نبتة الكراهية السامة

سهام عبد الله الشارخ

    خطاب التحريض والإقصاء والسخرية اللاذعة المنتشر بوضوح في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترات الأخيرة ينبئ بوضوح عن حالة من التأزم وافتقاد الشعور بالأمان.

إن بعض النقد الهجومي الشرس الذي يوجه إلى أفراد أو جماعات، أو أفكار وتصرفات عبر المقالات أو وسائل الاتصال الأخرى لا يمكن أن يصدر عن أشخاص متوازنين ولديهم ثقة في النفس واحترام للذات، فكتاباتهم تنضح بعاطفة فيها كثير من التحيز والبغض وكأنهم يعيشون حالة من الحصار العقلي أو الجسدي، وهم بهجومهم يوجهون اللكمات والركلات للآخرين المعادين لهم رغبة في الإفلات من الحصار والسيطرة، وهذه الصورة هي التي يصفها أحد الباحثين للأشخاص الذين يحملون مشاعر الكراهية، تلك المشاعر التي يمكن أن تصبح مدمرة للأفراد والمجتمعات ولا بد من اتخاذ الحلول للقضاء عليها.

للكراهية أسبابها ومبرراتها ومنها الجهل والخوف، لذلك يلمس في كثير من الكتابات الهجومية أنها متسرعة في إصدار الأحكام وتوجيه التهم، فكاتبها يدخل في معركة كلامية مع الآخر قبل أن يفهم الخبر أو المعلومة ويتأكد من صحتها ومعناها ويفكر في منطقية الرأي، وهو يوافق على آراء أخرى لمجرد أنها تصدر ممن يتحيز لهم ولأفكارهم، وهذا الجهل يرتبط بالخوف في الوقت نفسه لأن الجاهل كما يقال عدو ما يجهل بل عدو نفسه، وإذا كان هناك من يتفق مع هذا الخطاب وينجذب إليه، فإن هناك من يخالفه وينفر منه، والنفور يأتي من اللغة المهينة والعدائية إلى درجة البذاءة التي يستخدمها البعض، ومن الاستهانة بالآخرين ووجهات نظرهم والعجز عن تصور كيف تبدو الأشياء من وجهة نظرهم.

إذا كان كل من الكاتب والكاتبة يرغب في توصيل رسائل معينة وإحداث تغيير وتأثير في تفكير وسلوك من ينتقده، فإني أتساءل عن الهدف من هذا النقد الهجومي ومن التهييج العاطفي؟ وكيف سيتحقق الهدف بهذا الأسلوب؟ وبأي صورة سيفهم الآخر سبب النقد إذا لم توضح النتائج السلبية التي ترتبت على ذلك التفكير والسلوك المنتقد ومبررات الاختلاف؟ أليس الأولى بسط الآراء والأفكار بعد التحري عن المعلومات وتفسيرها بشكل علمي والنظر إلى الصورة الكلية والسياق العام والبعد عن الاستنتاجات السريعة؟

إن النقد الذي لا يعتمد على التحليل المنطقي المؤيد بالحقائق والأدلة، والمدعوم بالمقترحات ليس إلا تشفياً وعدواناً، وسجالاً عقيماً لا يعدل أوضاعاً ولا ينهي صراعاً.

خطاب الكراهية كالنبتة السامة التي تنمو وتنتشر ولا يوقف ثمرها ويقضي على سمها إلا مراجعة الذات، والاحتكام إلى العقل، واحترام الاختلاف والتعبير عنه بلغة راقية، بعيداً عن التحريض والإرهاب الفكري واللفظي.

http://www.alriyadh.com/935197

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك