التربية الذليلة في الصوفية وأثرها في إضعاف الأجيال المسلمة

يحيي بركات

جسدت التربية النبوية للصحابة النموذج الأسمى والمثالي في ايجابيات التربية الإسلامية، التي يجب وان يحتذيها المربون ويتخذوها قدوة ونبراسا لهم امتثالا للأمر الإلهي "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً", ولهذا فكل تربية تخرج عن المنهج النبوي تربية ناقصة بعيدة عن الهدي النبوي ومنحرفة عن المنهج الإسلامي، حتى وإن ادعى أصحابها أنهم يربون أتباعهم تربية إسلامية.

وأخرجت التربية النبوية زعماء وقادة حملوا المنهج الإسلامي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وخاضوا الفيافي والقفار مجاهدين, ووقفوا على شواطئ المحيطات والأنهار داعين لله سبحانه ناشرين للحق في كل ربوع الأرض, وصار كل منهم علما في ميدانه وسخروا كل مواهبهم التي لم تنطفئ في خدمة دين الله.

وبالنظر للتربية الصوفية التي يربيها الشيخ للمريد نجد ان الصوفية قدر ارتكبت جريمة في حق الأمة لا تعدلها جريمة، إذ قتلت الأجيال الإسلامية وصنعت منهم نماذج مشوهة منحرفة ضالة مضلة تدعو لليأس والقنوت وتترك السعي في الدنيا وتنشر الخمول والكسل والتواكل والبطالة، وتدع بل وتحارب أحيانا الجهاد في سبيل الله وتحرفه عن مضمونه, وتجعل من الرقص والغناء وسائل للتقرب من الله, وتبتعد عن المساجد وتركن إلى الزوايا والتكايا والخلوات وتترك ميادين الحق والجهاد.

وما ذلك كله إلا نتاج التربية السلبية المذلة التي كان يربيها الشيخ لمريديه، فتقتل كل مواهبهم ويصيرون خدما خاصين به أقصى آمالهم أن يقربهم الشيخ منه، وهم على أتم الاستعداد لفعل أي شئ في سبيل مرضاة شيخهم، دون النظر إلى أي اعتبار شرعي أو فقهي دون أن يصدر منهم أي رد فعل على ما يأمرهم أو على ما ينهاهم، فيكون كل منهم مسخا من المسوخ أو شبه إنسان، يؤدي للشيخ خدماته ويبذل له من نفسه ومن خلقه فتسحق شخصياتهم ويصبح أقربهم من شيخه أكثرهم تذللا بين يديه, ولم يكن هذا ما ربى عليه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه.

ملامح التربية الصوفية:

1- لا وصول لله بغير شيخ

زعم الصوفية من أجل تكبيل المسلمين بهم وإرغامهم على السير خلف ركاب الشيوخ أن نيل الولاية في دين الله سبحانه لا يكون إلا عن طريق شيخ مرشد، وأنه لا سبيل للإنسان لسلوك الطريق إلى الله إلا عبر الشيخ الذي يعتبر مفتاح باب الولوج على الله وبغيره لا يمكن الولوج, وفي هذا ابتداع في دين الله سبحانه فما أمر النبي صلى الله عليهم وسلم المسلمين من بعده أن يكون لكل منهم شيخ ليدله على الله؛ ليلزمه المسلم ويكون له خادما مطيعا ملتزما بأوامره ونواهيه كما زعم هؤلاء الصوفية.

فغالى الصوفية جدا في هذا المفهوم حيث قالوا: "من لا شيخ له فشيخه الشيطان"[1], وربما لا يلتزم المسلم بشيخ فيحفظ القرآن على يد قراء أو يتعلم العلم على يد فقهاء ويتعبد لله سبحانه, فقرر الصوفية أنه متجرئ على طريق الولاية وأنه لن يفلح ولن يصل إلى الله فقالوا: "لو كان الرجل يوحي إليه ولم يكن له شيخ لا يجيء بشيء[2], وكأن الصوفية قد احتكروا القرب من الله فلن يكون باب إليه سبحانه الا عن طريقهم".

وهذا الدجل غريب وبعيد بل ومخالف لدين الله سبحانه, وما هو إلا باب لاستعباد للعباد واسترقاق لهم بسلبهم لإرادتهم ولممتلكاتهم واتخاذهم عبيدا وخدما بمحض إرادتهم, ولذلك منعا للتضارب بين الشيوخ على الأتباع ابتدعوا في دين الله أيضا أفكارا مثل ما صاغه الشعراني من تحريم لتنقل المريد بين الشيوخ, فقال: "كما أن الله لا يغفر أن يشرك به فكذلك الأشياخ لا يسامحون المريد في شركته معهم غيرهم, وكما أنه لم يكن للعالم إلهان, فكذلك لا يكون للمريد شيخان[3], فأين دليل مثل هذه الافتراءات العظيمة في دين الله سبحانه؟ أم يشرع هؤلاء الشيوخ في دين الله ما لم يأذن به؟ "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ".

2- الخضوع والاستسلام التام في أمور الدين والدنيا

بعد الدخول في حبائل الشيخ لا يستطيع المسلم الذي يسمى بالمريد إلا أن يلتزم بالقوانين الصارمة التي يسنها الشيوخ العارفون، والتي يدعمونها بنصوص ليس لها حظ من كتاب أو سنة صحيحة, فليس له أن يسأل شيخه عن شئ فعله لم فعله, أو عن شيء لم يفعله لِم لَم يفعله, بل عليه الخضوع التام والموافقة المطلقة والسير في الركاب وليس عليه سوى التسبيح بحمد شيخه في كل أمر قول أو فعل أو ترك دون أن يفهم السبب أو يحصل على المبرر الشرعي لذلك, فكما يقول النفري: "من قال لأستاذه: لِمَ لا يفلح"[4], فالفلاح عند الصوفية مرتبط بالقبول والإذعان والتسليم, أما السؤال – حتى لو كان سؤال الجاهل للتعلم - فهو الخسران المبين عندهم.

ولم يقتصر القهر الفكري وسحق الشخصية عند الصوفية عند فتح الفم بالسؤال والاستيضاح، بل وصل الأمر لمطالبتهم بعد تحرك النفس للسؤال أي أن يكون خاملا لا يفكر إطلاقا في قول الشيخ وفعله, ولو فكر مرة ربما يحرم من صحبة الشيخ ووجبت عليه التوبة من ذلك وقلما تقبل منه أيضا, فيقول القشيري في رسالته: "من صحب شيخا من الشيوخ ثم اعترض عليه بقلبه فقد نقض عهد الصحبة ووجبت عليه التوبة، ثم إن الشيوخ قالوا: حقوق الأستاذين لا توبة منها".[5], ولماذا لا يقول القشيري ذلك وهي كلمة شيخهم الأكبر وكبريتهم الأحمر ابن عربي: "من شرط المريد أن لا يكون بقلبه اعتراض على شيخه"[6], وهو الذي قعد القواعد لهذا الهدم الصوفي لدين الإسلام؟.

ويبرر كثير من الكتاب الصوفيين في كتبهم هذا السلوك من المريد مع الشيخ بأن "الشيخ في أهله كالنبي في أمته"[7], وجهلوا أو تجاهلوا أن الصحابة كثيرا ما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أفعاله وأقواله ومواقفه مثل موقف الحباب بن المنذر في موقع المسلمين في غزوة بدر, وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأيهم في كثير من الأمور بالإضافة إلى أسئلتهم له عن ما يقوله في الصلاة في سكوته بين التكبير والقراءة وغير ذلك, فهل ما يدعونه هذا له دليل من كتاب أو سنة؟

وعلى المريد الطاعة المطلقة في كل قول أو توجيه من الشيخ وذلك في شئون دينه أو دنياه وخاصة في بداية سلوكه بما يضمن لهم استدامة خنوعه حتى لحظة موته, فيقول القشيري: "وأن لا يخالف شيخه في كل ما يشير عليه لأن الخلاف للمريد في ابتداء حاله دليل على جميع عمره" [8]

 3- عدم الاعتراض مطلقا

لا يعرف المسلمون من الدين إلا أن كل مسلم يجب أن يضبط أفعاله ويزنها بميزان الشريعة, فما كان حكمه الوجوب كان تركه وزرا, وما كان حكمه التحريم وجب الانتهاء والابتعاد عنه, لكن في الصوفية يجب أن يعلم المريد أن لشيخه أحكامه الخاصة, فالحلال والحرام من علوم الشريعة لأهل الظاهر أما من وصل لمرتبة شيخه فلا يتقيد بعلوم الشريعة، بل ينتقل إلى الحقيقة بالمروق من الإسلام ومن شرائعه تماما، فعلى المريد أن لا يعترض على شيخه فيما يفعله ولو كان فعلا محرما في الإسلام, فلا يقول لشيخه: لِمَ فَعلت كذا، لن من قال لشيخه: لِمَ ؟ لم يفلح أبداً كما رباهم الصوفية إذ قالوا (ومن آداب المريد مع شيخه عدم الاعتراض عليه في كل ما يفعله ولو كان ظاهره حراما، وأن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي مغسله ".[9]

فأنشد أحدهم في هذا المعنى قائلا:

وكن عنده كالميت عند مغسل **  يقلبه ما شاء وهو مطاوع

ولا تعترض فيما جهلت من أمره **  عليه فإن الاعتراض تنازع

وسلم له فيما تراه ولو يكن *** على غير مشروع فثم مخادع [10]

وعليه فلا يجوز الإنكار على شيوخ التصوف من مريدهم أبدا، حتى لو كان مع المنكر دليل شرعي صحيح من كتاب أو سنة صحيحة, فيقول أحمد بن مبارك السلجماسي فيما يرويه عن شيخه عبد العزيز الدباغ: "واعلم وفقك الله أن الولي المفتوح عليه يعرف الحق والصواب ولا يتقيد بمذهب من المذاهب, ولو تعطلت المذاهب بأسرها لقدر على إحياء الشريعة, وكيف لا وهو الذي لا يغيب عنه النبي صلى الله عليه وسلم طرفة عين!!, ولا يخرج عن مشاهدة الحق جل جلاله في أحكامه التكليفية وغيرها, وإذا كان كذلك فهو حجة على غيره وليس غيره حجة عليه لأنه أقرب إلى الحق من غير المفتوح عليه وحينئذ فكيف يسوغ الإنكار على من هذه صفته؟" [11]

ويؤكد السلجماسي ذلك في شرح القصيدة الرائية في آداب المريد فيقول:

"فذو العقل لا يرضى سواه وإن نأى ** عن الحق نأي الليل عن واضح الفجر

فمن له عقل سليم وطبع مستقيم – في الصوفية قطعا- لا يرضي سوى شيخه ويدور معه حيثما دار ولو بَعُد الشيخ في ظاهر الأمر عن الحق بعداً بيناً كبعد الليل من الفجر ويقول إن للشيخ في ذلك وجهاً مستقيماً عسى أن يطلعني عليه"[12]

وعليه أيضا أن يلغي المريد حواسه وينكر ما بلغه منها فما يراه من زنا شيخه بامرأة أجنبية فانه ليس بزنا، وما يراه من الخمر يشربه شيخه فانه ليس بخمر، أو ربما يختبرهم الشيخ بأنه أرسل صورته تفعل المنكرات اختبارا لمريديه!!! فهل بعد هذا السفه من سفه؟ وهل بعد هذا التلاعب بالدين من تلاعب؟

فيذكر السلجماسي أن شيخه عبد العزيز حكى له عن مريد كان يرى شيخه على الزنا، ويصلي وهو جنب من زنا والماء بجواره، ثم يشرب الخمر ولم يحرك ذلك شيئاً في هذا المريد الصادق, فقا: "وسمعته (رضي الله عنه) يقول: كان لبعض العارفين بالله عز وجل مريد صادق وكان هو وارث سره فأشهده الله تعالى من شيخه أموراً كثيرة منكرة ومع ذلك لم يتحرك له وساوس!! " [13]

ولهذا كان من السهل التلاعب بهذه العقول بعد أن سحقوا فيها الشخصية المسلمة الحقيقية, فلا عجب أن يستخفوا بهم فيقولون كما في الإبريز "قال محيي الدين العربي ومن شروط المريد أن يعتقد في شيخه أنه على شريعة من ربه ونبيه منه ولا يزن أحواله بمسيرته أنه فقد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن، والحقيقة يجب التسليم وكم من رجل تناول كأس خمر بيده ورفعه إلى فيه وقلبه الله في فيه عسلاً، والناظر يراه شرب خمراً وهو ما شرب إلا عسلاً ومثل هذا كثير، وقد رأينا من يجسد روحانيته على صورة ويقيمها في فعل من الأفعال ويراها الحاضرون على ذلك الفعل فيه، ولو رأيناه فلا يفعل كذا وهو عن ذلك الفعل بمعزل وهذه كانت أحوال أبي عبد الله المصلي المعروف بقضيب البان وقد رأينا هذا مراراً في أشخاص" [14] .

الحكايات الصوفية المدعمة لإرهاب ولمسخ عقول الأتباع

وكعادة الصوفية يسوقون أي فكرة من أفكارهم الغريبة بقصص الكثير منها مكذوب ومحبوك ومصطنع, فيقول الشعراني: (كان أبو سهل الصعلوكي رحمه الله يقول: كان لبعض الأشياخ مجلس يفسر فيه القرآن العظيم فأبدله بمجلس قوال, فقال مريد بقلبه: كيف يبدل مجلس القرآن بمجلس قوال [15]؟ فناداه الشيخ: يا فلان, من قال لشيخه: لم, لم يفلح, فقال المريد: التوبة.

وزار أبو تراب النخشبي وشقيق البلخي أبا يزيد البسطامي, فلما قدّم خادمه السفرة قلا له: كل معنا يا فتى, فقال: لا, إني صائم, فقال له أبو تراب: كل, ولك أجر صوم شهر, فقال: لا, فقال له شقيق: كل, ولك أجر صوم سنة, فقال: لا, فقال أبو يزيد: دعوا من سقط من عين رعاية الله عز وجل, فسرق ذلك الشاب بعد سنة, فقطعت يده عقوبة له على سوء أدبه مع الأشياخ.

ثم نقل عن الشيخ برهان الدين أنه قال: من لم ير خطأ الشيخ أحسن من صوابه لم ينتفع به )[16] .

وهنا شيخ صوفي يعلم ويطلع على ما في الصدور – حاش لله سبحانه -  فيطلب منه المريد التوبة, وشيخ آخر يوزع ثواب الأعمال, فمرة يقول لك افطر ولك اجر صيام شهر ومرة يقول له افطر ولك اجر سنة وكأنهم آلهة يوزعون الحسنات والسيئات دون دليل من كتاب أو سنة.

4- خدمة الشيخ طريق الولاية

ربى الصوفية مريديهم على هذه الفكرة الأساسية أن طريق الولاية مسدود وليس ثمة فرصة للولوج إلا على يد الشيخ الموصل المرشد, وحددوا السبيل الوحيد لها عن طريق استرضاء الشيخ بأداء كافة ما يطلب من خدمات لقضاء حوائجه, فيوضح لنا ابن عجيبة ذلك يؤكد بأن هؤلاء الأعلام في الصوفية ما وصلوا لما وصلوا عليه إلا بخدمة شيوخهم فيقول: "الشيخ الغزالي والشيخ عبد الله الوازني وغيرهما من الأولياء ما نالوا مرتبة الولاية وكمال الصلاح إلا بخدمة مشايخهم".[17]

ويحكي الشعراني عن ثمرة خدمة المريد لشيخه – حتى لو كانت في رعاية حيوانات الشيخ في الاصطبلات أو قضاء حوائج بيت الشيخ -  فيقول: "وعلى المريد إذا أقامه الشيخ في خدمة سفرا وحضرا دون أن يحضر مجالس الذكر أن لا يتكدر، فإن الشيخ إنما يستعمله فيما يراه خيرا له من سائر الوجوه، ومتى تكدر أو رأى أن اشتغاله بغير ذلك أفضل فقد نقض عهد شيخه!! فإن الشيخ أمين عليه من جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته!! ومطالب أن يفعل معهم ما يرقيهم وينهاهم عما يؤخرهم في المقامات, وقد بلغنا أن سيدي إبراهيم المواهبي لما جاء إلى سيدي الشيخ أبي المواهب يطلب الطريق إلى مقدمة الأدب مع الله تعالى أمره أن يجلس في الاصطبل يخدم البغلة ويقضي حوائج البيت!! وقال له: احذر أن تحضر مع الفقراء - يعني الصوفية - قراءة حزب أو علم!! فأجابه إلى ذلك فمكث سنين!! حتى دنت وفاة الشيخ فتطاول أكابر أصحابه للإذن لهم في الخلافة بعده, فقال: ائتوني بإبراهيم، فأتوه به ففرش له سجادة وقال له: تكلم على إخوانك في الطريق، فأبدى لهم العجائب والغرائب نظماً ونثراً حتى انبهرت عقول الحاضرين، فكان سيدي إبراهيم الخليفة بعد الشيخ ولم يظهر من أولئك شيء من أحوال الطريق، فعلم أن معرفة الأمور التي يقع بها الفتح راجعة إلى الشيخ لا إلى المريد!!! [18]

ولم تكن هذه الأفكار أفكارا قديمة بالية وجدت في الكتب القديمة والعصور الماضية فحسب, بل لا زالت تلك التربية بكل سلبياتها وخطورتها قائمة لليوم في المجتمعات الصوفية فلم يتراجع عنها المنتسبون للصوفية حتى وإن بلغوا أعلى الدرجات العلمية أو كانوا على رأس الجامعات الإسلامية, فهذا شيخ الأزهر الأسبق الشيخ عبد الحليم محمود يقول في كتابه "سيدي أحمد الدردير" ناقلا على لسانه: "فالآداب التي تطلب من المريد في حق شيخه أوجبها تعظيمه وتوقيره ظاهرا وباطنا, وعدم الاعتراض عليه في أيّ شيء فعله, ولو كان ظاهره أنه الحرام, ويؤول ما أنبهم عليه, وتقديمه على غيره, وعدم الالتجاء لغيره من الصالحين, فلا يزور وليا من أهل العصر, ولا صالحا إلا بإذنه, ولا يحضر مجلس غيره إلا بإذنه, ولا يسمع من سواه حتى يتمّ سقيه من ماء سرّ شيخه) [19].

ويقول أيضا: "ومن آداب المريد للشيخ: أن لا يكثر الكلام بحضرته ولو باسطه, ولا يجلس على سجادته, ولا يسبح بسبحته, ولا يجلس في المكان المعدّ له, ولا يلح عليه في أمر, ولا يسافر, ولا يتزوج, ولا يفعل فعلا من الأمور المهمة إلا بإذنه, ولا يمسك يده للسلام مثلا ويده مشغولة بشيء كقلم أو أكل أو شرب, بل سلم بلسانه, وينتظر بعد ذلك ما يأمر به, وأن لا يمشي أمامه ولا يساويه في مشي إلا بليل مظلم ليكون مشيه أمامه صونا له من مصادفة ضرر وأن يرى كل بركة حصلت له من بركات الدنيا والآخرة فببركته وأن يصبر على جفوته وإعراضه عنه, ولا يقول: لم فعل بفلان كذا ولم يفعل بي كذا, وإلا لم يكن مسلما له قياده: إذ من أعظم الشروط تسليم قياده له ظاهرا وباطنا  وأن يجعل كلامه على ظاهره فيمتثله إلا القرينة صارفة عن إرادة الظاهر, فإذا قال له: اقرأ كذا, أو صلّ كذا, أو صم كذا وجب عليه المبادرة, وكذا إذا قال له وهو صائم: أفطر وجب عليه الفطر, أو قال: لا تصلّ كذا إلى غير ذلك  وأن لا يدخل عليه في خلوة إلا بإذنه, وأن لا يرفع الستارة التي فيها الشيخ إلا بإذنه وإلا هلك كما وقع لكثير" [20].

فإذا كان هذا ما ينقله أعلم أهل الصوفية في زمنه – يرحمه الله - فكيف بما يقوله البعيدون عن العلم أو الجهال من المتصوفة.

والحديث يطول عن علاقة المريد بالشيخ وما فيها من تذلل واستكانة وخضوع في مقابله عند الشيخ تجبر وتكبر وسحق لشخصية المريد وجعله أشبه بالآلة الصماء التي لا تعي ولا تدرك ولا تحس ولا تفعل إلا كما تؤمر, وليس لها الحق في السؤال أو الاعتراض أو مجرد التفكير في الصواب والخطأ, فمعيار الصواب والخطأ الوحيد هو الشيخ فقط.

وحينها تذوب شخصية المسلم وتتهاوى وتصبح شخصية غير قادرة على فعل شئ إلا بتوجيه الشيخ وغير قادرة على اتخاذ قرار في حياتها ولا تستطيع الإعانة على معروف ولا الأمر به ولا تستطيع النهي عن أي منكر.

فهل هذه هي الأمة المجاهدة التي قال الله عز وجل في مدحها: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ"

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  الفجر المنير 68 قلادة الجواهر 177.

[2]  لطائف المنن 334-335.

[3]  الفتوحات الإلهية 87 , سلاسل القوم للصيادي 3ط السعادة- مصر.

[4]  انظر غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج 1 ص 197 .

[5] الرسالة القشيرية ج2 ص 736

[6] التدبيرات الإلهية لابن عربي ص 226

[7] كشف المحجوب للهجويري ص 252 , الفتوحات الإلهية لابن عجيبة الحسني ص 173 .

[8] (الرسالة القشيرية ص182)

[9] تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب للشيخ محمد أمين الكردي النقشبندي 479و 529

[10] "تنوير القلوب "(ص548).

[11] (الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز  ص192. أحمد بن مبارك السلجماسي المغربي

[12] (الإبريز ص203).

[13] الإبريز 202

[14] (الإبريز ص202).

[15] أي مجلس الشعر والإنشاد والغناء والرقص الصوفي المسماة بمجالس السماع

[16]  الأنوار القدسية للشعراني ج1 ص 175 , 176 .

[17]  معراج التشوف إلى حقائق التصوف 13.

[18] -الأنوار القدسية ص 127-

[19]  كتاب "سيدي أحمد الدردير"  للدكتور عبد الحليم محمود ص 119 . 120 , 121 .

[20] كتاب سيدي أحمد الدردير للدكتور عبد الحليم محمود ص 119 ط دار الكتب الحديثة القاهرة .

المصدر: http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=8569&mot=1

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك