الحوار بوصفه فريضة إسلامية

محمد حلمي عبدالوهاب

(1)

رؤيتان في الحوار

 

لا يزال بعض علماء الدين -على مستوى العالم الإسلامي- منقسمين بشأن الحوار مع الآخر -وسيلة، وضرورًة، واعتبارًا- إلى فريقين رئيسين، يذهب أولهما إلى القول بأن الحوار بين الأديان يلعب دورًا كبيرًا في دعم العلاقات الإنسانية، ومواجهة التعصب الديني والصراعات المعاصرة، فضلا عن أنه أصبح ضرورة ملِحّة يجب الأخذ بها والتعويل عليها في معاملة أتباع الديانات الأخرى، ناهيك بأن الحوار - بحد ذاته- يعد امتثالا لأوامر المولى ـ عزَّ وجلَّ ـ تصديقا لقوله تعالى: ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾(1).

 

لكن -في المقابل من ذلك- ثمة علماء دين آخرون يذهبون إلى أن ما يُسمى بالحوار بين الأديان -على سبيل المثال- ليس إلا جدالا عقيما لا جدوى منه، ولا طائل من ورائه! بل إن بعضهم وصف الحوارات التي دارت في هذا السياق بالفعل بأنها �حوار طرشان�(2), ومن ثمة، فإنهم ينظرون إلى هذه لحوارات باعتبارها مضيعة للوقت والجهد معًا، خصوصًا وأن غير المسلمين -ممن ينادون بحوار الأديان والحضارات، على حد تعبيرهم- لا يعترفون بالإسلام أصلاً، ولا يحترمون عقائده؛ بل ويصمتون إزاء الإساءة تلو الأخرى التي يوجهها بعضهم إلى أبرز رموزه وأهم معالمه.

 

وبحسب هؤلاء أيضًا، فإن الإسلام دين حوار وتفاهم، ودائمًا ما يمد يده للآخر -أيّا كانت ديانته- بالسلام، لكن هذا الآخر هو الذي يصم آذانه دائمًا عن الحوار، فضلا عن أنه لم يكترث بتاتا بما يدعوه إليه الإسلام من حوار هادئ يكفل تحقيق المزيد من التعاون الإنساني والتفاهم المشترك! وهؤلاء يدللون على موقفهم هذا بما حدث ويحدث حاليا من توجيه إساءات بالغة ضد الإسلام، يشارك فيها: قادة دينيون وسياسيون كبار على مستوى رؤساء دول، كما يشارك فيها أيضًا فلاسفة ومفكرون. ونتيجة لكل هذا؛ فهم يتساءلون بِحّدة ظاهرة: لماذا نطلب الحوار مع مَن يرفضه أصلا، ولا يستجيب لما يهدف إليه، كما لم يكف عن إشاعة المقولات الظالمة بحق الإسلام والمسلمين؟!

 

وينسى هؤلاء أنهم بذلك يضعون الغرب كله في سلة واحدة، ناهيك عن أنهم يقعون في الخطأ نفسه الذي يعيبونه على الآخر حين يأخذون بعضَهم بذنب بعض، ما يتعارض صراحة وقول الله تعالى: ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور﴾، وقوله كذلك: ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾.

 

فالمؤمنون مأمورون بأن يكونوا في أحكامهم وأقضيتهم ورعايتهم لمن تحت أيديهم وفي سائر شؤونهم قوامين لله، لا لأنفسهم وشهواتهم، وما توسوس به شياطين الجن والإنس على السواء. وهذه مسؤولية عظيمة في الحياة، يضعها الله تبارك وتعالى في أعناق المؤمنين، دون غيرهم من أجل أن يكونوا قوامين لتنفيذ شرائعه التي تأمر بالعدل والإحسان. وصيغة �قوامين� تشعر بضرورة المبالغة والحرص الشديد على التزام أحكام الله في سلطة القوامة؛ لأنها من صيغ المبالغة، �وإذا كانوا قوامين لله؛ أي: قوامين على الناس لتنفيذ شريعة الله التي تأمر بالعدل، فإن عليهم أن يكونوا شهداء بالقسط، كلما كان تثبيت الحق متوقفا على شهادة يشهدون بها: ﴿ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم﴾... وفي كون العدل مع الأعداء الذين نبغضهم أقرب للتقوى احتمالان:

 

الأول: أن يكون أقرب إلى كمال التقوى؛ وذلك لأن كمال التقوى يتطلب أمورا كثيرة، منها هذا العدل، والأخذ بكل واحد من هذه الأمور يقرب من منطقة التقوى الكاملة.

 

الثاني: أن يكون أقرب إلى أصل التقوى فعلا مِن ترك العدل مع الأعداء، ملاحظين في ذلك مصلحة للإسلام وجماعة المسلمين؛ وذلك لأنه قد يشتبه على ولي الأمر من المسلمين في قضية من القضايا المتعلقة بعدو من أعدائهم، هل التزام سبيل العدل معه أرضى لله؟ أو ظلمه هو أرضى لله باعتباره معاديا لدين الله؟ وأمام هذا الاشتباه يعطي الله منهج الصواب، فيقول: ﴿اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ أي: مهما لاحظتم أن ظلمه لا يتنافي مع التقوى فالعدل معه أقرب للتقوى�(3).

 

ومما لاشك فيه أنّ القرآن أقر مبدأ الحوار وأكد عليه في العديد من آياته عند طرحه لمجموعة كبيرة من القضايا المصيرية التي تتعلق بالعقيدة والشريعة، وأنّ الإسلام وطد لهذا المبدأ المهم - الذي يعد فريضة دينية وركيزة أساسية لبناء المؤسسات الحياتية- بسلوكياته القائمة على معيار العقل والمنطق، ومبادئ النظرة الكلية للكون، وإقراره قيمَ النزعة الذاتية التحررية، وآية ذلك: أن المتتبع لآيات الجدال في القرآن الكريم يخلص إلى تقرير أنه لا ضرر مطلقا في اعتماد الحوار وسيلة في أكثر الأمور الفكرية تعقيدًا؛ لأنّ الإسلام أراد أنْ يفتح الطريق بذلك أمام العقول الواعية؛ لتقررَ الأدلة على المعرفةِ الجازمةِ التي تنفي كلّ تقليد يؤدي إلى التبعية العمياء للآبائية من جهة، أو الاستيلاب المطلق للأنظمة الشمولية من جهة أخرى، بخاصةٍ تلك التي جعلتْ نفسها واسطة فيما بين الإنسان وخالقه!

 

وحقيقة الأمر أن أغلب الرافضين لسياسة الحوار خوفا على قناعاتهم ومعتقداتهم أن تتأثر سلبا أو تهتز:

 

1- إما أنهم يقدسون الأعراف والعادات والتقاليد والجمود والتقليد والتبعية للآخرين أكثر من تقديسهم لنصوص الشرع!

 

2- أو أنهم يقدسون الانتماءات العرقية والمذهبية، ويقدمونها على التعليمات الدينية الواضحة بهذا الشأن.

 

3- أو متشددون دينيون منغلقون على أنفسهم، يخشون اهتزاز مراكزهم، وسحب بساط السلطة والمكانة والوجاهة الاجتماعية من تحت أقدامهم لصالح دعاة مستنيرين يؤمنون بالوسطية الإسلامية.

 

(2)

 

في جدوى وضرورة الحوار

 

يخلق الحوار أرضية خصبة لتلاقح التجارب والأفكار في علاج الأديان لمشكلات المجتمع في أي عصر، وبما يؤسس لإغناء التجربة الدينية الحضارية في شكل مؤثر وفاعل في كل مناشط الحياة بمختلف جوانبها خصوصًا إذا كان الحوار:

 

1-����� معنيًا أساسًا بتعميق معرفة كل طرف من أطراف الحوار بالطرف الآخر من جهة.

 

2-����� ومعنيا كذلك بتعزيز ثقافة الحوار بين أتباع الأديان، وبما يتضمن مراجعة الموروثات التاريخية السلبية التي تشكل عقبة مستمرة أمام التفاهم المشترك بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى، سماوية كانت أم وضعية من جهة ثانية.

 

3-����� ومعنيا أخيرًا بالحد من التوظيف السياسي المتنامي للأديان في شتى بقاع العالم، خاصة من قِبل أتباع الحركات الجهادية المتشددة ممن يناصبون الآخر العداء، ويعلنون الحرب حتى على إخوانهم في الدين الإسلامي.

 

وبالتالي؛ فإن حوارا جادا كهذا يقوم بين طرفين متنازعين، ويهدف في المقام الأول إلى تأكيد القواسم والقيم الإنسانية المشتركة، ومن بينها بطبيعة الحال القيم الدينية التي بشرت بها الأديان وفي مقدمتها: الإيمان بالله، والأخلاق الفاضلة، وتكريم الإنسان، والاعتراف بحقوقه، والعمل على زيادة الإخاء الإنساني، ودفع الظلم عن المظلومين، بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى كاللون والعرق والجنس والدين، ونبذ الكراهية بين الأديان والتعصب لبعضها من دون البعض الآخر...إلخ- حوار كهذا جدير حقا بأن يلتف الجميع من حوله ويعملون على إنجاحه.

 

ولا شك عندي أن كلاً من التعصب والكراهية يؤديان حتمًا – ولا محالة- إلى التطرف الذي يفضي بدوره إلى العنف والإرهاب، وفي المقابل من ذلك؛ تتهيأ بالحوار السبل إلى غرس الاحترام المتبادل بين أتباع الأديان والحضارات المختلفة، ما يحقق إمكانية التعايش المشترك، وحسن الجوار، وإرساء قيم التسامح والمحبة والسلام بين أبناء تلك الديانات، مع احتفاظ كل فريق بموروثه واعتقاده الديني الخالص.

 

وإلى جانب ما سبق؛ ثمة ما يشبه الإجماع العام بأن الحوار أصبح ضرورة ملحة كذلك في ظل ما يشهده العالم المعاصر من مشاكل وتحديات جمة، خاصة ما يتعلق منها بالابتعاد عن القيم الإنسانية النبيلة، والأخلاق الدينية الفاضلة - الهدف الأول لبعث الرسل، ووجود الشرائع، واستخلاف الإنسان في الأرض- ومن صراعات دموية شتى لا تكاد تنتهي واحدة منها حتى تشتعل الأخرى في بقعة من بقاع المعمورة!! وما هكذا أراد الخالق سبحانه حين استخلف الإنسان في الأرض، فقد استخلفه ليعمرها لا �ليفسد فيها، ويهلك الحرث والنسل، �والله لا يحب الفساد�(4)!

 

فالحوار ضروري وفعّال لإنقاذ الإنسانية من الأوضاع المتردية ومهاوي الفساد، والخراب والاضطهاد، والعنف الديني، وكافة أنماط العنصرية والتمييز والإرهاب التي تنزلق إليها، وهو ضروري كذلك من أجل تعزيز روح التسامح، والتعايش، والتآخي، والتعاون، والتآزر بين أفراد الإنسانية وصولا إلى تحقيق السلم الاجتماعيّ العام؛ خاصة وأنمبررات الحوار ودواعيه أكثر بكثير من التخوفات التي يشيعها البعض، وفي مقدمة تلك المبررات:

 

كون الإنسان مدني بالطبع، واختلاف الناس في الأديان والعقائد، فضلا عن الاختلاف في الفروع من مسائل التشريع، والاختلاف في الظنيات داخل النسق الإسلامي. كما أن صور الحوار كثيرة ومتعددة كذلك: فهناك الحوار الإسلامي/القومي، والحوار الإسلامي/العلماني، والحوار الإسلامي/المسيحي، وحوارات الأديان والثقافات، وحوار الحضارات...إلخ، وتلك الأنواع تتعدد أيضا لجهة مستوياتها: فتارة تكون على مستوى القادة والنخبة الحاكمة، أو على مستوى النخبة المثقفة، أو على مستوى الرأي العام...إلخ.

 

أضف إلى ذلك أيضا ما للحوار مع الآخر من فوائد شتى، من بينها: الكشف عن عيوب الذات وأنماط التفكير التقليدية، وتقوية الجماعة المتحاورة وليس إضعافها كما يروج البعض، فضلا عن أن سد باب الحوار -خاصة مع الأقليات الدينية داخل المجتمعات الإسلامية- يسهم بدوره في تفاقم الأوضاع، وترك تلك القضايا نهبا للتدخلات الخارجية. ومن ثم، فإن تحمل ضريبة الحوار أفضل بكثير من دفع فاتورة الكبت والقهر والتعالي على مشكلات الواقع.

 

أخيرًا وليس آخرًا، يكتسب الحوار أهمية قصوى بعد أن أصبح العنف المعاصر عابرًا للقارات، لا يكرس التسامح السلمي في الحياة؛ وإنما الإرهاب الدموي الذي لا يتدين بدين، ولا يرغب في إحلال السلام في هذا العالم. وبالتالي؛ لن يكون الحوار مجديًا ما لم يكن مؤسسًا على التسامح، ومبنيًا على استشراف القواسم المشتركة للإنسانية، وفي مقدمتها: مهمة الاستخلاف في الأرض وعمارتها. وتبقى إلى جانب ذلك مسألة في غاية الأهمية، ألا وهي: �حوارات الذات الإسلامية: مذاهب وتيارات�، وإلاّ: فكيف يمكننا أن نتحاور مع الآخرين فيما نحن لا نؤّمِنُ بالأساس حق الحوار فيما بيننا، ولا نرسخ التسامح كقيمة وواقع في حياتنا؟!

 

(3)

 

حوارات الأديان والحضارات

 

على أن الحوار بين الديانات والحضارات يجب أن يكون مبنيًا على أساس من الاحترام المتبادل، هادفا إلى إزالة سوء الفهم بالآخر، تحقيقا لقوله تعالى: ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾(5)، وقوله سبحانه: ﴿ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين﴾(6).

 

وكذلك في توجيهه للحوار مع أهل الكتاب بقوله: ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنّا بالذي أُنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون﴾(7), وقوله عز من قائل: ﴿فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد﴾(8).

 

فالإسلام يأمرنا أن نأخذ بالمسالمة العامة مع كل الفئات المسالمة، من كل الناس الذين يختلفون معنا في المعتقد، وذلك من طريق الأخذ بأسباب العدل في معاملتهم، وبالإحسان إليهم، وفي ذلك يقول سبحانه: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾(9)، أما الذين يمارسون البغي والعدوان بالقتل والتشريد ومساعدة الأعداء، فلهم وضع آخر، يكشف عنه المولى ـ عزَّ وجلَّ ـحين يقول: ﴿إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون﴾(10).

 

وفي كل الأحوال؛ يمكن القول: إن الصراع المحتدم بين الشرق والغرب، أو بين الإسلام والغرب: إنما هو جزء من تاريخ بائس يرخي بظلاله القاتمة على أفئدة كثير من صاغة الفكر والسياسة لدى الاتجاهات التي تود إطالة ذيل هذا التحارب بين الحضارات والثقافات والديانات إلى أمد لا يعرف نهايته؛ لكي يكون وسيلة للقهر والذل والاستلاب والاستعباد، وهذا الصراع يشتعل كذلك لتوسيع الفجوات بين شعوب الأرض التواقة إلى عالم يسوده الأمن والاستقرار.

 

ولاشك عندي أنّ عالم اليوم يعيش صراعا محتدما ما بين القوى المتدافعة -بغرض الاستيلاء والهيمنة- والقوى الضعيفة التي تود الإبقاء على خصوصياتها وهوياتها الثقافية والتاريخية وتلوذ بالاحتماء بها في مواجهة موجات التحديث والعولمة. ولاشك أيضا أن التاريخ المؤسس اليوم يشهد عراكا حادا بين ثقافات مستبدة تستغل التطور العلمي لفرض سيطرتها جوا وبرا وبحرا، وبين ثقافات إقليمية لم يكتب لها بعد أن تهبّ من رقدتها، وأن تنفض غبار العجز والكسل عن كاهلها، على الرغم مما لها من تاريخ حضاري ضارب في جذور هذا العالم!

 

وكما لوحظ بحق؛ فقد كُتب على أمة الإسلام -للأسف الشديد- أن تخوض غمار هذا الصراع، فكانت أراضيها مسرحًا للأحداث التي مرت تحت مرأى ومسمع من الرأي العام العالمي، وما حدث في غزة أخيرًا أبلغ دليل على أن سكانها كانوا مسرحًا لتجريب أنواع كثيرة من أسلحة الدمار الشامل للكون والإنسان في آن معا. والواقع أن وضعا كهذا -بمأسويته البالغة- إنما يدل على فساد الضمائر والقلوب، وينذر بشؤم يؤلم شجاه كل فضيل، مما يستوجب التساؤل: هل سيمتد الصراع بين أتباع الأديان والحضارات والثقافات مع قيام الحجة عقلا ودينا وواقعا على وجوب تجاوزه؟ أم لا بد من مواصلة النداء للتحاور والتشارك والتفاعل بين الإنسان وأخيه الإنسان، بغض النظر عن اعتبارات اللون والعرق والجنس والمعتقدات؟!(11).

 

على أن الذي يمعن النظر قليلا في أدبيات العنف المستشري هنا وهناك، ويرى نزوة التسابق المجنون نحو التسلح، ويلمس الهوة الكبيرة والتفاوت الطبقي فيما بين مكونات المجتمعات - سيدرك لا محالة هذه المساحة التي تقف حاجزا فيما بين الإنسان ووسائل إنتاج السعادة في كوكب الأرض، وسيلحظ كذلك إخفاق كافة النظم التي رُوّجَ لها بالدعاية حينا، وبالقوة أحيانا أخرى، بحثا عن ملاذ آمن للإنسان الطامع بطبعه للعيش عيشا كريما من دون ذل أو استعباد.

 

وقد قامت -من باب استشعار المسؤولية وخطر الأوضاع الحالية والمستقبلية- دعوات صارخة في الغرب والشرق على حد سواء، منادية بالوقوف يدا بيد في مواجهة هذا الزحف الأسود والإعصار العقيم الذي يهدد الوجود البشري في الصميم، مطالبة كذلك بتجاوز هذا الخطر الزاحف على كيان المجتمعات الإنسانية كبيرها وصغيرها، فقيرها وغنيها في آن معا. وقد وجدت تلك الدعوات بعض الآذان المصغية، وصادفت أروحا معذبة تبحث عن خلاص للمجتمعات المعاصرة من بوتقة الصراع، ويبقى أن تترجم طموحاتها على أرض الواقع حتى تنعم البشرية جمعاء بظلال وارفة من الأمن والسعادة والسلام.

 

يتحصل مما سبق أن الصراع ليس من مصاديق القضاء والقدر، ولا مفردة من مفردات الجبرية والقدرية، كما يروج بعضهم؛ �وإنما هو محض صناعة بشرية خالصة، أنتجتها أياد أثمة في عتمة الليل، تنظر إلى الكون نظرة مختزلة تجزيئية؛ بحيث لا ترى فيه إلا حسابات الربح والخسارة، فلا تؤمن فيه إلا بما يدر عليها أوهامها، ويحقق لها نرجسيتها، ويجعلها مسيطرة على مقدارات غيرها باستمرار�(12).وبالتالي؛ يتعين على جميع المسلمين اليوم أن يثمنوا المبادرات الداعية للحوار، وأن يكفوا عن التشكيك في نوايا القائمين على تلك الدعوات من الطرف الآخر، وأن يعملوا أولا على توحيد صفوفهم والاتفاق على مرجعية جامعة مانعة تتولى إدارة الحوار باسمهم، وتتحدث باسم الإسلام على اختلاف فرقه وتعدد طوائفه، مع المضي قدما بمسارات الحوار على المستوى الداخلي بين فرق الإسلام ومذاهبه بموازاة مد يد الحوار للآخر.

 

إن الإيمان بالحوار في أقدس مبادئه إنما يعني انتفاء أسباب الصراع، وعدم وجود مغذيات للنزاع، على أن الحوار لا ينتج سلوكا مستقيمًا في الفرد والجماعة على حد سواء ما دام المحاور لا يستشعر أن الآخرين إخوة له في الإنسانية، يتعايش معهم وفق أساس متين قائم على التوحد في المشتركات الأساسية للحياة، ويتوافق معهم فيما يضمن المصلحة الكبرى للبلاد والعباد، وما دام الحوار يؤدي إلى تحقيق هذه المقاصد العالية فإنه حوار مسؤول وجاد وبنّاء، وإلا كانت الدعوة إليه وسيلة لدغدغة المشاعر، وتليين الأجواء، وتبليد الأحاسيس النافرة!!

 

وحبَّ الحصيد؛ إن الحوار فريضة إسلامية وضرورة اجتماعية، وله معنيان: أولهما: الحوار بمعنى تقابل الحجج والبراهين من أجل معرفة الصواب. وثانيهما: الحوار بمعنى البحث عن صيغ مشتركة يمكن لأصحاب الثقافات المتباينة أن يتعايشوا على أساسها، فيفيد بعضهم بعضا، وكلا المعنيين أتى بهما الإسلام، بل هما من صميم اهتماماته العلمية وممارساته العملية. فالحوار -�بمعنى الجدل، ومقابلة الحجة بالحجة، والدليل- بالدليل من صميم دين الإسلام، بل هو سمة بارزة فيه؛ فالإسلام فكرة تنتشر بالدعوة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، والإسلام دعوة لإعمال العقل والفكر والتدبر، وهو في الوقت نفسه حرب على التقليد والتبعية العمياء، واتباع الظنون والتخرصات الكاذبة�(13).

 

(4)

 

الأطر المرجعية لمنطلقات الحوار

 

في اعتقادي أن بحث قضايا التسامح والحوار في الفهم الإسلامي لا ينفصل بحال من الأحوال عن مسألتين رئيستين، ألا وهما: مسألة الشهود الحضاري للأمة الأوسط، ومسألة الاستخلاف الإلهي للإنسان في الأرض. ففيما يتعلق بالمسألة الأولى -مسألة الشهود الحضاري للأمة الوسط- كما جاء في قوله تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾(14)، وما يرتبط بها من تحقق خيريتها واقعا عمليا، بحسب مدلول الآية الكريمة: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾(15)- فإن كل ذلك يتوقف على، مقدار التزام المسلمين بسياسة ونهج الحوار، ويرتبط ارتباطا وثيقا به.

 

ذلك �أن رسالة الأمة وواجبها ودورها ووظيفتها لن تتحقق بالصور المطلوبة مالم ترتفع هذه الأمة إلى مستوى الشهود الحضاري المنوط بها، فالأمة الإسلامية التي وصفت في القرآن الكريم بأنها �أمة الخيرية� و �أمة الوسط� لن تدخل في فعل حضاري شهودي كلي مالم تستوعب حقيقة وسطيتها وطبيعة رسالتها الشهودية، ومالم تمتلك القدرة على اكتشاف سنن الفعل الحضاري وفاجعة الوهن الحضاري التي أصابت الكثير من مفاصلها منذ زمن طويل�(16).

 

وبدهي أن ذلك كله لن يتحقق بغير الحوار مع الأنا من جهة، ومع الآخر من جهة أخرى. وإلا: فكيف لأمة الإسلام -على ما هي عليه اليوم من ضعف وهوان- أن تكتشف سنن الفعل الحضاري، فيما هي منغلقة على ذاتها لا تتحاور مع الآخرين، خاصة إذا كانوا يملكون مفاتيح التحضر في عالم اليوم؟! وعلى ذلك؛ فالشهادة تقتضي توافر كل من: الدعوة، والحضور، والتبليغ، وإقامة الحجة، والفاعلية الاجتماعية، والقدرة على البيان، والبناء لمضامين الأمة الوسط في قلب إشكالات الواقع. كما أنها تقتضي أيضا: الارتفاع بالإنسان إلى أسمى معاني إنسانيته، وتوطد الصلة بينه وبين خالقه من ناحية، وبينه وبين أخيه الإنسان من ناحية أخرى، �فشهادة الأمة الوسط إذن مسؤولية قبل أن تكون تكريما، وهذه الشهادة تقتضي الاستقامة�(17).

 

والاستقامة لا تخرج في أبسط معانيها عن توخي العدل (القسط)، وهو ما شدد عليه القرآن الكريم كثيرا في توجيهه المسلمين ودعوتهم لضرورة فتح نوافذ للحوار مع الآخر، يقول تعالى: ﴿فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير﴾(18). فتأمل كيف ربط الدعوة إلى الإسلام عبر الحوار بالاستقامة، وكيف ربطهما معا بتحقق العدالة: ﴿وأمرت لأعدل بينكم﴾، وكأنه أراد أن يقول: عليك أن تبدأ وتباشر بالدعوة إلى الله عبر الحوار، وأن تلتزم نهج الاستقامة في معالجة قضايا الحوار، وأن تتذكر أن ذلك كله رهن بتحقق العدالة مع الآخرين.

 

هذا وترتبط لفظة �الحضارة� في الوعي الإسلامي بقضايا الحضور والشهود، ومن ثم بفهم المسلمين لمعنى �الاستخلاف الإلهي للإنسان في الأرض�، ومن المعلوم أن كل حضارة تتكون من شقين أو جانبين رئيسين: ماديّ، ومعنوي. فالمادي هو ما نلمسه من عمران وصناعات وتقنيات وفنون وعلوم ومعارف وقوانين وأعراف...إلخ. أما المعنوي، فيتمثل في النوازع العقدية، والدوافع القيمية التي كانت وراء صناعة وإنجاز تلك الحضارات.

 

وتبعًا لذلك، فكلما اقتربت العقائد والأخلاق من المعايير العلمية والأخلاقية والمنطقية، كلما صارت أقرب من المدنية التي هي مرادف للحضارة عند بعضهم، أما إذا أنتجت التصحر والعقم المعرفي، فإنها تكون بداوة ورجعية وتخلفا. فالحضارة نتاج إنساني في الأساس يعبر عن وحدة المنشأ، وتكامل الأدوار، وهي متداخلة فيما بينها، متكاملة في حلقاتها، لا يلغي اللاحق منها السابق، ولا يميت البعض منها الآخر، وإن تباعدت الأقطار، وتفاوتت الأزمان.

 

والفاعلية الحضارية -بهذا المعنى- تتوغل في صميم العمق الاستخلافي بما أن شهود الأمة الوسط يدور أساسا حول تحقيق التوازن الكوني والحضاري في المسيرة الإنسانية، وبما أن الأمة الوسط أمة رسالية بمقدورها تحقيق الشهود الحضاري، بحكم تركيبتها الدينية التوحيدية من جهة (جذرها الإبراهيمي، واستيعابها لكامل التجربة الإسلامية بمعناها الشامل: �إن الدين عند الله الإسلام�(19)، واستمرار فلسفة الأمة المسلمة وتجسداتها النموذجية بتنوعاتها المتعددة عبر الجهود النبوية المتراكمة تاريخيا)، وبفضل تركيبتها الجغرافية العالمية من جهة ثانية، وتركيبتها البشرية الإنسانية الجامعة من جهة ثالثة.

 

ومن هنا يمكننا أن نُعرّف الأمة الوسط بأنها: �تلك الجماعة البشرية المتنوعة والمتنامية التي تعمل على تجسيد وتجديد الوعي بالحقائق الدينية والتاريخية والثقافية والنفسية والعمرانية للإسلام (بمعناه الشامل). فالأمة الوسط: هي ذلك التجمع الإنساني المركب المستوعب لخلاصات وخبرات الوعي الرسالي والمشروع الحضاري الاستخلافي المنفتح على الزمان والمكان (وكافة التجارب)، والوعي الهادف إلى تحقيق التوازن الفاعل في الفعل الحضاري الإسلامي خاصة، وفي الفعل الحضاري الإنساني عامة�(20).

 

ولكي يحقق المسلم سر الوجود في الأرض -توحيدا، واستخلافا، وأمانة، ومسؤولية، وتعميرا- فلابد وأن يربط حياته كلها �ومجالات نشاطه الفكري والثقافي والتربوي والتنظيمي بالقيم الحياتية العليا التي جاء بها القرآن الكريم، وطالب الناس بتحويلها واقعا في حياتهم، ومرجعا لسلوكهم�(21). وعلى رأس تلك القيم: قيمتا التسامح والحوار، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم حين قال: ﴿قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون. وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم﴾(22). فتأمل كيف وازى القرآن الكريم بين غاية المسلم في الحياة وتباين الآراء، ثم كيف قرن ذلك جميعا بجعل البشر خلفاء في الأرض، مع ما يقع بينهم من تفاوت في الدرجات أدعى للالتزام بالصبر والحلم واتباع نهج الحوار.

 

(5)

 

في شروط الحوار ومقتضياته

 

يمكن إيجاز الشروط الأساسية التي يجب توافرها من أجل حوار منضبط فيما يلي:

 

أولا: أن يستند الحوار على مبدأ الحكمة، عملا بقوله تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾(23)، وما تقتضيه تلك الحكمة -باعتبارها جماعا لأمور المعرفة والخير والعلم- من الاحترام المتبادل وشعور كل طرف بندّية الطرف الآخر وإنسانيته. فالحوار قرين الحكمة والموعظة الحسنة في جميع الأحوال، �وهذا الارتباط هو من قبيل ارتباط المنهج والمضمون بالوسيلة والأسلوب، هو الموعظة الحسنة وليست أية موعظة على أي نحو من الأنحاء ولا بأية طريقة من الطرق؛ ولكنها موعظة حسنة�(24).

 

كما أننا نقصد بالاحترام المتبادل هنا: الاحترام بالمعنى الأخلاقي الرفيع، وبمدلوله الحضاري الراقي، كما هو واضح ومعلوم في الحوارات القرآنية الكريمة(25)، وكما مارسه الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع حلفائه وخصومه وأعدائه على حد سواء، وما يستتبع ذلك من تخير الألفاظ والعبارات، وخفض الصوت أثناء التحاور، وضبط النفس حال انفعال الطرف الآخر...إلخ.

 

ثانيا: الاتفاق على مرجعية موحدة بخصوص قضايا الحوار، بحيث لا يتم الحوار في ظل ظروف ملغمة، أو في ظل تشبث كل فريق بمرجعية واحدة، وإنما باعتقاد كل طرف بنسبية الحقيقة والكمال معا. ولعل ذلك هو ما قصده طه جابر العلواني حين قال: �لابد من عملية تحديد الإطار المرجعي لهذه الأمة من جديد؛ بحيث لا يصبح التراث كله وحده مصدر الأصالة كلها، ولا المعاصرة والحداثة كلها – وكما هي- إطارا مرجعيا بحجج مختلفة (كعالمية القيم الغربية بما فيها منظومة حقوق الإنسان التي يجب الإيمان بها دفعة واحدة!)، فإن الإنسان لا يمكن أن يبدع إذا بلغت مصادره التي يرجع إليها هذا الحد من الكثرة والسعة، سواء في التراث أو في المعاصرة، فالإبداع يتحقق بتفجير طاقات الإنسان وقدراته والربط بينهما وبين هداية الكتاب المسطور وهو القرآن، وسنن وقوانين الكتاب المنثور وهو الكون�(26).

 

ويتعلق بهذا الشرط: ضبط آليات الحوار والاتفاق بشأنها سلفا، خصوصا فيما يتعلق بمناقشة قضايا خلافية محددة مما تقبل الجدل والنقاش من دون الدخول في تفاصيل عقدية تهدف إلى النيل من الآخر أو التشكيك في عقائده.

 

ويدخل ضمنه أيضا الاتفاق بشأن منظومة المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في لغة الحوار بحيث لا تثير لبسا عند طرف أو آخر، فكثيرا ما يؤدي عدم فهمها إلى إخفاق عملية الحوار برمتها، �فإذا كان الحوار بين حضارتنا والحضارات الأخرى وكذلك الحور بين تيارات الفكر (المختلفة) في واقعنا الثقافي هو طوق النجاة من الاستقطاب الفكري المدمر لمختلف الفرقاء؛ فإن تحرير مضامين المصطلحات واكتشاف مناطق الاتفاق ومناطق التمايز في معاني ومفاهيم هذه المصطلحات (يعد) مهمة أساسية وأولية بالنسبة لأي حوار فكري حقيقي وجاد، ينقذ حياتنا الفكرية من خطر الاستقطاب الحاد، ويُوجد لغة فكرية واحدة (أو على الأقل متقاربة) بين الفرقاء المتحاورين�(27).

 

ثالثا: افتراض حسن النيات إلى أن يثبت العكس، وعدم تقديم سوء الظن بالآخر؛ وذلك انطلاقا من الإيمان بعدم حتمية الصراع والنظر إليه باعتباره نكوصًا وردّة عن ركب الحضارة الإنسانية الواحدة، وضرورة الأخذ في الاعتبار أن دعاوى حتمية الصراع إنما يتم الترويج لها من قِبل بعضهم بنية ابتلاع واستعباد وإضعاف الآخر؛ أي قصد الهيمنة على مقدراته في الدرجة الأولى. وسلامة النية تتماشى مع الحديث النبوي الشريف: �إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى�. ومن ثمة؛ فإن محاكمة النوايا ليست من الإسلام في شيء، خاصة وأننا قد أمرنا أن نحكم بالظاهر، وليس استنادا إلى أمور الباطن: �إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان�. وفي ذلك المعنى يقول ابن قيم الجوزية في كتابه �إعلام الموقعين عن رب العالمين�: �فأما النية؛ فهي رأس الأمر وعموده وأساسه وأصله الذي يبنى عليه، فإنها روح العمل وقائده وسائقه والعمل تابع له، يصح بصحتها ويفسد بفسادها�(28).

 

رابعا: ضرورة العمل على تجفيف منابع الإرهاب الفكري، والحد من جميع ما يسبب العنف ويدعو إليه، والعمل على إنهائه، ووضع حلول للمسببات التي من شأنها أن تعطل السلم الاجتماعي وتكدر الصفو العام. وذلك بفتح باب الحوار مع قيادات تلك الجماعات، وحثهم على مراجعة مواقفهم تجاه السلطة والمجتمع، على نحو ما قامت به الجماعات الجهادية من مراجعات في كل من مصر وليبيا مؤخرا. وبموازاة ذلك؛ ينبغي تحصين الشباب المسلم من الأفكار الهدامة بطرفيها: التشدد الديني والغلو العلماني فضلا عن الانحلال الأخلاقي، وذلك بتقديم القدوة الحسنة في القول والعمل، وإشاعة الفكر الوسطي الاعتدالي، خاصة في الفضاءات الالكترونية الحديثة كمواقع الفيس بوك واليوتيوب وغيرهما.

 

خامسا: طرح القضايا الاجتماعية الكبرى أساسًا للحوار، والاتفاق بشأن المشتركات الإنسانية التي تتسم بطابع الإجماع، وترك الخصوصيات للاعتداد الشخصي والجماعي مع ضرورة احترامها من قبل الطرف الآخر. فالمجادلة بالتي هي أحسن -كما أمرنا القرآن الكريم- تتطلب اتباع أسلوب اللين والرفق، ولا يتأتى ذلك إلا بمجاهدة النفس والصبر على أذى الخصم: �فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين�(29)، فانظر – أعزك الله- كيف قرن سبحانه وتعالى ما بين الرحمة واللين من جهة، والمشاورة في الأمر من جهة أخرى؟، �ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين. ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم�(30).

 

سادسا: أن يحتفظ كل طرف بالحق في ممارسة قناعاته الخاصة بحرية تامة دونما ضغط أو إكراه، أو محاولة فرضها - في المقابل - على مختلف الأطراف الأخرى: ﴿وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد﴾(31).

 

سابعا: على القادة الدينيين ورجال الفكر الدعوة إلى ميثاق شرف إنساني يسمح ويقر بشرعية الخصوصيات الدينية والاجتماعية والثقافية لدى مختلف الجهات المشاركة في عمليات الحوار، والنظر إلى هذين الأمرين (التعدد والتنوع) باعتبارهما سنة كونية حسنة تثري الحياة الإنسانية من دون أن تنتقص منها؛ تأكيدا لقوله تعالى: ﴿ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون﴾(32)، فتأمل كيف قرن المولى سبحانه الاختلاف بالبلاء وما يتطلبه ذلك من الصبر، وكيف أردف ذلك جميعا بالدعوة إلى استباق الخيرات، وكأنه أراد أن يقول: رغم ما في الاختلاف من صعاب فإنكم مطالبون باستباق الخيرات، أي بالدعوة إلى الحوار ليس بهدف تقرير من هو على حق ومن هو على باطل؛ وإنما لأن الحوار محمود بحد ذاته، أما تقرير المخطئ والمصيب فذاك أمر مردود إلى الله سبحانه وتعالى ينبئنا به في الآخرة. وقد تكرر هذا المعنى كثيرا في القرآن الكريم كقوله تعالى: ﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين (؟)﴾(33).

 

ثامنا: أن يكون الحوار بنية العمل على إنهاء الأزمات وليس مراما لتكريسها وتأبيدها، ولا منالاً لتمديد آجالها عند الطرف الآخر، وهذا يستلزم -إلى جانب ما سبق-: التخطيط الحكيم للحوار، ورعاية وترتيب الأولويات، والتزام الأمانة والصدق، وإعلان الهدف من وراء الحوار، وعدم اللجوء إلى اتباع أسلوب المناورات السياسية أو المجاملات الدبلوماسية، والإقرار بمواطن الاختلاف، وتحديد مضمون الحوار وآليات وقنوات ومستويات إدارته... إلخ.

 

تاسعا: الإيمان بأن الحوار -فضلاً عن كونه قيمة أخلاقية- يمثل كذلك قيمة �جمالية�، وأن ممارسة الحوار في شكل دائم (مع الإقرار بوجود تفاوتات واختلافات) يجسد ضربًا من ضروب الديموقراطية، التي تحرر الشعوب والأفراد من وباءات الشمولية والديكتاتورية، واستعباد الأنظمة لشعوبها باسم القومية تارة، وباسم الله تارة أخرى: �كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا�(34)، ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله﴾(35).

 

ومن الطبيعي أن يترتب على مثل هذا الفهم لشروط الحوار ومقتضياته الوصول لقناعة تامة بأن لكل إنسان كائنا من كان - وبغض النظر عن لونه أو جنسه أو عرقه أو معتقده- الحق في اختيار دينه، انطلاقا من قوله تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾(36)، وقوله: ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾(37)، وأن لكل إنسان أيضا الحق في انتخاب عقيدته السياسية وممارسة خصوصياته الثقافية والدينية والاجتماعية، والحق في أن يتساوى كذلك مع الجميع في كافة الحقوق ومختلف الواجبات، لا أن ينصب نفسه فوق القانون والشرائع والأعراف والدستور! ﴿فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمسيطر﴾(38)، ﴿فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ﴾(39).

 

ومن متممات أو مكملات الحوار: الاتفاق بشأن ما يتعلق بمبادئه ووسائله، وفي مقدمتها:

 

- مبدأ الأخوة الإنسانية؛ عملا بقوله تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾(40).

 

- الحكم على الآخر من واقع سلوكياته، وليس استنادا لما يشاع عنه أو يقال فيه؛ تصديقاً لقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾(41).

 

- أن تكون الحقيقة هي الهدف الأسمى للحوار بغض النظر عن مصدرها ومنبعها؛ تصديقا لقوله تعالى: ﴿فبشر عبادي. الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب﴾(42)، وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: �الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها�(43). ولذلك قال أئمة التزكية (التصوف الإسلامي): �الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق�، و �خذ الحكمة ولا يعنيك من أي عين خرجت�، فالحقيقة لا بد وأن تستوحى من جوهرها لا من الأعراض الخارجية التي تكتنفها بتأثيرات معينة.

 

- أن تستند كافة الآليات المعرفية والنظرية والتطبيقية العملية التي يترتب عليها الحوار إلى بديهيات المنطق وأحكام العقل، لا أن تخضع لتأثيرات الخرافة وسحر الأوهام وسطوة الأساطير. خاصة مع ما علق بذهنية كل طرف من أحكام مسبقة لا تستند على واقع أو تجربة معاشة؛ وهو ما عابه القرآن الكريم على المشركين حين قال: ﴿فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون. وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب﴾(44)، ﴿وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون﴾(45). وكثيرا ما شدد القرآن الكريم على محورية البرهان والدليل العقلي في سياق الحوار أو الجدال حول قضية ما: ﴿قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين﴾(46).

 

- القناعة التامة بأن المسلمين مطالبون اليوم -أكثر من أي وقت مضى- تكليفا بضرورة احترام حقوق الإنسان وتقديره مبدأ وغاية، وبأننا ملزمون أمانة بأن نعمل على سيادة قيم الحوار، وتعزيز مبادئ التشارك وسياسات الجوار، حرصا على المستقبل والمصير المشترك: �ولقد كرمنا بني آدم�(47)، ﴿وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين. قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون﴾(48).

 

- ألا يدفعنا رفض الآخر لبعض قناعاتنا إلى المضي قدما في نبذه ونفيه واحتقاره أو تهميشه وإقصائه، وإنما لأن نعترف بدوره ووجوده وحقه في الاختلاف معنا، وأن نحترم في المقابل خصوصياته وقناعاته انطلاقا من إيماننا بأن الحوار إنما هو وسيلة للتقريب في الأساس، وليس لفرض أنماط معينة من التفكير على الطرف الآخر:. ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾(49)، ﴿ولا تبخسوا الناس أشياءهم﴾(50).

 

- يتعين أن يكون التحاور قيمة أصلية وقانونا فطريا في المجتمعات المؤسسة على التنوع والتعدد، لا تشريعا وقتيا تمليه ظروف خاصة أو إكراهات محددة حتى إذا ما انتفت هذه الظروف اختفي معها كل رغبة جدية في الحوار ليبقى الإشكال على ما هو عليه من دون حل تقريبا. بمعنى آخر؛ أن يكون الحوار خيارا استراتيجيا قائما على القناعة التامة -التي لا تتبدل بتبدل الزمان ولا تتغير بتغير المكان- بوحدة المصير المشترك، وفطرية التنوع والاختلاف، وبأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، فكما قال الإمام الشافعي: �رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب�، وكما قال فولتير فيما بعد: �إنني أخالفك رأيك، لكني على استعداد أن أدافع حتى الموت عن حقك في إبدائه�.

 

- أن يكون الحوار في أصله مبنيا على القوة لا الضعف، والندية لا التبعية، وأن يعكس قوة كل طرف وأهليته للحوار، لا أن يؤدي إلى استقواء طرف على طرف آخر، أو أن يكون مجرد شكل من أشكال النفاق السياسي لتحسين صورة نظام فاشل، أو دجلا إعلاميا يشوه قيم التواصل الحضاري، ويفضي بالمقابل إلى إهانة الشعوب واحتلال الأراضي وضياع كرامة الإنسان: ﴿خذوا ما آتيناكم بقوة﴾(51)، ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾(52). ومن ثم؛ فإن دخول الإسلام في الحوار لا ينبغي أن يفهم على أنه نقطة ضعف، وأن ذلك تسليم للغرب؛ بل الإسلام يؤمن بالحوار ويصر عليه، وينادي به، وهو مطمئن إلى قدرته الفائقة على التأثير، مع عدم رفضه التأثر بما هو نافع وصحيح. وحين يكون الآخر معتديا يتعين على المسلمين جهاده ومجابهته تصديقا لقوله تعالى: ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين﴾(53).

 

- أن تتغير رؤية كل طرف من الطرفين المتحاورين للذات والعالم، بحيث يعاينا الكون بما فيه من كائنات محلا للعطاء الذي يركز في قيمه الجمعية البشرية، وأن يتعامل كل طرف مع الآخر من هذا المنطلق البعيد عن النيات الضيقة التي تفوت عليه الاشتراك في صياغة حاضر ومستقبل البشرية، وتمنعه من أن يكون مسهما في بناء الحضارة. وإن تصورا كهذا حري أن ينبع من إيمان المسلمين والتزامهم بشريعة الإسلام السمحة التي جاءت لتؤكد �قيمة الإحسان� إلى المخلوقات كلها، وحديث المرأة التي عذبها الله بسبب حبسها هرة معلوم ومشهور.

 

- ينبغي أن تكون محاولة إظهار ملامح جمال الله في الكون والوجود إحدى الغايات التي ينشدها المسلمون من وراء الحوار مع الآخر؛ وذلك بتسليط الضوء على حقيقة الإسلام وحاجة الإنسانية إليه من جهة، وبإبراز الجانب الإنساني من تراث المسلمين والتأكيد على سيادة النزعة الإنسانية في كتابات المسلمين وقت أن كان الآخر يعيش في ظلام دامس من جهة أخرى. على ألا يتم ذلك بقصد �المعايرة�؛ وإنما لتأكيد إسهام الحضارة الإسلامية بنصيب وافر في مسيرة الحضارة الإنسانية قديما، وقدرتها على المشاركة الفعالة مستقبلا متى توافرت الشروط اللازمة لذلك داخليا وخارحيا في آن معا.

 

- يجب أن يتأسس الحوار وفق قاعدة حرية الآخر في إرادته ومعتقداته، وأن يقتنع كل فريق بأن لا وصاية لمؤسسة عليه، ولا تحجير لنخبة على عقله. وبالتالي؛ يتسم فهم كل طرف للحرية بمضمون فاعل في تحقيق التحرر داخل النفس البشرية من كافة أنماط العبوديات المختارة التي فرضتها حركة العولمة والاتجار في البشر، والنزعات المادية المفرطة بكافة أشكالها بما في ذلك تشييء الجسد، وفقدان التوازن النفسي، وارتفاع معدلات الانتحار...إلخ. ففي نموذج الحوار لا تكون العلاقات بين الثقافات من جانب واحد أو تمضي في اتجاه واحد من أعلى إلى أسفل، كما هو الحال في نموذج الصراع بين الثقافة الغربية �العظمى� والثقافات الصغرى؛ وإنما تكون متعددة الأطراف. وببساطة آسرة؛ في أنموذج الحوار يمكن لكل الثقافات أن تشارك في صنع ورسم الأهداف المشتركة، وأن تتقاسم القانون العام نفسه، على أساس من العقل والحق في المعرفة والطبيعة واستخدام قوانينها.

 

- رفض المغالاة الزائدة عن الحد المتعلقة بالإيمان بنظريات الغزو الفكري، والمؤامرة، والموقف السلبي الرافض للحوار بدعوى الخوف على الهوية، وبيان أن هذا الخوف غير مبرر بالمرة، وإنما هو جزء من تراث الصراع الذي نشب قديما بين الإسلام والغرب. وما دمنا على قناعة تامة بكمال الإسلام وقدرته على المقاومة والصمود طيلة أربعة عشر قرنا من الزمان حتى الآن فلم الخوف إذا؟! وفي المقابل من ذلك؛ ينبغي ألا تكون إدارة الحوار من قبيل التدريب العقلي فحسب؛ وإنما انغماسا في إشكالات الحوار والتسامح بالدرجة الأولى.

 

- أخيرا يتعين على رموز وممثلي حركات الإسلام السياسي مراجعة نتائج برامجهم وأعمالهم ومقولاتهم التي تنبني في أغلبها على أحلام الثأر والانتقام وأوهام القتل والاندحار، خاصة وأن الأمل بقرب هزيمة الحضارة الغربية في مواقعها والاستئثار بأراضيها وممتلكاتها والنكاية بأهلها وتاريخها ظل �مسارا من الأوهام التي دوخت كثيرا من أطفالنا وشبابنا، يرددونها صدى مع اللحظة الهاربة، ونغما ضائعا من أنغام النخوة الضائعة�(54).

 

وفي النهاية؛ علينا كمسلمين أن نتحمل المسؤولية فيما يتعلق بالصورة المغلوطة لدى الغرب عن الإسلام من دون جلد للذات، وأن نتحرر نسبيا من الإيمان الزائد عن الحد بفكرة المؤامرة، واتخاذ وضعية الضحية، ووضع مسؤولية إخفاقات سياساتنا الدينية والفكرية على الآخرين، الأمر الذي لا يليق بالإسلام وحضارته، وأن نكون أوفياء لقيم القرآن أولا دون أن يكون أكثر همنا استحقاق رضاء الآخرين.

 

وفي اعتقادي أن طرحا كهذا يمثل موقفا وسطا بين ثنائيات متعددة من مثل: جلد الذات والتماهي مع الآخر، اتخاذ وضعية الضحية والإيمان بالمؤامرة، والبخس بقتاعاتنا وقيمنا ومبادئنا الإسلامية بموازاة استجداء نيل الرضا من الآخرين. وبالتالي يرتبط نبذنا للعنف والإرهاب بمدى جدارتنا واستحقاقنا لدين الإسلام، وتوافقنا مع مجمل أوامره ونواهيه، كما ترتبط سماحتنا وانفتاحنا على الآخرين بمدى وفائنا لقيم هذا الدين وبقناعتنا الشخصية بمنظومة الأخلاق الإسلامية في الأول والأخير، وليس بقصد أن تنال ممارساتنا استحسان العالم الآخر.. ذاك أمل يبدو لي بعيدا؛ لكنه قادم لا محالة بإذن الله!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحواشي:

 

1) آل عمران, 64.

 

2) للوقوف على طبيعة الاختلاف ورؤى الفريقين؛ قارن بالتحقيق الذي نشرته جريدة الشرق الأوسط تحت عنوان: �جدل بين علماء الدين حول جدوى حوار الأديان� وذلك بتاريخ الخميس الموافق 23 شعبان 1428 هـ/ 6 سبتمبر 2007. وهو يتضمن آراء كل من شيخ الأزهر الراحل، وأحمد عبد الرحيم السايح، وأسامة السيد عبد السميع. ومن الطرف الآخر المناهض لفكرة حوار الأديان نصادف: عبد الفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الخبير بمجمع الفقه الاسلامي بمكة المكرمة، وعبد الصبور نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، والشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق عضو مجمع البحوث الإسلامية وغيرهم.

 

3) عبد الرحمن حسن حنبكة الميداني، الأخلاق الإسلامية وأسُسُها، دار القلم، دمشق، الطبعة السادسة، 1423هـ- 2002، الجزء الأول، ص632-634 بتصرف.

 

4) البقرة, 205.

 

5) آل عمران, 64.

 

6) النحل, 125.

 

7) العنكبوت, 46.

 

8) آل عمران, 20.

 

9) الممتحنة, 8.

 

10) الممتحنة, 9.

 

11) إبراهيم الوراق، التصوف وحوار الحضارات، بحث منشور على موقع التصوف.

 

12) إبراهيم الوراق، التصوف وحوار الحضارات.

 

13) عثمان علي حس، ثقافة الحوار مقتضيات وتحديات، مجلة الأحمدية (مجلة علمية دورية محكمة تعنى بالدراسات الإسلامية وإحياء التراث)، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، العدد السادس عشر، المحرم 1425 هـ - فبراير 2004م، ص332-334.

 

14) البقرة, 143.

 

15) آل عمران, 110.

 

16) عبد العزيز برغوث، الشهود الحضاري للأمة الوسط في عصر العولمة، دراسة في أهمية التجديد الثقافي والتربوي والتعليمي، العدد الأول من سلسلة روافد، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، ربيع الأول 1428 هـ- أبريل 2007، ص29.

 

17) محمد الطالب، أمة الوسط، الإسلام وتحديات العصر، دار سراس للنشر، تونس، 1996، ص28-29.

 

18) الشورى, 15.

 

19) آل عمران, 19.

 

20) الشهود الحضاري للأمة الوسط في عصر العولمة، مصدر سابق، ص83.

 

21) عباس محجوب، الحكمة والحوار: علاقة تبادلية، رقم 3 من سلسلة الدراسات التربوية الإسلامية، جدار للكتاب العالمي وعالم الكتب الحديث، عمان، الأردن، 2006، ص165-166.

 

22) الأنعام، 162-165.

 

23) النحل, 125.

 

24) الحكمة والحوار, علاقة تبادلية، ص165.

 

25) لمزيد من التفاصيل حول بنية الحوار في القرآن الكريم ونماذج من الحوار القرآني الرفيع قارن بما كتبه زكي الميلاد: الحوار في القرآن نماذج ومبادئ، رقم 3 من سلسلة رسائل في الحوار، مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، الرياض، ربيع الأول 1431هـ/2010.

 

26) طه جابر العلواني، كيف نقتحم متغيرات المستقبل من خلال ثوابت الماضي، إسلامية المعرفة، الطبعة الأولى، 1419 هـ-1999، ص40-41. وانظر له أيضا كتابه: �أدب الاختلاف في الإسلام�، رقم 2 من سلسلة �قضايا الفكر الإسلامي�، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية،1992.

 

27) محمد عمارة، معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، دار نهضة مصر بالفجالة، القاهرة، 1996، ص12.

 

28) ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج 4، ص119.

 

29) آل عمران, 159.

 

30) فصلت, 33-35.

 

31) آل عمران, 20.

 

32) المائدة, 48.

 

33) يونس, 99, وأيضا في سورة هود, 118 ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة﴾، وفي سورة النحل, 93 ﴿ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء...﴾.

 

34) الإسراء, 20.

 

35) آل عمران, 64.

 

36) البقرة, 256.

 

37) الكهف, 29.

 

38) الغاشية, 21-22.

 

39) الشورى, 48.

 

40) الحجرات, 13.

 

41) الحجرات, 6.

 

42) الزمر, 17-18.

 

43) رواه الترمذي، عن أبي هريرة بسند فيه إبراهيم بن الفضل �ضعيف�، ورواه القضاعي في سننه عن زيد بن أسلم مرسلا.

 

44) فصلت, 4-5.

 

45) فصلت, 26.

 

46) البقرة, 111، والأنبياء, 24، والنمل, 64، والقصص, 75.

 

47) الإسراء, 70.

 

48) سبأ, 24-25.

 

49) المائدة, 8.

 

50) الأعراف, 85، وهود, 85، والشعراء, 183.

 

51) البقرة, 63.

 

52) الأنفال, 60.

 

53) البقرة, 193.

 

54) التصوف وحوار الحضارات، مصدر سابق.

المصدر: http://tasamoh.om/index.php/nums/view/34/761

الأكثر مشاركة في الفيس بوك