الشعوب المتطورة والشعوب المتخلفة

عبدالله بن بخيت

    يحكي لي لبناني، أقلع من مونتريال إلى عمان في طريقه إلى بيروت. يقول: أثناء صعود الطائرة في مدينة مونتريال الكندية كنا في غاية الانتظام والانضباط والاحترام والصبر. هبطنا في مطار عمان وبعد ساعتين بدأنا صعود الطائرة في طريقنا إلى بيروت. لا أعرف ما الذي حصل. فقدنا الصبر وتدافعنا وصار كل إنسان يتذمر من الآخر. نفس الركاب. لم يتغير منا سوى واحد أو اثنين. في مونتريال كنا نحترم النظام ونحترم بعضنا بعضاً وروحنا المعنوية عالية. وفي عمان فقدنا كل هذا وتحولنا إلى ما يشبه الهمج وحدث هذا أيضا في بيروت. انتهى كلام اللبناني.

تعودنا أن نقول (شعوب متطورة وشعوب متخلفة). نقصد بالشعوب المتطورة (الغرب) والشعوب المتخلفة (نحن). بيد أن هذه المجموعة من البشر التي يتحدث عنها صاحبي اللبناني كانت متطورة في مونتريال ومتخلفة في عمان وبيروت. هذه التجربة ليست غريبة على أيّ منّا سافر وجرب. لماذا يختلف سلوكك الحضاري من بلد إلى بلد. لك في دبي سلوك وفي الرياض سلوك وفي باريس سلوك ثالث. ردود فعلك على الأشياء في دبي يختلف عنها في الرياض. الهندي العامل في الرياض غير الهندي العامل في لندن.

أوقفت سيارتي في مدينة تورنتو ثلاث مرات بالخطأ وفي كل مرة حصلت على قسيمة قيمتها ستون دولاراً. لم أنجُ ولا مرة واحدة. عوقبت على كل خطأ مروري اقترفته. أوقفت سيارتي في الرياض بالخطأ مئات المرات لم يعاقبني أحد. في الحقيقة لا أعرف كلمة قسيمة أو وقوف خطأ في الرياض. ولا يوجد أصلاً ما يمكن أن تسميه وقوف خطأ ووقوف صح. قياساً على تجربتي الشخصية بين الرياض وتورنتو فأنا لست متطوراً ولست متخلفاً. ببساطة أنا إنسان. طبيعتي الإنسانية تفرض عليّ التكيف. إذا كان المكان الذي أتواجد فيه تحف به الفوضى اضطررت أن آخذ حقي بيدي وإذا كان المكان الذي أتواجد فيه يضبطه النظام أخذت حقي بالنظام. يمكن أن نستنتج الآن أن الفرق بين التطور والتخلف هو توفر النظام وفرضه أو غيابه وغياب فرضه. أذكركم. قبل خمس عشرة سنة فرض المرور ربط الحزام وتابع تنفيذه بحزم. في غضون أيام اقتربت الرياض من استوكهولم في مسألة التمدن. الطيب والبطال، الصغير والكبير السعودي وغير السعودي الجميع التزم بربط الحزام. بعد عدة شهور تراخى المرور فتراخينا. بطّل متابعة فبطلنا ربطاً. يمكنك الآن أن تعرف على أي أساس نسمي الأوروبيين متطورين والعرب متخلفين. عندما تتحدث في الجوال أثناء القيادة ستدفع ثمانمائة دولار عدّاً ونقداً هل ستجرأ على فعل ذلك مرة أخرى أم ستضطر أن تكون متمدناً.

النظام أيضا منظومة مترابطة. لا يمكن أن تضبط حركة المرور في الشوارع إذا لم تضبط طريقة الحصول على الرخصة ولا يمكن أنت تضبط طريقة الحصول على الرخصة إذا لم تضبط لوحات الشوارع والرموز المرورية المتعارف عليها ولا يمكن أن تضبط الرموز المرورية إذا لم تضبط رجل المرور نفسه. لا أتكلم على المرور وإن كان المرور هو أظهر الأشياء. كلامي ينسحب على كل شيء في الحياة. الجوازات المحكمة البلدية. بالتأمل البسيط ستجد أن خلل المرور يؤثر على الجوازات وخلل الجوازات يؤثر على المحكمة وخلل المحكمة يؤثر على الأمن وهكذا كالجسد. إذا اضطرب الكبد اضطربت معه سائر الأعضاء.

القضية ليست في الأشخاص وإنما في النظام. هذه الجملة سترقينا للسؤال الأكبر: أين نجد هذا النظام؟

http://www.alriyadh.com/927457

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك