فصل الدين عن المعركة

د. مطلق سعود المطيري

    عندما تشاهد بعض رجال الدين يتسابقون بالفتاوى المدمرة ليكون الموت في سبيل الموت مراداً دينياً لكل عبد يبحث عن السلام والخبز، فاعلم ان شيوخ المعارك يضيفون لعمرهم عمرا بهذه الفتاوى القاتلة، فشيوخ الموت يحظون بالرفعة في أوقات الأزمات ويحرصون ان يكونوا أصحاب كلمة الحسم في إراقة الدم، فعلم الله الذي في صدورهم يتلاشى امام اغراءات الانتصارات المتوقعة التي يسعون اليها، فالدين يرحم، لذلك فقراره مؤجل أما الرغبة تحارب وتنتصر في أوقات الكوارث والحروب، والحساب مؤجل ورحمة الله تسع كل شيء.

أحداث العراق الاخيرة علمتنا ان بعض رجال الدين في ذلك البلد المزحوم بالكوارث والفتاوى والبترول يريدون ان يكون لهم قتلى وأسرى ومشردين، وليس مصلين وعابدين يطبقون قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وليس العراق هو الشاذ في هذا الامر بل سبقه أكثر من بلد وشيخ موت، ولكن العراق كان له العنق والكف في هذا المجال، فرجال دينه يريدون القصاص من التاريخ فاشكاليتهم المركزية مع الماضي وليس للحاضر يقاتلون، فعندما قال رئيس وزرائه نوري المالكي هذه حرب بين يزيد والحسين في اشارة للمعركة في الموصل، اصبح بهذه الدعوة طالب ثأر من احفاد يزيد، واراد ان يكون صاحب فتوى دينية أي شيخ دين طائفيا وليس زعيما منتخبا لكل العراقيين، «مشكلة هذا الرجل انه في كل مثال للشر يرد اسمه» والا الكتابة كانت عن شيوخ فتاوى المعارك لا ضرر مادام الفعل السياسي هو الشيء الوحيد الذي لم يعمله هذا الرجل في فترة حكمة الممتدة 8 اعوام، فالفتاوى هي من اهلته لهذه المكانة وليس الاداء السياسي لهذا هو دائما يأخذ بالفتوى وليس بالسياسة التي تصر على الوحدة الوطنية..

اجتمع مع رجال الدين في العراق اكثر من مسؤول امريكي وغربي، فهل كانوا يناقشون معهم قال الله وقال رسوله، او المبادئ الدينية التي يجب ان يلتزم بها اصحاب الديانات المختلفة، لا هذا ولا ذاك، يبحثون معهم الاوضاع السياسية ويتحدثون معهم بنصوص لا تبدأ بالبسملة، يبحثون ايضا معهم المكسب والخسارة وعرض الاغراءات والتحذيرات، وفوائد التعاون المشترك، لذا كان رجال الدين في العراق اكثر اخلاصا وتعمقا في السياسة من امور الدين الذي لا يصلح من وجهة نظرهم الا للعوام الذين ينتظرون ما هو رأي الدين في هذه القضية أو تلك، فمن تلك الاجتماعات نسمع بداية اخبار فتاوى الموت.

العراق اليوم لا يحتاج لاجتماع زعماء السياسة او التجمعات المهنية او العسكرية، يحتاج فقط اجتماع رجال الدين من سنة وشيعة تحت سقف صالة واحدة وينهون قضية الحسين مع يزيد، فقط الاتفاق الذي سوف يخرج به الاجتماع هو الذي سيكون المرجعية لحل النزاعات الحالية وليس دستور بليمر او صناديق الانتخابات الطائفية، من يدفع هؤلاء المشايخ مع بعضهم تدفعهم الجماهير الغاضبة التي أكل بعضهم بعضا .. الشعب العراقي وحده قادر على اصدار فتوى الحياة بعدما أهلكته فتاوى الموت، كل عراقي اليوم مهما كان تعصبه لمذهبه يعلم ان سبب دمار العراق الحرب الطائفية وليس جيش داعش محدود القدرة والحركة.

إذا الشعب العراقي اراد الحياة فلابد ان يتخلى عن فتاوى الموت ويؤسس ببصيرة المواطن المؤمن لفتوى الحياة، ويعلم الشعب العراقي ايضا ان طائفيته البغيضة ليست نتيجة الاختلاف بين المذهبين الى حد التصفية بالموت ولو كان الامر كذلك لما وجدت عشيرة واحدة فيها تنوع مذهبي، ولما وجدت زوجة شيعية وزوج سني والعكس فالمذهبان اللذان قامت عليهما النواة الوطنية العراقية الاصلية الاولى، كيف يجعلان اهل العراق اليوم لا يحتمل بعضهما الآخر؟

اسباب الطائفية في مكان آخر وهذا المكان ليس العراق، فجارة العراق الفارسية ليس لديها سبب واحد فقط لاشعال الحرب الطائفية في العراق بل لديها مئات الاسباب وجميعها مقدرة ومقدسة عند الدولة الفارسية، واهمها ضم العراق لبلاد فارس الذين يسمونه في طهران «عودة العراق «.

فمشايخ العراق هم وحدهم إن خلصت النوايا من يستطيع نزع فتيل الحرب الطائفية والعودة بالعراق لأصوله الصحيحة والثابته، وإن لم يرغبوا في ذلك فقط عليهم ان يبعدوا الدين عن المعركة.

http://www.alriyadh.com/947136

الأكثر مشاركة في الفيس بوك