ثقافة التعليم الجيد ومحاسبة المعلم

د.فضل عبد الستار

 

يعد المعلمون المؤثرون العمود الفقري للعملية التعليمية، إنهم ليسوا سحرة، لكنهم محترفون مهرة، ويظهر تأثيرهم في طريقة تطبيقهم الحريص والماهر لخطط التعليم في مواقف أكثر ما يميزها سرعة التغيرات وكثرة التعقيدات، هدفهم  في ذلك إحداث تغيرات مرغوبة لدى المتعلمين عن طريق رفع فعالية أدائهم.  وعلى الرغم من أن معظم ما كتب عن التعلم في السابق كان وصفياً، إلا أن معظم ما كتب عن التدريس كان تحليلياً محدداً بما يجب على المعلمين المهرة القيام به

 

بالرغم من الجهود التي تبذل من أجل رفع مستوى أداء المعلم سواء عن طريق التأهيل التربوي الذي توفره مؤسسات إعداد المعلمين قبل الخدمة، أو عن طريق النشاطات الإشرافية والتطويرية التي تقوم بها أجهزة الإشراف التربوي بوزارة المعارف أثناء الخدمة، إلا أن المتأمل في هذه الجهود يجد أنها تفتقد إلى بعض الجوانب التي يجب أن تستثير المعلمين لتحقيق تعليم أكثر فاعلية وكفاءة.  ولقد إهتم البحث منذ زمن ليس بالقريب برفع مستوى المعلم، فالتدريس الفعال ضمن مواصفات وشروط معينة يشغل فكر الباحثين والتربويين، لذلك كثيرا ً ما يتساءلون عن ماهية الشروط والمواصفات التي يجب توافرها في التدريس الفعال ،  فالتدريس القائم على أفضل التحديثات يتيح لمعظم التلاميذ تحقيق الأهداف التعليمية.  وهو ما لا يتأتى باستخدام أيٍ من وسائل التعليم الأخرى  .

 

يعد التدريس الفعال أحد مجالات أبحاث التدريس، وقضيته الرئيسة هي الوصول إلى أنجح الطرق التي تجعل التدريس مثمرا ً ولاشك أن تلك الطرق هي العامل المشترك بين كافة الأطراف المعنية بالعملية التربية من موجهين ومدراء وأولياء أمور وغيرهم.

 وجذور موضوع معارف التدريس الفعال لا تعود إلى رغبة المعلمين في مثل تلك المعارف وإنما فُرِضَت عليهم ورُبِطَت بإلحاقهم بالخدمة وباستمراريتهم وتدرجهم الوظيفي فيها.  بل إن المعلمين رفضوا وصفات التدريس الفعال وقاوموها أيضاً.

 

فالتدريس الفعال كمفهوم هو محصلة رغبة المجتمع عموماً في أن يتعلم أبناؤه شيئاً محسوساً في المدارس.  والتي ترى باختصار أن عدم تعلم التلاميذ يعود بطريقةٍ أو بأخرى إلى المعلم وبالتالي يجب أن يحاسب المعلم على ذلك.

  وهو أيضاً محصلة جهود العلماء السلوكيين والذين نقلوا الاهتمام من صفات المعلمين وخبراتهم إلى ما يفعله أولئك المعلمون، ويقود إلى التعلم؛ متبنين عوامل مثل المؤشرات ، وزمن المشاركـة في المـادة التعليميـة ، والتـعزيز والتي تشبـه إلى حـد كبيـر المـدخلات والعمليات والمخرجات التي درجوا على التعامل مـعها فـي مختبـرات .

 

فالمحاسبة تعني باختصار تقويم أداء المعلم ويقوم بها المدير أو المشرف الفني أو خبير خارجي.  وفي النظام التعليمي السعودي يقوم المشرف الفني بعملية التقويم هذه.  

 

يعد تعريف التعليم الجيد مشكلة للتربويين، فهنالك اتجاه للقول: أن التعليم الجيد هو شئ لا نستطيع وصفه أو تحديده، بل دعه يعرف نفسه بنفسه. المشكلة هنا أننا إذا لم نتمكن من وصف التعليم الجيد، فإن أي تعليم سيكون جيداً مثله مثل غيره.  وعليه فإننا نحتاج إلى وصف التعليم الجيد لنتمكن من مساعدة المعلمين ليكونوا أفضل في أداء مهامهم، ويكون لدينا قاعدة معلومات نرتكز عليها في تدريب المعلمين

 

أياً كان الرأي في موضوعية الحكم على المعلم، أو إنسانية ذلك الحكم، في ضوء تحصيل تلاميذه؛ فإن الشاهد هو أن المعلم لم يترك ليحتكم إلى قاعدة .

  لقد وفر البحث العلمي قاعدة بيانات ضخمة تعين المعنيين في التعرف على كل ما من شأنه جعل التدريس يقود إلى تحصيل أكثر.  والبحث في هذا الصدد ليس بالجديد،  فمحاولات تحديد العوامل أو الموضوعات التي تجعل التدريس فعالاً تعود إلى فترات تاريخيةً اهتمت المحاولات الأولى بالتعرف على السمات الشخصية التي تجعل المعلمين ينجحون، وتوصلت إلى أن صفات مثل: المرح، والصبر، والود، والبشاشة، والتجرد، والنزاهة، والرغبة في التعامل مع التلاميذ، تكفي للحكم على المعلم، ولكن هذه الدراسات لم تحاول مقارنة تحصيل تلاميذ المعلمين الذي يمتلكون هذه الصفات بتحصيل تلاميذ نظرائهم الذي لا يمتلكونها.

 

ويعود الفضل للتربويين السلوكيين في نقل إهتمام أبحاث التدريس الفعّال من السمات الشخصية صوب ما يعرف الآن بأبحاث العملية – الحصيلة.

  وهذه الدراسات والأبحاث نفذت في الصفوف المدرسية، والتي تُبين ما يقوم به المعلمون ولقد كانت هذه الجهود تشترك بشكل رئيسي فأنها تتم على شكل تصميم أبحاث إنتاجية؛ وتختبر العلاقة بين مميزات العملية التعليمية، وناتج التعليم.

 وكانت هذه الدراسات ثابتة في أجواء متغيرة.

وباختصار شديد فإن هذا الخط من الأبحاث ركز على ما يفعله المعلم في غرف الصف وصالات الألعاب والملاعب، ويقود إلى تحصيل وافر من جانب التلاميذ.

 

لا تتناول أبحاث التدريس الفعال موضوع التخطيط، من حيث تركيزها على السلوك الواضح للمعلم في المواقف الموجهة مع تلاميذه، لذلك فإن الصور التي تقدم لنا عن التدريس تظل دائماً مبتورة، وربما أن هذا التجاهل هو الذي قاد إلى عدم التوصل إلى نمـوذج تخطيـطي فـعال.

فالتخطيط هو عملية استكشاف المستقبل، ورصد الوسائل والإمكانات والغايات، ثم تصميم إطار عمل في ضوء ذلك الاستكشاف والرصد، ليقود سلوك المعلم في مواقف المواجهة في غرف الصف وصالات الألعاب والملاعب.

 والتخطيط بهذا الفهم فرض عين في التدريس الفعال ذلك أنه يتعلق بتحديد ما يجب أن يتعلمه التلاميذ، والترتيبات الضرورية لتحقيق ذلك التعلم، والاستراتيجيات التي ستقود تلك الترتيبات إلى النجاح .

 

 

 

- إن التخطيط يؤثر فعلاً على فرص تعلم التلاميذ كتقسيمهم إلى مجموعات تصنيف متشابهة، بحسب حجم المحتوى الذي سيغطى، والزمن الذي سيقضى في المهام التعليمية … الخ، وكلها موضوعات ثبتت علاقتها بفعالية التدريس.

 

- نموذج تايلور Taylor القائم على تحديد الأهداف، واختيار المحتوى، وتنظيمه، والتقويم ليس الخيار المفضل لا للمعلميين الجدد ولا الخبراء.

 

- إعداد وتنفيذ المهام التعليمية يعد أهم أنشطة تخطيط المعلمين؛ بحيث تصبح هذه المهام تصورات ذهنية تخدم تنفيذ وظائف مرحلة المواجهة مع التلاميذ.

 

- التخطيط عملية شخصية بالضرورة، أو هكذا ينبغي أن تكون؛ ذلك أن بيئات التدريس تتباين في مصادرها بتباين الدارسين فيها، وسيسهل دائماً وضع خطة مثالية موحدة، غير أن الأصعب هو التخطيط في ضوء محتوى محدد في ظل الإمكانات والأجهزة والأدوات المتاحة، ونوعية التلاميذ في المدرسة.

 

يشير اصطلاح الإدارة والتنظيم في البيئات التعليمية إلى التدابير والإجراءات الضرورية الهادفة إلى التوفير والمحافظة على بيئات تمكن من تنفيذ عمليتي التعليم والتعلم، .  فلكي يحدث تعليم وتعلم يتحتم تهيئة كافة الشروط التي تتعلق بهما وتنظيمها وترتيبها، سواء تلك التي تتعلق بالمتعلم وخبراته واستعداداته ودافعيته، أو تلك التي تشكل البيئة المحيطة بالتعلم أثناء التدريس.

 

التعليم أحد جوانب التدريس التي تتعلق بتوفير اتصال بين التلميذ والمعلم يتيح لعملية التدريس تحقيق ثمارها.  ويرتبط نجاح التعليم باستخدام المبادئ التي أشار البحث إلى أنها ترفع في معدل تحصيل التلاميذ.  ومعرفة تلك المبادئ واستخدامها بتروٍ وفنية هي العلامة المميزة للمعلم المتميز.

 

تتكون بنية التعليم الفعال من إعداد التلاميذ، وتقديم المادة التعليمية، والتطبيق الموجّه، ثم المستقل.  ومع كافة هذه المكونات يقول أدب المجال: إن التعليم يقود إلى تحصيلٍ أوفر من جانب التلاميذ عندما يقدم المعلم في عرضه شرحاً واضحاً  بنماذج بصرية للمهارات أو المفاهيم موضوع الدرس، مع التقدم في عناصر الموضوع خطوة خطوة بمعدل مناسب، واستخدام المؤشرات لتسهيل الاستيعاب، وطرح الأسئلة للتأكد من الفهم.

 

ولترسيخ ما تم تعلمه يُتبع العرض بتطبيق موجه، وهنا يكون التعليم فعالاً عندما يُقدم التلاميذ إلى مهام تعليمية تناسب قدراتهم، يراعي في تصميميها أن توفر لهم أكبر قدر من النجاح، ويبقى المعلم قائداً للتطبيق، فيحرص على أن يكرس أكبر جزء من وقت الدرس للتعلم  وعلى أن يبقى التلاميذ مندمجين في المهام التعليمية لأكبر فترة ممكنة ، مع المرور عليهم وهم يؤدون، فيراقب الأداء، ويقدم التغذية الراجعة التصحيحية، ويستثير الدافعية مستخدماً الحث والتلقين، ومعرفاً بالتوقعات المناسبة التي وضعها للتعلم ، ومسئولية تلاميذه عن تحقيق تلك التوقعات ، وما أنجز فعلاً منها مع الثناء على المنجزين؛ في حدود شروط الثناء الفعال .  

 

وبمجرد بلوغ التلاميذ لمستوى جيد في إنجاز المهام التعليمية الموكلة إليهم -كما تعبر عن ذلك استجاباتهم - يتم الانتقال إلى آخر مراحل التعليم؛ وهي: التطبيق المستقل.  يدعم التطبيق المستقل التعلم عندما ترتبط مهامه بأهداف الدرس، ويكون وافر الحجم، ويستمر حتى يبلغ التلاميذ مرحلة عاليةٍ من التعلم، وتبلغ نسبة الاستجابات الصحيحة 95%. ولا تعني كلمة المستقل هنا انتهاء الدور القيادي للمعلم.  فهو يظل يستخدم استراتيجية الإشراف الإيجابي، ويواصل تحميل التلاميذ مسئولية إنجاز المهام التعليمية، مع إشعارهم بأن أداءهم يتم تحت مراقبته، وكل ذلك في مناخ عملي إنتاجي مرح وبشوش وداعم لأداء التلاميذ.

 

الاستراتيجيات في الحرب هي: فن صناعة الخطط الموجه نحو تحقيق الأهداف.  وفي التربية هي: خطط متكاملة تأخذ في اعتبارها كافة الإمكانات والبدائل المتاحة، لتحقيق أهداف تربوية محددة، بدرجةٍ عالية من النجاح.  والاستراتيجية كمصطلح أوسع مفهوماً  وممارسة من الطريقة أو الأسلوب؛ وما الطرق والأساليب في واقع الأمر إلا جزء سلوكي مما تعنيه الاستراتيجية وتقوم بتوظيفه لتحقيق أهدافها.

 

واستراتيجيات التدريس الأكثر استخداماً في التربية البدنية هي: التدريس المباشر، والتدريس بالمهام و المحطات، والتدريس بالأقران، والتدريس المتفاعل، والتعليم الذاتي. ورغم ما قد يبدو للملاحظ غير الخبير من اختلافات بين هذه الاستراتيجيات إلا أنـها جميعاً تـحرص على التـعريف الواضـح للمهـام التـعليمية، وتـوفير قـدر مـن التـطبيق، مـع تقـديم تغذية راجعة منتظمة، والحث على البقاء ضمن المهام، فـي إطار نـظام محـاسبة صـارم

وتبدو معظم الفروق بين الاستراتيجيات وكأنها تتعلق بأدوار كلٍ من المعلم والتلميذ، أو ما أسماه إيجابية المعلم وسلبية المتعلم، وتدريس التلاميذ كمجموعة واحدة أو مجموعات.

 فخلال القرن الماضي نقب البحث المعرفي للتدريس عن طرق لتشجيع المراقبة الشخصية للتعلم، والتدريس الشخصي لتيسير وتعزيز استقلالية المتعلم.

  لقد رأى في حينه أن تعلم المهارات شيء هام، غير أن مراقبة المتعلم لذاته وإدارته لها الأولوية.

 وبدا كما لو تم نقل جزئي لوظائف التدريس المباشرة المتعلقة بالتخطيط وتحديد زمن التعلم والمراجعة إلى التلميذ.

وبصورة عامةٍ لا يخضع اختيار الاسترايتجيات لقاعدة: "إما … أو"؛  بل إن التركيز على استراتيجية واحدة قد يكون غير مثمر كما يقـول وربما ترتب عليه تعليم غير مناسب.  ذلك أن الخطة التعليمية المتوجهة نحو هدف معين ستشير إلى أن استراتيجية بعينها ستناسب أهدافها، وأن الاستراتيجيات الأخرى قد تكون عديمة الصلة بتلك الأهداف أو أنها غير مفيدة.  ومع تغير الأهداف يتوجب إعادة النظر في الاستراتيجيات

 

وعليه فإن المعلم يجب أن يفكر في الأستراتيجية التي يود أستخدامها، ذلك أن المادة التعليمية والأهداف المحددة وخصائص المتعلمين هي التي تحدد ما إذا كان من المناسب استخدام استراتيجية التدريس المباشر أو غيرها من الاستراتيجيات الأكثر انفتاحاً.

  فعندما يكون التحصيل في المهارات الأساسية هو الهدف فإن البحث العلمي يشير إلى أن التدريس المباشر يتفوق على الاستراتيجيات الأكثر انفتاحاً وارتكازاً حول المتعلم.

  وعندما يكون الإبداع والتفكير التجريدي واستقلالية المتعلم (كما في الجمل المهارية والأنشطة الإبداعية والوجدانية) فإن البيئات الأكثر انفتاحاً  تكون أكثر مناسبة.

 

أما طريقة التدريس فهي تلك الخطوات المتسلسلة والمترابطة التي يتبعها المعلم في تحقيق أهداف درسه.  وكما أشار موستن فإنه لا يوجد دعم بحثي، بشكل مطلق، لأفضلية أي منها.  كما أنه لا تبدو طرق التدريس المختلفة شديدة الارتباط بالتحصيل، فقد توصل استعراض إلى عدم وجود فروق دالة في التحصيل كنتاج لاستخدام طرق التدريس المختلفة، أو أن النتائج لم تكن كبيرة الأثر، بحيث يعتمد عليها. وتبدو مقولة في هذا الصدد صريحة وقاطعة: "لا يدعم أدب التدريس الفعال طريقة بعينها، لا في تدريس غرف الصف، ولا في صالات الألعاب والملاعب؛ الشيء الذي يحول دون التوصية بأي منها، كطريقة مثلى لتدريس جميع الأنشطة التعليمية، لجميع التلاميذ في جميع الصفوف والمدارس". ومع ذلك فإن بعض الأدلة التي أوردها  تدعم تفوق طريقة الممارسة، وأيضاً طريقة التدريس التبادلي على طريقة القيادة المباشرة.

 

فيجب وضع معايير واضحة ومحددة لفعالية التدريس يُقَوّم على ضوئها أداء المعلم.

إقامة دورات تدريبية تركز على إكساب المشرفين والمعلمين، على حد السواء، مهارات واسترتيجيات التدريس الفعال.

الاهتمام ببعد تحصيل التلاميذ كعنصر مهم، ومؤشر قوي على فعالية التدريس والتعلم.

التنويع في أساليب التقويم المستخدمة، وبلورة شمول التحصيل؛ بحيث لاتقتصر على المجال المهاري واللياقي، ولكن تتضمن، أيضاً، المجال المعرفي والوجداني.

إجراء دراسات مشابهة حول مفاهيم التدريس الفعال لمعرفة أثر متغير الخبرة على إدراكات المعلمين والمشرفين لعناصر التدريس الفعال

 

يعد التدريس الفعال أحد مجالات أبحاث التدريس، وقضيته الرئيسة هي الوصول إلى أنجح الطرق التي تجعل التدريس مثمراً؛ ولاشك أن تلك الطرق هي العامل المشترك بين كافة الأطراف المعنية بالعملية التربوية من موجهين ومديرين وأولياء أمور وغيرهم.

المصدر: http://www.almurabbi.com/DisplayItem.asp?ObjectID=1226&MenuID=1&TempID=1

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك