العرب بين سقوط القومية وصعود المشروع الديني

محمد هجرس

العزب الطيب الطاهر

أحمد سيف

محمدإاسماعيل

رضا جمال

محمد الشريف

العازف بالله طلعت

ابتسام محمد

فاطمه الحاج

لماذا فشلت شعارات "القومية" فى توحيد العرب؟ هل كانت خدعة؟ ومن المسئول عن ذلك هل بفعل أسباب كامنة فى المشروع القومى أم بفعل عوامل خارجية؟ وهل أسهم ذلك فى صعود المشروع الدينى أسئلة تطرحها «اليوم» على الخبراء والمتخصصين محاولة للحصول على إجابات تتسم بالعمق والمنهجية والبعد عن الشطط سعيا لإعادة صياغة مشروع حضارى للأمة لا يقصي فكرا أو رؤية وإنما ينهض على موروثها العربى الاسلامى القادر على الولوج بها الى آفاق الأمم المالكة لناصيتها والحاضرة بقوة فى النظام العالمى الذى لا يعترف فى حقيقة الأمر الا بالأقوياء الموحدين المحافظين على هويتهم المتجردين من التبعية للخارج، هنا قراءة فى فكر ورؤي الخبراء للقضية المطروحة.

 

 الهدف سياسي

بداية يشير الدكتور سامح راشد الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية ومدير تحرير مجلة السياسة الدولية، إلى أن أصل الفكرة وهدفها في الحالة العربية كان سياسياً بامتياز، لذا لم تبحث بما يكفي عن المقومات الأخرى وما إذا كانت تصلح لخلق قومية مستقلة أو متميزة أم لا، وافترضت مسبقاً أن الشعوب العربية تشكل معاً وبالضرورة قومية واحدة لمجرد أنها تتحدث العربية ويجمعها نطاق جغرافي واحد. وفي هذا مغالطة كبيرة ومتعددة المستويات، فالقواسم المشتركة بين العرب كلها ناقصة أو جزئية. في بعض الفترات كان للعرب حضور وامتداد ثقافي متميز وله خصائص متفردة، لكن قوامها الأساس كان الارتباط بالدين الإسلامي وليس بالعروبة. كما أن الخصائص الاجتماعية والثقافية -بعد استبعاد المبني فيها على الدين- ليست متطابقة أيضاً، فالعادات والتقاليد تختلف من الخليج إلى المغرب والجزائر إلى السودان إلى الشام بل إن اللغة نفسها، إذا تحرينا الدقة، سنفاجأ أنها تقريباً ليست لغة واحدة، فالعربية في الخليج والعراق بعيدة تماماً عن تلك المستخدمة في الجزائر والمغرب (بافتراض أن تلك اللغة هناك عربية أصلاً!) والأمر أوضح كثيراً بالنسبة للصومال وموريتانيا وجيبوتي. بل داخل الدولة الواحدة توجد أكثر من لغة وليس فقط أكثر من لهجة. معتبراً أن التجاور الجغرافي لم يفلح وحده في تجميع العرب في أي مرحلة تاريخية لا في الماضي ولا في الحاضر.

افتقاد المقومات

ويصل راشد الى خلاصة مؤداها أن القومية العربية تفتقد المقومات الضرورية لوجود "القومية" . لكن هذا لا يمنع أن المحاولات التي جرت لخلق تلك القومية أو بلورة فكرة يجتمع العرب حولها، وقوبلت بعراقيل وجهود لإفشالها، من داخل المنطقة ومن خارجها. من داخلها لأن بعض الدول ترفض الانخراط في كيان أو منظومة جماعية تفقدها تميزها وموقعها ونفوذها. ومن خارج المنطقة لأنه ليس من المتصور أن الدول غير العربية سواء في العالم أو في المنطقة (إسرائيل وإيران) سترحب بكيان عربي واحد ستتعارض بالضرورة مصالحه مع مصالحها وأهدافها. لكن يظل السبب الجوهري في الإخفاق هو افتقاد الجذور الحقيقية والأسس الكافية لما يسمى بالقومية العربية.

الإسلام السياسي

وعن الاعتقاد بأن هذا الإخفاق كان وراء بروز مشروعات الاسلام السياسى، يقول إنه من الصعب افتراض وجود ارتباط مباشر بين سقوط فكرة القومية العربية وصعود الإسلام السياسي. لأن الفكرة سقطت مبكراً مع نكسة 67 وطوال العقود الأربعة التي تلت النكسة، لم يكن الإسلام السياسي قوياً كما هو الآن، بالتالي ففشل القومية لم يكن سببا مباشراً في صعود الإسلاميين.

ورغم أن المشروع الإسلامي الذي يطلق عليه الإسلام السياسي، موجود وقائم منذ زمن، إلا أنه هو أيضاً ليس متجانساً ولم يعبر عنه كيان واحد، وهذا بدوره أخر ظهوره وبروزه، فبعض صيغ أو أنماط الإسلام في المنطقة ليست سياسية بالمرة وتبتعد بالدين عن السياسة إلى أقصى مسافة ممكنة. وبعضها الآخر يعتمد الانخراط في الدنيا مدخلاً لنشر المشروع وتطبيقه بوسائل وأشكال ملموسة (في منهج أقرب إلى الإقليمية الوظيفية التي تبحث عن المصالح المشتركة وليس عن الأفكار أو المشتركات النظرية).

 أن الخصائص الاجتماعية والثقافية -بعد استبعاد المبني فيها على الدين- ليست متطابقة أيضاً، فالعادات والتقاليد تختلف من الخليج إلى المغرب والجزائر إلى السودان إلى الشام بل إن اللغة نفسها، إذا تحرينا الدقة، سنفاجأ أنها تقريباً ليست لغة واحدة، فالعربية في الخليج والعراق بعيدة تماماً عن تلك المستخدمة في الجزائر والمغرب (بافتراض أن تلك اللغة هناك عربية أصلاً!) والأمر أوضح كثيراً بالنسبة للصومال وموريتانيا وجيبوتي

أمران أساسيان

ويمكن القول إن ما أتاح صعود الإسلاميين أمران أساسيان، الأول هو تراكم إخفاقات النظم الحاكمة لعقود طويلة لم تقدم فيها أي جديد ولم تحقق لشعوبها أي تطور منذ التخلص من الاستعمار. ولما كانت تلك النظم قد جربت بدائل فكرية وسياسية كثيرة من الاشتراكية إلى الليبرالية ومن الاقتصاد الموجه إلى الخصخصة ومن الدكتاتورية والانغلاق إلى الديمقراطية الشكلية والعولمة.. وفشلت تلك البدائل جميعا لأن الهدف لم يكن أبدا مصلحة الشعوب. من هنا لم يعد يتبقى سوى البديل المطروح دائماً والذي كان مستبعداً دائماً أيضاً وهو الإسلام. ورداً على سؤال بقدرة هذا التيار على قيادة الأمة بمنأى عن الإخفاق خاصة فى ضوء تداعيات ثورات الربيع العربي، يعلق الدكتور سامح راشد بقوله: الإسلاميون قادرون على إخراج الأمة من كبوتها، شريطة ألا يكون الدين مجرد مطية لأغراض الحكم والنفوذ. بمعنى أن يكون الوصول إلى الحكم خطوة ليس لتطبيق شرع الله بشكل مباشر، وإنما لتحقيق الصلاح والإصلاح في أمة محمد ومن ثم تصبح الأمة قادرة على تطبيق الشرع بل وتطيق تطبيقه.

والمعنى أنه يجب على الإسلاميين الذين يمارسون السياسة والحكم أن ينطلقوا سريعاً إلى الاستجابة للمطالب الدنيوية العادية لشعوبهم، والتخلي عن دغدغة المشاعر بشعارات دينية غير مصحوبة بإجراءات واقعية ملموسة لتحويل تفاؤل الشعوب بتلك الشعارات إلى تحسن حقيقي. وأنا لست متفائلاً بأن هذا الجيل من الإسلاميين السياسيين سيفعل ذلك.

مشكلة النخبة

أما الدكتور إبراهيم أبراش أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر –غزة فيشير الى أن المشكلة فيما يتعلق بالمشروع القومى لم تكن بالجماهير ولكن بالنخبة التي رفعت رايات الوحدة العربية ونصَّبت نفسها ناطقة باسم الأمة العربية، فبعض النخب القومية كانت منتمية حزبيا وفكريا للفكر القومي الوحدوي ولكن لم يكن لديها استعداد للتضحية في سبيل تحقيقه، حيث كانت خلفيتها وأصولها الطبقية أو مواقعها الرسمية في الحكم تشدها نحو مصالحها الضيقة على حساب مصلحة الأمة، معتبراً أنها أكثر خطورة على المشروع القومي الوحدوي من الشعوبيين وأعداء الوحدة.

ويرى أن الدول الطامعة بخيرات المنطقة وبموقعها الاستراتيجي –الغرب الاستعماري وإسرائيل ودول إقليمية– كانت من أهم معيقات الوحدة العربية، إلا أن غياب الإيمان بالوحدة وغياب وحدة الموقف على الأسس الأيدلوجية والسياسية والاقتصادية التي ستقوم عليها دولة الوحدة كان السبب الأهم في تعثر التجارب الوحدوية.

ويضيف أبراش: لم يكن الخلل بطبيعة الحال بالوحدة فكرة وهدفاً، فهي فكرة نبيلة، ولكن الخلل كان في أدواتها من أحزاب وأنظمة، لأن الوحدة القومية تعني البحث عن/ والاتفاق على القواسم المشتركة التي تحقق المصلحة القومية للأمة، والقواسم المشتركة تعني تنازلات متبادلة من الأنظمة، ويضيف أن البعض ضخم حالة التعارض بين المصلحة القطرية (الوطنية) والمصلحة القومية العربية، كما أن أنظمة وحركات كانت ترفع رايات الفكر القومي الوحدوي، ساهمت –عن قصد أو دون قصد– في تعزيز التوجه القُطري الانفصالي وبالتالي خلق حالة موهومة من التعارض بين التوجه القومي الوحدوي والعمل القُطري (الوطني).

ويتوقف الدكتور أبراش عند الوضعية الراهنة فيقول إنها ازدادت تدهوراً بحيث باتت أكثر سوءاً عما كانت عليه عندما كان الفكر القومي يدغدغ مشاعر الجماهير، فلا قطر عربي يخلو من مشاكل اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، وأخطر هذه المشاكل هو تفشي النعرات الطائفية والعرقية التي تهدد وحدة النسيج الاجتماعي والثقافي لكل قطر، وعودة الاستعمار مجدداً للمنطقة سواء كان استعماراً مباشراً أو غير مباشر وهذا الأخير أخطر من الأول.

 

 

هل أنهت الثورات العربية فعلياً شعارات القومية وأحيت الشعار الإسلامى؟

الفكر القومي الذي حكم العالم العربي لسنوات طويلة يعيش حالياً محنة متعددة الوجوه والأسباب وهي محنة تدفع للتأمل في هذه المفارقة بين ما يطلق عليه الربيع العربي الراهن وبين ما يمكن أن نسميه خريف التيار القومي وانحساره مفسحاً الطريق لتيارات أخرى على رأسها التيار الإسلامي.ما أشبه اليوم بالبارحة! وما أكثر التاريخ الذي يعيد نفسه معنا  أو نحن من يعيد نفس الأحداث التاريخية ولكن بمسميات مختلفة! . والأخطر هو المشروع المتأسلم القادم الذي يعيش على شعارات وأوهام مشابهة كالخلافة وإسلامية إسلامية وتطبيق شرع الله.وفى إطار هذا الموضوع كان لنا السؤال التالى: هل أنهت الثورات العربية فعلياً شعارات القومية وأحيت الشعار الإسلامى؟وفيما يلي التحقيق :

الحلم العربي

فى البداية يقول المستشار فؤاد راشد رئيس محكمة استئناف القاهرة  : الحكم ذو الراية الاسلامية هو حكم ككل نظام، أعني نفعي براجماتي صرف  والرايات الاسلامية هي مجرد مدخل لدغدغة مشاعر البسطاء لا أكثر ولا أقل.

فكما يكذب الساسة عموما فإن الإسلاميين بعضهم يمارس الكذب والدجل السياسي على الناس وهم إذن جملة عارضة في السياق.والقومية العربية ليست متنافرة مع روح الإسلام .وفي رأيي أنه رغم اعتزازنا العظيم بالإسلام فإن القومية العربية هي نداء يعبر عن الدين مع التاريخ ووحدة الأرض والمستقبل وفكرة الحلم العربي أرسخ وأقوى من أن تهتز مع ثورات الربيع العربي.

الخلافة الإسلامية

وأوضحت الدكتورة سلمى الصعيدى أستاذ مساعد بكلية التربية جامعة نجران/ المملكة العربية السعودية قائلة : أعتقد الثورات العربية قضت على مصطلح القومية لفظاً ولم تقض عليه مضموناً.بالعكس صارت الشعوب العربية تتعاطف مع بعضها أكثر من ذى قبل. فالقومية العربية شعور وجدانى متجذر فى أعماق صدور العرب.وليست سياسة حكام. إما إن الثورات رفعت مبدأ سيطرة الدين الإسلامى.فأعتقد أن ذلك بالعكس.فكل من كان من قبل يدعو لتمكين الإخوان تبدل رأيه بعدما أظهرت التيارات الاسلامية سذاجة افكارهم.وضعف تمكنهم سياسيا وحتى دينياً.فلم يأتوا إلا لإحياء فكرة الخلافة الإسلامية مفرغة من أى إبداع أو فكر جديد يناسب القرن الواحد والعشرين. الإسلام لما انتشر فى العالم سابقاً كان يحمل معه فكراً جديداً أذهل الشعوب وأبهرها.وقدم للبشرية نموذجاً رائعاً للتسامح والرقي الفكرى والعلمى والخلقى والدينى.وضعفت الخلافة الاسلامية عندما انشغلت بمكاسب شخصية وتخلت عن التطور العلمى وانشغلت بالصراعات.

مخططات صهيونية

وأشار الدكتور عبد العزيز عبد الله رئيس منظمة الشعوب والبرلمانات العربية ورئيس حزب الثورة قائلا :لم تنته الثورات العربية فعليا من الشعارات القومية ولم تحيَ الشعارات الإسلامية بدليل أن الإسلاميين لم يصلوا إلى الحكم نهائيا فى كل الدول العربية عدا مصر .وسقط الإسلاميون فى ليبيا فى كل الانتخابات وكذلك فى تونس لأنهم يقولون ما لا يفعلون ولا يطبقون الإسلام بمعانيه السمحة الصحيحة .بل هم أتوا لكي ينفذوا مخططات صهيونية وسوف يسقطون قريباً.

الصورة الصافية

وقال زين العابدين المخزمى ويعمل معلم الفقه وأصوله فى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (الكويت): إن الثورات -خصوصاً في تونس ومصر وسوريا- أبرزت الشعار الإسلامي، لكنه ليست بالصورة الصافية، بل بصورة قاتمة بعض الشيء، ولعل النصح والإخلاص والوقت يصلح من هذا الأمر ونحن مازلنا نعيش فترات الثورات العربية، لهذا يصعب إصدار حكم نهائي بخصوص هذه المسألة فيها.

عوامل خارجية

ومن جانب آخر يقول عبد الله المالكى (السعودية): من وجهة نظري لا لم تحي الشعار الاسلامي على الوجه المطلوب بل بعثرت المسلمين وشتت أفكارهم وجعلت العراك يدور بين المسلمين انفسهم لان الأعداء يستخدمون طرقا مختلفة وملتوية ليتقاتل المسلمين فيما بينهم ومن ضمنها زرع أيادٍ خفية بين المسلمين ليظهروا إسلامهم مبطنين أحقادهم وعززت مواقف الثورات القومية وعوامل خارجية ودولة شيعية كإيران استغلت الوضع وزادت الحطب لتشعل النار بين المسلمين والسنّة خصوصاً وتعمل جاهدة لإنهاك كاهل المسلمين وإهدار طاقاتهم فيما بينهم والخروج من الثورات خالي الوفاض.

وأضاف أن المسلمين أنفسهم بكل أسف أشغلوا أنفسهم في أمور لا تخدم دينهم ولا أوطانهم وحماقة يقودها الحمقاء ليسقط فيها كبار العقول دون الشعور بالجرائم التي ترتكب في حق أعراضهم وأموالهم ودينهم.

الغالبية العظمى

وقال ناصر الحسنى أخصائى توجيه مهنى بوزارة التربية والتعليم بسلطنة عمان :لقد قامت الثورات العربية بناء على رغبة جامحة في تغيير الوضع المتردي الذي يعيش فيه المواطن العربي، وعلى هذا الأساس لم يكن الدين والعروبة الهاجس الذي يشكل المحور الرئيس الذي يمكن لثورة أن تقوم على أساسهما.

ويضيف: صحيح أن التيارات الإسلامية شكلت الغالبية العظمى للتحرك نحو الإصلاح وضرورة التغيير ، وصحيح أن القومية العربية ساندت المواقف الناهضة نحو التغيير وإن لم تكن بالشكل المطلوب، ولكن الصحيح أيضا أن القومية العربية لم تندثر وظهرت جليا في الكثير من المواقف وكذلك رفع الشعار الاسلامي لم يكن بالصورة المتقنة التي ترفع شعار الوحدة ولمِّ الشمل ، بل كان في أحيان كثيرة يؤجج المذهبية والطائفية وهذا الوضع يجعل الدول العربية شعوباً وحكومات في أوضاع متباينة ومختلفة والمرحلة القادمة أكثر خطورة ما لم يقم المسؤولون على المبادرات الحقيقية لحل كل الأزمات وبطرق أكثر واقعية وأكثر متقبلة وهذا ما يجعلنا نتحدث عن قضية الثقة التي لا بد من غرسها بين كل الكيانات الناهضة والثائرة ضد الظلم والطغيان وبين القوى الحكومية المناهضة ضد كل المخربين والسارقين لثورات الناس الأحرار المخلصين لأوطانهم وأمتهم والملتزمين بالمبادئ والقيم النبيلة.

الداخل والخارج

وأشار المهندس مروان الفاعورى الأمين العام للمنتدى العالمى للوسطية: إن التيار الإسلامى أمامه فرصاً وتحديات وأن التغيير والإصلاح حتمية تاريخية ونحن أمام مرحلة صعبة وسيحكم علينا التاريخ وأن تحديات التيار الإسلامى تكمن فى تركة الفساد والاستبداد اللذين ورثوهما وهم مطالبون بالتعامل معها على الرغم من عدم مشاركتهم فيها وأن الآمال التى يعلقها الشعوب على الإسلاميين اليوم تبدو أكبر من إمكاناتهم ومن الظروف التى تحيط بهم. وأن الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة يواجهون حصارين أولهما من خصومهم فى الداخل والخارج وثانيهما هو حصار الزمن الذى لا يتحمله الناس من اشتباكات وصراعات وآمال وأشواط فى التغيير.

الشعارات الزائفة

ومن جانب آخر أشار د. نبيل محمد أستاذ التاريخ  بجامعة الأزهر قائلاً :إن انتشار الفكر القومي على أيدي أعضاء الجمعيات القومية العربية، لم يكن خصيصاً بأرض العرب فحسب، بل كانت هناك دعوات تنادي بقوميات أخرى كالتركية، أو الأندنوسية أو الألبانية.. فقد فرقتهم الشعارات الزائفة، بعد أن جمعهم الدين الواحد. والمشروع لعربي فشل فشلاً ذريعاً على كافة الأصعدة فشل حتى في أبسط الأمور وهو على سبيل المثال توحيد العملة أو فتح الحدود وإلغاء التأشيرات .وإذا استسلمنا ستين عاماً أخرى كتجربة لهذه الشعارات فستختفي هذه الأوطان بالكامل وسيتضاعف عدد الدول العربية وستتحول لدويلات .وهل من معترض الآن على أن هذا المشروع القومي العربي ونحن اليوم نستبدل نفس الشعارات ولا نتعلم أبداً ونستعد لنقيم مشروعاً آخر جديد وإن كان مختلفاً وعلى توسع أكبر ليشمل العالم الإسلامي غير العربي وفي نفس الوقت سيتجاهل حقوق الأقليات غير المسلمة في الدول المنادية بهذا المشروع.

الثورات العربية

ويتساءل رستم فؤاد من (الأردن) : هل الأزمة أو المحنة التي يمر بها الفكر القومي العربي هي وليدة الانتفاضات الحالية أم أنها سابقة عليها بسنوات طويلة ولها أسبابها الموضوعية الكثيرة التي يمكن تحديدها لاحقاً.

ويعتبر أن ربيع الثورات العربية كان العامل الأكثر سطوعاً في هذه الأزمة باعتبارها عنواناً حقيقياً وتعبيراً صادقاً لفكرة القومية العربية وهي أنظمة بدأت رافعة هذه الشعارات العظيمة وانتهت بخيانة كل تلك الشعارات التي حملتها من وحدة عربية وحرية واشتراكية فانتهت بوحدة العائلة وحرية .وإذا كان ربيع الثورات والانتفاضات العربي يحمل في طياته الكثير من المخاطر والتحديات للتيار القومي العروبي فما هي الفرص التي يقدمها في المقابل.  والكشف عن حقيقة الجمعيات القومية العربية، بذكر مبادئها وأهدافها مع الإشارة إلى مكان النشأة وتاريخها، وبيان التطور الذي رافق تأسيس تلك الجمعيات، حيث بدأت بالدعوة إلى اللغة العربية وآدابها.وكان للجمعيات القومية العربية دور بارز في القضاء على مفهوم (الخلافة الإسلامية) واستبدالها بحكومة علمانية يحكمها الدستور تحت شعار الديمقراطية ثم الاتفاق مع الدول الصليبية (الحلفاء) للقضاء على الدولة العثمانية.

 

 

هل النتيجة كتلٌ بشريةٌ وكردوناتٌ وأسلاكٌ شائكة؟

سايكس بيكو جديد

في البداية أشار السفير الدكتور عبد الملك المنصور مندوب اليمن الدائم السابق لدى الجامعة العربية، إلى أن مفهوم القطرية يعني تصغير الوطن العربي وتقزيمه إلى كيانات يعزلها عن بعضها البعض أسلاك شائكة وبراميل وحواجز جمركية ونقاط تفتيش أمنية، لتظل كل كتلة بشرية في كردون بعيدة عن الآخر العربي وينحصر الأفق القومي في تلك النطاقات الضيقة فيما تسمى بالأوطان.

وقال المنصور: إن الأمة العربية تتعرض إلى مؤامرة في حقيقتها هي أقرب إلى (سايكس بيكو جديد)  تستهدف تجزئة وتقسيم الأقطار العربية على أسس عرقية أو دينية أو طائفية أو إقليمية أو اقتصادية أو على أي أساس آخر بما يضمن تحويل القطر الواحد إلى عدة أقطار وإعادة الأقطار العربية لمرحلة ما قبل الأمة والوطنية والقومية، فمثلا دولة كالعراق ظلت هناك مؤامرة بشأن تقسيمها إلى دويلة كردية في الشمال وأخرى سنّية في الوسط وثالثة شيعية في الجنوب، مما يبرهن على أن تقسيم الوطن العربي الى اقطار مستقلة على أسس عرقية وطائفية هو هدف قديم ، لضمان امن الكيان الصهيوني وديمومته وبقائه من خلال التخلص من تهديد اقطار عربية قوية ومتماسكة الهوية والانتماء.

اضاف المنصور: إن القطرية والطائفية ساهمت كثيرا في تخريب حركة القومية العربية ، وتغيرت إستراتيجية مصر وتحولت من قاعدة تحرر الأمة العربية التي وضع لبناتها الرئيس جمال عبدالناصر، إلى دولة قطرية في عهد الرئيس السادات انشغلت باسترداد أراضيها وتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل .الكيان الصهيوني فاعترف به وانهى دور مصر القومي وحصرها في حدودها الاقليمية.

تجذر القطرية تخدم إسرائيل

من جانبه رأى السفير علي جاروش مدير إدارة الشؤون العربية بالأمانة العامة للجامعة العربية،  إن غياب الأفق القومي الرحب وتجذر المصالح القطرية الضيقة في العالم العربي هو نسيج غربي لتوفير غطاء أمان للكيان الإسرائيلي المحتل ووضعه في موضع الانفراد والتميز بما يجعل لها الغلبة والهيمنة لتظل الحارس القوي لتأمين مصالح وأطماع القوى الغربية العظمى على مقدرات الأمة العربية و المنطقة.

وأكد السفير علي جاروش بأن طموحات المواطن العربي لم تسر على وتيرة واحدة بل تدرجت، إذ انحصرت إبان عقدي الأربعينات والخمسينات في التحرر من قوات الاحتلال الأجنبي وتحقيق الوحدة العربية، ثم في الستينات ومطلع السبعينات كان الطموح تحقيق التضامن العربي، حتى انتهى المطاف بالطموح اليوم إلى البحث عن وقف حالة الاقتتال والتنازع والصراع، وهي صورة لا يمكن لأحد أن يدعي إمكانية تحقيق الأمن والاستقرار للمواطن العربي والسماح له في التمتع بالموارد والعيش الكريم.

وأوضح السفير علي جاروش بأن المعضلة الرئيسية التي تواجه العمل القومي العربي المشترك في كافة الميادين والمجالات والهياكل تكمن في التناقض الكبير القائم بين قومية التهديدات والتحديات والمهام المطروحة على العرب كجبهة موحدة جماعياً من جهة، وبين انفرادية كل قطر عربي  واستئثاره بعملية رسم سياسته الإقليمية والعربية والدولية وتنفيذها على مستواه الخاص، مشيراً إلى أن مثل هذه الازدواجية والتي بلغت درجة التناقض في أحيان كثيرة قد أدت إلى تراجع واضح في مكتسبات العمل القومي العربي على صعيد الممارسة الواقعية، حتى وصل الوضع إلى مرحلة مأساوية تجسدت وما زالت للأسف الشديد في استقواء بعض الأقطار العربية بالأجنبي في مواجهة أقطار عربية شقيقة، وأنه إذا استمرت الأوضاع العربية على ماهي عليه الآن فإن الواقع المستقبلي للعرب سيكون خطيراً، وأن كافة  الأقطار العربية، غنيها وفقيرها، كبيرها وصغيرها، ستواجه إما أزمة بقاء أو بقاء أزمة طالما استمرت ملامح التجزئة الراهنة لافتاً إلى أن مشكلة الفكر السياسي العربي أنه مازال بعيداً عن صياغة محددة لمفهوم الأمن القومي في الوقت الذي باتت مفاهيم كثيرة للأمن القومي في كثير من الدول واضحة ومحددة، كالأمن القومي الأمريكي والفرنسي والإسرائيلي.

وأشار جاروش إلى أن منظومة الأمن القومي هي تعبير عن ثلاثة مطالب لا بد  للأمة العربية من تحقيقها، وتتمثل في فكرة (الضرورة) التي تعني حق الدفاع عن النفس وما يرتبط بها من حشد للقدرات العلمية والتقنية والعسكرية ذات مواصفات عالية، ‏ والثاني (وحدة الإرادة ) في مواجهة  قوة الخطر  والتي نقصد بها الوحدة العربية النابعة من خصائص الوجود القومي، والثالث حق التنمية وبناء الذات انطلاقاً من حقيقة التكامل بين مختلف أجزاء الوطن العربي، وأنه بتفاعل هذه المطالب الثلاثة وتحويلها إلى متغيرات إجرائية نكون أمام أوجه القوة وأوجه الضعف في الجسد العربي، ووفقا لذلك نستطيع صياغة إستراتيجية واضحة تحقق القومية العربية المنشودة، وتنشئ كيانا ذاتيا عربيا، ونظاما للقيم العربية التاريخية سواء المادية والمعنوية.

إن القطرية والطائفية ساهمت كثيرا في تخريب حركة القومية العربية ، وتغيرت إستراتيجية مصر وتحولت من قاعدة تحرر الأمة العربية التي وضع لبناتها الرئيس جمال عبدالناصر، إلى دولة قطرية في عهد الرئيس السادات انشغلت باسترداد أراضيها وتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل .الكيان الصهيوني فاعترف به وانهى دور مصر القومي وحصرها في حدودها الاقليمية.

اعرف نفسك

من جانبه أكد الدكتور خالد الربيع الأكاديمي السعودي، أن الحديث عن القومية العربية وما إذا كانت القطرية هي مؤامرة خارجية، فإن هذا يحتاج منا التوقف قليلاً أمام مقولة الفيلسوف اليوناني سقراط ( اعرف نفسك )، فعندما نتأمل معنى هذه الجملة الفلسفية جيداً نعرف أنها كانت سر التئام شمل الغرب رغم ما بينه من تباين في اللغات والعادات والتقاليد وميراث طويل من الاقتتال وثأر الدماء، لكنه استطاع أن يطوى كل هذه الصفحات ويبدأ صفحة جديدة لكيان موحد قوي، لأدركنا على الفور أننا بحاجة إلى مراجعات فكرية لسياساتنا الداخلية، ونكف عن تعليق أخطائنا على شماعة المؤامرات الخارجية ضد الأمة العربية.

وقال الربيع: ربما تكون هناك يد للغرب فيما عليه حال العالم العربي من عدم اللحمة، لكن ليس من الحكمة تحميله كل المسؤولية أو الاستسلام لعقدة المؤامرة وأن الدول الغربية تريد تقسيم الدول العربية لتتحكم في قرارها وتستنزف مواردها، لننظر في أنفسنا وما وصل إليه حال أنظمتنا المستبدة وحكام يتوارثون السلطة في مناخ استشرى فيه الفساد حتى لم تنج منه المؤسسات العسكرية ذاتها، وعلينا أن نتذكر دائما بأنه لولا غزو صدام حسين للكويت ما تدخلت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولولا إبادة القذافى لشعبه ما تدخل الغرب، وربما أدى استمرار نزيف دماء الشعب السورى على يد حاكم ديكتاتور كبشار الأسد لتكرار السيناريو الليبي وتدخل الغرب تحت مظلة الدفاع عن حقوق الإنسان ووقف المجازر ضد الشعب السوري.

ودعا الربيع إلى ضرورة الكف عن سياسة التضليل والاستخفاف بعقول المواطن العربى، الذي لم يعد كسابق عصر الأجيال الماضية في ظل عصر السماوات المفتوحة وجيل الإعلام الاجتماعي، فأصبح مطلعاً وفاهماً ومدركاً لما يدور من حوله، وبإمكانه أن يميز بين الغث والسمين، وامتلك قرون استشعار أي كذب أو اختلاق للقصص الوهمية قد يحاول أن يسوقها النظام عن الحاكم بصفته كحارس للبلاد والعباد، وهذه مقولة حق أريد بها الباطل، لأن الوحدة الحقيقية للشعوب وتضافر نسيج المجتمعات يبدأ من استرجاعها لحقوقها المسلوبة بيد حكامها الذين استباحوا حريات الشعوب وعاثوا فى الأرض فساداً ونكّلوا بالعباد وصادروا كرامتها  .

وأوضح بأنه مما لاشك فيه أن غياب الرؤية وانتشار آفة الجهل، عدم انتقال  السلطة واستمرار الظلم وتزايد ظاهرة الأمية قد تكون وراء تشرذم الدول، ومنح الفرصة للدول الغربية للتدخل فى شأن الدول العربية وتحديد مسارها، حتى جعلتها كيانات مجزأة ومتشرذمة ، الأمر الذي يتطلب منا إعادة النظر فى وحدتنا، ووضع استراتيجية لمواجهة التحديات والصعوبات، وعلينا ان نتذكر تجربة الدول الخليجية وما كان عليه حالها قبل خمسين سنة من الآن، وما كانت تعانيه مجتمعاتها من جهل وأمراض وأمية، ثم نجحت بفضل إرادة شعوبها أن تفلت من جاذبية كافة هذه الآفات لتصبح  حاليا من الدول الرائدة على مستوى الشرق الاوسط فى الصناعة والتجارة، لدرجة أن  بعض الدول الخليجية كالسعودية اصبحت من الدول الرائدة على مستوى صناعات البتروكميائيات، البحرين اصبحت من الدول التى يشار إليها بالبنان فى موضوع المصارف ، ودبي تحولت إلى منطقة مهمة على مستوى السياحة العالمية ، كما أن دول مجلس التعاون ناقشت فكرة الاتحاد الخليجى واتفقت على الاستراتيجية الدفاعية وقريباً السياسة المالية والسياسة الخارجية.

حد التجاهل

أشار الدكتور خالد الربيع بأنه لا يمكن لأحد أن يتجاهل حقيقة المصالح الغربية في الدول العربية، ولكنها لا تتجاوز حد الحفاظ عليها من دون أن نبالغ في توصيفها إلى درجة أنها مؤامرات ونركن لذلك ونبدد جهودنا في بناء حواجز وجدران من العزلة عن الآخر بحجة تحصين أنفسنا، ونهمل التخطيط ورسم سياسة للوصول للاهداف المنشودة .

وأضاف بأن التطورات التي شهدتها الجامعة العربية  منذ نشأتها  وما صاحبها من تغيرات بعد اندلاع الثورات العربية بداية من الخمسينات وبزوغ فكرة القومية العربية إبان ثورة الضباط الأحرار المصرية أو ثورة الجزائر، ثم ثورة اليمن منتصف الستينات وغيرها، وانسحاب القوات البريطانية أو الامتداد العثمانى أو الفرنسي ، ورأينا الدعوة إلى مشروع فكرى وثقافى واجتماعى موحد يجمع بين الدول العربية التي يجمع بينها روابط مشتركة كثيرة من حيث اللغة والثقافة والعادات والتقاليد، لافتا إلى أن منظومة الجامعة العربية قد ساهمت في توحيد المواقف من قضايا بعينها، والتي جسدت القومية العربية من المحيط إلى الخليج عندما ساندت مصر في حرب عام 1973ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم وتحقيق الانتصار عليه وإعادة سيناء، وكذلك القرار الذى اتخذته الدول العربية بالمشاركة فى التحالف الدولى لطرد قوات صدام حسين من الكويت أثناء الاعتداء الغاشم سنة 1991م بعد مهاجمة الكويت، وغيرها من المواقف العربية التى كان لها مردود  وجسدت روح القومية العربية وآخرها مساندة فلسطين فى استرداد حقوقها فى الامم المتحدة والاعتراف وحصولها على صفة دولة قانونية غير  عضو بالأمم المتحدة .

وشدد الدكتور الربيع على ضرورة إعادة قراءة مشهد ثورات الربيع العربي، التي لم تخرج كلها من أجل المطالبة بالخبز وحده، بل للتمرد على قياداتها العربية لكونها لم تكن قادرة على تلبية طموحاتها، لذا خرجت ثائرة على هذه الأنظمة التي تسببت سياساتها العقيمة والمستبدة في فرض ما يشبه الوصاية الخارجية من الدول الغربية على قراراتها، فكانت انتفاضة الشعوب من أجل تحقيق حلم الكيان العربي الواحد.

 

 

ماذا يقول شارع عربي يتخبط بين ماضيه وواقعه؟

طالما حلم الشارع العربي بتشكيل وحدة عربية وقومية مشتركة تجمع بينهم، وتزداد الحاجة إلى قومية عربية بازدياد التحديات الصعبة التى ظهرت عقب الربيع العربي من انتشار البطالة وتقشف الاقتصاد والتبعية وتدخلات الغرب من أجل الحفاظ على حليفها إسرائيل..(اليوم) استطلع آراء الشارع العربي حول القومية العربية وأبرز التحديات التى يرونها مناسبة من اجل تشكيل وحدة قوية..

اندثار شديد

من جانبه، يرى عمرو صبحي، الباحث المصرى فى وزارة التعاون الدولي، أن فكرة القومية العربية تعاني من اندثار شديد بل وتعاني من ظهور افكار مضادة تحث على الانفصال والاستقلال وأرى أن لذلك عددا من الاسباب منها، أولاً ارتفاع معدلات الضبط الاجتماعي داخل البلاد بما يفضي الى ازدياد حالة عدم الثقة في الحكام بشكل عام مما يستتبع بالضرورة عدم الثقة في امكانية قيام هؤلاء الحكام بتحقيق هذا الهدف في الوقت الراهن، وأضاف أنه ثانياً الانشغال الشديد بالاوضاع الداخلية في البلدان العربية مع كثرة مشكلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية مما يجعل المواطن لا ينظر لأكثر من لقمة العيش وحل مشكلاته الحياتية الضيقة او على أقصى تقدير الانشغال بحل مشكلات بلاده الاقتصادية او السياسية .

وأشار عمرو ، أنه ثالثاً فشل المد القومي العربي الناصري في تحقيق أفكاره علي الواقع ترك انطباعا سلبيا في عدم امكانية اعادة احياء المشروع القومي العربي من جديد فعلى الرغم من  أن اسباب الاخفاق المتعددة  الا انها جميعاً اختزلت في الاذهان بوصفها افكارا نظرية ليس لها آليات تنفيذ .أما رابعاً فيأتى التأثر الشديد في مناحي العلوم المختلفة بالحضارة الغربية القائمة على فكرة الحرية أكثر منها على فكرة الوحدة إذ إن الحرية أولا فللشعوب الحق في تقرير مصيرها سواء بالوحدة او بتقرير مصيرها بالاستقلال مما يغذي لدى الافراد افكارا قد تكون غير متماشية مع فكرة القومية العربية.

التقسيم والتجزئة

وقالت سارة زواغى ، طالبة الإعلام التونسية، إنه في خضم ثورات الربيع العربي التي لم تحسم نتائجها بعد و مع التحولات الجذرية في سياسة المنطقة لم يعد مشروع الوحدة القومية المصطلح الجاذب في اوساط الشارع العربي نظرا لتصاعد الجدل حول الديمقراطية المختارة و الديمقراطية المفروضة نتيجة لصعود التيارات الاسلامية وهو ما مثل المعادلة الاهم في اذهان الشارع العربي، وأضافت سارة أنه فى المقابل عندما لا يكون النجاج خيارا للاسف امام اوضاع تستعصي على التغيير من تجاذبات مذهبية و طائفية و تذبذب مسار جهود المصالحة و غلبة سياسة التقسيم و التجزئة فإن فكرة الهوية القومية العربية قد تلقى رواجا على الاقل من الناحية النظرية.

وأشارت سارة : فالقومية العربية يمكن ان تكون انطلاقة لمشروع حقيقي نهضوي عربي بديل يوحد جميع التيارات الايديولوجية و يكون ثمرة لتلاقي مختلف الاطياف السياسية خاصة مع ظهور دعوات لاقامة" هلال الربيع العربي "ليضم مصر و ليبيا و تونس على غرار مبادرة مجلس التعاون الخليجي لإقامة" اتحاد خليجي" و اقتراح الرئيس التونسي منصف المرزوقي و راشد الغنوشي لتفعيل الاتحاد المغاربي العربي، وأوضحت سارة أنه في النهاية المعضلة المعيارية امام الانظمة العربية لنجاح مشروع القومية العربية بعد ميلاد الربيع العربي هي ادارة تحدي المتغيرين الجيوبولوتيكي و الجيوستراتيجي مع مراعاة البعد الاقليمي.

تدخلات غربية

بينما أوضحت ريم ثابتي، المٌدونة التونسية، إن القومية العربية كانت شعارا فى زمن الرؤساء الذين بداخلهم وطنية وشعور قوى فى زمن كان الاستعمار هو سيد المشهد، أما الآن فكل دولة عربية حبيسة حدودها الجغرافية من أجل توفير احتياجاتها، واختفى مصطلح القومية العربية بعد تدخلات غربية بمساعدة حكام بعض الدول العربية وربط المساعدات الغربية لكل دولة بتنفيذ اطماع امريكية فى المنطقة فقط.

ومن جانبها، شددت آية مواس، طالبة الطب الجزائرية، على ضرورة ان يتجمع الشعب العربي من أجل لغة واحدة وثقافة مشتركة وحدود تٌجمع كافة الدول العربية، مضيفة أنه لابد من التخلص من الفساد وانتشار البطالة وسوء توزيع العدالة القومية داخل الدول العربية حتى تتفرغ لمصالحات وقرارات عربية مصيرية، وأوضحت آية أنه لابد من تشكيل وطن عربي موحد والحفاظ على الإسلام والقرآن من اجل إقامة دولة العدل وهزم الغرب الذى يحاول التقليل من لغتنا وديننا. بحد قولها.

وفي ذات السياق، قالت رانية حاتم، شاعرة فلسطينية، إن القومية العربية  ما زالت  تتجلى  بشذرات أنفاس الثوار وأوفياء العروبة، مضيفة "رغم أننا لا ننكر وجود عناصر   تخلت  عنها   بسبب المصالح الشخصية والتربية البيتية وتسلط الأنظمة وانحيازها للتطبيع مع أمريكا واسرائيل"، وأوضحت أن الواقع العربي مازال يفتقد  زعيما  ناصريا وحدويا  يسعى لوحدة عربية بعد أن تمزقت  تضاريسنا  وتراقصنا  على وتر أمريكا وإسرائيل، وتختتم بقولها إن الأمل لا يزال موجوداً،وصدق رسولنا الكريم الذي قال:" الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين"

 

 

بين القومية والقطرية.. طريق ثالث؟

القومية والعقيدة

بداية يرى الدكتور محمود الصاوى أستاذ الثقافة الإسلامية فى كلية الدعوة بجامعة الأزهر أن الحركات القومية في مطلع القرن العشرين قد طرحت نفسها كبديل للحركات الدينية المتمثلة بالخلافة الإسلامية العثمانية التي انهارت في نهاية الحرب العالمية الأولى و حاولت تلك  الحركات بطريقتها الخاصة أن تملأ الفراغ الذي أحدثته هزيمة الخلافة العثمانية، كذلك حاولت الحركات الدينية المتمثلة فى جماعات الإسلام السياسى في نهاية القرن العشرين وأثر تجارب مريرة أن تملأ الفراغ الذي أحدثه إخفاق الحركات القومية. وأضاف أن مرجع الاشكال القائم بين الاسلاميين والقوميين أو العروبيين، ان بعض مفكرى القومية تحدثوا عنها باعتبارها (عقيدة) وهذا هو موطن الخطأ ، فالقومية ليست عقيدة لا بالمعنى الدينى ولا الفلسفى، وانما هى حقيقة اجتماعية تعبر عن ظاهرة جماعية لمجموعة من البشر تربطهم اللغة والثقافة والارض والمصلحة والشعور والماضى المشترك والمستقبل الواحد، وبالتالى فالفارق كبير والبون شاسع بين القومية والعقيدة ، والدليل على ذلك هناك قوميات عديدة غيرت عقائدها من وثنية الى سماوية ، ومن رأسمالية الى اشتراكية ومن روحية الى مادية.

الإسلام لا يرفض القومية

فى تعليقه يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية :الإسلام هو الدائرة الأوسع والأعمق والأشمل ، والقومية هى دائرة أضيق من الدائرة الإسلامية ، فدائرة الإسلام تشتمل بداخلها على دوائر عديدة منها الظاهرة القومية، وبالتالى فإن  «التعددية» التى جاء بها الإسلام وتجسدت في حضارته، أرست مبادئ الوحدة الإسلامية الجامعة للمسلمين على اختلاف ألوانهم واجناسهم مؤكداً أن الرابطة القوية التى يجب أن تسود بين المسلمين هى رابطة العقيدة الإسلامية ولا شيء غيرها , وأنه يحرم على المسلم التفاخر على أساس القوم أو اللون أو الجنس.

 وتابع الشيخ عاشور قائلا: لقد شملت الأمة الإسلامية قوميات عديدة تختلف في لغاتها وعناصرها وتواريخها القديمة، لكن دخولها في الإسلام وتثقيفها بثقافته وتطبيعها بقيمه وسلوكياته قارب بينها بحيث أصبحت تحس بقوة الارتباط بينها، ليس بسبب اتحاد مصالحها بقدر ما هو التجانس الروحي والتشريعي والتضافر السلوكي الذي غلب عليها، ولذلك فقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها أمة واحدة، وبالانفتاح على الآخرين من الذين ينتمون إليها بانتمائهم للإسلام وذلك في الوثيقة الشهيرة (وثيقة المدينة). وأضاف أن الإسلام لم يشأ أن يلغي تمايز الأقاليم والدولة الوطنية والقطرية والقومية، وإنما إلى تجاوز «نظام الوطنية الضيقة» الذي أخذناه عن الدولة القومية الغربية في أوروبا، لتصبح أقاليم عالم الإسلام ودوله الوطنية والقطرية تنوّعاً في إطار وحدة دار الإسلام.

المشروع الإسلامى الوحدوي

وحول رأيه فى البديل الإسلامى لظاهرة القومية؟، يقول المفكر الإسلامى الدكتور محمد عمارة : إن إحياء المشروع الإسلامى الوحدوى يمثل البديل للظاهرة القومية. وتابع قائلاً: لم يعد للنعرة القومية مكان فى ظل الانتساب إلى الإسلام، حتى إننا نرى شعوب العالم فتحت أحضانها لحملة التوحيد النقى والأخوة الجامعة تحت مبدأ: (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم) ولم تفتح أحضانها لنعرة جنسية، قومية أوغير ذلك، فالإسلام لم يكن فورة جنسية أو نزعة استقلالية، إنه دين للإنسانية عامة يعلو على الأقوام والأوطان، يربط الناس بربهم ليشهدوا به وحده ويستلهموا منه وحده، وليكونوا فى قارات الدنيا كلها سواسية فى الكرامة والولاء، وحسبنا قول سلمان الفارسى عندما وجد أناسا يفتخرون بنسبهم إلى قيس أو تميم قال لهم:أبى الإسلام لا أب لى سواه  إذا افتخروا بقيس أو تميم مؤكداً انه في هذا الإطار الإسلامي الواسع عاشت جميع  التمايزات الدينية والقومية، وفي الإطار العربي الإسلامي وجدنا ونجد خارطة التعددية في الأقوام، يتجاور فيها مع العرب: الأكراد والبربر، والأرمن والأراميون، والسوريان والتركمان، والشركس، والأتراك، والإيرانيون، والنوبيون، والزنوج واليهود الغربيون...إلخ. واختتم الدكتور عمارة حديثه قائلاً: ولهذا يجب على المسلمين أن يسعوا جادين إلى العمل على تنمية عناصر الوحدة الإسلامية في مجتمعاتهم مع الحفاظ على طبيعتها المتعددة من ثقافات وعقائد ومذاهب أي ما يعرف ب (ثقافة الوحدة مع التنوع) من أجل تعزيز أواصر التماسك بين أبناء الأمة، أيضا لابد من تجميع القوى الوطنية والقومية كلها، بغض النظر عن اختلافاتها العقائدية والمذهبية.  ويتفق المستشار طارق البشرى المفكر الاسلامى المعروف مع الدكتور عمارة، حيث يؤكد أن العلاقة بين القومية العربية والاسلام علاقة عضوية، فالاسلام هو محتوى اساسي للقومية العربية نفسها. مؤكدا ان محك الصدام بين الاسلام والعروبة هو في الجانب العلماني، فالعروبة قريبة من الاسلام ما ابتعدت عن العلمانية وهي بعيدة عنه ما اقتربت من العلمانية.

المصدر: http://www.alyaum.com/article/3071940

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك