التربية الاجتماعية في النظرية العالمية الثالثة

د . عز الدين سالم

 

إن ما للتربية من أهمية خطيرة في حياة الإنسان، وتأثيرها المتزايد دوماً في تقدم المجتمع المعاصر، وفي الحقيقة، إن أوضاع الوجود اليوم تجعل من تثقيف الشباب، ومن تربية البالغين المستمرة مهمة أكثر سهولة، وأشد إلحاحا على السواء. فالبشر، وقد أصبحوا أشد وعياً لكرامتهم ومسؤولياتهم يتمنون أن يشتركوا بفاعلية أكثر، وكل يوم، في الحياة الاجتماعية والسياسية. وإذ يمكنهم العمل علي تقدم التقنية والبحث العلمي مما يزيد إرث البشرية الثقافي والروحي غزارة، لزيادة العلاقات الوثيقة التي تربط بين الجماعات وبين الشعوب بالذات. إن الجهود تبذل في الجماهيرية لتشجيع التربية أكثر فأكثر. فالحقوق الأولية للإنسان في التربية، لا سيما تلك التي للأولاد والآباء، إنما هي حقوق معترف بها بالكامل. وتجاه تزايد عدد التلامذة السريع في الجماهيرية، تتزايد المدارس أيضا في حيين نجد أن عدداً كبيراً من الأولاد والشباب لا يتلقى بعد حتى ولا تعليماً ابتدائيا في بعض البلدان، و غيرهم كثيرين لا يزالون محرومين من التربية الصحيحة.

حقّ كل إنسان في التربية

لجميع الناس، دون أي اعتبار للجنس، والعمر والحال، بما أنهم ينعمون بكرامة الإنسان الشخصية، حق في التربية الاجتماعية بما لا يتعارض مع ثقافتهم، وتقاليدهم التي تساعدهم علي التفتح و بالوقت نفسه على تبادل أخوي بينهم وبين سائر الشعوب لدعم وحدة الإنسان في العالم. فالغاية التي تتوخاها التربية الاجتماعية، هي تربية الشخص الإنساني تربية تتجاوب وغايته لبناء أمة عظيمة وذلك بدعم مؤهلاتهم وزيادة قدراتهم لتحمل مسؤولياتهم في إنماء حياتهم الشخصية بالجهد المتواصل المستقيم، وفي السعي وراء الحرية لبناء مجتمع جماهيري وتخطي كل الصعوبات بشجاعة متواصلة، ليصبحون جديرين أن يندمجوا اندماجا نشطاً في الجماعات التي تؤلف المجتمع الإنساني، وينفتحون على الحوار مع الغير، ويسهمون من كل قلبهم في تحقيق الخير العام.

دورالأسرة في التربية الاجتماعية

يعتبر الوالدين أول  المربين  لأبنائهم وعليهم تقع مسؤولية التربية الاجتماعية, وهذا الدور التربوي هو من الأهمية بمكان، حتى إذا ما أخفق الوالدين فيه  صعب جداً أن يعوض، وعلى الوالدين أن يخلقوا جواً عائلياً تحييه المحبة والاحترام، فالأسرة إذا هي المدرسة الأولى للفضائل الاجتماعية التي لا غنى عنها لأي مجتمع ، فالتربية تعود بالدرجة الأولى علي الأسرة وتتطلب مساعدة المجتمع بأكمله فعلاوة على حقوق الأهل وسائر المربين الذين يوكل إليهم جزءاً من الدور التربوي أيضا على المجتمع المدني مسؤوليات وحقوق معيّنة في تنظيم ما هو ضروري للخير العام للمجتمع. من واجباته أن يحث على تربية الشباب  ويوفر لهم مساعدته في هذا الصدد.

ويعود للمجتمع المدني، وفقاً لمبدأ الاستطراد، أن يكمّل عمل التربية حيث يقصّر الأهل وحيث تنقص مبادرات المؤسسات الأخرى مراعياً في ذلك رغبات الأهل . علاوة على ذلك، على المجتمع المدني أن يؤسس المدارس والمعاهد التربوية الخاصة على قدر ما يقتضيه الخير العام للمجتمع.

التربية الدينية

ثورة الفاتح تعي وتقدّر الواجب الذي يدعوها إلى أن تسهر دوماً على تهذيب جميع أبنائها من الجانب الديني ، بأساليب تتناسب وأعمارهم وأن ينموا وحدة العقيدة بحيث تنما ثقافاتهم على العمل المجدي لخير المجتمع، وتعدّهم، في الوقت عينه، إلى العمل على نشر الوعي الديني الصحيح الخالي من التعصب والانحراف والدي يجمع الأمة ولا يفرقها.

أهمية المدرسة

تتقلّد المدرسة أهمية خاصة بين كل وسائل التربية. وبقوة رسالتها، أنها تنمي القوى العقلية نمواً مضطرداً، وتمكّن من إعطاء الحكم الصائب، وتدخل إلى التراث الثقافي الموروث عن الأجيال الماضية، وتشجّع معنى القيم، وتعدّ للحياة المهنية، فتخلق بين الطلاب، وقد اختلفت أخلاقهم وتباين أصلهم الاجتماعي، روحاً من الصداقة تساعد على التفاهم المتبادل لاعلي المنافسة التي تؤثر سلبا علي الانسجام الذي يحتاجه المجتمع. زد على ذلك، أنها تؤلّف مركزاً فيه يلتقي العائلات، والمعلمون، والجماعات المختلفة الأنواع التي خلقت لتطوّر الحياة الثقافية، للمجتمع المدني، لتتقاسم المسؤوليات لكي يساعدوا الأسرة في إتمام مهامها.

المدرسة بين التربية والتنمية

الحديث عن تربية الأطفال هو حديث عن التنمية والتي تعني تنمية الظروف المادية للحياة وتنمية الجوانب الروحية والثقافية وهكذا لا يمكن الحديث عن تنمية دون الحديث عن التربية  فهي أساس التنمية وركيزتها،. وإذا لم يحصل التفاعل والانسجام بين التنمية والتكوين الدراسي للطفل فلن يمكن الحديث عن المستقبل. لأن الطفل لازال نسبيا في نظرة مجتمعنا مجرد مخلوق بريء يدخل السرور ويثري الحياة الزوجية بنكهة خاصة، الطفل في مجتمعنا الحالي لم يرق في وجداننا إلى ذلك المستوى المطلوب ليصبح قضية وهاجسا.

إن الثقافة تشكل جزءا جوهريا من حياة كل فرد وحياة كل جماعة وأن التنمية التي يجب أن يكون هدفها الأول منصبا على الإنسان، يجب أن يكون لها بعد ثقافي. فبدون تربية لايمكن الحديث عن الغد، والأطفال في كل أمة يشكلون نصف الحاضر وكل المستقبل، وكل الجهود يجب أن تنصب على عملية التنشئة الاجتماعية. والتنشئة تعني العمل للمستقبل.

فالمدرسة هي إحدى العوامل التي تطور المجتمع ، ولكنها ليست العامل الوحيد، ومفهوم الإعداد يجب أن يكون على اتجاهين أولا إعداد عالم الغد وثانيا إعداد الأطفال لعالم الغد بحيث يكون عالم الغد مخطط له بشكل جيد وذلك عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية والتربية الفعالة تضمن كل الحقوق والواجبات لأطفال فمن أهدف التربية تحقيق الإنسان لا كما خلقته الطبيعة. وإنما هو الإنسان كما يريد المجتمع أن يكون.

علاقة المؤسسات المختلفة بعملية التربية

إن عوامل التربية تختلف حسب سن الطفل بحيث تكون الأسرة ذات أهمية في السنوات الأولى من حياة الطفل، ثم تتقاسم المدرسة هذا الدور مع الأسرة بعد ذلك في سن متوسط يأتي تأثير المحيط الاجتماعي في وقت متقدم. لهذا يجد الطفل نفسه متمركزا بين مؤسسات مختلفة كل واحدة تعتبر نفسها كمركز بالنسبة للمؤسسات الأخرى وظهور هذه المؤسسات جاء نتيجة رغبة المجتمع في تنظيم مقاطع داخل المجتمع بهدف معالجة إشكالية التربية وتجلياتها التي ينبغي تنظيمها.

فالتربية إذن من خلال هذا الشكل هي تفاعلات عديدة ومتبادلة بين مؤسسات المجتمع، فهي تهدف إلى إعداد الكائن الاجتماعي الإيجابي ليكون عضوا فعالا داخل المجتمع. وهو تعبير عن اجتماعية التربية، حيث يتمثل عطاء التربية للمجتمع من خلال إعداد النظم الاجتماعية بالقوى البشرية و تطوير ثقافة المجتمع فالتربية تأخذ بعين الاعتبار الفرد من كل النواحي المعرفية، العاطفية والتأثيرية.

 

المصدر: http://www.almurabbi.com/DisplayItem.asp?ObjectID=1476&MenuID=1&TempID=1

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك