بين وحدانية الله وتعدد الديانات

فهد عامر الأحمدي

    لدي نظرية تقول إن الإنسان سيعثر على الله حتى لو عاش وحيداً لم يعرف غيره من البشر.. فلو تصورنا طفلاً وحيداً نشأ على جزيرة مجهولة سيدرك في النهاية وجود الله من فرط تأمله وتساؤله عن أصل الحياة والكون.. فمجرد تساؤله يقوده إلى وجود صانع وخالق ومسؤول عن إدارة ما يصنع..

وحين يتوصل بذاته إلى وجود "خالق" يفكر في كيفية تقديسه وتقديم شعائر الولاء والاحترام له.. وهكذا يبتكر "طقوساً تعبدية" خاصة يقدم من خلالها شعائر الولاء والاحترام لهذه القوة العظيمة - ناهيك عن عبادته خوفاً وطمعاً..

ومن هنا ندرك وجود فرق حقيقي بين الإيمان بوجود خالق ومدبر للكون (وهو الاعتقاد الذي تتبناه معظم الديانات والشعوب) وبين وجود ديانات وطقوس كثيرة ومختلفة (يؤمن بقدسيتها من نشأ فيها، ويكفر بها ويراها على حقيقتها من نشأ بعيداً عنها)!!

وكنت قد استعرضت في مقال بعنوان "ومن أيضاً سبق داروين؟" قصة خيالية وضعها الفيلسوف العربي ابن الطفيل عن نشأة الخلق ومراحل التعرف على الخالق.. وقد صاغها بطريقة ذكية جداً بحيث لا تتعارض مع فكرة خلق الإنسان (من طين لازب) وفي نفس الوقت تسبق نظرية داروين في فكرة النشوء والارتقاء من العدم..

ففي مطلع حكايته التي حدثت في جزيرة بعيدة خالية من البشر يقول ابن الطفيل:

"إن بطنا من الأرض تخمرت فيه الطينة على مر السنين والأعوام حتى امتزج فيها الحار بالبارد والرطب باليابس وحدث فيها تكافؤ وتعادل في القوى (وهو مايشير إلى حدوث تفاعل كيميائي) وظهر في وسطها لزوجة بجسم لطيف في غاية الاعتدال (أشار إليها لاحقاً باسم الروح) فتعلق عنده كبشر.. وبعد حين خرج من بركة الطين طفلاً يحبو أشفقت عليه ظبية فسقته من لبنها وتعهدته برعايتها. وحين كبر أصبح يأكل من الأعشاب ويلعب مع الظبا ويتسابق معها ويقلدها في غرائزها.. إلا أنه حين شب عن الطوق أدرك أنه ليس ظبية بل مخلوق مختلف يتمتع بعقل واع وإدراك عظيم. وعن طريق التفكير والتأمل توصل إلى وجود الخالق - عز وجل - وأدرك حقه في العبادة والشكر..

وحتى ذلك الوقت لم يكن حي بن يقظان (وهو الاسم الذي أطلقه عليه) يعتقد بوجود غيره من البشر حتى انتقل إلى جزيرة مسكونة وعاش بين أهلها لفترة من الزمن.. إلا أنه قرر في النهاية العودة إلى جزيرته المنعزلة والعيش بين الظباء بعد أن رأى انحلال الناس والخرافات التي يعبدون الله من خلالها!!

.. ومايبدو لي أن ابن الطفيل حاول من خلال هذه القصة البحث في تطور عقل الإنسان – من اللاشيء – وصولاً إلى أعلى درجات المعرفة المتمثلة في إدراك وجود الله.. غير أن انتقاله إلى مجتمع بشري آخر (يختلف عن نشأته الفطرية) جعلته يدرك وجود فرق كبير بين الإيمان بوجود الله، وبين عبادته من خلال طقوس وخزعبلات ما أنزل بها من سلطان.

http://riy.cc/923146

الأكثر مشاركة في الفيس بوك