فيورباخ في الفلسفة العربية المعاصرة: مشكلة الإنسان

بقلم عبد العزيز بومسهولي

 فيورباخ في الفلسفة العربية المعاصرة:

مشكلة الإنسان

«إن المشكلة اليوم، ليست وجود أو عدم وجود الله، وإنما وجود الإنسان أو عدم وجوده... ليست مهمة إنكار الله هي ما يعنيني، ولكن ما يعنيني مشكلة عدم وجود الإنسان»

فيــــورباخ

إن الفيلسوف لا يهتم بالفيلسوف الآخر، إلا لأن هناك انتماء مشتركا يربطهما، في الوجود. ويجعل انتسابهما إلى أفق التفكير ممكنا، فاستعادة الفيلسوف التالي للفيلسوف المبادر لا تدخل ضمن هذا المنظور داخل دائرة الاستذكار وتمثل تجربته الفلسفية فحسب، وإنما تدخل أيضا في دائرة التحيين actualisation، وهو ما يعني استعادة لحظة التفلسف بما هي لحظة إعادة تأسيس للخطاب الفلسفي وترسيخه في الحاضر بقصد استكمال المشروع الفلسفي الإنساني؛ أي جعل الفلسفة ذاتها فنا للحياة، قادرا على إيقاظ الكائن الإنساني من سباته، وانتشاله من عتمة الوجود الاعتيادي الذي يلقي بالموجود في خضم عالم مغلق هو عالم التشميل والتنميط والتطابق.

إن الفيلسوف يؤسس للعلاقة مع آخره، ليكشف الغيرية L’alterété بما هي أساس إبداع الحاضر الذي ينبثق كشكل مغاير للتفكير، وكتفلسف يطبع العود الأبدي للحياة الإنسانية؛ أي يميز عودة الإنسان ذاته إلى حاضره، وعودة الحاضر إلى الحياة.

وفق هذه العلاقة يستعيد المفكر المصري أحمد عبد الحليم عطية فيلسوفا آخر هو فيورباخ، وفلاسفة آخرين من بينهم كانط، هيجل نيتشه، فوكو، وغيرهم، وهي العلاقة التي مكنته من الانثناء داخل الخطابات الفلسفية المتعددة، بقصد استعادة الإشكالات وتوليد أسئلة جديدة هي أسئلة الحاضر، وبخصوص فيورباخ، فإن استعادته راهنا لا تعني سوى استعادة الإنسان فينا حاضرا، وهي استعادة تروم الانفلات عن المشروطية التي ترهن وجودنا ونمط تفكيرنا، وتصيره خارج الزمان والتاريخ، بل خارج الحياة ذاتها، يقول أحمد عبد الحليم عطية في كتابه المهم: "الإنسان في فلسفة فيورباخ".

«أما فيورباخ الذي نذرت جهدي من الآن من أجل تقديمه إلى الثقافة العربية والفكر العربي تقديما يليق بمكانته، حيث يصبح جزءا مكونا من فكرنا المعاصر يثير الحياة في مياهنا الراكدة حتى نعي مقصد "نهر النار" ونتفهم خطابه الفلسفي الأنثربولوجي، وهو يحدد لنا مبادئ فلسفة المستقبل بلا منازع لأنه فيلسوف الإنسان، وما أحوجنا اليوم إلى التعرف على الإنسان وتأكيد وجوده في وعينا؛ أي التعرف على فيورباخ وتقديم فلسفته لعلنا نشارك في المستقبل بعد أن ذوى الماضي الذهبي بين أيدينا. وأفلت الحاضر وفقد الإنسان»[1].

إن الإشكال الفلسفي المتعلق بوجود الإنسان، باعتباره القضية الجوهرية التي يتمحور حولها الهم الفلسفي، هو أساس الاقتراب من فيورباخ على النحو الذي يمكن من خلاله العودة للإنسان، فسؤال الإنسان الذي بادر إلى طرحه كانط"من هو الإنسان"؟ ظل سؤالا يقظ مضجع كل تفكير جديد، يجد نفسه داخل وضعية أزمة؛ أي أمام ورطة اغتراب الإنسان وأفوله وتحلله داخل أنساق مهيمنة تكاد تعيد نمط إنتاج عبودية مقنعة.

ومن ثمة يظل سؤال الإنسان هو نفسه سؤال الزمان والتاريخ المتعلق باستعادته ثانية وإعادة الزمان إلى كينونته، وهو على هذا النحو يغدو سؤالا للوجود ذاته، وهو ما أكده فيورباخ ذاته قائلا: «إن المشكلة اليوم ليست وجود أو عدم وجود الله، وإنما وجود الإنسان أو عدم وجوده، ليست المشكلة ما إذا كانت طبيعة الله مشابهة لطبيعتنا، ولكن ما إذا كنا نحن البشر متساوين فيما بين أنفسنا. وليس ما إذا كنا نشترك في جسد المسيح، باعتبار أننا نأكل الخبز ونشارك في عقيدة "التناول"، ولكن ما إذا كان لدينا خبر يكفينا، ليس ما إذا كنا نعطي ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، ولكن ما إذا كنا نعطي للإنسان ما للإنسان، ليس ما إذا كنا مسيحيين أو وثنيين، مؤلهين أو ملحدين ولكن إذا كنا آدميين أو سنصبح كآدميين نتمتع بصحة الروح والبدن والحرية والنشاط والحيوية. إن من يتحدث عني كملحد لا يقول ولا يعرف عني شيئا...ليس مهمة إنكار وجود الله هي ما يعنيني، ولكن ما يعنيني مشكلة عدم وجود الإنسان»[2].

تضعنا فلسفة فيورباخ إذن، أمام محك جديد لا يتعلق فقط بماهية الإنسان، بل يتعلق أساسا بتحققه الفعلي داخل الوجود؛ أي تحققه كواقعة إنسانية لا ترتهن بما يجعلها مغتربة عن ذاتها، ولكن بما يصيرها وجودا فعليا؛ أي أن السياق الذي يرتهن به هذا الوجود هو المصير الإنساني ذاته، ومن ثمة تحيين التساؤل عن الإنسان يروم الانفصال عن نسق اغترابه المتمثل في الانشغال بما هو متخرج عنه، مفارق لذاته؛ أي استعادة الإنسان على أساس المصير الإنساني وليس على أساس اللاهوت الغيبي؛ فالانفتاح على المستقبل لا يتأتى على أساس تأكيد وجود الله أو نفيه، وإنما على أساس إثبات وجود الإنسان وإنقاذه من نسق العدمية الذي يفضي به إلى أن يغدو وجودا منفصلا عما يستطيعه وما يكونه هو ذاته في حاضره ومستقبله؛ أي ما يعني مصيره، ففيورباخ فيما يرى فوجل H.Vogel. هو فيلسوف الإنسان والأنثروبولجيا الفلسفية الذي تمكن من أن "يؤكد أن فلسفته كلها فلسفة دين، وذلك بالمعنى العام لكلمة دين، والتي تعني الاهتمام بالمصير الإنساني، ومن وجهة النظر هذه، فإن فيورباخ يشن انتقادا دائما ومكثفا على ما عده ضلالا للعقيدة أي زيف اللاهوت"[3].

إن ما تكشف عنه قراءة أحمد الحليم عطيه، باعتباره محاورا لفيورباخ هو ذلك الجانب المتعلق بتوكيد الإنسان وانتشاله عن النزعة العدمية التي تصيره وجودا فارغا منعدم القيمة، وتوكيد الإنسان في الفلسفة الفيورباخية معناه الاستجابة لنداء المستقبل، فما فتئ فيورباخ نفسه يقدم فلسفته على أنها فلسفة جديدة تماما حين يؤكد في الفقرة الختامية من فلسفة المستقبل "أن محاولات الإصلاح التي حدثت في الفلسفة حتى الآن لا تختلف في قليل أو كثير عن الفلسفة القديمة إلا من حيث الدرجة فقط وأنه لكي توجد فلسفة جديدة حقا، مستقلة، فلسفة تستجيب لحاجة البشرية ولحاجات المستقبل من الضروري أن تتميز جوهريا عن الفلسفة القديمة"[4].

وهذا الهدف فيما يرى عطية هو ما سعى فيورباخ إلى تحقيقه في كتاباته، مثل: ضرورة إصلاح الفلسفة، القضايا الأولية لإصلاح الفلسفة، مبادئ فلسفة المستقبل، وهي المحاولات التي تنطلق أصلا من نقد فلسفة هيجل "وتمتد لتيارات الفكر المعاصر[5].

ومعنى هذا أن فيورباخ يؤكد الإنسان على نحو تتجلى داخله الحقيقة. وهذا هو ما يهم عطية أساسا من خلال فحصه لمفهومي الطبيعة والإنسان لدى فيورباخ الذي لا تستهدف فلسفته أن تكون فلسفة للطبيعة بالمعنى التقليدي، فالطبيعة لا تدخل في موضوع بحثها إلا بقدر ما تتحكم في الوجود الإنساني؛ لأن الإنسان هو الذي يؤلف مضمونها وموضوع اهتمامها الحقيقي.[6] ويذهب عطية إلى أن فيورباخ يقدم لنا تصورا جديدا للطبيعة يختلف عن تصورهيجل وماركس، وهو التصور الذي يطلق عليه عطية "التصور الأنثروبولوجى للطبيعة"، حيث يمتزج في هذا التصور الإنسان بالطبيعة والطبيعة بالإنسان، إذ ليس بوسع الإنسان أن يدرك ويتصور ويشعر ويؤمن ويريد ويحب أي كائن آخر يرى الوجود البشري، بما في ذلك الطبيعة، وذلك كما يقول فيورباخ - لأنه كما يشكل الإنسان جزءا من الطبيعة... كذلك تشكل الطبيعة بدورها جزءا من ماهية الإنسان...وهو الأمر الذي يشكل سر فلسفتنا في العلاقة مع الطبيعة، ونحن لا يمكن أن نتجاوز أنانية المسيحة، إلا عبر ربط الإنسان بالطبيعة[7]، فالانتماء المشترك ما بين الطبيعة والإنسان ليس تماهيا وتطابقا في المنظور الفيوبارخي، ولكنه تمايز وتكاشف يؤسس للوجود الإنساني ذاته في قلب الوجود الطبيعي وكما يقول فيورباخ، فالطبيعة هي الماهية التي لا تتمايز من الوجود، أما الوجود البشري، فهو الماهية التي تتميز عن الوجود، والماهية التي لا تتمايز هي أساس الماهية التي تتميز. ومن تم فالطبيعة هي أساس الوجود البشري،[8] وهذا لا يعني انفصال الطبيعة عن الإنسان وتميزها واختلافها عنه، بل يعني أن الإنسان هو الطبيعة الواعية بذاتها، فالإنسان الذي هو كائن يعلم أنه جوهر الطبيعة الواعي لذاته، جوهر التاريخ، جوهر الدول، جوهر الدين[9].

يقربنا عطية إذن، من المفهوم الأنثروبولوجي للطبيعة عند فيورباخ، فيرى أن هذا الأخير لا يعطي الأولوية هنا للطبيعة إلا باعتبارها إنسانية، فهي الكائن الأول في الزمان وليس في المرتبة. الوجود الأول فيزيقيا وليس أخلاقيا، وإذا كانت الطبيعة وجودا بلا وعي، فإن الإنسان هو جوهرها الواعي، ولكن الطبيعة تظل رغم كل شيء هي الكائن الأساسي، الكائن الأول والأخير، وهي بلا بداية ولا نهاية، كل شيء فيها هو فعل متبادل. كلي ومتبادل، كل شيء نسبي هو في أن معا سبب ونتيجة، فهي بالمعنى الحقيقي طبيعة محسوسة واقعية. ومن هنا فليس لدى الإنسان أية فكرة عن واقع آخر سور الوجود الحسي[10].

إن الوجود الإنساني مرتهن بالوجود الطبيعي، وهذا يعني نقض أوهام الميتافيزيقا التي تجعل من الأصل المفارق أساس الوجود العيني للطبيعة والإنسان معا، ففيورباخ يرفض اشتقاق الطبيعة من الله، باعتباره مثل اشتقاق الأصل من الصورة أو الشيء من فكرته، فالتدليل على أن شيئا من الأشياء موجود معناه فقط: أن هذا الشيء ليس محض فكر لكن هذا البرهان لا يمكن أن يستمد من الفكر نفسه كي يأتي وجود ليضاف إلى موضوع الفكر، يجب أن يأتي شيء مختلف عن الفكر ليضاف للفكر[11].

إن الطبيعة هي الحقيقة الأولى والفكر هو الحقيقة الثانوية، وأن العلاقة الصحيحة بين الفكر والوجود هي أن الوجود موضوع وأن الفكر محمول؛ فالفكر ينبثق عن الوجود ولا ينبثق الوجود من الفكر وعلى الفلسفة أن تبدأ من الوجود- لا الوجود المجرد، لكن الوجود العيني؛ أي الطبيعة.

إن هذا التصور فيما نرى يقود إلى تحرير مزدوج للطبيعة والإنسان معا، فهو تحرير للطبيعة بما هي الأساس الذي يتأسس عليه الفكر، مما يعني إبطال الحلول المثالية التي تؤول إلى تغريب الطبيعة عن وجودها العيني، وتحرير الإنسان مما يسميه ماركوز بالعذاب، فيورباخ يتخذ من الطبيعة أساسا وسيطا لتحرير الإنسانية، فالطبيعة تسلب الفلسفة أو تنفيها وتحققها، وعذاب الإنسان علاقة "طبيعية" بين الذات الحية وبيئتها الموضوعية، لأن الذات تقف مقابل الموضوع الذي يطغى عليها إن الطبيعة تشكل الأنا وتتحكم فيه من الخارج أساسا لتحول سلبيته من مصدر للحرمان والألم إلى مصدر للوفرة والمتعة[12].

ومعنى هذا أن هذا التحرير هو سبيل الإنسان نحو التحامه بالحياة، فانطلاقا من الطبيعة يتشكل الإنسان كقدرة على استعادة المتعة، فالطبيعة تقوم بوصل أكثر الأشياء جمالا وعمقا بما هو عادي في الحس الإنساني، وأن على الإنسان أن يبدأ من هنا- من الطبيعة- من أقل الأشياء، وسوف يجد مادة للتأمل والفكر[13].

إذن، فالطبيعة هي أساس الفلسفة الأنثربولوجية عند فيورباخ، ومعنى ذلك أن الطبيعة هي الواقع الوحيد والإنسان هو نتاجها وتمامها، وفي الإنسان تحس الطبيعة ذاتها، وما تجب الإشارة إليه هنا حسب "عطية" هو أن مفاهيم "الوجود و"الطبيعة" و"المادة" و"الواقع" تمثل جميعها رموزا مختلفة لمعنى واحد، وأن تنوع مظاهر الطبيعة يمكن إرجاعه إلى شيء واحد، أو إلى مادة متجانسة، والماهية متنوعة أيضا كالوجود. والطبيعة خالدة، فما يظهر في الزمان هو الأشياء الفردية فقط، إنها لانهائية في المكان، والمحدودية الإنسانية وحدها تضع حدودا لامتدادها[14].

إن فهم الطبيعة يمكن من فهم الإنسان ذاته، وهو موقف فلسفي يسعى من خلاله فيورباخ حسب قراءة "عطية" إلى التجربة الكاملة الموضوعية الذاتية؛ فالعالم ليس معطى لنا عن طريق التفكير الذي يتنج لنا هذا التجريب، ولكنه معطى لنا من خلال الحياة والإدراك الحسي والحواس، وهذا العالم الواقعي والموضوعي عالم الطبيعة والموجود بصورة مستقلة عن شعورنا نصل إليه عبر الزمان والمكان[15].

وليس الزمان والمكان مجرد شكلين للظواهر أو مجرد صورتين محضتين للحساسية كما هو الشأن لدى كانط، وإنما هنا شرطان للوجود، فالمكان والزمان يرتبطان بالإحساس والإرادة والفكر، وهما شرط وجود هذه الأشياء، فالمكان أو الامتداد يفترض شيئا له امتداد، والزمان يفترض شيئا ما يتحرك في شيء مكاني وزماني، فهما قانون للوجود والفكر معا، ويرى "عطية" أن تفكير فيورباخ في المكان يقوده إلى التفكير في الزمان مما يجعله يربط بينهما: "إن خارجية الوجود المكاني هي وحدها التي تمثل حقيقة التمييزات المنطقية. ولكن لا يمكن التفكير في الخارجية إلا من خلال التعاقب... الفكر الواقعي فكر في الزمان والمكان، حتى إن نفي المكان والزمان هو دائما ملك للزمان والمكان ذاتيهما حين نريد إلغاء مكان، زمان ما، فذلك دائما وفقط لكي نكتسب مكانا وزمانا آخر"[16].

وللزمان بشكل خاص أهمية قصوى في فلسفة فيورباخ الذي يرى بان الفلسفة يجب أن تقوم على الوجود الزماني، فالفلسفة التي تضارب على الوجود بلا زمان هي بالضرورة ضد التجريبية، ضد العالم المحسوس"[17] ومن ثمة استحالة التفريق بين الإحساس والزمان، فإلغاء الآن هو ذاته إلغاء للإحساس، فالزمان هو الشرط الضروري لكل إحساس، ويرى عطية أن الطبيعة إنسانية والزمان إنساني وفي افتقادها افتقاد للإنسان؛ أي أن ضياع الإحساس بالزمان يعني ضياع الإحساس بالسياسة والتاريخ، فالاهتمام بالزمان نظريا له نتائج عملية في السياسة والأخلاق وهذا ما يعبر عنه فيورباخ قائلا: "نفي المكان والزمان في الميتافزيقا، في جوهر الأشياء، ينتج عنه في العمل أوخم العواقب، من يتبنى وجهة المكان والزمان يملك، في الحياة والحس، المعنى العملي المكان والزمان هما المحركان الأوليان للعمل. أن شعبا يطرد الزمان من ميتافزيقاه ويؤله الوجود الأزلي المجرد عن الزمان، يطرد أيضا منطقيا الزمان من سياسته ويؤله مبدأ الثبات المضاد للحق والعمل والتاريخ"[18].

وهذه النتيجة الحاسمة والضرورية التي ينبني عليها تصور فيورباخ للطبيعة والإنسان والزمان تغدو بمثابة مشروع أساسي لفلسفة المستقبل، وهي تقوم على تقويض الميتفزيقا التي تؤكد الأصل المجرد، باعتباره مبدأ للثبات، كما تقوم على استعادة مفهوم العالم باعتباره صيرورة، مصيرا؛ أي باعتباره بدءا دائما، تأسيسا لا يتأمل في مبدأ مجرد، وإنما في الزمان ذاته. والزمانية ليست إلا التحاما بحياة الوجود، حيث ينبثق الإنسان كرغبة محركة للتاريخ ومن هنا فمشروع فلسفة فيورباخ يظل في نهاية التحليل هو الإنسان ذاته، وبذلك "تتجاوز فلسفة فيورباخ حسب "عطية" كل الفلسفات المثالية الكلاسيكية لتكون بداية لكل التيارات المعاصرة التي تبدأ بالطبيعة والإنسان[19].

فالإنسان وفق منظور فيورباخ هو أساس الفلسفة، وشرط وجود الفلسفة يرتهن بالاستجابة لمطالب الإنسانية، وهنا يطرح فيورباخ السؤال التالي:

"هل نجد أنفسنا على حافة عصر جديد في تاريخ الجنس البشري؟ هل نظل في عهدنا القديم للإنسان؟ أم ينبغي أن نبحث عن فهم جديد يتفق مع مسيرة الزمن"[20].

إن هذا هو ما يشكل أساسا لفلسفة المستقبل التي يدعو لها فيورباخ؛ فمهمة الفلسفة تتمثل في منح الحياة للفلسفة أي جعل الفلسفة فنا للحياة يعبر عنها، وبالتالي تحريرها مما يسميه فيورباخ "مملكة النفوس الميتة"، وجعلها "مملكة للنفوس الحية المجسدة" فليست الفلسفة ممكنة دون إعادتها إلى الحياة وإلى التصالح مع الجسد الإنساني؛ فالبداية الحقيقية حسب عطية هي "إذن الإنسان لا العقل المجرد، هي الحياة لا التفكير، هي تأكيد الواقع مقابل الفكر، والعيني مقابل المجرد. فأهم هدف حققته فلسفة فيورباخ أنها رفضت لأول مرة شمولية المذهب الهيجلي من أجل الإنسان، وأظهرت أن الوعي الكلي هو وعي الإنسان، وأن الإنسان هو الحقيقة الواقعية، وليس "أنا" كانط وفشته ولا مطلق هيجل. والقضية الأساسية التي يؤكد عليها فيورباخ دائما في كل كتبه بلا استثناء هي إنكار الخيال اللاهوتي للتأكد على الجوهر"[21].

إن فلسفة جديدة بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى هي فلسفة مستقبلية تضع في اهتمامها أولا وقبل كل شيء تحويل التيولوجي إلى أنثربولوجي بالمعنى الفلسفي، إنها فلسفة تمهد السبيل لفلاسفة المستقبل الذي اهتموا بالإنسان كلحم كوجود جسدي من قبيل فلسفة ميرلوبونتي وريكور وسارتر وغيرهم؛ أي أنها تجعل الإنسان كجسد متعين موضوعها الكلي، في ذات الوقت الذي تجعل من الأنثربولوجيا علما كليا. ويذهب عطية إلى أن فيورباخ يعطي تحديدا ذا مغزى لطبيعة الإنسان التي تتمثل في ثلاث قوى أساسية هي: العقل والإرادة والوجدان: "قوة الفكر، قوة الإرادة، وقوة العاطفة، تنتمي جميعا إلى الإنسان الكامل، الأول هي نور العقل، والثانية طاقة الشخصية، الثالثة هي الحب، وهذه القوى هي كمالات الوجود الإنساني، بل الأكثر من ذلك فهي الكمال المطلق للوجود، فالإرادة والحب والتفكير تمثل أسمى القدرات؛ فالإنسان وجد ليفكر ويحب ويريد فنحن نفكر من أجل التفكير لكي نكون أحرارا، فالوجود هو وجود من أجل التفكير والحب والإرادة وهذا وحده هو الحقيقي والكامل والإلهي الذي يوجد من اجل ذاته، فالثالوث المقدس في الإنسان الذي يسمو فوق الإنسان الفردي يمثل وحده العقل والحب والإرادة"[22].

فالإنسان الكامل هو من يتمتع بالحاسة الجمالية والفنية والدينية والأخلاقية أو الفلسفة العملية، وهذا الإنسان ينبغي أن يكون محور الفلسفة الحديثة.

وإن هذا التمتع - أو تجربة الحس بمتعة الحياة - هو الذي يمنح للجمال القيمة العينية؛ فالجمال قيمة لا نستطيع تصورها وجودا مستقلا عنا، يؤثر في حواسنا فندركه نتيجة ذلك، فالجمال يوجد في الإدراك ولا وجود له في غير ذلك، والجمال الذي لا يدرك هو لذة لا تحس ومن ثم فهو تناقض على حد تعبير سانتيانا.[23]

لقد أيقظ فيورباخ روح الحياة في التفلسف الجديد الذي بدأ يغادر سماء المجردات لإعادة اكتشاف موطنه الأصلي والمتمثل في تجربة الإحساس، باعتبارها تجربة للمحايثة التي بدونها لن يغدو الفكر، والرغبة أو الإرادة أو الشعور بالقيمة ممكنا، ومن ثم نفهم تساؤل فيورباخ التالي:

"من ذا الذي لم يجرب قوة الحب أو على الأقل لم يسمع بها؟ من الأقوى: أهو الحب أو الإنسان الفردي؟ هل الإنسان هو الذي يستحوذ على الحب؟ أم الحب هو الذي يستحوذ على الإنسان؟ فعندما يجبر الحب الإنسان على أن يتذوق الموت بسعادة من أجل محبوبته، أليست هذه القوى المميتة للحب هي القوى الفردية للإنسان أم هي قوة الحب؟...  من ذا الذي لم يتذوق تلك القوة الساحرة الهادئة قوة الفكر، حين تستغرق في الفكر تنسى نفسك ومن حولك، فهل عندئذ تتحكم في العقل أم أن العقل هو الذي يتحكم فيك ويحتويك؟ ألا يملك الحماس العلمي - أمجد انتصارات العقل - يملك عليك الرغبة في المعرفة أليست الرغبة في المعرفة قوة لا يمكن مقاومتها من قوة تغزو الجميع؟ عندما تكبح جماح عواطفك وتنزع عن نفسك من نفسك عادة أم عندما تنتصر ذاتك، أليست القوة المنتصرة قوة شخصيتك؟ أليست هذه هي قدرة الإرادة وقوة الأخلاقيات التي تتحكم فيك وتملأ بالغضب تجاه نفسك وتجاه ضعفك كفرد؟"[24].

إن هذه التساؤلات تكشف أساس الكائن الإنساني أو ماهيته التي ليست سوى الرغبة ذاتها كما عبر عن ذلك سلفا سلفه سبينوزا "فالرغبة هي عين ماهية الإنسان ذاتها"[25].

إن اسبينوزا يضعنا أمام تجربة وجود دينامي يعبر من خلالها الإنسان بما هو وحدة نفس ولحم عن قوة توكيدية للحياة يسميها الكوناتوس conatus أو الجهد من اجل الاستمرار في الوجود ومن اجل الاقتدار الذي يمنح المتعة ويحول دون العجز مصدر كل تعاسة، وإذا عدنا إلى فيلسوفنا فيورباخ – كما يزعم عطية- فإننا نجد أن تلك التساؤلات توضح الفكرة الأساسية التي يرغب في توكيدها في "ماهية المسيحية"، وهي تتحدد في أن الإنسان ليس شيئا دون موضوع يتعلق به، والنماذج العظيمة للإنسانية تلك التي تكشف لنا ما يقدر عليه الإنسان هي التي تثبت حقيقة هذا القول، إذ إن لها عاطفة واحدة تتحكم فيها ألا وهي تحقيق الهدف الذي يعتبر قاعدة أساسية لموضوع نشاطها والموضوع الذي يتعلق بالذات بالصفة الأساسية والضرورية ليست شيئا سوى طبيعة الذات الخاصة والموضوعية ولذلك فإن الإنسان يتعرف على نفسه من الموضوع الذي يفكر به، وهنا يستنتج عطية بأن فيورباخ يقدم لنا إرهاصا بفكرة القصيدة intentionnalité في فيتومونوجيا هوسرل؛ فالوعي بالقصد هو وعي ذاتي بالإنسان، فنحن نعرف الإنسان بموضوعه ومفهومه لما هو خارجه، وفي هذا الموضوع تتضح طبيعة الظاهرة والأنا الموضوعية الحقيقية"[26].

إن فهم الإنسان يرتبط إذن بفهم طبيعته؛ أي فهم ماهيته الأساسية التي تشكله كإنسان كامل أو حقيقي، وغاية الإنسان مرتهنة بدورها بهذا الأساس الذي هو عين ماهيته، فالإنسان يوجد لكي يعرف، ولكي يحب، ولكي يريد فثالوث الفكر، والحب والإرادة هو مفتاح الواقعة الإنسانية. ويرى "عطية" بأن هذه "الفلسفة الجديدة تقوم على حقيقة الإحساس، الذي يملأ القلب والفهم كما تقوم على حقيقة الحب، والفلسفة الجديدة في علاقتها بالأساس الذي تقوم عليه ليست إلا ماهية الإحساس التي ارتفعت إلى مستوى الوعي (العقل)، فهي تؤكد العقل، والعقل وحده الذي يعترف به كل إنسان واقعي من كل قلبه، إنها القلب الذي ارتفع إلى مستوى الفهم، والقلب لا يريد موضوعات مجردة ميتافزيقية كانت أو لاهوتية، إنه يريد موضوعات وماهيات واقعية حسية"[27].

ويفصح فيورباخ عن هذه النزعة الحسية، بل عن نزعة جسدية أيضا لأنه يستدخل إلى جانب الحس الرغبة أو العاطفة إلى تصوره الجديد للإنسان فيقول: "إن أدوات الفلسفة ووسائلها الأساسية هي الرأس مصدر النشاط والحرية واللانهائية الميتافزيقية والمثالية، وأيضا القلب: مصدر العاطفة والنهائية والحسية، وبمصطلحات نظرية الفكر والحدس، وذلك لأن الفكر هو مطلب الرأس، والحدس مطلب القلب، الفكر هو مبدأ المدرسة والنظام والحس مبدأ الحياة، في الحس (الحدس) أكون محذرا من قبل الموضوع في الفكر أحدد أنا الموضوع، في الفكر أكون أنا في الحدس أكون لا – أنا"[28].

يحاول أحمد عبد الحليم عطية أن يولد تصورا لفلسفة جديدة محورها الإنسان انطلاقا من محاورته لفيورباخ، وهو بذلك يتيح لدينا إمكانية استعادة تفلسف جديد يمكنه أن يغني مفاهيمنا- نحن العرب- حول الإنسان، وبالتالي فهو لا يدخر وسعا في إضاءة فكر فيورباخ، ولكي نتفلسف ينبغي ألا نفصل الفيلسوف فينا عن الإنسان، بل إن الإمكانية في نفكر هي إمكانية منتزعة من كلية الكائن البشري الحقيقي، إنها إمكانية للتفكير انطلاقا من العالم القادرة على إحياء فعاليتنا، فالعالم لا يكون مفتوحا على مصراعيه إلا إزاء عقل منفتح، والحواس وحدها هي نوافذ العقل، أما كون الفكر معزولا لذاته ومنغلقا عليها، الفكر دون حواس، دون الإنسان وخارجه فهو تلك الذات المطلقة التي لا يمكنها ولا ينبغي عليها أن تكون موضوع طرف ثالث والتي لهذا السبب نفسه لا يمكنها أن تعثر على وسيلة تمكنها من ملامسة الموضوع والوجود، وستكون عاجزة عجز رأس فصلت عن جذعها ولم تعد قادرة على العثور على موضوع لها، لأنها ستكون مفتقرة إلى الوسائل والأعضاء القادرة على التأمل والتلقي"[29].

وتفتح الإنسان على العالم لايتأتى فقط بواسطة الحواس بل بواسطة الروح أيضا، ولا يعني ذلك فصلا للروح عن الجسد وإنما يعني شكلا من إثبات العلاقة التفاعلية داخل وحدة الانسان، ولكي يولد الإنسان ينبغي أن يكون هناك كائنان بشريان الإنسان الروحي، والإنسان الجسدي، وتضافر الإنسان مع الإنسان هو مبدأ ومعيار الحقيقة الكونية، بل وحتى يقيني من وجود الأشياء الخارجية عني، يمر بالنسبة لي عبر يقيني من وجود إنسان آخر خارجا عني، إني أشك فيما أراه بمفردي، وعلى يقين فقط مما يراه الآخر معي[30].

إن فيورباخ من خلال هذا المنظور يجعل شرط تفتح الإنسان على العالم أساسا للغيرية بما هي علاقة مع الوجود الإنساني الآخر. إنها العلاقة التي تجعل الحقيقة كونية، كما تسمح في الآن ذاته ببناء اليقين المشترك، مما يعني أن معرفة الإنسان منعزلا عن آخريته، وعن غيرية الآخر تغذو مستحيلة، فالانتماء المشترك للإنسان وآخريته أساس انكشاف الواقعة الإنسانية بما هي اعتراف وتعرف، إقرار بكينونة الآخر ومعرفة بذاك الآخر الذي يسهم في بناء الذات "إن معرفتي بنوعي تجعلني أقر بوجود كائن آخر مختلف عنى ومتكامل معي في آن معا، ويسهم في تحديدي إذن فلست كائنا مستقلا، بل أنا بطبيعتي مرتبط بكائن آخر. وبالتالي يكون المبدأ الحقيقي للوجود والفكر هو اتحاد الأنا والأنت"[31] ويؤكد عبد الحليم بخصوص ذلك أن فيورباخ يسعى للحصول على معرفة الإنسان والطبيعة ومن هنا تأكيده على كونه «كائن مادي محسوس وحقيقي، وأن جسمي كله هو الأنا في- هو كياني ذاته، وأنه حيث توجد المحسوسات تنتهي كل الشكوك والصراعات وأن جوهر المعرفة هو المحسوس، أو المعرفة الحسية المباشرة التي تتم بين الإنسان والعالم، الإنسان والآخر، فالشيء الحقيقي يعطى لي عندما يكون هناك آخر يعطي لي هذا الشيء، عندما يجد نشاطي حدوده وقيوده من وجهة النظر الفلسفية عند بداية كائن آخر وفكرة الشيء في الأصل ليست سوى فكرة أنا أخرى، وهكذا يفكر الإنسان في طفولته وفي كل شيء على أنها كائنات تتصرف بحرية.

وفكرة الشيء بصفة عامة تأتي من فكرة الأنت التي أصبحت شيئا. وهذه هي العقبة الأولى التي تعثرت فيها خطي كبرياء المثالية، ولكنها في نفس الوقت الرباط الذي يربط بيني وبين العالم[32].

ومعنى هذا في نظرنا أن الإنسان ليس إلا واقعة جسدية، وأن هذه الواقعة مشروطة بالغيرية، وأن هذه الغيرية يتوسطها العالم. وهذا هو عمق مبادرة فيورباخ الذي مهد الطريق للفلسفات الجديدة التي يتمحور جوهر تفكيرها على الجسد.

يظهر من خلال هذا التأويل أن فيورباخ يبني تصوره للعالم، باعتباره فضاء بيجسدانيا Intercorporel، وما يشير إليه بخصوص علاقة الجسد بالآخر وعلاقة الآخر بتحديد الذات الجسدية، يفتح المجال للحديث عن أبعاد الإنسان، باعتباره جسدا، وهو ما قام به فعلا في جوهر فلسفته، وهو ما قام به سارتر بعد ذلك في الوجود والعدم، فقد حدد سارتر ثلاثة أبعاد للإنسان أو الجسد، وهي:

« كوني أوجد جسدا، وهو البعد الأول، أما البعد الثاني، فهو كون جسدي معترفا به من قبل الغير. لكن بقدر ما أوجد من أجل الغير، فالغير ينكشف لي كذات أكون بالنسبة لها موضوعا، فالبعد الثالث يتعلق إذن، بعلاقتي الجوهرية مع الغير، إذن فأنا أوجد من أجل ذاتي كمعترف به من قبل الغير خاصة فيها يتعلق بواقعيتي ذاتها. وأنا أوجد من أجل الذات كمعترف به من طرف الغير من خلال الجسد»[33].

وإذا كانت خاصية الجسد تتمثل في كونه معترفا به من قبل الغير، فما يعرفه الجسد عن نفسه ينبع من طريقة رؤية الآخرين له، فإن طبيعة الجسد تحيل إلى وجود الغير، وإلى الكينونة من أجل الغير، فالجسد يكتشف مع جسد الغير نمطا آخر للوجود هو غير الكينونة من أجل الذات، وإنما هي كينونة من أجل الغير، «وبالتالي فإن إدراكي لجسدي يتموقع زمنيا بعد إدراك جسد الغير، فالجسد هو الأداة التي أكونها، وهو وقائعية كينونتي وسط العالم بالقدر الذي أتجاوزها نحو كينونتي- داخل- العالم»[34] لقد قدم فيورباخ تصورا جديدا مارس تأثيرا مهما داخل حركة التفلسف الجديدة التي أعادت الجسد ومن تم الغيرية بما هي وجود"بيجسداني" إلى حقل التفكير الفلسفي المعاصر، ذلك لأن فلسفة فيورباخ كما يخلص أحمد عبد الحليم اهتمت بالإنسان وأسست للأنثروبولوجيا الفلسفبة وبالتالي، فهي فلسفة مضادة للمثالية الميتافيزقية، تهتم بالإنسان لا باعتباره اللوغوس، أو الكوجيتو، أو العقل الخالص، أو الأنا الفشتي فقط، بل باعتباره الإنسان الذي يوجد في شقاء الأرض وليس في نعيم السماء السرمدي؛ أي بوصفه الإنسان الحقيقي "بلحمه ودمه" الذي يحيا على هذه الأرض، فالأصل الذاتي للفلسفة هو أيضا أصل موضوعي؛ أي أن فيورباخ يقف في بداية صف طويل مع هوسرل ومع الفلاسفة الوجوديين مقابل كانط والفلاسفة المثاليين، فالمشاعر أساس الوجود والكائن مجرد لا وجود له، أما النقطة الأساسية التي يقف عندها عطية في فلسفة فيورباخ هي أن الإنسان كما يتصوره ليس فردا مكتفيا بذاته، بل هو الإنسان المتصل بالآخر هو الأنا والأنت، الرجل والمرأة، وهو هنا يتجاوز كما يرى عطية فكرة الوجودية في الغير ونظرة سارتر للآخر، الذي يسلبني حريتي. إن الآخر هنا عند هذا الأب من آباء الوجودية - إن جاز التعبير - نكمل لي، محب لي جزء مني، يجمع الأفراد على الحب والمشاركة، فيورباخ يفتح فلسفة الحوار التي وجدت بشكل عابر في الوجودية وظهرت متكاملة مع بوبر  Buberالذي تتلمذ على فيورباخ [35]. هناك حقيقة ننتزعها من محاورة عطية لفيورباخ، وهي التأكيد على إصلاح الفلسفة، أليست هذه الفكرة الفيورباخية اليوم بالنسبة لنا في عالم عربي "لم يفكر بعد" شرطا جوهريا لإبداع حياة فلسفية عربية؟ وإن ما تقصده بالإصلاح ليس مجرد إصلاح لوضعية تدريس الفلسفة بالجامعات والمؤسسات التعليمية، وإنما هو أيضا تحرر من التبعية الذهنية، وإحداث للقطيعة مع كل تفكير يبخس الجسد الإنساني، إن إصلاح الفلسفة في العالم العربي لن يتم إلا بالانقلاب الجذري على كل الأوهام الميتافزيقية التي رسختها سلطتا الدين والسياسة في الفكر العربي وذلك هو أول الطريق.


[1]- أحمد عبد الحليم عطية، الإنسان في فلسفة فيورباخ، دار التنوير، 2008، ص 4

[2]- C.Kamenka. P.17 in Feur bach, Samttiche Werke, vol I

[3]- Vogel, H: introduction to translation the principes of Philasophy of the future. Indiana polio Bobls Merril 1966

أورد عطية في كتابه السابق ص 9

[4]- أحمد عبد الحليم عطيه. المرجع السابق ص 67

[5]- نفسه ص 67

[6]- ماركيوز- العقل والثورة –فؤاد زكريا، الهيئة العامة للكتاب القاهرة. ص264

[7]- عطيه: المرجع نفسه ص 75

[8]- Feur bach: Preliminary theses on the Reform of philosophy, P163

[9]- Ibid. P169

[10]- عطبه، نفس المرجع، ص 78

[11]- نفسه، ص 79

[12]- ماركيوز، العقل والثورة، ص 365

[13]- عطية، نفس المرجع، ص 81

[14]- نفسه، ص 83

[15]- نفسه، ص 104

[16]- نفسه ص 108

[17]- Feur bach: prelimanary…p163

[18]- Feur bach: preliminary, p162

انظر الصفحة 110 من كتاب عطية حول فيورباخ.

[19]- عطية، انظر المرجع السابق ص 114

[20] - Feur bach: the Necessity of a reform a reform of Philosophy, p146

ورد في الصفحة 115عند عطية.

[21]- المرجع السابق، ص 132

[22]- نفسه، ص 132

[23]- سانتيانا، علم الجمال، أورده عطية في كتابه السابق ص 132

[24]- فيورباخ، ماهية المسيحية أورده عطية في الصفحة 133

[25]- سبينوزا، علم الأخلاق، ت جلال سعيد، دار الجنوب للنشر تونس، ص 277

[26]- عطية، نفس المرجع، ص 134

[27]- نفسه، ص 146

[28]- فيورباخ، القصية 46 من القصايا الأولية،

[29]- نفسه ص 149

[30]- فيورباخ، المبادئ، أورده عطية في ص 150 من كتابه حول فيورباخ.

[31]- هنري ارفون، فيورباخ، ت ابراهيم العريس المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت- لبنان، 1981، ص 31

[32]- عطية، المرجع السابق، ص 151

[33]- Sartre: l’être et le neant, essai d’ontologie phénoménologique, Tel. Gallimard 1943, P401-402

[34]- Ibid, P.409

[35]- عطيه، المرجع السابق، ص 262

المصدر: http://mominoun.com/articles/%D9%81%D9%8A%D9%88%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%AE-...

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك