أزمة الحوار الديني في المجتمع المصري

أزمة الحوار الديني في المجتمع المصري

القس رامي ناير
المتابع للحال العام في المجتمع المصري يرصد مظاهر مختلفة لأزمة الحوار على مستوى واسع النطاق بين كل من: الأحزاب، والأديان، والمذاهب الدينية، والأجناس، والأعمار .. الخ؛ لكن الملفت للنظر هو تطور هذه الأزمة الحوارية بين بعض المؤسسات الدينية مما يهدد استقرار المجتمع المصري وكياناته، لما للدين من أهمية تفوق كافة مجالات الحياة المختلفة. وقد رأينا هذا التدني في لغة الحوار من خلال تصريحات تصادمية باسم الدين من جهات مختلفة ضد الأديان والثقافة والدولة المدنية إلى ما غير ذلك. ولم يقف الأمر عند حد التصريحات؛ بل رأينا في الأيام الماضية بعضًا من الممارسات الهمجية لبعض المصريين باسم توجهات دينية. فقد رأينا في الأيام الماضية ما حدث في أطفيح وقنا وأبو المطامير وأبوقرقاص وإمبابة.. الخ. وأدت هذه التصريحات والممارسات إلى غلق بعض قنوات الحوار التي تتبنى هذا النوع من التصادم. والأصعب من هذا أن السجال باسم الدين تسبب في إذكاء روح التعصب مما يهدد بغلق قنوات الحوار بين مؤسسات المجتمع المختلفة.
وقد زاد التحدي أمامي في الكتابة حول هذا الموضوع بعد تكثيف الحديث عن هذه القضية في مجتمعنا المصري في هذه الأيام. فكم المقالات والبرامج واللقاءات والصالونات التي تناولت هذه القضية ليس بقليل. وبالرغم من تنوع الآراء التي قُدمت في هذه الأيام إلا أن التنوع في رصد الظاهرة لا ينكرها؛ بل يقدمها لنا بأساليب مختلفة بحسب اختلاف الأشخاص ووظائفهم. فلا يمكن لبصير خالص الذمة أن لا يغفل رؤية أزمة الحوار الديني التي تؤرق صفو المجتمع المصري.
 
وبالرغم من أن أزمة الحوار الديني ليست بجديدة على مصرنا الغالية إلا أنها اتخذت مناحي جديدة في التعبير عنها. فمن المعروف عن الدين المسيحي أنه دين يحمل البشارة للناس وهذا التبشير قد يصنع التصادم في بعض الأحيان مع معتقدات البشر المختلفة ولا ننسى صراع المسيحية طوال التاريخ مع الأديان المختلفة عبر العصور. وفي الجانب الآخر نجد أنه من الواضح أن الإسلام دين دعوة. ولا يمكن تخيل الدين الإسلامي دون ممارسة الدعوة مما أدى أيضًا لتصادمه مع الأديان المختلفة منذ بدايته. وعندما التقى دين الدعوة بدين التبشير حدثت صراعات جمة بين أصحاب الدينين في تاريخ الشعوب المختلفة بما فيها مصر.
في السنوات الأخيرة ظهرت بعض المستجدات في العلاقة بين المسيحية والإسلام. فالحوار بين الدينين: المسيحي والإسلامي تحول من كونه حواراً حول البشارة أو الدعوة إلى سجال عنيف يقترب كونه حربًا كلامية وجسدية وخاصة عندما تم اختزال الصراع في أشخاص أو جماعات محدودة. فأصبح المجتمع المصري في السنوات الأخيرة يختار لنا س وص من المسيحية والإسلام ويجعلهما يعبران عن المسيحية أو الإسلام ككل؛ بالرغم من أنهما في كثير من الأحيان قد لا يكونان مؤهلين للتعبير عن الأديان! وساعد هذا الاختزال في الحوار بين الأديان والمذاهب على انتقال السجال الديني للشارع المصري فتجده في البيت والشارع والعمل والمدرسة والمستشفى .. الخ.
ولو حاولنا تحليل أزمة الحوار في المجتمع المصري سنجدها ناتجة في الأساس عن فقدان الإنسان العاقل لرشده. فمن المعروف أن الإنسان العاقل هو الشخص القادر على التمييز والتقييم في اطار زمني ومكاني. وبالتالي فالفرد العاقل لابد وأن يميز بين ما كان في الماضي وبين ما هو حاضر؛ وبين ما هو ظن وما هو يقين؛ وبين ما هو معلوم وبين ما لا يمكن إعلانه. في حين أن البعض من القادة الدينيين يُحضرون الماضي وأمجاده كأنها حاضر، لدرجة أنهم يجعلون مؤسساتهم الدينية تعيش في الماضي بأسلوبه ولغته. وتجد في أسلوب هؤلاء القادة تراشقاً بالألفاظ وسخرية من معتقدات الآخرين على أسس ظنية وليست حقيقية مما يعبر عن هشاشة المعرفة والوعي والإدراك لديهم بالآخر. وقد نسى هؤلاء أننا نعيش في ظل دولة مدنية مبنية على احترام التعددية، ويحكمها قانون واحد يسير على كل أفراد المجتمع؛ وهذا القانون يمنع الازدراء بالأديان أو القتل بدون محاكمة.
ولا أجد في النهاية ما يلخص لنا العبرة والموعظة للخروج من هذه الأزمة. لكن أتمنى أن نتعلم من الماضي؛ دون أن لا نعيش فيه. يا ليتنا نستشرف مستقبلنا الواحد كمصريين؛ لكي نعيش فيه بسلام. أريد أن لا نقبل تصعيد أزمة الحوار لتصبح فتيلاً يشعل الفتنة الطائفية التي يريدها بعض الأعداء لمصر في الداخل والخارج. وأن لا نرضى بالمعارك الدينية وإن كانت في طور الكلام لأن التطاحن فيما بيننا لن يبقي فينا القدرة أو القوة على مواصلة بناء مستقبل وطننا الواحد، مصر.
المصدر: http://alhodach.org/index.php?option=com_content&view=article&id=271:201...
 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك