مشروعية الكذب عندهم

د.عبد الله بن موسى الطاير

    سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكون المؤمن سارقا؟ قال: «نعم»، أيكون زانيا؟ قال: «نعم»، أيكون كاذبا؟ قال: «لا»". وهو من الأحاديث المرسلة وما يتبع ذلك من درجة صحة الحديث، ولكنه من حيث مضمونه ينسجم مع الكثير من النصوص الشرعية التي تحذر من الكذب بكافة ألوانه.

الأخذ بهذا الحديث على ظاهره يعني بالضرورة أننا أمة لاتكذب، فتستقيم حياتنا وتصرفاتنا بعيدا عن بلاء الازدواجية وبقية من الأمراض القيمية. ولكن هناك من يتأول، ويرى أن الكذب جائز في مواقف، ويسرد الكثير من النصوص الشرعية صحيحة وضعيفة وموضوعة من أجل تسويغ الكذب. أبو محمد المقدسي، مثلا، يشرّع الكذب غير الصريح في قوله: "فهذا لا يحل له الكذب الصريح ولكن يتأول ويستعمل المعاريض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المعاريض لمندوحة عن الكذب) يعني أن سعة المعاريض التي يوهم بها السامع غير ما عناه ؛ تغني الإنسان عن الكذب الصريح، وقد بوب البخاري في صحيحه في كتاب الأدب، والحديث موصول للمقدسي، (باب المعاريض مندوحة عن الكذب)، ويضيف المقدسي أن مهنا "كان عند الإمام أحمد هو والمروذي وجماعة فجاء رجل يطلب المروذي ولم يرد المروذي أن يكلمه، فوضع مهنا إصبعه في كفه وقال : ليس المروذي ههنا . وما يصنع المروذي هنا؟ يريد ليس هو في كفه.. فلم ينكر ذلك الإمام أحمد"، "وروي أن مهنا فعل مثل ذلك أيضا مع الإمام أحمد من باب حرصه على سماع الحديث أو استعجاله في ذلك، فقال له مرة: إني أريد الخروج – يعني السفر إلى بلد، وأحب أن تسمعني الجزء الفلاني ، فأسمعه إياه، ثم رآه بعد ذلك فقال ألم تقل إنك تريد الخروج؟ فقال له مهنا: قلت لك إني أريد الخروج الآن؟ فلم ينكر عليه" انتهى تجديف عاصم طاهر البرقاوي المعروف بأبي محمد المقدسي، وهو أحد منظّري السلفية الجهادية وشيخ أبي مصعب الزرقاوي.

أتيت بالكذب هنا مثالا على السعي الجاد إلى اختراق المنظومة القيمية للمجتمعات الإسلامية بوتيرة ميكافيلية بحتة على اعتبار أن الغاية تبرر الوسيلة. وإلا فكيف لمسلم أن يعتبر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يمزح ولا يقول إلا حقا أنه تعريض وتأول فيه مندوحة عن الكذب.

الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم، ولو وجدوا أحاديث صحيحة عنه صلى الله عليه وسلم لأتوا بها دون حاجة للي أعناق النصوص، لكنها أدبيات توقفتُ كثيرا أمامها في تعاملي مع من يظن بهم خيرا، وإذا بي أجد أن وتيرة الكذب عندهم أعلى من غيرهم وقد يكون ذلك بتصنيفهم لمن حولهم أنهم فجرة فسقة ظلمة يجوز التأول عليهم والكذب المبطن الذي يؤدي الغرض نفسه بعبارات مبهمة. وإذا كانت حالهم هنا مع نصوص تتعلق بالكذب المنهي عنه في القرآن والسنة فكيف ستكون الحال عندما يفخخون عقول الشباب وعامة الناس بمضامين تخريبية تكفيرية اعتمادا على نصوص توظف لخدمة أغراضهم جريا على القاعدة السابقة عينها "الغاية تبرر الوسيلة"؟

وبناء على ذلك يجدون سبلا عديدة لإبطال مفعول التحصين الشرعي الذي يقدم بصحيح الأدلة في مناهجنا وعلى ألسنة العلماء الموثوقين في علمهم وأخلاقهم، فيسهل بعدئذ اصطياد طرائدهم وتوجيهها لخدمة أهدافهم ونشر الفزع والخراب في هذا الكون الذي استخلفنا الله لعمارته. والمقدسي ومن نحا نحوه يستنكرون على الشيعة التقية ولكنهم يأخذون بها على اعتبار أنها رخصة للمستضعفين معتمدين على قوله تعالى (إلا أن تتقوا منهم تقاة)، ومع أن هناك تفسيرات عديدة لهذا الجزء من الآية إلا أنهم يحملونها على جواز الكذب متجاوزين شروطا كثيرة للتقية منها أن تكون باللسان لا بالعمل بينما هم يستخدمونها ذريعة للفعل بما في ذلك من قتل وتدمير وتخريب.

هذه قضية كبيرة، تتطلب حوارا عميقا يفتح عيون الناس وأفئدتهم على هذه الأراجيف التي تسوق لاصطياد خرفانهم ممن يغرهم القول الحسن دون نفاذ إلى ما وراء جماله من مصائب على الإنسان في دينه ودنياه. ما يناقش على الملأ من أدبيات الدين والتدين والقيم والأخلاق شيء، وما يحتكره بعض من يظنون أن الله لم يهد سواهم شيء آخر، وهو أكثر مضاء في التحريض واشعال الفتن، وقد وجد له في وسائل التواصل الاجتماعي طريقا إلى عامة الناس وخاصتهم، دون رقيب. ثم نسأل لماذا يرتكب أبناؤنا خطيئة العقوق من أجل الجهاد في أماكن لم يتبين شرعا الجهاد فيها، ولم يسمح به الوالدان ومن بيده أمر المسلمين؟

http://www.alriyadh.com/940964

الأكثر مشاركة في الفيس بوك