نصيحة العلماء للحكام: نماذج من النصح الفصيح الصريح

نصيحة العلماء للحكام: نماذج من النصح الفصيح الصريح

في تاريخنا الإسلامي الطويل، أمثلة ناصعة خالدة للعلماء الصادعين بالنصح لأولي الأمر، الذين كانوا السند المتصل عبر الأجيال للنصيحة الفصيحة رغم جبروت العض وطغيان الجبر،
أ- نصيحة الحكام زمن التابعين: طاوس اليماني نموذجا

ذكر الإمام الغزالي "أن هشام بن عبد الملك قدم حاجا إلى مكة فلما دخلها قال: ائتوني برجل من الصحابة، فقيل: يا أمير المؤمنين قد تفانوا، فقال: من التابعين فأتي بطاوس اليماني، فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه، ولم يسلم عليه بإمرة المومنين، ولكن قال: السلام عليك يا هشام، ولم يكنه، وجلس بإزائه وقال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب هشام غضبا شديدا حتى هم بقتله، قيل له أنت في حرم الله وحرم رسوله ولا يمكن ذلك، فقال: يا طاوس ما الذي حملك على ما صنعت، قال: وما الذي صنعت؟ فازداد غضبا وغيظا. قال: خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تسلم علي بإمرة المومنين، ولم تكنني، وجلست بإزائي بغير إذني، وقلت: كيف أنت يا هشام؟

ترى كيف سيكون هذا العالم التابعي الذي رفض بموقفه هذا التاريخي الأصيل أن ينساق مع تيار التمويه وثقافة التزييف وطقوس التضليل.

قال الإمام طاوس: "أما ما فعلت من خلع نعلي بحاشية بساطك، فإني أخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات، ولا يعاقبني، ولا يغضب علي، وأما قولك لم تسلم عليَّ بإمرة المومنين، فليس كل الناس راضين بإمرتك فكرهت أن أكذب، أما قولك لم تكنني، فإن الله سمى أنبياءه وأولياءه فقال: يا يحيى يا عيسى، وكنى أعداءه فقال تبت يدا أبي لهب، وأما قولك جلست بإزائي، فإني سمعت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه يقول: (إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام). فقال له هشام: عظني، فقال: سمعت من أمير المومنين علي رضي الله عنه يقول: إن في جهنم حيات كالقلال، وعقارب كالبغال، تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته، ثم قام وهرب"

هكذا استطاع هذا التابعي الجليل أن يقدم لهذا الملك نصيحة فصيحة، بموقفه أولا، ثم بمقاله ثانيا، موقف أغضب الملك لأنه جاء مناقضا تماما لما درج عليه ملوك العض من تقاليد الأبهة والتمجيد المزيفة والألقاب الفخرية المزورة.
ورغم محاولة القتل وإظهار الغضب، جاءت أجوبة التابعي الرباني الناصح الأمين لتفحم الملك الغارق في أوهام العض وتثبت له زيف وكذب ما كان يظن أنه الحق وتؤكد للجميع أصالة موقف طاوس ومشروعيته.

د. محمد رفيع
المصدر: http://www.bsmlh.net/vb/showthread.php?t=20183

الأكثر مشاركة في الفيس بوك