الأصول الاجتماعية للمعرفة

أيمن الناشف

المقدمة

- بما أن الحاجات الإجتماعية هي التي تحدد طابع المعرفة ، فإنه يمكن القول أن الظروف الإجتماعية هي التي تحدد المعرفة .

- إن بناء المعرفة وعملها  هما شرط ضروري لكل مجتمعية ، لكل حياة إجتماعية ، لكل نشاط مشترك يقوم به الناس سواء على صعيد جماعات ومجموعات غير كبيرة أم على صعيد مجتمعات برمتها . ولهذا تندرج المعرفة بصورة عضوية في نسيج النظام الإجتماعي ، كما أن التقسيمات التي تنبثق في النظام الإجتماعي ، أيا كانت ، تنعكس لا محالة في المعرفة . فإن تعدد وجوه المجتمع  وتطور المجتمع ، والتمايز الداخلي المقترن بتقسيم العمل وبوجود مجالات مختلفة للنشاط ، وبمصالح طبقية متضادة ، وبالصراع بين الفئات الإجتماعية ،و إن كل هذا ينعكس في المعرفة .

- في سياق تاريخ البشرية ، تكونت في كل مكان ، بادئ ذي بدء ، معرفة بدائية أعطت نماذج جاهزة لسلوك ونشاط جماعات بشرية غير كبيرة. وهذه المعرفة كانت ثابتة جدا ً ، لا تكاد تتغير . وبواسطتها كانت حياة الأفراد في الجماعات منظمة تنظيما ً صارما ً ، دقيقا ً ، وكانت المعرفة مكيفة جدا ً لظروف حياتهم ووجودهم فإن الإنسان الذي تربى في إطار نظام معين من المعرفة كان يشعر بالراحة فيه ، وكان هذا النظام  " نظامه هو " لأنه تبلورت لدى هذا الإنسان نماذج للتفكير والسلوك غدت طبيعته الثانية . وعليه ليست المعرفة شيئا ً يختلف عن الظاهرات الإجتماعية الأخرى وليست شيئا ً مماثلا ً لها تماما ً .

- إن المعرفة مفهوم تركيبي موضوع لوصف جميع منجزات النشاط البشري ، سواء منها المادية أم الإجتماعية والروحية التي تشترطها المنجزات المادية المدروسة من حيث كيفية تجليها في الإنسان وفي نمط حياته وفي أساليب تفكيره ونشاطه ، ومن حيث مقدار تغلبها على الأصل الحيواني للإنسان .

- ولهذا كانت المعرفة في المقام الأول وصفا ً للناس ولدرجة اتسامهم بالسمة الإنسانية ، وهي تتجلى

في أساليب التفكير والسلوك الإجتماعي والتصرف الإجتماعي الإنساني الصرف . 

 الأصول الإجتماعية للمعرفة :

- منذ الإرهاصات الأولى للمعرفة ، لم تعد العلاقة بين الفكر وموضوعاته مسألة فلسفية بحتة ينشغل بها الفلاسفة وحدهم ، بل أصبحت تلك العلاقة مبحثا ًسوسيولوجياً يتصدى فيه علماء الإجتماع لاكتشاف الطبيعة الإجتماعية للعلاقة بين المقولات والأفكار والأنساق الإجتماعية .

- وفي حين تنقسم المدارس الفلسفية حول مصدر المعرفة ، فيعطي الحسيون الأولوية للتجربة الحسية للإنسان ، ويرون أن المعاني تستخلص من الأشياء ، فإن أصحاب الإتجاه النقدي يرون أن العقل يتمثل معطيات الحس ويخضعها للفحص والتحليل ثم يستخلص منها المعرفة في عملية  تركيب لمفردات ومعطيات الحس بعد تعقلها ، فيبنون المعرفة ويصيغونها في قضايا علمية أي معارف كلية ضرورية ، وليس في التجربة كلية أو ضرورة ، كما أن هناك معاني كبرى مفارقة للمادة ليس فيها مجال للتجريب الحسي ، مثل ( معاني النفس والعالم والله ) ومعاني السعادة والحرية ، تلك المعاني العظمى التي لا يمكن أن يطولها الحس ، ومع ذلك يعيش الإنسان بها ولها ، ويناط بالعقل والوجدان استيعابها .

- وهكذا يتم بناء نسق المعرفة  من خلال إخضاع معطيات الحس لآليات العقل ، وتلك عملية عقلية ، فيما يرى الفلاسفة ، وهي عملية إجتماعية فيما يرى علماء الإجتماع . 

طبيعة المعرفة

- يستخدم ( ميرتون ) مصطلح (( معرفة ))  Knowledge للإشارة إلى كل أنواع الأفكار وكل نماذج وأساليب الفكر ، بدءا ً من المأثور الشعبي وحتى العلم الوضعي . وقد استخدم بعض الباحثين مصطلح معرفة للإشارة إلى كل ما أبدعه الإنسان ككائن إجتماعي مفكر ،وهنا اقتربوا بالمعرفة حتى كادت تتساوى مع الثقافة . فأصبح مصطلح معرفة عندهم  يشير إلى العلوم البحتــة

( كالرياضيات ، والفيزياء ، ...... إلخ ) والمعتقدات السياسية ، والمسلمات ، والأعراف ، والأخلاق ، والمعايير ، والمقولات ، والفروض والمفهومات ، والملاحظات ، والخبرات والتجارب ، وغيرها مما أبدعه الإنسان العاقل عبر تطوره التاريخي من أفكار ومعارف ومأثورات تتراكم وتتوارثها الأجيال .

 

- إن الحاجة إلى فهم الظاهرات الثقافية والمعرفية التي أدت إلى الثورة العلمية ، و ما أدت إليـه من

ثورات إجتماعية واقتصادية وسياسية ، كانت محصلتها تحولات كبرى على جميع المستويات ، أدت إلى انهيار النظام الإقطاعي ، وانتصار الثورة البرجوازية ، ورغبة علماء الإجتماع والفلاسفة في فهم وتفسير هذه الظاهرات ، هي التي ولدت اهتماما ً بالجوانب المعرفية والأيديولوجية ، خاصة ما يتصل بتأثيرها في الوعي الإجتماعي ، و من ثم كانت تلك الحاجة وهذا الإهتمام هو بداية علم إجتماع المعرفة  .

 المنظورات المعاصرة للمعرفة 

الحقيقة في المعرفة هي من الإتساع والعمق بحيث لا يمكن لعالم أو باحث مهما كانت قدراته أن يبلغها وحده ، من هنا كانت المعرفة دائما ً ثمرة لجهود جماعية ، كمعرفة محققة تتراكم فتكون نظام علمي ونسق معرفي متكامل ، وبعض الباحثين المحدثين يتبنون مدخل المعرفة ويختارونه كاملاً ، وبعضهم يعد له ويطوره ، وتشترك المنظورات ، رغم ما بينها من اختلاف حول بعض القضايا والمقولات التي تكون مسلمات وهي منظورات المعرفة نذكرها بإيجاز فيمايلي :

1- إن المعرفة لا يمكن أن تكون مجرد انعكاس آلي أو منتج ثانوي للبناء الأساسي في المجتمع .

2- إن ثمة علاقة جدلية بين الفكر والواقع الإجتماعي ، أي بين الوعي والوجود الإجتماعي .

3- حين يتكلم باحث عن المحددات الإجتماعية للمعرفة فإنه يعي في نفس الوقت أن لعلم الإجتماع

دوره في معركة الحرية ، فالقول بمحددات إجتماعية لا يعني نوعاً من الحتمية .

4- إن للأفكار دوراً هاماً في تجديد الفعل الإجتماعي . ومن ثم فإنه من الممكن إجراء دراسة ميدانية للعلاقات بين الأطر الإجتماعية والمعرفة ورصدها في الأفعال الإجتماعية ، والصراعات والمصادمات التي تحدث بين جماعات اجتماعية معينة .

5- ترتبط كل أنواع المعرفة في مجتمع معين ببعضها بعلاقة تأثير وتأثر متبادل ، وهي تشكل بذلك كلاً لا يقبل الإنفكاك ، لكن على مستوى التجريد يمكن التمييز بين أنواع المعرفة وأشكال لها .

6- تختلف أنواع المعرفة وأشكالها من مجتمع لآخر ، ومن مرحلة تاريخية لأخرى داخل المجتمع الواحد . وكقاعدة عامة ، لا يوجد تطور حتمي أو خطي أو آلي للمعرفة ، كما لا يمكن لأي قوة اجتماعية تجميد أي ظاهرة اجتماعية ، وبالأولى المعرفة .

 7- كلما كان المجتمع أثقف زادت المعرفة العلمية والتجديد ، وكلما كان أجهل زاد دور معرفة

الحس السليم ،التي يكتسبها الناس عن طريق النقل والتقليد لما يختبرونه في الحياة اليومية ، ويكون مرجعهم هو ما تتناقله الأجيال عن طريق كبار السن ودعاة الفكر القديم ، ورواة السير الشعبية ..... إلخ .

8- إن الحقائق المعروفة عبارة عن حقائق أعيد بناؤها بصورة مجردة ، بواسطة مفهومات  ، وإذا كان من الممكن لمفهوم أن يحتمل معاني مختلفة ومتعددة أو حتى متناقضة ، فإن من واجب الباحث أن يحدد المعنى الذي يقصده ، وأن يعمل على تطوير مفهومات ذات معنى محدد وواضح ، وأن يلتزم بهذا المعنى في كل مرة يستخدم فيها المصطلح أو المفهوم ،وإذا كانت تلك قاعدة منهجية عامة ، فإنها أكثر ما تكون حيوية في مجال علم اجتماع المعرفة ، نظراً لما يكتنف بعض مفهوماته من غموض .

9- إن المجتمعات لا تتمثل وتهتم ، ومن ثم تتأثر ، بنمط معرفي أو أسلوب فكري ما لم تتوافر في هذه المجتمعات الشروط الموضوعية لقبول هذا النمط وانتشاره  ومن أهم تلك الشروط اتساقه مع معرفة المجتمع وعلاقاته .

10- إن الفكر لا يحمل في طياته عوامل قوته وتطوره أو ضعفه وإضمحلاله ، أي أنه لا ينطوي على آلياته الوظيفية ، لأن تلك الآليات توجد خارج عملية الفكر ، وخارج الأفكار ذاتها ، فهي كائنة في المجتمع الذي توحد فيه الأفكار ، تلك قاعدة عامة ، وقد نجد لها استثناءات في العلاقة الجدلية بين الفكر والواقع الاجتماعي .

- وبعد ، قد تكون هناك نقاط اتفاق أخرى ، فقد ذكرت ما أظن أنه أكثرها أهمية .

 

أثر المعرفة عن ابن خلدون

 

- يمكن اعتبار المفكر العربي (( ابن خلدون )) منظّراً في المعرفة ، وأن نعد أفكاره وتحليلاته حول العلاقة بين المعرفة والمجتمع جهدا ً تنظيريا ً يجب الإلتفات إليه عند الحديث عن سوسيولوجيا المعرفة .

- عاش ابن خلدون في فترة شهدت فوضى سياسية و إجتماعية ، تمثلت بتقهقر المدنية العربية وبانحسار المد ّ العربي الإسلامي في الأندلس. ومن تلك الظروف بالذات ، وبالمقارنة مع الماضي ، صاغ هذا المفكر العربي ماهية العلاقة بين العلم والمعرفة من جهة والمجتمع من جهة أخرى .

- لم تكن المحاولات الفكرية قبل ذلك تهتم بالبحث عن تفسير المعرفة وديناميكيتها إلا من خــلال

 

 

المعرفة بحد ذاتها،  فكان الفكر يتمحور باتجاه أفقي ، همه الوصف أكثر من التفسير . وقد أعطى ( ابن خلدون ) للفكر إتجاها ً عاموديا ً ، منطلقا ً من مضمار العلم المحض إلى مضمار المعرفة . ونقطة الإنطلاق لديه هي :

 

(( إن الصلة القائمة بين العلم ( أي كل معرفة علمية ) والمدنية هي صلة موضوعية  ) )

 

- يقول في هذا الصدد  في مؤلفه ( المقدمة ) :

(( إن العلوم تكثر حيث يكثر العمران وتعظم الحضارة ، والسبب في ذلك أن الصنائع إنما تكثر في الأمصار ، وعلى نسبة عمرانها في الكثرة والقلة والحضارة والترف ، تكون نسبة الصنائع في الجودة والكثرة لأنه أمر زائد  على المعاش ، فمتى فضلت أهل العمران عن معاشهم انصرفت إلى ما وراء المعاش من التصرف في خاصية الإنسان وهي العلوم والصنائع )) .

- إن الصلة بين العلم والمعرفة هي صلة موضوعية . ولفهم تقدم كل علم ، يجب بالضرورة المرور بفهم المعرفة بكليتها ، ليبسط بذلك ( ابن خلدون ) جسرا ً بين المعرفة والمجتمع .

- وعلى هذا ، فقد ناقش عدة موضوعات من واقعه المعاش من جهة، ومن أحداث الماضي من جهة أخرى ، ليبرز تلك العلاقة .

- فهناك درجات في المعرفة وفي تقبل المعرفة لأن هناك درجات في الشكل الإجتماعي المعني في التاريخ ، إن المعرفة ، كل معرفة تتسم بطابع تاريخي ضروري ، أكان ظاهراً أم غير ظاهر . ومحاولة إرجاع المعرفة والعلم إلى سياق التاريخ بواسطة وضعهما موضوعياً في حركة الأشكال الإجتماعية في طور التغيركان هم ّ ( ابن خلدون ) الدائم والرئيسي .

- إن ( ابن خلدون ) الذي شهد تقهقر المدنية العربية في التجزؤ اللامتناهي للسلطة السياسية بشكل عام يطرح ، في غسق القرن الرابع عشر ، عدة أسئلة هامة :

كيف تتكون الأشكال الإجتماعية وتنهار ؟؟ كيف تتكون وتنهار المدنيات ؟ كيف تتشكل المعرفة في قلب شكل إجتماعي محدد ؟ .......

- إن الأجوبة التي يأتي بها هي مقدمات واسعة ، ومع أنها غير كاملة ، إلا أنها كوَّنت قاعدة انطلاق مميزة لدراسة المعرفة بكافة أبعادها .

  

  اكتساب المعرفة وتأثيره على الإقتصاد

 

- اكتساب المعرفة له قيمة في حد ذاته ، وهو أيضا ً وسيلة مهمة لبناء قدرة الإنسان ،وأصبح الآن مقبولاً بصورة عامة أن المعرفة هي العنصر الرئيسي في الإنتاج ، والمحدد الرئيسي للإنتاجية ورأس المال البشري . وعليه فهناك تكامل مهم بين اكتساب المعرفة والقوة الإنتاجية للمجتمع . وهذا التكامل قوي بشكل خاص في الأنشطة الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية ، التي أضحت تستند بصورة متزايدة إلى المعرفة الكثيفة والتغير السريع في متطلبات الإنتاج من حيث المهارات التي ترتكز عليها القدرة على المنافسة الدولية ، وستزداد أهميتها أكثر في المستقبل .

- وعلى هذا الأساس ، فإن قلة المعرفة ، وركود تطورها ، يحكمان على البلدان التي تعانيهما بضعف القدرة الإنتاجية وتضاؤل فرص التنمية . حتى أن فجوة المعرفة وليس فجوة الدخل أصبحت تعد المحدد الرئيسي لمقدرات الدول في عالم اليوم .

- من المسلم به أن معالجة وكفالة حقوق الإنسان وحريات الإنسان يتوقفان بشكل حاسم على الإطار المؤسسي . وينطبق الأمر نفسه على النشاط في اكتساب المعرفة . ولأن قضايا اكتساب المعرفة ذات أهمية كبرى للتنمية الإنسانية في المنطقة العربية ، فإن إدراك أهمية البيئة المؤسسية واختيار الإطار المؤسسي المناسب لذلك مسألتان حاسمتان لتحقيق التنمية .

- وفيما يتصل بحريات الإنسان  ، من البديهي أن دور الفرد هو الأساس في نهاية المطاف . ولكن المسألة التي لا مناص منها تتمثل في أن حرية الفرد في لعب دوره تحددها ( تعزيزاً أو تقييداً ) الفرص الإجتماعية والسياسية و الإقتصادية المتاحة ، وينطبق هذا على جميع بلدان العالم ، بما فيها البلدان العربية ، ويوجد في العالم العربي تكامل عميق بين عمل الفرد والترتيبات  الإجتماعية . وعليه من المهم التسليم بمركزية حرية الفرد ودور الترتيبات المؤسسية والإجتماعية في مدى الحرية ومدى انتشارها ، والنظر إلى حرية الفرد على أنها التزام إجتماعي .

- فاحترام حقوق الإنسان ومشاركة الناس الفعالة في الأنشطة الإجتماعية والسياسية ينبغي أن تكون العناصر الأساسية في السياق المؤسسي للتنمية الإنسانية .

- وفيما يتصل باكتساب المعرفة ، فإن الاستعمال المألوف لمصطلح رأس المال البشري يدل على التوجهات والمعارف والقدرات التي يكتسبها الأفراد  بصورة أساسية من خلال التعليم و التـدريب.

 والخبرة العملية . ولكن مفهوم رأس المال الذي يتسق مع مفهوم التنمية الإنسانية المناسب للعالم العربي أوسع كثيراً من رأس المال البشري على المستوى الفردي ، وحتى أرحب على المستوى المجتمعي .

- ولعل من الأدق في العالم العربي اعتماد مصطلح رأس المال الإنساني ليدمج مفاهيم رأس المال المجتمعي والفكري والثقافي في مفهوم لرأس المال عماده الأنساق التي تنظم البشر في بنى مؤسسية تحدد طبيعة النشاط المجتمعي وعوائده والتي من بينها مستوى رفاه الإنسان . وسيشكل الجمع بين رأس المال البشري ورأس المال المجتمعي مفهوماً لرأس المال جديراً بالاقتران بمفهوم التنمية الإنسانية في المنطقة العربية .  

نقص القدرات الإنسانية للمعرفة الإقتصادية

 

- إن الإستفادة من القدرات البشرية في المنطقة ضعيف نسبياً . ويتجلى قصور القدرات الإنسانية بأخطر ما يكون في عصر كثافة المعرفة ، في قصور اكتساب المعرفة ، ناهيك عن انتاجها . وليس أدل على قصور التحصيل التعليمي في البلدان العربية من ارتفاع منسوب تفشي الأمية فيها عن نظيراتها في البلدان الصاعدة في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية ، وانخفاض معدلات الالتحاق بالتعليم ، خاصة العالي ، عن متوسط البلدان النامية .

- وهذا النقص هو السبب الكامن وراء تركيز هذا البحث على بناء القدرات البشرية والإستفادة منها  لا سيما فيما يتصل باكتساب المعرفة . وأحد المؤشرات على إمكان التوصل للمعرفة في عصر الاتصال هذا هو متوسط عدد حواسيب الإنترنت لكل فرد . وتحتل المنطقة العربية ، بين مناطق العالم الأخرى ، أدنى مستوى من الوصول إلى تقانات المعلومات والإتصالات .

- وفوق ذلك ، فإن البلدان العربية ، فيما خلا الإمارات العربية والكويت ، تبدو متساوية في فقرها في مجالات تقانات المعلومات والاتصال ، بغض النظر عن مستواها على مقياس التنمية البشرية .

 

مخطط عناصر التنمية البشرية المستندة للبناء المعرفي 

 

م

عناصر التنمية البشرية

المعوقات

النتائج

1

الأوضاع السكانية

زيادة معدلات النمو السكاني

الكثافة + فتوة السكان

2

الأوضاع الصحية

الجهل + نقص التجهيزات الطبية

ارتفاع الوفيات  + أمراض متوطنة

3

الأوضاع السكنية

انخفاض مستويات  المعيشة + ارتفاع الكثافة

تخلف أنماط السكن + سكان بدون مأوى

4

أوضاع العمل

أشكال تقليدية للعمل + تخلف تكنولوجي

انتشار الأمية + ندرة التخصص

5

أوضاع التعليم

نقص المرافق + عدم تنوع التخصصات

بطالة مقنعة + نقص المهارات

6

الأوضاع التكنولوجية

تكنولوجيا قديمة أو غير متوفرة

نقص الكفاءة + عمالة غير ماهرة

7

الأوضاع الإدارية

نقص المهارات الإدارية + تخلف أساليب الإدارة

سوء التخطيط

8

الأوضاع الإجتماعية

تخلف قيم العمل + الطلب الإجتماعي على مهن معينة

انخفاض الإنتاجية + بطالة مقنعة

9

الأوضاع الطبقية

بناء إجتماعي جامد + احتكار مصادر القوة

فروق طبقية حادة + عدم المساواة

 

إنتاج المعرفة واستخدامها بفعالية إقتصادية

 

- إن الفكرة المتكررة في ثنايا هذا البحث هي أن قدرات الدول النامية القائمة والكامنة تمثل مصادر قوة لم يتم الإنتفاع منها على نحو كاف . ويعتبر تنمية هذه القدرات واستخدامها مهماً لنمو يقوده القطاع الخاص ، كما أنه مهم  لتحقيق أهداف التنمية الإنسانية الشاملة . فمثلاً، يعتبر وجود يد عاملة مؤهلة ومدربة مسألة ضرورية لتعزيز القدرة على المنافسة وجذب الإستثمار ، وتلبية الإحتياجات المتعددة للقطاع الخاص ، الوطني والأجنبي . وفي حالة الإستثمار الأجنبي المباشر الذي يشكل أحد أهم القنوات لنقل التقانة الحديثة وتطويرها فإنه يتوجب على البلد الذي ينشد استقطابها ليس فقط توفير المزيج السليم من السياسات والخدمات المساندة ، بل أيضاً توفير اليد العاملة الماهرة والأصول الثابتة القادرة على المنافسة .

- وسيكون دور استراتيجيات التعليم والتدريب مهما ً في هذا المجال . إذ ينبغي أن تحقق هذه الإستراتيجيات مواءمة أفضل مما هو متوفر حالياً بين مخرجات نظام التعليم واحتياجات سوق العمل المتغيرة . و لتأمين ذلك ، يتعين أن يوفر القطاع العام مرافق تعليمية جيدة و مناهج تلبي احتيـاجات

 

 

 

سوق العمل ، إضافة إلى توفير البيئة التنظيمية والمعايير التي تمكن مرافق القطاع الخاص من سد الفجوات الرئيسية من خلال التدريب المهني ، والتدريب في مواقع العمل وتنمية المهارات الأخرى المتصلة بالعمل .

- وستعزز أهداف كل من النمو والتنمية الإنسانية إذا ما قامت البلدان النامية باستغلال رأسمالها الفكري المعرفة وتطبيقها . ويشكل اكتساب المعرفة من خلال مراكز الأبحاث ، ومؤسسات الدراسات والمؤسسات الإستشارية نقطة بداية في  هذا المجال . و يعتمد تنشيط النمو المستند إلى المعرفة على التطبيق المنتج لها و على استعمال المعرفة التي تعزز التنمية الحيوية والتغيير الإيجابي . ويمكن توفير البيئة المشجعة لاكتساب المعرفة واستعمالها الكفؤ من خلال النشاط الريادي ، بواسطة الحوافز الإبداعية التي تستند إلى نظام مؤسسي قوي محفز للإبداع واستخدام المعرفة .

- وتشكل العقول العربية المهاجرة مصدراً آخراً للمعرفة كونها عنصرا ً حيوياً من عناصر شبكات المعرفة خارج المنطقة العربية . وقد اكتسب هؤلاء خبرة غنية ومتنوعة خلال عملهم في الخارج ، تمكنهم من توفير المهارة الفنية والأفكار المبدعة وفرص الإستثمار . ويمكن تشجيع مشاركتهم ونقل معارفهم من خلال سياسات تقدم الحوافز المالية لجذب المعرفة الخارجية والاستثمارات الإقتصادية التي تتبعها .

- كما وأنه من شأن بناء شبكات للعلماء العرب تمكنهم من تبادل تجاربهم ومعلوماتهم ومنهجياتهم ، أن تنشط الإقتصاد والبيئة التنموية المستجيبة للإبداع .

 الخاتمة

- تتضح أن الوسيلة الرئيسية للتنمية بجانبيها الإقتصادي والإجتماعي ستكون المعرفة بأوسع معانيها أي مجموع الوسائل العقلية التي يملكها المجتمع لتكييف الفرد ومن المسلم به أنه لا ينبغي للمجتمع استعمال هذه المعرفة كي يستعبد كل فرد ويرسخ في ذهنه منظومة الأفكار والمعتقدات التي يرى أنها الأفضل ،فإن المعرفة الخصبة لا يمكن أن تكون سوى المعرفة التي تؤدي إلى تنمية الحس الوثيق الصلة بحس المسؤولية في كل فرد فعليها أن تعد الإنسان لممارسة كامل قدرته المستطاعة في هذا السبيل .

- إن خطة العمل المعرفي المكوّن يجب أن تتناول ناحيتين فالمهم بادئ الأمر التأثير في الأفكار المعرفية السائدة وإبراز أعباء المعرفة المتداولة كثيراً ثم نعتمد المعرفة بمعناها الدقيق المعرفة التي تخاطب الإنسان من أجل توجيه إنسانيته لمستقبل أفضل بنّاء فيكون ذلك بأن نبين أن المعرفة التي نعيش عليها والتي تبدو لنا سوية وواضحة ليست سوى ثمرة الظروف التي ترتقي بإنسانية الإنسان في كل عصر فتطور تصوره للأمور ، فينبغي والحالة هذه أن نوجد شعوراً اليوم بأننا نعيش على قناعة وأعني القناعة بأننا مخلوقون كي نكون أسياداً ومالكين للطبيعة ، وعليه فقد عرفنا أن الفارق الأساسي بين الحضارات يقوم في عمق استثمارها للمعرفة في بناء الإنسان المنتج معرفياً .

- فالمعرفة هي إنتاج إنساني يتمظهر في ذات مبدعة وتتجوهر في قلب مجتمع إنساني لتساهم في التقدم بخطوات منهجية من أجل بناء حضارة يسودها رفاه الإنسان وكرامته .

مناجاة في محراب القلم

 

?  إن الإنسان هو الغاية والوسيلة وهو الذي جسد المعرفة فأضحت المعرفة مســخرة

    لخدمة  الإنسان وبناء إنسانية الإنسان .

?    قثيارة المعرفة تعزف على أوتار الحياة ....... العقل .... العلم ....... الإنسـان ..

?     المعرفة بحر منارته بعد النظر وعمق الإدراك .....

?     المعرفة الأصلية تكمن في الحقيقة وحدها ... المعرفة هي الحقيقة .....

?     أيتها المعرفة ... أيتها الأم ... ستبقين سيدة الفكر ... وحية ً نســتمد منـك معنى

الوجود .......وتحررينا من أسر جهلنا ... لتحملين إلى عوالم الإبداع .....العطاء ... العمل ..

?     إن العالم متاح للمعرفة ... وإن الحضارات متاحة للنظر ... وتاريخ حضارتنا متــاح

للتأمل  ولا يحتاج إلا أن ننهل من عبق أصالته ... وأن نقطف ثمار معرفته  .

?     يا صوت الصمت في عمق الوجود ... يا راحة الحياة في العدم ... يا حقيقة الوجود ..

يا حكمة الإنسان ......

?                  أيها الإنسان ... لا تكن جزءاً من هذا العالم ... لا تفكر في هذا العـالم ..... لا تقف

بعيداً عن هذا العالم ... بل كن أنت العالم ..

?     انهض أيها المفكر العربي .. وافتح للمعرفة أبوابك ....... واغلق عينيـك ... واصغ ِ

لصوت الماضي وأصالته وانظر بعيداً .... وتأمل عميقا ً ....فمن يبحث عن الحقيقـة   

سيجدها .......

المصدر: https://uqu.edu.sa/page/ar/79928

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك