلك المجهول " فقال:[ إن الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا تأتي من الشكل لكل منهما , بل إنها تنشأ من تكون الأنسجة ذاتها ومن تلقيح الجسم كله بمواد كيماويه محدده يفرزها المبيض , ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه يجب أن يتلقى الجنسان تعليماً واحداً , وأن يمنحا سلطات واحدة , ومسؤوليات متشابهة . والحقيقة أن المرأة تختلف اختلافاً كبيراَ عن الرجل فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها , وفوق كل شيىء بالنسبة لجهازها العصبي فالقوانين الفسيولوجية غير قابلة للين شأنها شأن قوانين العلم الكوكبي فليس بالإمكان إحلال الرغبات الإنسانية محلها . فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعاً لطبيعتهن دون أن يحاولن تقليد الذكور فإن دورهن أسمى من دور الرجل فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة ].    و قد أودع الله في كل منهما ميلاً للآخر , فهما يسعيان دوماً إلى الارتباط ببعضهما ولهذا  فقد أرسى التشريع الإسلامي المبادئ و القوانين التي تبين الطريق الذي يجب أن يتبعه الرجل والمرأة إذا أراد أحدهما الارتباط بالآخر , لتقوم مؤسسة الأسرة ومن ثم المجتمع على أساس من الطهر والشرف والعفاف . وعلى كل منهما الالتـزام بهذه المبادىء  وهي :

1. السعي إلى الزواج :

أن يسعى كل منهما للزواج إذا رأى  أنه قادر على تحمل  تبعاته ، ليحصن نفسه من الوقوع في الحرام , فقد قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:( تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم  القيامة ,ولا تكونوا كرهبانية النصارى ) . أخرجه البيهقي .([28][26])

وقد شرع الإسلام الزواج لحكم بالغة منها :

أ. الحفاظ على النوع الإنساني فقد قال تعالى :( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِــلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ       يَكْفُرُونَ  ).([29][27])

وقال أيضاً :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ). ([30][28])

ب. تهذيب النفس وكبح جماحها والتحصن من الشيطان الذي يقف للإنسان بالمرصاد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إذا تزوج العبد  فقد اسـتـكمل نصف دينه , فليتق الله في النصف الباقي ) أخرجه الحاكم  وقال صحيح الإسناد .

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً :( يا معشر الشباب عليكم بالباءة , فإنه أغض للبصر ,وأحصن لـلفرج , فمن لم يستطع منكم الباءة فعليه بالصوم . فإن الصوم له وجاء ) رواه البخاري .

ج. إدخال الطمأنينة والراحة  إلى النفس الإنسانية ,فبالزواج ينعم  الإنسان بالسعادة في ظل الزوجة الصالحة و إنجاب الولد ,فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الدنيا  كلها متاع وخير متاع الدنيا الزوجة الصالحة ) رواه مسلم .

د. تـلـبية حـاجات النـفـس الغريزيه وإشباعها وتوجيهها نحو الطريق السوي . فقد قال تعالى :( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) ([31][29])

أحكام الزواج :

فإذا وقع اختيار الرجل على امرأة فأعجبه منها ما يدعوه لنكاحها فعليه أن يسعى للاقتران بها وفق أحكام الشريعة الإسلامية ،والتي عليه الالتزام بها وهي :

1.  يبدأ بالخطوة الأولى وهي التقدم لخطبتها بأن يبعث من يخطبها له , ويباح له عند التقدم للخطبة أن ينظـر إلى وجهها وكفيها مع حضور وليها . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ا للمغيرة بن شعبة يضر هنع هللا عندما خطب امرأة :( انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) رواه الترمذي .

والخطبة لا تعــدّ سوى وعـداً بالـزواج وعليـه فلا تجوز الخلوة بالمخطوبـة لقولـه ىلص ملسو هيلع هللا :( لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له فإن ثالثهما الشيطان ) رواه أحمد .

2. الإيجاب والقبول من الطرفين ، فمن أركان عقد النكاح . الإيجاب والقبول وذلك حتى يضمن رضى البنت وموافقتها على الزواج ,فلا يجوز للولي أن يكره ابنته على الزواج من رجل لا ترغب فيه فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبيصلى الله عليه وسلم ا أنه قال : ( لا تنكح  البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر ) رواه البخاري .

3. حضور شاهدين عدلين عند عقد الزواج ، وذلك من أجل توثـيـق هذا الرباط المقدس , وحفاظاً على حقوق المرأة من الضياع  .

4. حضور الولي وأخذ موافقته ، وموافقة الولي على عقد النكاح أمر مهم لقول الرسول ىلص ملسو هيلع هللا:( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ؛ فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل... ) رواه أبوداود ، وقال صلى الله عليه وسلم ا أيضاً :( لا نكاح إلا بولي ) رواه الترمذي ، والحكمة من اشتراط الولي في عقد الزواج  هي المحافظة على مكانة البنت ورعاية مصالحها , والحرص على عرضها فلا يظفر بها إلا من يستحقها ويقدرها , وتأمين عوامل الاستقرار لزواجها , فإن الرجال أعرف بصفات بعضهم بعضاً , وأما الفتاة فتأخذها العاطفة فلا تقف على صحة مشاعر الخاطب المتقدم لها وتنخدع بالمظهر الخارجي والكلام المنمق الذي يتكلفه الرجل أحياناً . والولي الحكيم هو الذي يستطيع أن يحكم بأن هذا الخاطب مناسب لابنته أم لا . ولا يعني اشتراط وجود الولي أن يتحكم في ابنته ويمنعها من الزواج بدون مبررات شرعية ,فإذا تقدم خاطب كفؤ وصاحب خلق ودين إلى ابنته فيجب عليه تزويجها وإلا فهو آثم عند الله تعالى .

5. دفع المهرللمخطوبة ، ويجب للمرأة المهر, فقد قال تعالى :( وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) ([32][30])

والصداق  : المهر , وهو حق خالص للمرأة تتصرف فيه كما تشاء ولا يجوز للولي أن يأخذ منه شيئاً إلا برضاها, ولا يعني وجوب المهر أنه ثمن للمرأة , بل هو رمز لتقديرها ومكانتها , ولم يحدد الإسلام قيمة المهور , بل جعل ذلك للولي وجعل له الحرية في تقديرالمهر المناسب لابنته , فقد قال تعالى :( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) ([33][31])

ولم يحدد  التشريع الإسلام المهر فيمكن أن يكون كثيراً أو قليلاً  وذلك وفق مقتضيات العصر و متغيرات الحياة . وهذا يدل على أن التشريع الإسلامي صالح لكل زمان ومكان . فلا بأس بقليل المهر أو كثيره  إذا تراضي عليه الزوجان ، فقد روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال : سألت السيدة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ( قالت : كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً قالت : أتدري ما النش ؟ قلت : لا قالت :نصف أوقية ،فتلك خمسمائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه . ) رواه مسلم .

ولا يستطيع أحد أن يقول بتحديد المهور , لأن الله تعالى أباح ذلك بنص القرآن ولكن لنا أن نقول : إن الحكمة تقتضي من ولي الأمر أن يسهل أمر زواج ابنته ويتخذ الوسطية أساساً يعتمد عليه في تقدير المهر فخير الأمور أوسطها , وتيسير الزواج من السنة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(خير الصداق أيسره ) .  رواه الحاكم

ويستحب إعلان النكاح بالضرب عليه بالدف لإشهاره , فقد قال صلى الله عليه وسلم  :( أعلنوا هـذا الـنـكاح , واجـعـلوه في الـمـساجد , واضربوا عليه بالدفوف ) رواه أحمد والترمذي .

وتكره المبالغة في نفقات حفل الزفاف حتى لايكلف الزوج فوق طاقته فيتحمل الديون التي سيكون لها أثر سيىء على الحياة الزوجية فيما بعد ، وخير الأمور أوسطها فلا إفراط ولا تفريط  .

أما ما نراه في عصرنا الحالي من أن الشاب يلتقي بالفتاة بعيداً عن أعين الأهل بحجة أن يتعرف كل منهما على الآخر , و تنشأ بينهما عاطفة الحب وهوما يسمى بالحب قبل الزواج  , فهذا ليس له أي أصل في شريعتنا الإسلامية وما هو إلا ضرب من العبث بمشاعر الفتاة وتلويث لسمعتها وشرفها , ومثل هذا الزواج لا يستند إلى أساسٍ ديني , لأنه قام على حب هش تحكمه العاطفة الجامحة , وكثيراً ما تكون نهايته الفشل لانعدام الروافد التي تغذيه وتقويه ليكون ضـاربـاً في أعماق القلوب , فالعاطفة قبل الارتباط كانت في أوجها,وبعد اللقاء اعتراها الفتور والهمود, مما يؤدي إلى الإخفاق والفشل في الحياة الزوجية ، و إذا أقام الشاب مثل هذه العلاقة مع الفتاة قبل الزواج فإنه يشبع شهواته بهذه الطريقة فلا حاجة لأن يرتبط بعقد زواج يكلفه النفقة والقيام بمسؤوليات الحياة الزوجية مما يؤدي في النهاية  إلى عزوف الشباب عن الزواج بالطريق المشروع .

فلتحذر الفتاة هذا اللون من الحب لأنه خداع لها وتضليل , وتضييع لفرص الزواج العفيف , ولأن كلمات الثناء التي تسمعها من الشباب ما هي إلا كذب ونفاق  وفرصة ليسلي بها الشاب نفسه . وبذا ينطبق عليها قول الشاعر:

خـدعوهـا بـقولهـم حسنـاء

 

والغواني يغـرهـن الثنـاء 
 

وإياك أختي الفتاة المسلمة أن تنقادي للشهوات فتوافقي على الاقتران برجل على أساس الزواج العرفي أو ما يسمونه بالزواج المدني , لأن عواقبه وخيمة , والمرأة وحدها التي تتحمل هذه العواقب , فهي تفقد حقوقها , مثل النفقة أو الإعتراف بنسب الأولاد إذا أنجبت , والمهر والمسكن .  ومثل هذا الزواج لا يسجل في سجلات المحاكم الشرعية , وإذا أرادت المرأة الإبقاء على هذا الزواج  والرجل لا يريد فإنه يستطيع أن يتنصل من تبعات هذا الزواج بكل بساطة ويتركها وحدها لتواجه المجتمع الذي لن يرحمها وسيظل يرمقها بنظرات الاحتقار والازدراء  .

وسداً لباب الفتنة ودرءً للمفسدة , وحفظاً لعرض المرأة المسلمة .

وحتى تتحقق مقاصد الشريعة الإسلامية وأهمها حماية المجتمع المسلم من الانحلال والغرق في مستنقع الشهوات فقد أمر الله تعالى الرجل والمرأة بجملة من  الأحكام الشرعية التي يجب عليهما الالتزام بها وهي :

أ. تقوى الله سبحانه وتعالى :وذلك بتزكية القلوب بالعمل الصالح  فقد قال رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا :( قلب شاكر ،ولسان ذاكر ، وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خير ما اكتنز  الناس  ) رواه البيهقي في شعب الإيمان .

ب.شرع الاستئذان : فقد قال تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) .([34][32])

جـ. حرم الخلوة : لأن الخلوة بالأجنبية دعوة للهلاك والانجراف وراء الشهوات ومن ثم الوقوع في المعصية .فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ا :( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ) رواه البخاري .

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً :( إياكم والدخول على النساء . فقال رجل يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال الحمو الموت ) رواه البخاري .

د. غض البصر : فقد قال عز وجل :( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَائِهِنَّ أَوْ ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  ) ([35][33])

فقد بدأ الله تعالى بغض البصر قبل حفظ الفرج لأن البصر رائد القلب ، والخطاب هنا للرجال والنساء على السواء فعلى كل منهما أن يربأ بنفسه عن الوقوع في حبائل الشيطان ويبتعد عن كل ما يجره إلى الفتنة والغواية . فقد روى جرير بن عبد الله فقـال :( سألـت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الـفجأة ؟ فقال لي : إصرف بصرك ) . وروى أبو سعيد الخدري فقال : خرج رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال :( يا معشر النساء ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ، قلن : ومـا نقصان ديننا وعقلنا يـا رسول الله ؟ قال : أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل . قلن : بلى . قال : فذلك من نقصان عقلها  أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ قلن : بلى . قال : فذلك من نقصان دينها ) رواه البخاري ومسلم .

وكما قال الشاعر :

 

كل الحوادث مبداها من النظر                 
والمرء ما دام ذا عين يقلبها                   
 

 

ومعظم النار من مستصغر الشرر   
في أعين الغيد موقوف على الخطر
 

هـ. الـتزام المرأة بفرضية الحجاب :

فقد أودع الله تعالى في المرأة صفات تجعلها قادرة على لفت نظر الرجل وجذبه نحوها ,لذا فرض عليها الـحجاب فقال الله  تـعـالى :( ،يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ). ([36][34]) وللجلباب صفات وشروط يجب على المرأة مراعاتها :

الشرط الأول : أن يستر جميع البدن من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين ما عدا الوجه والكفين على رأي أكثر العلماء .

الشرط الثاني : أن يكون واسعاً  فضفاضاً حتى لا يصف ما تحته .

الشرط الثالث : أن يكون سميكاً فلا يشف عما تحته لأنه إذا كان رقيقاً فإنه لا يؤدي المراد من الستر فقد أخرج مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وأن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) ، والكاسيات العاريات : من يلبسن ثياباً رقاقاً .

الشرط الرابع : أن لا يكون الجلباب زينة في نفسه كأن يكون مزخرفاً بالخرز أو النقوش الذهبية لأنه بهذه الصورة يكون لافتاً للنظر وقد قال تعالى  :( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ).([37][35])

الشرط الخامس : أن لا يكون معطراً فقد قال رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا :( أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ) رواه النسائي وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح .

الشرط السادس : أن لا يشبه لباس الرجال فإن على المرأة أن ترتدي ما يناسبها من الملابس ( وقد لعن رسول اللهصلى الله عليه وسلم ا الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل ) رواه أبو داوود والحاكم وقال صحيح .

الشرط السابع : أن لا يشبـه لباس الكافرات لأن التشبه بالكافرين دليل على الهزيمة الروحية وفقدان الهويـة الإسلامية المميزة . فـقد قــال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود .

الشرط الثـامن : أن لا يكون لبـاس شهرة : ولباس الشهرة هو ما يقصد به الاشتهار بين الناس كأن ترتدي المرأة ثوباً نفيساً غالي الثمن لترى نفسها متميزة عن غيرها ، أو ثوباً رخيص الثمن إظهاراً للزهد والرياء لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ، ثم ألهب فيه ناراً ) رواه أبوداود وابن ماجة وإسناده حسن .

والناظر إلى حال المرأة المسلمة اليوم يرى العجب العجاب من ارتدائها للثياب المخالفة لشروط الجلباب فهناك من ترتدي القميص والبنطال وأخرى ترتدي البلوزة والتنورة أو الفستان الطويل الذي يفصل الأعضاء . وكل هذه الهيئات لا تمت إلى الجلباب الإسلامي بصلـة بـل هي تقليد غربي وتسويق لما تنتجه دور الأزياء من موضات مختلفة  بين الحين والآخر .

هذا إلى جانب ما يصاحب ذلك من إظهار المرأة لزينتها مثل وضع المساحيق على الوجه ونمص الحواجب وإطالة الأظافر . متناسية أنها مسلمة يجب عليها الانقياد لأمر الله تعالى انقياداً تاماً فلا تخلط بين هيئة اللباس التي أمرها الله به وبين خطوط الموضة التي تظهر بين الفينة والأخرى , وأن عليها تطبيق ما ورد في قوله تعالى :     ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَءَاتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ).([38][36])

وأن عليها الابتعاد عن نمـص الحواجـب تقليداً للممثـلات وعارضـات الأزياء لأنه محرم فـقد روى عبد الله بن مسعود يقال :( لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله . ما لي لا ألعن من لعن النبي صلى الله عليه وسلم ) رواه البخاري ومسلم .

فحافظي أختي المسلمة على جمالك واستريه حتى لا تكوني سبباً في فساد المجتمع , ولئلا تحملي وزر كل رجل يقع بصره عليك , وليكن شعارك كما قالت عائشة التيمورية :

بيد العفاف أصون عز حجابي
ما ضرني أدبي وحسن تعلمي
ما عاقني أدبي عن العلياء
 

 

وبعصمتي أسمو على أترابي
إلا بكوني زهرة الألباب
ولا سدل الخمار بلمتي ونقابي
 

وقد أباح الإسلام للمرأة أن تشارك في الحياة العامة والنشاطات الاجتماعية المختلفة ، إذا التزمت بالآداب العامة ،وكانت ملتزمة بالحجاب الشرعي ، حتى لا تعرض نفسها وغيرها للفتنة ، فقد أجاز لها الخروج إلى المسجد وحضور الصلاة والاستماع إلى دروس العلم والمواعظ  ، فقد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هللا :( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) رواه البخاري . ولأن المسجد هو المؤسسة الأولى في المجتمع المسلم فهو مركز العبادة أولاً ، ومركز العلم ثانياً ،ومركز تجمع ثقافي واجتماعي للرجل والمرأة على حد سواء

وشاركت المرأة في عصر الرسالة في الجهاد ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ا يصحب في غزواته في كل مرة إحدى نسائه والشواهد من التاريخ كثيرة ، التي تدل على مشاركة المرأة في الجهاد كأمثال أم عمارة " نسيبة المازنية " وأم سليم وصفية بنت عبد المطلب ومنهن من كانت تخرج لتقوم على مداواة الجرحى مثل رفيدة بنت الحارث .

وأباح الإسلام للمرأة الخروج لتلقي العلم في المدرسة أو الجامعة بشرط المحافظة على حجابها وتمسكها بأخلاقها الحميدة ، وأجاز للمرأة أن تذهب إلى الطبيب في حالة عدم وجود طبيبة مسلمة ، وأجاز لها البيع والشراء ويمكن للمرأة أن تخرج لتدلي بشهادتها في قضية عادلة ، ويجوز لها أن تخرج للعمل إذا لم تجد من يقوم على قضاء حوائجها الضرورية ، فقد قال تعالى في سياق قصة موسى عليه السلام :( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ).([39][37])

فإذا شاركت المرأة في الحياة العامة واقتضى ذلك خروجها من بيتها فعليها أن تلتزم بالآداب الشرعية من الحشمة في ملبسها وغض بصرها ، ولا تخضع بالقول ، ولا تتكلف بصوتها ، ولا تتثنى في مشيتها لتلفت أنظار الرجال إليها . فقد قال تعالى :

( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ ) ([40][38]) وتحاول الابتعاد عن الرجال قدر المستطاع .

فإذا اتبع الرجل والمرأة أحكام الشرع في الارتباط والزواج , فيجب على كل منهما أن يحتمل صاحبه , ويبذل كل ما في وسعه لإسعاده ,وإدخال السرور إلى قلبه  فيكون الرجل حصناً منيعاً للمرأة تأوي إليه , فهي مع الزوج المؤمن وردة متفتحة تعطي وتزهر بالعطاء وتقوم بأداء مهمتها على أكمل وجه .

وكذا المرأة يجب عليها أن تكون واحة غنّاء يأوي إليها الرجل فيجد في ظلها السكن والراحة , وتكون له البلسم الشافي,الذي يداوي جراحه, والماء الزلال الذي يروي عطشه, والنور الساطع الذي يستنير به حينما تدلهم الخطوب وتشتد الكروب . وبذا يكون الرجل كادحاً صابراً على هموم الحياة لأنه رافق امرأة صالحة تعينه وتخفف عنه أعباء الحياة ومعاناتها  .

 

 


 

([1][23]) البداية والنهاية 8/294–295 .

 

الحياة الزوجية بين الحقوق والواجبات

 إن التشريع الإسلامي قد  كفل للزوجين حياة آمنة مستقرة فوضع أحكاماً شرعية تبين ما لكل منهما من حقوق , وما عليه من واجبات . وقد تولت السنة النبوية تفصيل هذه الحقوق والواجبات ,وكيفية تعامل الرجل مع زوجته , وما هي  الصفات التي يجب على المرأة المسلمة أن تتصف بها حتى تكون زوجة صالحة .فها هو  رسول الله صلى الله عليه وسلم ا يبين صفات المرأة الصالحة عندما سُئل أي النساء خير ؟ قال :

( التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره ) رواه أبو داود والنسائي  بإسناد حسن .

صفات المرأة الصالحة :

1. حسن الطاعة : والطاعة تعني الاستجابة لأمر الزوج إذا أمر بالمعروف  ويجب أن تكون الطاعة نابعة من القلب ، وفيما يرضي الله سبحانه وتعالى فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا :( لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ) رواه مسلم .

وعلى الزوجة طاعة زوجها فيما يخص المعاشرة الزوجية فقد قال رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا :

( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه ) أخرجه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع

وهذا الحديث يدل على وجوب طاعة المرأة لزوجها وهي مأجورة على هـذا العمل وطاعة الزوج من طاعة الله عز وجل .

ومن قبيل الطاعــة أن تحفظ زوجـهـا في غيبتـه فـلا تدخل أحداً إلى بـيـتـه ، وتحفـظ مالــه فـلا تنفــق منـه إلا في الــمعروف ، فقـد قــال تـعـالى:( َالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ). ([41][1])

فاحرصي أختي الزوجة على حسن الطاعة لزوجك فهي مورثة للحب والرضى , ومقوية للرباط  بينكما , واعلمي أن مخالفة الزوج تولد البغضاء والكراهية وتوغر صدره عليك مما يجعل حياة الأسرة عرضة  للشقاق والاختلاف الذي ينتهي غالباً بالطلاق .

2. حسن المظهر والهيئة : التجمل أمر فطري عند الإنسان فمبدأ التجمل هو للرجال والنساء وكذلك السمت الحسن ،عن عبدالله بن مسعود قال :( قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم ا إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنةً قال : إن الله جميل يحب الجمال ) رواه مسلم ، وعن عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قـال:( خيرالنساء من تسُرّك إذا أبصرت ... ) رواه الطبراني .

ولا يعني حسن المظهر أن تكون المرأة جميلة حسناء ، لأن الجمال أمر نسبي ، وجمال المرأة هو دينها وحسن خلقها وأدبها ، والمرأة الحكيمة  هي التي تتفنن في كيفية إظهار جمالها لزوجها ، وهذا لا يعني منع الرجل من الزواج بامرأة جميلة إذا كانت على خلق ودين ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) متفق عليه .

3. التودد إلى الزوج : وذلك بالتعامل معه بكل احترام وتقدير ، حتى تطيب خاطره وتدخل السرور إلى قلبه , وتحسن مخاطبته بالكلمة العذبة التي تذهب عنه التعب والنكد , فإذا اقترب موعد حضوره قامت للقائه واستقبلته بأجمل تحيه . والتودد يكون أيضاً بحسن ثنائها على زوجها في غيابه , وإذا أحضر لها شيئاً شكرته على حسن صنيعه وهذا يزيد من إعجاب الرجل بزوجته وزيادة حبه لها , وتتودد المرأة لزوجها أيضاً  بتعهدها لنظافة جسمها فتحافظ على صفات الفطرة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ا :( من الفطرة حلق العانـة , وتقليم الأظفـار , ونـتف الآبـاط وقـص الشارب )  رواه البخاري .

وتتودد المرأة لزوجها بأن ترضيه إذا غـضب فقد قال رسول صلى الله عليه وسلم ا :( ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة ؟ الودود ، الولود ، العؤود ، التي إذا ظلمت قالت هذي يدي في يدك لا أذوق غمضاً حتى ترضى ) رواه الدار قطني .

ومهما اجتهدنا في تفسير وفهم معاني التودد فلن نبلغ ما أفهمته أم حكيمة وهي أمامة بنت الحارث لابنتها عندما أوصتها ليلة زفافها فقالت :

[ أي بنيـة : إنك فارقت الجو الـذي منه خرجت ، وخلفت العش الذي فيه درجت ، إلى وكر لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه فأصـبـح بملكه عليك رقيباً ومليكاً ، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشريكاً .

يا بنية : احملي عني عشر خصال تكن لك ذخراً وذكراً :

الصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن الطاعة ، والتعهد لموقع عينه ، والتفقد لموضـع أنفه ، فلا تقع عينه منك على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب ريح ، والكحل أحسن الحسن ، والماء أطيب الطيب المفقود ،والتعهد لوقت طعامه ، والهدوء عند منامه ، فإن حرارة الجوع ملهبة , وتنغيص النوم مبغضة , والاحتفاظ ببيته وماله , والإرعاء على نفسه وحشمه , فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير والإرعاء على العيال والحشم حصن التدبير , ولا تفشي له سراً  ولا تعصي له أمراً فانك إن أفشيت سره لم تأمني غدره ، وان عصيت أمره أوغرت صدره واعلمي أنك لن تصلي إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك وهواه على هواك... ]. ([42][2])

فإذا أردت أن تعيشي أختي المسلمة حياة زوجية ترفرف السعادة بين أرجائها فاحملي هذه الوصية البارعة واجعليها نبراساً تهتدي به لتنعمي بحياة زوجية هادئة هانئة ومستقرة .

4. الرضى بما قسم الله : فهي تعلم أن الأرزاق بيد الله وأن الحياة الزوجية شركة حقاً ولكن رأس مالها ليس المال وإنما الحب في الله فإذا كان الرجل محباً لزوجته في الله فهو يعمل كل ما يرضيها ويسعدها , وكذلك الزوجة بدافع الحب في الله تتقبل الحياة التي يرضاها الزوج , وتساعده على تخطي صعوبات الحياة فلا ترهقه بمطالبها الكثيرة بمواكبتها للموضه في مجال اللباس وتغيير ديكور المنزل وأثاثه بين الحين والآخر ، فقد قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( ارض بما قسم الله لك تكن أسعد الناس ) رواه الترمذي .

فالمرأة الصالحة شاكرة لربها معترفة بفضل زوجها عليها , غير شاكية ولا متذمره , وإذا حـصـل بـينها وبينه خلافٌ فلا تكثر الجدال فيه حتى لايتسع وتزيد الهوة بينهما .  وكما قال الشاعر :

خذي العفو مني تستديمي مودتي
ولا تنقريني نقرك الدف مرة
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالقوى
فاني رأيت الحب في القلب والأذى
 

 

ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإنك لا تدرين كيف المغيَّب
ويأباك قلبي والقلوب تقلَّب
إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهَب

ولا تتطلع إلى الدنيا وزينتها حتى تشبع نهمها فقد وقفت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يطالبنه بزيادة النفقة فنزل قوله تعالى :( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ).([43][3]) وعندما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ا بينه وبين زينة الحياة الدنيا اخترنه ففرح بهذا الاختيار . فلنا في أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ا قدوة حسنة .

ولا تستغربي حصول الخلافات الزوجية فهي أمر عادي , ولو خلا منها بيت لخلا منها بيت النبوة , ولكن إذا حصل خلاف فيجب الوقوف على السبب المباشر لهذا الخلاف حتى يسهل إيجاد الحل المناسب له , ولا يصح إثارة المشاكل السابقة حتى لا تصبح الخلافات كثيرة ومتراكمة ويستعصي حلها , بل يجب التركيز على نقاط الاتفاق , ومناقشة نقاط الاختلاف بهدوء وروية للوصول إلى حل نهائي . ويجب أن يسرع كلا الزوجين بإجراء المصالحة حتى لا يكون هناك مجال  للشيطان ليدخل إلى القلوب ويزرع الفرقة بينها , واعلمي أختاه أن الحياة الزوجية تحتاج إلى مدة قد تطول أو تقصر ليتعرف كلا الزوجين على طباع الآخر,ومن ثم يحصل الانسجام والتوافق بينهما . لتبحر سفينة الحياة بهدوء وثبات وتصل إلى شاطئ الأمان بإذن الله

5. الصبر والتوكل على الله تعالى : فإذا كان الزوج فقيراً صبرت حتى يغير الله تعالى الحال إلى ما هو أفضل فهي موقنة بأن الله عز وجل لن يضيع عباده فالفقر أو الغنى ابتلاء واختبار من الله تعالى لعباده المؤمنين . وهي مؤمنة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ) صحيح الجامع الصغير .

فقد روى البخاري بما معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء إبراهيم عليه السلام بزوجته هاجر وابنها اسماعيل من فلسطين إلى مكة المكرمة تلك الصحراء القاحلة التي لا زرع فيها ولا شجر ولا بشر . و تركها وابنها وترك معهما جراباً من تمر وسقاء فيه ماء وعندما سألته عن سبب تركها وابنها وحيدين في هذا المكان الموحش لم يجبها فقالت له : آلله أمرك بهذا ؟ أجابها : نعم . قالت : إذن لا يضيعنا . فبهذه الثقة وهذا اليقين والمنطق الحكيم تقبلت هذا الأمر العظيم . وانطلق سيدنا إبراهيم عليه السلام راجعاً إلى فلسطين واستقبل البيت ورفع يديه متضرعاً  إلى الله :( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ). ([44][4])

وبقيت هاجر وابنها تأكل التمر وتشرب الماء وترضع طفلها حتى نفذ الماء ذات يوم فانطلقت تمشي طالبة الحصول على الماء تعتلي الصفا حيناً وتنزل إلى المروة حيناً وبقيت ذاهبة آيبة بين هذين الجبلين سبع مرات حتى بعث الله ملكاً على هيئة طير فحفر بجناحه الأرض حتى ظهر الماء فأخذت هاجر تزم الماء بيديها وتشرب وتسقي طفلها , وإكراماً للسيدة هاجر ولصبرها وحسن توكلها , فجر الله تعالى عين زمزم قرب البيت الحرام فهي شرب وشفاء للناس , وقد جعل الله تعالى من مناسك الحج

والعمرة السعي بين الصفا والمروة ولقد قال تعالى:( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ).([45][5])

6. تشارك زوجها الحياة بحلوها ومرها : فهي معه في السراء والضراء تثبته وتواسيه فهذه خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها تقف إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم ا تخفف عنه عندما جاءها فزعاً مرعوباً حينما نزل عليه الوحي فقالت له :( كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكَل ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ) رواه البخاري . فرفعت معنوياته وبثت الأمل في قلبه حتى غدا قوياً متحمساً لدعوته  .

وتبقى إلى جانب زوجها حتى يحقق أهدافه في الحياة وكلما حقق هدفاً بثت في قلبه النشاط والحماس لإنجاز هدف آخر ، فهناك الكثير من النساء كن خير معين لأزواجهن على تخطي صعوبات الحياة , فأعطته قبل أن تأخذ منه , وهيئت له ظروف الالتحاق بركب التحصيل العلمي حتى وصل إلى قمة المجد والعلياء وأصبح رمزاً يشار إليه بالبنان , فشاركته فرحة الإنجاز وأحاطته بالثقة العالية حتى حقق أحلامه , وبذلك تنطبق عليها مقولة " وراء كل رجل عظيم امرأة  "وكما قال الرافعي رحمه الله :[ إن المرأة العظيمة هي المرأة التي تستطيع أن تجعل من الرجـل شخصية أعظم منها ] .

7. الوفاء للزوج : فالزوجة الوفية حلم كل رجل مسلم , فهو لا يحب أن يفتح عينيه ويجد زوجته وقد فارقته إلى غيره , بل يحب أن تظل وفية له تقاسمه تقلب الحياة في السراء والضراء , صابرة على البلاء , تذكر حسناته وتتغاضى عن هفواته . حتى بعد مماته تبقى وفية للعشرة الزوجية , ولنا في نائلة زوجة عثمان رضي الله عنهما قدوة حسنة , فعندما هجم الأعداء ليقتلوه في بيته وقفت مدافعة عنه حتى هوى السيف على يدها فقطع أصابعها , وبقيت صابرة متماسكة حتى جن الليل وجمعت المسلمين غير هيابة ولا واهمة ,حتى تم دفنه ، وبقيت وفية له حتى بعد موته حيث خطبها رجال كثيرون ومن بينهم معاوية ابن أبي سفيان فقالـت لمن جـاءها بالخبر :( ما الذي يعجب معاوية فيّ ؟ فقيل لها : أجمل ما فيك وكان أجمل ما فيها ثناياها فقلعتهـا وبعثت بهـا إلى معاويـة وقالت : حتى لا يطمع الرجال فيّ بعد عثمان ).([46][6])

[ وهذه آمنة بنت الشريد يلاحق معاوية زوجها فلم يجده فيقبض عليها حتى يصل إلى الزوج وعندما تمكن من الإمساك بزوجها فقتله ثم قطع رأسه ، وبعث به إلى آمنة وهي قابعة في السجن تصلي وتعبد الله ، يدخل عليها رسول معاوية ويلقي في حجرها رأس زوجها فارتاعت ونظرت إلى الرأس ولكنها تماسكت ومدت يدها نحو الرأس والدموع في عينيها ، وهي تقول : واحزناه نفيتموه عني طويلاً وأهديتموه إليّ قتيلا فأهلاً وسهلاً بمن كنت له غير قالية وأنا له اليوم غير ناسية ثم رفعت رأسها نحو رسول معاوية وقالت له : ارجع إليه وقل له يتم الله ولدك وأوحش منك أهلك , ولا غفر الله لـك ذنبك, فأرسل إليـها معاوية يؤنبـها ويقول : ءأنت صاحبة هذا الكلام ؟ فقالت : نعم . غير نازعة ولا معتذرة ولا منكرة له فلعمري لقد اجتهدت بالدعاء إن نفع الاجتهاد , وأن الحق لمن وراء العباد , وما بلغك شيء من جزاءك وأن الله بالنقمة من ورائك  ].([47][7])

حقوق الزوجة على زوجها

 

قد تعترض بعض النساء على كثرة الواجبات والصفات التي يجب على المرأة أن تتصف بها وتلتزم بأدائها ، فمن حسن الطاعة ، إلى الصبر والتضحية واللباقة والرقة في الكلام ، وحسن التعامل مع الزوج وأهله ، والحفاظ على بيته وماله وولده , وتقف مستنكرة ومتسائلة :

ألا من حقوق للمرأة على الرجل ؟ خاصة أن المرأة في عصرنا الحاضر تشارك الرجل معظم جوانب الحياة , فهي زوجة وأم ومربية وعاملة خارج البيت أيضاً ، ومع ذلك فإن الرجل محتفظ ومتمسك بوظيفته الأساسية وهي أنه رب الأسرة يأمر فيطاع ويأخذ حقوقه كاملة غير منقوصة , لا يتغاضى عن أي زلة قد تقع فيها الزوجة ؛ وله الكلمة الأولى و الأخيرة في البيت؛ وإذا ما طلبت منه الزوجة أن يساعدها في العناية  بالأطفال كأن يحمل أحدهم أو يسكته حتى تقوم بإنجاز ما عليها من أعمال ، تجده ثائراً في وجهها عابساً متبرماً صارخاً قائلا ً : إن هذا ليس من اختصاصه ولا من شأنه ، فهي الأم والمربية وهي التي يجب عليها القيام بإدارة شؤون البيت متناسياً أنها تعمل خارج البيت لتساعده في توفير عيش أفضل له ولأولاده . فمتطلبات الحياة أصبحت كثيرة وراتب الزوج وحده لا يكفي لتوفير حياة هانئة مستقرة ، ينال كل فرد فيها ما يحتاجه من متطلبات العلم والصحة والغذاء والمسكن .

ولا شك أن التعامل مع المرأة بهذه الطريقة فيه ظلم وحيف ،فهناك أصول شرعية تبين للرجل كيفية التعامل مع زوجته لتتحقق العدالة في مؤسسة الأسرة التي هي حجر الأساس في بناء المجتمع .

وسوف أعرض لعظمة شريعتنا الغراء في هذا المجال ، فقد أقرت بأن هناك حقوقاً مادية ومعنوية واجتماعية للمرأة على الرجل ومنها :

1. حق النـفـقـة :

ويشمل المأكل والمشرب والملبس والمسكن فقد قال تعالى :( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ).([48][8])

فحق القوامة للرجل لأنه هو الذي يتقدم لخطبتها طالباً الزواج منها؛ وهو الذي يدفع المهر ، وهو المكلف بالإنفاق عليها . والقوامة لا تعني القهر والاستبداد ولا تعني إهدار شخصية المرأة والتقليل من شأنها لأن المرأة شريكة الرجل في هذه الحياة ويجب أن تقوم هذه الشراكة على التفاهم والتشاور فيما يخص شؤون الأسرة .

2 . توفير السكن المستقل المريح  :

فقد قال تعالى :( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ).([49][9])

و السكن المستقل للزوجة هو من أسباب السعادة الزوجية  ودفعاً للحرج الذي قد يلحق بالزوجة  إذا سكنت مع أهل زوجها ؛ويجب أن يكون السكن متناسباً مع متطلبات العصر  و تتوفر فيه مقومات  الحياة الضرورية ، فعن معاويه بن حيدة رضي الله عنها قال :( يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال :أن تطعمها إن طعمت , وتكسوها إذا اكتسيت , ولا تقبح  الوجه , ولا تضرب ). وفي رواية أخرى :( ولا تهجر إلا في البيت , كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض , إلا بما حل عليهن ) رواه أبو داود .

أما كيف كان رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم يتعامل مع زوجاته ليكون قدوة للرجال في تعاملهم مع زوجاتهم . فقد سُئلت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ايصنع في بيته ؟ قالت :( كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ) أخرجه البخاري . وقال ىلص ملسو هيلع هللا :( خيركم . خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) أخرجه الترمذي وصححه .

إذن فإن الرجل لو شارك زوجته بعض أعمال المنزل فإن ذلك لا يقلل من شأنه , فرسولنا العظيم كان يشارك نسائه أعمال البيت ، ومشاركة الرجل في تربية الأبناء أمر واجب عليه , و كونه عطوفاً علـيـهم فإن ذلك يرفع من شأنه عندهم .  وإلقاء المسؤولية كلها على كاهل المرأة وحدها إلى جانب عملها خارج البيت أمر فيه ظلم وحيف، يجعلها تئن تحت وطأة الواجبات الكثيرة الملقاة على عاتقها . فالرجل دائم الطلبات ولا يعفيها من أي عمل واجب عليها, متناسياً قول الله تعالى :( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  ) ([50][10]) ، فقد قررت هذه الآية أن هناك حقوقاً للنساء مثل ما عليهن من واجبات فلهن حسن العشرة ولهم عليهن الطاعة ، وقد قال بعض المفسرين إن الدرجة هي في الميراث والجهاد ، وقال آخرون هي درجة الأمر والطاعة .

وقال ابن عباس :[ وللرجال عليهن درجة تعني صفح الرجل عن بعض الواجب الذي له على الزوجة وإغضاؤه عنه فأنا ما أحب أن استنظف - آخذ -  جميع حقي عليها وهذا ما رجحه الطبري في تفسيره ]. وأمـا القوامـة فهي لـلرجل ولا خلاف في ذلـك .

أما إذا تبين للزوج أن هناك طبعاً سيئاً في زوجته فلا يعني هذا أنها امرأة غير صالحة للحياة الزوجية, لأن حكمة الله تعالى اقتضت أن الكمال ليس من طبيعة البشر . وقد قال رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا :( لا يفرك - لا يبغض - مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر ) رواه أحمد ومسلم .

ويحضرني قول الشاعر :

من ذا الذي ما ساء قط 
 

 

ومن له الحسنى فقط
 

 

3. المعاشرة بالمعروف :

فقد قال تعالى :( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا  )  ([51][11])، والمعاشرة بالمعروف من المبادىء و الأسس المهمة التي تعين على بناء حياة زوجية  ناجحة ومستقرة , ترفرف السعادة على أرجائها . شعارها المحبة والمودة , والاحترام المتبادل بين الزوجين , والحوار بالكلمة الطيبة, والرفق واللين بعيداً عن العنف والشتم ، فلا يجوز للرجل أن يشتم زوجته ولا أن يعاملها بقسوة وعنف ولا يلجأ إلى الضرب إلا إذا استنفذ جميع وسائل الوعظ والإرشاد وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية الضرب فقد روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عرفة فقال :( ... فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربهن ضرباً غير مبرح ....)  رواه مسلم

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت :( ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ا شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم ) رواه مسلم .

وقد رأى الشعبي جاراً له من كندة يفزع امرأته ويضربها فقال فيه :

رأيت رجالاً يضربون نسائهم
أأضربها من غير ذنب أتت به
فزينب شمس والنساء كواكب
 

 

فشلت يميني يوم تضرب زينب
فما العدل مني ضرب من ليس يذنب
إذا طلعت لم يبدو منهن كوكب

ومن المعاشرة بالمعروف طلاقة الوجه وإظهار السرور عند محادثته لزوجته فقد قال رسول الله ىلص ملسوهيلع هللا :( ..... والكلمة الطيبة صدقة....) رواه البخاري ، ومن أولى من الزوجة بهذه الصدقة ؟ فإن الكلمة الرقيقة العذبة تمنح المرأة الراحة والرضى والثقة بزوجها أكثر .

وأعلم أخي الزوج رعاك الله أن الكلمة الطيبة والقول الحسن هي من أسس العلاقة الزوجية الحميمة ، فإن كلمة طيبة واحدة تستطيع أن تبني بيوتاً قائمة على المودة والرحمة ، فالزوجة تفتخر بالكلمة العذبة التي يقولها زوجها وكأنها ملكت الدنيا وما فيها ، فلتكن الملاطفة والرفق شعار المعاشرة في الحياة الزوجية ، حينها ستسعد أيها الزوج وتشعر بدفء الحنان والعطف يدب في أعماق قلبك . وأما زوجتك فيصبح قلبها مفعماً بمحبتك وستندفع بكل قوة إلى خدمتك بابتسامتها المشرقة التي تعلو وجهها  لتبدد الكآبة والجمود الذي قد يخـيم على أرجاء المنزل  بين الحين والآخر ، فالنساء كالورود ومن أراد أن يشم الورد فلا بد أن ينال منه الشوك . والكمال لله وحده وليس من صفات البشر ، قال الشاعر :

ومكلف الأيـام ضـد طباعها 
 

 

متطلب في المـاء جذوة نـار 
 

وبناءً على ذلك يجب على الرجل أن يكون واعياً متفهماً لطبيعة المرأة ومن ثم يحسن التعامل معها بالرفق واللين والصبر عليها ، [ فقد جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو سوء خلق زوجته فوقف على بابه ينتظر خروجه فسمع امرأة عمر تخاصمه وتعاوده بلسانها وعمر ساكت لا يرد عليها فلما سمع الرجل ذلك انصرف راجعاً وقال : إن كان هذا حال عمر مع زوجته فكيف بحالي أنا ؟ وخرج عمر من بيته فرأى الرجل راجعاً فناده : يا هذا ما حاجتك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين جئت إليك أشكو سوء خلق زوجتي فسمعت ما كان من زوجتك وقلت إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف بحالي ؟ فقال عمر : يا أخي إني احتملها لحقوق لها علي إنها طابخة طعامي وغاسلة ثيابي ومرضعة أولادي وليس ذلك بواجب عليها, فأنا أحتملها لذلك, فقال الرجل : يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي . فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة ].

وتذكر أخي الزوج أن التغاضي عن تعقب صغائر الأمور في البيت يرسي أركان الحياة الزوجية مما يعطي فرصة ليسود جو الانسجام والسرور في الأسرة .

ومن المعاشرة بالمعروف أن يكرمها ويكرم أهلها بذكرهم بالخير ومبادلتهم الزيارات وتقديم العون لهم إذا احتاجوا .

ومن المعاشرة بالمعروف أن يداويها إذا مرضت ويصبر عليها حتى لو طال مرضها ، فإن ذلك من حسن وفاء الزوج لزوجته وأن يباشر العناية بها بنفسه [ ولقد ضرب لنا عثمان بن عفان مثلاً أعلى للزوج  الذي يقوم على رعاية زوجته بنفسه إذا مرضت . فقد تغيب عن غزوة بدر لأن زوجته رقية بنت رسول الله كانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أقم معها ولك أجر من شهد بدراً وسهمه ]. رواه البخاري  .

ومن المعاشرة بالمعروف الوفاء للزوجة حتى بعد وفاتها فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ا يثني على أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ويبالغ في تعظيمها حتى أن عائشة قالت ما غرت من امرأة مثل ما غرت من خديجة من كثرة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ا يذكرها . فقد روى مروان بن معاوية عن وائل بن داود عن عبد الله البهي قال : عن عائشة قالت :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم ثناء عليها واستغفاراً لها فذكرها يوماً ، فحملتني الغيرة فقلت : لـقد عوضك الله من كبيرة السن . قالت : فرأيته غضب غضباً  أسقطت من خلدي - القلب – وقلت في نفسي اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء فلما رأى رسول الـله ما لـقيت قـال : كيف قلت ؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس؛ وآوتني إذ رفضني الناس؛ ورزقت منها الولد وحرمتموه مني . قالت فغدا وراح علي بها شهراً ).([52][12])

فالرجل العاقل يتخذ من الزوجة سبيلاً لتدريب نفسه على الصبر والاحتمال وسعة الصدر؛ وبالخلق الحسن وحسن المعاشرة يؤدي لها حقها وبالحزم الحكمة يتحقق له القوامة عليها.

ولقد اطلعت على شكاوى كثير من النساء خلال تعاملي معهن في  المحاضرات والدروس ،ومنها أن هناك بعض الأزواج يتجاهلون حقوق المرأة الواجبة عليهم كالمعاملة الحسنة بالكلمة الطيبة التي هي الأساس المتين الذي تبنى عليه علاقات المودة والرحمة . ويحرمون أنفسهم وزوجاتهم من سعادة قد تكون كامنة في كلمة فيها مؤانسة ومجاملة يقولها أحدهما للآخر ، بحجة أن وقت المجاملة والملاطفة قد مضى وانتهى ، أو بحجة زحمة العمل وضيق الوقت الذي يستنفذ كل طاقاتهم  لتحقيق أهدافهم الماليه أو العلميه أو السياسيه . فهناك رجل الأعمال الذي يقضي معظم وقته خارج البيت متنقلاً بين عقد الصفقات التجارية ومتابعة أسعار العملات من علو وهبوط و أحوال التجارة من ربح وخسارة .

وهناك الرجل العالم المتعلم فهو في بحث دائم بين أمهات الكتب تارة قارئاً وتارة كاتباً ومرة مسافراً لحضور المؤتمرات العلمية أو المنتديات الفقيهة التي تعقد هنا وهناك وما أن يحصل على درجة علمية حتى يهم في الوصول إلى أخرى .

وهذا معلم المدرسة يقضي وقته بين الكراسات وتحضير الدروس وتصحيح الامتحـانات ووضع الدرجات ، وإن كان هناك وقت متوفر فإنه يعمل عملاً آخر في المساء .

وهذا رجل الدعوة وصاحب الكلمة هو في السجن تارة ،وخارجه تارة أخرى  تعلو وجهه الهموم وشرود الذهن ، وكأنه يحمل هموم العالم فوق ظهره .

والمصيبة الأدهى والأمر ، إذا كان رجل ممن طمس الله على قلوبهم فأعمى بصائرهم وأبصارهم فهو دائم السهر خارج البيت يرتاد الأماكن المشبوهة ويمارس الأعمال المحرمة يعود آخر الليل فاقد الوعي خائر القوى .

وقد يقال إنني أبالغ في هذا الوصف ولكن هي صور ونماذج لبعض الرجال  أخذت  تظهر على الساحة في واقعنا المعاصر . فإذا كان لمثل هذه الحالات وجود في مجتمعنا , قل لي بربك ما مصير العلاقة الزوجية في ظل غياب الرجل عن بيته  وإهماله لواجباته اتجاه زوجته وأولاده ؟

إن الواحد من هؤلاء لا يلبث أن يستيقظ من غفلته فإذا هو في واد وزوجته وأولاده في واد آخر ، ولسوف يتجرع العناء والشقاء جراء هذا الإهمال والتقصير ، حتى إذا مرت السنون وكبر الأولاد, وأصبحوا شباباً صاغ كل واحد فيهم  حياته بالطريقة التي يريد , بعيداً عن رعاية الأب وتوجيهه , وأما الزوجة فقد بدت ملامح الكبر على وجهها , وأخذ الشيب يخط شعرها , وأخذت مشاعر الجفاء تسري في قلبها محدثةً شرخاً بينها وبين الزوج , فهي قد أمضت حياتها صابرة محتسبة ومتحملة لغياب الزوج عنها وتركه لواجباته الزوجية , حتى إذا أفاق الرجل من غفلته بعد أن حقق أحلامه العلمية أو التجارية أو السياسية , وأراد أن يندمج في حياته من جديد مع زوجته وأولاده ,شعر بالغربة عنهم وبذهاب الشعور العاطفي نحوهم محملاً الزوجة المسؤولية عن هذا الأمر, متناسياً أنه هو السبب في وصول حياة الأسرة إلى هذا الحال من الفتور والجمود وقد يعترض البعض فيقول : إذن أين الزوجة الصابرة المخلصة الوفية لزوجها إذا كانت النساء تشتكي حال الزوج الناجح في عمله , ألا يكد ويتعب من أجلها وأجل أولادها ؟ ألايصنع المجد والسمعة ليصبح له مكانة مرموقة في المجتمع وأيضاً ليكون لأولاده وزوجته احترام وتقدير بين الناس  ؟

إن هذا قول صحيح, ولكن هذا لا يعني أن يكون النجاح على حساب مشاعر الزوجة وأحاسيسها فماذا يعني نجاح الرجل في تحقيق أحلامه  وهو لا يراعي فقه الموازنات والأولويات في حياته مع زوجته وأولاده ، فإن الزوج الناجح حقاً هو الذي يجتهد في إعطاء كل ذي حق حقه , ولا يجعل اهتمامه في جانب واحد من الحياة يطغى علىاهتمامه  بالجوانب الاخرى ، فما الفائدة من رجل أعمال ناجح وصلت تجارته آفاق الأرض فحقق الكثير من الأرباح حتى أصبح من رجال الأعمال المرموقين في المجتمع لكنه فشل في مد جسور المودة والمحبة بينه وبين أهل بيته .

وما الفائدة من رجل خطيب مفوه استطاع بالكلمة القوية المؤثرة أن يجمع بين قلوب كثير من الناس من كل حدب وصوب . لكنه فشل في جمع أولاده وزوجته حوله ليكونوا عوناً له في حمل الأمانة وتبليغ الرسالة ونشر العلم لينتفع به الآخرون  فيرثوا عنه المجد والعلم والفقه .

ما الفائدة من رجل داعية مصلح استطاع أن يصلح أحوال المجتمع .فأصلح بين كثير من الناس . لكنه في زحمة هذا العمل الناجح نسي أهل بيته فكانوا بحاجة لمن ينظر في حالهم و يصلح من أمرهم , حتى أنهم لم يظفروا منه ولو بوقت قصير ليستمع إليهم ويلبي مطالبهم ويحقق لهم ما يحلمون به من أمنيات , ولم يشاركهم التخطيط لمستقبلهم , ولم يغمرهم بحبه بعطفه .

وقد يقال: إذن أين الأم الصالحة التي تربي وتعلم وتقوم على رعاية النشأ  ؟ أليست هي خليفة الأب في حال غيابه ؟

والحقيقة: أن الأم مهما كانت صالحة ومتعلمة وواعية فإنها لن تستطيع أن تحل محل الأب فتعوض الأبناء عن عاطفة الأبوة اللازمة لبناء شخصيتهم وتحقيق ذاتهم, لأن وجود الأب على رأس الأسرة وقيامه بدور القيادة والتوجيه له أثر كبير في صياغة مواقف أفرادها وتحديد دورهم في البناء الإجتماعي .

فهذه المرأة التي تصبر وتضحي من أجل سعادة أبنائها وزوجها تريد أن تأخذ كما تعطي . تريد من يقدر لها هذه الوقفات المشرفة . لا أن تقابل بالإهمال وعدم الاهتمام  بوجودها , ونسيان فضلها في نـجـاح أفراد الأسرة وارتقائهم سلم المعالي  . فمن المعروف أن الزوحة إذا شعرت بالإهمال تحول قلبها  العطوف الحنون إلى صخرة صماء , حتى تتبلد فيها المشاعر والأحاسيس , فلا تكن أخي الزوج  سبباً في حرمان نفسك وزوجتك من مشاعر السعادة والتي كل رأسمالها الكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة التي هي قوت القلوب وحياتها . فلئن يجلس الزوج مع أبنائه وزوجته يجمع قلوبهم على محبته ويحيطهم بعطفه وحنانه , ويغمرهم بمشاعره الفياضة خير له من جمع الأموال الطائلة التي ستكون أخيراً سبباً في قطع حبل الود بينه وبين زوجته وأولاده  . فالحياة الزوجية الناجحة أثمن بكثير من المال والذهب فالحب القائم على التفاهم والتوافق أجره عند الله تعالى عظيم . ولقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الوسائل التي تعين الزوج على غرس  السعادة  في  قلب زوجته  فقال صلى الله عليه وسلم ا:( إرموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا وأن كل شيء يلهو به الرجل باطل . إلا رمية الرجل بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق ومن نسي الرمي بعدما علمه فقد كفر الذي علّمه ) رواه مسلم .

وقال صلى الله عليه وسلم ا أيضاً : ( دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك ) رواه مسلم .

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوج الرفيق بزوجته حتى أنه كان يداعب عائشة فيناديها يا عائشُ ويدعوها فيسابقها فتسبقه ويسبقها ويواريها بردائه لتشاهد لعب الأحباش في ساحة المسجد .

وقد كان عطوفاً رفيقاً بأولاده حتى أنه كان يقول فاطمة بضعة مني وكان يحب أولادها الحسن والحسين حباً جما حتى أنه كان يحملهما على ظهره ويمشي . فيقول : نعم الجمل جملكما . وقد كان أحياناً يصلي وهو يحمل أمامة ابنة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها ، إلى جانب ذلك فقد ضرب لنا رسولنا الكريم مثلاً أعلى باحترامه لرأي المرأة , ففي صلح الحديبية أمر رسول الله ىلص صلى الله عليه وسلمالصحابة رضوان الله عليهم أن ينحروا هديهم فقال :( قوموا فانحروا ثم احلقوا ، قالها ثلاثاً . فما قام منهم أحد فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما كان من المسلمين . فقالت : يا نبي الله أخرج إليهم ولا تكلم  أحداً حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك . نحر بدنه ودعا حالقه فحلق فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً ... ) أخرجه البخاري .

وقد يقال هذا النموذج هو لرسول يوحى إليه من السماء , لذلك فقد كان قادراً على إقامة التوازن في جميع أمور حياته فمن أين للرجل في عصرنا الحالي من أوقات يستطيع من خلالها أن يقوم بكل الواجبات التي عليه لزوجته وأولاده وأقربائه وأصحابه ؟ وللرد على ذلك أذكر قول الأستاذ سيف الدين حسن البنا :[ لقد كان والدي يحرص على تطبيق السنة تطبيقاً متناهياً وعندما تزوج حرص أن يعرف أقارب زوجته فرداً فرداً وأحصاهم عداً وزارهم جميعاً رغم بعد أماكنهم وكان رحمه الله يفاجئ والدتي بأنه اليوم قد زار فلاناً لأنه يمت لها بصلة القرابة , كذلك كان دقيقاً في رعايته لشؤون بيته رعاية كاملة غير منقوصة فكان يكتب بنفسه الطلبات وكل أنواع المواد الاستهلاكية التي يحتاجها المنزل شهرياً ويدفعها إلى أحد أصحاب البقالة ليوفرها كل شهر وكان رحمه الله يشعر بثقل التبعات الملقاة على زوجته فعمل على أن يكون بجوارها دائماً خادمة تساعدها في أعمال المنزل ] .

وتقول ابنته الدكتورة ثناء :[ لقد كان رحمه الله هادئ الطبع واسع الصدر هيناً ليناً لم أذكر أن صوته ارتفع على أحد في البيت لأي سبب من الأسباب ... كان يعاون والدتي في بعض أعباء البيت رغم انشغاله في أعباء الدعوة لقد كان ملماً بكل صغيرة وكبيرة في البيت فكان يعرف كل شيء يخص البيت لدرجة أنه كان يعرف موعد تخزين الأشياء كالسمن والبصل والثوم ... وتقول : لقد كان عطوفاً رحيماً بنا كنا لا نحس فيه الغلظة أبداً بل كان يغمرنا بالمودة والعطف وكان يدخل البيت متأخراً في الليل وبكل هدوء حتى لا يزعج أحداً من النائمين وكان يدخل فيطمئن على غطاء كل الأبناء ].([53][13])

فهذا مجدد الدعوة في القرن العشرين الإمام حسن البنا يضرب لنا مثلاً أعلى في  تعامل الرجل مع زوجته وأبنائه . ولكم فيه معشر الرجال أسوة حسنة .

فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ا الذي يوحى إليه من السماء يعلي من شأن النساء وكان يوصي بهن خيراً , فكان يستشير نسائه في أمور المسلمين العامة , فما بال الرجال في عصرنا يقللون من شأن المرأة ولا يقيمون وزناً لرأيها في  أمور الحياة .

 

الأم  ينبوع الفضيلة ومدرسة القادة

 رغم أن التشريع الإسلامي حمَّل الرجل والمرأة مسؤولية رعاية وتربـيـة الأبناء ، إلا أن الأم تبقى هي الألصق بالطفل , فهي التي تحمل به , وترضعه , وترعى شؤونه كلها , فهي التي تعطيه من بدنها حتى ينمو جسمه , وهي التي تسهر على راحته حينما تلمح سقمه ، وهي التي تربيه على فضائل الأخلاق والتقى والعفاف  ، فهي كما قال الشاعر حافظ إبراهيم :

الأم مدرسة إذا أعددتها 
 

 

أعددت شعباً طيب الأعراق
 

ويبقى السؤال كيف يمكن أن تقوم العملية التربوية وفق معايير الشرع الإسلامي ونحن نعيش وسط مجتمع يعج بالمتناقضات ؟ وقد يظن البعض أن إيجاد الجيل المؤمن الرباني هو ضرب من المستحيل . ولكن الناظر في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح ، يوقن إمكانية وجود الجيل المؤمن بربه المستقيم في سلوكه وخلقه ، ولكن مثل هذا الجيل لن يوجد بين عشية وضحاها بل يحتاج إلى رعاية طويلة الأمد وجهود متتابعة وتربية متأصلة الجذور  ، فهذا رسولنا الكريم  صلى الله عليه وسلم ومعلمنا الأول يرسم ويقرر لنا الأسس والمبادىء التي تعيننا على إنشاء وبناء الأسرة المسلمة ، فيقول :( ألا كلكم راعٍٍٍ وكلكم مسؤول عن رعيته . فالأمير الذي على الناس راعٍٍ وهو مسؤول عن رعيته ,والرجل راع على أهله وهو مسؤول عنهم ,والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم , والعبد راع في مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) رواه الشيخان .

فهذا الحديث يوضح لنا أن تربية الأبناء منوطة بالرجل والمرأة . فهناك تكامل بينهما في موضوع التربية ولن  تكون سليمة بغياب أحدهما عن الساحة . وهذه المنهجية في التربية هي التي تسهم في بناء الأسرة على أساس من السكن والمودة والتراحم ، ولأن مراحل التربية في الإسلام كلها هامة  فهي مترابطة لا يمكن فصل بعضها عن بعض فكل مرحلة تمهد للأخرى , وقد أولى الإسلام مرحلة الطفولة عناية خاصة ، فهي المرحلة الأساسية في حياة الطفل ، فكل ما يغرس فيها من فكر وأخلاق وعادات تثبت مع الطفل طيلة عمره ويصعب تغييرها فيما بعد ، وعلى هذا فإن مسيرة التربية والبناء في الإسلام تبدأ من حين عقد النية على الزواج  واتخاذ الأسباب الناجحة من أجل ذلك ، وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ا فقد قال صلى الله عليه وسلم ا:( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) أخرجه الشيخان .

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً :( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم والبيهقي .

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً :( تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم ) رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي . فإذا أحسن الرجل اختيار الزوجة وفق معايير الشرع الحنيف ؛ فقد أحسن إلى ولده بحسن اختياره لأمه . كما قال الشاعر :

وأول إحساني إليكم تخيري 
 

 

لماجدة الأعراق بادٍ عفافها
 

وكذا المرأة إذا أحسنت اختيار الرجل كما أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ا فكان الدين هو أساس الإرتباط في الزواج ، فقد أحسنت إلى ولدها بحسن اختيارها لأبيه .

وإذا ما تم الزواج وكان على أساس  المنهج الرباني فإن إيجاد البيت المسلم وتربية الجيل سيكون أمراً سهلاً ويسيراً إن شاء الله . لأن حسن الاختيار سوف يوفر  الحضن الدافىء والبيئة الصالحة التي ترعى الذرية  وتحافظ على نقاءالفطرة السليمة

فالقضية هنا قضية الذرية التي تأتي بإذن الله فهي قضية الإنسان وقضية الناس كافة في مشارق الأرض ومغاربها . وكيف لنا أن نتحدث عن حقوق الأنسان إذا لم نرع حقوقه في بيته وأسرته التي تمثل الحق الأول والأهم في حياته .

وعلى هذا فهناك أمور كثيرة أرشدنا إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم تعيننا على تربية الطفل من أول يوم لولادته ، وهي من حقوقه على والديه :

1. التأذين في أذن المولود : وذلك بعد الولادة مباشرة والحكمة في ذلك حتى يكون أول ما يسمعه الطفل هو كلمات الأذان التي تتـضمن توحيد الله وتعظيمه . فقد روى أبو رافع   فقال :( رأيت رسول الله ىلص صلى الله عليه وسلمأذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة ) رواه أبو داوود والترمذي .

2. تحنيك المولود : وهو تدليك فم المولود بالتمر أو أي مادة حلوة وذلك حتى تتقوى عضلات الفم ، فقد جاء  في الصحيحين من حديث أبي بردة عن أبي موسى t قال : ولد لي غلام فأتيت رسول الله ىلص ملسو هيلع هللافسماه إبراهيم وحنكه بالتمر ودعا له بالبركة ) ويستحب أن يقوم بالأذان والتحنيك أهل التقوى والصلاح تيمناً بصلاح المولود .

3. أن يحسن اسمه : فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ا إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آباءكم فأحسنوا أسمائكم ) رواه ابو داوود بإسناد حسن .

4. العقيقة عن المولود : فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ا :( كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عند يوم سابعه  ويحلق رأسه ويسمى ).

5 .حلق رأس المولود يوم سابعه والتصدق بوزنه فضة فإن حلق شعره يساعد على تفتيح مسامات الرأس وتنشيط الدورة الدموية في الدماغ ، والتصدق يؤدي إلى التواصل والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم .

6. الختان : وذلك من أجل المحافظة علىصحة المولود من بعض الأمراض التي تضره فيما بعد .

7 . الرضاعة : فإن لها أهمية بالغة في توفير الغذاء الكامل للطفل وهي لا تقف عند الناحية الغذائية فحسب  بل هي حضانة ورعاية وحنان وعطف تعطيه الأم لطفلها . والتي سيكون لها الأثر الطيب  فيما بعد على  شخصيته وسلوكه .

هذه بعض الحقوق الواجبة للطفل عند ولادته ولكل واحدة حكمتها الخاصة بها , والتي تعتبر حجر الأساس الأول في تربيتة , وعلى الأبوين أن يحرصا على تطبيقها حتى ينشأ ولدهما صالحاً تقياً .

وفي خلال السنة الأولى من عمر الطفل تكون العناية به منوطة بالأم أكثر من الأب ، ولو كان للأب دور فهو  بسيط في هذه المرحلة ، فالرضاعة والنظافة والترتيب ، كلها من مهمة الأم وخلال قيامها بهذه الأمور تستطيع أن تبدأ بعملية التربية فترسم الملامح الرئيسيـة لشخصيـة الطفل ، فهي من خلال العناية بنظافته في أوقات محددة  تعلمه الانضباط , وعندما ترضعه ثم تضعه في سريره لينام تغرس في نفسه السمع والطاعة ، وإذا تركته يبكي لبعض الوقت فلا تحمله وتلقمه ثديها كلما بكى تعلمه الصبر وسعة الصدر . وأثناء عملية الرضاعة يستقي الطفل من أمه طباعها الحسنة وأخلاقها السامية ، فينشأ على العزة والإباء والاستعلاء على الباطل وتغرس فيه حب الله ورسوله فتردد على مسامعه الله ربي ومحمد رسولي والقرآن كتابي ، وعندما تضعه في السرير لينام تنشد له  :

الله معي الله معي

 

الله شاهدي الله ناظري 
 

وإذا انزعج في منامه فصرخ في ظلمة الليل فإنها تعوذه بآيات القرآن الكريم ، كقراءة المعوذات وآية الكرسي ، فبذكر الله تطمئن القلوب . ولا تستهين بهذه الأمور فإن الطفل يسجل  في ذاكرته كل كلمة يسمعها منذ اليوم الأول لولادته ، وعندما يستطيع النطق بالكلام فانه يســتـعمل الكلمات التي سيجدها منقوشة في شريط ذاكرته .

وإياك أختي الأم والزمجرة في وجه طفلك حتى ولو كان عمره أشهر ، فإنه سينشأ مثلك عصبي المزاج ، وهذه الصفة ممقوتة ، بل أكثري الدعاء له كلما أزعجك ببكاءه بقولك : عافاك الله ، يرحمك الله يا ولدي . لا حول ولا قوة إلا بالله ، ولو أسمعته شريطاً من القرآن سوف يساعده ذلك على النوم بهدوء ، قال الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا
 

 

على ما كـان عوّده أبوه

ولكل امرء من دهره ما تعوّدا وحتى يتحقق لك ذلك , عليك أن تكوني على قدر من النشاط واللباقة والحركة والقدرة على تدبير الأمور بحكمة وروية ، لتكوني بحق ,أماً يشع من صدرها الحنان ،ومربية هي منبع العلم و الفضيلة ، وقدوة حسنة لأبنائها فإن لسان الحال أبلغ من لسان المقال .

 

التربية من سن الثالثة حتى سن المراهقة

 

التربية الإيمانية :

في السنة الثالثة يجب أن نبدأ بتعليمه بعض مبادىء التربية الايمانية وهي :

1. غرس مبادىء العقيدة في قلب الطفل وأولها  التقوى فهي التي تمنع الفرد من الوقوع في المعصية وتنمي لديه الخوف والخشية من الله تعالى .فلقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ا أهمية التقوى في حياة الفرد فقال : (التقوى ههنا وأشار إلى صدره ثلاثاً ) . وذلك بلفت نظره إلى جمال الكون وأن الله تعالى هو الواحد الخالق المبدع له

2. تعويده على طاعة الوالدين,وذلك بسماع كلامهما وعدم رفع صوته عليهما والتأفف والضجر من نصائحهما له . فقد قال الله تعالى :   ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ).([54][1])

وإذا بلغ سن السابعة وهو سن التمييز يعلم العبادات ، أولها الطهارة والصلاة فقد قال رسول الله ىلص ملسو صلى الله عليه وسلم :( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشـر وفرقوا بينهم في المضاجع ) رواه الحاكم وأبو داود .

وكذلك الترويض على الصوم في شهر رمضان ، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم ا غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار ( من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ،ومن أصبح صائماً فليصم فكنا نصوم ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن - الصوف المصبوغ - فإذا بكى أحدهم أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار )

والحكمة من تعليمه الصلاة لسبع سنين حتى ينشأ في رعاية الله ، ويتعود على أدائها في أوقاتها منذ نعومة أظفاره ، لأن الصلاة هي الحبل الذي يصله بربه فيجعله قوياً صلباً وبها يتهذب سلوكه وينشط جسمه وتطمأن نفسه , وتنتظم حياته وتجعل منه إنساناً مدركاً لقيمة الزمن فيحرص على وقته فلا يضيعه دون فائدة ، فالصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ، ومن هدمها هدم الدين وهي العلامة التي تميز المسلم عن غيره من الناس .

ويجب ترويضه على الخشوع في الصلاة ليكون من عباد الله العارفين فقد قال الله تعالى :( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ).([55][2])

ويجب تعليمه إخلاص النية لله عز وجل فقد قال تعالى :( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ).([56][3])

ويجب تقوية روح المراقبة لله تعالى في أقواله وأفعاله بدافع ذاتي من نفسه ، فقـد قـال رسول الله ىلص ملسوهيلع هللا عندما سئل عن الإحسان :( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لـم تكن تراه فإنه يراك ). رواه البخاري ومسلم

 

التربية الاجتماعية :

تعليمه منذ نعومة أظفاره على الالتزام بالآداب الاجتماعية ومنها :

1. حب الآخرين من أصدقائه وإخوانه ,لأن المشاعر الأخوية تولد في نفس المسلم أصدق العواطف النبيلة , مثل التعاون والإيثار ، والرحمة والعفو والتسامح  ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري ومسلم .

2 .آداب الطعام والشراب وتحفيظه الأحاديث والأدعية الخاصة بذلك . فيأكل بيمينه ويشرب بيمينه وأن يبدأ دائماً باليمين في كل أفعاله اتباعاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك )  رواه مسلم .

ومن هديه صلى الله عليه وسلم ا أن يقول المسلم عند بداية الأكل بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار ، وإذا انتهى من طعامه يقول :( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين )  رواه أحمد ، وألا يبدأ بالطعام قبل من هو أكبر منه سناً .

وأما الشرب فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :( لا تشربوا واحداً كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا أنتم رفعتم ) رواه الترمذي .

وأن لا يتنفس في الإناء ولا يشرب من فم الإناء ، لأن ذلك منافٍ للذوق الإجتماعي  فقد ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ا أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه ). رواه الترمذي .

3. إذا أراد النوم في سـريره نعلمه أن ينام على جنبه الأيمن ويدعو الله تعالى  فقد قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم ( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوئك للصلاة ،ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ،لا ملجأ ولامنجا إلا إليك،آمنت بكتابك الذي أنزلت ،ونبيك الذي أرسلت ) رواه البخاري ومسلم .

4. المحافظة على نظافة نفسه وثيابه, وكيف ينظف نفسه إذا دخل الحمام  فقد ثبت في الصحيحين أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم ا كان يقول عند دخوله الخلاء ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) وعند الخروج من الحمام يقول:( غفرانك الحمد الله الذي  أذهب عني الأذى وعافاني ) رواه النسائي وابن ماجة ، وكيف يحافظ علىنظافة غرفته وأدواته ولايعبث بأثاث المنزل لأن النظافة والترتيب من معالم شريعتنا الغراء .

5 . آداب النظر والاستئذان فقد قال تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِذَا بـَلَغَ الْأَطْفـَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ).([57][4]) فلا يجوز أن ينظر الأطفال إلى عورات بعضهم بعضأ ولا أن يناموا معاً في فراش واحد حتى ينشأ الطفل على الحياء .

ويجب أن يستأذن الطفل قبل دخوله غرفة أبويه حتى لا يفاجأ ا برؤيتهما على هيئة لا يحسن أن يراهما عليها . وكم لهذه القضية من خطورة بالغة على نفوس الأبناء لو أنهم رأوا من أبويهم ما يشين الخلق ويخدش الحياء .

 

التربية التعليمية :

إذا أتم الطفل السنة الرابعة نبدأ بتنمية الجانب العقلي عنده ، وذلك بتلقينه كل ما هو نافع من العلوم الشرعية والعلوم الأخرى ، كأن يحفظ شيئاً من القرآن والحديث النبوي الشريف فقد قال رسول الله ىلص ملسو هيلعهللا  :( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) رواه ابن ماجة ، وقال ىلص ملسو هيلع هللا أيضاً : ( أدبوا أولادكـم عـلـى ثلاث خصال : حب نبيكم , وحب آل بيته ,وتلاوة القرآن ,فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله ) رواه الطبراني .

وقد نصح علماء التربية من سلفنا الصالح ، البدء بتعليم الطفل القرآن الكريم بمجرد استعداده جسمياً وعقلياً لذلك , ليتعلم اللغة العربية وترسخ في ذهنه معالم الإيمان والعقيدة ، فقد رأى الفضل بن زيد امرأة تحمل ابناً لها فأعجبه منظره فسألها عنه فقالت :(  إذا أتم خمس سنوات أسلمته إلى المؤدب فحفظ القرآن فتلاه وعلمه الشعر فرواه , ورُغِب في مفاخرة قومه ولقن مآثر آبائه وأجداده , فإذا بلغ الحلم حملته على أعناق الخيل ، فتمرس وتفرس , ولبس السلاح ومشى بين بيوت الحي وأصغى إلى صوت الصارخ المستغيث … )([58][5]) فانظري أختاه إلى هذه المرأة الذكية كيف وضعت خطةً ومنهجاً لتربية ولدها منذ نعومة أطفاره .

ويمكن أن نبعثه إلى روضة الأطفال ليتعلم القراءة والكتابة ونحرص على أن تكون إسلامية ولا يجوز أن نرسله إلى المدارس التبشيرية بحجة أن يتعلم اللغات لأن ذلك سيوقعه في مأزق نفسي , ففي البيت نعلمه الخلق الإسلامي والعقيدة الربانية ، وهو يرى في الروضة أو المدرسة ما هو مخالف لما نعلمه تماماً ،وليكن معلوماً لدينا أن  الطفل الذي ينشأ ويتربى في أحضان أم متعلمة واعية وأسرة مؤمنة بربها لن يستعصي عليه فهم أي علم في المستقبل بإذن الله .

وحتى يكون الولد طفلاً ذكياً وموهوباً ومواظباً على دروسه ,علينا أن نتعامل معه بأسلوب الحوار البناء ، لنتعرف على رغباته وميوله , ونهتم بتحقيقها , ويجب الإصغاء له , واحترام رأيه , والحرص على الإجابة على تساؤلاته مهما كانت في بسيطة أو معقدة .

ويجب الإهتمام بمشاركته اللعب على مختلف ألوانه من ممارسة الركض معه مثلاً أو بناء وتركيب المجسمات وقراءة القصص الهادفه , وتعليمه التخطيط لحياته ومستقبله بسؤاله ماذا يريد أن يكون في حياته وترغيبه في الدراسة بتحفيزه بالطرق المختلفة التي تشحذ ذهنه وذاكرته , حتى يستطيع أن يتخطى الصعوبات التي تواجهه في المدرسة بكل ثقة وطمأنينة .

ويجب أن نتعاون مع المدرسة في الوقوف على المستوى العلمي للطفل ,إذا ما بعثوا لنا ليناقشوا ما يخص مستوى الطفل من تقدم دراسي أو تأخر فعلينا الاهتمام بذلك  والاستجابة لطلبهم بأقصى سرعة لمتابعة مستواه العلمي بكل عناية . فكثيرًا ما تشتكي المعلمات من الوالدين حيث يرسلن إليهم لمتابعة أطفالهم في الروضة أو المدرسة من أجل بيان ضعفهم في التحصيل العلمي لكنهم لا يأبهون لذلك ولا يلقون لهذا الأمر بالاً ، وكأن الموضوع لا يعنيهما لا من قريب ولا من بعيد ولا يخص ولدهما بشيء ، إن هذا الإهمال سيكون وبالاً على الأسرة قبل الولد ، فما الفائدة من إنجاب الأولاد إذا لم يكونوا أفراداً صالحين في المجتمع ؟ وكيف سيكون حالهم في المستقبل ونحن نعيش في عصر التقدم العلمي والتكنولوجي ؟ وأي مكانة ستكون لهم في هذا الزمان ؟ إن حالهم هذا تماماً مثل حال اليتيم الذي لا أم له ولا أب  قال الشاعر :

ليس اليتيم من انتهى أبواه
إن اليـتيم هو الذي تلقـى له
 

 

من هم الحياة وخلفاه ذليلاً
أماً تخلت أو أباً مشغولاً
 

فالأسرة هي المركز التعليمي الأول الذي يضع المنهج السليم الذي يضمن للطفل مستقبلاً أفضل وليس المدرسة فقط ، فالبيت والمدرسة يكمل أحدهما الآخر في هذه المرحلة .

وقد تعترض بعض النساء فتقول  إن هذه الأمور صعبة جداً ، فكيف للأم التي تنجب عدداً من الأولاد أن تقوم بالتربية والتوجيه الصحيح لهم ؟ والذي أراه أن الأم إذا أحسنت تربية الطفل الأول فإن مهمة تربية الآخرين ستكون أسهل لأنها تكون قد تعودت على التعامل مع الأطفال وأصبح عندها خبرة في معرفة الأسلوب الأفضل لتربيتهم  وتنشئتهم وفق المبادىء الإسلامية الساميه .

وإذا كانت حكيمة ومنظمة في إدارة منزلها فإنها ستجد الوقت الكافي  لتجلس مع ولدها وتعلمه كل ما تريد ؛ فقد كنت في بداية حياتي امرأة عاملة وحفظت ابنتي الكبرى سوراً من القرآن الكريم قبل دخولها المدرسة وعلمتها الحروف والأعداد والكتابة ، ورغم ضيق  الوقت وقلة الفراغ  إلا  أنني كنت أتابعها , وأرى ماذا  كتبت أو أستمع إلى ما حفظت ، فالنظام  والتخطيط لإدارة شؤون البيت يعين على إنجاز الأعمال وتدبير الأمور بدقة وبسرعة . وإذا رأت الأم أنها غير قادرة على تربية الـعدد الكبير من الأطفال ، فقد أجاز لها الإسلام أن تنظم النسل فتجعل فترة بين الطفل والآخر حتى تستطيع أن تعطي كل طفل حقه من الرعاية والعناية , لأن التربية عملية بناء للإنسان من جميع جوانبه الشخصية ، إيمانياً وفكرياً  , ونفسية خاشعـة , وعاطفة صادقة ,وذلك لإعداده للقيام بالأمانة العظمى التي حملها الله له وهي التمكين لدينه  في الأرض .

 

التربية الأخلاقية :

وأولها خلق الصدق : نعلمه حب الصدق . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ا :  (  إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما زال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً  ) متفق عليه .

وقد روى العالم الرباني الشيخ عبد القادر الجيلاني فقال :[ خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم فأعطتني أمي أربعين درهماً استعين بها على النفقة وعاهدتني على الصدق فلما وصلنا إلى أرض همدان خرج علينا جماعة من اللصوص فأخذوا القافلة فمر واحد منهم وقال لي ما معك قلت أربعون ديناراً فظن أني أهزأ به فتركني فرآني رجل آخر فقال ما معك فأخبرته بما معـي فأخذني إلى كبـيرهم فسألني فأخبرته فقـال : ما حملك على الصدق ؟ قلت : عاهدتني أمي على الصدق فأخاف أن أخون عهدها فأخذت الخشية رئيس اللصوص فصاح ومزق ثيابه . وقال : أنت تخاف أن تخون عهد أمك وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله ثم أمر بردِّ ما أخذوه من القافلة ، وقال : أنا تائب لله على يديك ، فقال من معه : أنت كبيرنا في قطع الطريق وأنت اليوم كبيرنا في التوبة فتابوا جميعاً ].([59][6])

وثانيها احترام الكبير والعطف على الصغير : يجب تعليمه كيف يكون رحيماً عطوفاً على الصغير محترماً للكبير . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا ) رواه أبو داود والترمذي .

وثالثها أدب الحديث : نعلمه حسن المنطق وآداب الكلام بالإصغاء إلىمن هو أكبر منه سناً ، فقد روي أن البادية قحطت أيام هشام بن عبد الملك فقدمت القبائل إلى هشام وفيهم درواس بن حبيب وعمره ( أربع عشرة سنة ) فأحجم القوم وهابوا هشاماً ووقعت عين هشام على درواس فاستصغره فقال لحاجبه ما يشاء أحد أن يصل إليّ إلا وصل حتى الصبيان ففهم درواس أنه يريده فقال : يا أميـر المؤمنين إن القوم قد جاءوا لأمر  فأ حجموا دونه ، فإن الكلام نشر والسكوت طي ، ولا يعـرف الكلام إلا بنشره . فقال هشام : فانشر لا أبا لك ، وأعجبه كلامه ، فقال : يا أمير المؤمنين أصابتنا ثلاث سنين فسنةٌ أذابت الشحم وسنةٌ أكلت اللحم وسنةٌ نقت العظم وفي أيديكم فضول أموال فان كانت لله ففرقوها على عباد الله المستحقين لها وإن كانت لعباد الله فلم تحبسونها عنهم ؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها فإن الله يجزي المتصدقين . واعلم يا أمير المؤمنين أن الوالي من الرعية كالروح من الجسد لا حياة للجسد إلا به . فأمر هشام أن يقسم في باديته مائة ألف درهم وأمر له بمئة ألف درهم فردّها وقال : أعطها أهل باديتي ليس لي حاجة من دون عامة المسلمين ).([60][7])   وقدحرص خلفاء الدولة الإسلامية على تنشئة أولادهم على مكارم الأخلاق فهذا الخليفة عبد الملك بن مروان يقول لمن يؤدب ولده :[ علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن واحملهم على الأخلاق الحميدة ، واروهم الشعر وجالس بهم أشراف الرجال وأهل العلم منهم ، وجنبهم السفلة ، ووقرهم في العلانية وأنبهم في السر ، واضربهم على الكذب ، فان الكذب يدعو إلى الفجور والفجور يدعو إلى النار ].

وروى ابن خلدون في مقدمته أن هارون الرشيد لما دفع ولده الأمين إلى المؤدب قال له :[ يا أحمر ، إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه فصيّر يدك عليه مبسوطة ، وطاعته لك واجبة ، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين ، أقرئه القرآن ، وعرفه الأخبار ، ورّوِهِ الأشعار ، وعلمه السنن ، وبصره بمواقع الكلام ، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته ، ولا تمرنَّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدةٌ تفيده إياها ، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه ، وقوّمه ما استطعت بالقرب والملاينه فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة ] ([61][8]).

وقد يستعظم بعض الناس هذه الأمور كيف يمكن للطفل أن يتعودها وينشأ عليها . ولكن الناظر المتدبر للأمر لا يستكثر هذا على الطفل فكما قال الشاعر :

وليس ينفعهم من بعده أدب
ولا يلين لو لينته الخشب

 

 

قد ينفع الأدب الأولاد في صغرٍ
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت

 

فإذا شب الولد وترعرع وتفقه في أمور الحياة والدين وعرف الحلال من الحرام وأصبح دين الإسلام منهجه واستقام على هداه , علينا أن نعلمه آداب النظر لأن في ذلك صلاح أمره وهذا يستدعي تعريفه بالنساء المحرمات عليه كأخته وجدته وخالته وعمته ، وأنه لا يجوز أن ينظر إلى النساء غيرهن لأن ذلك بداية الفتنة ، ولا بد من تحذيره من الإختلاط مع الجنس الآخر ، فقد قال رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا  فيما يرويه عن ربه :( النظرة سهم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه ) رواه الطبراني والحاكم .وكذا نصنع مع البنت فنعلمها أحكام العبادات وما يتعلق بالحجاب والزينة وأحكام التعامل مع الرجال الأجانب وما هي الخطوط التي يجب الوقوف عندها  .

وهذا لا يعني أن يجتهد الآباء والأمهات بأن يكون أبنائهم نسخة عنهم في كل شيء فيتعاملوا معهم بأسلوب الشدة والغلظة . إن هذا لأمر صعب . فالزمن الذي تربى فيه الأب والأم غير الزمن الذي يتربى فيه الأبناء ، فلا بد من أخذ هذه القضية بعين الاعتبار ، ويجب اتباع المرونة في التعامل معهم وإلا فإن النتائج ستكون عكسية  ويحدث هوة بين الولد وأبويه ويصعب إيجاد التفاهم بينهم لتغيير سلوكه  .

 

 

 

أساليب التربية الصحيحة الناجحة

 

 

1. التربية بالحكمة والموعظة الحسنة : نربيهم على السمع والطاعة بالكلمة الطيبة والرفق واللين . وليكن وعظ لقمان لولده نبراسا لنا في توجيه وتربية أبنائنا فقد قال تعالى :( يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ان ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورَِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ان اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍوَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ان انكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ).([62][9])

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إذ يقول :( رحم الله والداً أعان ولده على بره ) وقال ىلص ملسو صلى الله عليه وسلم أيضاً : ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) رواه البخاري ومسلم .

وتكون التربية بالحكمة والموعظة الحسنة بما يلي :

أ. تقوية صلة الولد بربه : وذلك عن طريق ربط الولد بالمسجد لأنه من أعظم الدعائم التي يقوم عليها بناء المجتمع المسلم فبغير المسجد لا يمكن للولد أن يتربى على حب العبادة والشعور الروحاني بالتقرب لله تعالى ، ففي المسجد يستمع إلى الموعظة الحسنة , ويتعلم القرآن الكريم ويحفظه ، وينمو لديه الحس الجماعي, فينشأ على حب الناس في المجتمع المسلم فيشاركهم آلامهم وآمالهم وأفراحهم وأحزانهم , عدى عن ذلك تتربى في داخله مراقبة النفس وحب الله ورسوله فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا :بلى يا رسول الله ، قال :إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ) رواه مسلم  .

ويجب تنمية حب التقرب إلى الله بالنوافل عنده, مثل صلاة الضحى وقيام الليل وصلاة التراويح في رمضان , وصيام الإثنين والخميس من كل أسبوع , وصيام يوم عرفة والستة من شوال , لأن هذه القربات تنقي قلبه وتهذب من سلوكه .

ب. ربط الولد بمعلم ومرشد يتعلم على يديه تطبيق أحكام الشرع والأخلاق الحسنة ليقتدي به ,ويكتسب منه الصفات الإيمانية مثل حب العلم واحترام العلماء والشجاعة والمروءة , والجرأة في قول الحق ,ليكون قادراً على مقارعة الأعداء  بالكلمة القوية المؤثرة والحجة الدامغة المقنعة , يتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه بكل إرادة وعزم ، وبذا يكون شاباً يتقد قلبه حماسا لنصرة الإسلام وأهله كما قال الشاعر :

شباب ذللوا سبل المعالي
تعهدهم فأنبتهم نباتاً
كذلك أخرج الإسلام قومي
 

 

وما عرفوا سوى الإسلام ديناً
كريماً طاب في الدنيا غصونا
شباباً مخلصاً حراً أمينا
 

ج. ربط الولد بصحبة صالحة لديهم النضج العقلي والوعي الفكري  والفهم الصحيح عن الإسلام , ليكتسب قدرة علىحسن التصرف مع الآخرين وحنكة في تدبير شؤون حياته اليومية ,وتتحدد ملامحه الشخصية ويتعرف إلى الصورة الصادقة عن الإسلام الذي حمل لواءه أبطال كرام عظام ، فقامت بهم دولة الإسلام قوية مهابة الجانب لأنهم تعلموا وفقهوا أنه دين عبادة وعمل ومصحف وجهاد .

 

2. التربية بالملاحظة :

وذلك بملاحظة النمو الجسمي عند الأولاد وإرشادهم إلىاتباع العادات الصحيه السليمة في مأكلهم ومشربهم ومنامهم ، فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تلا قوله تعالى :( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) ثم قال :( ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ) .  ويمكن أن يلتحق الولد بمركز رياضي لكرة القدم مثلًا ، أو يمارس أي نوع آخر من الرياضة مع أبناء الحي أو مع شباب المسجد ،وبذلك ينشأ شاباً قوياً يتدفق نشاطاً وحيوية ، فقد قال رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ...) رواه مسلم .

وأيضاً بملاحظة سلوكه والعمل على تقويمه وفق  القواعد  التالية :

1. التعريض له في النصيحة بطريق غير مباشر , وهذا الأسلوب يعالج السلوك السيء الذي قام به الولد دون خدش لمشاعره أمام إخوانه أو الناس الآخرين . مما يحافظ على ثقته بنفسه وبالتالي يعطيه الفرصة ليغير من سلوكه إلى الأحسن .

2. مجالسة الأبناء وفتح باب الحوار والمناقشة معهم بكل هدوء وروية ,فإن جلوس الوالدين مع الأبناء يقوي روابط الألفة والمحبة بينهم , ويشعر الأبناء بحب الوالدين لهم وحرصهم علىتربيتهم وفق الأساليب السليمة التي توافق ميولهم ورغباتهم , وبالتالي يتقبلون النصائح من والديهم بكل صدر رحب  وقلوب محبة للخير .

3. معالجة الأخطاء التي يقع فيها الأبناء مباشرة حتى لا يتجاوزوا الحدود في ممارسة السلوكيات الخاطئة لظنهم أنها صحيحة , وقد اتبع رسول صلى الله عليه وسلم ا هذه الوسيلة عندما رأى غلاماً تطيش يده في الصحفة - أي تتحرك في جوانب الإناء - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يا غلام سمِ الله وكل بيمينك وكل مما يليك ).

4. توجيه النقد إلى سلوك الولد لا إلى شخصه , حتى لا يؤدي النقد إلى إحساسه بالإحباط ,ويشعر أنه غير مرغوب به في البيت , مما يجعله يتمسك برأيه ويعاند أبويه بدل أن يغير من سلوكه  إلى الأفضل .

5. الثناء : إذا قام الولد بعمل يرضي الوالدين يحمد ويشكر على صنيعه ويثنى عليه , ويكون ذلك بتقبيله أو بالربت على كتفه ، فهذا يعطيه القوة والثقة بنفسه أكثر . ولا ضير إذا لجأ الوالدان إلى بذل الحوافز المادية إذا كان السلوك الذي قام به الولد عظيماً ومميزاً كأن يحفظ جزءاً من القرآن أو مجموعة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يعني هذا أن نلجأ إلى الحوافز المادية كلما طلبنا من الولد أن يقوم بعمل معين بل نتبع هذا الأسلوب إذا لم تجد كلمات الثناء والملاطفة .

6. مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء . فلا يجوز للوالدين أن يعقدوا مقارنة بين ابنهم الأكبر والأصغر بقولهم انظر إلى أخيك فإنه يسمع الكلام ويحصل على علامات ممتازة  أما أنت فإنك لاتسمع ولا تطيع ولا تحافظ على دراستك ونتائجك ضعيفة في المدرسة  إن مثل هذا الكلام يحطم شخصية الطفل ويقوي السلوك العدواني عنده زيادة على أنه يحقد على أخيه ويتمنى أن لا يكون له أخ .

3 .التربية بالعادة :

إن تعويد وتأديب الولد على مكارم الأخلاق وآداب الشرع أمر سهل ويسير إذا توفرت له البيئة الصالحة والمربي الفاضل ، وذلك لأن الطفل يولد صفحة بيضاء ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ا : ( كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه أو يمجسانه ) رواه البخاري .

وقال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين :( والصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ، فإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك ، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ) .

4.  التربية بالقدوة :

هذا الأسلوب التربوي من أنجح أساليب التربية لأن المربي هو المثل الأعلى في نظر الطفل ومهما كان استعداد الطفل للخير كبيراً وفطرته سليمة لا يمكن أن ينشأ على الفضيلة ما لم يجد  المربي الذي يقتدي به . فقد كان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للصحابة لأنه  كان يطبق أحكام القرآن الكريم بنفسه قبل أن يعلمها لهم وعندما سئلت السيدة عائشة عن خلقه قالت (كان خلقه القرآن ) .

5. التربية بالعقوبة :

وإذا اتبعنا هذه الأساليب ولم ننجح فيها فلا بد حينها من اللجوء إلى العقاب ولا يعني العقاب الضرب ، فقد يكون بالتوبيخ أو التعزير أو بالمقاطعة فإن للمقاطعة فوائد  حيث تشعر الولد بالذنب وبالتالي سيعمد إلى تعديل سلوكه , والمقاطعة تكشف للوالدين مدى اهتمام الابن وحرصه على رضاهما . وقد يكون العقاب بحرمان الولد من أشياء يحبها من نشاطاتٍ وألعاب , وقد يكون العقاب بالإهمال وعدم إلقاء البال للسلوك السيء الذي يقوم به الولد لعله يكتشف خطأه بنفسه ويتعلم السلوك الصحيح دون تنبيه الوالدين له ، وآخر الدواء الكي وهو أن يلجأ الأب أو الأم إلى الضرب غير المبرح ذلك بعد التهديد والوعيد لإحداث الأثر المطلوب في تقويم سلوك الطفل .

ويجب أن يكون العقاب فقط في حالة تكرار الأخطاء وأن يكون على قدر الذنب فلا يجوز إيقاع العقاب القاسي على خطأ بسيط ولا يجوز أن نأمر أبناءنا بأمر لا يطيقونه فيعجزوا عن القيام به ثم نعاقبهم على ذلك  فالحكمة تقول " إذا أردت ان تطاع فأمر بما يستطاع ".

ويجب أن يكون الهدف من العقاب هو تصحيح خطأ الأبناء وليس لمجرد رغبة الأب أو الأم في فرض شخصيته عليهم وممارسة أسلوب التسلط والعنف ضدهم . فكما قال الشاعر :

فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً

 

فليقس أحياناً على من يرحم
 

وقد اتفق علماء التربية السابقون والمعاصرون على أن أثر العقاب في التربية والتعليم أضعف من أثر الثواب ، وأن أثر العقاب مؤقت بينما أثر الثواب مستمر فقد روى مسلم عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله ىلص ملسوهيلع هللا بعثه ومعاذاً إلى اليمن وقال لهما :

( يسرا ولا تعسرا وعلما ولا تنفرا ).

وقرر ابن خلدون في مقدمته أن القسوة في التربية نتائجها وخيمة فقال : [ إن من يعامل بالقهر يصبح حملاً على غيره , فهو عاجز عن الذود عن نفسه وشرفه وأسرته لخلوه من الحماسة والحمية , فقد كان مرباه بالعنف والقهر فهو قد تعود الذل والخنوع  ,ولذلك صارت له هذه عادة وخلقاً وفسدت معاني الانسانية التي لديه ].

وكم تكون حكمة الوالدين عظيمة وبالغة عندما يستعملان العقوبة في وقتها المناسب ويضعان الملاطفة والثناء في المكان الملائم أيضاً .ويجب أن يتفقا على أسلوب موحد في التربية حتى توءتي ثمارها وإذا اختلفا فإن جهودهما ستذهب هباء منثوراً.

وكما قال الأحنف بن قيس عندما سأله معاوية عن الولد قال :[ ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرض ذليلة, وسماء ظليلة , فإن طلبوا فأعطهم , وإن غضبوا فارضهم , ليمنحوك ودهم ويحبوك جهدهم , ولا تكن ثقيلاً فيملوا حياتك ويحبوا وفاتك ].

وقد يتبع الأبوان كل أساليب التربية والتوجيه ورغم ذلك ينشأ أبناءهم على خلاف ما يريدون فما هو السبب يا ترى ؟

1. لعل الوالدين كانا يعاملان الإبن بقسوة وشدة في كل حين فيعنفانه ويضربانه حتى على الذنب الصغير وهذا خلاف ما أرشدنا الله تعالى إليه حيث قال :( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ان اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ).([63][10])

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) رواه البخاري .

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً :( إن أراد الله تعالى بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق وإن الرفق لو كان خلقاً لما رأى الناس خلقاً أحسن منه وإن العنف لو كان خلقاً لما رأى الناس خلقاً أقبح منه ) رواه البيهقي .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ا :( الراحمون يرحمهم الله ارحموا من في الأرض  يرحمكم من في السماء ) رواه أبو داود والترمذي . فكوني أختي الأم رفيقة رحيمة بأولادك, وجالسي صغيرهم وكبيرهم , الذكر منهم والأنثى , لتعرفي كل ما يجول في خواطرهم , وليتعلموا الجرأة في الحديث والقدرة على الحوار والمناقشة , حتى لا يلجأوا إلى غيرك ويقعوا فيما لا تحمد عقباه فتخسريهم .

2. كثرة الشقاق والنزاع بين الأبوين على مسمع من الأولاد فإن ذلك يجعل شخصية الأبناء مضطربة قلقة فهم في خوف دائم من ابتعاد أحد الابوين عنهم , لذا  فهم يقضون معظم أوقاتهم خارج البيت حتى لا يسمعوا شجار أبويهم ، مما يضطرهم لمصاحبة من يكون أمامهم دون الإهتمام بموضوع الدين والأخلاق فيجرفهم التيار , ويلتفت الأبوان بعد فوات الأوان ليجدوا أبناءهم وقد حادوا عن الطريق المستقيم ولات حين مندم ,وقد يكون اختلاف الأبوين في أسلوب التربية هو سبب انحراف الأبناء .

3. وقد يهتم الوالدان بأبنائهم إلى درجة أنهم يحققون لهم كل ما يريدون ويوفرون لهم أسباب الراحة والسعادة حتى لا يشعر الأبناء بالحرمان من شيء ما في حياتهم ، وتأتي النتائج على عكس ما يريدون ، فقد نسي الوالدان أن كثرة التنعم والدلال والراحة يؤدي إلى الفراغ والخواء الروحي الذي  يؤدي إلى جعل الأبناء غير قادرين على الاعتماد على أنفسهم في تحقيق ما  يريدون في المستقبل  .

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إياكم والتنعم فان عباد الله ليسوا بالمتنعمين ) رواه الإمام أحمد ،  وقال الشاعر :

إن الفراغ والجدة مفسدة

 

للشباب أي مفسدة

ونسي الوالدان أن النفس إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر وعليهم أن يشغلوا أوقات فراغ الأبناء بما يفيدهم , وذلك إما بإلحاقهم بالنوادي الرياضية أو المراكز الثقافية ، لتعلم اللغات مثلاً ، أو أخذ دورات تعليميه لمواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية ، وكذا الفتيات فان الأم الواعية لا تترك ابنتها دون أن تستغل وقت فراغها ، بأن تلحقها بمركز ثقافي لتتعلم دورات في التجويد مثلاً ، أو دورات للتعلم على جهاز الحاسوب ، أو الإنترنت , أو دورة في تعليم الخياطة والحياكة , أو تعلم فن صنع الورود أوالتطريز مثلاً , والفتاة بحاجة أيضاً إلى أن تتعلم كيفية القيام بأعمال المنزل من طهي وتنظيف وترتيب ، والقدرة على مجاملة الآخرين حتى تكون ربة بيت ناجحة في حياتها ، وهذه الأمور منوطة بالأم فعليها أن لاتهملها .

4. وقد يكون سبب انحراف الأبناء هو مفاضلة الأبوين بين الأولاد ، فيكون الإهتمام بأحد الأبناء على حساب الآخرين ، مما يوغر صدور إخوته عليه فيكرهونه ويحبون التخلـص منه ، وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقـال :  ( سـاووا بين أولادكم في العطيـة ). رواه الطبراني
وقــال  صلى الله عليه وسلم أيضاً  :( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) . رواه البخاري ومسلم .

 


 

مرحلة التربية في سن المراهقة والشباب

 

وإذا بلغ الأبناء سن المراهقة فعلى الأب والأم أن يكونا أكثر تفهماً لحالتهم النفسية والفكرية والعاطفية ، فيجب غرس الثقة في نفوسهم وإعطائهم الفرصة للتعبير عما يجول في خاطرهم ، وإفساح المجال أمامهم للقيام بأعمال تشعرهم بقدراتهم الشخصية وإدراكهم لشؤون الحياة معتمدين على أنفسهم .

ولابد من الانتباه إلى التغيرات الفسيولوجية التي تظهر على الشاب والفتاة في هذه المرحلة ، فمظاهر الرجولة قد ظهرت على الشاب من النواحي الجسمية والفكرية والنفسية ، فهو يعمد إلى إثبات ذاته عن طريق إبداء رأيه في أمور الحياة اليومية ، ويتصرف ليلفت النظر على أنه قادر على الاستقلال برأيه وذاته . وكذلك الفتاة تعتريها تغيرات فسيولوجية مختلفة ، فهي دائمة الخجل والانزواء أحياناً أو الشعور بالإعتداد بالنفس أحياناً أخرى , وتشعر أنها أصبحت قادرةً على تدبير أمورها وممارسة نشاطاتها الأجتماعية لوحدها بكل ثقة وثبات .

ومرحلة المراهقة في عصرنا الحالي تعد من أخطر المراحل التي يمر بها الشباب فالشعور بالقلق والاضطراب الدائم الذي يسيطر على أذهانهم , وكثرة التساؤلات التي تتردد في صدورهم دون أن يجرؤ أحدهم على البوح بها لغيره , وتسهم طبيعة المجتمع الذي نعيشه في زيادة هذه المشاعر ، فهذا السفور والتبرج  وهذا الاختلاط بين الجنسين ، ووسائل الإعلام المختلفة من مجلاتٍ وجرائد وتلفاز وفضائيات والإنترنت ، كلها يسيطر عليها الفحش والفجور والإبتذال ولها الأثر الكبير في إثارة شهوات الشباب وعواطفهم  .

ولا بد أن تلفت الأم نظر الأب إلى الابن , فهو بحاجة إليه ليشعره برجولته وقدرته على خوض غمار الحياة بنفسه فيشجعه على ذلك ، ويتعامل معه على أساسٍ من التقدير والاحترام .

وإذا لم نستمع نحن لأبنائنا في  بيوتنا ولم نصغ إليهم في كل ما يسألون عنه وإبداء النصح لهم أثناء مواجهتم لمشكلات الحياة و مشاركتهم في إيجاد الحلول المناسبة لما يعترضهم من صعوبات , فسوف يلجأون إلى من يستمع إليهم خارج البيت , ويخالطون من هب ودب من أصحاب الشهوات الذين يتلقفون الشباب والفتيات فيزينون لهم سوء الأعمال ويغرونهم  بقليل من المال حتى يسقطوهم في شباك عصابات المخدرات والسرقات والجرائم اللاأخلاقية عن طريق الاختلاط المحرم . وبعد هذا الانحراف يصحو الشاب من غفلته ليجد نفسه وقد غرق في مستنقع الرذيلة من حيث لا يدري ، فينغلق على نفسه ويكره كل ما حوله ، ويعتريه الضعف والهوان .

وقد يقال : لماذا هذه الضجة حول مرحلة المراهقة ؟ وقد كانت في عصور الإسلام تمر كأيّ مرحلة من مراحل العمر . والسر يكمن في طبيعة الحياة ،حيث إن الشريعة الإسلامية كفِلت لكل فرد العيش بهدوء واطمئنان نفسي في مجتمع مسلم ملتزم بأحكام الشرع , فلا اختلاط ولا سفور ولا فضائيات تتولى عرض الجرائم التي  تؤثر سلباً على سلوكيات الشباب ، فمثلاً قضية الشهوات قد عالجها الرسول ىلص ملسو هيلع هللا فقال :( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) رواه الشيخان .

ولا ننسى أن الشاب إذا نشأ في طاعة الله منذ صغره فإن نداء الفطرة يصرخ في داخله ويحذره من مغبة الانسياق وراء الشهوات وأصدقاء السوء .

قال الدكتور ألكس كارليل في كتابه " الانسان ذلك المجهول ":( عندما تتحرك الغريزة الجنسية لدى الانسان تفرز نوعاً من المادة تتسرب بالدم إلى الدماغ وتخدره فلا يعود يقدر على التفكير السليم ).

ويكاد رجال التربية وعلماء النفس قديماً وحديثاً يجمعون على أن الظواهر اللاأخلاقية كالجنس والإباحية هي أفتك بالجسم من الأوبئة فهي تحطم الشخصية وتقتل الرجولة وتقضي على الشرف والعفاف .

وقد أدرك المستعمرون هذا العامل وقدرته على إفساد الجيل فقال أحدهم : [ كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع فأغرقوها في حب المادة والشهوات ].

وقالوا :[ يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا على الشباب وسنبقى نعرض العلاقات اللاأخلاقية في ضوء الشمس , لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس , ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسيه ].([64][1])

وفي هذه المرحلة يجب أن نلفت نظر الأبناء إلى الأمانة الكبرى التي عهد الله بها إلى بني البشر وهي أنهم خلفاء الله في أرضه وعليهم أن يمكنوا لتحكيم شريعته في قضايا المجتمع المعاصر على أكمل وجه . ولا بد من توجيه عقولهم للاهتمام بقضايا الأمة العامة في كل بلاد المسلمين , ويجب غرس حب العلم في نفوسهم وأن يكون طلبه خالصاً لوجه الله تعالى ، وأن العلم يجب أن يتبعه العمل , فقد ربط العلم بالعمل في معظم الآيات التي تتحدث عن الإيمان في القرآن الكريم

فقال تعالى :( وَالْعَصْرِ ان الْانسَان لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) . ([65][2])

فالعلم والعمل متتابعان وإن العلم هو الذي يعمل على الارتقاء بالأمم إلى سلم المعالي , فلا يجوز أن يكون العلم سبباً في إبعادهم عن كتاب الله وسنة رسوله ، خاصة وأن الجامعات عندنا فيها الكثير من الإغراءات التي تؤدي إلى انحراف الشباب عن جادة الحق والصواب . لذا يجب تذكيرهم بأن يحرصوا على اتخاذ الرفقة الصالحة عند دخولهم الجامعة فهي منعطف خطير في حياة الفرد .  فقد قال تعالى : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ))[66][3](.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ا :( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) رواه الترمذي . وقال الشاعر :

تمسك إن ظفرت بذيل حر

 

فإن الحر في الدنيا قليل

ولا بد من تنبيه الشباب إلى المخططات الاستعماريه ضد الإسلام والمسلمين فهذا المبشر زويمر أشهر مبشر في بلاد الإسلام يقول لتلاميذه :[ إنكم أعددتم نشأً في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية وهذا ما نريده ؛ لأن المسيحية تشريف له فهو جيل لا يهتم بعظائم الأمور ويحب الراحة والكسل ].([67][4])

 

دور الإعلام وأثره في عملية التربية

 

وأما وسائل الإعلام المنتشرة في عصرنا الحالي من التلفاز إلى الفيديو إلى الانترنت فهي سلاح  ذو حدين ، فإذا وجهت توجيهأ سليمأ  فانها تكون وسيلة خير لا شر، وإذا لم توجه فإنها خطر عظيم يداهم بيوتنا ويلعب دوراً كبيراً في نشر الفساد

والانحلال الأخلاقي في المجتمع .

ويعتبرالإعلام مصدراً أساسياً لنقل المعلومات والحقائق الثابتة للناس لتكوين فكر صائب حول قضية من قضايا الأمة المعاصرة , وعلى هذا لابد من معلم له القدرة على الإبانة والتأثير في النفوس , واستشعار المسؤولية العظيمة اتجاه الأمة عن طريق استخدام التقنيات الحديثة في إيصال المعلومات , والأهم من ذلك هو توظيف هذه التقنيات في التعبير عن حال الأمة والإسهام في المهمة التربوية للارتقاء بالفرد والمجتمع إلى الآفاق الفكرية الواعية , وعلى هذا يجب أن تكون قيادات الإعلام من أرقى الشخصيات العلمية ,من المتفقهين في الدين القادرين على استنباط الأحكام الشرعية للقضايا الإعلامية المعاصرة والمستجدة . لأن الاعلام هو صانع الأمة وسفيرها المعبر عن رسالة الإسلام ونشر تعاليمه إلى الأمم الأخرى .

وللأسف الشديد فإن أمة الإسلام تعاني من أزمة إعلامية فهي عاجزة عن تقديم صياغة جديدة  لنماذج ومواضيع تتوافق مع أصالتها الدينية .فهي في مكان التلقي والاستهلاك واستيراد المواد الإعلامية من الغرب دون التفريق بين الغث والسمين ودون الالتفات إلى خطورة التقليد لأفكار الغير ، وتأثيره على تربية الجيل الناشىء .

قال المختصون في مجال الإعلام إن الأمة التي لا تخطط لصياغة إعلامها وفق تراثها ومعتقداتها ، هي أمة فاشلة تحتاج إلى من يقودها ، وبالتالي ستكون تبعاً لغيرها فلا تستطيع أن تتحكم وتضبط ما يعرض على وسائل إعلامها .

وقالوا الإعلام هو المدخل الثقافي إلى الجماهير وإن عشرة من الإعلاميين المهرة يفوق تأثيرهم في المجتمع مليون كتاب .

وحيث إن الإعلام وسيلة خطيرة في توجيه الرأي العام العالمي وله دور كبير في تكوين القناعات والآراء السياسية والفكرية ، فهو يستطيع تحويل الضحية إلى قاتل والقاتل إلى ضحية وما حال الإعلام في بلادنا العربية عن ذلك ببعيد .

يجب على الأمة المسلمة أن تعمل على إعداد الكوادر البشرية في هذا المجال لضمان سيطرتها وتحكمها في جهاز الإعلام لترجع له دوره في العملية التربوية والتنمية الحقيقية للأمة ، عن طريق توظيف سائر التقنيات الحديثة لخير البشرية وامتلاك القدرة على التخطيط والتطهير والتنقية لكل ما يعرض ويذاع في أجهزة ووسائل الإعلام العصرية ، ابتداء من الفقرات الترفيهية إلى القضايا السياسية الساخنة وذلك بالكلمة الطيبة والوسيلة النظيفة لإعادة بناء الإنسان وتخليصه من براثن الأفكار السقيمة والأفلام الهابطة والمجلات المبتذلة والمسرحيات الماجنة .

ولا بد أن تتعاون  كافة وسائل الإعلام المختلفة من تلفاز وإذاعة وصحافة مع المسجد والمدرسة والمؤسسات التعليمية الأخرى للإرتقاء بالفرد والمشاركة في عملية تربيته وبناء شخصيته المميزة على أساس من الدين والخلق .

وحتى لا يكون هناك اختلاف في سياسة الأمة في توجيه الأجيال الناشئة , يجب أن يكون الإعلام هادفاً وإلا سيكون هناك من يبني وغيره يهدم مما يؤدي إلى بقاء أمة الإسلام في ذيل الأمم  كما قال الشاعر :

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه        
فلو ألف بانٍ خلفهم هادم كفى

 

إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فكيف ببان خلفه ألف هادم
 

وحتى يمن الله علينا بإعلام إسلامي هادف وموجه نحو الخير ، على المربين من آباء وأمهات أن يعملوا على ترشيد وتقنين مشاهدة ما يعرض في وسائل الإعلام  وتوعية الأبناء إلى قيمة الوقت في حياة المسلم ، وأنهم مسؤولون عنه أمام الله تعالى يوم القيامة  فقد قال الله تعالى :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ).([68][5])

ولذلك يجب على الأم أن تشجع الأبناء على الإستفادة من هذه الوسائل بزيادة معلوماتهم الدينية والثقافية والعلمية , وأن يسخروا ما فيها لخدمة الدعوة إلى الله تعالى , فمن كان يدرس الطب مثلاً وجب عليه أن يتابع ما يستجد من الاكتشافات الجديدة التي تساعد على مكافحة الأمراض والانتصار عليها , والقضاء على جهالة البشر  فيما يتعلق بمعرفة  وظائف الأعضاء في جسم الانسان ، ثم لا بد من التحلي  بآداب الاسلام  في التعامل مع المرضى من حيث  الإحساس بآلامهم والتخفيف عنهم بزرع الامل في نفوسهم وأن الشفاء حاصل بإذن الله والإحسان إلى الفقراء منهم ؛ وليكن علم الطب طريقاً لإدخال الإيمان بالله إلى قلوب الضعفاء والمرضى , ولفت أنظارهم إلى قدرة الله عز وجل على شفاءهم , وإنه على كل شيء قدير .

ولنتعلم من البعثات النصرانية التي كانت تأتي إلى بلاد العرب عند حدوث النكبات والكوارث من حروب مثلاً أو زلازل فقد كانوا هم أول القادمين إلى بلاد العرب لتقديم المساعدات الإنسانية من تطبيب ومداوة الجرحى , ومن خلال التعامل مع المحتاجين والمرضى يقومون بنشر ما يريدون من أفكار .

فقد عمد المستعمرون إلى عقد المؤتمرات التبشيريه  ، وقرروا أن يكون لهم في كل بلد مسلم بعثة طبية تبشيريه ، وفي أحد المؤتمرات قام الدكتور آراهاس طبيب إرسالية التبشير في طرابلس فقال : إنه قد مرَّ عليه اثنان وثلاثون عاماً في مهنته فلم يفشل إلا مرتين وأورد إحصاءً لزبائنه فقال : إن 68% منهم مسلمون ونصفهم من النساء وفي أول سنة جاء فيها بلغ عدد زبائنه 175 وفي آخر سنة كان عددهم2500 وختم كلامه قائلاً :[ يجب على طبيب إرساليات التبشير أن لا ينسى ولا في لحظة واحدة أنه مبشر قبل كل شيىء ثم هو طبيب بعد ذلك ].([69][6])

وعلى الأم تفهيم الابناء بأن الجامعات التي يتعلمون فيها هي الوجه الحضاري المشرق للبلد ، فبقدرما يتمسك الشباب بأخلاقهم وقيمهم الإسلامية بقدر ما ترتفع جامعاتهم وتأخذ مكانتها بين الجامعات الأخرى في العالم .

ويجب التركيز على ضرورة تميز شخصية الأبناء ، واعتزازهم بعقيدتهم خلال حياتهم الجامعية , فلا يجوز لهم أن يقلدوا الغرب في ملبسهم أو مظهرهم أو عاداتهم وتقاليدهم . لأن ذلك يؤدي إلى فقدان شخصيتهم وهويتهم الإسلامية فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ليس منا من تشبه بغيرنا ولا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ) رواه الترمذي .

وللأسف الشديد فإن جامعاتنا مليئة بمثل هؤلاء الشباب والفتيات الذين يقلدون الغرب في مظاهرهم , فهذا شاب يطيل شعره ويتشبه بالفتيات, وذاك يقصره ويرتدي قميصاً عليه صورة لأحد الفنانين أو المطربات , وأما الفتيات فحدث ولا حرج فقد اتخذن من الممثلات الغربيات قدوة لهن في اللباس والسفور والمكياج الصارخ الذي يغضب وجه الله تعالى , وكل هذا يهون أمام المناظر التي نراها من صور الاختلاط السافر بين الشباب والفتيات بطريقة لا توحي أبداً بأنهم يعيشون في مجتمع مسلم له قيمه وأخلاقه التي تميزة عن غيره من المجتمعات .

فكيف يقضي الشباب المتدين والفتيات الملتزمات سنوات الدراسة في مثل هذه الأجواء التي تعج  بالفتن  والشهوات ؟

والأم الواعية تبين لأبناءها أن المسلم قادر بإيمانه وتقواه أن يرتفع بنفسه عن عالم الشهوات فهو يوقن أن الله يعلم السر وأخفى ولذا فإن قلبه ولسانه رطب بذكر الله دائمًا . وتبين لهم أن مكانة طالب العلم عند الله عظيمة وأن له احتراماً في المجتمع خاصة إذا كان متمسكاً بإيمانه وعقيدته فقد قال رسول ىلص ملسو هيلع هللا :( فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ) رواه أبو داود والترمذي .

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً :( إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحـيـتان في الماء ) رواه أبو داود والترمذي .

وعلى الأم أن توقن بأنها قادرة على صياغة أبنائها بالطريقة التي تريد وتستعين بالله تعالى لتحقق ما ترنو  إليه من خلال العملية التربوية , فهذه أسماء بنت أبي بكر تضرب لنا المثل الأعلى للأم التي ترشد إبنها إلى الصواب عندما جاءها ولدها عبد الله بن الزبير يسألها النصيحـة ويقول :( يا أماه خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ، ولم يبقَ معي إلا اليسير ، ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة ، فقالت له : إن كنت على حق وإليه تدعو فامضِ له ، وإن كنت تريد الدنيا فبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك ، فقلت لمّا وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين ،فكم خلودك في الحياة الدنيا ؟ القتل أرحم  يا  ولدي .

قال عبد الله : هذا والله رأيي يا أماه ولكني أخاف أن يقتلني أهل الشام وأن يمثلوا بي ويصلبوني فأجابته : يا بني امضِ لما أنت عليه فماذا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها ؟! ).

وهذا الإمام محمد بن اسماعيل البخاري صاحب أصح  كتاب بعد كتاب الله عز وجل كان ثمار تربية أم نذرت نفسها لتربية إبنها بعد وفاة زوجها فقد خططت لإبنها أن يكون عالماً يشار إليه بالبنان ، ولكن عائقاً كبيراً كان يقف أمام تحقيق هذا الحلم العظيم . إن هذا العائق هو كون ولدها ضريراً منذ صغره فماذا تصنع حتى تستطيع أن ترى ابنها على الصورة التي تريد  ؟

لقد جدت بالدعاء إلى الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار ، وبقلبها الرقيق الخاشع أخذت تناجي الله في الليلة الظلماء داعية الحي القيوم أن يرد على ابنها بصره ، وفي إحدى الليالي وعندما كانت نائمة إذا بها ترى فيما يرى النائم الخليل إبراهيم عليه السلام يقول لها :( يا هذه قـد رد الله على ابنك بـصـره بـكـثرة دعائك له ).

وفي الصباح قامت تنظر إلى ابنها وتحدثه لترى صدق ما رأت . يا للفرحة تعمر قلبها فقد تحقق حلمها ورجع ابنها بصيراً وبدأ رحلته في طلب العلم وأول ما ابتدأ بالحج إلى بيت الله الحرام فاصطحب أمه وأخاه معه ، وأخذ ينتقل من قطر إلى آخر يعرض نفسه للمخاطر  والمشقة في سبيل تتبع رواة الحديث ومتنه حتى ألف كتابه المشهور وجمع فيه ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث وسمّاه الجامع الصحيح المسند الذي يعد أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل .

وقد كان إمامنا قوي البصر والبصيرة واسع العلم والحفظ ولديه الصبر والجلد على السفر ومتاعبه فعندما قدم إلى بغداد وسمع به أصحاب الحديث اجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها ودفعوا إلى كل واحد منهم عشرة أحاديث ليلقيها على الإمام البخاري ليمتحنوه هل يستطيع معرفة السند الصحيح من غيره أم لا ؟ واستطاع إمامنا الجليل بذكائه وحنكته أن يرد كل متن إلى إسناده حينها أقر الناس له بالحفظ وسعة العلم .

ها هو إمامنا المحدث محمد بن إسماعيل البخاري يصبح علماً من أعلام  الحديث فقد قال عنه الإمام أحمد بن حنبل :[ ما أخرجـت خـراسان مـثل محمد بن إسماعيل ] .

وقال عنه الإمام ابن خزيمة :[ ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا وأحفظ له من محمد بن اسماعيل البخاري ].

وقد كان الإمام مسلم بن الحجاج يقول له :[ دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله ].

وقد كان ورعاً تقياً يخشى الله تعالى في الحكم على الآخرين فمن نظر في كلامه في الجرح والتعديل تبين له مدى ورعه في الكلام عن الناس وكان يقول :[ أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً  ].([70][7])

فهذا هو الإمام البخاري العالم المحدث نموذج للعالم الرباني الذي ملأ ذكره مشارق  الأرض ومغاربها كان تربية أم واعية محبة لإبنها فانشأته في رحاب كتاب الله وسنة رسوله ىلص ملسو هيلع هللا .

وهذا الإمام الشافعي رحمه الله ولد في غزة هاشم بفلسطين ، ونشأ يتيماً فقامت أمه على تربيته ؛ وانتقلت به من غزة إلى مكة المكرمة خوفاً على ضياع نسبه الشريف الذي يلتقي مع نسب الرسول ىلص ملسو هيلع هللاوحرصت على تعليمه القراءة والكتابة ولكن لم يكن مع أمه ما تؤديه للمعلم فلما رأى المعلم من نجابته وسرعة حفظه ما دعاه إلى المسامحة بأجره على أن يخلفه إذا قام ؛ فحفظ القرآن صغيراً وكان  عمره آنذاك  سبع سنين ، وحفظ الحديث الشريف ؛ ويقول رحمه الله عن هذه الفترة من حياته :[ ثم لما خرجت من الكتاب كنت أتلقط الخزف والدفوف و كرب النخيل وأكتاف الجمال أكتب فيها الحديث ، وقال طلبت هذا الأمر عن خفة ذات يد ؛ كنت أجالس الناس وأسمع العلم من أفواه العلماء في المسجد الحرام حتى حفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين ].  وعندما كبر حرص على تعلم اللغة العربية فأقام في البادية عشر سنين أجاد خلالها الآداب وحفظ الأخبار والأشعار , وتعلم ركوب الخيل وأجاد الرمي , فكان كالشهاب الثاقب في علمه وذكائه , وأصبح العالم الثقة الفقيه الحافظ الشاعر الفارس يشار إليه بالبنان و أصبح  الفقه الشافعي مرجعاً أساسياً من مراجع الفقه الإسلامي . وقد أثنى عليه الإمام أحمد بن حنبل  فقال :[ كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن فهل ترى لهذين من خلف أو عنهما من عوض ؟ ] .

وقال عنه الفضل بن دكين :[ ما رأينا ولا سمعنا أكمل عقلاً ولا أحضر فهماً , ولا أجمع علماً من الشافعي ].([71][8])

وهذا البطل المقدام عبد الرحمن الناصر الذي ولد بقرطبة في الأندلس نشأ يتيماً فتولت أمه تربيته حتى شب قوي البأس , شجاعاً لا يهاب المنون ؛ بويع بالخلافة بعد جده فكان أطول ملوك بني أمية في الخلافة , حكم خمسين سنة وستة أشهر , وقد ولي الأندلس وهي تميد بالفتن ,وبحزمه وصرامته استقر له الحكم , وسكنت له الأندلس وكان مولعاً  بالفتوحات حيث خرج في طليعة جنده ففتح سبعين حصناً  ؛ثم أمعن في قلب فرنسا وتغلغل في سويسرا وضم أطراف إيطاليا . ترى ما سرّ عظمة هذا الرجل ؟ وهذه الهمة التي يتمتع بها ؟ إنها أمه التي تفردت بتربيته فغرست في عقله الكمال وحسن الإدارة والحكمة في تدبير الأمور .([72][9])

فاجتهدي أختي الأم في توجيه ولدك واحرصي على تربيته وفق تعاليم الإسلام السامية ليأخذ مكانته بين الخلائق فيكون عالماً رائداً يرفع راية الحق عاليةً خفاقةً بإذن الله ، وبذا تتحدي وسائل الإعلام التي تهدف إلى إفساد هذا الجيل .

وقد تتساءل بعض النساء كيف يمكن للأم التي التزمت أحكام الشرع بعد الزواج وبعد إنجاب الأبناء كيف لها أن تغير مسـار حياتها وحياة الأسرة كلها ؟

ومن المعلوم أن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة , والتدرج في التغيير , واللجوء إلى الله تعالى , وحسن التوكل عليه ، كلها وسائل تجعل الأم قادرة على التغيير بعد أن تكون هي القدوة الأولى لأبنائها بتطبيـقها لأحكام الشرع الإسلامي في سلوكها وتعاملها معهم في جميع جوانب الحياة .

والمرأة الحكيمة لن تعدم وسيلة أو أسلوباً في إقناع زوجهـا بصحة المنهج الإسلامي ، وبالحلم والأناة  والصبر والرفق القائم على احترام وتقدير الزوج  تصل إلى ما تتمنى . وحتى تكوني أختاه على يقين بأن الله تعالى يستجيب لعباده المخلصين ، اقرأي معي قصة الرميصاء بنت ملحان - أم سُلَيم - :( عندما آمنت بالله ورسوله فجاء أبو أنس - زوجها - وكان غائباً فقال لها : أصبوت ؟ فقالت : ما صبوت ولكني آمنت وجعلت تلقن ولدها أنس قل لا إله إلا الله قل أشهد أن محمداً رسول الله ففعل ، فيقول لها أبوه لا تفسدي عليَّ ولدي فتقول : لا أفسده ولكني أعلمه فخرج مالك - زوجها - فلقيه عدو له فقتله فقالت : لا جرم لا أفطم أنساً حتى يدع الثدي ولا أتزوج حتى يأمرني أنس . فخطبها أبو طلحة وكان يومئذ مشرك فأبت فخطبها ثانية فقالت له : إن تابعتني وآمنت بالله ورسوله تزوجتك , فقال : فأنا على مثل ما أنت عليه فتزوجته وكان مهرها الإسلام فكان أكرم مهر في التاريخ . فلك أيتها الأم في هذه الصحابية الجليلة أسوة حسنة واعلمي أنك إذا اتبعت كتاب الله وسنة رسولهلصصلى الله عليه وسلم ا فإنك ستكونين قادرة على إنشاء البيت المسلم الذي سيكون مثالًا يحتذى بصفاته وملامحه الوضاءه و هي:

1. البيت المسلم شعاره تطبيق كتاب الله وسنة رسوله ليصبح الإسلام منهجاً وحقائق تراها الأعين وتلمسها الأيدي  .

2. البيت المسلم منارة علم وفقه يقصده التائهون في بيداء الظلمات ليهتدوا بهديه فيسيروا على نهجه .

3. البيت المسلم يقوم على التقوى فالرجل فيه هو عماد الأسرة والزوجة حارسه الأمين وهذا البيت بعيد عن الكسب الحرام فكل فرد من أفراده نما من كسب المال الحلال .

4. البيت المسلم منبع لمكارم الأخلاق فهو منبع الفضائل ، من التواضع والتسامح والتعاون وبابه مفتوح للتوجيه والإرشاد ومن قصده طالباً العون نال ما أراد فهو مركز لإصلاح أحوال الناس الإجتماعيه .

5. البيت المسلم يحرص جميع أفراده على التميز بالهوية الإسلامية في ملبسهم ومأكلهم وتعاملهم مع الاخرين فلا تقليد لخطوط الموضة ودور الأزياء التي تأتينا من بلاد الغرب . ويمتاز البيت المسلم بنظافته وترتيبه ومواكبته لمظاهر التقدم والتطور التكنولوجي ؛ وهذا لايعني المبالغة في الأثاث والإكثار من الزينة التي لا معنى لها سوى إهدار المال في غير فائدة .

وفي المقابل ، هناك من لايكترث بتحسين أثاث البيت وترتيبه بحجة أن ديننا يأمر بالزهد وعدم التمسك بزينة الحياة الدنيا ، ويجب أن نعيش على البساطة ولا نهتم بمظاهر الحضارة المادية ؛ والصحيح أن الإسلام لا يمنع المسلم من مواكبة التطور إذا كان في حدود الشرع وفي حدود قدرته  الماليه .

6. البيت المسلم فيه وعي سياسي لما يدور على الساحة من أحداث وفيه إدراك لما يحدث من تغيرات في طبيعة الحياة الإجتماعية فهو متيقظ لما يبثه أعداء الإسلام من أفكار هدفها تقويض أركان النظام الإجتماعي المتمثل  بقلعتة المنيعه وهي  الأسرة المسلمة .

7.البيت المسلم شعاره العمل لتمكين دين الله في الأرض ولكن بهدوء وصمت بعيداً عن التباهي أمام الآخرين بما يقوم به لخدمة الإسلام والمسلمين .

8. البيت المسلم يحرص جميع أفراده على كتم أسرار الأسرة ، فلا تذاع أخبارهم على الملأ، ففي فترة من الزمن كانت النساء لعدم وعيهن بما يكاد لرجال المسلمين تتحدث عن نشاط زوجها أو ابنها من باب الرضى والمفاخرة بما يصنع فكان ذلك سبباً في تعرضهم للتحقيق والسؤال وأحياناً السجن والتعذيب ؛ فعلى الزوجة أن تبتعد عن الثرثرة والخوض فيما لا يعنيها  لأن من كثر كلامه كثر سقطه .

9. البيت المسلم يعيش فيه الجميع بأمان واطمئنان فالزوج مخلص في عمله حريص على القيام بكل واجباته . يملأ قلبه الإباء والشموخ وهو رجل يؤمن بأن الله هو الرازق المانع ، فلا يجزع  ولا ينهزم أمام المحن ، بل يقف صامداً شامخاً كالجبال الراسيات . فهو صاحب همة عالية  كما قال الشاعر :

أنا إن عشت لست أعدم قوتاً        
همتي همة الملوك ونفسي           
وإذا ما قنعت بالقوت عمري        
 

 

وإذا مت لست أعدم قبراً
نفس حرٍ ترى المذلة كفراً
فلماذا أهاب زيداً أو عمراً   
 

 

المرأة في ركب الدعوة

 

قال تعالى :( وَمَنْ أَحْسَـنُ قَوْلًا مـِــمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ اننِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ).([73][1])

وإن أسمى الأعمال عند الله تعالى هو العمل في سبيل إعلاء راية لا إله إلا الله ،  قال تعالى :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُـطِيعـُونَ اللَّهَ وَرَسولَهُ أُولَئِكَ سَـيَرْحـمُهُمُ اللَّهُ ان اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .([74][2])

وفي الحديث عن أبي موسى ا عن النبي صلى الله عليه وسلم ا أنه قال :( والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على أيدي المسيء ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم ) رواه الطبراني والترمذي  ، أي كما لعن بني إسرئيل . فالدعاة يقومون بمهمة الأنبياء وهي هداية الأمة طريق الرشاد وتعليم الناس عمل الخير وتمكين دين الله في الأرض من جديد .

والرجل والمرأة مكلفان بالدعوة لدين الله كل حسب استطاعته وفي المجال المناسب لطبيعته , فعلى المرأة أن تدعو بنات جنسها لتطبيق شريعة الله والحرص على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلما, وعليها أن تنبري لمحاورة النساء اللواتي ينشرن الدعايات المزيفة للتحرر من الدين والأخلاق , وخاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة المعاصرة .

فقد ظهر عبر التاريخ دعوات كثيرة تطالب بتحرير المرأة وإعطائها حقوقها المسلوبة لأن المرأة حسب زعمهم زوجة مظلومة , وأم مهدورة الحقوق , وأخت مهيضة الجناح , وابنة مخنوقة الأنفاس , والرجل في نظرهم متسلط جبار . وعبر أبواق الدعاية الكاذبة ووسائل الاعلام المضلله نادوا بتحرير المرأة من حجابها  وأخلاقها حتى غدت هذه الحرية المكذوبة هي الشوك الذي يدمي قدميها , فكانت العاقبة ضياع حقوق المرأة وتدنيس عرضها وشرفها وخدش حيائها .

وإنني لأعجب لهؤلاء الذين يطالبون بتحرير جسد المرأة من حجابها قبل أن يحرروا عقولهم من محاكاة الغرب بخيره وشره , وقبل أن يحرروا أوطانهم من عبث العابثين المفسدين الذين صالوا وجالوا فيه حتى جعلوه حطاماً وركاما مدمراً .

وقد كان لدعوة قاسم أمين التي طالب فيها بتحرير المرأة من عبودية الرجل وأنه يتطلع إلى اليوم الذي تصبح فيه المرأة المسلمة مثل المرأة الغربية في تحررها من العادات والتقاليد ، وفي استقلالها عن سيطرة الرجل أثراً سيئاً .

لقد كان لهذه الأفكار المسمومة أثراً سلبياً على المرأة في المجتمع الشرقي وما دعوة التحرر هذه إلا شَرَكَاً  لإيقاع المرأة في متاهات الضلال والانحراف . وللأسف فقد انطلت هذه المكيدة على كثير من النساء في المجتمع وبدأت الصيحات تتعالى مطالبة بالعدالة والمساواة بين الرجل والمرأة ورفع القيود عنها حتى تخرج من سجنها الذي تقبع فيه - البيت - وما لبثت هذه الأفكار تظهر بين الفينة والأخرى .

فانظري أختاه ما أنت فاعلة إزاء هذه العواصف العاتية التي لا تأتي على شيء إلا دمرته تدميراً , وإذا نظرت حولك فوجدت أن الأوضاع أليمة والآراء سقيمة والمشاعر حزينة ، فلا تأخذنك وحشة الطريق وتذكري أن هذا هو ميدان العمل وتلك هي الغاية التي من أجلها خلـق الانسان وأن الدعـاة والمصلحين ما كانوا ليعيشوا إلا في مثل هذه الأجواء , وإلا لمن تبعث الرسل إذا صلح حال العامة وآمن الناس أجمعين واعلمي أن الدعاة لا ينتشرون إلا حيث تعم الضلالة ولا يقوم المصلحون إلا في مباءة الانحطاط الفكري ,وظلمة الليل الحالك .

وضعي نصب عينيك أن الداعية المسلمة هي الشعلة التي ستضيء الطريق أمام النساء اللواتي خدعهن زيف الحضارة الغربية فكن ضحية التغريب . وتذكري أنه لا يقف في وجه الطوفان المدمر إلا مصباح مضيء وهّاج مستعصٍ على الانطفاء وجذوة مستعصية على الاندثار ، فبادري أختي الداعية لتأخذي مكانك وسط هذا المجتمع الذي يعج بالمتناقضات وهذا التيار الجارف ، وقبل الانطلاق عليك التزود بقدر كافٍ من الايمان والعقيدة الراسخة في قلب مفعم بالعبادات الروحية ، التي تعينك على المضي في هذه الرحلة الطويلة التي تحتاج إلى همة عالية ، ومعالم قوية واضحة لتجني ثمار دعوة ناجحة إن شاء الله .

ومن هذه المعالم :

1. الإيمان القوي بالله تعالى :

ذلك الإيمان المتمكن في القلب الراسخ في النفس رسوخ الجبال على الأرض ، فالله تعالى خالق هذا الكون وهو الفعال لما يريد ونحن عباده علينا الإستسلام والانقياد له بكل جوارحنا حتى تتكلل أعمالنا بالنجاح ، فإذا بدأنا طريق الدعوة فعلينا بحسن التوكل على الله تعالى واللجوء بالدعاء إليه حتى يعيننا على القيام بمهمة الدعوة وفق مبادئ صحيحة قويمة . فأول خطوة نبدأ بها هي الاعتناء بمركز الإيمان ألا وهو القلب  الذي بين جنبينا فنحصنه بكثرة ذكر الله تعالى والتفكر والتدبر بهذا الكون وقراءة القرآن الكريم  فقـد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صـلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) . رواه البخاري ومسلم ،يقول الحافظ ابن حجر :" وخص القلب بذلك لأنه أمير البدن وبصلاح الأمير تصلح الرعية وبفساده تفسد "

وقال العلامة ابن القيم :[ إن في القلب شعثاً لا يلمه إلا الإقبال على الله وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله ، وفيه حزن لا يذهبـه إلا سرور المعرفة بالله … ].  ويجب علينا مجاهدة النفس فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( حجبت الجنة بالمكاره ، وحجبت النار بالشهوات ) رواه البخاري .

ولا تنسي أن صلاح القلب وصفاؤه لا يكون إلا بتخليصه من الآفات التي تتراكم عليه بعضها فوق بعض فتمنع دخول النور إليه  ,وتجعل الشيطان مسيطراً عليه . ومن هذه الآفات  :

أ. حب الدنيا والحرص عليها فقد قال تعالى :( اعْلَمُوا انمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْـوَان وَمَا الْحـَـيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ).([75][3])  وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن أكثر  ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض فقيل ما بركات الأرض قال  : زهرة الدنيا  ) . متفق عليه

ب. الحسد : فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ) أخرجه أبو داود وابن ماجة .

ج. الغضب : فمن كان كثير الغضب لايستطيع جمع الناس من حوله ، فاحذري الغضب عند عرضك مبادئ الإسلام على بنات الجيل المعاصر  اللواتي غرتهن الحياة الدنيا فقد قال رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا :( ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )  متفق عليه .

د. الغرور : وهو أكبر باب يدخل منه الشيطان ليحبط عمل الانسان فإذا ما نجحت يوماً في أمر ما فلا يغرنك هذا النجـاح الذي قد يؤدي بك إلى الاعتداد بنفسك فوق القـدر الـلازم حتى يحبط ما قدمت من خير فقـد قـال رسول اللهr : ( إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً  وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك )  رواه أبو داود والترمذي  .

هـ. الكبر : وهو التعالي على الآخرين واحتقارهم بالتقليل من شأنهم قال تعالى :( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْــشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ان اللَّهَ لَا يـُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ).([76][4])

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :فيما يرويه عن ربه عز وجل ( الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته ولا أبالي ) رواه مسلم ، وحتى تتخلصي من هذه الآفة ، فعليك إدامة النظر في مخلوقات الله والتأمل في أصل الخلق الذي هو من التراب ونهايته إلى الزوال والفناء , وما أدل على ذلك من قوله تعالى :( قُتِلَ الْانسَان مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ).([77][5])

و. الشرك الأصغر : ويعني الرياء وهو القيام بالعمل من أجل السمعة والشهرة وليس ابتغاء وجه الله تعالى ، وهذا محبط للعمل فقد قال الله تعالى :( قُلْ إن صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).([78][6])

 

 

2. العلم والفقه  بالأحكام الشرعية :

قال تعالى :( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ). ([79][7])

ويقول أيضاً :( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَان اللَّهِ وَمَا أنا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ).([80][8]) فإن الدعوة على بصيرة وعلم ، تجعل من صاحبها داعية مسموع الكلمة , قريب من قلوب الناس يحترمونه ويقدرونه لأن العلم هو الوسيلة لمعرفة خـبـايا النفوس ، وأفضل الطرق للوصول إلى مغاليق القلوب ، وإذا أردت أن تكوني داعية قوية الحجة والدليل ، فعليك بأخذ العلم من منابعه الأصيلة وهي : كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ا وسيرة السلف الصالح الذين تركوا لنا تاريخاً حافلاً بالقيم السامية والعلوم النيرة والمعارف المتنوعة في المجالات المختلفة . فهناك موجات التغريب والتبشير والعلمنة وفي عصرنا الحاضر العولمة ، وهذه الدعوات تحتاج إلى من يقف في وجهها , ومن لهم غير الفتاة الداعية المتعلمة المتفقهة في أحكام دينها  لتقيم  عليهم الحجة  والدليل .

وقد يقال : إن هذا الأمر يحتاج إلى أن تدرس جميع الفتيات في كليات الشريعة ليستطعن محاورة  من يدعو إلى التحرر من القيم والأخلاق . وهذا القول غير صحيح  لأن سلفنا الصالح كانوا فقهاء وحفظةً للقرآن والحديث الشريف قبل أن يكونوا أطباء وعلماء في الرياضيات والكيمياء ، فما المانع أن تتفقه الفتاة في أمور الدين إلى جانب أن تكون طالبة في كلية الطب أو العلوم , فإن من تدرس العلم الدنيوي وتجمع إلى جانبه علوم الدين مثل الفقه أو الحديث , فإنها ستكون داعية ناجحة إلى الإسلام وستكبر في أعين من تدعوهم وستكون قادرة على إقناعهم بفكرتها أكثر من غيرها وبغير التفقه في علم الحلال والحرام لا يمكن أن يستقيم حال البشر مهما أوتوا من علم أو قوة ، فكم يحب الناس الطبيب أو المهندس إذا كان متفقهاً داعياً إلى الله تعالى ، ولا تظني أنك غير قـادرة على ذلك فبالعـزم والتصميم والاستعـانة بالله تكوني كما تريدين بإذن الله ، فقضايا المرأة مثلاً لا تخص الفتاة التي تدرس في كلية الشريعة ، بل على العكس تهم كل فتاة مسلمة , ومعرفة المرأة ما لها من حقوق وما عليها من واجبات أمر بدهي ومن مقتضيات حياتها اليومية , والعلم لا يعني أن ندرس في كلية أو معهد ونكتفي بالقدر الذي نحصل عليه أثناء الدراسة , بل يجب علينا أن نواكب العلوم العصرية الحديثه حتى نوظف هذه العلوم لخدمة الإسلام والمسلمين .

فنحن في عصر التطور والتقدم التكنولوجي وهذا يحتاج منا إلى معرفة في أسس علم الحاسوب مثلاً ووسائل الإتصال السريع , مثل الإنترنت التي تعد نافذة للإطلال على العالم الخارجي , فمن هذه الوسيلة مثلاً تستطيع المرأة المسلمة أن تحصل على معلومات كثيرة في مختلف المواضيع فهناك  المواقع العربية والإسلامية التي تتضمن مواضيع مختلفة  تتعلق بكل ما يهم المرأة ، ولا ضير إذا تعلمت أختي الداعية كيفية التعامل مع جهاز الحاسوب حتى ولو كنت أماً ، وجعلت إبنك أو ابنتك يساعدك في ذلك , فهذه التقنيات الحديثة لا تنحصر في سن معينة , وأكثري من القراءة في الكتب التي تبحث في المواضيع التي تتعلق بالمرأة وأساليب التربية الحديثة , وما يستجد في النواحي  الاجتماعية و السياسة والاقتصادية ، فإن عصرنا الحالي هو عصر السرعة في التغيير والتطور العلمي ، وإذا قرأت كتاباً معيناً  فخذي قلماً وكراساً وسجلي الأفكار الرئيسية التي  قرأتها حتى يعيها قلبك ، لأن القلب وعاء الحفظ والتذكر، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أصل  الرجل عقله ،وحسبه دينه ،ومرؤته خلقه )

3.  توجيه القلب نحو العمل للآخرة :

فإن من يبتغي رضا الله تعالى ترك الدنيا وزينتها فهي وما فيها من مال وجاه وحركة ونشاط  سجن المؤمن وجنة الكافر وهي للمؤمنين دار ممر لا دار مقر ، فاستغلي أختي الداعية دقائق الليل وقفي بين يدي الرحمن قانتة خاشعة لتذوقي حلاوة الإيمان التي تدفعك لعمل الخير باستمرار . وحتى لا يعتريك الفتور أو الغفلة عليك بإدامة الذكر والاستغفار والدعاء والتطوع بالصوم والصلاة حتى تكوني على درجة عالية من الهمة ويقظة القلب فقد قال تعالى :( إن الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانتِينَ وَالْقَانتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ).([81][9])

وسيرة السلف الصالح زاخرة بالشواهد على النساء القانتات العابدات فقد روى القاسم  قال :[ كنت إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة رضي الله عنها فأسلم عليها فغدوت يوماً فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ قوله تعالى :( فـَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقـَانـا عَـذَابَ السَّمُومِ ).([82][10]) وترددها وتدعو وتبكي فقمت حتى مللت القيام فذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت  فإذا هي قائمة كما هي تصلي وتبكي ].([83][11])

واعلمي أن كثرة الذكر والعبادة تقرب العبد من ربه فقد جاء في الحديث القدسي :

( إذا تقرب إلي عبدي شبراً تقربت إليه ذراعاً , وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا أتاني مشيا أتيته هرولة ) صحيح الجامع الصغير .

وعن أنس رضي الله عنه قال :( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ا المسجد فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال : ما هذا الحبل ؟ قالوا : هو لزينب فإذا فترت تعلقت به ، فقال النبي ىلص ملسو هيلع هللا : لا ، حلّوه ليصلي أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد ) رواه البخاري.

وكما قال العالم الرباني ابن تيمية :( وكما أن لله ملائكة موكلة بالسحاب والمطر , فله ملائكة موكلة بالهدى والعلم , هذا رزق القلوب وقوتها للأجساد ).

 

4. الحرص على الوقت :

أقسم الله تعالى بالزمن في آيات كثيرة من القرآن الكريم وذلك لما يحصل فيه من الأعاجيب . ففيه الصحة والمرض , والغنى والفقر , والسراء والضراء ، وقد أقسم الله تعالى بالزمن في سورة العصر فقال :( وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) وهذا التقدير للوقت يستدعي من المسلمة أن تحافظ على وقتها وتستغله في العمل الصالح وتعمل على الاستفادة من وقتها , فتقوم بالعمل المناسب في الوقت المناسب وتنظم وقتها حتى تستطيع أن تؤدي حق ربها وحق نفسها وحق غيرها ، فقد جاء في صـحـف موسى :( ينبغي للعاقل أن يكون له أربع ساعات . ساعة يناجي فيها ربه ,وساعة يحاسب فيها نفسه ,وساعة يتفكر في صنع الله عز وجل , وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب ).

وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على اغتنام الفرص للعمل الصالح فقال :( اغتنم خمساً قبل خمس ، حياتك قبل موتك , وصحتك قبل مرضك , وفراغك قبل شغلك , وشبابك قبل هرمك , وغناك قبل فقرك ) رواه أحمد في الزهد بإسناد حسن .

وكما قيل : إن الوقت من ذهب إذا تركته ذهب ، ومن حرص على الوقت فقد عرف قيمة الحياة ، وقد بين رسول الله وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(لا للمسلمين قيمة الوقت وكيف أنهم سوف يحاسبون عليه فقال ىلص ملسو هيلع هللا :( لا تزول  قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل   عن عمره فيم أفناه , وعن علمه فيم فعل , وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .

وقال الشاعر :

دقات قلب المرء قائلة له
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها

 

إن الحياة دقائق وثواني
فالذكر للإنسان عمر ثاني 
 

وحتى إذا أرادت الداعية المسلمة أن ترتقي بالمرأة المسلمة بفكرها وعقلها عن سفاسف الأمور  ، وعن الخوض في الباطل ، والقيل والقال والأحاديث التي لا طائل تحتها ، فعليها أن تخصص مواضيع تعطي فيها صورة لطبيعة حياة المرأة المسلمة , و كيف تقضي وقتها في الأمور المفيدة من خلال البرنامج اليومي الذي يبين كيف تبدأ المرأة المسلمة يومها وكيف تنهيه ، فهي تحاسب نفسها قبل النوم على كل ما صدر عنها من عمل أو قول اتجاه الآخرين , لأن قلبها عامر بتقوى الله تعالى , وتبدأه بصلاة الفجر أولاً ثم الجلوس بعد الصلاة لتلاوة القرآن والورد اليومي من دعاء واستغفار وتسبيح , ثم القيام على رعاية شؤون البيت وما يخص الزوج والأولاد لإعطاء كلٍ منهم حقه ، ثم الاعتناء بنظافة وترتيب البيت , وبعد الظهر تقوم بالاشراف على أداء الأولاد لواجباتهم المدرسيه والوقوف على مستواهم العلمي من تقدم أو تأخر , وبعد العصر يمكنها المشاركة في الحياة العامة ,كزيارة الأقارب ومشاركة الآخرين أفراحهم أو أحزانهم , أو حضور الندوات والمحاضرات الدينية في المراكز الثقافية , وقد تنتسب المرأة إلى الجمعيات الخيرية التي تقدم يد العون والمساعدة للفقراء والمحتاجين والمرضى والمعاقين ، عن طريق جمع التبرعات لبناء مراكز لهم , ليكونوا أفرادًا فاعلين في المجتمع, فإن ديننا دين التكافل والتعاون , فقد قال رسول اللهىلص ملسو هيلع هللا :( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) رواه البخاري ومسلم .

وقد تشارك المرأة في حفظ القرآن الكريم ، وقد تنتسب إلى مركز للتأهيل فتأخذ دورة في فن الخياطة أو دورة في الإسعاف الأولي أو دورة للتعلم على جهاز الحاسوب أو دورات فنية كتنسيق الزهـور والتطريز ، فقد كان للنساء عبر التاريخ دور كبير في العمل الاجتماعي ، فهذه أم المؤمنين زينب بنت جحش تعمل بيدها وتتصدق في سبيل الله ،  فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها : ( كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ولم أر امرأة  قط  خيراً في الدين من زينب وأتقى لله ، وأصدق حديثاً ، وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب إلى الله . كانت زينب رضي الله عنها امرأة صنَّاعة باليد وكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله ) أخرجه مسلم .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هللا يقول لأزواجه ( أسرعكن لحوقاً بي أطولكن  يداً ) أخرجه مسلم  فلما توفي رسول الله كانت أول من لحق به من أزواجه زينب بنت جحش رضي الله عنها . وفي عصرنا الحاضر هناك نساء شاركن في تنمية الجانب الاجتماعي في المجتمع فهذ أمينة علي زوجة محمود الجوهري تنشىء مدرسة لتعليم الفتيات اليتيمات، ومن خلالها تقيم المعارض للأشغال اليدوية وتجعل ريعها لمساعدة أسر الشهداء والأسرى والمعتقلين  . فعلى النساء الداعيات اتباع الشريعة الربانية وأن يكنَ أقوى عقيدةً وأعلى همةً مما هنَ عليه ،  فيعملنَ على استنهاض همم النساء ليقمن بأداء الامانة العظمى التي أخذها الله على بني البشر ، وهي التمكين لدين الله في الأرض  ، وتعيد الأجيال التائهة إلى الاسلام  وواحته الغناء .

فاحذري أختي الداعية من إهدار الوقت في الزيارات التي لا فائدة منها  , وابتعدي عن الخلطة والصحبة التي لا تكون على أساس من الدين والتقوى ,ولا تتعاملي مع من سفلت هممهمن وحبطت أعمالهن لأن صحبتهن تبعدك عن ذكر الله وطاعته وكوني حكيمة حريصة على صحبة النساء الصالحات لأن الأخوات الصادقات المؤمنات كالزهر يعطيك شذى الرائحة الزكية , وأما النساء البعيدات عن منهج الله تعالى فهنَ كالشوك يؤذينك وينسينك ذكر الله عز وجل , فجالسي الورود لتبتعدي عن الأشواك وما أجمل ما قال الشافعي رحمه الله :

 

أحب الصالحين ولست منهم
وأكره من تجارته المعاصي
 

 

لعلي أن أنال بهم شفاعة
ولو كنا سواءً في البضاعة

 

5. إدخال الدعوة إلى صميم  قلوب الناس :

إن مهمة الداعية صعبة وشاقة , وإذا كان الطبيب يعالج أجسام الناس بعد تشخيص المرض وتحديد العضو المصاب  ثم يصف الدواء الشافي لهم , فإن الداعية طبيب ولكن من نوع آخر , فهي تعالج  القلوب التي سرت إليها الآفات من خلال المحيط الذي تعيش فيه , فمن العادات والتقاليد السيئة إلى الانحراف عن مسار الإسلام الصحيح , وهذا يحتاج من الداعية إلى قوة في الحجة وبلاغة في القول يكون صادراً عن قلب صادق مبصر بنور الله ، يثير العواطف ويشعل الحماس في قلوب المدعوين فيبعث فيها الأمل والحياة من جديد , وبذا تكون قد وصفت الدواء الشافي بعد أن خاطبت فيهم القلوب فأحيتها بذكر الله .

وتكون مخاطبة القلوب بموعظة مؤثرة أو بالكلمة الطيبة الممزوجة بالنية الصادقة حتى ينصتوا بكل جوارحهم لأقوالها فيتأثروا بها وتعيها قلوبهم . فقد عاصرت بداية الصحوة الإسلامية في منتصف السبعينات عندما كنت طالبة في الجامعة وكيف كانت الداعيات إلى الله يجتهدن في إثارة إنتباه الطالبات في الكليات الأخرى وذلك عن طريق إجراء حوار يتعلق بقضية مستجده على الساحة وكان ذلك يستثير فضولهن ويدخلن معهن في حوار جاد وبناء , وبين أخذ ورد وتبادل الآراء والأفكار ، كان هذا الأسلوب يفتح مغاليق قلوبهن , ويثير في نفوسهن تساؤلات كثيرة مما يوقظ الوازع الداخلي لديهن .

وعندما عملت معلمةً للتربية الإسلامية في إحدى المدارس في القدس حاولت أن أتبع هذا الأسلوب . وعندما دخلت غرفة الصف في أول مرة , ألقيت يومها تحية الإسلام على الطالبات ( السلام عليكم ورحمة الله ) فلم ترد أي واحدة منهن على التحية , وبدا الاستغراب عليهن وعلت الدهشة وجـوهـهـن , فسألت عن سبب هذا الاستغراب ولماذا لم أسمع من يرد على التحية ، فكانت الإجابة بماذا نردّ  ؟ فقلت  أجبنَّ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فهذه تحية الإسلام والمسلمين فيما بينهم في الدنيا والآخرة ، فعمدت إلى السبورة وكتبت عبارة ( ماذا يعني انتمائي للإسلام ) وبدأت أسأل كل طالبة على حده ماذا تعني هذه العبارة وقليل منهن استطعن الإجابة على السؤال إجابة شافية وافية فسألت هل أنتن مسلمات ؟ فأجبنَ نعم ، قلت : ما هي العلامات التي تميز الفتاة المسلمة عن غيرها ؟ فكانت الإجابة هي أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فقلت : وغير ذلك ، قلن : لا نعلم غير هذا . حينها أدركت أن هذا جيل حائر مضيع ،  لا يعرف حقيقة حاله لأنه يعيش في بيئة بعيدة عن الإسلام ، وبدأت بتعليم الدين من الأسس والأركان لجميع المراحل التي أدرسها الإعدادي والثانوي وعلمتهن الوضوء والصلاة وكيفيتها , فكنت أصلي معهن صلاة الظهر بعد الانتهاء من الدوام في المسجد المجاور للمدرسة ، ورغم أن هذا مثل هذا العمل يحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تقتنع به الطالبات إلا أنه سهل ويسير علىالمسلم إذا استعان  بالله سبحانه وتعالى .

وبدأ حديث الساعة بين الطالبات في المدرسة عن حصة الدين وعن المعلومات الجديدة التي ما سمعت بها الطالبات من قبل وبدأ ظهور المعارضه على تعليم أحكام الدين بهذه الطريقة ومنها أن الوضوء يضيع وقت الحصة ويشيع الفوضى بين الطالبات أثناء الخروج والدخول , لكن هذا لم يثبط من عزمي ومضيت في طريقي أعلم الطالبات الخروج من الصف بنظام والرجوع إليه بنظام والمحافظة على نظافة الممرات بعد الوضوء , وقد وصلت هذه الأمور إلى بيوت الطالبات فالأمهات يعترضن كيف أن معلمة الدين تريد من الطالبات الصلاة فهذا تأخر ورجعية ,فإن الصلاة في ذلك الوقت كانت تقتصر على كبار السن فقط . وبعد ذلك أخذت  بتعليم الطالبات آداب الإسلام الإجتماعية فمن تحية السلام إلى قول جزاك الله خيراً إلى التبسم في وجه الأخت المسلمة إلى الكلمة الطيبة ، وقد جعلت علامةً لكل طالبةٍ تتعامل مع زميلاتها ومعلماتها وفق آداب الإسلام فكان ذلك حافزاً لهنّ على استعمال الكلمات الطيبة ولو من أجل العلامة وخلال تلك السنة أصبح موضوع حصة الدين يشغل عقول كثيرٍ من الطالبات والمعلمات والبيوت وهذا ما كنت أرنو إليه من إيقاظ القلوب حتى تفىء إلى رشدها وتستنير بنور ربها فتقف على الحقيقة الغابئة  ، ألا وهي غياب الإسلام عن حياة الأمة . ومضت السنة الأولى وأصبح في المدرسة طالبات يقمنّ بفرضية الصلاة
ويتعاملن فيما بينهن وفق آداب الإسلام وذلك أمر عظيمٌ ، وإن دل ذلك على شيىء فإنما يدل على أن بذرة الخير موجودة في كل إنسان ولكن يعلوها بعض الغبار والتشويش ، فإذا ما وجدت الظرف المناسب ظهرت ونمت فكانت قويةً صلبة ، أما قضية الحجاب ففي بداية الوقت لم أنبه إليها لأن النفوس غير مهيئة لتقبل هذه الفكرة ،والبيئة الاجتماعية لا تعرف عن هذا الأمر شيئاً . وبالتدريج ، ويوماً بعد يوم، استطعت أن أعرض موضوع الجلباب وأنه فرض على الفتاة المسلمة البالغة العاقلة ، لكن الاستجابة لموضوع الحجاب كانت أقل من الاستجابة لموضوع الوضوء والصلاة ،لأن ارتداء الجلباب لم يكن معروفاً في ذلك الوقت ، والبيئة والأسرة لا تساعد الفتاة على أن تطبق مثل هذا الأمر لأن ارتداء الجلباب في ذلك الوقت كان يعد رجعيةً وتأخراً في نظر بعض الناس . ويصعب علىالفتاة أن ترتديه وكل ما حولها يدعو إلى التحرر من الدين والقيم والأخلاق ,  حتى أمها لا تعلم عن هذا الجلباب شيئاً  فكيف لها أن ترتديه ؟  ورغم ذلك ، وسنةً بعد سنة أصبح في المدرسة طالبات يرتدين الجلباب رغم معارضة الأهل وسخرية الزميلات من حولهنَّ ، وكنت أعتبر ارتداء طالبةٍ واحدة للجلباب في كل صفٍ نجاحاً عظيماً ، المهم أنه أصبح هناك من يعلم ويؤمن بأن الجلباب فرض في الشريعة الإسلامية وهو واجب على كل مسلمةٍ بالغةٍ عاقلة .

وقد يقال إن المعلمة سهلٌ عليها أن تقوم بمهمة الدعوة ، ولكن كيف للمرأة التي لا تعمل أن تقوم بالدعوة إلى الله ؟

إن المرأة الواعية لن تعدم وسيلة للاتصال بغيرها من النساء الأخريات فالمجالس الأسبوعية في بلادنا معروفة حيث تجتمع الجارات أو الصديقات كل أسبوع في بيت واحدةٍ منهن . إذن الطريق سهلٌ ويسير فبدلاً من أن تكون الجلسة كلها عن آخر صيحة في عالم الأزياء وخطوط الموضة ، والمأكل والمشرب فيمكن أن نجعلها جلسة علم وذكرٍ فنقرأ آيةً من كتاب الله أو حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم  أو ندير حواراً يتعلق بالقضايا الإجتماعية أو السياسية التي تكون حديث الساعة ، ولا تقولي أختي الداعية كيف يمكن أن أغير من حال هؤلاء النسوة اللواتي تعودنّ على مثل هذه الجلسات الفارغة  . والجواب على ذلك إّذا أردت وعزمت على العمل فان الله سوف يسهل لك ذلك ، فقد كنت يوماً معلمةً في إحدى مدارس الرياض في السعودية وكنت في كل يوم سبت أدخل غرفة المعلمات فأسمع أحاديثهن عن انواع المأكولات والحلويات التي قدمتها لهنّ صديقتهن حيث قضين عندها يوم العطلة فأسأل كيف يقضين ذلك الوقت ، فيجبن : نأكل ونشرب ونغني ونرقص حتى ينتهي الوقت ، فأقول لهن أليس من الأجدر قضاء هذا الوقت في البيت مع الزوج والأولاد ؟ فهم الأحق بهذه الساعات من اللهو في الباطل وكن يصمتن ولا يجبن شيئاً ، وعلى مدى الأيام أصبحن لا يتكلمن عن هذه الجلسات اللاغية وذلك بفضل الله تعالى  . وحيث أني أسوق بعض الأحداث من تجربتي الخاصة ليس من باب الفخر وإنما هو من باب إقناع المرأة بأن ما أقوله وأعرضه قابل لأن يكون واقعاً ملموساً تراه الأعين وتلمسه الأيدي في حاضرنا المعاصر ، وكل ذلك بعون الله تعالى .

6. الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة :

فقد قال تعالى :( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ان رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ).([84][12])

إذن الداعية يجب أن تقبل على الناس بأفقٍ واسع وعاطفة جياشة فتتعامل معهم بالرفق والتسامح لتستطيع الدخول إلى قلوبهم فتكشف ما اختلط عليهم من أمور وليس من الضروري أن تجد دعوتها صدىً في قلوب الجميع وأن يتقبلوها برغبةٍ قويةٍ فإن الناس مختلفون في درجة استجابتهم لكلام الآخرين ، وإذا حصل ولم يستجب البعض لما تدعو إليه فلا تحقد عليهم بل تشفق وتحزن على من بقي على علته وتحاول بذل أقصى جهدها لهدايتهم فتكون لهم كالسيل يصل خيره لجميع ما حوله  ثم تمضي قوية الهمة لا تعرف الاستكانة والضعف ولا تلجأ إلى العنف أو الحدة في التعامل لأن من أرادت تجميع الناس حولها يجب أن تكون كالناقة الذلول تصبر على ما تجد من إعراض وعناد لتصل إلى غايتها التي تريد ولنا في رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا فقد كان يخفض جناحه لمن يدعوهم وقد كان الصحابة يعرضون عليه الثورة في وجه الطغيان لكنه كان يسكن هذه الثورة ويعلمهم الصمود أمام العوائق والصعوبات وأنهم بالصبر والتحمل سيصلون إلى قلوب غيرهم .

وقد أمر الله تعالىموسى عليه السلام وأخاه هارون بدعوة فرعون وقد كان ملكاً وسيداً في قومه فقال :( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ،فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ،قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ،قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى )([85][13]). فقد أمرهما بأن يدعوا فرعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له ولكن بأسلوبٍ هين لين قائم على الإحترام والتقدير وإنزال الناس منازلهم . ويجب التدرج مع الناس كلٌ وفق طبيعته ويجب إحسان الظن بفطرة الناس فندعوا الجميع ، الغني والفقير ، الصغير والكبير ، القوي والضعيف ، وكلنا ثقةٌ أن يكون الجميع أعواناً لنا على مواجهة الشر في وكره ، والوقوف في وجه الباطل وأهله حتى ينصر الله دينه ، وترتفع رايته .

ولا تنسي أختاه أن تنوعي في أساليب الدعوة وتجددي طرق العرض على الآخرين فإن التجديد والتنويع يبعد عن الملل والفتور فقد قال تعالى على لسان نبيه نوح عليه السـلام :(  قَالَ رَبِّ اني دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَاني كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي ءَاذَانهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًاثُمَّ اني دَعَوْتُهُمْ جِهَارًاثُمَّ اني أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًافَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ انهُ كَان غَفَّارًا ).([86][14])

فقد يكون من الأفضل دعوة الناس فرداً فرداً وإعطاء كل واحد اهتماماً خاصاً به ،

وقد يكون من الأفضل دعوة الناس مجتمعين وفي مكان واحد وهذا يكون حسب طبيعة حياة الناس واختلاف عاداتهم  وطبائعهم .

وعند بداية الدعوة يكون الإسرار فيها أفضل من الجهر خاصةً إذا ما كانت الظروف المحيطة تضيق ذرعاً بالتوجهات الإسلامية وتكيد لها لقتلها في مهدها .

وقد تكون الدعوة بالكلمة المقنعة القائمة على الحجة والدليل بعقد المحاضرات والندوات والمناظرات التي تعرض الإسلام بصورةً تقنع الناس بضرورة السعي لتحكيم كتاب الله وسنة رسوله في إدارة شؤون الحياة كلها .

وقد يجدي أحياناً عرض الدعوة ونشرها عن طريق إصدار الرسائل والنشرات التي تغطي أحداث الساعة وتربطها بأحكام الشرع وتحكم عليها بمدى قربها أو بعدها عن الدين . وهذا يستدعي من الداعية أن تكشف عن ميول وقدرات النساء من حولها  لتقف على مدى استعدادهن وقدرتهن على التعبير والكتابة بأساليب جذابة تثير عواطف المدعوين فإذا ما وجدت  قلوباً عامرة بحب العمل والدعوة أذكت فيهن الحماس والعزم ، فغالباً تكون القلوب كالجمرة يغطيها الرماد فإذا وجدت نافخاً أو قادحا لشررها استيقظت وتحفزت للعمل أكثر فأكثر حتى تصبح كالشعاع ينشر النور حيثما حل، فإذا وجدت أختي الداعية مثل هذه القلوب فاعملي على تنشيطها وتشجعيها لتوجهي كل طاقاتها إلى العمل الدعوي الناجح الذي سيقود نساء المسلمين كافة إلى الوقوف على عظمة التشريع الإسلامي .

7. التحلي بالصبر والثبات :

إعلمي أختاه أن الصبر من مقامات العبودية وقد ذكره الله تعالى في مواضع كثيرة في القرآن الكريم فـقـال :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ان اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ).([87][15])

وقال أيضاً :( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَان أَمْرُهُ فُرُطًا ).([88][16])

وقال أيضاً :( قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ انمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ).([89][17]) فالصبر كما ورد أنواع :

أ. الصبر على الطاعة : بمعنى حبس النفس على الطاعات .

ب. الصبر على البلاء: بمعنى الثبات على الدين والعقيدة أمام الابتلاء  وتعرض الانسان للأذى في سبيل  الله  .

ج. الصبر بمعنى الإمساك : أي منع النفس من الوقوع في المعاصي .

د. الصبر على الأذى : هو أن يصبر الانسان على أذى الناس له ويتصدى للعقبات التي تواجهه بكل إرادة وتصميم .

والصبر بكل أنواعه من دعائم نجاح الداعية ، فمن العبث أن يتوقع الانسان أخذ أقواله وأفعاله بعين القبول والرضى من كل من حوله , فإن التعامل مع الناس والحرص على تغيير مسار حياتهم ليس بالأمر السهل , ويحتاج إلى مسايسةٍ وملاينة ، وعلى الداعية المسلمة ألا تيأس من الدعوة إلى الله تعالى بل عليها الاستمرار ما دام فيها أذن تسمع ، وقلب يعي , وأمل في الاستجابة .

فلقد روى أبو أمية الشعباني قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني قال : قلت : كيف تصنع في هذه الآية ؟ قال أية آية ؟ قلت :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ 0ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ).([90][18]) قال: سألت عنها خبيراً , سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

( بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ,حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً ,وهوى متبعاً ,ودنيا مؤثرة ,وإعجاب كل ذي رأي برأيه , ورأيت أمراً لا يدان لك به , فعليك خويصة نفسك , إن من ورائكم أيام الصبر ,الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ,للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلأ بمثل عمله ) وفي رواية أخرى :( قيل يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال : بل أجر خمسين منكم ) وفي رواية تعليل لهذه المضاعفة للأجر بقوله :( إنكم تجدون على الخير أعواناً ,ولا يجدون على الخير أعواناً ) رواه ابن ماجة واللفظ له والترمذي وقال حديث حسن غريب .

ولقد كان لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أسوة حسنة حيث لقي العنت والإعراض والشتم من قومه ومع ذلك بقي ثابتاً صابراً حتى إن الله تعالى بعث له ملك الجبال يقول له :

( إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين . فيقول : لا إني أسأل الله تعالى أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً ) رواه البخاري ومسلم .

وقد كان ذلك فقد أخرج الله من صلب الوليد بن المغيرة خالد بن الوليد ومن صلب أبي جهل عكرمة . ولا بدَّ من اتباع التدرج في الدعوة لأن ذلك يعمل على تهيئة النفوس لتقبل الفكرة الجديدة فإن العمل الدعوي يجب أن يكون على مراحل أولها التعريف بها حتى تصل إلى الناس على مختلف علومهم وثقافاتهم .وثانيها مرحلة اصطفاء الأفراد الذين يمكن أن يكونوا عوناً  في تبليغ الدعوة . وثالثها تنفيذ الأفكار حتى تخرج إلى حيز التطبيق وهذا يحتاج إلى قلوبٍ مؤمنة ومخلصة في عملها لله تعالى فإذا استطعنا أن نجتاز هذه المراحل بنجاح فقد عملنا على تأسيس قاعدة قوية صلبة صالحة لانطلاق العمل الدعوي ليكون مثمراً وناجحاً قادراً على تغيير مسار حياة البشرية جمعاء لتنضوي تحت راية لا إله إلا الله . وهكذا فمن دعوناها وبدأت بالصلاة ندعوها للحجاب فإذا عجزت عن الانتصار على نفسها ولم تتحجب فيجب أن نبقى على اتصال معها ندعوها ونذكرها بطاعة الله وباليوم الآخر وأنها ستقف بين يدي الله لتحاسب على كل صغيرة وكبيرة لعلنا بذلك  نستطيع أن ننقذها من براثن الجاهلية ومن التبعية للغرب وخاصة فيما يتعلق بخطوط الموضه ودور الأزياء التي تتخذ وسيلة لخداع المرأة  بشكل عام ، فتعمد إلى تصميم الموديلات التي تسيطر على عقلها وقلبها ، لعلنا بهذا الإخلاص وحب العمل لله تعالى نجعل منها  فتاةً ملتزمةً بالإسلام قلباً وقالباً وما ذلك على الله بعزيز .

والصبر على الأذى في سبيل الدعوة أمر شاق لكنه عظيمٌ وجليلٌ عند الله تعالى فهذه سمية بنت خياط كانت أول شهيدة في الإسلام خرجوا بها هي وابنها وزوجها إلى الصحراء وأهالوا عليه الرمال الحارّة وأخذوا يعذبونهم جميعاً لكنها اعتصمت بالصبر و الثبات وأبت أن تعطي القوم ما سألوا من الكفر بعد الإيمان ففاضت روحها إلى خالقها فكانت أول شهيدة في الإسلام .([91][19])

[ وهذه أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم أسلمت وأخذت تدخل على نساء قريش وتدعوهن للإسلام سراً حتى ظهر أمرها فأخذوها وقالوا لها : لولا قومك لفعلنا بك كذا وكذا ولكنا سنردك إليهم قالت : فحملوني على بعير ليس تحتي شيء ثم تركوني ثلاثاً لا يطعموني ولا يسقوني فنزلوا منزلاً ، وكانوا إذا نزلوا أوقفوني في الشمس واستظلوا وحبسوا عني الطعام والشراب حتى يرتحلوا ، فبينما أنا كذلك إذا بأثر شيء بارد وقع علي منه ، ثم عاد فتناولته فإذا هو دلو ماء فشربت منه قليلاً ثم نزع مني، ثم عاد فتناولته فشربت منه فصنع ذلك مراراً ، حتى رويت ثم أفضت سائره على جسدي وثيابي فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء ، ورأوني حسنة الهيئة فقالوا لي : انحللت فأخذت سقائنا فشربت منه . فقلت : لا والله ما فعلت ذلك ولكن كان من الأمر كذا وكذا ، فقالوا : لئن كنت صادقة فدينك خير من ديننا فنظروا إلى الأسقية فوجدوها كما تركوها فأسلموا لساعتهم ].([92][20])

إذن بفضل صبر أم شريك يسلم القوم عن بكرة أبيهم ولنا فيها قدوةٌ حسنة .

وفي  القرن العشرين داعية تنشر الخير والهدى تحمل في قلبها اليقين والثقة والهمة العالية بأن الله ناصر المؤمنين . إنها زينب الغزالي اقتحموا منزلها واقتادوها إلى السجن لكنها بقيت قوية رابطة الجأش صابرة محتسبة وتروي صوراً من تعذيبها فتقول :[ فتحوا باب الحجرة المظلمة وهي مليئة بالكلاب أغمضت عيني ووضعت يدي على صدري من شدة الفزع وسمعت باب الحجرة يغلق بالسلاسل وتعلقت الكلاب بكل انحاء جسمي فأحسست أن أنياب الكلاب نهشت جسدي فأخذت أتلو أسماء الله الحسنى أنادي ربي " اللهم اشغلني بك عمن سواك ، اشغلني بك أنت يا إلهي يا فرد ياصمد أوقفني في حضرتك واصبغني بسكينتك وارزقني الشهادة فيك والحب فيك والرضى بك والمودة لك وثبت الأقدام يا الله أقدام الموحدين" . ومرت ساعات وأنا على هذا الحال كنت أتصور أن ثيابي البيضاء مغموسة في الدماء ... وفتح باب الحجرة ونظرت إلى ثيابي لكن ، يا لدهشتي ! الثياب كأن لم يكن بها شيء وتعجب السجان أشد العجب عندما علم أن الكلاب لم تمزقها علي ].([93][21])

وتمر الأيام والسنون وهي قابعة في غياهب السجون تحمل قلباً قوي الإيمان ثم تتغير ظروف الحياة فتخرج من سجنها أقوى شكيمة وأصلب عوداً مما كانت عليه قبل أن تسجن وتبقى سائرة في طريقها قوية في عزمها تقول كلمتها وتبلغ دعوتها رغم أنف الطغاة الجبارين ، ولينصرن الله من ينصره .

وهذه زوجة المرشد حسن الهضيبي تمضي لزيارته في السجن وقلبها الصابر لايعرف الضعف والاستكانه ، وقد كانت تحمل إليه عند الزيارة بعض المأكولات والملابس ويتقدم أحد الضباط ليفتش ما تحمل وكأنه يقود عملية عسكريه فقالت له بكل هدوء وحزم :[ يا بني إن مكانك ليس هنا وليست هذه مهمتك ؛إن مكانك هو في جبهة القتال ومهمتك حمل السلاح لدفع الأعداء وتخليص الوطن من عار الإحتلال وليس تفتيش الخبز والبطاطس فما كان من الضابط إلا أن التفت إليها ومرارة  الاعتذار  بادية في عينيه قائلاً : هذا حق يا سيدتي ].([94][22])

وهذه بنان الطنطاوي في ألمانيا تشارك زوجها طريق الدعوة قامت بانشاء مركز نسائي هنـاك ونشطت في عملها الدعوي  وتاب على يديها نساء كثيرات في ذلك البلد .   وقد أجبرتها سطوة الطاغية الجبار على الهجرة من بلدها هي وزوجها وحكموا عليه  بالإعدام غيابياً  لأنه كان معروفاً بجرأته في قول الحق لا تأخذه في الله لومة لائم ، إلا أن روح الشر المتمكنة في قلوب الظالمين ظلّت تطاردهم حتى وصلوا إليه، وهناك في مدينة آخن ، في ألمانيا حاكوا خيوط المؤامرة للتخلص من زوجها - عصام العطار - فحضروا إلى البيت وطرقوا باب الشقة وأتوا بجارتها تحت تهديد السلاح حتى تطرق الباب وفعلاً فتحت بنان الباب فاقتحموا الشقة . ثلاثة رجال مسلحين لم يجدوا الزوج لأنه كان مريضاً يعالج في المستشفى ووجدوا الزوجة فرفعوا عليها السلاح وأطلقوا عليها خمس رصاصات في الصدر حتى سقطت مضرجة بدمائها وفارقت الحياة  غريبة عن الأوطان , بعيدة عن الأهل والأحباب ، رحلت بنان عن الدنيا ولكن عاشت كلماتها من بعدها :[ لا تحزن يا عصام ولا تفكر بي ولا في أهلك ، تابع طريقك إلى الله بيقين وثبات ، إنا لا نطالبك إلا بالموقف السليم ومتابعة جهادك الخالص في سبيل الله لإعلاء راية الحق ].([95][23])

ولنا معشر النساء في فلسطين ، أسوة حسنة في هؤلاء الداعيات المجاهدات الصابرات عند نزول المصيبة والبلاء , فنحن على محك الإبتلاء والاختبار دائما لأننا نعيش في أرض الرباط التي تنفي الخبث ولا يعمر فيها الباطل , وسيبقى الجهاد قائماً فيها إلى أن تقوم الساعة ، وسوف ينتصر الحق في النهاية  ،فإن الحق أظهر وأقوى ، وقد وعد الله عباده الصابرين بالنصر والتمكين لهم في الأرض .

وإني لأدعو  الله تعالى لزوجات الشهداء والأسرى والمعتقلين في أيامنا هذه أن يمنَّ عليهنَّ بالصبر والثبات , وكذلك أمهات وأخوات الشهداء والأسرى , فقد تجرعن مرارة الأسى و الفراق واللوعة ؛ فعسى اللهً أن يكتب لهن الأجر والثواب علىحسن الصبر ، وقوة الإيمان والعقيدة والرضى بقضاء الله وقدره . فقد تعرض شعبنا الصامد المرابط على أرضه لأعنف صور الإبادة والقتل والتعذيب , فأطلق الأعداء الرصاص على الأطفال الرضع, والشيوخ الركع, وصاحت النساء الثكالى في ظلمة الليل الحالك مستجيرات مستغيثات . ولكن لا مجيب, وعلا صوت الأنين والنحيب من اليتامى والصبايا ولكن لا مجيب , وعم الدمار والخراب جميع مرافق الحياة ،حتى الشجر والحجر طاله حقدهم الأسود , حتى الدواب لم تسلم من مكرهم ,وهدمت المؤسسات العلمية والدينية والاقتصادية . وأغلقت دور الإغاثة التي تمد يد العون للمنكوبين والمساكين و المحتاجين .  وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع ؛ قتلوا أحلام الأطفال الذين تحميهم الأحضان ، وملأ الحزن والأسى قلوب الشيب والشبان , ورثى الشعراء وأصحاب القلوب الرقيقة حال الأسر المشردة المنكوبة ؛ وانتظر شعبنا المظلوم أن يهب العالم العربي أو الإسلامي أو الدولي لنصرته , ولكن لا مجيب . ناديت لو أسمعت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي . ويحضرني قول الشاعر عمر أبو ريشة :

أمتي هل لك بين الأمم
أتلقاك وطرفي مطرق خجلاًَ
 رب وامعتصماه انطلقت
لامست أسماعهم لكنها

 

منبر للسيف أو للقلم
من أمسك المنصرم
ملأ أفواه الصبايا اليتم
لم تلامس نخوة  المعتصم 
 

وبكت الأرض والسماء والسهول والهضاب ، الشهداء الذين مزقت أجسادهم صواريخ العداة الظالمين , فتناثرت أشلاؤهم على الحجارة والصخور, ونزفت دماءهم حتى غدت شلالاً يجري ليروي أرض الرباط ومهد الأنبياء ومهبط الرسالات . لتكون شاهداً على أبشع المجازر التي ارتكبت في بداية القرن الحادي والعشرين , وخيم الحزن والأسى على أرجاء فلسطين , وتوشحت سهولها وجبالها بثوب السواد معلنة  الجهاد إلى أمد بعيد ،حتى يتم دحر هذا العدو الحاقد اللدود . ورغم هذه الجرائم والمجازر التي يتعرض لها شعبنا الصامد المرابط في انتفاضته الثانية ، فلن تزيده  هذه المحن إلا قوة وإصراراً على الحق  ,لأنه يوقن أن ما بعد الصبر إلا الفرج ، وأن أحلك الظلام ما قبل بزوغ الفجر ، فلا بد أن تنجلي هذه الظلمة وتنكشف هذه الغمة ,ولكل دمعة نهاية , ونهاية الدمعة البسمة ، وسوف يمن الله على عباده المؤمنين المجاهدين بالنصر والفتح المبين ، إنه على كل شيىء قدير .

وفقدت فلسطين خيرة أبناءها البررة , الذين باعوا أرواحهم رخيصة في سبيل الله, فسطروا بدمائهم أعظم صور التضحية والجهاد , وأبدع ملاحم البطولة والفداء ، التي ستكون شاهداً للتاريخ ، يروي للأجيال القادمة قصة هؤلاء الأبطال الأباة ، الذين رفعوا رايات الجهاد رغم أعتى صور الحصار والتضييق الذي مارسه العداة الغاصبون ورغم أقسى أساليب القتل والتعذيب والتشريد التي تعرض لها شعبنا المرابط ، قسيبقى صامداً شامخاً ،رافع الراية  ، ولن يركع أو يلين .

لله درك , يا أم الشهيد والأسير , ويا زوجة الشهيد والأسير . فلقد أعدت إلى واجهة التاريخ مجد خولة وسمية ونسيبة والخنساء ، وسوف يكتب التاريخ بحروف من نور سيرة ابنك وزوجك البطل الجسور . وسوف تبقىذكرى هؤلاء الأبطال الغر الميامين  محفورة في ذاكرة الأجيال , فهم الذين زهت الأرض واخضرت لما رووها بدمائهم  الطاهرة الزكية .

8. القدوة الصالحة :

فقد قال الله تعالى :( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ انفُسَكُمْ وَانتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ).([96][24])

وقـال أيـضـاً :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْـعـَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ ان تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ).([97][25]) فالداعية قدوة بنفسها تطبق شرع الله بأعمالها وتعاملها مع الآخرين وحسن صلاتها والتزامها بجلبابها بجميع شروطه فلا تتبرج ولا تتزين أمام غير محارمها كما نرى في عصرنا الحالي فهناك الفتيات اللواتي يرتدين الجلباب ولكن يضعن المساحيق ليظهرن محاسنهن أمام الرجال فهن بهذا العمل يسئن إلى الإسلام ويعطين صورة سيئة عن الفتاة المسلمة . والداعية الصادقة تحسن إلى الآخرين فلا تؤذي أحداً بلسانها، كلامها تسبيح وصمتها تفكر وحكمة ، وحركة جوارحها تحميد وتمجيدٌ لله تعالى , فإذا استقرت هذه المعاني في قلبها وعقلها اتجهت لدعوة غيرها  بقوة وثبات لأنها تطبق كل ما تدعو له على نفسها أولأ فهي لا تنهى عن المنكر وتأتيه فهي تتذكر قول الشاعر :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله
 

 

عار عليك إذا فعلت عظيم 
 

وقد كان عبد الواحد بن زيد يقول :[ ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيءٍ يكون أسبقهم إليه وإذا نهاهم عن شيءٍ يكون أبعدهم عنه ].

فإذا أردت أن تكوني داعية مؤثرة في نفوس الآخرين فعليك أن تكوني طاهرة القلب تقية نقية تلتهب دعوتك بين جوانحك ليتلقاها الجميع بقلوبٍ متحمسة مفعمة بحب الطاعة لله ولرسوله ،و بقلوب ملؤها المحبة  والمودة  للآخرين ، وتذكري قول الله تعالى :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكـُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ).([98][26])

ولا تنسي أن تتعهدي نفسك بين الحين والآخر لتقفي على مدى قوة إيمانك أو ضعفه  فإن الله إذا أراد بمؤمنٍ خيراً بصره بعيوبه فأنت قدوة النساء  فلا تأخذنك الغفلة عن اسشعار عظم المسؤولية التي انيطت بك وتذكري قول الشاعر :

قد هيؤوك لأمر لو فطنت له

 

فاربأ بنفسك أن تقعد مع الهمل   
 

ولا تنسي أختي الداعيه أن تجعلي من نفسك مثالأ يحتذى في جميع المجالات فإن كنت زوجة فكوني مثال الزوجة الصالحة الوفية المخلصة لزوجها التي تعينه على حمل أعباء الحياة وتصبر على ضنك العيش وتساعده على حمل مشعل الدعوة وتبليغها .

وإذا كنت أماً  فاحرصي على أن يكون بيتك منارة علم للسائلين وأن يكون أبناؤك مثلاً أعلى في الورع والتقوى والاجتهاد والجد في طلب العلم  حتى يستطيعوا بعلمهم وإيمانهم أن يقودوا الجيل القادم إلى المجد والعلياء ومن ثم يعيدوا لأمة  الإسلام عزتها وسيادتها ومكانتها بين الأمم الأخرى .

وإذا كنت معلمة فكوني مثال الإخلاص في العمل والجد والنشاط والنظام والدقة في المواعيد والحرص على أداء الواجب على أكمل وجه . ولا تنسي أن تعملي على توعية الطالبات في أمور الدين حتى ولو لم تكوني معلمة تربية إسلاميه ولا بد من تنبيه الطالبات إلى القضايا المستجدة  في المدارس وتعريفهن بالحكم الشرعي  فهناك الكثير من الظواهر  المناهضه للإسلام تحتاج إلى من ينبه إليها فهذه فرق الدبكه الشعبيه تنتشر في مدارسنا وأحياناً تكون مختلطه مع الشباب وهذه وظيفة الإشراف الإجتماعي والتي من صلب مهامها القيام  بعلاج المشاكل الاجتماعيه التي تتعرض لها الطالبات يتولى حلها معلمات لا يعرفن  عن الأحكام الشرعية شيئاً وكثيراً ما تأتي الحلول بعيدة عن الصواب فتصبح الطالبات في حيرة من أمرهن وتزداد حالات القلق النفسي لديهن . والسبب هو أن حل المشكلة التي تعاني منها الطالبة لم تطابق أحكام الشرع .

وهناك معلمة الرياضه التي تفرض على الطالبات خلع الجلباب في حصة الرياضه وإلا ستكون علاماتها منخفضة مما يؤثر على مستوى درجتها في الصف وهذه الأمور وغيرها تحتاج إلى من يقف في مواجهتها . ومن غير المعلمة الداعية سيقف إلى جانب الطالبات ويشجعهن على الثبات وعدم الأذعان لمن يريد إبعادهن عن أحكام الشريعة الإسلامية التي بها تتميز الفتاة المسلمة عن غيرها  .

وإذا كنت طبيبة فعليك أن تكوني ملتزمة بأحكام الحلال والحرام  عند القيام بعلاج المرضى ومن الضروري أن تتخصصي في  أمور النساء ، وذلك لقلة الطبيبات في هذا المجال ، ويجب أن تراعي أخلاقيات الطب ومنها :

1. الاعتقاد التام أن الشفاء بيد الله وما الدواء إلا من قبيل الأخذ بالأسباب قال الشاعر:

قل للطبيب تخطفته يد الردى
قل للمريض نجا وعوفي بعدما
الله في كل الحقائق ماثل 
 

 

يا شافي الأمراض من رداك
عجزت فنون الطبّ من عافاك
إن لم تكن لتراه فهو يراك 
 

2. الانطلاق في أداء الواجب من مبدأ أنها على ثغرة من ثغور الإسلام فتبذل كل ما في وسعها لحماية المجتمع المسلم من انتشار الأمراض المعديه بين أفراده .

3. تتعامل مع المرضى بمنتهى الرحمة والشفقة وتحاول قدر استطاعتها زرع الأمل في قلوبهم وأن شفاءهم قريب بإذن الله .

4. أمينة على أسرار مرضاها فلا تحدث بها الناس الآخرين .

5. ترتقي بنفسها فتواكب التطور العلمي وخاصة فيما يتعلق بالداء والدواء وتجتهد في الوصول إلى الحقيقه حتى ولو كانت من عند غير المسلمين لأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها .

 

9. وجوب اطلاع الداعية على قضايا الساعة  والأحداث المستجدة :

فكيف لداعية قابعة في بيتها لا تواكب ما يطرح على صفحات الصحف والمجلات التي تصدر عن التيارات المغايرة للإسلام أن تتصدى لما يكاد للإسلام والمسلمين  وهذا مهم جداً وخاصةً للداعية العاملة في ميدان الجامعات أو المدارس فيجب أن يكون عملها دائباً ومستمراً في دعوة الطالبات الأخريات لمبادئ الإسلام في كل وقت لا أن تعمل للدعوة في مواسم معينة ثم تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد أن تحصل على ما تريد من الطالبات وهذا ما يحصل في حاضرنا عند اقتراب الانتخابات في الجامعات حيث تكثر الدعايات الانتخابية و الأعمال الدعوية بين الطالبات في هذه الفترة ، وما تلبث هذه الجذوة أن تنطفئ بعد انتهاء هذه الموجة إنه أسلوبٌ فاشل في الدعوة لأن أثره وقتي لا يفتئ أن يتبخر وينتهي بعد وقت قصير  وإذا أردت النجاح في دعوتك فعليك بمجالسة النساء الداعيات اللواتي سبقنك في هذا المجال فلديهن الخبرات الكافية في هذا المجال ولديهن ملاحظات على العمل الدعوي .

ولا بد من غرس معاني الأخوة في نفوس من تدعيهن من طالبات وغيرهن  لأن أساس قيام المجتمع المسلم هو التقوى والأخوة فقد قال تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَانتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَانقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).([99][27]) فيجب ترسيخ الإيمان بالله أولاً ، وربط القلوب بالله ثانياً ، ووصل القلوب بعضها ببعضها ثالثاً ، لتكون الأخوة قائمة على التواصل والتكافل والتواصي بالحق لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ، وركزي على أن تبقى علاقة الأخوة قائمة ومستمرة حتى بعد التخرج من الجامعة أو المدرسة فإن عبق الأخوة يحي قلوب المتحابين في الله رغم عامل البعد الزمني أو الجغرافي فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :( سمعت رسول الله ىل صلى الله عليه وسلم يقول : إن من عباد الله أناساً ما هم بأنبياء ولاشهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم عند الله تعالى . قيل : أخبرنا يا رسول الله من هم ؟ وما أعمالهم ؟ فلعلنا نحبهم . قال : أولئك قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام تربطهم ، ولا أموال يتعاطونها ، فوالله إنهم لعلى نور وإنهم لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم تلى قوله تعالى :( أَلَا ان أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ([100][28]) رواه الترمذي وقال حسن صحيح  .

10.  القدرة على القيادة :

الداعية الناجحة يجب أن تكون ذات شخصية مميزة عن غيرها من النساء .  من قدرة على مداراة الأمور ، ونشاط وحركة دائبة ، وسعة اطلاع لمعرفة خفايا الأمور وقدرة على تقبل الرأي الآخر ، وتعالٍ عن سفاسف الأمور ، وإجادة لفن الحوار والمناظرة ، وقدرة فائقة على تقديم يد العون للآخرين ، وصدر واسع يتسم بالحلم والعفو والصفح عن سيئات الآخرين بعيداً عن الكراهية والحقد ، وأن تكون قادرة على العمل المتوازن ، تقوم بأعمالها حسب سلم الأولويات مبتدأة بالقيام على طاعة زوجها أولاً ورعاية أبنائها وإدارة شؤون بيتها ثانياً ثم الالتفات إلى أعمالها الدعوية فتنظم وقتها بطريقة تستطيع من خلالها التوفيق بين الدعوة وبين مسؤولياتها الأساسية كأمٍ وزوجةٍ ومدبرة لشؤونٍ بيتها ، وكل عمل للمرأة لا يقوم على هذا الأساس وهو القدرة على التوفيق بين الأعمال المختلفة  فإن ذلك سيكون مدعاة لتدمير بناء الأسرة  والحياة الزوجية ومن ثم ضياع حقوق الأبناء .

ولنا في أسماء بنت يزيد بن السكن قدوة حسنة حيث كان يقال لها خطيبة النساء وكانت فصيحة اللسان ، مجاهدة شهدت معركة اليرموك وقتلت يومئذ تسعة من الروم ، كانت رائدة في وسط النساء تحمل رأيهن إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ا يستحسن مقالها ويعجب به ، وكانت من ذوات العقل والدين ، وروي أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم ا وهو بين أصحابه فقالت :( بأبي أنت وأمي يا رسول الله  أنا وافدة النساء إليك ,وإني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين , كلهن يقلن بقولي وعلى مثل رأيي ، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة , فآمنا بك واتبعناك, وإنا معشرالنساء مقصورات مخدرات , قواعد البيوت ، ومواضع شهوات الرجـال ، وحاملات أولادهم ، وإن معاشر الرجال فضلوا علينا بالجمع و الجماعات , وعيادة المرضى , وشهود الجنائز ، والجهاد في سبيل الله ، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم , وغزلنا أثوابهم , وربينا أولادهم . أفنشاركهم في هذا الأجر والخير يا رسول الله ؟ فالتفت رسول صلى الله عليه وسلم بوجهه إلى أصحابه , ثم قال : هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله , ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا . فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فقال :  انصرفي يا أسماء وأعلمي من ورائك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجهـا ، وطلبها لمرضاته ، واتباعها لموافقته ، يعدل كل ما ذكرت للرجال ) فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشاراً بما قال لها رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا .([101][29])

 

 


 

المرأة و العمل  الدعوي المعاصر

 

شاركت المرأة الرجل مجال الدعوة منذ بداية  عصر الرسالة إلى عصرنا الحالي ، وكانت مشاركتها وفق مبادئ دينية وأسس واضحة سليمة ، ومن خلال هذه المشاركة الفاعلة استطاعت المرأة أن تغير مسار حياة المجتمع الذي تعيش فيه . فهناك من كانت سبباً في إسلام أخيها كفاطمة بنت الخطاب ، وهناك من كانت سبباً في إسلام قومها كافة مثل أم شريك ، وهناك من كانت سبباً في إسلام زوجها مثل أم سليم .

ولكن بعد أن أقصي الإسلام عن الساحة وهدمت الخلافة الإسلامية ، عاش الناس حقبة من الزمن في ظل أنظمة وضعية بعيدة كل البعد عن العدالة والاستقامة ، وتعرضت حياة البشرية للفوضى وعدم الاستقرار , إلا أن إرادة الله تعالى سبقت كل ما خطط إليه أهل الكفر والطغيان , فقد قيض الله تعالى لهذا الدين رجالاً أقوياء في إيمانهم  , يجيدون فن القيادة بحكمة وتعقل ، ويسددون الوجهة والمسيرة نحو الإسلام ،مسيرة في مقدمتها رجل واحد , ثم تتابع وراءه طلائع من الشباب المؤمن , الذين نذروا أنفسهم لتمكين دين الله في الأرض ، فرفعوا راية للخير رابطوا عندها ,ليأوي إليها كل من يراها ممن  انقطعت بهم السبل في بيداء الظلمات  فحادوا عن الصراط المستقيم , فقصدوها ليستنيروا بنورها  فأشرقت قلوبهم بنور ربها الذي كفل لهم عيشاً حراً كريماً  في ظل عقيدة  لاإله إلا الله .

وقد كان للنساء نصيب في هذا العمل فقد كان هناك الفئة المؤمنة التي قامت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  في الوسط النسائي . وذلك بوضع الخطط والبرامج  المدروسة التي تدعو لاستئناف الحياة الإسلامية , وقد كان التدرج هو المبدأ الرئيسي  لهذا العمل , فكان التغيير في طبيعة حياة الأسرة والمجتمع يسير خطوة خطوه . فبداية يكون العمل بالتعريف بعقيدة الإسلام وقواعده الفقهية التي تبين الحلال والحرام  ومبادىء الأخلاق والسلوك التي تميز المسلمة عن غيرها , فإذا استطعن إقناع غيرهن بما يحملن من أفكار، عملن على اختيار العناصرالنسوية التي تصلح للعمل على نشر مبادىء الإسلام والعمل بما يقتضيه هذا الدين من تطبيق لأحكامه الشرعية في كافة نواحي الحياة لتقوية الوازع الداخلي والروحي لديهن , وذلك بتوجيه طاقاتهن إلى أعمال التطوع , كالصيام أيام الإثنين والخميس مثلاً و الحرص على التصدق بالمال للمحتاجين , وصلاة النافلة مثل صلاة الضحى وقيام الليل , ثم الاهتمام بحاضر المجتمع المسلم  والوقوف على أسباب انحرافه وبعده عن الدين وتحلله من الأخلاق الإسلاميه ، ومواطن القوة والضعف في جميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية .

وعندما كان العمل الدعوي يسير وفق هذه المراحل كانت النتائج مثمرة ونافعة لكل من يشارك بهذا المجهود ، حيث كان هناك التآلف والتناصح بعيداً عن حب الذات والإعجاب بالرأي واتباع الهوى وكان السمع والطاعة لله ولرسوله أولاً ثم لمن يلي شؤون المسلمين ؛أو لمن يعنى بأمور النساء على وجه الخصوص ، وكنا في ذلك الوقت  نتمنى وجود مظلة واحدة لينضوي تحتها العمل النسائي , وذلك ليتسنى لنا تحقيق ما تحلم به المرأة المسلمة من مشاركة فاعله  بنشاط وقدرة على التغيير في مجالات الحياة العامة , ولتغيير فكرة الأمم الأخرى عن المرأة  في المجتمع المسلم  ، أما اليوم فقد أصبحنا نرى الواجهات الكثيرة التي ترفع راية العمل للإسلام ، فهناك الجمعيات النسائية الخيرية والجمعيات المهنية ، إضافة إلى مراكز الإرشاد النسوي، وقد اختلفت أساليب العمل من جمعية إلى أخرى ومن مركز إلى آخر , فمن مراكز تتخذ من عقد المؤتمرات والمناظرات أسلوباً للدعوة؛ إلى جمعيات تتخذ من عمل الدورات المهنية فرصة مواتيه للعمل الدعوي كتعليم فن الخياطة والتطريز والنسيج ، ودورات في الفنون كعمل السيراميك والرسم على الحرير , أو الإسعاف الأولي أو فن الطبخ . دون الالتفات إلى عمل دراسة تبين مدى تأثر خريجات هذه الدورات بمبادئ الإسلام التي تلقتها أثناء الدورة , ومدى حبهن للإلتزام بالأحكام الشرعية وتطبيقها في حياتهن اليوميه ؛  وهناك جمعيات تتخذ من الجامعات والمدراس ميداناً للدعوة حيث تعتبر أن التجمعات الطلابية تربة خصبة لنشر الدعوة ؛ ولكن هيهات هيهات ؛ فإن الداعية في الجامعة لا يتعدى عملها مصاحبة فئة معينة من الطالبات الملتزمات وتوثيق العلاقة بهن ، أما الطالبات السافرات مثلاً أو اللواتي يتخذن من جو الاختلاط مبرراً لعرض ما لديهن من حسن وجمال لإغراء الشباب وفتنتهم ، فلا تواصل معهن ولا دعوة لهن ؛ وهذا من أسوأ السلوكيات و المفاهيم  في العمل الدعوي ، وأما المحاضرات والمؤتمرات والمهرجانات فهي أسلوب للتجميع العددي فقط . وأما التفاعل مع موضوع المحاضرة أو الندوة فهو وقتي لا يلبث أن يتبخر بمجرد الخروج من قاعة المحاضرة .

إذن أين الخلل ؟ وما هي العلل ؟ وما هو الأسلوب الصحيح ليكون العمل الدعوي ناجحاً ومثمراً ؟

إنه في  التأسيس ؛ في الخطوات الأولى التي خطتها الداعية فمن ارتقت سلم الدعوة خطوة بعد خطوة ، فإنها تسير وفق منهج سليم قويم ، حيث تصل إلى القمة وهي تقف على قاعدة قوية صلبة ، ومن بدأت الدعوة دون إعداد فسوف تتعثر في الطريق .

من هنا يتضح لنا أن تعدد واجهات العمل الإسلامي ليست ظاهرة صحيحة فهو مدعاة إلى كثرة الإختلافات التي من شأنها أن تفرق الصف وتشتت الشمل ؛ لأن الجميع يدعي أنه الأفضل ، ورغم أن دعاة تعدد واجهات العمل النسائي يعطون المبررات الكثيرة لرأيهم ؛ مثل التجديد في أساليب الدعوة وفق معطيات العصر الحديث ، إلى بسط النفوذ على أعمال متعددة في نواحي مختلفة ، إلا أن هذه المبررات لا داعي لها ،فإن كثرة اللافتات تؤدي إلى قلة العمل وفقدان الثبات وفيه تبديدٌ للطاقات ، وإهدارٌ للأوقات ، وتضيع للأموال ، ناهيك عن النتائج السيئة لتعدد هذه الواجهات منها :

1. ظهور شخصيات تعمل على الساحة لكنها لا تنطلق من عقيدة خالصة وصحيحة في العمل ، فهناك الكثير من العاملات في الجمعيات أو المراكز لا تعي من مبادئ الدعوة سوى أنها عضوة في هذه الجمعية أو موظفة في هذا المركز .

2. ظاهرة الإعجاب بالنفس : نتيجة لانضمام نساءٍ مبتدئات في العمل الدعوي فقد انبرى للوعظ والإرشاد في المساجد أو المراكز من لا يعدو زادها الديني المعلومات العامة فيلقي الشيطان في نفوسهن الغرور وأنهن مؤهلات لهذا العمل  والحقيقة غير ذلك .

وقد حرص الإسلام على الفقه قبل الصدارة والقيادة فقال تعالى:( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ).([102][1])

3. غياب عنصر التربية الإيمانية لهذه العناصر : مثل الإخلاص في العمل وابتغاء وجه الله تعالى بعيداً عن حب الظهور والصدارة , والتقوى التي تورث خشية الله تعالى في السر والعلن , والتواضع للمسلمين , وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة , والحرص على وحدة الصف المسلم  ، وإرساء مبدأ التكافل الاجتماعي   وعدم التمسك بالحياة الدنيا وزينتها فقد قال تعالى :( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ).([103][2])

4. إن العلاقات بين هذه النوعية من النساء لا يتعدى أرضية المكان الذي تجتمع فيه ، بدليل تفرق كثير من الحاضرات بمجرد تفرق الأبدان , ويرجع هذا إلى عدم تفعيل مفهوم ومعنى الأخوة في نفوس هذه العناصر , ووجود العلاقة التي تقوم على أساس الحب في الله والبغض في الله ، علماً بأن أول مبادئ العمل الدعوي هو التركيز على الأخوة في الله ، والتي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أراد إقامة وبناء الدولة الإسلامية ، فقد آخى بين المهاجرين والأنصار لتقوية أواصر العقيدة الربانية في قلوب أفراد المجتمع المسلم .

5. عدم تعود هذه العناصر على مبدأ الطاعة للغير , فلكل واحدة منهن فهمها الخاص للحياة ، وهي معتدة بنفسها ومعجبة برأيها ولا تلتزم إلا بما يوافق هواها , ويصعب عليها تقبل الرأي الآخر, فهي لم تبدأ العمل للإسلام على أساس سليم وصحيح يقوم على مفهوم التناصح فيما بينهن ، متناسيات قول الرسول ىلص ملسو هيلع هللا :( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة, فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم , فقالوا:  لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً , ولم نؤذ من فوقنا , فإن يتركوهم وما أرادوا  هلكوا جميعاً ,وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ) أخرجه البخاري .

6. عدم التطبيق العملي للأحكام الشرعية في التعامل مع الآخرين .حيث أن المنتسبة إلى هذه الواجهات الإسلامية لا يعنيها سوى حضورها المهرجانات التي تعقد هنا وهناك ، وتعتبر حضورها هذه التجمعات قمة العمل للإسلام فهي تعنى بالمظاهر والقشور دون حرصها على أن تكون متميزة بشخصيتها الإسلامية التي تطبق الإسلام بكلياته ,جوهراً ومظهراً , في نفسها وبيتها وأولادها .

7. غياب هذه الجمعيات والمراكز عن واقع المجتمع المعاصر , وعدم الاهتمام بعلاج مشاكله المختلفه ؛علماً أن الناظر بعين ثاقبة يرى مدى تزايد المشاكل الإجتماعية مثل ازدياد حالات الطلاق , وكثرة الخلافات في الحياة الزوجية مما يؤدي إلى الانفصال بين الزوجين ولكن دون طلاق ، إلى تزايد عدد البيوت والأسر التي يسيطر عليها البؤس والحرمان من جراء تسلط الآباء والأزواج المنحرفين والغارقين في مستنقع الرذيلة عن طريق الإختلاط و تعاطي المخدرات ، إلى انتشار شبكات الإسقاط التي تعمل على إيقاع الفتيات الساذجات في مصائد الشيطان والانحراف الأخلاقي من حيث لا يعلمن لجهلهن حقيقة ما يدور في المجتمع من انحرافات وجرائم بعيدة كل البعد عن الدين والأخلاق والعادات والتقاليد .

وقد كان لي اطلاع على عمل بعض المؤسسات الإجتماعية والتي تنطلق في عملها بعيداً عن الإسلام فرأيت فيها إهتماماً كبيراً لمعالجة مشاكل الحياة الزوجية وخاصة المرأة ثم الدخول إلى بيوت الأسر التي تعاني من ضياع الأبناء والزوجات لغياب الزوج عن رعاية شؤون بيته ، فقد اطلعت على برامج كثيرة عندهم تخص الأمومة والطفولة وشاركت بإعطاء محاضرات في هذه المؤسسات لعرض مبادئ الإسلام فيما يخص الطفولة والأمومة وأساليب التربية الإسلامية . ولكثرة اهتمامهم بشؤون المرأة فقد استحدثوا جهازاً إعلامياً , يقوم  وبأساليب جذابة وبراقة بدعوة النساء إلى اللجوء لهم عند الإحساس بالظلم أو العجز عن حل مشكلات الحياة التي تستعصي عليهن ، وتعقد عندهم دورات تهتم بصنع شخصية المرأة لتصبح منطلقة اللسان قادرةً على التعبير عمّا تريد ، بالحجة الدامغة والدليل القاطع ويتركز موضوع هذه الدورات على كل ما يخصُّ المرأة وحقوقها , وبطريقتهم التي يريدون يصوغون شخصية المرأة ، بعيداً عن مبادىء الدين والعقيدة .

هذه جهود لمراكز وجمعيات نسائية لا تتخذ النهج الإسلامي أساساً لأعمالها فهي تصوغ شخصية المرأة المسلمة بالطريقة التي تحقق أهدافها والتي أخيرأ تخدم المصالح الاستعمارية ، فإن المساعدات الغربية لا تعطى لهم إلا مقابل الدعوة للأفكار التي يريدون ترويجها من خلال هذه الجمعيات والمراكز .

أليس من الأحرى بنا نحن المسلمات ؟ أن نقوم برسم الخطط والبرامج التي تعتني بالمرأة والأسرة ؟ حتى تكون جهودنا نافعة وصالحة لجميع الأوساط النسائية .

وقد تقول قائلة : إن هذه المراكز لها مساعدات قوية من جهات كثيرة ، وأما الجمعيات والمراكز الإسلامية فمن أين لها الدعم ؟

هذا لا يعني أن الجهات الإسلامية ستقف عاجزة , غير قادرة على الوصول إلى صميم مشاكل المجتمع ،لعدم وجود دعم لها من الخارج . بل على العكس لو تضافرت جهود الواجهات الإسلامية كلّها وتوحدت تحت مظلة واحدة لاستطاعت أن تصنع الكثير الكثير , مما لو كانت كل جمعية تعمل لوحدها فلو أن هذه المؤسسات الإسلاميه وضعت خطة وتولت كل واحدة منها العمل في مجال اجتماعي معين لاستطاعت كلها مجتمعة أن تعالج كل المشاكل التي يعاني منها أفراد المجتمع . ولاستطعنا أن نفشل مخططات الأعداء في القضاء على حصن الإسلام المنيع وهو البيت المسلم  الذي يصلح بصلاح المرأة و يهدم بفسادها . فقد اطلعت على تجربة رائدة في هذا المجال في إحدى دول الخليج حيث قامت إحدى المؤسسات النسائية بانشاء قسم خاص للإستشارات الأسرية , هدفه الأول العمل على حل مشاكل الحياة الزوجية  بعيدا عن جوّ المحاكم والمرافعات . وقاموا بإجراء استبانة  تبين مدى نجاح هذه الفكرة أو فشلها ، وأشارت نيتجة هذه الاستبانة  إلى أن إقبال الناس على هذا القسم يزداد يوماً بعد يوم حيث لجأ إليهم في السنة الأولى ثلاثمائة حالة كانت على وشك الطلاق وبعد تدخل المختصين في الإصلاح انتهت جمعيها بالرجوع إلى بيت الزوجية حتى أصبح عدد الحالات التي تطلب الإصلاح في كل سنة يزداد ويقدر بالآلاف .

إذن ليس المهم كثرة وتعدد المراكز والجمعيات النسائية الإسلامية ، بقدر ما هو التركيز على نوعية العمل الذي تقوم به لإصلاح المجتمع ، فنحن لا نحتاج إلى الأعداد الهائلة من العناصر النسائية الفاعلة بقدر ما نحتاج إلى خطط مدروسة وجهود مخلصة لتحقيق الحلول الإسلامية لمشاكل الوسط النسائي . إذن فنحن بحاجة إلى تصحيح مسار العمل النسوي الذي يجب أن يسير وفق منهج رباني, يتماشى مع طبيعة القضايا الإجتماعية في عصرنا الحالي ، و بأساليب تحقق لنا الحلول لمشكلات الحياة المستجدة .

ألا تري معي أختي الداعية أن وحدة العمل والمنهج واجب علينا حتى نستطيع أن نؤدي الأمانة العظمى ونبلغ الرسالة التي أناطها الله بنا ، فقد قال تعالى :( انا عَرَضْنَا الْأَمَانةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ ان يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْانسَان انهُ كَان ظَلُومًا جَهُولًا ).([104][3]) وانظري أختاه إلى قوى الكفر كيف تتوحد وتتعاون فيما بينها إذا رأت أن خطر الإسلام والمسلمين يداهمها , فنراهم يتوافدون من كل أرجاء المعمورة ليعقدوا المؤتمرات ويحيكوا المؤامرات لإحباط أي عمل إسلامي يمكن أن يعرض وجودهم للخطر, فقد شهد العالم أجمع أولى حروب القرن الحادي والعشرين ، والتي هب معسكر الكفر في جميع أنحاء العالم لقتال أمة لا ذنب لها ، سوى أنها أعلنت الإسلام منهجاً ودستوراً للحياة في بلدهم . فما بالنا نحن المسلمين لا نكون متحدين متحابين متواصلين فيما بيننا ؟ حتى نستطيع التصدي لكيد الأعداء بكل قوةٍ وعزم . واعلمي أختاه أن جهود الكفر والطغيان ضد الإسلام وأهله لا يقف في مواجهتها إلا عمل إسلامي منظم ومدروس ، وفق خططٍ محكمة بالغة الدقة .

ولا تقولنَّ قائلة إن تربية النفوس وفق المنهج الرباني الذي يقوم على المبادئ والأخلاق وتربية الروح يحتاج إلى وقت طويل ، ونحن في عصر السرعة يجب علينا اللحاق بركب الأمم , والصحيح أنه يجب الصبر حتى تنمو بذرة الخير وتنبت منها شجرة الفضيلة ، شجرة قوية ضاربة في أعماق الأرض ,حينها تصلح الثمرة ويحلو مذاقها ويحين قطافها ، وينتفع بها الناس .

ولئن نحرص على عمق التربية الإيمانية وتطبيقها في حياتنا اليومية ليصبح استئناف الحياة الإسلامية أمراً ملموساً في واقعنا المعاصر , أفضل ألف مرةٍ من أن ندفع بأعداد كثيرة من النساء , تسير بلا خطةٍ ولا هدف واضح , يحكمها الحماس والاندفاع مع قلة الخبرة والتجربة , وتكون النتيجة الإحباط الذي يبدد القوى ويستنفذ الطاقات ، ومن ثم النكوص والتراجع إلى الوراء في منتصف الطريق قبل تحقيق الهدف ، وهو إبلاغ الدعوة لمن ضلوا الطريق  في أرجاء هذا الكون المترامي . ولا تنسي أختي المسلمة أن وحدة المنهج للعمل الدعوي فريضة شرعية فقد قال تعالى :( وأن هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَانا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ).([105][4]) إذن فعلى كل إمرأةٍ مسلمةٍ داعيةٍ مخلصةٍ , أن تقف وقفة صدق مع نفسها , بعيدة كل البعد عن حب الذات  ، لتراجع حساباتها فتقف على مواقف الضعف والقوة التي يعاني منها العمل النسائي ، وبعد ذلك ترفع شعار التغيير والتصحيح ليكون عمل النساء الدعوي إسلامياً يستند إلى قاعدة صلبة تجعله فعالاً وناجحاً ، قادراً على إصلاح المجتمعات . ولتأخذ الجمعيات النسائية المسلمة مكانها بين الجمعيات والحركات النسائية العالمية . وتصبح قادرة على عقد الؤتمرات العالمية التي تتعلق بقضايا المرأة  لتعرض الحلول لقضايا المرأة بصورة مشرقة بعيدة عن التشويه . وحتى لا تتصدر الحركات النسائية المستغربة لحل قضايا الأسرة والمجتمع بعيدا عن العقيدة والدين ، كما حصل في المؤتمرات التي عقدت لبحث موضوع التزايد السكاني الذي عقد في القاهرة ، علماً أن الإسلام حسم موضوع تحديد النسل دونما حاجة إلى عقد المؤتمرات ، كما يحصل في عصرنا الحاضر بين الحين والآخر .

ولا يخفى أن هذه المؤتمرات التي تقيمها الدول الكبرى وتدعو إليها وتنفق عليها الملايين تستهدف الأسرة المسلمة ، وبالتالي المرأة المسلمة ليدور الجميع في فلك هذه الدول ضمن برامج العولمة التي بدأت أولاً من النظام الإقتصادي لجعل العالم قرية صغيرة بلا حدود ولا حواجز ، وهذا ما جاء في إطار المفاوضات التي عقدت في الأورغواي  والتي تمخض عنها انشاء المنظمة العالمية للتجارة في عام 1995 والتي تضم دول مجموعة الثمانية وهي الولايات المتحدة وكندا واليابان وانجلترا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وكذلك دول الإتحاد الأوروبي التي تضم 15 دولة أوروبية إلى جانب بعض دول أوروبا الشرقية ، كل هؤلاء يريدون إخضاع دولهم لقانون موحد يطبق على العالم كله وهو الإعلان العالمي لحقوق الانسان . وهذه الحقوق يتم تحديدها بالمفهوم الذي يروق لدول الغرب وبما يخدم مصالحها . ونحن كمسلمين لنا عقيدتنا وثقافتنا التي تقتضي أن نتوقف عند نظام العولمة ومعناه ، وإلى ماذا يهدف ؟ فإذا كان يعني القبض على زمام الأمور في العالم من سياسية وإقتصادية وإجتماعية مروراً بالمعتقدات والقيم فإن هذا مرفوض من ناحية إسلامية ، لأنه يمس أصول عقيدتنا وثقافتنا ، والمرأة المسلمة جزء من المجتمع المسلم الذي تضعه الدول الكبرى دائماً في سلم أولوياتها ، ففي أي مؤتمر يعقد  في تلك الدول تعرض فيه أفكارُ يراد ترويجها في دول العالم الإسلامي . ليسهل عليهم  فيما بعد الانقضاض على الإسلام وأهله .

وقد يقال إننا أمة عندنا روح المؤامرة , لماذا كل شيء يحصل في الغرب يقال إنه يستهدف الإسلام والمسلمين ؟ ولكن هذه هي الحقيقة فمن الذي مهد لخلع الحجاب في بلاد الشرق ؟ أليس هو الاستعمار الصليبي ؟ عن طريق رعايته لرواد البعثات العلمية والحركات التحررية , أمثال قاسم أمين ولطفي السيد ومن النساء أمينة السعيد وهدى شعراوي ، وقد تحقق ما خططوا له حيث استجابت النساء الجاهلات الغافلات في بلاد الشرق لهذه الدعوات .

وحتى لا تقع المرأة المسلمة ضحية لهذه المؤتمرات التي تعقد هنا وهناك , علينا  توعيتها لتكون محصنة بالعقيدة والعلم والثقافة ، لتندفع نحو الأصالة والثقافة العلمية الهادفة من خلال برامج مدروسة ومنظمة تتوافق مع عقيدتنا وقيمنا . ولئلا تكون المرأة أسيرة الغرب ومؤتمراته دون أن تدري ، عليها أن تتفهم بحكمة بالغة ونظرة ثاقبة ، معاني ومفاهيم المصطلحات التي يستعملها الغرب وأعوانه من خلال خطبهم الرنانة في هذه المؤتمرات كما حصل في مؤتمر الأمم المتحدة للنساء الذي عقد في نيويورك بتاريخ 5/6/2000 حيث افتتح المؤتمر كوفي عنان بقوله :[ إن مستقبل هذا الكوكب يعتمد على النساء ، وقال إن ممارسة العنف ضد النساء أمر خارج عن القانون في كل أنحاء العالم وإن القتل على جرائم الشرف بحق النساء مخجلة , وإنه لا بد من إعطاء المرأة حقها في التعليم لتأخذ دورها في موضوع العولمة ] وحضرت المؤتمر هيلاري كلينتون  ودعت إلى جعل هذا القرن الجديد خال من جرائم الاغتصاب وبيع النساء كرقيق يتعرضن للعنف الجسدي والضغط النفسي . وحضرت المؤتمر أيضاً وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة مادلين اولبرايت  فقالت:[ إن التنمية الإقتصادية دون أخذ المرأة بالإعتبار لم يعد ممكناً وطالبت بمنع تجارة الرقيق الأبيض وهو بيع النساء ] وقد حضر المؤتمر مئة وثمانون دولة من مختلف أنحاء العالم ، وأكثر من ألف ومائتي جماعة مدافعة عن حقوق المرأة .

إن هذه المؤتمرات تعقد في دول بعيدة كل البعد عن القيم ومبادئ الأخلاق ولها ظرفها الإجتماعـي الـذي أدى بالمرأة عندهم إلى أن تصل إلى هذا الحال الذي هي عليه من امتهان لكرامتها وتقليل لشأنها وظلمها حيث أصبحت مستعبدة لأصحاب الشركات التجارية ودور اللهو التي تدفن فيها المرأة أنوثتها وحياءها .

فما بالنا نحن المسلمين وهذه المؤتمرات ؟ إنها لا تمت لمعتقداتنا بأي صلة لأن القضايا المطروحة على بساط البحث عندهم قد حسمها الإسلام منذ أربعة عشر قرناً .

وإذا أرادت المرأة المسلمة أن تأخذ دورها في الحياة المعاصرة فعليها أن تتسلح بالعقيدة الدينية والثقافة الفكرية القائمة على أصالة الفهم السليم لقوانين شريعتنا الغراء لتقود الجيل المعاصر نحو الحضارة العلمية المعاصرة ، ولكن وفق المعايير الدينية الربانية .

ولتجتهد في تأسيس الحركات النسائية التي تأخذ زمام المبادرة فتعقد المؤتمرات الإسلامية لتعرض من خلالها مكانة المرأة المسلمة ودورها في بناء المجتمع المسلم وتؤكد على الحقوق العظيمة التي نالتها المرأة عندما سطعت شمس الإسلام في سماء  الكون ، عندما أشرق النور من مكة على لسان محمد ىلص ملسو هيلعهللا .

ولتعمل الحركات النسائية في بلاد الإسلام على تسخير وسائل الإعلام المختلفة من مجلات وصحف وتلفاز ومذياع والإنترنت لنشر وعرض مبادئ الإسلام بطريقة جذابة ومقنعة تدخل إلى قلوب وعقول نساء الأمم الأخرى .

وتعلن وبصوتٍ عالٍ أن البشرية لن يستقر لها حال ، ولن تشعر بالأمن والأمان إلا في ظل دين الإسلام ، والإسلام هو الحل ، وهو طريق الخلاص للبشرية جمعاء من حمأة التدهور الأخلاقي والنكد الذي تغرق فيه ويحرمها لذة العيش ، والإسلام هو الدين الذي جاء موافقاً لفطرة الانسان التي فطره الله عليها . فهو الدين الوحيد الذي يجمع بين المادة والروح ، وهو الصالح لكل زمان ومكان ،وهو المتكفل بصلاح البشرية إلى أن تقوم الساعة . فمتى تستطيع المرأة المسلمة أن تقود مؤتمرات عالمية ؟ تعرض من خلالها الصورة الوضائة المشرقة عن مكانة المرأة في الإسلام . فتستطيع إقناع دول العالم بقوة الإسلام وعظمته وقدرته على مواكبة حضارة العصر بمختلف معانيها . متى يكون ذلك ؟ عسى أن يكون قريباً .

قضايا معاصرة

 

ورغم هذا التكريم والتعظيم للمرأة المسلمة إلا أن هناك فئة من الحاقدين يعمدون بين الفينة والأخرى لإثارة الشبهات لتشويه صورة الإسلام بين الأمم ، فقد أثاروا شبهات حول الحجاب فقالوا : إن هذا ظلم وتعسف في حق المرأة ، لأنها لا تظهر زينتها إلا لرجل واحد ، وهي ممنوعة من الاختلاط بالرجال ، وهذا تقييد لحريتها وتعطيلُ لطاقاتها وقدراتها و قد سبق الكلام عن هذه الشبهات .

قضية تعدد الزوجات :

أثاروا ضجةً حول قضية التعدد فقالوا إن هذا تقليل من شأن المرأة وإيذاء لمشاعرها ، غير عالمين بأن الإسلام أباح التعدد بشرط العدل والمقدرة المالية ومن دواعي التعدد الأمور التالية :

1. المرض : إذا كانت المرأة مريضة مرضاً مزمناً لا يرجى شفاؤه .

2. العقم : كأن تتعالج المرأة ولسنوات عديدة ولكن لا يكتب لها الولد وزوجها يريد ذلك فله أن يعدد لإشباع غريزة الأبوة .

3. نشوز المرأة : إذا كانت متعالية مترفعة عن طاعة الزوج ، ولا تستجيب لما أوجب عليها الشرع من أحكام شرعية في المعاشرة الزوجية  .

4. زيادة عدد النساء : إذا كان هناك حدث عام في المجتمع الإسلامي أدى إلى زيادة عدد النساء  على عدد الرجال بنسب عالية جداً .

ويشترط للتعدد كما سبق أن تكون للرجل القدرة المالية ليستطيع أن يعطي كل واحدة حقها كاملاً دون نقصان .

 

ويشترط أيضاً أن يعــدل الرجل بين زوجاته ، فقد قال تـعالى :( وَان خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَام:َى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَان خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ).([106][5])

قضية الميراث :

وأما الميراث فقد جعل الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين فقال تعالى :( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْانثَيَيْنِ فَان كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ... ).([107][6])

ففي هذا التقسيم يأخذ الذكر نصيبه ويكون ملزماً بالنفقة على بيته وعلى أمه وكذلك على أخته . أما البنت فتأخذ نصيبها وهي غير مكلفة بالإنفاق على أحد بل تحتفظ بنصيبها لنفسها فقط ، وتنفق منه كما تريد فهي المنصفة في هذه القضية وليس الرجل  .

ولم يكتف أعداء الإسلام بهذا بل عمدوا إلى التدخل في نظام الأسرة الداخلي ففي كل يوم نسمع قضية جديدة تثار لتكون موضوع حوار ونقاش من على منابر المراكز النسوية ، فمن قضية الزواج المبكر إلى قضية زواج الأقارب إلى الطلاق  إلىالخلع إلى قضية تحديد النسل تمشياً مع متطلبات عصر التطور والحضارة . وكل هذا من أجل الوصول إلى الأسرة المسلمة ومن ثم إلى المرأة المسلمة في عقر دارها ليغرسوا ما   يريدون من مبادىء وأفكار في عقلها لتصبح فيما بعد رهينة توجيهاتهم ، فيصوغون  شخصيتها بالطريقة التي يريدون . وحتى لا تخدعي أختي المسلمة بهذه الأفكار المسمومة ، عليك أن تكوني على علم ودراية بأحكام التشريع الإسلامي في هذه القضايا لتقفي بالمرصاد لناشري لهذه الأفكار ضد الإسلام فتكوني قادرة على حوارهم بالحجة والدليل .

قضية الزواج المبكر :

وما يثار حوله من شبهات ومطالب لتغيير قانون الأحوال الشخصية لتأخير سن الزواج للشباب والفتيات . فهو مجانب للصواب لأن الزواج المبكر ليس هو السبب في فشل الحياة الزوجية كما يدعون ، فنحن نعلم أن أمهاتنا تزوجن في سن مبكرة وقد أنجبن أولاداً أقوياء أذكياء فكان منهم المهندس والطبيب والمعلم والبطل المقدام كل هؤلاء نتاج نساءٍ تزوجن في سن مبكر . فأين  المشكلة إذن ؟

إن المشكلة في عدم فهم مقاصد الشرع فيما يخص النظام الاجتماعي من زواج وطلاق

وإنجاب . فالشرع الإسلامي لم يحدد سناً معيناً للزواج بل ترك ذلك للعقول الحكيمة والفطر السوية لتقرر ما فيه مصلحة طرفي الزواج الشاب والفتاة .

وقد تذرع المنادون بهذه الأفكار فقالوا : إن الزواج المبكر يمنع الشاب والفتاة من نيل كثير من حقوق الطفولة فهم يعتبرون أن سن الطفولة يمتد إلى الثامنة عشر من العمر فإذا تزوج الشاب والفتاة في سن مبكر حرموا من حق التعليم وفقدوا حنان الأم والأب ، وأثر ذلك على اكتمال نموهم الجسمي والعقلي وحملهم فوق طاقتهم من مسؤوليات لا يستطعون القيام بها مثل مسؤولية رعاية شؤون البيت ورعاية الأطفال والقيام بحقوق الزوجية وهذه حجج واهية لا أساس لها في الشريعة لأن الله تعالى أدرى منا بأنفسنا فهو الذي خلقنا ويعلم ما يضرنا وينفعنا فعندما جعل البلوغ هو بداية التكليف فذلك لعلمه أن الانسان بعد البلوغ يكون قادراً على فهم مقاصد الشرع ، وبالعقل يكون واعياً فاهماً لخطاب الله تعالى ، وبالبلوغ يكتمل جسم الشاب والفتاة ويصبح كل منهما قادراً علىتحمل وتفهم الأمور التي تتعلق بالزواج  ، من إدارة لشؤون البيت وقيام على شؤون الأطفال ، وكل هذا يرجع إلى جو الأسرة والبيئة التي نشأ فيها الشاب أو الفتاة فإذا كان الوالدان على وعي بأمور الحياة عودوا أبنائهم على تحمل المسؤولية بقدر ما يطيقون ، وبذا لا يجد الشباب صعوبة في الاعتماد على أنفسهم فيما بعد وكذا الفتاة ، والتاريخ الإسلامي يشهد بأن شباباً كلفوا بقيادة جيوش وهم في سن السادسة عشر مثل أسامة بن زيد عندما قاد جيشاً فيه كبار الصحابة  . فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الانسان يستطيع أن يعتمد على نفسه وإدارة شؤونه الخاصة  كما علمه أبواه ، وبتحكيم عقله يستطيع أن يتغلب على صعوبات الحياة  . وأما قضية التعليم فهي قضية محسومة فإن الله تعالى قد أعطى لكل إنسان قدراً معيناً من الذكاء ليستعين به على التحصيل العلمي فبعض الفتيات لا يرغبن في الدراسة ولديهن رغبة في تعلم مهنة يدوية ، وكذلك الشباب قد يكون منهم من يحب العمل الحر فيترك المدرسة ويبدأ بالعمل لكسب الرزق فيجمع مالاً ويفكر بالاستقرار النفسي - الزواج - فإذا لم يجد من يشجعه على ذلك فقد يلجأ إلى تبذير ما يجمع من أموال في أمور تافهة ومخالفة للشرع وهذا يعني ضياع ماله ووقته دون تحقيق أي هدف أو غاية يعود عليه بالفائدة . وعلىهذا فإن الدعوة إلى تأخير سن الزواج سيكون له سلبيات وعواقب وخيمة على المجتمع وهي :

1. جر الشباب والفتيات إلى الانحراف عن الطريق السوي وانتشارالفساد في المجتمع مما يكون له الأثر السلبي في تقويض القيم والأخلاق .

2. يؤدي إلى انتشار ظاهرة العنوسة وعزوف الشباب والفتيات عن الزواج مما ينعكس على نفسياتهم فينعزلون عن الأسرة والمحيط العام وبالتالي التقوقع حول أنفسهم والفشل في المشاركة الفعالة في المجتمع .

3. تأخير الزواج عند الفتيات يؤدي إلى تقليل نسبة الإنجاب عندهن فكلما تأخر سن الزواج كلما طرأ الضعف على البييضة وبذلك تقل نسبة إنجاب أطفال أقوياء وأصحاء .

وللتدليل على صحة ما سبق فقد نشرت مجلة تايم الأمريكية خبراً مفاده أن  مليونا طفل ولدوا لفتيات قاصرات لم يبلغن سن الثامنة عشر وبزواج غير مشروع  فهل يعي أصحاب الدعاوى الباطله هذا الخبر ؟ ولا يقلدون الغرب في كل صغيرة وكبيرة فينطبق عليهم قول الله تعالى :( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ).([108][7]) وفي حديث أبي سعيد الخدري  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لاتبعتموهم قلنا يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن غيرهم ؟ ) رواه البخاري ومسلم.

وعلى هؤلاء أن لا يتدخلوا في القوانين الإلهية التي شرعها الله تعالى لضمان سلامة وأمن المجتمع من الرذائل ولضمان الأمن والاستقرار للأطفال في هذا الكون فأي حضارة هذه ؟ التي تجعل من الزنا أمراً مباحاً وغير مستغرب تحت ذريعة الحرية الشخصية ، وأنه لا يجوز لأحد أن يتدخل في وضع قانون يحرم هذا العمل المنحرف الذي يخالف طبيعة الانسان السوي والفطرة السليمة ، وقد عانى الغرب من مظاهر الانحلال الخلقي والذي كان من أعظم نتائجه الوخيمة ولادة أعداد كثيرة من الأطفال خارج إطار الزواج ، ولقد أضناهم البحث عن حلول لمعالجة هذه القضايا . وكلما وضعوا حلاً  واجهوا مشكلات أخرى ، فهم قد نسوا أن الله يعلم وهو لايعلمون ،وأن علم الله واسع شامل وعلم البشر محدود . ولهذا يجب على وكلاء الاستعمار في بلاد الإسلام أن لا ينعقوا بكل ما سمعوا ، فإن لكل مجتمع عاداته وتقاليده وقيمه وأخلاقه الخاصة به والتي تميزه عن غيره من المجتمعات  الأخرى . فلا يجوز لهم أن يطالبوا بتأخير سن الزواج محاكاة لدول الغرب حتى يقال إنهم متحضرون ومتقدمون . فلئن تتزوج الفتاة والشاب في سن مبكرة وينجبوا الأطفال في إطار الحياة الزوجية وفي مؤسسة الأسرة الشريفة الطاهرة وينعموا بالعطف والحنان الأسري ، خير من عقد مئات المؤتمرات والندوات لمناقشة مشاكل الأطفال غير الشرعيين .

 

قضية زواج الأقارب :

أثار دعاة التقدم والحضارة موضوع الزواج من الأقارب وذلك بدعوى أن هذا الزواج يقلل من فرص إنجاب أطفال أذكياء أصحاء والحقيقة أن هذا الموضوع انقسم فيه الناس منذ قديم إلى قسمين فمنهم من يشجع زواج الأقارب وذلك لأسباب منها :

أ. إن زواج الأقارب يحافظ على روابط العائلة قوية متماسكة .

ب. القريبة تتحمل وتصبر على ضنك الحياة أكثر من غيرها .

ج. الحفاظ على ثروات العائلة من عقارات وأموال فلا تنتقل إلى غيرهم .

د. زواج الأقارب يحقق معنى الكفاءة في النسب ويضمن زواج بنات العائلة بشبابها مما يعني القضاء على مشكلة العنوسة .

وأما القسم الثاني فيرى أن الزواج من البعيدة يؤدي إلى التعارف وتقوية الترابط بين العائلات المختلفة وأن الزواج على هذه الطريقة يوجد فرصة أكبر لحسن اختيار الزوج والزوجة بعيداً عن التعصب القبلي والزواج بالبعيدة يضيف دماء جديدة للعائلة مما يعني إنجاب جيل جديد من الأطفال ، أقوياء الجسم ، أذكياء العقول .

أما من ناحية الشرع والعلم فقد ثبت أن تكرار الزواج من الأقارب مدعاة إلى ضعف النسل فقد روي عن رسول اللهىصلى الله عليه وسلم ا قوله :( لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاوياً ) . رواه ابن حبان بسند ضعيف

وروي عن عمر يلا أنه رأى قبيلة بني السائب قد ضعف نسلها فقال :( ما لي أراكم يا بني السائب قد ضويتم ؟ غربوا النكاح لا تضووا ) . وقال ابن حجر في فتح الباري  " التجربة أن الولد بين القريبين يكون أحمق "

وإذا ثبت طبياً أن الزواج من القريبة ليس فيه خطر على النسل وذلك لعدم وجود أمراض وراثية في العائلة فيبقى حكم زواج الأقارب مباحاً ، وقد يقال كيف يمكن معرفة وجود الأمراض الوراثية ؟  إن الفحص الطبي قبل الزواج لتحري الأمراض التي تؤثر على صحة النسل أمر مباح شرعاً وقد أصبح ميسراً وسهلاً ، فعن طريق إجراء فحص ٍ للدم في أحد المختبرات تظهر النتائج ما إذا كان أحد الخاطبين حاملاً لمرض وراثي أم لا ؟ ويكفي أن يجري هذا الفحص أحد الخاطبين فإذا أظهرت النتائج أن الإثنين يحملان المرض وباستشارة من الطبيب المسلم التقي الورع الصادق ، فاذا نصح بأن لا يتم الزواج لأن النسل سيكون فيه  تشوهات كثيرة فإن الإسلام أباح الإبتعاد عن مثل هذا الزواج .

 

قضايا الطلاق :

فقد شرع الله سبحانه وتعالى الطلاق في حال استحالة استمرار الحياة الزوجية وبعد استنفاذ جميع طرق الإصلاح وقد جعل الطلاق بـيـد الرجل لأسباب منها :

أ. لأن الرجل هو الذي يتقدم لخطبة المرأة وهو الطالب والمرأة مطلوبة ، وهو الذي يدفع المهر ويتكلف بالنفقة على الزوجة والأولاد ، وهذه الأمور كفيلة بأن تحمل الرجل على التأني في اتخاذ قرار الطلاق ، وقد تزول أسباب الطلاق نهائيا إذا حلم الرجل على زوجته وأعطاها فرصة لتراجع نفسها .

ب. الطلاق أمر خطير ويحتاج إلى تفكر وروية ، والرجل أقدر على ضبط انفعالاته وعواطفه من المرأة ، فالمرأة سريعة الغضب وعند اختلافها مع الرجل لا تعطي لنفسها فرصة المراجعة ، وهذا يعني كثرة حالات الطلاق وهدم البيوت وتشريد الأطفال . وهذا يعني كثرة الجرائم في المجتمع لغياب مؤسسة الأسرة  .

ولا يعني إعطاء الرجل حق الطلاق أن يستعمله بطريقة تعسفية ودون مبررات وأسباب شرعية فقد قال تعالى :( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَان كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى ان تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ).([109][8])

وقال رسول الله ى صلى الله عليه وسلم لا :( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) . رواه أبو داود وابن ماجة ، وقد نهى الإسلام عن إيقاع الطلاق على المرأة وهي حائض بل يطلقها في طهرٍ لم يمسها فيه وذلك لأن الطهر هو الوقت الذي تظهر فيه رغبة الرجل في زوجته .

والدليل على ذلك أن عبد الله بن عمر طلق زوجته وهي حائض فرده رسول الله ىلص ملسو هيلع هللا وقال إذا طهرت فليطلق أو ليمسك . وقد جعل الإسلام الطلاق ثلاثاً حتى يكون هناك فرصة لكل من الزوجين أن يراجع نفسه فقد قال تعالى :( الطَّلَاقُ مَرَّتَان فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ ان تَأْخُذُوا مِمَّا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا ان يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَان خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ).([110][9])

فهناك الطلاق الرجعي الذي يحل للرجل أن يراجع زوجته قبل انتهاء العدة وهناك الطلاق البائن بينونة صغرى والذي يجيز للرجل إعادة زوجته بعد انتهاء العدة ولكن بعقد ومهر جديدين وهناك الطلاق البائن بينونة كبرى وبه تحل عقدة النكاح نهائياً فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره .

قال تعالى :( فَان طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَان طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ان يَتَرَاجَعَا ان ظَنَّا ان يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ).([111][10])

وقد أثار دعاة تحرير المرأة بأن هذا ظلم وإجحاف في حق المرأة فقد يكون هناك حالات تكون المرأة مظلومة وتريد أن تطلب الطلاق من زوجها مثل :

أ. أن يمتنع الزوج عن الانفاق على زوجته .

ب. أن يغيب الزوح عن الزوجة غيبة متصلة سنوات طويلة مما يعرض المرأة إلى العنت والأذى .

ج. قد لا يحسن الزوج معاشرة زوجته فيضربها ويشتمها لأتفه الأسباب مما يدعوها إلى كراهيته ونفورها منه فيا ترى ماهو الحل لمثل هذه الحالات ؟

إن مقاصد الشرع الإسلامي بناء البيوت على المحبة والمودة والتآلف وليس علىالظلم والتعسف . والزوجة لها أن ترفع أمرها إلى القاضي وتقيم الحجة والبينة على أنها مظلومة ، وأن حقوقها مهضومة ، وأنه يستحيل أن تعيش مع الزوج في ظل هذه الظروف فقد روى البخاري عن ابن عباس قال : جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله ىلصصلى الله عليه وسلم فقالت :( يارسول الله إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته ؟  قالت : نعم ، فقال ىلص ملسو هيلع هللا : إقبل الحديقة وطلقها تطليقة ) .

فهذا نموذج لحالة إمرأة تخاف أن لا تؤدي حق الزوج فقد أجاز لها الرسول صلى الله عليه وسلم ملسو هيلع أن ترد له ما دفع من مهر فيطلقها وهذا ما يسمى بالخلع . فهذه القصة تدل على أن نظام الأحوال الشخصية في الإسلام كفل للمرأة حق المطالبة بالطلاق إذا أثبتت ما يبرر لها هذا الطلاق .

ومشروعية المخالعة لا تعني أن تطالب المرأة زوجها بالطلاق لمجرد اختلافها معه في أمور بسيطة ، فالمرأة الحكيمة تصبر وتتحمل في سبيل المحافظة على بناء أسرتها فلا تترك وسيلة للإصلاح إلا وتعمل بها ، فإذا عجزت عن الإصلاح استعانت بأهل الصلاح والتقوى لعلهم يقدرون على معالجة حالة النشوز التي عند زوجها فقد قال تعالى :( وَان امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ان يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْانفُسُ الشُّحَّ وَان تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَان اللَّهَ كَان بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ).([112][11])

إذن فالطلاق لم يشرع حتى يتخلص أحد الزوجين من الآخر عند أول خلاف يحصل بينهما , لأن مقاصد الشرع بناء الأسرة وليس هدمها .

وفي عصرنا الحالي من يتتبع أخبار المحاكم يسمع العجب العجاب من صور إهانة الأزواج لبعضهم البعض على الملأ ، مما يؤدي إلى اتساع الهوة بينهما ويجعل فرص الإصلاح ضعيفة وأحياناً مستحيلة . ويستعرض كل واحد منهما أقصى ما لدية من قوة وفصاحة لنشر أسرار الحياة الزوجية . وكل ذلك ليثبت صحة ما يقول ، وللأسف فإن انتشار هذه الحالات في مجتمعنا أمر يدمي القلب ويقض المضـاجع ويبعث الأسى في النفوس . ألا فليتق الأزواج ربهم في بعضهم البعض .

ومما يحزن النفس أكثر ، هو احتكام الأزواج أمام المحاكم غير الإسلامية التي تعطي الرجل أو المرأة حقوقاً بعد الطلاق ليس لها أصلٌ في الشرع الإسلامي كما نسمع ، فهناك بعض النساء تطلب الطلاق أمام المحاكم غير الإسلامية لتأخذ نصف ما يملك الرجل وفق نظام هذه المحاكم وتطالبه بالنفقة والمسكن حتى بعد الطلاق وبعد انتهاء العدة  . ألا فليعلم الأزواج ، نساءً ورجالاً أن المحاكم والمحامين لا يمكن أن يصلحوا البيوت ما لم تكن هناك النوايا الصادقة من قلوب بيضاء صافية وعزم قوي من الطرفين لبدء حياة جديدة بعيدة عن التنافر والحقد والكراهية . فعليهما التنصل من حب الذات والغرور والكبرياء التي غالباً ما تكون هي سبب الطلاق وأن لا يتمسك كل منهما برأيه ويصر على عدم التنازل عنه ، فلا تكونوا معاشر الأزواج معول هدم للأسرة المسلمة بل اعملوا على التضحية من أجل أبنائكم ليكونوا أفراداً صالحين قادرين على قيادة المجتمع المسلم إلى ما فيه الخير في الدنيا والآخرة .

 

قضية عمل المرأة :

اختلف المفكرون والدعاة في عصرنا الحاضر في موضوع عمل المرأة بين مؤيد ومعارض ولكل رؤيته وحجته .

أما المعارضون فقالوا : إن المهمة الأساسية للمرأة هي تربية  الأولاد والقيام على تدبير شؤون المنزل , وأن الأسرة هي المؤسسة الوحيدة التي تمد الطفل بالعطف والحنان وتضمن له العيش بأمان واستقرار , وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان .

ولكن قد تتعرض المرأة لظروف تحتاج فيها للعمل ,كأن تكون أرملة أو مطلقة ولايوجد لها من يعيلها, وقد تكون من أسرة فقيرة  فتضطر للعمل لتساعد والديها في توفير النفقة لإخوتها الصغار, وقد تكون متزوجة ولكن راتب الزوج لا يكفي لتغطية احتياجات الأسرة ، فتعمل الزوجة لتعين زوجها , وهذا حال الموظفين في واقعنا المعاصر , وقد يكون المجتمع بحاجة إلى عمل المرأة  كأن تكون طبيبة  مثلاً فإن العنصر النسائي يحتاج إلى نساء متخصصات في مجال الطب للكشف عليهن والقيام على علاجهن حتى لايقعن في المحظور  , ولأن المرأة المسلمة تحرص على عدم كشف عورتها عند الطبيب لأنها تعلم أن الشرع أجاز للمرأة أن تتعالج وتكشـف عند الطبيب في حالة عدم وجود طبيبة تتولى  الإشراف على علاجها .

ومن خلال تجربتي الخاصة حيث كنت امرأة عامله في بداية حياتي أقول :

إذا استطاعت المرأة أن توفق بين مهمتها الأساسية كأم وزوجة وبين عملها خارج البيت فلا أحد يعارض عملها . وقد يقال كيف لها أن تعطي زوجها حقه وكذلك أولادها , ومن ذا الذي سيقوم على رعاية وتربية الأولاد ؟ فإذا وجدت الأم حضانة تتوفر فيها الشروط الصحية والاجتماعية فلا مانع أن تضع الطفل فيها ريثما تعود . ففي نظري ليس المهم مدة الوقت الذي تقضيه الأم مع الأولاد بقدر كيفية قضاء الوقت الذي تمضيه مع الأولاد ،فهناك الكثير من النساء لم يخرجن للعمل ومع ذلك لم يصنعن من أولادهن نموذجاً يحتذى لا في اجتهادهم ولا في أخلاقهم , ولا في دينهم ، وهناك أمهات عاملات يعتنين بأولادهن عناية فائقة  ، والسبب هو أن الأم التي تخرج من بيتها تقدر قيمة وقتها بالدقيقة , فلا تدع فرصة ولو كانت بسيطة دون أن تستغلها في تربية وتعليم  أولادها .إن المرأة إذا نظمت حياتها وحرصت على استغلال وقتها بدقة فإنها تستطيع بإذن الله أن تعطي كل واحد في الأسرة حقه ، إلى جانب مضاعفة نشاطها قليلاً وتعودها على الحركة الدائبة  فإنها ستكون قادرة على التوفيق بين عملها خارج البيت وواجباتها الأساسية  .

وقد يقال إن هذا متعب جداً ويحتاج إلى طاقة كبيرة من المرأة حتى تقوم بهذه الأعمال .

والجواب : إن هذا صحيح ،ولكن الإنسان يستطيع أن يتكيف حسب الظرف الذي يعيش فيه ، إن التعب الجسدي ينتهي بمجرد أخذ الجسم قسطاً يسيراً من الراحة  أما عن شروط  العمل والمجال الذي تعمل فيه المرأة . فيجب أن يكون موافقاً لأحكام الشرع الإسلامي وهي :

1. أن تعمل بموافقة الزوج فإذا لم يأذن لها فيجب عليها طاعته ويكلف هو بالإنفاق عليها بما يستطيع .

2. أن تكون قادرة على التوفيق بين عملها وبين واجبها الأول وهو إنجاب الأولاد وكونها زوجة مكلفة بالعمل على راحة زوجها ، فإذا تعذر عليها ذلك وتعرض بناء الأسرة للانهيار ، فعليها أن تقر في بيتها لتؤدي حق زوجها وحق أبنائها في التربية والتوجيه الصحيح .

3. أن يكون  العمل مشروعاً كأن تعمل معلمة أو طبيبة ولا يجوز لها  أن تعمل ممثلة أوتعمل في مقهى وتقدم الخمر والمحرمات .

4. يجب أن يكون العمل بعيداً عن الاختلاط بالرجال أو الخلوة معهم ، وأن تلتزم الحشمة والوقار فلا تخرج سافرة متبرجة لئلا تلفت أنظار الرجال إليها  فتكون سبباً في نشر الفساد والانحراف الأخلاقي ، ومن ثم تكون معول هدم في المجتمع  .

5. أن يكون العمل مناسباً لطبيعة المرأة ، فلا تعمل في البناء مثلاً

6. أن لا تبخل على زوجها وأولادها بما تستطيع ولا يصح للمرأة أن تقول إنها حرة التصرف بمالها ، لأن خروجها من البيت على حساب الزوج والأولاد ، ولا بد أن تسهم بجزء من راتبها لتغطية نفقات البيت .

فإذا تفاهم الزوجان على موضوع عمل الزوجة، وتعاونا في تحمل مسؤولية البيت وتربية الأبناء فإن عمل الزوجة سيكون عامل سعادة لأفراد الأسرة وليس عامل شقاء وتعب وتشريد ، كما نسمع أحياناً بأن عمل الزوجة كان هو السبب الرئيسي في الخلافات الزوجية مما أدى أخيراً إلى الطلاق وهذا عمل مجانب للحكمة والصواب .

 

قضايا تحديد النسل :

في كثير من الدول العربية تطل علينا وسائل الإعلام وبصور مختلفة من دعاية وإعلان تحرض كلها على تقليل عدد الأبناء وتعرض بأساليب جذابة صوراً لأسرة مكونة من الأب والأم وابن وبنت وعلى الأكثر صوراً لأم وأب وابنين وبنتين ، وتبين أن هذا العدد القليل من الأولاد هو من أسباب الرفاهيه لهذه الأسرة ، بعكس ما لو كان عدد أفراد الأسرة كثيراً . ناهيك عن عرض الصور الجذابة للمرأة التي تحدد النسل ، وكل هذه الدعايات لن تقلب الأمور رأساً على عقب لأن حب الأمومة والطفولة أمر غريزي في الانسان .

وهذه التوجهات ما هي إلا تقليد للغرب ولذلك كانت أول قضية نوقشت في مؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة سنة 1994 هي مسألة تحديد النسل فحسب زعمهم إن البشرية إذا بقيت تتوالد بنسب عالية فإنه سيأتي يوم لا تفي هذه الأرض باحتياحات البشر . ونسي هؤلاء أن الله تعالى خلق الكون وقدر في الأرض أقواتها إلى يوم القيامة ، وأن الأرزاق بيد الله تعالى وحده وليس لأحد من البشر التدخل في القوانين الإلهية التي تضمن لكل مخلوق رزقه على هذه الأض فقد قال الله تعالى :( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ انهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا انكُمْ تَنْطِقُونَ ).([113][12]) وقال أيضاً  :( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ).([114][13])

ولا يجوز أن يكون تحديد النسل نظاماً عاماً تفرضه الدولة على الأفراد  فباستطاعة الدول أن تضع القوانين لإستغلال طاقات الأفراد وتوجيهها لسد الجوانب التي تنقص المجتمع المسلم في المجالات المختلفة , وذلك خيراً لها من عقد المؤتمرات الني تبحث في وسائل تحديد النسل .

ويثير أصحاب هذه الدعاوى شبهات منها أن كثرة النسل تشكل عبئاً ثقيلاً على الأب والأم وعلى المجتمع بشكل عام , والرد على هذا سهل وبسيط فقد أباح الإسلام للزوجين تنظيم النسل – المباعدة بين الحمل والآخر – ليتسنى للأم إعطاء كل طفل حقه من الرعاية والعطف والحنان والدليل على ذلك قول الله تعالى :( وَوَصَّيْنَا الْانسَان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ان اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) .([115][14]) وكذلك إذا كانت غير قادرة على متابعة حاجات الأولاد بطريقة تضمن لهم العيش بهدوء وأمان . فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها . فنحن لا نريد أعداداً كثيرة من الأطفال دون تربية ورعاية . وكذلك يجوز للمرأة أن تتوقف عن الإنجاب إذا كان فيه خطر على حياتها لأن من مقاصد الشرع الإبقاء على حياة الأم  وهي الأصل  .

هبطت من عليائها  فكانت الضحية

 

ظلت المرأة المسلمة عبر القرون الماضية درة مصونة ، يسترها حجابها ملكة تتربع على عرش بيتها , وتصنع الرجال العظماء والمجاهدين والعلماء , حتى غدا البيت المسلم قلعة حصينة صامدة في وجوه دعاة التغريب ووكلاء الإستعمار . ولكن هذا الأمر لم يرق لأعداء الإسلام ، فقد كان يؤرقهم أن يروا أمة الإسلام قوية عزيزة مهابة الجانب . فأخذوا يرسمون الخطط و يحيكون المؤامرات لتقويض أركان المجتمع المسلم ، فصوبوا أنظارهم وشحذوا عقولهم لمعرفة سر قوة المسلمين عبر التاريخ ,وأخيراً علموا سر هذه العظمة , إنها المرأة المسلمة , التي تتصف بصفات فريدة من نوعها ، فهي قوية الإيمان ,بليغة اللسان , جريئة في قول الحق ,رابطة الجأش قوية الجنان , استطاعت بناء الجيل المؤمن ، القوي بإيمانه وعقيدته وبعدما أيقنوا أنهم أمام قلعة حصينة ،استعملوا الوسائل المتعددة لإقناع المرأة المسلمة بالتمرد على العقيدة والعادات والتقاليد لتلحق بركب التطور والتقدم حسب زعمهم . فها هو جلادستون رئيس وزراء انجلترا يقف أمام مجلس العموم البريطاني ليقول :[ لن تستقيم حالة الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة المسلمة ويغطى به القرآن ] .

وهذا القس زويمر يبشر المؤتمرين في مؤتمر القاهرة التبشيري الذي عقد سنة 1906 الذي ناقش خطة التنصير في العالم الإسلامي ويوصيهم بجملة من الوصايا كان آخرها :[ أن لا تقنطوا إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبين وإلى تحرير نسائهم ].([116][1])

وتقول المنصرة آن مليجيان :[ لقد استطعنا أن نجمع في صفوف كلية البنات في القاهرة من آباؤهن باشوات وبكوات ولم يوجد مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي وبالتالي ليس هنالك من طريق أقرب إلى تقويض حصن الإسلام من هذه المدرسة ].([117][2])

ومن هنا بدأ تنفيذ المخطط الذي رسمه أعداء الإسلام للوصول إلى المرأة المسلمة فبدأ أولاً بإرسال البعثات التعليمية لمجموعة من المتعلمين إلى بلاد الغرب مثل فرنسا وانجلترا وكان في مقدمة هؤلاء المبتعثين رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين حيث استقوا ثقافتهم من تلك البلاد وبهرهم زيف الحضارة هناك فرجعوا إلى بلادهم يطالبون بكل جرأة وتحدي إلى تطبيق المبادىء الغربية التي تعلموها على أبناء الجيل الناشئ فكان رفاعة الطهطاوي يقول :[ السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعياً إلى الفساد والرقص على الطريقة الأوروبية ليس فسقاً . بل هو أناقة وفتوة ] .

أما تلميذه قاسم أمين فبعدما رجع من فرنسا ألف كتابه المشهور - تحرير المرأة -  كتب فيه أنه يتطلع إلى ذلك اليوم الذي يرى فيه المرأة المصرية متحررة من قيود الحجاب والعادات والتقاليد مثل أختها الفرنسية .

وتبعتهم من النساء هدى شعراوي حيث كانت رائدة العمل النسائي في ذلك الوقت وشاركت في المؤتمرات النسوية في الشرق والغرب ,فقد شاركت في أول مؤتمر دولي للمرأة عقد في روما عام 1923 وعندما خرجت مسافرة على متن السفينة رفعت الحجاب فكانت أول امرأة تتجرأ على خلع الحجاب وعندما عادت إلى القاهرة أسست الاتحاد النسائي المصري الذي جاءت توصياته وقراراته مطابقة لما جاء في مؤتمر روما من حيث المطالبة بحقوق المرأة السياسية والمطالبة بمساواة المرأة مع الرجل في شتى المجالات وإباحة الاختلاط بين الجنسسين والحد من سلطة الرجل بتقييد حق الطلاق وتعدد الزوجات وقد اهتمت الدول الغربية بأمر الاتحاد النسائي المصري حتى أن رئيسة الاتحاد النسائي  "أدولسي" حضرت بنفسها إلى مصر لتراقب عن كثب تطور الحركة النسائية ومدى فعاليتها في المجتمع المصري ومن بعدها "درية شفيق" التي كانت تهاجم بكل جرأة العادات والتقاليد الشرقية وهي التي بثت فكرة تقليد المرأة الغربية حيث قالت :[ فلنأخذ القدوة من أهل القدوة وليكن في السيدة الإنجليزية وعلى رأسها ملكة بريطانيا مثالاً لنا في كفاحنا من أجل السيدة المصرية ].

وتبعتها أمينة السعيد حيث ترأست مجلة حواء ومن خلالها بثت سموم التغريب في نساء مصر فدفعت بهن إلى النشوز والتعالي على أوامر الولي والزوج ودعت إلى التمرد على الحجاب والأخلاق فكانت تهاجم الحجاب بكل صراحة وجرأة وتقول مستنكرة :[ هل من الإسلام أن ترتدي البنات في الجامعة ملابس تغطيهن تماماً وتجعلهن كالعفاريت  ؟ وهل لا بد من تكفين البنات بالملابس وهن على قيد الحياة ؟ ] .

وبقي تلاميذ الاستعمار ينادون بتحرير المرأة وتخليصها من سطوة الرجل حتى انخدع كثير من النساء بتلك العبارات المزيفة وفعلاً بدأت الفتيات في مصر يتمردن على الحجاب فبدأن بكشف الوجه أولاً ، ثم كشف الرأس ثم بإظهار الأذرع ومن ثم السيقان ثم مجالسة الرجال دون التزام بالأحكام الشرعية أو العادات والتقاليد .

وتتابعت مظاهر التمرد على الحجاب والتحرر من الأخلاق حتىغدت المرأة تزاحم الرجال في الجامعات والشركات وصخب الوظائف وزج بها بين هدير الآلات في المصانع وغادرت مملكتها التي تتربع على عرشها وتجعل منها ملكة في بيتها وتناست طبيعتها كأم وراعية ومربية للجيل الناشئ ، وتمردت على زوجها فعصت ربها وابتذلت فنزعت عنها حجابها فتلقفها أصحاب الشهوات والنفوس المريضة وخدعوها حتى زجوا بها في جو  الاختلاط المحموم وأقنعوها بممارسة الأعمال المخلة بالأخلاق كالرقص والغناء والتمثيل . فماذا كان الحصاد يا ترى ؟ لقد استيقظت من غفلتها لتجد نفسها أمام واقع مرير ومصير أسود وأيقنت أنها كانت ضحية مؤامرة رخيصة ، دارت رحاها لتعمل على تدمير البيت المسلم ومن ثم المجتمع المسلم . ودفعت المرأة الثمن غالياً على حساب شرفها وعرضها ومكانتها  .

أما موقف أنصارها الذين ألقوا بها وسط هذه المتاهة فقد كانوا أول الزاهدين فيها ولم يعد لها احترام أو تقدير عندهم . فهناك الكثير من دعاة تحرير المرأة ومن الذين دفعوا بها إلى التمرد على العقيدة والدين لم يسيروا في حياتهم الشخصية وفق ما دعوا إليه من تحرير النساء . فهذا قاسم أمين الذي دعا إلى تحرير المرأة لم يطبق ذلك على زوجته بل بقيت ترتدي الحجاب ووقفت تدافع عنه عندما اتهم بأنه يدعو إلى نشر الرذيلة في المجتمع ، وقالت إن قاسم لم يدعو إلى السفور وإلى الخلوة بالأجنبية وهذا إحسان عبد القدوس الذي كتب روايات كثيرة أخرجت في السينما والتلفاز وكان  مضمونها يحث المرأة على الثورة على الدين والقيم ، عندما تزوج حرص أن لا تكون زوجته امرأة عاملة رغم أنها كانت متعلمة فقد كان متزمتاً شديداً معها فكان يرفض ظهورها معه في صور للمجلات أو التلفاز . لماذا يا ترى ؟ لأنه يعلم في قرارة نفسه أن المرأة رسالتها الأولى أن تكون أما رؤوماً وزوجة صالحة فقد كان هو ابناً لإمرأة عاملة وهي" روز اليوسف" التي كانت ترأس تحرير مجلة روز اليوسف وظل يعمل بجد حتى يتـولى رئاسة تحرير هذه المجلة ليجعل أمه تتفرغ لبيتها وتترك العمل .

وهناك نماذج كثيرة لنساء في بلاد العرب والمسلمين وقعن في شرك الحرية والتحرر ، وبعد أن أفقن من غفلتهن وعرفن مدى الكذب والخداع الذي أضلهن ، رجعن إلى الله تائبات نادمات على ما فعلن بأنفسهن ،  فهذه الممثلة سهير البابلي تظهر على شاشات التلفاز لتقول : لماذا يرفض الإعلام العربي أن تظهر المذيعة وهي محجبة ؟  وتقول عندما كنت أقوم بالتمثيل كنت أتلقى عروضاً بالملايين أما عندما تحجبت فلم ترحب بي أي قناة فضائية لأقوم بعرض برنامج ديني أو ثقافي يخص المرأة المسلمة .

وهذه الفنانة شمس البارودي تقول : عندما جاءت الشهرة والأموال كنت أسأل نفسي لماذا أنا  غير سعيدة ؟  تجيب فتقول : لأنها كانت تشعر أن مهنتها تبتز أنوثتها ولا تتلائم مع إنسانيتها . فقررت أخيراً رفض كثير من الأعمال حتى تعود إليها كرامتها التي كادت أن تضيع منها وكثيراً ما دعت الله أن يبعدها عن طريق الفن والتمثيل وأن يهديها طريق الحق والرشاد وتقول :[ لا أحب أن أتذكر الماضي وأتمنى لو محيت تلك الفترة الزمنية من حياتي ] . وتعود شمس البارودي إلى فطرة الإسلام وتختار طريقها إلى الله بقناعة تامة ولكن تجار العرض والسينما وفلول الشر لم يسكتوا وتخوفوا أن تكون هداية شمس ظاهرة عامة في الوسط الفني ونفضوا الغبار عن أفلامها وأخذوا بعرضها في دور السينما ولكنها سارعت إلى نشـر إعلانات مدفوعة الأجر في كل الصحف المصرية وتضمن الإعلان صـورة لها وهي ترتدي الحجاب , وهي الـيوم تدعو كل فتاة أو سيدة أن تكون ملتزمـة بحجابها متمسكـة بأخلاقها وعقيدتها .([118][3])

أما من نساء الغرب فتروي الممثلة الفرنسية الشهيرة " بريجيت باردو " التي عاشت حياة اللهو والغفلة على حساب جسدها وجمالها فتقول :[ لقد علمتني التجربة أن ألف رسالة تأييد وإعجاب لا تساوي ذراع رجل يحيطني ويشعرني بالأمن والأمان ، فقد كنت كثيرة الغنى وكثيرة الشهرة والمغامرات ، وأنا الآن كثيرة التعاسة ومن أجل هذا ابتعدت عن الناس وسأعمل على أن أعيش بهدوء بعيدة عن عيون الكاميرا والصحافة فأنا لا أشعر أبداً بالحنين للعودة إلى السينما وتعترف بأنها فشلت في حياتها ، وتقول : معارفي كثيرون ، أما أصدقائي فهم يعدون على الأصابع حتى ابنها تقول عنه لم أهتم به عندما كان صغيراً ، لذلك لا أتوقع منه أن يهتم بي وأنا كبيرة ].([119][4])

وقد استغل التجار قضية تحرير المرأة استغلالاً بشعاً فاستعملوها في الإعلانات التجارية لجذب الناس إلى سلعة بعينها وقد أثار امتهان المرأة بهذه الطريق لجان تحرير المرأة في بريطانيا واعترض " توني بن " زعيم اليسار على ذلك لأن فيه تقليل وتحقير لشأن المرأة .

أما عن استغلال جسد المرأة في صالات عرض الأزياء فتقول عارضة الأزياء الفرنسية فابيان في مقابلة مع جريدة المسلمون :[ كان الطريق أمامي سهل أو هكذا بدا لي فسرعان ما ذقت طعم الشهرة وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم بها ولكن الثمن كان غالياً  ، فقد كان شرط النجاح والتألق أن أفقد حساسيتي وشعوري  وأتخلى عن حيائي الذي تربيت بداخله ، وأفقد ذكائي ولا أحاول فهم أي شيء غير حركات جسدي وإيقاعات الموسيقى . كما كان عليَّ أن أحرم من جميع المأكولات اللذيذة وأعيش على الفيتامينات والمقويات . إن بيوت الأزياء جعلت مني مجرد صنم مهمته العبث بالقلوب والعقول . فكنت جماداً يتحرك ويبتسم ، ولكنه لا يشعر فكلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها وآدميتها ، زاد قدرها في هذا العالم القاسي البارد . أما إذا خالفت أياً من تعاليم دور الأزياء فإنها تعرض نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي والجسمي معاً ، وعشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل ولا حياء . ولم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي بينما كنت أشعر باحتقار الناظرين لي شخصياً واحترامهم لما أرتديه فقط ].([120][5])

هذا ما قالته عارضة الأزياء فابيان بعد إسلامها وفرارها من جحيم بيوت الأزياء اللعينة ، فأي عبودية أقسى وأظلم من فقدان المرأة لانسانيتها ؟ واستعبادها ليداس عرضها وتسحق كرامتها  ويدفن حياؤها في مستنقع الرذيلة .

وفي بلاد الغرب نشرت مؤسسة الرقابة الإجتماعية الأوروبية دراسة ذكرت فيها أن ثمانين بالمائة من النساء البريطانيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين ( 20-35 ) يشعرن بالخطر والخوف من السير بمفردهن في شوارع لندن خشية وقوعهن ضحايا الاغتصاب والعنف . وأضافت الدراسة أن امرأة من كل أربع نساء في هذا العمر تحمل سكيناً أو سلاحاً في حقيبتها أثناء تجوالها في شوارع العاصمة .([121][6])

وقد أظهر مسح حكومي أجرته وكالة إحصائيات كندا أن نصف النساء اللاتي يعشن في كندا تعرضن لإعتداءات جنسية أو جسدية . وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية أن رجال المخابرات في أنحاء مختلفة من العالم يمارسون الإعتداءات الجنسية كوسيلة لإهانة النساء ومعاقبتهن وتخويفهن ورغم هذه الأفعال المهينة للمرأة فإن كثيراً من الحكومات ترفض اعـتبار الاغـتـصـاب جـريـمـة في حـق المرأة يجب معاقبة مرتكبيها .([122][7])

وقد زارت الصحفية الأمريكية هيلسان ستانسبري القاهرة وأمضت فيها عدة أسابيع زارت خلالها المدراس والجامعات والمؤسسات الاجتماعية ومراكز الأحداث والمرأة والأطفال ، وذلك في رحلة دراسية لبحث مشاكل الشباب والأسرة والمجتمع وفي ختام زيارتها سجلت هذا الاعتراف :[ إن المجتمع العربي المسلم كامل وسليم ومن الأجدر بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الشاب والفتاة في حدود المعقول ، ولهذا أنصح بأن تبقوا على تقاليدكم وأخلاقكم فامنعوا الاختلاط وقيدوا حرية الفتاة بل ارجعوا إلى عصر الحجاب فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا . امنعوا الاختلاط فقد عانينا منه في أمريكا الكثير الكثير لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعاً معقداً مليئاً بصور الإباحية والخلاعة ، وإن ضحايا الاختلاط والحرية يملؤون السجون والأرصفة والبارات والبيوت السرية ].([123][8])

وأجرت صحيفة السياسة الكويتية مقابلة مع سيدة ألمانية غير مسلمة فسألتها عن أجمل مكان للمرأة ؟ فكان جوابها :[ البيت وتتعجب الصحفية العربية من هذا الجواب وتكرر السؤال هل البيت دائماً هو المكان الأمثل للمرأة ؟ وترد السيدة بكل ثقة وتأكيد نعم فهكذا أفضل . وعندما سألتها الصحفية والعمل خارج البيت ؟ فتجيب : المرأة لم تخلق له أساساً . وتسألها الصحفية إذاً كيف تتعاون المرأة مع الـرجل ؟ فتجيب السيدة يمكن أن يتم ذلك في مجالات غير العمل ، بتوفير بيت هانئ مستقر  يخيم عليه الراحة والهدوء . وتجنب إثارة المشاكل معه ،ويكون في تربيـة أطفالـه تربية حسنـة ، فهذا التعاون أفضل من خروج المرأة إلى العمل ].([124][9])

وهذه الكاتبة البريطانية الليدي بلاونت تقول في كتابها أصل الجنس وطبيعته :[ كان الرجل ولا يزال وسيظل دائماً عنوان القوة بحكم مركزه الطبيعي في الحياة فمهما حاولنا بأي انظمة أو عادات ننشؤها فلن نغير هذه الطبيعة وسيستمر الرجل هو الجنس القوي وستستمر المرأة هي الجنس الضعيف اللطيف ] .

وتقول الكاتبة الانجليزية أجاثا كريستي صاحبة الروايات والقصص البوليسية : [ إن المرأة الحديثة مغفلة لأنها بذلت جهداً كبيراً للحصول على حق العمل والمساواة إنه من المحزن أننا أصبحنا اليوم بعد أن أثبتنا نحن النساء أننا الجنس اللطيف نتساوى في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده فقد كانت المرأة في الماضي أذكى منّا فقد نجحت بإقناع الرجل أنها بحاجة دائمة إلى عطفه وحنانه طالبة منه تدليلها وإرضائها دائماً . لقد كانت الحياة سعيدة عندما كان الرجل سيد البيت والمسؤول الأول عن رفاهية الأسرة ، أما اليوم فالمرأة تطالب بحريتها وعندما حصلت عليها أصبحت مضطرة إلى العمل المضني لتنافس الرجل في جميع الميادين وبذلك فقدت سعادتها وفقدت أنوثتها التي كانت تسحر الرجل في الماضي ].

فإذا كانت التجربة قد أيقظت المرأة الغربية ، وجعلتها تثوب إلى رشدها  وتقر بطبيعتها وأنوثتها ، بعد أن كشفت بنفسها زيف الحرية ووهم التحرر . فبدل أن تكون المرأة طوع رجل واحد هو زوجها أو أبوها أو أخوها ، أصبحت تجد نفسها أسيرة رجال كثيرين .

فيا دعاة التحرر ، إن المرأة لم تشكو إليكم ظلمها ولم تطلب منكم أن تحلوا قيدها وتفكوا أسرها . فلماذا هذا الفضول منكم ؟ إنها لا تشكو شيئاً سوى إسفافكم ومضايقاتكم لها ووقوفكم في وجهها أينما حلت وحيثما سارت . ليتمتع كل منكم بما يرى من مفاتنها فكفوا أيديكم وألسنتكم عنها ، وأوقفوا هذه الخدعة المكذوبة التي أسميتموها حرية المرأة وما هي إلا استعباد لها  ووأد لأنوثتها .

ويا نساء الشرق ارجعن إلى حصن الأسرة واجعلن منه قلعة حصينة صامدة في وجه دعاة التحرر والتغريب , ومن على منابر الجمعيات النسائية , وعبر المنظمات والحركات النسائية المختلفة اهتفن وبصوتٍ عالٍ  , لترجع المرأة المسلمة إلى مملكتها متربعة على عرشها ، تسعى إلى إسعاد زوجها تؤنسه فتغمره بودها وحبها فتكون سكنه وراحته وقرة عينه , لتعيد لنفسها أحاسيسها ومشاعرها الملتهبة التي تدعوها  لحضن أبنائها صغاراً وكباراً ، فتسهر على راحتهم  وتحيطهم بعطفها وحبها الذي لا ينتهي .

ألا فلتتعظ المرأة المسلمة بما آل إليه حال المرأة الغربية . حتى لا تواجه المصير الأسود مثلها ,  فإن السعيد من اتعظ بغيره , والشقي من اتعظ بنفسه . وانظري أخيتي بعين ثاقبة ونظرة متأنية إلى سمو الشريعة الإسلامية فهي ربانية كاملة شاملة لجميع نواحي الحياة , منزهة عن كل نقص , وهي صالحة لكل زمان ومكان , فالله خلقكم وما تعملون , وهو يعلم وأنتم لا تعلمون , فإذا أدركت ووعيت هذه المعاني , حينها ستدركين عظمة هذا الدين الذي  تنتمينن إليه . وسوف تذكري قول الشاعر :

مهلاً فما هذا الذي
أولا ترون الغرب كيف
ألا ترون عرى
إن ترغبوا لنسائكم
فدعوا السفور لأهله

 

قد غركم إلا سراباً
غدا الرجال به ذئاباً
الأخلاق تنشعب انشعاباً
 صوناً وعيشاً مستطاباً
وارخوا عليهن النقابا

فهلا رجعت أخت الإسلام إلى نبعك الأصيل , واستقيت منه الخلق القويم , حتى تكوني مفخرة الزمان , ودرة الأكوان , التي يستظل تحت ظلالها الجيل الناشىء بإذن الله وتذكري قول الله تعالى :( كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ).([125][10])

ماذا نريد ؟

 

نريد المجتمع المسلم الذي يكون عماده وركنه الأول الأسرة المسلمة , التي يجتمع أفرادها على طاعة  الله ,  تجمعهم  رعاية الوالدين فتغرس في قلوبهم حب بعضهم بعضاً ,  تغمرهم  بقدرٍ كبيرٍ وكافٍ من العطف والحنان , لينشأوا قادة أقوياء عظماء , وليعملوا لبناء صرح الإسلام عالياً شامخاً , ويجاهدوا لرفع راية لا إله إلا الله  عالية خفاقة ,ليعيدوا للإسلام عزه ومجده  بإذن الله .

نريد مجتمعاً يكون ولائه لله ولرسوله وللمؤمنين مصداقاً لقول الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ) ([126][11])

وقال أيضاً :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ).([127][12])

نريد مجتمعاً دعامته الأولى الإخاء والحب في الله , بعيداً عن القومية والعصبية القبلية يطبق قول الله تعالى :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ).([128][13])

وقد قال رسول الله e ( والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تأمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ) رواه مسلم .

نريد مجتمعاً يقوم على التكافل والتراحم والتواصل مستشعراً قول الله تعالى :( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا  ) ([129][14])

نريد مجتمعاً تسوده الأخلاق السامية والقيم العظيمة ، من الصدق والأمانة , وحب التضحية والشجاعة , والمروءة والكرم , والإخلاص والوفاء  , والعفو والتسامح . مجتمع تحكمه الفضائل والمثل العليا , يدافع عن الأخلاق ويحرسها , لأن الأخلاق هي الحارس الأول للتشريع والعقيدة فكما قال الشاعر :

فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 

فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

نريد المجتمع المسلم الذي ينال  كل فرد فيه حقه , فلا ظلم فيه ولا تجبر ولا استبداد ولا فساد , يتعامل أفراده فيما بينهم وفقاً لقول الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ([130][15])

نريد مجتمعاً طاهراً شريفاً بعيداً عن عالم الجريمة ومستنقع الرذيلة ، يعمل فيه الجميع لإرساء مبادئ الشريعة والقيم الأخلاقية السامية ، يعمل  كل فرد فيه لصالح المجتمع , بعيداً عن حب الذات والأنانية والهوى . عندها يكون حقاً على الله نصر المؤمنين ، كما قال تعالى :( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ([131][16])

نريد مجتمعاً مسلماً فيه رجال تتدفق قلوبهم نشاطاً وحيوية , تغلي الدماء في عروقهم غيرة على دين الله , شعارهم الشجاعة والإقدام لا يهابون المنون، لايخافون  في الله لومة لائم ، لأنهم  آمنوا بالله رباً  رازقاً ، وولياً حافظاً و ناصراً  .

نريد مجتمعاً عماده الرجل المسلم الذي يقف أمام المصائب عالي الهمة  كالـطـود الشامخ , لا ينحني ولا يضعف , تنزل به المحن فلا ينهزم  ولا تـخـمد ناره , ولا يغلب صبره ,  لأنه راض بقضاء الله وقدره ، بل يجعل منها فرصة لتطهير النفس ومراجعة الحساب ,يشعر وكأن المحن تنزل على قلبه كقطرات الندى تطهر نفسه من حب الدنيا وزينتها , أو كرفيف الأقحوان الذي يلقي على القلب مسحة من الهدوء والسكينة , أو كالنسيم العليل الذي يهب على القلوب فينعشها ويشحذ هممها .

نريد المجتمع المسلم , الرجل فيه , أب حاني , رحيم القلب عطوف , يحمل بين جوانحه عاطفة جياشة يغمر بها أبنائه صغاراً وكباراً ، يحمل عقلاً نيراً وفكراً ثاقباً ، يدبر الأمور بحكمة بالغة , فيكون لأبنائه المشعل الذي  يضيىء لهم الطريق ليسيروا على هداه  ، إذا ما اشتدت الكروب وادلهمت الخطوب .

نريد المجتمع المسلم , الرجل فيه ، زوج رفيق بزوجته ، يحيطها بعطفه وحنانه ، حامياً لها , يدفع عنها الظلم والضيم , فيعطيها الثقة والأمن والأمان , يحسن معاشرتها و يعينها على حمل أعباء الحياة الزوجية حتى يستكمل بناء الأسرة المسلمة  فتكون قوية راسخة كالجبال , صامدة ثابتة في وجه العواصف والرياح العاتية، ليستعصي على أعداء الإسلام زعزعة بناء المجتمع المسلم .

أما الشباب في المجتمع المسلم فنريده جيلاً ممميزاً بصفاته الإيمانية والأخلاقية .  ينتسب للإسلام ويحتكم إليه , ويتخذه دستوراً ومنهاجاً . مؤمناً بقول الله تعالى

( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ).([132][17])

شبابَ يعتز  بإسلامه وعقيدته كما قال الشاعر :

لا تسل عن جنسيتي عن نسبي 
 

 

إنما الإسلام أمي وأبي 
 

نريد  شباباً متمسكاً بكتاب الله , حريصاً على تطبيق سنة رسول الله , قلبه معلق  في المساجد , يملأه التقوى والورع وحسن الخلق , يمد يد العون والمساعدة للفقراء والمحتاجين , ينتصر للضعفاء والمساكين ,يحرص على وقته فلا يغفل ولا يلهو  فيضيع وقته سدى , فهو يعلم أن الواجبات أكثر من الأوقات .

شبابَ يؤمن بالعمل الجاد لاستئناف الحياة الإسلامية وفق أحكام التشريع الرباني , بعيداً عن التبعية للغرب في الاعتقاد والعمل ,ينطلق في مسلكه من قوله تعالى :( الله نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).([133][18])

شبابَ عمالقة يعيشون على الأرض , ولكن تهفو قلوبهم إلى عرش الرحمن , لأنهم قد عمروها بحب الجهاد والتضحية , ليعيدوا صوت الأذان عالياً مدوياً في سماء القدس من على مآذن الأقصى الشريف, ليعيدوا الفرحة لمنبره وقبابه ، ويعلو الذكر ندياً من محرابه . ويبعثوا الأمل في القلوب التي ملئت حزناً وكمداً , فيرسموا البسمة على شفاه الأمهات الثكالى , والأطفال اليتامى من جديد .

شباب تتوق نفوسهم إلى المجد والعلياء وترتفع بصائرهم إلى السماء , وهاماتهم إلى الثريا , رهباناً في الليل فرساناً في النهار .

شباب يؤمن بالواقعية العلمية ، لا ينسى أنه يقف على الأرض , فلا يمعن في الخيال ويغرق نفسه بالآمال والأحلام , ولا يتمنى أن يلحق بركب الأمم وهو يتغنى بأمجاد الماضي دون جد وعمل . بل يشمر عن ساعد الجد فيسعى في طلب العلم  ليكون رائداً يجيد فن القيادة ، ليعيد لأمة الإسلام مجدها التليد , لتأخذ مكانها بين الأمم , كما كانت ، فهو يؤمن بأن دوام الحال من المحال فقد قال تعالى :( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ...) .

شباب يعمل بروح الجماعة لأنه يؤمن أن كدر الجماعة خير من صفو الفرد , فهو ينطلق في علاقاته مع الآخرين من  قوله تعالى :(أياك نعبد وأياك نستعين ).

شباب نجوم في سماء الحرية , يحلقون فيكتبون التاريخ بأروع الكلمات الصادقة بجهادهم في سبيل الله ، حتى  يظفروا بالنصر المبين ، فيعيدوا الأمة إلى دوحة الإسلام ، التي ظن الأعداء يوماً أنها لن تعود , فهي باعتقادهم قد ذبلت وجف رحيقها .

أما المرأة في المجتمع المسلم فنريدها : أماً قوية الإيمان والعقيدة , رابطة الجأش قوية الجنان ، تتخذ من الخنساء أسوة لها حينما جمعت أبنائها الأربعة في معركة القادسية وحثتهم على الجهاد بقولها :[ اعلموا أن الحياة الدنيا فانية وأن الآخرة خير وأبقى فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ] ولما وافاها خبر استشهادهم لم تزد على أن قالت :[ الحمد لله الذي شرفني بقتهلم في سبيل الله وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته ].([134][19])

نريدها , أماً فاضلة مربية لأولادها وفق كتاب الله وسنة رسوله حتى تخرج لنا جيلاً من المؤمنين  الصالحين الفاتحين , أمثال سعد ، وخالد ، وطارق .

نريدها , أختاً صابرة قوية الشكيمة ,لا تنهزم أمام المصائب  ,جريئة شجاعة , مثل شجاعة خولة بـنـت الأزور عندما أسر أخوها ضرار في معـركة أجنادين ، حيث سار خالد بن الوليد بنفسه لاستنقاذه فبينما هو في الطريق إذا بفارس ملثم يشق الطريق ولا يلوي على ما وراءه ، حتى أدرك جند الروم فحمل عليهم فقتل منهم رجالاً وجندل أبطالاً , ووقف المسلمون يناشدون الفارس ذكر اسمه , وناشده خالد قائد المسلمين فقال : [ أيها الأمير إني لم أعرض عنك إلا حياء منك , لأنك أمير جليل , وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور , وإنما حملني على ذلك أني محرقة الكبد زائدة الكمد فقال خالد : من أنت ؟ قالت : خولة بنت الأزور , كنت مع نساء قومي فجاءني خبر أسر أخي فركبت فرسي وفعلت ما فعلت . وهنا صاح خالد وقال : نحمل بأجمعنا ونرجو من الله أن نصل إلى أخيك فنفكه ].([135][20])

نريد الفتاة في المجتمع المسلم معتزة بعقيدتها متحررة بفكرها ,غير تابعة لدعاة السفور بمظهرها أو تصرفاتها , تنظر إليهم من  علياء الإيمان و الهداية , وكلها إيمان وثقة أنها على الحق الذي لا يهزم ، عطرها الإيمان بالله تعالى , ورأس مالها حياؤها وخلقها الحسن ,معتزة بجلبابها وسترها ، كما قال الشاعر :

تيهي بتاجك وارتديه شعاراً
يا للجبين متوجاً بخماره

 

متحدياً بأس الطغاة جهاراً
لا خافضاًَ رأساً ولا خواراً

 

نريدها زوجة مطيعة متوددة لزوجها ,تبقى إلى جانبه تؤنسه بحديثها تغرس التقوى في قلبه , وتكون له سنداً في الحياة , فتعطيه قبل أن تأخذ منه ، وتكون له الشجرة الوارفة الظلال التي يسير تحت ظلالها بكل ثقة وإقدام ، ويعيش معها بهدوء واستقرار لينام قرير العين  هانيها .

نريد المرأة داعية لله تعمل لإقامة شرع الله في الأرض فإن كانت معلمة زرعت العقيدة والإيمان في نفوس طالباتها ، تأمر بالمعروف وتنهى عن  المنكر  في مدرستها , تصدع بالحق مهما  كانت العوائق  التي  تعترضها , و تنشر أشرعة الخير حيثما حلت ، وتبث الوعي في أوساط النساء , فتذكرهن بطاعة الله سبحانه وتعالى, وباليوم الآخر بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى ، وتحذر الجيل الناشئ من مغبة الوقوع ضحية المؤامرات الحاقدة على الإسلام والمسلمين .

نريد المرأة المسلمة التي تعي ما يدور حولها من أحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية فإن واقعنا المعاصر يحتاج إلى النساء الحصيفات الواعيات المدركات لعواقب الأمور في جميع نواحي الحياة , وذلك عن طريق تحصيلها العلمي الديني والدنيوي الذي لا بد منه لتكون عنصراً فعالاً في بناء المجتمع المسلم ، لتضاهي المرأة المسلمة بدورها ومكانتها نساء الأمم الأخرى . حينئذ تستطيع المرأة أن تقف في مواجهة الحركات النسائية العالمية التي تدعو إلى التحرر من الدين والقيم والأخلاق . وسوف تأخذ زمام المبادرة منهن لقيادة المجتمع النسائي في الحياة المعاصرة إلى نور الإسلام الذي هو الحل لمشكلات البشرية في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية  ,وسيكون الإسلام هو المنقذ للنفس الإنسانية من براثن الفوضى الأخلاقية التي ذاقت البشرية على يديها الويل والثبور والهلاك  . فقد قال تعالى :

( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ([136][21])

وكما  قال الشاعر     :

خسىء الظلام فلم يزل فجر الهدى                     من أفق طيبة يرسل الأنواراً

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فهرس المصادر والمراجع

 

أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي / فتحي يكن .

أحكام المعاشرة الزوجية / زينب حسن شرقاوي .

أحكام النساء / أبو الفرج ابن الجوزي .

إحياء علوم الدين ، الإمام الغزالي .

الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية / محمد عبد الحكيم خيال ومحمود محمد الجوهري .

آداب الحياة الزوجية / خالد عبد الرحمن العك .

الإصابة في تمييز الصحابة / ابن حجر العسقلاني .

أصول الدعوة / د. عبد الكريم زيدان .

الأعلام / خير الدين الزركلي .

آفات على الطريق / د. السيد محمد نوح .

الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر / عبد الغني الدقر .

أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة / العلامة الدكتور يوسف القرضاوي .

أيام من حياتي / زينب الغزالي .

البداية والنهاية / أبو الفداء ابن كثير الدمشقي .

بطاقات تربوية للطالبات / ضحى الطيب .

بنات الصحابة / أحمد خليل جمعة .

بين القيادة والجندية على طريق الدعوة / مصطفى مشهور .

تحرير المرأة في عصر الرسالة / عبد الحليم أبو شقة .

تذكرة دعاة الإسلام / أبو الأعلى المودودي .

تذكرة الدعاة / البهي الخولي .

تربية الأولاد في الإسلام / عبد الله ناصح علوان .

التربية في الإسلام النظرية والمنهج / د. عدنان رضي النحوي .

تفسير القرطبي / أبو عبد الله محمد الأنصاري القرطبي .

تفسير الظلال / سيد قطب .

جلباب المرأة المسلمة / محمد ناصر الدين اللباني .

حول قضايا الإسلام والعصر / العلامة الدكتور يوسف القرضاوي .

حياة الصحابة / محمود يوسف الكاند هلوي .

خاص وللنساء فقط / محمد طاهر الزين .

خواطر في زمن المحنة / يمان السباعي .

الدعوة إلى الله حب / عباس السيسي .

الراقصون على جراحنا / يمان السباعي .

رجل الإعلام الإسلامي / تيسير محجوب الفتياني .

رسالة إلى حواء / محمد رشيد العويد .

رسالة إلى زوجتي / الشوادفي الباز .

الرقائق / محمد أحمد الراشد .

الزواج المبكر / عمار بدوي .

سنن ابن ماجة / أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني .

سنن النسائي / أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي .

سير أعلام النبلاء / الإمام شمس الدين الذهبي .

السيرة النبوية لابن هشام .

الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم / العلامة الدكتور يوسف القرضاوي .

صحيح البخاري / محمد بن إسماعيل البخاري .

صحيح الجامع الصغير وزيادته / محمد ناصر الدين الألباني .

صحيح سنن أبي داود / سليمان بن الأشعث السجستاني .

صحيح مسلم / أحمد بن الحجاج النيسابوري .

صراخ الفطرة / محمد رشيد العويد .

صلاح الأمة في علو الهمة / د. سيد بن حسين العفاني .

عشرة النساء من الألف إلى الياء / أبو حفص أسامة بن كمال عبد الرزاق .

عمل المرأة وموقف الإسلام منه/ د. عبد الرب آل نواب .

العواتق / محمد أحمد الراشد .

عودة الحجاب / محمد أحمد إسماعيل المقدم .

الغارة على العالم الإسلامي / ترجمة محب الدين الخطيب ومساعد اليافي .

فتح الباري على شرح صحيح البخاري / أحمد بن حجر العسقلاني .

فتوح الشام / محمد بن عمر ( أبو عبد الله الواقدي ) تحقيق هاني الحجاج

قطوف نبوية للنساء / د. حسن أبو غدة .

قواعد الدعوة إلى الله / د. همام عبد الرحيم سعيد .

كيف تغير سلوك طفلك / محمد ديماس .

المرأة بين الفقه والقانون / د. مصطفى السباعي .

المرأة والحقوق السياسية في الإسلام / مجيد محمود أبو حجير .

مراجعات في الفكر والدعوة والحركة / عمر عبيد حسنة .

المسار / محمد أحمد الراشد .

مسافر في قطار الدعوة / د. عادل الشويخ .

ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده / العلامة الدكتور يوسف القرضاوي .

من عالم الشهرة إلى رحاب الإيمان / أسماء أبو بكر الجهني .

المنطلق / محمد أحمد الراشد .

مواقف نسائية مشرقة / نجيب خالد العامر .

النساء الداعيات / د. توفيق يوسف الواعي .

نظام الأسرة في الإسلام / د. محمد عقلة .

الوقت في حياة المسلم / العلامة الدكتور يوسف القرضاوي .

وقفات تربوية / عبد الحميد البلالي .

 

 

 

 

 


 

([2][1]) سورة التكوير الآيات 8- 9 .

 

([4][2]) سورة النحل الآيات 58-59 .

([5][3]) سورة النساء الآية 11 .

([6][4]) سورة النساء الآية 1.

([7][5]) سورة النحل الآية 97 .

([8][6]) سورة الأعراف الآية 20 .

([9][7]) سورة الأحقاف الآية 15 .

([10][8]) سورة البقرة الآية 283 .

([11][9]) المرأة والحقوق السياسية في الإسلام ص 455-459 .

([12][10]) رسالة إلى حواء 2/30 .

([13][11]) سورة التوبة الآية 71 .

([14][12]) سير أعلام النبلاء 2/197 .

([15][13]) البداية والنهاية 9/47 .

([16][14]) عودة الحجاب 2/588 .

([17][15]) سـورة المجادلــة الآية 1 .

([18][16]) الإصابة في تمييز  الصحابة 4/205 .

([19][17]) حياة الصحابة 3/275 .

([20][18]) سير أعلام النبلاء 2/290 .

([21][19]) الإصابة في تمييز الصحابة 8/198 .

([22][20]) سيرة ابن هشام 3/228 .

([23][21]) الإصابة 8/82 .

([24][22]) سيرة ابن هشام  1/657-658 .

 

 

([26][24]) النساء الآية 1 .

([27][25]) سورة طه الآية 50 .

([28][26]) السنن الكبرى 7/78 .

([29][27]) سورة النحل آية 72 .

([30][28]) سورة الرعد آية  .38 .

([31][29]) سورة البقرة آية 187 .

([32][[32]30]) سورة النساء آية 4 .

([33][31]) سورة النساء الآيات 20-21 .

([34][32]) سورة النور الآية 27 .

([35][33]) سورة النور الآية 30-31 .

([36][34]) سورة الأحزاب الآية 59 .

([37][35]) سورة النور الآية 31 .

([38][36]) سورة الأحـزاب الآية 33 .

([39][37]) سورة القصص الآيات 23 -25 .

([40][38]) سورة الأحزاب الآية 31 .

 

([41][1]) سـورة النساء الآية 34 .

([42][2]) أحكام النساء / لابن الجوزي ص315 /316 .

([42][3]) سورة الأحزاب الآيات 28-29 .

 

([44][4]) سورة إبراهيم الآية 37 .

([45][5]) سورة الطلاق الآيات 2-3 .

([46][6]) الأعلام للزركلي 7/343 .

([47][7]) النساء الداعيات ص187 .

([48][8]) سورة النساء الآية 34 .

([49][9]) سورة الطلاق الآية 6 .

([50][10]) سورة البقرة الآية 228 .

([51][11]) سورة النساء آية 19 .

([52][12]) الإصابة في تمييز الصحابة 12/218 .

([52][13]) الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية /ص276-277 .

 

([54][1]) سورة الإسراء 23-24 .

([55][2]) سورة المؤمنون الآيتان 1-2 .

([56][3]) سورة البينة الآيه 5 .

([57][4]) سورة النور 58-59 .

([58][5]) تربية الأولاد في الإسلام 1/265 .

([59][6]) تربية الأولاد في الإسلام 1/175 .

([60][7]) تربية الأولاد في الإسلام 1/180 .

([61][8]) تربية الأولاد في الإسلام 1/144 .

([62][9]) لقمان 17-19.

([63][10]) آل عمران الآية 59 .

([64][1]) تربية الأولاد في الإسلام 2/810-811 .  

([65][2]) سورة العصر .

(2) سورة الزخرف : الآية 67 .

([67][4]) الغارة على الإسلام ص47 .

([68][5]) سورة الإسراء الآية 36 .

([69][6]) الغارة على الإسلام ص62 .

([70][7]) انظر سير أعلام النبلاء  12/391 .

([71][8]) الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر 52-338 .

([72][9]) الأعلام للزركلي 3/324 .  

([73][1]) سورة فصلت الآية 33 .

([74][2]) سورة التوبة الآية 71 .

([75][3]) سورة الحديد الآية 20 .

([76][4]) سورة لقمان الآية 18 .

([77][5]) سورة عبس الآيات  17-21 .

([78][6]) سورة الانعام الآية 162 .

([79][7]) سورة المجادلة الآية 11 .

([80][8]) سورة يوسف الآية 108 .

([81][9]) سورة الأحزاب الآية  35 .

([82][10]) سورة الطور الآية 27 .

([83][11]) علو الهمة في صلاح الأمة 7/163 .

([84][12]) سورة النحل الآية 125 .

([85][13]) سورة طه الآيات0 43-46 .

([86][14]) سورة نوح الآيات 5-10 .

([87][15]) سورة البقرة الآية 153 .

([88][16]) سورة الكهف الآية 28 .

([89][17]) سورة الزمر الآية 10 .

([90][18]) سورة المائدة الآية 105 .

([91][19])  صلاح الأمة في علو الهمة 7/167 .

([92][20]) الإصابة 8/248 .

([93][21]) كتاب أيام من حياتي 47 .

([94][22]) الأخوات المسلمات ص250 .

([95][23]) مواقف نسائية مشرقة ص 90-93 .

([96][24]) سورة البقرة الآية 44 .

([97][25]) سورة الصف الآيات 2-3 .

([98][26]) سورة إبراهيم الآيات 24-25 .

([99][27]) سورة آل عمران الأيات 102- 104 .

([100][28]) سورة يونس الآية 62 .

([101][29]) بنات الصحابة  ص 77 .

([102][1]) سورة التوبة 122 .

([103][2]) سورة الكهف 110 .

([104][3]) سورة الأحزاب آية 73 .

([105][4]) الأنبياء  آية 92 .

([106][5]) سورة النساء الآية 3 .

([107][6]) سورة النساء الآية 11 .

([108][7]) سورة المائدة الآية 50 .

([109][8]) النساء آية 19.

([110][9]) سورة البقرة 229 .

([111][10]) سورة البقرة 230 .

([112][11]) النساء آية 128 .

([113][12]) الذاريات الآيات 22- 23 .

([114][13]) سورة هود الآية 6 .

([115][14]) سورة لقمان الآية 14 .

([116][1]) عودة الحجاب 1/99 .

([117][2]) عودة الحجاب 2/21 .

([118][3]) كتاب من عالـم الشهرة إلى رحاب الإيمان 35-36 .

 

([119][4]) رسالة إلى حواء 3/24-25 .

([120][5]) من عالم الشهرة إلى رحاب الإيمان ص12-13 .

([121][6]) صراخ الفطرة ص24 .

([122][7]) صراخ الفطرة ص63 .

([123][8]) رسالة إلى حواء 4/102 .

([124][9]) صراخ الفطرة ص13 .

([125][10]) سورة الرعد 17.

([126][11]) سورة النساء الآية 144 .

([127][12]) سورة الممتحنة الآية 1 .

([128][13]) سورة آل عمران الآية 103 .

([129][14]) سورة الأحزاب الآية 6 .

([130][15]) سورة المائدة الآية 8 .

([131][16]) سورة النور الآية 55 .

([132][17]) سورة آل عمران الآية 185 .

([133][18]) سورة النور الآية 35 .

([134][19]) الإصابة في تمييز الصحابة ص 97 .

([135][20]) فتوح الشام للواقدي 1/70-71 .0

(1)  النور آية 55 .

المصدر: https://uqu.edu.sa/page/ar/82418

الأكثر مشاركة في الفيس بوك