العمل، لماذا، وأين، وماذا ؟

يوسف القبلان

    أما السؤال الأول (لماذا نعمل) فالإجابة ترتبط بحاجات الانسان الأساسية أولاً ثم تتفاوت الدوافع بين انسان وآخر حسب الظروف، فليست الحاجات الأساسية دائما هي الدافع للعمل بالنسبة للجميع لكن العمل بشكل عام مهم جدا لاشباع الحاجات الضرورية للإنسان، وهو أيضا حاجة اجتماعية وقد تأتي هذه الحاجة بالنسبة للبعض في المرتبة الأولى.

 

 

أعتقد أنني سأوجه هذا السؤال الى الأجهزة الحكومية وخاصة وزارة الخدمة المدنية، ووزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة الزراعة

 

 

لن أطيل في هذا الجانب فهو مجرد مدخل لحديث آخر عن موقع العمل والحوافز المرتبطة بذلك.

أقول في البداية إن بعض الخريجين الجدد المقبلين على التوظيف يتخوفون من التعيين في مدينة أو محافظة غير التي يقيمون فيها. هذا يرتبط بالأمن الاجتماعي، وبرهبة التجربة الجديدة، وقوة الارتباط العائلي والاجتماعي ما يشكل عائقا أمام الموظف لبدء مسيرته العملية بخطوة تحمل طابع التجديد وربما المغامرة، والانفكاك من قيود بعض العادات التي تسيطر على سلوك الانسان.

إذا حدثت الخريج عن ايجابيات العمل في المواقع النائية، قال لك : الرجاء عدم إزعاجنا بالمثاليات. واذا استعرضت بعض تجارب الآخرين، قال لك : الزمن تغير.

هذا الامتناع عن العمل في مكان جديد أو بعيد ربما يرتبط بشكل عام بقضية الخوف من المجهول.

وقرأت في هذا الموضوع لأحد المختصين حيث وضع قائمة تتضمن أمثلة يرى أنها الأكثر شيوعا للخوف من المجهول ويقترح استخدامها كمعيار للإنسان لتقييم سلوكه ومنها ما يلي:

--- تناول نفس نوعية الأطعمة.

--- ارتداء نفس الأنواع من الملابس.

--- قراءة نفس الصحف والمجلات.

--- العيش في نفس الحي أو المدينة.

--- الإعراض عن الاستماع الى أفكار تختلف عن أفكارك.

--- الخوف من الاقدام على تجريب أي نشاط جديد لأنك لا تجيده.

--- البقاء في الأمان وإيثار السلامة في نطاق العمل وتجنب المخاطرة التي قد تقود الى الفشل.

--- تصنيف الناس والابتعاد عنهم حسب هذا التصنيف.

--- البقاء في نفس الوظيفة حتى وإن كنت تكرهها خوفا من عمل جديد مجهول.

- قضاء الاجازات في نفس المكان وفي نفس الفندق وفي نفس الفصل من كل عام.

--- عدم القدرة على تغيير خطة وضعتها حينما يظهر لك بديل لها.

--- انشغالك بالوقت حتى تصبح الساعات هي التي تدير حياتك.

--- الابتعاد عن نوعيات معينة من الأنشطة التي لم يسبق لك أن جربتها.

--- الاكتفاء بنفس الأصدقاء والعجز عن توسيع نطاق التعارف مع الآخرين.

--- التردد والانسحاب بسبب الخوف مما قد يحدث ان أنت أقدمت على المشاركة في حديث مع أناس غرباء عن موضوعات غريبة. (من كتاب : مواطن الضعف لديك / تأليف وين دير).

ما سبق من ملاحظات عن الخوف من المجهول له علاقة بالحديث عن موقع العمل وبشخصية الانسان بشكل عام وتجاربه السابقة والظروف التي عاشها في البيت والمدرسة. ولا يمكن أن نقرر أو نصدر حكما عن الصح والخطأ فكل انسان حر في قراراته الخاصة وليس المطلوب من الجميع ارتياد نفس الطريق والمرور بنفس التجارب ولكننا نحاول ابراز ايجابيات التجديد في موقع العمل ومن أهمها اثراء حياة الانسان بالمعارف والتجارب والعلاقات الجديدة والانطلاق في خريطة الوطن بلا قيود. وقد لا يقتنع الموظف الجديد بهذه الايجابيات وهذا اختياره ولا يقلل من شأنه. لكن هذا يقودنا الى السؤال الثالث الذي وضعناه في عنوان هذا المقال وهو (ماذا) والمقصود هنا : ماذا عن الحوافز أو ما هي الحوافز التي ستجذب الخريج الجديد للعمل في المواقع النائية ؟)

نعم ماذا سنقدم من حوافز مادية أو معنوية لإقناع الخريج الجديد ببدء حياته العملية بعيدا عن أهله وأصدقائه ومحيطه الاجتماعي بكل تفاصيله؟

قد يبدو من الكلام السابق شيء من التناقض، اذ كيف نعدد ايجابيات العمل في المواقع النائية ثم نقترح حوافز جاذبة ؟

أعتقد أنني سأوجه هذا السؤال الى الأجهزة الحكومية وخاصة وزارة الخدمة المدنية، ووزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة الزراعة.

الجانب الآخر لهذا الموضوع هو الانطباع (الواقعي) بأن فروع الأجهزة الحكومية تنتظر القرارات والتوجيهات والتعاميم من الجهاز المركزي ولا تشارك في صنع القرارات. وأقول انطباع واقعي لأنه نمط اداري سائد في كثير من الأجهزة.

أضف الى ذلك وجود تفاوت في مستوى بيئة العمل بين موقع وآخر وعدم توحيد المعايير في هذا الجانب المهم المؤثر في الرضا الوظيفي والانتاجية.

وهذا يقودنا الى سؤال جديد : هل المدن جاذبة فعلا بسبب بيئة العمل أم القرب من صناعة القرار أم توفر فرص الترقية أم هي العوامل الاجتماعية بما فيها من علاقات أسرية وعلاقات الصداقة، أم هي حب الاستقرار وعدم الرغبة في التغيير؟

ومن أجل ربط ما نقول بالواقع فسوف أرجع الى خبرين، قديم وجديد، أما القديم فتصريح لوزير الزراعة عام 2010 قال فيه إن الوزارة تتعاقد مع أطباء بيطريين من دول عربية لتوفير كوادر طبية بيطرية متخصصة وإن هذه الوظائف تطرح للخريجين السعوديين أولا، وفي حالة وجود النقص يتم التعاقد مع غيرهم، مشيرا إلى أن معظم هذه الوظائف تكون في مناطق نائية والمواطن لا يرغب العمل فيها، اضافة الى تدني رواتبها بالنسبة للسعوديين والوزارة تسعى الى تحسين مستوى الرواتب لاستقطاب المواطن في هذه الوظائف بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، مؤكدا أن الأهم هو اعتماد وظائف سنوية للبيطريين تقديرا من الدولة لهم.

ذلك كان قبل أربع سنوات والقضية لها علاقة بمخرجات التعليم، واعتماد الوظائف، والرواتب والحوافز التي تساعد على استقطاب المواطن. السؤال الآن ماذا تم حتى الآن علما أننا أمام منظومة تشترك فيها جهات كثيرة ولا يمكن تحقيق الأهداف المحددة بدون تنسيق بين هذه الجهات.

أما الخبر الثاني المرتبط بموضوعنا فهو (كما قرأت في الوطن أون لاين ) أن وزارة الصحة تسعى لوضع لائحة ترغب الأطباء والممرضين والممرضات للعمل في المناطق النائية، وهذا وضع يضطر الوزارة مثل غيرها الى التعاقد مع غير السعوديين.

سبب العزوف هو عدم وجود مزايا مغرية، وتكاليف التنقل والسكن الباهظة.

ولعلي بعد ما تقدم أقول إن هذا الموضوع يحتاج الى أن يطرح من جديد للنقاش على المستوى الوطني لدراسته من منظور شمولي ويخرج بحلول عملية واقعية قابلة للتطبيق بدلا من عرض المشكلة بصورة متكررة وتركها معلقة مع التذكير بأن هذه المنظومة تشمل الفرد (الموظف) من حيث ثقافته وعاداته ونظرته الى العمل بشكل عام، والعمل في المواقع النائية بشكل خاص، فالحوافز الخارجية مهما بلغت قوة جاذبيتها لن تكون مؤثرة بدون الحوافز الذاتية.

http://www.alriyadh.com/947576

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك