الجنود الإسرائيليون موضوعاً لدراسة انثروبولوجية

 

ما الذي يدفع الجنود الإسرائيليين لإساءة معاملة الفلسطينيين؟ هل ينظرون لخدمتهم العسكرية بعدسة أخلاقية. هل يجد الجندي نفسه في مأزق أخلاقي ما بين إنسانيته وواجبه الوطني؟ هذه الأسئلة التي شغلت بال إيريلا غراسياني باحثة الأنثروبولوجيا الهولندية من أصل إسرائيلي والتي نشرت استنتاجاتها في كتاب عن المجندين الإسرائيليين وأخلاقيات الممارسات اليومية للاحتلال في الضفة الغربية.

الصورة الدارجة للمجند الإسرائيلي هي الجندي العنيف الذي لا يكترث بمن حوله ويستعمل العنف بسهولة. وغالبا ما ينشر ناشطون صورا ومشاهد لانتهاكات الجنود الإسرائيليين لحقوق الإنسان الفلسطيني. تقول غراسياني إنه وبحسب ما استنتجته فإن هذه الصورة هي القاعدة وليست الاستثناء “هنالك تقارير كثيرة عن سوء المعاملة من قبل الجنود الإسرائيليين.

الحكومة الإسرائيلية تحاجج وتقول إن هؤلاء الذين ينتهكون حقوق الفلسطينيين مجموعة ضئيلة من “التفاح الفاسد” والجانب الآخر يقول بأن الجنود يفتقرون إلى المبادئ والقيم أخلاقية. أردت أنا أن افهم هذه المجموعة بشكل أعمق. ليس لأدافع عنهم بأي شكل من الأشكال بل لأدرس تصرفاتهم وما الذي يدفعهم في عملهم. أردت دراستهم عن قرب كوني باحثة في علم الإنسان، الانثروبولوجيا”.

 

اعتمدت غراسياني في بحثها على مراقبة وتدوين تصرفات الجنود في عدة نقاط تفتيش، ومقابلة عدد منهم بعد تسريحهم من الجيش. دار الحديث بينها وبين الجنود كل على حده حول تجربتهم خلال ثلاثة أعوام من الخدمة الإجبارية في صفوف جيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية. سألتهم حول المواقف التي مروا بها وإذا كانت تتعارض مع القيم الأخلاقية التي ترعرعوا عليها. ما هو انطباعهم عن الفلسطينيين وكيف ينظرون لهذا الشعب؟ وما هي العوامل التي تصوغ علاقتهم بالفلسطينيين؟

 

تطرقت غراسياني في أسئلتها إلى الأوضاع النفسية والجسدية للمجندين. تقول إن المجندين غالبا ما يشعرون بالضجر، والإرهاق، والإحباط وغالبا الخوف من الآخر كما يصف أحد الجنود: “قام أحدنا باعتقال فلسطينيين، وتعصيب أعينهم وتركهم يتحرقون تحت أشعة الشمس لكي يلقنوهم درسا. لماذا عمل الجندي ذلك؟ لأنه لم يأخذ استراحة منذ أسبوعين. يعمل ثماني ساعات متواصلة في الحراسة، يرتاح بضعة ساعات ليعمل ثماني ساعات أخرى في نفس الظرف. يشعر بالحر، والعطش. لهذا يختار العقاب الأسهل”.

 الشعور بالسلطة يلعب أيضا دورا في تعامل الجنود مع الفلسطينيين كما توضح غريسياني في هذا الاقتباس من أحد الجنود الذي يقول: “يا الهي. أستطيع أن أفعل ما أريد. أمر مريع. السلطة في يدي. شيء يصعب التصرف به. بإمكانك أن تتصرف بها ربما. عندما تذهب لاعتقال أحد الفلسطينيين على سبيل المثال، لا بد أن تثبت سلطتك. تثبت سلطتك بواسطة سلاحك”.

 

هنالك عدة عوامل تؤدي إلى هذا التصرف من ساعات حراسة طويلة تحت الشمس الساطعة، روتين العمل، والقلق النفسي الذي يتعرض له الجندي على سلامته. لهذا تعتقد غريسياني أن المشكلة واسعة النطاق.

 

تستنتج غراسياني أن الظروف القاسية والروتين والإرهاق والخوف الذي يشعر به الجندي جميعها عوامل تساهم في تغيير تصرفاتهم وصياغة علاقتهم بالفلسطينيين. كما توصلت غراسياني في بحثها إلى مفهوم “التخدير” وهو أن الظروف التي يعمل تحتها الجنود تساهم في تخديرهم من الناحية النفسية والجسدية. وأن هذا التخدير يؤدي في النهاية إلى التخدير الأخلاقي أي أنه يخلق شعوراً باللامبالاة وعدم الاكتراث بما يحدث للفلسطينيين.

وتقول إن هذه المشكلة واسعة النطاق وليست مجرد استثناء كما تصرح الحكومة من حين لآخر.

لم تتوجه غراسياني للسلطات الإسرائيلية للوصول إلى هؤلاء الجنود، لأنها اعتقدت أن العمل من خلال جيش الاحتلال سيغير مسار بحثها. لذلك اختارت أن تبحث بنفسها عن طريق معارفها في إسرائيل عن جنود أنهوا للتو عملهم في صفوف الجيش.

كما قامت بمراقبة تصرفات الجنود على الحواجز ونقاط التفتيش. “لم يكن الأمر صعبا” تقول غريسياني لأن الخدمة العسكرية إجبارية لليهود الإسرائيليين ولذلك فإن هنالك الكثير من الفرص للوصول إليهم.

كما أنها لم تواجه صعوبات في كسب ثقة الجنود ليتكلموا معها وحول المصاعب والشعور الذي انتابهم وهم يقومون بالخدمة في الأراضي المحتلة. ربما يعزى الأمر إلى أن غريسياني نفسها إسرائيلية يهودية وتتكلم العبرية بطلاقة. كان على غريسياني هي أيضا أن تخدم في صفوف الجيش لكن بسبب رحيلها إلى هولندا مع والدتها عندما كانت طفلة فقد أعفيت من الخدمة الإجبارية.

تتفق غراسياني في الرأي مع الباحثة الإسرائيلية نوريت بيليد التي قامت بتحليل المناهج الدراسية الإسرائيلية واستنتجت أن الشاب والشابة الإسرائيلية يعانيان من جهل بالواقع السياسي الذين يعيشون فيه.

 ”معظم الجنود والمجتمع الإسرائيلي الذي يأتون منه لا يعرفون الكثير عن الفلسطينيين قبل بدء الخدمة. كما أن الجنود أنفسهم لا يعرفون طبيعة العمل والظروف التي سيعملون بها في الضفة الغربية. هذا بدوره يجعل من الفلسطينيين مجرد عدو أو فئة غير مرغوب بها بالنسبة للجنود.

أجرت غراسياني بحثها بمعونة من المدرسة الأكاديمية العسكرية في هولندا والتي تهتم بدراسة الجوانب الأخلاقية للخدمة العسكرية. تقول غريسياني أن الأكاديمة العسكرية كانت هي أيضا مهتمة بالموضوع ربما لاستخلاص العبر لجنودها الذين يخدمون في أفغانستان.

 

 تعرضت غراسياني لبعض الإنتقادات من قبل يهود هولنديين بسبب بحثها. فإلى جانب بحثها تعتبر غريسياني نفسها ناشطة إسرائيلية وقامت العام الماضي بتشكيل منتدى جديد من الإسرائيليين المقيمين في هولندا تحت اسم “بوابة 48″. يركز المشروع على إبراز وجهة نظر ناقدة للحكومة الإسرائيلية وسياساتها الاستيطانية في الضفة الغربية.

 

المصدر : فلسطين اليوم: وكالات

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك