المقارنة بين .. الإسلام والنصرانية واليهودية ..

الحمد لله رب العالمين، فاطر السموات والأرض، جاعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي المتقين، وهاديهم إلى الحق المبين، وإلى صراطه المستقيم.
وأشهد أن محمدًا  عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، خاتم أنبيائه ورسله، أرسله ربه بالنور الساطع والضياء اللامع، فأدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، فكشف الله تعالى به الغمة، ومحى به الظلمة، وجاهد في سبيله حتى أتاه اليقين.
فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك وخاتم أنبياءك ورسلك محمد في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
وارض اللهم عن آل بيته الأخيار الأطهار، وأصحابه الكرام الذين آزروه وناصروه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته، وانتهج نهجه، واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد:
فلقد ظهر في تلك الآونة الأخيرة لا سيما عصر القنوات الفضائية، الكثير ممن يهاجمون دين الله عز وجل، ألا وهو الإسلام، سعيًا منهم في الصدِّ عنه، وذلك بعدما رأوا من انتشاره الواسع وقبوله العظيم في شتى أقطار الأرض، مستغلين في ذلك جهل كثير من الناس بحقيقة الإسلام.
ومن ثم كانت المحاولات تلو المحاولات في بث سمومهم تجاهه.
ولذلك: فبمشيئة الله تعالى سوف نتعرض في هذا البحث اليسير الموجز لمقارنة بين الإسلام والنصرانية واليهودية، من حيث أصول معتقدات كل منهم، وذلك حتى يتيسّر لأولي الفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الراجحة الرشيدة، التمييز بين الصحيح والسقيم والجيد والردئ، ومن ثم الاختيار بجلاءٍ عن يقين من بين هذه الشرائع الثلاث.
وبداية: فإننا ندعوا الجميع سواءً كانوا من المسلمين أو غيرهم من النصارى أو اليهود، أن يتجرّدوا من الأهواء والعصبيات والشهوات عند اختيارهم من بين هذه الشرائع الثلاث وعليهم أن يعلموا أن ما يتضح لهم من الحق إنما هو حُجّة عليهم أمام الله تعالى.
ومن ثم فإن عليهم أن يقفوا مع أنفسهم وقفة صادقة حِسبةً لله تعالى، مبتغين بها الحق، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
ونسال الله العليّ العظيم رب العرش الكريم أن يهدينا جميعًا للحق المبين الذي لا مرية فيه، وأن يشرح صدورنا له، وأن يوفقنا للسير على دربه، إلى أن نلقاه جل وعلا فهو تبارك وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.

من هم أهل الكتاب؟
إن أهل الكتاب هم بإيجاز اليهود والنصارى، أصحاب الشرائع السماوية.
ولا شك أن هذه الشرائع قد ضاعت وانحرفت عن مسارها الصحيح، ومن ثم كان خروجها عن الإطار الرباني الصالح لهداية البشر.
ما يربط النصرانية باليهودية، ومن ثم الاتفاق الظاهر بينهما
بداءةً نوضح: أن كلًا من النصرانية واليهودية في تضاد وعداء شديد، فلا يمكن لهما أن يجتمعا بأي شكل من الأشكال.
ومن الأسباب الرئيسة في ذلك: هو اختلاف معتقد كل منهما، حيث تعتقد النصرانية الألوهية في المسيح، وتقول بأنه أحد أجزاء ثلاثة لإلهها، وأنه (المسيح) قد صُلِب، ثم قُتِلَ على الصليب من قِبل اليهود، ثم قام من بين الأموات وصعد إلى السماء.
وعلى النقيض تمامًا، نجد أن اليهودية قد كذبت بنبوة المسيح ورسالته، وقالت بأنه ابن زنا، وُلِد بُغية، ونسبت أمه إلى الفجور.
إلى غير ذلك من أسباب التضاد والتناقض والعداء الشديد بينهما.
وإن كان ذلك السبب الذي قد أشرنا إليه لكفيل وحده باستحالة الاتفاق بين كل منهما.
وإذا ما حاول الإعلام العالمي إيهام الكثير باتفاق اليهود مع النصارى تحت أي من المسمّيات المزعومة، فإن ذلك في الحقيقة ليس إلا اتفاق ظاهري مُخادع، لتحقيق أطماع مشتركة بين كل منهما، لا سيما في النيل من الإسلام وأهله.
وحقيقة ذلك الاتفاق الظاهري بين كل من النصرانية واليهودية، هو الآتي:
أن اليهود يعتقدون أنهم إذا بنوا هيكل سليمان خرج المُخلِّص لهم (لليهود)، وهو المسيح الدجال، وهم يُقَرّون بذلك في كتبهم.
وفي هذا صدقٌ لما أخبر به النبي محمد  حيث قال: «يتبع الدجّال من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة». أي عليهم اللباس الذي يلبسه أحبار اليهود.
وإذا كان ذلك العدد من علماءهم، فما بالنا بعامتهم؟!
وذلك أنهم يعتبرونه (المسيح الدجال) هو المخلّص لليهود( )، أي مما هم فيه من التشتت والتشرذم وإهانة الشعوب لهم.
ولكن العجيب: أن المسيح الدجال الذي سوف يؤمن بألوهيته اليهود، ويعتبرونه مُخلِّصهم، يكون أعورًا، ومجسمًا، بحيث يكون مُتحيّزًا، أي يحدّه المكان المحيط به.
ومن المُحال أن يكون الإله الخالق جلّ وعلا بذلك الوصف المُتصف به مسيح اليهودية (المسيح الدجال).
وبالنسبة للنصارى:
فإنهم يعتقدون أنه إذا تمَّ بناء الهيكل (الذي تزعمه اليهودية)، وخرج المسيح الدجال (الذي يؤمن به اليهود)، ابتدأ عهد جديد للنصارى، يحكمون فيه العالم من خلال القدس.
أي أن النصارى يعتبرون اليهود قنطرة يعبرون عليها إلى مجدهم، وأن اليهود جسر يعبرون عليه إلى حكم العالم.
لذلك فإن النصارى يعتقدون أنه إذا ما دُمِّر اليهود وشُرِّدوا، ووقعت عليهم الهزيمة من المسلمين أو غيرهم، سوف يتأخر نزول المسيح بن مريم( )، الذي يؤمنون به ويألهونه.
ومن ثم يتبين السرّ في مساعدة الغرب لا سيما الولايات المتحدة لإسرائيل، في إقامة دولة لهم، حتى وإن كان ذلك على أرض مغتصبة من المسلمين العُزّل من أدنى مقومات الحرب الحديثة.
ومما أشرنا إليه يتبين أن الاتفاق بين النصرانية واليهودية، ما هو إلا اتفاقًا ظاهريًا، منطويًا على تضاد وتناقض بين معتقد كل منهما، ومشحون بالعداء الشديد والتناحر المقيت الذي لا يلبس إلا وأن ينفجر في أي وقت بينهما تحت أي إشعال له، والحروب الحديثة شاهد ذلك.

عقيدة اليهودية في الإله الربّ سبحانه وتعالى
بداءة نوضح: أن اليهودية قد ذمّت وعابت الإله الربّ سبحانه وتعالى، ونسبت إليه من الصفات ماتكون سببًا في الانتقاص منه، ومن عظيم صفاته، بحيث لا يمكن للفطر السوية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة قبولها في حق الإله الربّ سبحانه وتعالى.
ويرجع ذلك إلى ما قد نال كتاب اليهودية من التغيير والتبديل والتحريف، تبعًا للأهواء وانقيادًا خلف الشهوات.
فنجد أن التوراة التي تنسبها (اليهودية) إلى موسى عليه السلام، تتضمن الكثير والكثير من القصص المفتراة، مع ما فيها من بذئ الأقوال الفاحشة، ونسبها وإلقاصها بالأنبياء والصالحين، على الرغم من اعترافها (التوراة) بنبواتهم ورسالاتهم.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح جزءً من ذلك في نقاط لاحقة.
ومن ثم فإن اليهودية بذلك الذي ألصقته بأنبياءها وصالحيها من بذيء الأفعال والجرائم تكون قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى سوء الاختيار لأنبيائه ورسله، نتيجة جهله بما سيُقدِمون عليه من ارتكاب لمثل تلك الجرائم والفواحش المنسوبة إليهم.
ومن ثم فإن اليهودية أيضًا تكون قد نفت عن الإله الربّ سبحانه وتعالى صفة الحكمة، لأنه بدلًا من أن يُحسن اختيار أنبيائه ورسله ليكونوا بمثابة مصابيح هدى للبشرية، قام بإساءة الاختيار لهم ليصيروا بذلك بئس النماذج المقتدى والمحتذى بهم.
فاليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى العديد من الصفات الذميمة إثر افتراءاتها على أنبياءها ورسلها، ومن مثيل تلك الصفات الذميمة:
أ- صفة سوء الاختيار ب- الجهل وعدم العلم بالغيب والمستقبل
جـ- انتفاء الحكمة.
إلى غير ذلك مما يترتب على مثل تلك الصفات من صفات معيبة ناقصة يستحيل لعاقل أن يتقبلها في حق الإله الربّ سبحانه وتعالى.
ونجد أيضًا، أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى صفة العنصرية والظلم والفظاظة.
حيث إن اليهود يعتقدون أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الإله إنما هو إله بني إسرائيل، وأن الربّ إنما هو ربّ بني إسرائيل، وأن مختلف الأمم والشعوب من غير جنسهم اليهودي لا أمل لهم في الإله الربّ سبحانه وتعالى، حيث يزعمون أن سائر الأمم والشعوب مرفوضة منه.
وبما أن إله اليهود لا يقبل سواهم، ولا يتقبل عبادة إلا منهم، إذن فلا أمل لسائر الأمم والشعوب في التعبد والتقرّب لذلك الإله الربّ الذي خلقهم، وليبحثوا حينئذ عن إله آخر يرضونه فيتقبلهم. (استنكارًا لادّعاء اليهودية).
وذلك بلا شك وصف أيضًا للإله الربّ بعدم الحكمة، (تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا).
ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى أنه عبارة عن جسم كبير، ومن ثم فإنها تصفه بالتجسيم والتحيّز، ومن المحال في حقّ الله تعالى أن يوصف بمثل ذلك، لأنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، فلا يمكن أن يحتويه مكان أو يُفنيه زمان.
فالله سبحانه وتعالى هو خالق المكان والزمان، وذلك يعني أن المكان قد أوجده الله تعالى لتعيش المخلوقات فيه (كالإنسان والحيوان والطير ...).
وقبل خلق الله تعالى لهذه المخلوقات لم يكن هناك مكان أو زمان.
لذلك، فإن اليهود هم أول من يتبعون المسيح الدجّال الذي يخرج آخر الزمان، ويدّعي الألوهية، مع أنه لا يستطيع أن يزيل ما به من عور، حيث إن من صفاته ذلك العور الذي بإحدى عينيه، مع ضخامة في جسمه.
ومن المحال في حقّ الله تعالى أن يكون بذلك الوصف المُتّصف به المسيح الدجال، سواءً كان ذلك العور الذي بإحدى عينيه، أو ذلك التجسيم والتحيّز المتّصف به الدجّال.
ويؤكد ذلك التجسيم الذي تدّعيه اليهودية وتنسبه إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، افتراءً عليه، أنها تزعم أن موسى عليه السلام قد رأى أجزاء الله الخلفية (المؤخّرة)، حيث ينصّ كتابها على أن الله قال له لموسى الآتي: «ثم أرفع يدي فتنظر ورائي، وأما وجهي فلا يُرى» [سفر الخروج 33: 23].
والنصّ بالإنجليزية لسفر الخروج (33: 23)، كالآتي:
[And thou shall see my back parts]
وترجمته الحرفية: وسوف ترى أجزاء مؤخرّتي، (تعال الله عن مثل ذلك علوًا كبيرًا).
ونجد أيضًا، أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى أنه قد تصارع مع يعقوب، وكانت الغلبة ليعقوب، حيث ينصّ كتابها على الآتي:
«فقال لا يُدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسراءيل لأنك جاهدت مع الله ومع الناس فقدرت» (سفر التكوين 32 : 28)، (تعالى الله عن مثل ذلك علوًا كبيرا).
وذلك الذي تدّعيه اليهودية إنما هو نابع من تلك الأمثلة الوصفية الكثيرة، المثيرة للصور الذهنية، والتي تعِجّ وتمتلئ بها كتبها، حيث تصور الإله الربّ بالكلمات حسب شكل الإنسان نفسه.
ومن تلك التعبيرات أيضًا التي ينصَّ عليها كتاب اليهودية، والتي يتصوّر منها القارئ أن الإله الربّ مثل الإنسان وأنه مُتحيّز، بحيث يكون له مكان يحدّه ويحيط به، الآتي:
«فنزل الربّ لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنوهما» (سفر التكوين 11: 15).
(تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا)
وأيضًا، وَصْف الإله الربّ كإنسان يشم، كالآتي: «فتنسم رائحة الرضا وقال الربّ في قلبه ....» (سفر التكوين 8:21).
ونصّ ذلك بالإنجليزية (And lord smelled asweet savour)
وترجمته الحرفية: وشم الربّ نكهة أو رائحة حلوة.
تعالى الله عز وجل عن مثل ذلك علوًا كبيرا
ونجد أيضًا، أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، صفة الندم والتأسف والحزن، ولا شك أن الندم يتأتى من قبيل سوء التصرّف وفعل الخطأ، نتيجة الجهل بعواقب ذلك الفعل.
ويتبيّن ذلك مما ينصّ عليه كتاب اليهودية، كالآتي:
«فحزن الربّ أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه» (سفر التكوين 6:6).
تعالى عز وجل عن مثل ذلك علوًا كبيرا.
ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الرب سبحانه وتعالى: أنه يستريح ليستعيد نشاطه، ولابد أن تلك الاستراحة لاستعادة النشاط تكون جرّاء التعب والإنهاك في الجهد.
ولا شك أن ذلك كله مُحال في حق الله تعالى، لأن أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.
ويؤكد ما ذكرناه من نَسْب اليهودية إلى الله تعالى صفة الاستراحة لاستعادة النشاط، والتي لا تكون إلا جرّاء التعب والانهاك في الجهد، الآتي:
« ... لأنه في ستة أيام صنع الربّ السماء والأرض، وفي اليوم السابع استراح وتنفّس» (سفر الخروج 31: 17).
ونصّ ذلك بالإنجليزية: [He rested and Refreshed]
وترجمته الحرفية: استراح واستعاد نشاطه.
ومن ثم فإن اليهودية تحيي ذكرى (يوم السبت) اعتقادًا منها كما في كتبها، أن الله قد تعب واحتاج أن يستعيد نشاطه بعد ستة أيام (أي نتيجة الأشغال الشاقة المجهدة التي قام بها).
تعالى الله عز وجل عن مثل ذلك علوًا كبيرا
ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى: أنه كصفة النار المتلهبة، حيث ينصّ كتابها على الآتي:
«وكان منظر مجد الربّ كنار آكلة على رأس الجبل أمام عيون بني إسرائيل» (سفر الخروج 24 : 17).
ولا شك أن النار رمزٌ للدّمار والخراب عكس النور والضياء.
فتعالى الله عز وجل عما قد نسبته إليه اليهودية علوًا كبيرا
وغير ما أشرنا إليه الكثير والكثير من الصفات الذميمة المعيبة التي قد نسبتها اليهودية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، كالنوم، والاستيقاظ من النوم، ... إلى غير ذلك، مما يستحيل لعاقل ذي فطرة نقيّة ونفس زكيّة أن يتقبل أياًّ منها في حق إلهه وخالقه ورازقه .. سبحانه وتعالى.

موجز عن عقيدة اليهودية في أنبياء الله ورسله
لقد نسبت اليهودية إلى أنبياء الله تعالى الكثير من الجرائم والافتراءات التي يستحيل لفطر نقية ونفوس زكيّة وعقول سويّة أن تقبلها في حق إنسان فاضل، عفيف طاهر، فضلًا عن نبي أو رسول قد اختاره الله تعالى واصطفاه عن علم منه جل وعلا للنبوة والرسالة.
ومن تلك الجرائم والافتراءات التي نسبتها اليهودية إلى أنبياء الله ورسله:
1- أنها نسبت إلى نبي الله هارون عبادة العجل (صنم مصُوَّر على شكل عجل)، ليس ذلك فحسب، بل نسبت إليه أنه قد بنى معبدًا لذلك العجل الذي يعبده، وأنه أمر بني إسرائيل بعبادته، وذلك كما هو مصرّح به في (سفر الخروج، الباب 32).
2- أنها نسبت إلى نبي الله سليمان السحر، وأنه كان ملكًا ساحرًا.
3- أنها نسبت إلى نبي الله لوط شربه للخمر، وليس ذلك فحسب، بل إنها نسبت إليه أيضًا: أنه قد زنى بابنتيه الكبرى ثم الصغرى، وأن ابنتيه قد حملتا منه من الزنا.
وذلك يعني أن اليهود لم تنسب إلى نبي الله لوط الزنا فحسب، بل نسبت إليه أقبح أنواع الزنا، ألا وهو زنا المحارم، لا سيما زنا الأب بابنتيه، كما في (سفر التكوين، الباب 19).
4- أنها قد نسبت إلى نبي الله نوح شربه للخمر وتعرّيه، أي تجرّده من ملابسه، كما في (سفر التكوين 9: 20 – 21).
5- أنها قد نسبت إلى نبي الله يوسف أنه كاد أن يزني هو أيضًا، بعد أن قام بحلّ تكة سراويله من أجل ذلك.
وغير ذلك الكثير والكثير من الجرائم المنكرة، والفواحش الرذيلة، والافتراءات الكاذبة التي قد نسبتها اليهودية إلى أنبياء الله تعالى ورسله.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح بعضًا مما قد نسبته اليهودية إلى أنبياء الله ورسله في الجزئية الخاصة بما تعتقده النصرانية في أنبياء الله ورسله، حيث إن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن كتاب اليهودية تحت ما يسمى بالعهد القديم.
ومما أشرنا إليه يتبيّن لنا عِظَم افتراءات اليهودية على أنبياء الله تعالى ورسله، من ثم عِظَم الافتراء على الله تعالى.
لأن الاعتقاد بذلك الذي قد نسبته اليهودية إلى الأنبياء والمرسلين يعني أن يُنسب إلى الله تعالى صفة الجهل وعدم العلم بالغيب لسوء اختياره لأنبياءه ورسله، بل ويعني أيضًا أن يُنفي عن الله تعالى صفة الحكمة، وذلك كله محال في حقّ الله سبحانه وتعالى.
فالله سبحانه وتعالى مُنزّه عن سوء الاختيار، حيث إنه جل وعلا قد اختار أنبياءه ورسله ليكونوا مصابيح هدى للبشرية قاطبة، وليكونوا خير نماذج يقتدى ويحتذى بها.
وإذا ما ارتضت اليهودية مثل تلك الافتراءات على أنبياء الله ورسله، فإن ذلك يكون بمثابة التقليل من خطورة جريمة الزنا وغير ذلك، ويعني التشجيع على ارتكاب مثل تلك الرذائل والفواحئ والجرائم، لأنه إذا ما سَلِم أنبياءها ومرسليها من السقوط والإنغماس في وحل تلك الرذائل، فهل يسلمون هم؟!!
فالله سبحانه وتعالى منزّه عن الجهل بما سوف يفعله أنبياءه ورسله، بل إنه سبحانه وتعالى يعلم تمام العلم أنهم (أنبياءه ورسله) خير من يعبدونه على هذه الأرض، وخير من يدعون إليه سبحانه وتعالى، ومن ثم فهم خير من يقتدى ويحتذى بهم.

السيدة مريم في اليهودية
ونوجز هذه النقطة بتوضيح ما يلي، وهو:
أنه كما لم تعترف اليهودية بنبوة ورسالة المسيح، فإنها كذلك قد نسبت الزنا والفجور إلى والدته (السيدة مريم)، وذلك على الرغم من تأييد الله تعالى لها من خلال معجزة كلام وليدها (المسيح) في المهد، كتبرءة لها، وكتمهيد لرسالته فيما بعد.
المسيح في اليهودية
ونوجز هذه النقطة بتوضيح ما يلي، وهو:
أن اليهودية لا تعترف بنبوة ورسالة المسيح، بل إنها نسبت إليه الولادة بغية، أي أنه قد وُلِد بطريقة غير شرعية، حيث قالت عنه: أنه وَلَد زنا، وذلك على الرغم من معجزة كلامه في المهد، والمعجزات التي قد أجراها الله تعالى على يديه بعد ذلك تأييدًا لنبوته، وشهادة بصدق رسالته.
بل إن اليهود قد حاولوا صلب المسيح وقتله، ولكن الله سبحانه وتعالى قد رفعه إليه وأنجاه منهم.

مم يتكون كتاب اليهودية؟؟
بداءة ننوه إلى:
أن ما بأيدي اليهودية الآن ليست بالتوراة التي جاء بها موسى عليه السلام من الله تعالى، وذلك نظرًا لما قد نالها من التغيير والتبديل والتحريف.
وبالنسبة لما يتكون من كتاب اليهودية اليوم:
فإنه يتكون من العديد من الكتب مثل (سفر التكوين – سفر الخروج – سفر اللاويين – سفر العدد – سفر تثنية الاشتراع)، وتلك الكتب عامة تنسب إلى موسى، غير أننا نجد أن كاتبها مجهول، غير معروف، إضافة إلى العديد من الأسفار الأخرى الغير منسوبة إلى موسى، وكاتبها غالبًا بين المجهول، الغير معروف، أو ما يمكن أن يكون مشكوكًا فيه، كأن يُقال أن كاتب ذلك السفر من المُحتمل أن يكون كذا.
وتلك الأسفار متضمنة للكثير والكثير من حالات الزنا لا سيما زنا المحارم (كما في سفر التكوين وغيره) وقصص للعاهرات مع وصف فاضح لعهرنّ، ... إلى غير ذلك، كما أشرنا سابقًا، ومما سوف نشير إليه في نقاط لاحقة بمشيئة الله تعالى.
ولتمام الفائدة، ننوه إلى:
أن النسخ المشهورة للعهد القديم عند أهل الكتاب ثلاث (3) نسخ:
النسخة الأولى: هي النسخة العبرانية، وهي المعتبرة عند اليهود وطائفة البروتستانت النصرانية( ).
النسخة الثانية: وهي النسخة اليونانية، وهي التي كانت معتبرة عند النصرانية إلى القرن الخامس عشر من القرون المسيحية، وكانت تعتقد إلى هذه المدة تحريف النسخة العبرانية، وهي إلى هذا الزمان معتبرة عند الكنيسة اليونانية وعند كنائس المشرق( ).
النسخة الثالثة: وهي النسخة السامرية، وهي المعتبرة عند السامريين.
وبين تلك النسخ الاختلافات الكثيرة، فكثير من كتب العهد القديم كانت مشكوكة، غير مقبولة عند النصرانية إلى ثلاثمائة وأربع وعشرين سنة( ).
وذلك يوضح لنا مدى التخبّط الذي يقع فيه كتاب اليهودية، ومن ثم كتاب النصرانية، لاحتواءه وتضمّنه إياه تحت مُسمّى العهد القديم.

إلى أي شيء يدعوا الكتاب الذي بين يدي اليهودية اليوم؟
لقد أرسل الله عز وجل أنبيائه ورسله إلى الناس من أجل دعوتهم وهدايتهم إليه سبحانه وتعالى، مُنزّلًا عليهم الكتب السماوية، رحمة منه تبارك وتعالى.
ولقد أنزل الله عز وجل على نبيه موسى عليه السلام التوراة فيها هدى ونور لمن يأخذ بها، ويعمل بما فيها.
ولقد وكّل الله عز وجل حفظ التوراة إلى البشر من أحبار وغيرهم، كغيره من الكتب السماوية، حيث لم يتعهد الله تبارك وتعالى بحفظ كتاب سماوي سوى القرآن الكريم، لما كان من تضييع البشرية للكتب السماوية السابقة له (القرآن الكريم) حينما استحفظوا عليها، ولما للقرآن الكريم من خاصية فريدة، وهو أنه ليس بعده أي نزول لكتاب سماوي آخر ، فهو (القرآن الكريم) آخر الكتب السماوية المُنزّلة.
ومن ثم: فإن التوراة التي قد جاء بها نبي الله موسى عليه السلام قد نالها ما نال غيرها من اعتداءات الحاقدين والمعتدين بالتغيير فيها والتبديل والتحريف، حسبما تُمليه عليهم أهواءهم وشهواتهم وعقولهم الشيطانية الخبيثة.
لذلك: فإن ما بين يدي اليهودية اليوم لا يمكن وصفه بالتوراة، لما قد طرأ عليها من التغيير والتبديل، والتحريف الذي قد أخرجها عن إطارها الربّاني.
وبمشيئة الله تعالى سوف نشير في هذه النقطة إلى موجز مما يدعوا إليه الكتاب الذي بين يدي اليهودية اليوم، وذلك بعدما نالت الأيدي الخفية منه ولوثته، ومن ذلك:
1- الدعوة إلى ذمّ الإله والانتقاص منه.
ولقد تم الإشارة في نقطة سابقة إلى ما قد نسبته اليهودية إلى الله تعالى من صفات ذمّ وانتقاص وعَيْب، والتي لا يمكن للفطر السوية والنفوس الزكية والعقول الراجحة الرشيدة أن تقبلها في حقه جلّ وعلا، ومثال ذلك:
- أنها (اليهودية) قد نسبت إليه جلّ وعلا صفة النوم، ومن ثم عدم العلم، وضياع العدل وانتشار الظلم، وانتفاء الحكمة.
لأن من ينام فإنه يغيب وعيه وإدراكه، ومن ثم يجهل الكثير من مجريات ومحدثات الأمور، ولا يمكنه التمييز بين المظلوم والظالم للفصل بينهم يوم الحساب، ومن ثم ضياع الحقوق.
وإذا كان الأمر كذلك: فما الحكمة إذن من خلق البشرية، ومن خلق الجنة كثواب للمؤمنين الطائعين، ومن خلق النار كعقاب للكافرين والعاصين؟!
ولا شك: أنه إذا ما تمّ نسب مثل تلك الصفة الوضيعة (النوم) لله جل وعلا، كما فعلت اليهودية، فإن ذلك يعني نفي صفة الحكمة عن الله تعالى، ومن المحال في حق الله سبحانه وتعالى أن تنتفي عنه هذه الصفة المجيدة (الحكمة).
إلى غير ذلك من الصفات المذمومة والناقصة والمعيبة المترتبة على مثل تلك الصفة الوضيعة التي قد نسبتها اليهودية إلى الله تعالى، افتراءًا وكذبًا، وبهتانًا وزورًا.
فتعالى الله جلّ وعلا عن ما نسبته إليه اليهودية علوًا كبيرًا
وتبعًا لما أشرنا إليه، فإن نسب صفة النوم إلى الله تعالى يعني ذمّه والانتقاص من قدرته وعظمته، لاحتياجه لمثل تلك الصفة، وذلك كله مُحال في حقه جلّ وعلا.
فالله سبحانه وتعالى هو القدير العظيم، الغني عن ما يحتاج إليه خلقه، فليس كمثله شيء.
ولقد نسبت اليهودية أيضًا إلى الله تعالى صفة الندم، ومن ثم عدم العلم بالغيب وبمحدثات الأمور والجهل بها، ومن ثم ضياع الحكمة والانتقاص من قدرته وعظمته جلّ وعلا.
وذلك لأن من يعلم نجده يتصرف من منطلق علمه، ومن ثم فإنه لا يندم على تصرفه.
فإذا ما نسبت اليهودية صفة الندم إلى الله تعالى، فإن ذلك يعني أنها تقول بأن الإله قد أساء التصرف نتيجة عدم العلم، والجهل بالغيب، وبما ستئول إليه الأمور، ومن ثم الانتقاص من قدرته وعظمته جلّ وعلا، وذلك كله مُحال في حق الله سبحانه وتعالى.
فتعالى الله جل وعلا عن ما نسبته إليه اليهودية من صفات مذمومة معيبة ناقصة، علوًا كبيرا.
ولقد نسبت اليهودية أيضًا إلى الله تعالى صفة التعب، تبعًا لما قد نسبته إليه من استراحة بعد خلق السماوات والأرض، ومن ثم الانتقاص من قدرته وعظمته جلّ وعلا.
وذلك بالتأكيد مُحال في حقّ الله سبحانه وتعالى.
فتعالى الله جلّ وعلا عن ما نسبته إليه اليهودية من مثيل تلك الصفات المذمومة المعيبة الناقصة علوًا كبيرًا.
ولقد نسبت اليهودية إلى الله تعالى صفة العنصرية.
حيث تدّعي اليهودية أن الإله هو إله بني إسرائيل، وأن الربّ هو ربّ بني إسرائيل.
وتدّعي أيضًا أن اليهود هم أبناء الله وأحباؤه.
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا خلق الله تعالى غيرهم (غير اليهود) من الأجناس البشرية الأخرى المختلفة، وما الحكمة إذن من خلقه لعباده من غير اليهود؟!
وإذا كان الأمر كذلك، فأين يكون عدل الله بين عباده؟!
وإذا كان الأمر كذلك، فما بالنا بمن هو من غير اليهود، ولكنه يؤمن بالله تعالى ووحدانيته وعظيم صفاته وطلاقة قدرته، وبأنبيائه وكتبه وتشريعاته، وبالغيبيات الأخرى التي هي شرط في صحة الإيمان، مع تقواه وصلاح أعماله؟!
وما بالنا بمن هو من الجنس اليهودي، ويفتري على الله كذبًا، ولا يؤمن بجميع أنبيائه ورسله، ناسبًا إلى كثير ممن يؤمن بهم الفواحش والرذائل، مع عصيانه وفساد أعماله؟!
هل يستويان مثلا؟!! بالطبع: كلا
كذلك، لا شك أن معتقد اليهودية يتنافى تمامًا مع عدل الله تعالى وحكمته، وسائر صفاته العليّة، ممّا يجعله (معتقد اليهودية) يتنافى أيضًا مع الفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الراجحة الرشيدة.
وغير ذلك الكثير والكثير مما قد نسبته اليهودية إلى الله تعالى من صفات مذمومة معيبة ناقصة، تبعًا لما ينص عليه الكتاب الذي بين يديها اليوم بعد التحريف والتغيير والتبديل والتلويث.
2- الافتراء على أنبياء الله تعالى ورسله:
لقد شوّه الكتاب الذي بين أيدي اليهودية اليوم صورة أنبياء الله تعالى ورسله على الرغم من اختيار الله تعالى واصطفائه لهم برسالاته.
لذا: فإن الطعن في أنبياء الله تعالى ورسله إنما هو طعنٌ في الصفات العليّة لله سبحانه وتعالى.
فالطعن في أنبياء الله تعالى ورسله والافتراء عليهم بأقبح وأحطّ الأعمال، يعني وصف الله تعالى بعدم العلم، وضياع حكمته نتيجة سوء الاختيار لهم، وذلك كله محال في حق الله سبحانه وتعالى.
 ومما نسبته اليهودية إلى أنبياء الله تعالى ورسله، افتراءً عليهم، تبعًا لما ينص عليه كتابها الذي بين يديها اليوم:
أنها قد نسبت إلى نبي الله لوط شرب الخمر، بل إن اليهودية قد تطاولت على نبي الله لوط أكثر وأكثر على الرغم من اعترافها بنبوته، حيث نجد أنها قد نسبت إليه وقوعه في فاحشة الزنا بابنتيه الواحدة تلو الأخرى، بل والإنجاب منهما، وذلك بعد شربه للخمر وفقدانه لعقله.
والتساؤل: فهل يمكن لفطرة سوية وعقل رشيد أن يقبلا أيًّا من تلك الافتراءات في حق نبي قد اصطفاه الله تعالى بالنبوة، ومن ثم تشريفه بها؟! بالطبع: كلا.
ألا يُعدّ ذلك ذمًّا للإله الذي قد اختاره واصطفاه بهذه النبوة الكريمة، من حيث وصفه وقذفه بالجهل وعدم الحكمة وسوء الاختيار ... إلى غير ذلك من صفات معيبة، مُنافية لعظيم صفات الله تعالى وجميل أسماءه؟!!
ألا يُعدّ ذلك دعوة لسوء المعتقد في الله سبحانه وتعالى؟!!
ألا يعد ذلك الذي نسبته اليهودية إلى أنبياء الله تعالى، من وقوع وذللٍ في وحل مثل تلك الفواحش والرذائل، دعوة إلى التيسير والتمهيد والترويج لمثل تلك الفواحش والرذائل المنكرة؟!
بحيث إنه إذا لم يسلم الأنبياء من الوقوع في وحل تلك الفواحش والرذائل المنكرة، فهل يسلم غيرهم ممن لم يختارهم الله تعالى لنبوته ورسالته!
لا شك أنه لا يمكن لفطر نقية ونفوس زكية وعقول راجحة رشيدة أن تقبل مثل تلك الادّعاءات الكاذبة والافتراءات الباطلة.
ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى نبي الله يوسف، أنه كاد أن يقع في رذيلة الزنا هو أيضًا، بعد أن حلّ تكة سراويله لممارسة تلك الرذيلة المنكرة.
ولا شك أن ذلك مُحال في حق أنبياء الله تعالى، الذين قد عصمهم الله تبارك وتعالى من مثل تلك الرذائل والمعاصي.
ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى نبي الله سليمان: أنه كان ملكًا ساحرًا.
ولا شك أن ذلك مُحالٌ في حق أنبياء الله تعالى، الذين قد عصمهم ربهم تبارك وتعالى من مثل تلك الكبائر المهلكة، لأنه بالسحر يصير المرء كافرًا.
فهل يكفر أحد أنبياء الله تعالى بعد الإيمان والاختيار والاصطفاء من الله تعالى، والتشريف له بمنزلة النبوة الكريمة؟!
ونجد أيضًا أن اليهودية قد كذبت بنبوة ورسالة نبي الله المسيح، بل إنها قد نسبت إليه الولادة الغير الشرعية، بعد أن نسبت إلى والدته الزنا والفجور، وذلك على الرغم من تأييد الله تبارك وتعالى له (للمسيح) بمعجزة كلامه في المهد تبرءة له ولأمه من تلك التهمة الرذيلة، وتمهيدًا لنبوته ورسالته فيما بعد، إضافة إلى الكثير من المعجزات التي أجراها الله تعالى على يديه تأييدًا لنبوته ورسالته.
ونجد أيضًا، أن اليهودية قد كذبت بنبوة ورسالة النبي محمد ، ونسبت إليه الكذب وادّعاء النبوة، وذلك على الرغم من شهادة الجميع له  بالصدق والأمانة، وعلى الرغم من تأييد الله تبارك وتعالى له بالكثير والكثير من المعجزات والخوارق التي قد أجراها الله تعالى على يديه تأييدًا لنبوته ورسالته، بل وعلى الرغم من مجيئه  بالمعجزة الكبرى الباقية، وهي القرآن الكريم، الذي قد تحدى الجميع من بلغاء وعلماء إلى قيام الساعة في أن يأتوا ولو بسورة من مثله، بل وأشار إلى حقائق علمية في شتى المجالات، لم يكن لأحد أدنى معرفة بها منذ أكثر من 1400 عام، والتي لم تُكتشف إلا في هذا العصر الحديث بعد تقدم الوسائل التكنولوجية، لتكون شاهدة على أنه كلام الله تبارك وتعالى، الذي قد أوحاه إلى النبي محمد ، خاتمًا به الرسل والرسالات.
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير مما يعجّ به الكتاب الذي بين يدي اليهودية اليوم، من افتراءات وأكاذيب على أنبياء الله ورسله.
3- الدعوة إلى القتل وعدم الرحمة، من خلال المذبح والإبادات الجماعية
حيث إننا نجد أن الكتاب الذي بين يدي اليهودية يدعوا إلى ذلك القتل وتلك المذابح والإبادات الجماعية لمن كان من غير اليهود، من الأجناس الأخرى المختلفة، من خلال الاقتداء بأفعال أنبياء بني إسرائيل (الوارد ذكرهم في صفحاته) وذلك أثناء فتوحاتهم، بغير الجنس اليهودي من مجازر ومذابح وإبادات جماعية دون تفريق بين رضيع وصغير وكبير، ودون تمييز بين رجل أو امرأة وشيخ كبير، ينص عليها الكتاب الذي بين يديها.
وهذا هو ما نجده من تلك المنظمة الصهيونية المُحتلّة للأراضي الفلسطينية اليوم من اعتداءات وإبادات جماعية تجاه سكانها، لأنهم من غير الجنس اليهودي.
حيث تزعم اليهودية بأن الجنس اليهودي هو خير الأجناس، بل وتسعى جاهدة لترسيخ مثل تلك العنصرية المقيتة في الأذهان الإسرائيلية اليهودية منذ الصغر ومنذ النشأة المبكرة.
وبمشيئة الله تعالى سوف نذكر بعض من تلك الفقرات التي ينص عليها الكتاب الذي بين يدي اليهودية في نقاط لاحقة، خاصة بما يدعوا إليه الكتاب المقدس للنصرانية، وذلك حتى لا نلجأ للتكرار، حيث إن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن ذلك الكتاب الذي بين يدي اليهود تحت ما يُسمّى بالعهد القديم، وذلك مع عدم تركيز النصرانية عليه لما يتضمنه من أجزاء أخرى تحت مُسمّى العهد الجديد.
فالدعوى إلى القتل وعدم الرحمة إنما هي محض افتراء من اليهودية على الله تعالى، نابع من تلك العنصرية المقيتة التي تدعوا إليها، من خلال الكتاب الذي بين يديها، والذي يقوم بترسيخها في الأذهان منذ الطفولة والنشأة المبكرة.

4- الدعوة إلى الزنا والاغتصاب والاعتداء
حيث إن المتصفح لكتاب اليهودية يفاجئ بل يُصعق بذلك الكمّ الضخم الهائل من حالات الزنا والاغتصاب والاعتداء المذكورة فيه، لا سيما زنا المحارم، مع وصف دقيق لتلك المشاهدة المتدنية من الزنا جزءً بجزء، ابتداءً من أول الحدث إلى نهايته، وكأنها دورات تدريبية متخصصة في كيفية ممارسة أحطّ أنواع الجنس، وما نسطره ليس بالكلام المبالغ فيه، بل إنه قليل من كثير، وكتابها (كتاب اليهودية) برهان ذلك.
ومن النماذج التي توضح ما ذكرنا ما جاء بـ (سفر التكوين، إصحاح 38).
بل إننا نجد أيضًا أن كتاب اليهودية يتضمن قصصًا للعاهرات (الزواني)، مع وصف فاضح لعُهرهن، وتصوير دقيق لتلك المشاهد القذرة من الزنا، ولولا التعفّف لسطرنا تلك النصوص الواردة في كتاب اليهودية لبيان مضمونها ومحتوياتها.
فقراءة مثل تلك الأنواع من القصص الفاحشة التي يذكرها كتاب اليهودية، تفتح الباب المغلق لممارسة مثل تلك الأنواع القذرة من الرذائل والفواحش، لما فيها من إثارة للغرائز الجنسية بشكل كبير، ولما لها من دور أساسي في تشكيل نوع العقلية للقارئ لها، حيث إن من يقرأ عن الجنس والإباحية ويتعوّد ذهنه على مثل ذلك، فإنه لا يلبث إلا وتتصعد معه الأمور، وتنحل القيم، ثم يجد نفسه منغمسًا في ذلك الوحل.
وذلك، لأن من يقرأ موادًا فاسدة، فإنه بالتبعية يصير العقل فاسدًا تمامًا، كالحيوان الذي يأكل الخبائث والقاذورات (كالخنزير) فإن لحمه يصير خبيثًا قذرًا.
ومن المُحال في حق الله تعالى أن ننسب إليه مثل ذلك الذي ينص عليه كتاب اليهودية، من دعوة إلى الزنا والاغتصاب والاعتداء، عن طريق الإثارة للغرائز الجنسية من خلال تلك الأنواع المختلفة من القصص الفاحشة التي ينص عليها.
وذلك الذي أشرنا إليه هو سِرّ تزعّم المنظمات اليهودية لترويج مثل تلك المشاهد والأفلام الإباحية في العالم أجمع، من خلال العقلية التي قد تشكلت تبعًا لما ينص عليه كتابهم، ويُروّج له.
وبمشيئة الله تعالى، سوف نذكر بعض من مواضع تلك الفقرات التي ينص عليها كتاب اليهودية أيضًا في نقطة لاحقة خاصة بما يدعوا إليه الكتاب المقدس للنصرانية، وذلك حتى لا نلجأ للتكرار لأنه كما أوضحنا فإن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن كتاب اليهودية بمحتوياته تحت ما يُسمّى بالعهد القديم.
5- بعض من الدعاوى التي تَزعمها اليهودية بالمرأة
ومن ذلك:
أ- الزعم بأن المرأة إذا حاضت، فإنها تكون نجسة، ليس ذلك فحسب، ولكن كل شيء تمسّه، بل ومع تطهيره لا يطهر إلا بغروب الشمس، كما جاء في (سفر اللاويين إصحاح 15).
ولا شك أن ذلك الذي ينص عليه كتاب اليهودية ليس بصحيح، وأنه محض افتراء، لأنه لا يكون نجسًا إلا موضع الحيض فقط، وبإزالة الحيض لا تكون هناك نجاسة.
ب- الزعم بأن المرأة إذا ولدت ذكرًا تكون نجسة لمدة أسبوع، وإذا ولدت أنثى تكون نجسة لمدة إسبوعين، كما جاء في (سفر اللاويين إصحاح 12 عدد 1).
ولا شك أن ذلك محض افتراء على المرأة، لأن ذلك الذي ينص عليه كتاب اليهودية ليس بصحيح، غير أنه لا يوجد فرق في ذلك الأمر بين ولادة الذكر وولادة الأنثى.
ج- تحريم الزواج من الأرملة والمطلقة، كما جاء في سفر (اللاويين إصحاح 21، عدد 14).
ولا شك أن ذلك الذي ينص عليه كتاب اليهودية ليس بصحيح، وأنه محض افتراء.
وننوه إلى:
أنه إذا ما ذُكر كلام مطابق لما ذكرنا في هذه النقطة، بجزئية أخرى تحت عنوان – إلى أي شيء يدعو الكتاب المقدس للنصرانية – فإن ذلك لا يعني التضارب والاختلاف في تبويب ما ذكرنا.
حيث إن السبب في ذلك هو ما نكرره ونؤكده للإيضاح والبيان وعدم الالتباس، من أن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن كتاب كتاب اليهودية تحت مُسمّى العهد القديم.
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير مما يعجُّ به كتاب اليهودية من دعوة إلى ما يتنافى تمامًا مع الفطر السوية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة، ولكن نكتفي بموجز ما أشرنا إليه، للانتقال إلى نقطة أخرى.

فقدان مصداقية كتاب اليهودية
لقد أوضحنا في السابق أن التوراة التي أنزلها الله تعالى على نبيه موسى عليه السلام قد أصابها التغيير والتبديل والتحريف، بعدما نالت منها الأيدي الخفيّة ذات المصالح والمطامع والانقياد تبعًا للأهواء والشهوات.
لذلك، فإن ما بأيدي اليهودية ليست أبدًا بالتوارة التي قد جاء بها نبي الله موسى عليه السلام.
وقد أوضحنا في السابق ما يبرهن على فقدان مصداقية الكتاب الذي بين يدي اليهودية اليوم في عدة نقاط، حيث يتبيّن منها:
 فساد المعتقد في ذات الله تعالى وفي صفاته وأفعاله، والافتراءات الكاذبة المنسوبة إليه.
 الافتراءات الشنيعة على أنبياء الله تعالى ورسله، ورميهم بأقبح وأحطّ الافعال والرذائل، على الرغم من الاعتقاد بنبواتهم ورسالاتهم، كالادعاء بأن هارون النبي قد بنى معبدًا للعجل، وعبده وأمر بني إسرائيل بعبادته، كما هو مُصرّح به في (سفر الخروج، باب 132).
 والزعم بأن سليمان النبي قد ارتدّ في آخر عمره، وكان يعبد الأصنام بعد الارتداد، وأنه قد قام ببناء المعابد لها، وغير ذلك، ومن ثم القدح في الصفات العليّة لله سبحانه وتعالى، والافتراء عليه جلّ وعلا بسوء الاختيار لأنبياءه ورسله، والجهل بما سوف يصدر منهم من مثيل تلك الأفعال المنكرة القبيحة، ومن ثم الجهل بالغيب.
 التكذيب (من اليهود) ومحاولات القتل لكثير من الأنبياء والمرسلين، والنجاح في كثير من تلك المحاولات المنكرة.
 الدعوة السيئة إلى القتل والمذابح والإبادات الجماعية لغير الجنس اليهودي، اقتداءً بما نسبوه كذبًا إلى أنبياءهم عند فتحهم لمدن ذات سكان غير يهوديين، وذلك نتيجة العنصرية التي يعتقدون بها، ويقومون بترسيخها في الأذهان، من تفضيل للجنس اليهودي على غيره من الأجناس البشرية الأخرى.
 الدعوة إلى الاعتداء والاغتصاب والزنا من خلال افتراء الكثير من القصص الفاحشة، وضمّها إلى محتوياته (كتاب اليهودية)، لقراءتها وإثارة الغرائز الجنسية من خلالها.
وإضافة إلى ما سبق كبرهان على فقدان كتاب اليهودية لمصداقيته:
1- أنه لا يوجد سند متصل لأي من مكوناته (أسفاره).
حيث إنه من اللازم لكون الكتاب سماويًا واجب التسليم به، أن يثبت أولًا بدليل أن هذا الكتاب كُتب بواسطة النبي الفلاني، ثم وصل بعد ذلك بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل( ).
والاستناد إلى شخص بمجرد الظن لا يكفي في إثبات أنه كتاب سماوي( )، ومن ثم فقدان مصداقيته.
2- ومما يبرهن على أن التوراة المشهورة الآن، ليست بالتوراة التي جاء بها نبي الله موسى عليه السلام، ومن ثم فقدانها للمصداقية:
أن الحديث عن نبي الله موسى، نجده يأتي بصفة الغائب، ومثال ذلك:
أن بالتوراة التي بين أيدي اليهودية اليوم، تظهر عبارات: قال الربّ لموسى، قال موسى للربّ .... هكذا.
أي أن الله تعالى ليس هو المحدث، وكذلك نبي الله موسى عليه السلام ليس هو المتحدث، وإنما المتحدث شخص آخر، هو من كتب ذلك، ويتحدث عمّا قال الربّ لموسى، وعما قاله موسى للربّ.
فنبي الله موسى لم يكتب مثل تلك الكلمات، لأنه لو كان هو الكاتب لها لقال: قال الربّ لي وأنا قلت للربّ( ).
مما يبرهن على أن ما بأيدي اليهودية اليوم ليس أبدًا بكلام الله تعالى، حيث إن ما بين يديها (اليهودية) اليوم ليست بالتوراة التي جاء بها نبي الله موسى عليه السلام.
ومما يؤكد ذلك:
أننا نجد، أن الإخبار بنبأ موت نبي الله موسى عليه السلام يأتي بصيغة الماضي ... كما في (سفر التثنية، الإصحاح الأخير).
فهل يُعقل أن يكتب نبي الله موسى عليه السلام تفاصيل موته وغيرها بصيغة الماضي؟!
بالطبع: لا، لأنه لو كان الأمر كذلك (أن يخبر موسى بتفاصيل موته)، لجاء الكلام بصيغة المستقبل (سوف) لأنه لم يكن قد مات بعد.
ففي أكثر من 700 جملة من الكتاب الذي بين أيدي اليهودية، يتبيَّن أن الله تعالى لم يكن هو كاتبها، وأن كاتبها ليس بنبي الله موسى عليه السلام، ومن ثم فإن كاتبها إنما هو مجهول.
ونختم هذه النقطة بما يشهد به المدققون، الذين هم من أبرز علماء المسيحية، والتي يتضمن كتابها (الكتاب المقدس للنصرانية) محتويات كتاب اليهودية تحت مُسمّى العهد القديم، حيث يقولون في شأن أسفار (التكوين – الخروج – اللاويين – العدد – التثنية) والتي يُفترض أنها من كتب موسى، الآتي:
وهو، أن موسى عليه السلام لم يكتب هذه الأسفار، وإنه ليس بمؤلفها.
فمؤلف سفر التكوين، الذي هو من أول أسفار موسى (لدى اليهودية) مكتوب بين قوسين، وهكذا.
والتساؤل: لماذا بين قوسين؟!!
الجواب: لأنه إشارة إلى عدم كتابة نبي الله موسى لها.
3- وايضًا، نجد أن توراة اليهودية التي بين يدَيها الآن، مليئة بالأخطاء والتناقضات والتحريفات البينة وبمشيئة الله تعالى سوف نشير إلى جزء منها عند الحديث عن الكتاب المقدس للنصرانية، نظرًا لتضمنه لها، واحتواءه عليها، تحت مسمّى العهد القديم، وذلك حتى لا نلجأ إلى التكرار.
وبالإشارة إلى أحد نماذج تلك الاختلافات والتناقضات والتحريف البيّن، نوضح:
أن اليهودية تزعم بغير وجه حق أن إسحاق هو من قُدِّم للتضحية والذبح، عندما أمر الله تعالى نبيه إبراهيم بذبح ابنه في رؤيا له، كاختبار منه سبحانه وتعالى لنبيه إبراهيم، من حيث الانقياد والاستجابة لأوامره، والتنفيذ لها.
فاليهودية تزعم، أن كتابها يقول:
«وامتحن الله إبراهيم، فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب به إلى أرض المريا، فأخذ إبراهيم بيده النار والسكين، ونظر وإذا الكبش وراءه» (سفر التكوين، الإصحاح 22، عدد 2).
ولعلنا نلحظ أن الفقرة السابقة من سفر التكوين قد جاء بها كلمة (وحيدك).
وبالمقارنة مع نصين آخرين من كتاب اليهودية، إحداهما يقول: «فولدت هاجر إسماعيل وكان عمر إبراهيم آنذاك ستًا وثمانين سنة» (سفر التكوين إصحاح 16 عدد 15).
والنص الآخر يقول: «وكان عمر إبراهيم مائة سنة حين ولد إسحاق ولده»
(سفر التكوين إصحاح 21 عدد 5)
ومن هذين النصين الآخرين، يتضح أن إسماعيل قد وُلِد قبل إسحاق بـ 14 سنة.
ومن ثم فإن إسماعيل هو من ينطبق عليه لفظة (وحيدك)، لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن له ابن سواه إلا بعد 14 سنة من ولادة هاجر لابنها إسماعيل.
أما إسحاق، فلا يمكن أن ينطبق عليه لفظة «وحيدك»، لأنه عندما وُلِد كان لإبراهيم ابن منذ 14 سنة، وهو إسماعيل.
ويُدعّم ذلك ويؤكده: أن كتاب اليهودية ينصّ على أن الولد البكر هو الذي يُقدم للذبح.
وأن النص الذي بكتاب اليهودية قد أفاد بأن الحادثة (قصة الذبح) وقعت عند أرض المريا، وهي في بئر سبع، وهي المنطقة التي عاش فيها إسماعيل مع أمه.
ومما سبق يتبيّن لنا: أن كلمة (إسحاق) في النص الأول المذكور آنفًا في (سفر التكوين إصحاح 22 عدد 2)، ما هو إلا حشوٌ زائد وإقحام بيِّن، ومن ثم يتبيَّن لنا مدى التناقض والتحريف الذي قد نال من كتاب اليهودية، تبعًا للعنصرية المقيتة التي تعمل (اليهودية) على ترسيخها.
ويقول المسيحيون القدماء، بأن اليهود قد حرّفوا التوراة لتصير الترجمة اليونانية غير معتبرة، ولعناد المسيحية.
ومن قليل ما أشرنا إليه بتبيّن لنا بالأدلّة الدامغة والبراهين القاطعة، أن ما بأيدي اليهودية الآن ليست بالتوراة التي قد جاء بها موسى عليه السلام، لِمَا أصابها من التغيير والتبديل، والتحريف والتلويث، من قِبَل الأيدي الخفيَّة ذات المصالح والمطامع، والانقياد تبعًا للأهواء والشهوات.

مما قد حُفظ من التوراة مضمونًا،
إيذانًا بالرسالة الجديدة، العالمية الخاتمة
لقد جاءت التوراة مُخبرة بنبي آخر الزمان محمد ، الذي سوف تُختم به جميع الرسالات، وقد كان اليهود ينتظرونه تبعًا لعلمهم بمجيئه من كتابهم (التوراة)، وهذا هو سرّ وجود اليهود بالمدينة، مهجر النبي محمد .
ولكن اليهود كانوا ينتظرون خروج هذا النبي المُبشّر به منهم (اليهود)، كغيره من الأنبياء الكثيرين الذين كان خروجهم من بني إسرائيل (اليهود)، ولم يكن بخاطرهم أن خروج هذا النبيّ الخاتم سوف يكون من غيرهم، وهم العرب، والتاريخ نفسه شاهد على ما نقول:
حيث إن اليهود كانوا يتوعّدون العرب بالمدينة، بخروج هذا النبي (نبي آخر الزمان محمد ) الذي ينتظرونه، وقتالهم (اليهود) معه ضدهم (ضد العرب).
فلما كان من مفاجئتهم بخروج هذا النبي الذي ينتظرونه من غيرهم، بل من العرب الذين كانوا (اليهود) يتوعّدونهم بقتالهم معه (النبي الذي ينتظرونه)، اشتدّ ذلك عليهم، وجحدوا نبوته ورسالته، ومن ثم رفضوا اتّباعه، بل خطّطوا مرارًا وتكرارًا لإفساد دعوته، ولصد الناس عنه، بل وقتله، ولكن الله تعالى هو غالب على أمره، وهو مُتمّ نوره ولو كره الكافرون.
وهذا هو سِرّ إيمان أهل المدينة بالنبي محمد ، لما علموا من اليهود أنفسهم الذين كانوا يُخبرون عنه، ويتوعدونهم بقتالهم معه، لا سيما وأنهم (اليهود) أهل كتاب (التوراة).
فاليهود كانوا ينتظرون إنجاز تحقيق 3 نبوءات، وهي:
مجيء النبي يحيى عليه السلام، ومجيء نبي الله المسيح عليه السلام، ومجيء النبي المنتظر بعثتة من بعدهما ولكن اليهود كشأنهم دائمًا في قتل الأنبياء، قاموا بقتل يحيى عليه السلام بعد مجيئه، ولم يؤمنوا بالمسيح عليه السلام، بل حاولوا قتله، وأيضًا لم يؤمنوا بالنبي المنتظر بعثته من بعدهما، وهو النبي محمد ، وحاولوا قتله.
وبمشيئة الله تعالى سوف نذكر بعضًا مما قد حُفظ بكتبهم مضمونًا، إخبارًا بهذا النبي الخاتم محمد ، إيذانًا برسالته العالمية الخاتمة، ومن ذلك:
أولاً: ما يقرأ بلغتهم (العبرية) على النحو التالي:
«ما تَعسو ليوم موعيد وليوم حج يهوه؟
كي هيني هالخو مشّود: مصرايم تقبّصِم، موف تقبرم، مَحْمد لخسبام، قموش ييراشم، حوح بأهليهم» (هوشع 9: 5 – 7).
ونشير بإيجاز إلى التفسير الصحيح لذلك النص على النحو الآتي:
فقول النص: «ما تعسو ليوم موعيد وليوم حج يهوه؟» يعني: ما أنتم عاملون ليوم الميعاد؟، حيث إن النص العبراني يقول: (ل – يوم)، ومعناها (ليوم).
وأما قول النصّ: «كي هيني هالخو مشّود: مصرايم تقبّصِم، موف تقبرم» فيعني: أن هؤلاء – الذين هم بنو إسرائيل – نجوا من البلاء الذي كان على يد فرعون وقومه، وأن مصر تأسرهم، ومنف – وهي مدينة مصرية قديمة – تقبرهم أو تدفنهم.
وأما قول النصّ «مَحْمَد لخسبام». وهو ما نودّ إلقاء الضوء عليه، فيعني: أن النبي محمد  سيتولّى تأديبهم (أي سيتولّى تأديب بني إسرائيل) في أموالهم.
وقد حصل ذلك بالفعل، عندما أجْلَى النبي محمد  يهود بني النضير إلى أعالى الشام وإلى خيبر.
ويُدَلّل على ذلك:
أ- أن قول النصّ «مَحْمد لخسبام»: إنما هو عبارة وجيزة مستأنفة، معناها الحرفي (مُحمّد لمالهم)، فـ (محمّد) اسم علم يشير إلى النبي محمد ، وليست صفة.
ب- أن «مَحْمد لخسبام» جملة مستقلة عن التي بعدها، لأنه إذا تُرجم النصّ حرفيًّا على أساس أن قوله «مَحمد لخسبام» مرتبطة بما يليه «قموش ييراشم» لصار ضمير الجمع يعود على المفرد، وهو ما لا يستقيم في اللغة العبرية.
جـ- أن (فيلهلم جسنيوس) في كتابه (نحو اللغة العبرانية) أورد أن تكون العبارة في أصلها «مَحمدي خسبام».
د- أن النصّ العبري ظلّ أكثر من ألف عام مُجرّدًا عن الحركات، إلى أن اضافها علماء اليهود وفق اجتهادهم، فأصابوا بعضًا، وأخطئوا وحرّفوا بعضًا.
فكلمة (مَحْمد) قبل التحريف كانت (محمد) دون حركات، وهذا ما يُجمع عليه علماء اليهود.
لذلك، فإنه لم يبق إلا الإذعان بأن (محمد) علمٌ يقصد به النبي محمد ( ).
وننوّه إلى:
أنه قد وردت كلمة (محمديم) أيضًا، ونهاية الكلمة (يم) للاحترام والتفخيم والعظمة، وبإزالة الزيادة يكون الاسم الوارد ذكره هو: محمد.
ثانيًا: لقد جاء بالتوراة التي بين أيدي اليهود اليوم، أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام: «أقيم لهم نبيّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به».
(سفر الإشتراع 18 : 18).
فهذا النص من النصوص القاطعة أيضًا لدى اليهود، على أن النبي الذي سوف يخرج في آخر الزمان ليس من بني إسرائيل، ولكنه من إخوة بني إسرائيل، وهم بنو إسماعيل.
ونُبيّن ذلك، بأن: إخوة بني إسرائيل إما العرب وإما الروم.
والعرب هم بنو إسماعيل عليه السلام، وإسماعيل عليه السلام هو أخو إسحاق عليه السلام والد يعقوب (إسرائيل عليه السلام).
والروم هم بنو العيص، ولم يقم من الروم سوى نبي واحد, وهو أيوب عليه السلام، وكان قبل نبي الله موسى عليه السلام، فلا يجوز إذن أن يكون هو الذي بشَّرت به التوراة.
لذلك، فإن النبي المُبشّر به في التوراة يكون من العرب (الذين هم بنو إسماعيل)، حيث لم يبقَ غيرهم، وهم إخوة لبني إسرائيل.
ولو كان النبي المُبشّر به من بني إسرائيل، لكان من الممكن أن يقول الله لهم (أقيم نبيًّا منكم)، ولكنه عز وجل قال: «أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم».
وإذا زعم قائل أن النبي المُبشّر به هو يوشع بن نون، يُرَدّ عليه بـ:
أن الله تعالى قال لموسى: «أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مِثلك» ومعلوم أن يوشع بن نون كان نبيًّا من أنبياء بني إسرائيل، ولكن النبي المُبشّر به إنما هو من إخوة بني إسرائيل وليس منهم.
وكما أشرنا، فإنه لو كان النبي المُبشّر به من بني إسرائيل لكان من الممكن أن يقول الله لهم: (أقيم نبيًّا منكم)، وذلك لأن أسباط بني إسرائيل الاثنى عشر كانوا موجودين مع موسى عليه السلام، لذلك فإن المراد من «إخوتهم» هم أولاد إسماعيل عليه السلام، وها هو ما يقبله العقل السليم الصريح.
وقد نصَّت التوراة على: أن إسحاق عليه السلام وأبناءه (الذين هم بنو إسرائيل) هم إخوة لإسماعيل عليه السلام، كما جاء في سفر التكوين (16/12): «وأمام إخوته يسكن» ويؤكد ما ذكرنا، قول الله تعالى لموسى عليه السلام «مثلك».
ومعلوم، أنه لا يقوم من بني إسرائيل نبي مثل موسى عليه السلام، لِما أخبرت التوراة بذلك، يعني: أنه يقوم نبي مثل موسى عليه السلام، ولكنّه ليس من بني إسرائيل.
وبما أن يوشع بن نون هو من أنبياء بني إسرائيل، فإنه ليس النبي المُبشّر به.
وكذلك إذا ما زعمت النصرانية بأن المسيح عليه السلام مثل موسى عليه السلام، فإن ذلك الزعم ليس بصحيح على الإطلاق، وذلك لأن المسيح عيسى عليه السلام ليس مثل موسى عليه السلام، ونُدَلّل على ذلك بالآتي:
أ- أن نبي الله موسى عليه السلام قد جاء بشريعة تامّة، وأما المسيح عيسى عليه السلام فلم يأت بشريعة جديدة، حيث قال: «ما جئت لأنقض، بل لأكمل» (إنجيل متى 5 : 17).
ب- أن مكانة المسيح في النصرانية غير مكانة موسى، لأنه وفقًا لاعتقادها: فإن المسيح إله (حسب زعمها) ولكن موسى ليس بإله، ومن ثم فإم المسيح لا يشبه موسى( ).
ج- أن النصرانية تعتقد أن المسيح صُلب ومات مفتديًا خطايا العالم، ولكن موسى لم يمت مفتديًا خطايا العالم( ).
د- أن النصرانية تعتقد أن المسيح مكث في قبره ثلاثة أيام، ولكن موسى لم يفعل ذلك( ).
لذلك، فإن المسيح عيسى عليه السلام لا يشبه موسى عليه السلام.
إذن فليس المسيح هو النبي الذي بَشّرت به التوراة، ومن ثم يتبيّن بطلان ذلك الادّعاء الذي تزعمه النصرانية.
والحق القاطع: أن المماثلة بين محمد  وبين موسى عليه السلام واضحة جليّة، كرؤية الشمس في وضح النهار، ونُدلّل ذلك على النحو الآتي:
1- أن كلًا من نبي الله موسى ونبي الله محمد قد وُلِد ولادة عادية، أي من أب وأمّ، ولكن المسيح قد وُلِد من أم فقط.
2- أن كلا من نبي الله موسى ونبي الله محمد قد تزوج وأنجب أطفالًا، ولكن المسيح بقي أعذبًا.
3- أن نبي الله موسى ونبي الله محمد قد تقبلهما قومهما كأنبياء خلال حياتهما، وذلك بعدما واجه كلا منها المتاعب والمشاقّ من أجل نشر دعوته ورسالته، ولكن الأمر على عكس ذلك بالنسبة للمسيح، وذلك وفقًا لما جاء في كتاب النصرانية (بإنجيل يوحنا 1:1) حيث يقول: «إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله».
4- أن كلا من نبي الله موسى ونبي الله محمد قد هاجر من وجه أعداءه، فمحمد  هاجر إلى المدينة، وموسى عليه السلام هاجر إلى مدين.
5- أن كلتا المدينتين اللتين هاجر إليهما نبي الله موسى عليه السلام ونبي الله محمد ، بينهما توافق في اسم كل منهما، فبين (مدين) و(المدينة) توافق.
6- أن كلا من نبي الله موسى عليه السلام ونبي الله محمد  حارب أعداءه، وظفر بنصر الله
عز وجل.
7- أنّ الله عز وجل مَكّن لموسى عليه السلام أن يحكم بين الناس بحكمه جل وعلا، وكذلك فقد مَكّن الله عز وجل لنبيه محمد  أن يحكم بين الناس بكتابه (القرآن الكريم) جل وعلا.
8- أن كلا من نبي الله موسى عليه السلام ونبي الله محمد  قد جاء بشريعة جديدة تامة، ولكن المسيح عليه السلام لم يأت بشريعة جديدة تامّة، ويتبيّن ذلك مما جاء بكتاب النصرانية، وهو قوله: «ما جئت لأنقض بل لأكمل» (متى 5: 17).
9- أن كلا من نبي الله موسى عليه السلام، ونبي الله محمد  قد توفّى وفاة بعيدة عن الصلب الذي تزعمه النصرانية بالنسبة للمسيح.
10- أن كلا من نبي الله موسى عليه السلام، ونبي الله محمد  مدفون في الأرض، ولكن المسيح فإنه حسب زعم النصرانية يبقى في السماء.
ولما أوضحناه، يتبين أن كلمة «مثلك» التي جاءت بنص التوراة، تنطبق على نبي الله محمد ، لا غيره.
ولذا، فإن النبي محمد  هو من كان مثل نبي الله موسى عليه السلام.
ثالثًا: ولقد جاء في التوراة ما يلي:
«جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من ساعير، وتلألأ من جبل فاران» (سفر التثنية 33: 2).
وننوّه إلى: أن الترجمة العربية قد أسقطت بعد عبارة «وتلألأ من جبل فاران» عبارة «ومعه عشرة آلاف قديس»، وهو التعبير الذي يُقابل قول النسخة الإنجليزية من الإنجيل ما يلي: (And he came with ten thousand saints)
وذلك حتى لا تشير الفقرة السابقة إلى فتح مكة على يد النبي محمد ، حيث إنه من المعلوم أن جبل فاران إنما هو بمكة، ومكّة هي مهد رسالة الإسلام التي جاء بها النبي محمد . ولقد هاجر النبي محمد  من مكّة إلى المدينة بعد التعذيب الشديد من كفّار مكة للمسلمين، ثم رجع النبي محمد  إلى مكة مرة أخرى، فاتحًا لها ومعه عشرة آلاف صحابي جليل، هم من خيرة أصحابه ، وهذا هو ما تعنيه العبارة التي أسقطها مُترجم الإنجيل إلى اللغة العربية، وذلك حتى لا تشير بجلاء ووضوح إلى النبي محمد  وأصحابه الكرام( ).
ولفهم النصّ السابق من التوراة، نوضح أن:
ساعير: هو اسم جبل في فلسطين.
وجبال فاران: هي جبال بمكة المكرمة، التي هاجر إليها إسماعيل عليه السلام مع أمّه السيدة هاجر.
ومما يؤكد أن جبال فاران هي جبال مكة، ما نصت عليه التوراة «وأقام إسماعيل في برية فاران» (سفر التكوين 21: 21).
وفي ترجمة التوراة السامرية التي صدرت 1851: «أن إسماعيل سكن برية فاران بالحجاز»، وهذا يؤكد أن جبال فاران هي جبال مكة المكرّمة.
ويؤكد ذلك أيضًا من كتبهم (اليهودية، والنصرانية)، ما جاء في (سفر التكوين 21: 14 – 21): «وعاد إبراهيم فأخذ الغلام وأخذ خبزًا وسقاءً من ماء ودفعه إلى هاجر وحمله عليها، وقال لها: اذهبي، فانطلقت هاجر، ونفذ الماء الذي كان معها، فطرحت الغلام تحت الشجرة وجلست مقابلته على مقدار رمية الحجر لئلا تبصر الغلام حين يموت،، ورفعت صوتها بالبكاء، وسمع الله صوت الغلام حيث هو، فقال لها الملك: قومي فاحملي الغلام، وشدّي يدك به، فإنه جاعله لأمة عظيمة، وفتح الله عينها فبصرت ببئر ماء، فسقت الغلام، وملأت سقاها، كان الله مع الغلام فتربّى وسكن برية فاران» (سفر التكوين 21: 14 – 21).
فبما أن الغلام هو: إسماعيل عليه السلام، والبئر هي: بئر زمزم.
إذن: فإن برية فاران هي التي بمكة المكرمة، وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه، ولا بديل له.

ونعود إلى ما جاء في (سفر التثنية 33: 2) في أول هذه النقطة، حيث:
إن النصّ الذي نقلناه من سفر التثنية يُشبّه نبوة موسى عليه السلام بمجئ الصبح «جاء الرب من سيناء».
ويُشبّه نبوة المسيح عيسى عليه السلام بإشراق الصبح «وأشرق لهم من ساعير».
ويُشبّه نبوة محمد  باستعلاء الشمس، وتلألؤ ضوءها في الآفاق، فهو  خاتم الأنبياء والمرسلين، فلا نبي ولا رسول بعده  «وتلألأ من جبل فاران».
ومثل ما نقلناه من سفر التثنية، أشار إليه القرآن الكريم، في قول الله تعالى:
﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [سورة التين: 1 – 3].
حيث إن:
(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ): إشارة إلى منبتهما، وهي الأرض التي ظهر فيها المسيح عليه السلام.
(وَطُورِ سِينِينَ): إشارة إلى المكان الذي كان فيه نبوة موسى عليه السلام.
(وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ): إشارة إلى المكان الذي بُعث فيه محمد  (وهو مكة المكرمة)، ومن قبله إسماعيل عليه السلام.
رابعًا: ولقد جاء بكتاب اليهودية وصف ونعت لهذا الرسول الخاتم محمد ، حيث جاء في (سفر إشعيا 29: 12):
«يُدفع الكتاب إلى من لا يعرف الكتابة، فيقال له: اقرأ هذا، فيقول: لا أعرف الكتابة».
فمن يكون هذا النبي الأمّيّ؟!
لا شك، أنه هو النبي محمد ، حيث إنه كما هو معلوم، كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب. فكانت أمّيّة رسول الله  شاهدة بنبوته وصدق رسالته، فهو  الأمِّيّ الذي علّم البشرية كلها متعلمها وجاهلها.
فهو  الذي علم البشرية قاطبة معنى التوحيد، والعبادة الخالصة لله عز وجل.
وهو  من جاء بهذا الشرع القويم، والتعاليم السامية، والأخلاق الرفيعة، والمعاملات الكريمة.

خامسًا: ولقد جاء في التوراة أن الله قال لموسى:
«فأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به» (سفر التثنية 18: 18).
حيث تنطبق هذه البشارة على النبي محمد ، ويدلِّل على هذا:
أن النبي محمد  كان يبتدأ تلاوته للقرآن الكريم بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم، وهي مُفتتح سور القرآن الكريم عدا سورة (التوبة).
والمسلمون يقرأون في مُفتتح سور القرآن الكريم (كلام الله تعالى): بسم الله الرحمن الرحيم، ومنها نتعرف على بعض أسماء الله تعالى وصفاته الحسنى.
سادسًا: ولقد نصّ أيضًا (سِفر الاستثناء) على وصف لقوم النبي محمد ، الذي أُرسل إليهم، حيث جاء به:
«هم أغاروني بما ليس بإله، وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة، وأنا أيضًا أغيرهم بما ليس شعبًا، وبشعب جاهل أغضبهم» (إصحاح 32، سفر الاستثناء 11).
ولا شك، أن هذا الوصف هو وصف لقوم النبي محمد  قطعًا، حيث إنهم لم يكونوا شعبًا، بل كانوا قبائل متناحرة متفرقّة، بغير ملك أو سلطان أو رئيس ...، إضافة إلى أنهم كانوا جاهلين بالقراءة والكتابة سوى القليل.
ولكن بعد مجيء النبي محمد  صاروا إخوانًا متحابّين، متكاتفين، وأصبحت لهم دولة عظيمة، وهي دولة الإسلام، قائدها وحاكمها هو النبي محمد ، وقد ذلّت لها أعظم إمبراطوريتين آنذاك (الفرس والروم)، وتقدّمت في شتى مجالات العلوم آنذاك، وقت تمسكها بهدي نبيها محمد  وبما حثّ عليه.
وقد حاول بعض علماء اليهود كذبًا أن ينسبوا تلك الجاهلية إلى الشعب اليوناني، من أجل أن يصرفوا ما يشير إليه ذلك النصّ السابق من وصف للعرب في جاهليتهم، ومن ثم صَرْف البشارات بالنبي المنتظر بعثته في آخر الزمان، والتي جاءت بكتبهم إلى غير النبي محمد ، ولكنهم خابوا في ذلك وفشلوا، لأن اليونان من قبل ظهور المسيح بمئات السنين كانوا متفوقين في العلوم والفنون، وسائر كتب العهد القديم التي يزعمونها.
ومن قليل ما أشرنا إليه يتبيّن لنا حفظ الله عز وجل لذكر نبيه الخاتم محمد  ووصفه، بالتوراة، التي بين أيدي اليهود، إيذانًا ببعثته، ورسالته العالمية الخاتمة.

عقيدة النصرانية في الإله الربّ سبحانه وتعالى، وكيفية ترويجها،
وكيف صار المسيح إلهًا عندها
لقد خرجت النصرانية في عقيدتها بالإله الربّ سبحانه وتعالى عن حدّ المعقول وباهتت ضرورياته، حيث قد نسبت إلى الإله الخالق ما تأباه الفطر السوية الزكية، وما لا تقبله العقول السليمة الرشيدة، دون أدنى حجّة أو برهان على مثل ذلك، وإنما هي الأوهام الكاذبة، والافتراءات الباطلة.
فنجد أن النصرانية تتكلم عن ذات الله عز وجل وفقًا لما تمليه الأهواء، دون أدنى حياء منه سبحانه وتعالى، حيث تدّعي (النصرانية) أن الله مُرَكَّب من ثلاثة أقانيم، متمثلة في الآب والابن والروح القدس، أي أنها تصفه بأنه عبارة عن مركّب من ثلاثة أجزاء، وكل جزء من تلك الأجزاء الثلاثة تزعم فيه الألوهية.
ومن البديهي أن ذلك المُرَكّب الذي يتكون منه إله النصرانية المزعوم مُفتقر في تحقّقه إلى غيره من الأجزاء، وذلك الوصف بكل تأكيد لا يمكن أن يليق بذات الله سبحانه وتعالى، فالله جلّ وعلا
لا يمكن أن يكون مفتقرًا إلى غيره (تعالى الله جلّ وعلا عن إفك النصرانية علوًا كبيرا).
ونجد أيضًا أن النصرانية تدّعي تجسيم الإله، وتُحجّمه، عن طريق تصورها بأن الله جالس على العرش، وأن ابنه جالس عن يمينه، ولا شك أن ذلك كله مُحال للعقل السليم أن يتصوره في ذات الله سبحانه وتعالى.
فالله جل وعلا هو خالق المكان، وهو خالق الزمان أيضًا.
ولذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يحويه ولا يحدّه مكان، لأنه جلّ وعلا هو خالق المكان.
وكذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يفنى أو ينتهي بمرور الزمان وانتهاءه، لأنه جلّ وعلا هو خالق الزمان أيضًا.
ولذلك، فإن الله سبحانه أجلّ وأعلى من أن يُنسب مثل ذلك الإفك الذي تفتريه النصرانية عليه.
ونجد أيضًا: أن النصرانية تؤمن بما قد افترته اليهودية على الله تعالى من صفات لا يمكن أن تليق بذاته العلية جلّ وعلا، كالندم والتأسف والحزن، كما في (سفر التكوين 6 :6)، والاستراحة من التعب كما في (سفر الخروج 31: 17)، والنوم والاستيقاظ، كما في (سفر المزامير 78: 65)، والصفير والصفيق كما في (سفر أشعياء 5: 26)، والهتاف والصراخ كما في (سفر أشعياء 42: 13)، وتصويره بالنار الملتهبة كما في (سفر الخروج 24: 17)، ... إلى غير ذلك من الصفات التي لا يمكن أن تليق بالذات العلية لله سبحانه وتعالى، والتي سبق أن أشرنا إلى جزء منها، ولمزيد من التعرف على مثل تلك الصفات التي تنسبها النصرانية إلى الله سبحانه وتعالى، يمكن الرجوع إلى كتاب: عتاد، للشيخ/ أحمد ديدات.
ونجد أيضًا: أن النصرانية قد نسبت إلى الله تعالى الكثير من الأبناء، كما في (لوقا 3: 38).
(تعالى الله عز وجل عن اتخاذ الولد، علوًا كبيرا)
وكما أشرنا، فإن النصرانية تزعم أن الإله عبارة عن مركب من 3 أجزاء أو وجوه أو أقانيم (الآب، الابن ، الروح القدس)، ومع نكارة ذلك الزعم الكاذب، إلا أننا نجد أن النصرانية تقول بأن الابن، الذي هو أحد الأقانيم الثلاثة لإلهها المزعوم، إنما هو من نسل بشري، حيث وُلِد من موضع الفرج، وكان قد اختُتِن بعد ولادته بأيام، وكان يرضع من ثدي أمه، وكان يأكل ويشرب الخمر (وفقًا لما تزعمه النصرانية)، وكان يبول ويتغوّط، ... إلى غير ذلك من الصفات المُحال قبولها في الذات العليّة للإله الخالق جلّ وعلا.
ومن العجيب: أنه يدخل في نسل إله النصرانية المزعوم (الابن، كأحد أجزاء إله النصرانية) ما ينصّ كتابها على أنهم أولاد زنا، (فارض وزارح) من ثامار.
تعالى الله عز وجل عن مثل تلك الافتراءات علوًا كبيرا
ومن المُناقض للعقل الرشيد، أيضًا:
أن من صفات ذلك الابن الذي قد ألصقته النصرانية بإلهها المزعوم، كجزء من طبيعته الألوهية، أنه كان مُتعبِّدًا، كما في إنجيل مرقس (1: 35)، والتساؤل:
إذا كان ذلك الابن إلهًا كما تزعم النصرانية، فمن كان يعبد؟!
فلا يتعبّد إلا من كان مخلوقًا، وليس إلهًا خالقًا،
لذلك، فإنه يتبيّن لنا تناقض عقيدة النصرانية بشهادة كتابها مع صريح العقل السويّ.
بل إننا نجد أن من صفات ذلك الابن المزعوم الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية، كجزء من طبيعة إلهها، أنه (كما أشرنا) كان يشرب الخمر، كما في إنجلي متى (11: 19)، ولوقا (7: 34)، وذلك مِمَّا لا يُتصوّر في إنسان نقي الفطرة، سوي العقل، كريم فاضل، فكيف يُتصوّر نسبه كفعل لإله خالق؟!!
لا شك، أن ذلك من محض افتراءات النصرانية وكذبها على الله تعالى.
ونجد أيضًا، أن ذلك الابن المزعوم الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية كجزء من طبيعة إلهها، كان قد جُرّب من الشيطان، بمعنى: أن الشيطان قد جَرَّبه وضلّله أربعين يومًا، كما في إنجيل مرقس (1: 12 – 13)، وانه (الابن، الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية) كان يبكي ويحزن ويكتئب، وأنه كان ضعيفًا، كما يتبين ذلك من كتابها (الكتاب المقدس للنصرانية)، على النحو الآتي:
يوحنا (11: 35)، متى (26: 37)، متى (26: 38)، مرقس (14: 33)، لوقا (32: 44)، على الترتيب. وأنه (الابن، الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية) كان يخاف ويهرب متخفيًّا، وأنه كان قد تمّ القبض عليه، وأسْرِه وتقييده، كما ينصّ على ذلك كتابها، في إنجيل يوحنا (7: 1)، يوحنا (8: 59)، يوحنا (18: 12 – 13)، على الترتيب.
بل إنه (الإله الابن المزعوم) قد بُصق في وجهه، ولُطِم أيضًا على وجهه، ولم يستطع فعل أي شيء، كما يتبيّن ذلك من كتاب النصرانية في إنجيل لوقا (22: 63 – 64)، إنجيل متى (26: 27)، إنجيل يوحنا (18: 22 – 23)، ولم تكتف النصرانية في توهّماتها وادّعاءاتها على ما أشرنا إليه فحسب، بل إنها تقول بأن ذلك الابن الذي قد نسبت إليه الألوهية، قد مات على الصليب بعدما أُهين وعُذِّب، وبصق في وجهه، ولُطِم عليه، وتجعل من ذلك عقيدة لها.
ولا شك، أن ذلك الذي تزعمه النصرانية، لا يمكن أن تقبله فطرة سويّة أو عقل رشيد، منسوبًا إلى الإله الخالق جلّ وعلا.
تعالى الله عز وجل عن كل تلك الادّعاءات الكاذبة والافتراءات الباطلة، علوًا كبيرا.
وأما بالنسبة للجزء الثالث، الذي يتكون منه الإله المزعوم للنصرانية، وهو (الروح القدس)، فإن الادّعاءات التي تُروجها (النصرانية) حوله تعطي الفرصة للملحدين والمتشكّكين، كأداة للطعن في وجود الإله الخالق، وإرساله للرسل والرسالات، لِما في ادّعاءاتها من خيالات وتناقضات لا يقبلها عقل مفكر ومتدبّر( ).
ومثال ذلك: ما ينصّ عليه كتاب النصرانية عند حديثه عن السيدة مريم وكيفية حملها بالمسيح، حيث يقول: «فأجاب الملاك وقال لها، الروح القدس يحلّ عليك» (إنجيل لوقا 1 : 35).
والروح القدس كما أشرنا هو إله عند النصرانية، حيث تزعم أنه أحد الأجزاء الثلاثة التي يتكون ويتركّب منها إلهها المزعوم.
وبالنسبة للفقرة السابقة، فإن القارئ لها يتصوّر ذلك المشهد وكأنه مشهد جماع بين رجل وزوجته، فما بالنا وأن السياق حول الخالق الذي تزعمه النصرانية متمثلًا في الروح القدس، وحول المخلوق (السيدة مريم)( ).
لا شك، بأن نكارة السياق تحول بين استساغة الفطرة النقية له بأي حال من الأحوال، مما يتيح فرصة ذهبية للملحدين ومنكري الألوهية من أجل ترويج بضاعتهم وأفكارهم الفاسدة.
أعاذنا الله تعالى من تلك الافتراءات التي تدّعيها النصرانية، وحفظنا منها.
فاللغة المستخدمة في الأناجيل لغة بغيضة إلى النفس، لغة الدرك الأسفل من حضارة المدن( )، حيث لا يمكن لعقل رشيد أن يتقبلها على أنها وحي من الله عز وجل.
ومن ثم يتبيّن لنا: أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا صناعة بشرية من أعداء الله تعالى، وأعداء دينه وأعداء أنبياءه ورسله.
ونجد أيضًا أن النصرانية تتصور الروح القدس (أحد الأجزاء الثلاثة التي يتكون منها إلهها المزعوم) أنه كان ينزل في صورة الحمامة، كما في إنجيل متى (3: 16)، ولا عجب في مثل تلك العقلية التي كانت قد صوّرت الإله المعبود مُجسّدًا في صورة بشرية (حيث ولادته ونزوله من موضع الفرج لأمه، ورضاعته وختانه في اليوم الثامن، ثم بعد أن كبُر صار يأكل ويشرب وينام، ويبول ويتغوّط لإزالة ما في بطنه من فضلات طعام وغيره، ثم الاعتقاد بصلبه وموته بعد أن أهين وعُذِّب وبُصِق في وجهه) أن تتصور بعد ذلك ما تشاء، وأن تجعل من ذلك التصوّر معتقد لها.
(تعالى الله عز وجل عن إفك النصرانية علوًا كبيرا)
ومن قليل ما أشرنا إليه من عقيدة النصرانية في الإله الربّ سبحانه وتعالى، يتبيّن لنا:
أن النصرانية قد نسبت إلى الإله الخالق من الصفات الناقصة والمعيبة والمذمومة، ما لا تقبله النفوس الزكية والفطر النقية والعقول الرشيدة، في الذات العليّة لله سبحانه وتعالى فتعالى الله عز وجل عن كل ما لا يليق بذاته العليّة مما قد افترته النصرانية وغيرها، علوًا كبيرا.
كيفية ترويج النصرانية لمعتقدها
ولتوضيح تلك النقطة بإيجاز، نوضح:
أن الداعين للنصرانية يحاولون وضع من يقومون بتنصيرهم (إدخالهم في النصرانية) تحت اختيار جبري من بين عدة اختيارات، وفقًا لأساليب خبيثة ملتوية.
فهم (الداعون للنصرانية) عندما يقومون بممارسة مهامهم، فإنهم يقولون لفريستهم ممن وقع بأيديهم (ممن ليس لديه سوى القليل من العلم)، لمحاولة اقناعهم بألوهية المسيح، الآتي:
إما أن يكون المسيح إلهًا أو كاذبًا أو مجنونًا، زاعمين بذلك أنه مفروض على من يجيب، الاختيار فقط من بين تلك الاختيارات الباطلة.
ولكن البديل الصحيح المعقول (المخالف لأهواء المبطلين) والذي لم يُدرج ضمن البدائل، هو: أن المسيح عليه السلام إنما هو نبي مرسل( )، وأن المعجزات التي قد أتى بها إنما هي من عند الله تبارك وتعالى تأييدًا لدعوته ورسالته.
وأيضًا، فإن المبشرين للنصرانية عندما يقومون بمهامهم التنصيرية، يقومون بالتركيز على:
الصغير، الذي لم يكن له من يُعرفه بالإسلام ويرشده إليه، حيث يقومون بتنشأته على معتقداتهم الباطلة ودعواهم الكاذبة.
الفقير الذي قد اشتدّ به الفقر، وطال احتياجه إلى ما يسدّ به جوعه، حيث يستغل المبشرون للنصرانية ذلك بأن يُغرونهم بالمال، ويقدّمون لهم المساعدات والخدمات والأموال من أجل إدخالهم في النصرانية، وما يقوم به الداعون للنصرانية في البلاد الفقيرة، لا سيما بقارة إفريقيا وغيرها، برهان ذلك.
من يبغي الوصول إلى غاية من الغايات (كمنصب من المناصب)، حيث يستغل المبشرون للنصرانية ذلك، بأن يُيسّروا له الوصول إلى غايته على أن يدخل بعد ذلك في النصرانية.
ولا شك أن النصرانية تستخدم الوسائل الإعلامية المختلفة من أجل بث سمومها ومعتقداتها الباطلة، والترويج لها، لا سيما وأنها تمتلكها وتتحكّم فيها.
كيف صار المسيح إلهًا عند النصرانية
ولتوضيح هذه النقطة بإيجاز، نبيّن:
أن المسيحيين الأوائل لم يكونوا بعيدن عن المفهوم الإسلامي الصحيح.
فلم يكن المسيح إلهًا في معتقد المسيحيين إلا بعد مرور أكثر من ثلاثمائة سنة من مولده، بعد أن انحرف معتقدهم عن الحق، وصار أُلعوبة بين قساوستهم.
فلم يكن المسيح إلهًا في النصرانية، إلا في مُجمّع (نيقية) الذي قد انعقد سنة 325 للميلاد، وفيه تقرّر بزيادة صوت واحد فقط بين المقترعين أن المسيح إله (تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا).
والعجيب: أنه إذا نقص ذلك الصوت لبقي المسيح في النصرانية بشرًا رسولاً، كما يقول الدين الإسلامي الحنيف، حفظنا الله تعالى به، وهدى الناس إليه، آمين.
بعض من الصفات التي تنسبها النصرانية
إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى
بداءة نوضح: أن النصرانية قد جمعت بين كل من الصفات المعيبة الناقصة التي قد نسبتها اليهودية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، من سوء اختيار للأنبياء والرسل، وجهل وعدم علم بالغيب والمستقبل، ومن عنصرية وفظاظة وتحيّز، ومن ندم وتعب، ... إلى غير ذلك مما قد أوردنا جزءً منه في السابق (في عقيدة اليهودية في الإله الرب سبحانه وتعالى)، وذلك لتضمن الكتاب المقدس للنصرانية لكتاب اليهودية، واحتواءه له تحت مسمّى العهد القديم، وبين ما نسبته هي (النصرانية) افتراءً وزورًا، وألصقته بالإله الربّ سبحانه وتعالى من اتخاذ للولد تحت ما يُسمّى بتجزئة الإله إلى ثلاثة أقانيم، ... وإلى غير ذلك مما قد أشرنا إليه في السابق مع توضيح لفساده وبطلانه.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح في هذه النقطة مزيدًا مما قد نسبته النصرانية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى من صفات معيبة وناقصة، والتي لا يمكن لعاقل نقي الفطرة أن يقبلها في حق الله سبحانه وتعالى.
ومن تلك الصفات المعيبة الناقصة التي قد نسبتها النصرانية إلى الله سبحانه وتعالى، الآتي:
- أنها قد نسبت إليه سبحانه وتعالى صفة النوم، حيث تشبه الإله الرب سبحانه وتعالى بالإنسان المستيقظ من نومه، والكريه رائحة الفم، حيث ينصّ الكتاب المقدس للنصرانية على الآتي: «فاستيقظ الربّ كنائم جبار مُعيّط من الخمر» (المزامير 78: 65).
تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا
- ولقد صورت النصرانية الإله الربّ سبحانه وتعالى بالفظاظة والدموية والوحشية، وتصفه بأنه يصعد من أنفه نار ودُخان.
ففي (سفر صموئيل الثاني: إصحاح 22، عدد 2)، نجده يقول:
«خرج دخان من الربّ، خرجت نار من أنفه».
تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا
ولا شك، أن النار رمز للحريق والحرب، ورمز للخراب والدمار، بعكس الضياء والنور.
- ومما ينص عليه كتاب النصرانية، تأكيدًا لذلك التصوير الذي تتصوّره النصرانية في الإله الربّ سبحانه وتعالى، الآتي:
حيث إنه ينسب (كتاب النصرانية) إلى الله تعالى، أنه قد أمر بني إسرائيل بالانتقام من قبيلة عماليق، قائلًا لهم:
«اقتلوا كل رجل وامرأة وطفل ورضيع وبقر وغنم وجمل وحمار»، كما في (سفر صموئيل الأول، إصحاح 15، عدد 2).
ثم ينسب كتابها إلى الله تعالى، أنه قال لهم أيضًا:
«لا تشفق أعينكم ولا تعفوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء، اقتلوا للهلاك، نجسوا البيت واملأوا الدور قتلى»، كما في (سفر حزقيال، اصحاح 9، عدد 5).
إلى غير ذلك مما تتصوره النصرانية في الإله الربّ من ظلم ودموية ووحشية.
تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا
- ولقد نسبت النصرانية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى صفة الصفير، أي أنه كان يُصفِّر ويصدر عنه صفير، كما في (سفر أشعياء 5: 26)، وأيضًا (زكريا 10: 8).
تعالى الله عن مثل ذلك علوًا كبيرا
- ولقد نسبت النصرانية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى صفة التصفيق، أي أنه كان يُصفق بيديه، كما في (سفر حزقيال، اصحاح 12، عدد 71).
تعالى الله عن مثل ذلك علوًا كبيرا
- ولقد نسبت النصرانية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى من الصفات ما تأنف منه الفطر النقيّة والنفوس الزكيّة، ويرفضه كل عقل رشيد، كأن تثبت له وجود الفرج كوصف له، كما في (الفقرة 7 من الزبور الثاني)، وأن تثبب له وجود الدّم كوصف له، (كما في الفقرة 28 من الباب العشرين) من أعمال الحواريين.
إلى غير ذلك من إثبات الرأس والشعر والوجه والقفا والأذن والعين والأجفان والبطن والقلب والظهر.
تعالى الله عن مثل تلك الافتراءات والأكاذيب علوًا كبيرا
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير مما قد نسبته النصرانية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، من صفات يُستحى اللسان عن ذكرها تعفّفًا عند نسبها إلى الله تعالى وإلصاقها به.

تناقض عقيدة النصرانية، ومن ثم بطلانها
لقد تم إيضاح جزءً من العقيدة الفاسدة للنصرانية في الإله الخالق، بالنقطة السابقة، وبعون الله وتوفيقه سوف نوضح في هذه النقطة جزءً من ذلك التناقض البيّن في تلك العقيدة (عقيدة النصرانية) ومن ثم بطلانها:
أولًا: نوضح: أنه لا يوجد في كافة الأناجيل المطروحة مع اختلافها تصريح واحد، أو عبارة واحدة لا تحتمل الالتباس أو التأويل يدّعي فيها المسيح أنه الله، أو يقول فيها (اعبدوني)( ).
مما يدل على أن التأويل الذي تأولته النصرانية، إنما هو تأويل في غير سياقه من أجل نشر ما تزعمه وتعتقده، ومن ثم فإن ذلك التأويل إنما هو تأويل باطل.
ثانيًا: إن عقيدة التثليث التي تؤمن بها النصرانية إنما هي زعم باطل بما ينص عليه كتابها المقدس من أقوال المسيح التي تنسب إليه الألوهية.
ومثال ذلك، لا الحصر: أن إنجيل يوحنا، نجد فيه أن المسيح يقول:
«وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك، أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته» (إنجيل يوحنا، الباب 17 الفقرة 3).
فيتبيّن من ذلك: أن المسيح عليه السلام كان يُعلم الناس: أن الله واحد حقيقي، وأن المسيح إنما هو رسول منه، ولم يعلمهم أن الحياة الأبدية أن يعرفوا أن ذات الله ثلاثة أقانيم، ولم يعلمهم أن المسيح إنسان وإله، أو أن المسيح إله مجسم، فلم يعلمهم أيًّا من تلك الأباطيل( ).
فأقوال المسيح وأفعاله تدل على عبوديته، وليس ألوهية، ويؤكد ذلك ما جاء في كتاب النصرانية، من أن المسيح كان يَخِرُّ على وجهه ويصلي لإلهه، ومن ثم يكون التساؤل:
فعلى أي شيء يدل ذلك الذي قد أوضحناه آنفًا؟! هل يدل على ألوهيته أم عبوديته؟!
بالتأكيد: إن ذلك الذي ذكرناه آنفًا يدلّ على عبودية المسيح لإلهه وخالقه، لأنه إذا كان (المسيح) إلهًا، فلمن كان يُصلي ومن كان يعبد، هل كانت الصلاة والعبادة لإله آخر؟! بالطبع: لا.
لذلك: فإن معتقد اللنصرانية في تأليه المسيح يقود إلى الاعتقاد بعدم وحدانية الله تعالى، وإشراك آلهة أخرى معه، تعالى الله عن كل ذلك الذي تدّعيه النصرانية علوًا كبيرًا.
ثالثًا: إننا نجد أن النصرانية تقوم بتعظيم الصليب، بل وتعبده، وذلك لأحد ثلاثة أمور، وهي:
الأمر الأول: إما لأن الصليب قد مسّ جسد المسيح، وإذا كان الأمر كذلك لألزم النصرانية أن تعظم نوعًا من الحيوانات أيضًا، وهو نوع الحمير، وذلك لأن كتاب النصرانية ينص على أن المسيح قد ركب على الأتان والجحش ومن ثم فإن النصرانية يلزمها أن تتخذ هذا النوع من الحمير إلهًا تعبده، بدلًا من الصليب، ومن ثم الاقتداء بالهنود، حيث عبادتهم للبقر، ومن المعلوم أن البقر أنفع من الحمير.
والتساؤل المهم:
هل يمكن أن يكون الإله الخالق بتلك الصورة الذي يقود معتقد النصرانية من تعظيم للصليب وعبادة له، إلى تصورها؟!!
وهل يمكن للفطر النقية والعقول الرشيدة قبول مثل ذلك المعتقد والتصور في ذات الله تعالى؟!!
بالطبع: لا، فتعالى الله عز وجل عن مثل ذلك علوًا كبيرًا.
الأمر الثاني: وهو أن تعظيم النصرانية للصليب، وعبادتها له، كان بدافع اعتقادها بأنه (الصليب) كان واسطة فداء، وتكفيرًا للخطايا.
وإذا كان الأمر كذلك، لوجب على النصرانية تعظيم يهوذا الخائن، الذي قد دَلّ اليهود على المسيح كي يصلبونه ويقتلونه، ولألزمهم ذلك.
حيث إن يهوذا كان هو الواسطة الأولى، والذريعة الكبرى للفداء الذي تزعمه النصرانية، ولولا أن يهوذا الخائن قد دَلّ اليهود على المسيح، لما أمكنهم الإيقاع والإمساك به (بالمسيح) لصلبه وقتله (مجاراة لمعتقدهم)( ).
والتساؤل: فهل يمكن للنصرانية أن تعظم يهوذا الخائن الذي قد دلّ اليهود على المسيح لصلبه وقتله، لأنه كان واسطة فداء، وتكفيرًا للخطايا؟!!
وهل يمكن للفطر النقية والعقول الرشيدة قبول مثل ذلك المعتقد الذي تزعمه النصرانية؟!!
بالطبع: لا، فتعالى الله عز وجلّ عن ادّعاءات النصرانية وافتراءاتها علوًا كبيرا.
الأمر الثالث: وهو أن تعظيم النصرانية للصليب، وعبادتها له، كان بدافع زعمها أن دم المسيح قد سال عليه (على الصليب).
وإذا كان الأمر كذلك لوجب على النصرانية تعظيم الشوك المضفور إكليلًا على رأس المسيح عند صلبه وقتله، كما تزعم النصرانية.
ولأنه بذلك يكون الشوك المضفور قد فاز بالمنصب الأعلى من سيلان دم المسيح عليه( ) (مجاراة لما تعتقده النصرانية).
والتساؤل: فهل يمكن للنصرانية أن تعظم ذلك الشوك المضفور الذي تزعم النصرانية وضعه على رأس المسيح عند صلبه وقتله، نظرًا لسيلان دم المسيح عليه (مجاراة لما تعتقده النصرانية)؟!
وهل يمكن للفطر النقية والعقول الرشيدة، قبول مثل ذلك الزعم الذي تدّعيه النصرانية؟!
بالطبع: لا.
فالفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة، تأبيى وترفض أيًّا من تلك الترّهات والأوهام التي تقود إليها معتقدات النصرانية.
رابعًا: ونجد أيضًا بالإنجيل الذي بين يدي النصرانية اليوم، ما يشير إلى عدد كبير من الأبناء الذين تنسبهم النصرانية إلى الإله الخالق، كذبًا وزورًا، ومع ذلك فإننا نجد التناقض الكبير في:
أنه إذا ما سُئل نصراني (مسيحي) كم عدد أبناء إلهك (مجاراة لادّعاءات النصرانية)؟
فإنه يجيب بقوله: إنه ابن واحد.
والتساؤل: كيف يمكن القول بأن المسيح هو الابن الوحيد لله، في حين أن الكتاب المقدس للنصرانية ينسب إليه (إلى الله) الكثير من الأبناء (افتراءً وبهتانا)؟؟!
الجواب: هو أنه لا يوجد ردّ نقي، معتبر عند أولي العقول الرشيدة والبصائر النيرة.
ومن ثم، فإنه لا شك بأن ما يزعمه الكتاب المقدس للنصرانية، إنما هو التناقض البيّن، والذي يؤكد بطلان ذلك الادّعاء بأن الله قد اتخذ ولدًا، أو أيًّا مما تزعمه النصرانية من أبناء مكذوبين.
فتعالى الله عن افتراءات النصرانية علوًا كبيرًا.
خامسًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية:
أنها (النصرانية) تنسب إلى الله تعالى الولد افتراءً عليه، وتقول بأن المسيح هو ابن الله المولود، وليس المخلوق.
والتساؤل: كيف يكون مولودًا وليس مخلوقًا؟!
وهل يولد الإله (حيث تزعم النصرانية ألوهية المسيح)؟! وأي عقل راجح رشيد يقبل مثل ذلك؟!
(فتعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا)
فكون المسيح مولودًا، فإن ذلك يعني أنه (المسيح) في احتياج لمن خلقه وأوجده.
ويعني أيضًا، أن المسيح كان قبل ولادته عدمًا، أي لم يكن شيئًا، ومن ثم فإنه لا يملك شيئًا.
ومن ثم يتضح لنا: أن المسيح لم يكن إلا مخلوقًا مُكرمًا من الله تعالى، خلقه المولى سبحانه وتعالى من غير أب، كما خلق آدم عليه السلام من غير أب، بل ومن غير أم أيضًا.
فالمسيحيون باعتقادهم في التثليث وتأليههم للمسيح يزدادون تخبطًا، ووقوعًا في المآزق ذات الحرج الشديد، وبرهان ذلك:
أنه في نسخة الملك جيمس للكتاب المقدس للنصرانية، والتي تُعرف بالنسخة الإنجليزية المعتمدة:
«لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أو أعطى أو ضحى بابنه الوحيد المولود لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يوحنا 3: 16).
أما في النسخة القياسية المنقحة عام 1971، يُقرأ ذلك النص السابق كما يلي:
«لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أو أعطى أو ضحى بابنه الوحيد لكي لا يهلك .....».
فنلاحظ أنهم قد حذفوا كلمة (المولود) الثابتة في نسخة الملك جيمس، وذلك باعتبارها تلفيقًا واختلاقًا، حيث إن تلك الكلمة المفتراة تسبب لهم الوقوع في مأذق وحرج شديد، ومن ثم قرروا حذفها( ).
والتساؤل المهم: هل كلام الله يمكن أن يُحذف منه أو يُضاف إليه من قِبَل البشر؟!
وهل يعقل أن يكون ذلك الذي بين يدي النصرانية هو كتاب الله المحفوظ من التبديل والتغيير والتحريف، بعد كل تلك الإضافات والتغييرات والتحريفات من قِبَل علماء النصارى أنفسهم ومن غيرهم؟!
بالطبع: لا، فكلام الله تعالى المحفوظ، لا يمكن أن يعتريه أدنى تغيير من إضافة وحذف، أو تبديل وتحريف.
وإذا كان علماء المسيحية أنفسهم يقومون بمثل ذلك التبديل والتغيير والتحريف في كتابهم الذي يقدسونه، فما بالنا بغيرهم ممن لا يؤمن بمعتقد النصرانية، ويعاديها، بل ويسعى في تحريف كتبابها (كاليهود)؟!
سادسًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية:
أن النصرانية قد غالت في المسيح إلى درجة تأليهه ومن ثم عبادته، في الوقت الذي قد علم فيه الجميع ولادته (ولادة المسيح) بعد أن حملت به أمه (السيدة مريم).
والتساؤل المهم: هل يولد الإله؟! وهل يمكن خروج مثل ذلك الإله المولود، المعبود من قِبَل النصارى، من العضو الأنثوي للمرأة؟!
وهل يمكن لفطرة نقية وعقول سوية قبول مثل تلك التوهمات والافتراءات؟!
بالطبع: لا، فتعالى الله عز وجل عن كل ذلك الباطل، علوًا كبيرًا.
فلو أن الله عز وجل أراد أن يخلق الملايين من المسيح لخلقهم بكلمة منه سبحانه وتعالى، وهي (كن فيكون)، وليس معنى ذلك أن الله تعالى يلزمه أن يلفظ بكلمة (كن)، بصوت واضح مفصل، كما نفعل نحن، ولكن هذه طريقتنا (البشرية) لفهم معنى كلمة (كن)( ).
فالله سبحانه وتعالى أجلّ من أن يتخذ ولدًا، أو يحتاج إليه.
وصدق الله تعال، إذ يقول: وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [سورة مريم: 92 – 93].
لذلك: فإن عقيدة التثليث في النصرانية ليست هي ما جاء بها المسيح عليه السلام، الذي قد أكرمه الله تبارك وتعالى بالنبوة والرسالة، وإنما هي (عقيدة التثليث) فهم متطور، قد انحرف عن الجادّة والصواب على مرّ الأزمنة والقرون.
سابعًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع في النصرانية:
أنها (النصرانية) تقول: بأن الإله إنما هو 3 أقانيم، أي أنه مُركّب من ثلاثة آلهة، حيث تزعم بأن: الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله، ثم تعود فتقول ولكن هؤلاء ليسوا ثلاثة آلهة، وإنما هم إله واحد.
ثم تستطرد النصرانية، وتقول: بأن الآب هو العظيم، والابن هو العظيم، والروح القدس هو العظيم، ثم تعود فتقول: ولكنهم ليسوا الثلاثة عظماء، بل العظيم الواحد.
ثم تستطرد النصرانية، وتقول: بأن الآب شخص، والابن شخص، والروح القدس شخص، ولكنهم ليسوا ثلاثة أشخاص، ولكنهم شخص واحد( ).
والتساؤل المهم: بأي لغة تتحدث النصرانية؟!
وهل مثل تلك اللغة يمكن لفطر نقية وعقول سويّة أن تقبلها؟!
بالتأكيد: لا، ولتوضح ذلك:
أنه بافتراض وجود ثلاثة تواءم متشابهة، ولا يمكن التمييز بينهم، لأن الثلاثة متطابقون تمامًا، ثم يكون التساؤل:
أنه إذا ما اقترف أحد هؤلاء الثلاثة جريمة قتل، مثلًا، فهل يمكن إعدام أي من الآخرَين بدلًا منه؟
بالطبع: لا، ومن ثم يكون التساؤل التالي:
لماذا لا يُعدم أحد الثلاثة تواءم بدلًا من الآخر؟
فيكون الجواب: لأن كلًا من هؤلاء الثلاثة تواءم، شخص مختلف عن الآخر، وله شخصيته المستقلّة. وبالمثل، إذا ما طبقنا هذا النموذج الافتراضي في النصرانية، فإننا نجد:
أن النصرانية عندما تقول (الآب)، فإن الذهن البشري لدي معتنقيها (معتنقي النصرانية) يتصور صورة خاصة بـ(الآب) الذي تزعمه النصرانية، وتلك الصورة، هي: أنه ضخم جدًا، ولكنه أشبه بالرجل.
وأنها (النصرانية) عندما تقول (الابن)، فإن الذهن البشري لدى معتنقي النصرانية يتصور صورة (الابن) في شاب ذات مواصفات معينة، مثل أن يكون أزرق العينين، أشقر الشعر، ذا لحية، وهكذا.
أي أن الذهن البشري لدى معتنقي النصرانية لا يتصور (الابن) إلا في تلك الصورة، للشخص ذا المواصفات المعينة، التي قد أشرنا إلى بعض منها.
وأنها (النصرانية) عندما تقول (الروح القدس)، فإن العقل البشري لدى معتنقي النصرانية يتصور له (الروح القدس)، وأنه أشبه بالحمامة، أو أشبه بلهب النهار، كما توضح كتب النصرانية، حيث إن الصورة هنا ليست واضحة تمامًا.
ومن ثم، فإنه يتبيّن لنا:
أن النصرانية لديها ثلاث صور ذهنية مختلفة، لكل من (الآب) و(الابن) و(الروح القدس)، وعندما يُسال معتنقي النصرانية، كم صورة ترون لإلهكم؟
فإنهم يناقضون ذلك كله، ويقولون إنها صورة واحدة( ).
والتساؤل المهم: على أي شيء يدل ذلك الذي أوضحناه؟
الجواب: لا شك، أن ذلك الاعتقاد الذي تزعمه النصرانية، ما هو افتراء وتوهّم، وأنه أكبر خُدعة للعقل، حيث لا يمكن للفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة أن تقبل أيًّا من تلك الادّعاءات والتوهّمات.
فلا يمكن لشخص سويّ، ليس بمتعصب، وغير متبع لهوى أن يقبل أيًّا من تلك الافتراءات على الله تعالى، والتي تزعمها النصرانية افتراءً وكذبا، وبهتانًا وزورًا.
ثامنًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية:
أننا نجد أن النصرانية تدّعي ألوهية المسيح، كما أشرنا سابقًا، ونجدها تدّعي أن المسيح قد غفر للمرأة التي قُبض عليها بتهمة الزنا (وفقًا لما جاء في إنجيل يوحنا، إصحاص 8) حيث قال لها المسيح: «إذهبي ولا تخطئي أبدًا».
ولكن، إذا ما كان ذلك الادّعاء بألوهية المسيح (كما تزعم النصرانية) صحيحًا، نتساءل: فلماذا لم يتدخل المسيح، وهو الذي يمثل عنصر المحبّة لدى النصرانية، يوم أن ارتكب آدم وحواء ذنب أكلهما من الشجرة المنهي عنها، فيغفر لهما ولذريتهما من بعدهما، أو يقول لهما «اذهبا ولا تخطئا ثانية» قياسًا لما قاله للمرأة التي زنت وغفر لها، وذلك إذا ما كان إلها كما تدّعي النصرانية، أو أحد أجزاء ثلاثة للإله المزعوم؟!
وإذا لم يتدخل المسيح كي يُغفر لآدم وحواء ذنبيهما، أي عكس ما تزعم النصرانية فعله (المسيح) مع المرأة المشار إليها آنفًا، فعلى أي شيء يدل ذلك؟!
لا شك: أن ذلك يدل على التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية، ويؤكده، مما يبرهن على بطلان معتقدها المخالف والمناقض لأدنى درجات المعقول.
لذلك، فإننا نجد أن النصرانية تتخبّط في ذلك المعتقد الذي تزعمه تخبطًا عظيمًا، ومما يشهد على ذلك واقعيًا:
أنه قد نُقِل أن ثلاثة أشخاص تنصّروا، وعلمهم بعض القسيسين عقيدة التثليث التي تؤمن بها النصرانية، وكانوا (هؤلاء الثلاثة) في خدمتهم، وجاء مُحبّ من أحباء القسيس، وسأله عمّن تنصّر (دخل في النصرانية)؟
فقال القسّ: ثلاثة أشخاص تنصروا.
فسأله ذلك المحبّ: هل تعلموا شيئًا؟
فقال القسّ: نعم، وطلب واحدًا منهم ليُرى مُحبّه؟
فسأل ذلك المحبّ أحد هؤلاء الثلاثة الذين تنصروا عن عقيدة التثليث؟
فقال أحد الثلاثة للقسّ: إنك علمتني أن الآلهة ثلاثة، أحدهم الذي في السماء، والثاني تولّد من بطن مريم، والثالث الذي نزل في صورة الحمام على الإله الثاني بعدما صار ابن ثلاثين سنة.
فغضب القسّ، وطرده، وقال هذا مجهول.
ثم طلب القسّ الثاني من هؤلاء الثلاثة الذين تنصروا، وسأله نفس السؤال عن عقيدة التثليث؟
فقال: إنك علمتني أن الآلهة كانوا ثلاثة، وصلب واحد منهم، والباقي إلهان.
فغضب القسّ عليه أيضًا، وطرده، ثم طلب الثالث من هؤلاء الذين تنصروا، وكان ذكيًا بالنسبة للأوّلَيْن، فسأله القسيس نفس السؤال عن عقيدة التثليث؟
فقال: يا مولاي لقد حفظت ما علمتني حفظًا جيدًا، وفهمت فهمًا كاملاً، وهو أن الواحد ثلاثة، والثلاثة واحد، وصُلب واحد منهم فمات، فمات الكلّ لأجل الاتحاد( ).
ومن ثم، يتجلى لنا:
أن تلك العقيدة التي تدّعيها النصرانية، إنما هي عقيدة غير صافية، حيث يتخبط فيها الجهلاء، ويتحيّر فيها العلماء.
ولذلك: فإننا نجد أنه قد تقبَّل قسيسين بارزين لما يقوله الإسلام، فيما يتعلق بالمسيح. حيث قد رفض أكثر من نصف أساقفة إنجلترا الإنجليكانيين ألوهية المسيح، وقد نشرت صحيفة (الديللي نيوز) الصادرة بتاريخ 25/6/1984 ذلك، تحت عنوان: دراسة مصدمة حول آراء الأساقفة الإنجليكانيين( ).
تاسعًا: ومن التناقض الكبير في عقيدة النصرانية:
أننا نجد أن لوقا (أحد مؤلفي أناجيل النصرانية)، والذي تدّعي النصرانية أنه كان مُلهمًا فيما يكتبه، ينسب إلى المسيح في إنجيله الذي ألفه، أنه (المسيح) كان ابن يوسف، وذلك يعني أحد أمرين:
أ- أن المسيح ليس إلها أو ابنًا للإله، حيث إن أبيه معروف لديه (لدى لوقا)، وهو يوسف النجار، وبذلك يكون ما سجله لوقا في إنجيله مخالفًا ومناقضًا للمسيحيين أنفسهم، من حيث تأليههم للمسيح.
ب- أن ذلك يعني: أن السيدة مريم إما:
- أنها قد تزوجت من يوسف النجار، وأنجبت المسيح، ومن ثم فإن ذلك يكون مخالفًا لما عليه المسيحيين بل والمسلمين أيضًا، حيث إن السيدة مريم لم تكن متزوجة.
- أو أنها (السيدة مريم) كانت غير متزوجة من يوسف النجار، وبذلك يكون إنجيل لوقا قد نسبها إلى الفحش والفجور، ومن ثم نَسْب ولدها إلى أنه وَلَد زنا، موافقًا بذلك ادّعاء اليهود،
ولا شك أن ذلك ادّعاء باطل، وكذب محض.
ولذلك: فإننا نجد من يضيف إلى الأناجيل، ويحذف منها، ويبّدل ويغيّر فيها، كيفما يمليه عليه عقله وهواه، كأن يتم إضافة عبارة (على ما كان يُظن) بين علامتي تنصيص، في محاولة للخروج من ذلك المأزق ذا الحرج الشديد الذي أوقعهم فيه لوقا (أحد مؤلفي أناجيل النصرانية) في إنجيله، حيث قد نسب المسيح إلى أنه كان ابن يوسف، موضحًا سلسلة طويلة لنَسبه.
ثم نجد المكر والخداع، والتحريف البيّن، بأن يتم حذف القوسين اللذين بداخلهما عبارة – على ما كان يُظن – لإدراجها داخل إنجيل لوقا كجزءٍ منه، غير مضاف إليه.
وذلك من أجل عدم كشف تلك الألعوبة من عوام معتنقي النصرانية، وأيضًا حتى لا يأخذ أهل الحق ذلك ذريعة للردّ عليهم.
ومما أشرنا إليه، يتضح عظيم التناقض بين اعتقاد النصرانية في ألوهية المسيح، وبين ما نسبه لوقا للمسيح، من أنه كان ابنا ليوسف النجار، موضحًا سلسلة طويلة لنَسبه، وذلك على الرغم من أن لوقا هو أحد مؤلفي الأناجيل التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، والتي تزعم إلهامه.
عاشرًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية:
أننا نجد أنه على الرغم من تأليه النصرانية للمسيح، إلا أن كتابها الذي تزعم قدسيته يناقض ذلك المعتقد، ونموذج ذلك:
أ- أنه جاء في (إنجيل يوحنا 5: 30): أن المسيح كان يقول: أنه لا يقدر على شيء من نفسه، أي أن المسيح كان عديم القدرة إلا أن يعينه الله تعالى، شأنه شأن أي مخلوق، مما يدل على بشريته وعدم ألوهيته.
ب- أنه جاء في (إنجيل مرقس 13: 32): أن المسيح كان لا يعلم موعد يوم القيامة.
أي أن المسيح كان عديم العلم بالغيب، إلا أن يُعلِمه الله تعالى شأنه شأن أي مخلوق، أو أي نبي مرسل، مما يدل على بشريته وعدم ألوهيته.
ج- أن المسيح كان يعطش ويجوع ..، إلى غير ذلك من مظاهر الإحتياج التي يحتاج إليها البشر، مما يدل على بشريته وعدم ألوهيته.
د- وفي إنجيل مرقس، أن رجلًا من اليهود قد أتى المسيح وسأله: ما الأمر الذي يعتبر أول الجميع؟
فقال له المسيح: الربّ الواحد، مما يدل على بشريته وعبوديته للربّ الواحد، ومن ثم عدم ألوهيته، ولو كان ما يُعلّمه المسيح لأتباعه هو عقيدة التثليث، لذكر معنى التثليث لسائله اليهودي.
وغير ما ذكرنا الكثير مما قد جاء في الكتاب المقدس للنصرانية، مؤكدًا على بشرية المسيح وعدم ألوهيته، ومن ثم مناقضة ومخالفة ما عليه النصرانية من تأليه للمسيح وعبادة له.
حادي عشر: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية إضافة إلى تعدد أناجيلها مع تناقضها واختلافها، والتي قد تم اختيارها لموافقتها ادّعاءاتها:
أننا نجد أنه إذا ما تم اعتماد أيًّا من الأناجيل الأخرى كإنجيل بطرس، والذي يقول بعدم موت المسيح على الصليب لتَغَيَّر شكل المسيحية عن ما هي عليه الآن، لتناقض ما يقوله إنجيل بطرس مع ما تعتقده النصرانية اليوم.
وكإنجيل توماس، الذي يوضح أن اعتقاد النصرانية بصلب المسيح وموته وقيامته من الموت، لم يكن مقطوعًا به في القرن الثالث والرابع، مما يوضح أن فهم النصرانية التي عليه الآن، إنما هو فهم متطور، إذ لو كان ذلك الاعتقاد (الذي عليه النصرانية الآن من تأليه للمسيح، واعتقاد بصلبه وقتله ثم قيامته) هو ما جاء به المسيح، لما حدثت مثل تلك التناقضات والتضاربات في أصل ذلك المعتقد الذي تؤمن به النصرانية.
وفي فلسطين نجد آثارًا لأناجيل أخرى مكتشفة، تقول بأن المسيح قد وُلِد مجرّد إنسان، وهو ما يناقض ألوهية المسيح الذي تزعمه النصرانية، والذي قد تقرّر (ذلك المعتقد الذي عليه النصرانية الآن) في مؤتمر نيقية سنة 325 م بأمر من الامبراطور قسطنطين.
إلى غير ذلك من التناقضات والاختلافات التي تقع فيها النصرانية.
ونختم هذه الجزئية بتساؤل مهم، قد يَرِد في أذهان البعض، وهو:
لماذا لا يكون الإله بتلك الطبيعة التي تعتقدها النصرانية من أنه عبارة عن ثلاثة أقانيم، كالتالي: الإله الآب، والإله الابن، والروح القدس، الذي تزعم النصرانية أنه إله أيضًا، ولكنهم جميعًا إله واحد، وأن الإله الآب قد ضحّى بابنه الإله تكفيرًا لذنوب وخطايا البشر؟
لماذا لا يكون ذلك ممكنًا؟ وهل يُعجز الإله ذلك؟
بداية: نوضح، أننا قد أشرنا إلى إجابة ذلك التساؤل في كتاب: (الإله الخالق ما بين تعظيم المسلمين وافتراءات النصارى والكاذبين وإنكار الملحدين)، وبطرق مختلفة.
وللإجابة هنا في هذه المرة، يُفضل أن تكون الإجابة مختصرة، وأن تكون أيضًا عقلانية، (مثلما كانت الإجابات السابقة)، وهي إجابة جاري ميلر – (أحد المبشرين الكاثوليكيين سابقًا)، مع تصرف بسيط للتوضيح.
وهذه الإجابة هي على النحو الآتي: أن الناس يقعون في خطأ منطقي عندما يقولون أن الله يجوز في حقه أن يفعل أي شيء، فذلك غير صحيح، لماذا؟
لأن الله تعالى لا يجوز في حقه أن يفعل كل شيء، إلا إذا اعتقدنا أنه يقوم بأفعال غبيّة، فهل يفعل الله الحماقات؟! هل يفعل أفعال الضعفاء؟!
هل يفعل التفاهات التي لا يمكن أن يعقلها أو يتقبلها إنسان سوي العقل والفطرة؟!
فالإنسان قد فُطر على تعظيم إلهه وخالقه، وتنزيهه عن فعل أي من تلك الأشياء.
فالله تعالى يفعل الأفعال الإلهية، التي تليق بألوهيتة.
وإذا ما قال قائل أن المسيح إنسان وإله في نفس الوقت، يكون التساؤل الطبيعي له.
هل كان بالإمكان قتله (المسيح) أم لا؟ هل هو عرضة للموت أم أنه مُخلَّد؟
فالإنسان عُرضة للموت والقتل، وأمّا الله تعالى فإنه مُخلّد، لا يمكن موته أو قتله، ومن ثم فإنه لا يمكن الجمع بين الاثنين معًا.
وأيضًا، فإن الإنسان محدود، لا يعرف كل شيء، وأمّا الله سبحانه وتعالى فإنه يعلم كل شيء.
والمسيح الذي تدّعي النصرانية ألوهيته، كان يأكل ويشرب، ومن ثم فهو يقوم بوسيلة الإخراج، وكان قد اختتن في اليوم الثامن، ورضع من ثدي أمه .... إلى غير ذلك من الأفعال البشرية، وقد بُصق في وجهه، وأُهين وصُلب ثم قتل (حسبما تدّعي النصرانية)، وذلك كله مُحال أن تقبله الفطر السوية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة في الإله الخالق سبحانه وتعالى.
لذلك: فإننا نستنتج مما أشرنا إليه برهانًا قاطعًا على التناقض العظيم في معتقد النصرانية، ومن ثم بطلانه.

تناقض عقيدة الخلاص،
وبطلان توارث الخطيئة في النصرانية
لقد أوضحنا في النقطة السابقة جزءً من التناقض العظيم الذي تنغمس فيه النصرانية، ومن ثم استنتاج البرهان القاطع على بطلان تلك العقيدة.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح جزءً من التناقض في عقيدة الخلاص وتوارث الخطيئة، التي تؤمن بها النصرانية، ومن ثم البرهان على بطلان كليهما.
بداءة نوضح: أن عقيدة التثليث التي تؤمن بها النصرانية، من الاعتقاد بإله مُركّب من الآب والابن والروح القدس، كمرتكز لعقيدتها، قد ثبت في النقطة السابقة تناقضها وبطلانها، ومن ثم فإن ما تفرَّع منها، سواءً كانت عقيدة الخلاص أو توارث الخطيئة أو غيرهما، افتراءٌ باطلٌ وكذبٌ محضٌ، لأن ما بُني على باطل فهو أيضًا باطل.
ومثال ذلك: أنه إذا ما أردنا تشييد بناء من 10 طوابق مثلًا، بدون أساس سليم لذلك البناء، فهل يُعتدّ بذلك البناء، حتى وإن ارتفع إلى الـ 10 طوابق؟!
الإجابة القطعية: بالطبع لا، لأن ذلك البناء بدون الأساس السليم له لا يلبث إلا أن ينهار، أي أنه في ظاهره ما هو إلا صورة فقط، ولكنه خاوٍ، لا يمكن الانتفاع به لفساد أساسه، لذلك فإنه لا يمكن الانتفاع به.
وكذلك النصرانية، فإنها إذا ما ادّعت وجود إله آب، وإله ابن، وإله متمثل في الروح القدس، فإن ذلك ببساطة يقود إلى إثارة تساؤلات عجيبة توقعها (توقع النصرانية) في المآزق ذات الحرج الشديد، ومثال ذلك:
هل ما تعتقده النصرانية من زعم بأن الإله عبارة عن 3 أقانيم من إله آب وإله ابن وإله متمثل في الروح القدس، يعني أن السيدة مريم، والدة المسيح (الذي تزعم النصرانية ألوهيته، وأنه الإله الابن)، هي زوجة الله؟!
أم أن والدا المسيح لم يكونا متزوجين؟!
تعالى الله عز وجل عن مثل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا
إلى غير ذلك من التساؤلات المنكرة التي تفرض نفسها عند سماع مثل تلك الادّعاءات والافتراءات التي تزعمها النصرانية، لأنه كما أشرنا بإيجاز، فإن الباطل مُؤدّاه إلى باطلٍ مثله، وإلى مثيل تلك التساؤلات التي قد أشرنا إلى إحداها في هذه النقطة.
وإذا ما أردنا أن نوضح تناقض عقيدة الخلاص، والتي تتمثل في صلب المسيح وموته تكفيرًا لذنوب البشر، فإننا نثير تساؤلاً بسيطًا، وهو:
لماذا كان من الضروري أن يصنع الله بشرًا ثم يُصلب ويموت تكفيرًا لذنوب البشر؟!
ألم يكن الله قادرًا على أن يُكفّر ذنوب البشر دون الحاجة إلى مثل تلك الأوهام والظنون، التي لا تغني من الحق شيئًا؟!
لا سيما وأن الله تعالى هو الذي أعلمنا بأنه هو من يغفر الذنوب ويتوب على العباد إذا ما رجعوا وأنابوا إليه واستغفروه.
لا شك، وأن عقيدة الخلاص التي تؤمن بها النصرانية عقيدة غير مُستساغة فطريًا وعقليًا، بل إنها تفتح الأبواب على مصراعيها لكثير من التساؤلات التي لا إجابة لها، إثر الاختلافات والتناقضات الواقعة فيها، مما يؤكد على: أن مثل تلك العقيدة إنما هي اتباع للأوهام والظنون، وفقًا لما قد أملته الأهواء والشهوات.
ومن العجيب أننا نجد أن المسيح نفسه في الكتاب المقدس للنصرانية، يعلّمهم كيف يُصلّون لله ويعلمهم كيفية الدعاء، حيث قال لهم: «صلوا كذلك، صلوا لله وقولوا: واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن للمذنبين إلينا» (انجيل متى 6: 14).
والتساؤل المهم: أنه إذا ما علّمهم المسيح ذلك من أجل أن يغفر الله خطاياهم ويكفّر عنهم ذنوبهم، فكيف يكون مات تكفيرًا لخطاياهم؟!!
وماذا عن كبائر الذنوب والمعاصي والحرمات التي قد ارتكبتها البشرية من بعده (من بعد صلبه وقتله، كما تدّعي النصرانية)؟!!
فهل تحتاج إلى أن يصلب المسيح وأن يُقتل مرة أخرى، تبعًا لاعتقاد النصرانية بصلبه وقتله تكفيرًا لذنوب آدم وذريته من بعده؟!!
أو أننا نحتاج إلى مسيح آخر ينسب إليه الألوهية، ليؤدي نفس الدور، ونفس العصمة التي قد قام بها المسيح في النصرانية، من أن يُضحي بنفسه ليُصلب ويُقتل تكفيرًا لذنوب آدم وذريته من بعده، في قصة أخرى موهومة لذلك الفداء المزعوم.
فالباطل لا يأتي إلا بباطل مثله، فلو كان ما تدّعيه النصرانية حقًا، لكان احتياج البشرية إلى أن يكون لله المئات، بل الألوف والملايين من الأبناء والأولاد، للتضحية بهم، من أجل تكفير الذنوب والخطايا، لا سيما في هذا الزمان الذي قد انتشرت فيه الرذائل والفواحش والمنكرات جهرًا وعلانية بلا أدنى حياء، بل إن أهل تلك الرذائل والفواحش والمنكرات يدافعون عنها ويروّجون لها، ويدعون إليها تحت العديد من المسميّات الباطلة، والشعارات الزائفة، كالحرية وغيرها.
فتعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات التي تدّعيها النصرانية علوًا كبيرا.
لذلك، فإن عقيدة الخلاص التي تدّعيها النصرانية وتؤمن بها، إنما هي عقيدة لا أساس لها من الصحة.
وأيضًا، لتوضيح بطلان عقيدة الخلاص وفكرة توارث الخطيئة، بجلاء، نثير تساؤلاً بسيطًا واضحًا، وهو من أين عرفت النصرانية أن الإنسان يجب عليه أن يدفع ثمنًا لخطاياه وآثامه؟!( ).
فنجد أن النصرانية تلجـأ إلى إجابة ما، لا أدنى مصداقية لها، فليست إلا مجرّد تفسير تتوهمه، كأن تقول أن الله قدوس والإنسان خاطئ، والله لا يمكنه التعامل مع الإنسان مباشرة.
ولا شك أن ذلك الكلام ليس بإجابة على الإطلاق.
وإذا ما أثرنا تساؤلًا آخرًا لتوضيح بطلان مثل تلك الإجابة السابقة، وبيان عدم مصداقيتها، كأن نتساءل:
من أين الجزم بصحة ما تزعمه النصرانية، حيث لا دليل عليه؟
فإننا لا نجد إجابة، حيث إن المسيح لم يقل في كتاب النصرانية بتضحيته بنفسه من أجل تكفير الذنوب والخطايا لبني البشر، ولم يُعلّمه، ولم يدع أحدًا إلى ذلك القول.
ولكن غير المسيح ممن أسس المسيحية على مثل تلك الأوهام مثل (بولس) هو من قام بالتصريح بمثل ذلك( )، فكلام المسيح نفسه في كتاب النصرانية لا يتجاوز الـ 10% منه، والتي على الرغم من ذلك تزعم أنه كلام الله.
ونختم هذه النقطة بثلاثة تعليقات لتوضيح التناقض الجليّ بين ما تدعو إليه النصرانية من إدّعاء بفكرة توارث الخطيئة وبين ما ينص عليه كتابها الذي بين يديها، من الرفض لتلك الفكرة المدّعاة، وهي:
أ- أننا نجد أن في (سفر التثنية 24: 16): «لا تقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد، عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يُقتل».
وفي (حزقيال 8: 20): «النفس التي تخطئ هي تموت، والابن لا يحمل من اثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن، برّ البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون».
ومما أشرنا يتضح: أن فكرة توارث الخطيئة إنما هي مرفوضة بما ينص عليه الكتاب المقدس للنصرانية نفسه، ومع ذلك، فإننا نجد أن النصرانية تؤمن بتلك الفكرة الموهومة كعقيدة لها في قصة الفداء المُفتراة، حيث نجدها تقول: «بالخطيئة حملت بنا أمهاتنا»؟!!
وما ذلك الاختلاف والتناقض إلا لما حدث من التحريف والتضييع في الكتاب المقدس للنصرانية، ومن ثم الخلل في معتقدها، وصدق الله تعالى إذ يقول:
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [سورة النساء: 82].
ب- ونجد أيضًا، في قضية الفداء المزعوم، التي تزعم أن الإله الابن قدّم نفسه للإهانة والصلب والقتل على أيدي اليهود، من أجل التكفير عن ذنب آدم، حيث أكله من الشجرة المنهي عنها، وتكفير ذنب ذريته من بعده لتوارثهم خطيئته، أنها مغلوطة.
حيث إن طبيعة الابن المزعوم (الذي تدّعي النصرانية أنه ابن الله) إما قابلة للموت أو غير قابلة للموت.
فإذا كانت طبيعته قابلة للموت، إذن فهو ليس بإله، ومن ثم لا تصح الدعوى بأنه إلهًا وفاديًا في نفس الوقت.
وإن كانت طبيعة الابن المزعوم غير قابلة للموت لكونه إلهًا، فلم يقع عليه الموت، ومن ثم لم يكن هناك فداء أو أي من تلك الأوهام.
ج- ونجد أيضًا: أن النصرانية قد جعلت الإله الآب الذي تزعمه إلهًا متشددًا وقاسيًا، لا يصفح ولا يعفو، كما في خطيئة آدم، وعاجزًا عن حلّ مشكلته.
ومن جهة أخرى، فقد جعلت النصرانية الإله الابن الذي تدّعيه مُحبًّا للبشر، وفاديًا لهم، يجود بذاته من أجلهم، على الرغم من أنها (النصرانية) تزعم أنه في الأصل منبثق من الآب.
تعالى الله عز وجل عن مثل ذلك الذي تدّعيه النصرانية علوًا كبيرا.
فلقد اشتمل معتقد النصرانية على التناقض في فكرة الألوهية نفسها.
فبينما يوصف الإله بأنه هو الخالق، نجد أنها تنسب إليه الولد.
وهل يكون الولد إذن إلا مخلوقًا، منتفيًا عنه صفة الألوهية!!، مجاراة لزعم النصرانية وادّعاءها، حيث إن الله سبحانه وتعالى أجلّ من أن يتخذ ولدًا.
وبينما يُقال: إن الإله واحد، نجد أن النصرانية تقول: إنه مكون من ثلاثة أقانيم، الآب والابن والروح القدس، ولا شك أن في ذلك مُناكرة للضروريات، حيث أثبتوا آلهة ثلاثة، ثم جعلوا الآلهة الثلاثة إلهًا واحدًا، ومن جعل الثلاثة واحدًا، والواحد ثلاثة، فقد خرج عن حد المعقول وباهت ضرورياته.
لذلك: فإنه مما سبق نستنتج البرهان القاطع ببطلان فكرة توارث الخطيئة، ومن ثم بطلان عقيدة الخلاص التي تدّعيها النصرانية.
هدانا الله جميعًا للحق وأرشدنا إليه، آمين.

عقيدة النصرانية في أنبياء الله ورسله
إضافة إلى ما قد أشرنا إليه في النقطة السابقة، فإننا نوضح: أن النصرانية قد جمعت بين كل من تلك الافتراءات التي قد نسبتها اليهودية إلى الأنبياء والرسل من جرائم منكرة، وارتكاب لأحطّ أنواع الفواحش والرذائل، على الرغم من الاعتقاد بنبواتهم ورسالاتهم، والتي قد أشرنا إلى جزء منها من قبل، وذلك لتضمّن الكتاب المقدس للنصرانية لكتاب اليهودية تحت مسمى العهد القديم، وبين ما أضافته هي من افتراءات واتهامات، لا سيما ما قامت بنسبه للمسيح من أنه قد ادّعى الألوهية، ولا شك أن ذلك محض افتراء، وليس له أدنى أساس من الصحة والمصداقية.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح في هذه النقطة مزيدًا مما قد نسبته النصرانية إلى أنبياء الله ورسله من افتراءات لا يمكن لفطرة نقية استساغتها، ولا يمكن لعقل رشيد أن يتقبلها.
ومن تلك الافتراءات التي قد نسبتها النصرانية إلى أنبياء الله تعالى:
- وصف الأنبياء بالدموية والوحشية، لا سيما عند فتوحاتهم.
ومما ورد في الكتاب المقدس للنصرانية تأكيدًا لذلك، الآتي:
حيث نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية قام بوصف الأنبياء بأنهم: «قد استولوا على مدينة أريحا وأبادوا سكانها عن آخرهم، الرجال والنساء، والأطفال والشيوخ، والبقر والغنم، والحمير بحد السيف، وأحرقوا ثم أحرقوا المدينة بكل ما فيها» كما في يشوع (6: 20، 21، 24).
إلى غير ذلك من مثيل ما أشرنا إليه.
ولقد نسبت النصرانية إلى نبي الله داود، ارتكابه للزنا مع وصفٍ لأحداث تلك الفاحشة المنكرة جزءً بجزء( )، ونظرًا لما نجده من التعفّف عن ذكر مثل تلك الألفاظ الخارجة المتدنيّة، التي ينصّ عليها كتاب النصرانية، فإننا نشير إلى موضع ذلك من الكتاب المقدس للنصرانية، وهو في (سفر صموئيل الثاني 11: 4 – 5).
ولقد نسبت النصرانية إلى نبي الله داود أيضًا، أنه قد تسبّب بأساليب ماكرة شريرة في قتل أحد الأشخاص من أجل ممارسة الزنا مع زوجته( )، كما في (سفر صموئيل الثاني 11 : 6 – 25).
ولقد نسبت النصرانية إلى نبي الله داود أيضًا، أنه كان يرقص عاريًا، مع تصويرٍ لذلك المشهد الملفق زورًا دون أدنى خجل أو حياء( ).
ولقد نسبت النصرانية إلى نبي الله سليمان أنه هو من قال ما يسمونه بنشيد الإنشاد، الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، والذي يقوم بوصف فاضح لمفاتن المرأة وأدقّها، وبألفاظ تخجل الآذان عن سماعها، وتستعفّ الألسن عن النطق بها، والأقلام عن كتابه حروفها.
ولقد نسبت النصرانية إلى نبي الله سليمان أيضًا، أنه قد عبد آلهة أخرى في آخر حياته، كما في (سفر الملوك الأول).
إلى غير ذلك مما قد نسبته النصرانية إلى أنبياء الله ورسله، من افتراءات وأكاذيب، من مثيل ما أشرنا إليه.
فتعالى الله عز وجلّ عن سوء الاختيار لأنبياءه ورسله ليكونوا بمثابة مصابيح هدىً في ذلك الظلام الدامس الذي تحياه البشرية، بعد خروجها عن تعاليم وأوامر ربها سبحانه وتعالى.
السيدة مريم في النصرانية
لقد ادّعت النصرانية أن السيدة مريم هي والدة الإله، وذلك لأن النصرانية قد نسبت الألوهية إلى المسيح بن مريم، وقالت بأنه ابن الإله.
ومن ثم، فإن السيدة مريم تكون قد أنجبت أحد أقانيم الإله الثلاثة التي تزعمها النصرانية، وهو المسيح الذي يُعرف بالإله الابن عند المسيحيين.
وقد أوضحنا بطلان ذلك المعتقد الذي تزعمه النصرانية، في نقاط سابقة.

مم يتكون الكتاب المقدس للنصرانية؟
بداءة نوضح: أن الكتاب المقدس للنصرانية يتكون مما يسمى بالعهد القديم، ومما يُسمّى بالعهد الجديد.
وما يُسمى بالعهد القديم هو بإيجاز ما كان قبل مجيء المسيح ابتداءً من التوراة التي بين أيدي اليهودية اليوم، وتنسبها إلى نبي الله موسى.
وما يسمى بالعهد الجديد يتكون من: الأربعة أناجيل (متى ولوقا ومرقس ويوحنا)، بالإضافة إلى رسائل بولس وبطرس وجيمس وكتاب الرؤيا.
وبعدما أشرنا إلى ما يتكون منه الكتاب المقدس للنصرانية بصفة عامة، نوضح:
أن الكتاب المقدس للنصرانية يختلف باختلاف الفرق والطوائف المسيحية، ومثال ذلك: أننا نجد أن طائفة الكاثوليك لهم نسخة خاصة بهم، والتي قد أعيد طباعتها في دووي عام 1609م، وتتضمن تلك النسخة من الكتاب المقدس للنصرانية لطائفة الكاثوليك 73 كتابًا (سفرًا).
بينما نجد أن طائفة البروتستانت لهم أيضًا نسخة خاصة بهم، وهي نسخة الملك جيمس، والتي قد طبعت في عام 1611م.
ونجد أن تلك النسخة من الكتاب المقدس للنصرانية لطائفة البروتستانت تتضمن 66 كتابًا (سفرًا) أي أن طائفة البروتستانت قد قامت بحذف 7 أسفار من نسخة الكتاب المقدس للنصرانية لطائفة الكاثوليك باعتبارها مُلفّقة.
بينما نجد أن طائفة الأرثوذوكس لهم أيضًا نسخة خاصة بهم، ولكن تلك الطائفة قد قامت بإضافة أسفارًا غير موجودة بأي من تلك النسخة التي بأيدي طائفة الكاثوليك أو البروتوستانت، بحيث تصير النسخة الخاصة بها (بطائفة الأرثوذوكس) من الكتاب المقدس للنصرانية متضمنة (81 سفرًا).
ومما سبق يتضح لنا عدم اجتماع النصرانية على كتاب واحد لمختلف طوائفها، حيث نجد أن كل طائفة من طوائف النصرانية لها نسخة خاصة بها، بحيث تحذف منها أو تضيف إليها كما تشاء ووفقًا لما يتراءى لها.
ومن ثم يتبين لنا الانقسام الذي تضجّ به النصرانية، بين طوائفها الكثيرة المختلفة، نتيجة أن إيمان طائفة ما بنسخة ما يُقابله اعتقاد طوائف أخرى بتحريف تلك النسخة وهكذا.
ومن ثم تقع الاختلافات والتناقضات، والحروب والتناحرات بين تلك الطوائف والفرق المسيحية المختلفة، نظرًا لتكفير كل منها للأخرى.
والحروب الدامية بين الطوائف المسيحية، والتي قد سجلها التاريخ شاهد على ما ذكرنا.

إلى أي شيء يدعو الكتاب المقدس للنصرانية؟
إن المتصفح للكتاب المقدس للنصرانية سوف يُصاب بدهشة أشبه ما تكون بصدمة عارمة، إثر ما يجده من فساد معتقد ونكارة دعوة، وبذئ قول، وفحش قصص، ....، ثم نسب ذلك كله إلى الله تعالى، وإلحاقه به جل وعلا، وسوف يجد كل إنسان عفيف فاضل، صاحب فطرة نقيَّة ونفس زكيّة وعقل سويّ إنكار قلبه لكل ما قرأ، لا سيما إذا ما كان يُنسب إلى إلهه وخالقه جلّ شأنه.
وبمشيئة الله تعالى سوف نتعرض لقليل من تلك المفاسد التي يدعوا إليها الكتاب المقدس للنصرانية.
لتبيان الحقّ، وإيضاحه لكل باحث بصدق عنه، ومُبتغٍ له، مع التنويه إلى:
أن كل ما ذكرناه مما يدعوا إليه كتاب اليهودية هو أيضًا مما يدعوا إليه الكتاب المقدس للنصرانية لاحتواءه له وتضمّنه إياه، تحت مُسمّى العهد القديم، وإذا لم يَعُد ذكره والإشارة إليه في هذه النقطة إنما يكون من سبيل عدم التكرار.
وليكن أول ما نبدأ به مما يدعوا إليه الكتاب المقدس للنصرانية:
1- تأليه البشر، حيث تزعم النصرانية التقاء الطبيعة الإلهية مع الطبيعة البشرية.
ولقد أشرنا في نقطة سابقة بالأدلة الدامغة إلى بطلان مثل ذلك المعتقد وغيره، ولكن نُضيف في هذه النقطة ما يزيد ما قد أوضحناه في السابق بيانًا وتأكيدًا، وذلك على النحو الآتي:
إن الإنسان إذا لم يُحسن استغلاله لعقله بأنه يتجه الاتجاه الأمثل وينتهج المنهج القويم في التفكير والاعتقاد، فإنه ينجرف تجاه أفكار خاطئة، ومعتقدات أخرى لا ترقى بأن يقبلها العقل السليم السوي، كأفكار الإغريق والرومان، وعُباد الأوثان، وأصحاب الاعتقاد بتعدد الآلهة، .. .إلى غير ذلك.
فإذا ما نسب الإنسان إلى الله تعالى الولد كأحد أقانيمه، كما تزعم النصرانية، فإنه بذلك يكون قد انتقص إلهه وخالقه.

فالله سبحانه وتعالى هو الإله الخالق، الذي لم يَلِد أحدًا، ولم يُولد من أحد، أوجدنا من العدم سبحانه وتعالى.
وإذا ما أردنا أن ننسب إليه سبحانه وتعالى واحدة من الصفتين الآتيتين:
أ- أنه سبحانه وتعالى يصيب دائمًا، أو ب- أنه سبحانه يصيب ويخطئ، فأي من الصفتين نختار ونقبل؟
بالتأكيد: نختار ما يليق بعظمته، وهو ما فُطِر العقل السويّ والنفس الزكية عليه، وهو أنه سبحانه يصيب دائمًا، بل إنه جلّ وعلا لا يقوم إلا بالأصوب والأصلح.
إذن فلن ننسب إليه سبحانه وتعالى الخطأ، أو أيّ صفة تقوم مقام تلك الصفة الذميمة أو غيرها مما شابهها، كالندم أو البكاء، أو ما شابههما، فلا يجوز لنا ذلك.
ونوضح أن مثل هاتين الصفتين المشار إليها (الندم والبكاء)، لا يجوز نسبهما إلى الله عز وجل، وذلك على النحو الآتي:
فالبكاء يكون إما فرحًا أو ندمًا أو أسفًا وحزنًا.
وبما أن الله تعالى خلق الجنّة والنار، وجعل لكل منهما نوعًا من خلقه، بأن جعل الجنّة دارًا لعباده المؤمنين الطائعين، وأن جعل النار مثوى الكافرين والعاصين، إذن فهو سبحانه وتعالى يفرح فرحًا يليق بجلالته وعظمته، وذلك بعباده المؤمنين الطائعين، وأيضًا فإنه سبحانه وتعالى يغضب غضبًا يليق بجلالته وعظمته على من كفر به وعصاه، مع التنويه إلى:
أنه لا يجوز لنا أن ننسب إلى الله سبحانه وتعالى من الصفات إلا ما أقرّته الشريعة الإسلامية، بعيدًا عما تمليه علينا أهواءنا وعقولنا المتباينة المختلفة.
وإذا ما كان علينا أن ننسب إلى الله سبحانه وتعالى، الإله الخالق، إحدى الصفتين الآتيتين:
أ- القوة والعظمة مع الرأفة والرحمة أو ب- الضعف والهوان أو ما شابه ذلك مع أيضًا الرأفة والرحمة، فإنه لا يجوز لنا أن ننسب إليه سبحانه وتعالى إلى ما يليق بجلالته وعظمته، ولا يكون ذلك إلا باختيار الصفة أ- القوة والعظمة مع الرأفة والرحمة، وهذا هو ما يتوافق مع الفطرة النقية والعقل السليم.
وإذا ما عدنا إلى صفات الأسف والحزن والبكاء التي تنسبها كلا من اليهودية والنصرانية إلى الله تعالى، فإننا نجد فيها (تلك الصفات) الإيحاء بالضعف والهوان، والانتقاص من صفتي القوة والعظمة اللائقتين بذات الله تعالى، الإله الخالق.
وقياسًا على ذلك: فإنه مع رحمة الله تعالى، الإله الخالق بعباده، إلا أنه يجب أن يكون قويًا عزيزًا غالبًا على أمره، وألا تكون هذه الرحمة مصحوبة بذُلّ أو انكسار.
ولذا: فإن الله عز وجل لا يليق بذاته العليّة أن يفعل ما فيه ذُلّ وانكسار وهوان أو ما شابه ذلك في أي حال من الأحوال.
فلا يمكن لعقل سويّ أن يتصوّر أنه إذا ما أراد الله عز وجلّ أن يرحم عبده آدم ويغفر له، أن عليه (جل وعلا) أن ينشئ من ذاته إلهًا آخرًا ذات طبيعة بشرية ليُهان ويُصلب، ويُسبّ ويُقتل، تكفيرًا لخطايا أحد عبيده ومخلوقاته آدم، لا سيما أنه عز وجل وحده الذي يملك الصفح والغفران، فلا يمكن للفطر النقيّة والنفوس الزكيّة أن تقبل أيًّا من ذلك الهراء.
وإذا ما نظرنا إلى المأكل والمشرب والملبس .. إلى غير ذلك مما يحتاج إليه الإنسان كأحد ضروريات حياته المخلوقة وأحد مقوماتها (كغيره من كثير من المخلوقات)، فإن مثل تلك الضروريات لا يمكن أن تنطبق على الله جل وعلا، وهو الإله الخالق، ولا يجوز لنا أن ننسبها إليه سبحانه وتعالى، لأنه عز وجل هو من خلق مثل تلك الأشياء، بما فيها الإنسان نفسه.
فالله تعالى خلق الإنسان وجعل له حيّزًا يشغله ومكانًا يحتاج إليه، وخلق له زمانًا ينتهي فيه أجله، حيث خلق سبحانه وتعالى الأرض ليعيش الإنسان عليها مع غيره من كثير من المخلوقات، وخلق له زمانًا ينتهي فيه عمره من خلال دوران الأرض حول محورها ودورانها حول الشمس، فيتعاقب الليل والنهار، وينشأ اليوم إثر اليوم، فالإسبوع، فالشهر، فالسنة.
فالله سبحانه وتعالى هو خالق المكان والزمان، ولذا:
فإنه سبحانه وتعالى لا يحيط به مكان أو زمان، فهو جل وعلا الأول قبل كل شيء، والآخر بعد فناء كل شيء.
وكذلك الحال: فإنه كما أوضحنا، فإن المأكل والمشرب والملبس .. وغير ذلك من ضروريات الحياة المخلوقة للإنسان المخلوق، حيث إن (الإنسان) إذا لم يأكل ولم يشرب ولم يلبس ... فإن يضعف ويمرض وينتهي ويموت، لأنه مخلوق، ولكن الله تعالى هو الإله الخالق، الحيّ الذي لا يموت، الذي ليس كمثله شيء، الذي لا يمكن أن يحتاج إلى مثل تلك الأشياء التي تحتاجها مخلوقاته.
وأيضًا، فإن الإنسان إذا ما أكل وشرب، فإنه لابد له من عملية إخراج لفضلات ذلك الطعام والشراب، ومعلوم نجاسة وقذارة مثل تلك الفضلات، فالإنسان إذا لم يقم بعملية الإخراج فإن السموم تنتشر في جسده، فيمرض ومن ثم ينتهي ويموت.
ولكن الله تعالى، هو الإله الخالق، الحيّ الذي لا يموت، ولذلك فهو سبحانه وتعالى المُنزّه عن مثل تلك الأشياء التي يحتاج إليها الإنسان، وعن مثل ذلك الخبث الناتج جرّاء فضلات ما قد احتاج إليه من طعام وشراب.
وأيضًا، فإن الإنسان قد جُبل على حاجته لإشباع غريزته الجنسية، والتي تتساوى معه في ذلك كثير من المخلوقات، بما فيها الحيوانات وغيرها، ومن ثم فإن الإنسان يحتاج إلى الزوجة لإشباع غريزته الفطرية من خلالها، ومن ثم فإنه ينتج عن ذلك وجود النسل والذريّة، حيث احتياجه (الإنسان) إليهما كونس، وسند له في حياته وعند كِبَره وقرب انتهاء أجله، وأيضًا لتوريث ماله وممتلكاته، فذريته هي من ترث ذلك بعد موته، فالإنسان كونه مخلوق، فلابد له من الفناء والموت.
ولكن الله تعالى هو الإله الخالق، الحي الذي لا يموت، المُنزّه عن صفات المخلوقين (بما فيها الإنسان)، وعن كل ما يحتاجون إليه من احتياجات ضروريات ومقومات في حياتهم المحدثة المنشئة لهم.
فالله سبحانه وتعالى هو الخالق من عدم، فلا يحتاج إلى من يؤنسه أو يعينه أو يسانده، وهو جل وعلا الحيّ الذي لا يموت، فلا يضيع أو يفنى ملكه.
وما أشرنا إليه هو ما تقبله الفطر السويّة والنفوس الزكيّة والعقول الرشيدة، التي فُظِرت من الإله الخالق سبحانه وتعالى على تعظيمه وتمجيده، وتنزيهه عن كل ما ينسب إليه من صفات النقص والعيب والذمّ.
ومن ثم فإنه يتبيّن لنا فساد ذلك المعتقد القائم على تأليه البشر (كالمسيح وغيره) الذين قد أوضحنا جانبًا من ضعفهم وحاجتهم، وغير ذلك مما لا يليق بالذات الإلهيه، بزعم التقاء الطبيعة الإلهية مع الطبيعة البشرية.
تعالى الله عز وجل عن مثل ما تزعمه النصرانية وغيرها علوًا كبيرًا
2- الدعوى بالبنوة الإلهية، ومن ثم الدعوة إلى العنصرية.
لقد أشرنا في نقاط سابقة إلى موجز من عقيدة النصرانية في الإله الذي تعبده، وإلى ما قامت به من تأليه للمسيح، وادّعاءها بأنه (المسيح) هو ابن الله المولود، كما نصّ على ذلك كتابها.
وقد أوضحنا بطلان ذلك المعتقد من وجوه كثيرة، حيث إن لفظ (ابن الله المولود) مرفوض تمامًا، لأن الولادة من الأفعال الحيوانية التي تخصّ وظائف الغريزة الدنيا للحيوان، فكيف نعزوا إلى الله تعالى مثل تلك الصفة الوضيعة( )؛ إلى غير ذلك مما قد أشرنا إليه في السابق.
ومن ثم، فإنه يتبيَّن لنا أن الدعوى بالبنوة الإلهية، إنما هي دعوى باطلة مُختلقة، لا أساس لها من الصحة.
ومن آثار ذلك المعتقد الفاسد، ما قد ترتّب عليه من دعوة إلى العنصرية حتى بين صفوف المسيحية نفسها فقد كان لكلمة (البنوة الإلهية) أثرًا في عقول المسيحيين البيض تجاه غيرهم من السود وغير الأوروبيين، وما قد عاناه السود وغيرهم من غير الأوروبيين في أوروبا وغيرها شاهد ذلك.
فالمسيحييون البيض يمتلكهم شعور بالاستعلاء على غيرهم من المسيحيين السود وغير الأوروبيين، رغم انتماءهم إلى نفس الكنيسة ونفس الطائفة، كيف ذلك؟
وسبب ذلك: أن المسيحيين يزعمون أن ابن إلههم (مُخلصهم ومنقذهم) له مواصفات الأوروبي، الأشقر الشعر، والأزرق العينين، صاحب البشرة البيضاء غير السوداء، ومن ثم فإن أجناس الأرض ذات البشرة السمراء أو الغير أوروبيين، والذين يعتقدون ألوهية المسيح وكذلك عقيدة التثليث لديهم شعور بالحقارة والدونيّة، حيث يكون ذلك متأصلًا في نفوسهم( ).
ولذا، فإننا نجد التفرقة العنصرية في الكنائس المسيحية نفسها، ومثال ذلك:
أنه لم يكن يصلي السود والبيض والهنود والملونين مع بعضهم البعض، وذلك في أغلب الكنائس الهولندية البروتستانتية في جنوب إفريقيا( ).
مما سبق يتبيّن بطلان تلك الدعوى بالبنوة الإلهية التي تدّعيها النصرانية، والتي كان مؤدّاها مزيدًا من تلك العنصرية البغيضة المقيتة.
3- ذم الإله والانتقاص منه:
حيث إن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن ما قد نسبته اليهودية للإله الخالق من صفات غير لائقة بذاته العليّة من ذمّ ونقص وعيب، تحت ما يُسمّى بالعهد القديم، وذلك إضافة إلى ما قد نسبته (النصرانية) هي أيضًا إلى الإله الخالق من مثيل تلك الصفات التي نسبتها اليهودية إليه، ومثال ذلك:
ما جاء في كتابها (كتاب النصرانية) من أن الله أمر حزقيال أن يأكل الغائط وأن يطعمه بني إسرائيل، كما في (حزقيال إصحاح 4، عدد 12).
وأيضًا من أن الله أمر بني إسرائيل بالسرقة، كما في (سفر الخروج إصحاح 3، عدد 21).
وأيضًا ما نصّ عليه الكتاب المقدس للنصرانية على النحو الآتي:
«وكان الرب مع يهوذا ولم يطرد سكان الوادي لأن لهم مركبات من حديد» (سفر القضاة، إصحاح 1 ، عدد 12).
فهل ما أشرنا إليه وما على وتيرته من صفات أخرى لم نذكرها، إلا ذمّ للإله وانتقاص منه؟!
فالكتاب المقدس للنصرانية مليء بالكثير والكثير من مثل ما ذكرنا، من صفات بذيئة ذميمة، لا يمكن أن يقبلها ذوو فطر سوية ونفوس زكيّة وعقول رشيدة، في ذات الله سبحانه وتعالى وأفعاله وأوامره.
4- الدعوة إلى شرب الخمور والمسكرات
إنه لا يخفى على عاقل واع غير فاقد أو مُضيّع لعقله في أي من تلك الخمور النجسة القذرة، والمسكرات العفنة، كالكحوليّات وغيرها، أن الإنسان إذا غاب عقله فإن ذلك مؤدّاه إلى التصّرف الهمجي الأشدّ سوءً من الكثير من الحيوانات والبهائم.
وأن الإنسان إذا غاب عقله فإن ذلك مؤدّاه إلى عظيم المفاسد، من قتل وسرقة، وزنًا واغتصاب، ... إلى غير ذلك من كبائر المعاصي والذنوب، ناهيك عن ما هو أعظم من ذلك، وهو قطع الاتصال الروحي بالله تعالى، والذي يتم من خلال عبادته، والتمسك بشريعته، والتزام أوامره واجتناب نواهيه.
بل إن الإنسان الفاقد لعقله قد يَسبّ الله تعالى ويتطاول عليه، وكذلك على أنبياءه ورسله والكتب السماوية المنزلّة عليهم، وقد يصل الأمر به إلى إهانتها بصور شتى... إلى غير ذلك من مُفجعات الأمور، نظرًا لغياب عقله وفقدانه له.
إضافة إلى الأضرار الجسيمة والأمراض الخبيثة النفسية والبدنية التي يُصاب بها شاربي الخمور والمسكرات.
ومع كل ما أشرنا إليه، إلا أننا نجد أن النصرانية تسمح بالخمور والمسكرات، بل إنها تدعوا إليها دون أدنى خجل من ذلك، مع الزعم كذبًا أن ذلك من شرع الله، تعالى الله عز وجل عن أي يكون شرعه كذلك علوًا كبيرًا.
فقديس النصرانية بولس، والذي تزعم (النصرانية) نبوته، ينصح بتناول مثل تلك الخمور والمسكرات، أي أنه لم يسمح بها فحسب، بل إنه ينصح بها، وكأنها (الخمور والمسكرات) شيء ثمين يُنصح به، حيث ينصح مولى تيموثاوس (معتنق الدين الجديد) قائلاً:
«اشرب فقط الماء لكن استعمل قليلاً من النبيذ (الذي هو أصل الخمور والمسكرات) لمعدتك ولأمراضك» (الكتاب المقدس، التيموثية 5 : 23).
والتساؤل المهم هو: هل تحتاج المعدة إلى مثل تلك الخمور والمسكرات؟!
وهل مثل تلك الخمور والمسكرات هي سبب في الشفاء من الأمراض؟!
الجواب: بالطبع، لا
فلقد اكتشف العلم الحديث أن المسكرات والخمور والكحوليات تسبب الكثير والكثير من الأمراض الخطيرة.
وإضافة إلى ما قاله قديس النصرانية بولس، فإن النصرانية تدّعي أنه من أول معجزات المسيح الذي تزعم ألوهيته، تحويله الماء إلى خمر، بل إنها تدّعي أيضًا أن تلك المعجزة المزعومة كانت أول معجزات المسيح، مما يوحي بالأهمية والمنزلة العالية لمثل تلك الخمور والمسكرات بالنسبة للنصرانية.
تعالى الله عز وجل عن أن يشرع مثل ذلك التشريع كتشريع أبدي، يعمل ويتمسك به إلى قيام الساعة.
ونشير بإيجاز إلى بعض من خطورة الخمر علميًّا، ومفاسده وأضراره، حيث يقول الدكتور الفرنسي (شارل ريشيه) الحاصل على جائزة نوبل للفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء):
إن الخمر تشلّ الحواس، وتجعل المرء يترنح ويتقيّأ... وسرعان ما تتغلب الخمر على أشدّ الرجال قوة، وتحوله إلى شخص ثائر هائج عنيف، تتحكم فيه طبيعته البهيمية، مُحمر الوجه، محتقنة عيناه بالدم، يجأر ويقسم ويتوعد، ويسبّ أعداء خياليين، ولا يوجد مثل ذلك السلوك المخزي بين أي نوع من أنواع الحيوانات، لا بين الخنازير .. ولا الحمير..، وأبشع ما في الوجود هو السكّير( ).
وإضافة إلى ما قاله الدكتور الفرنسي، فإن من مفاسد الخمور والمسكرات أنها تسبب العجز الجنسي.
لذلك نوضح:
أن من تنزيه الله سبحانه وتعالى، أن ننزهه عن أن يُحلّل الرذائل والخبائث والمنكرات، ومنها مثل تلك الخمور التي تنغمس في إدمانها المسيحية، والإحصائيات العالمية شاهد ذلك.
فالله سبحانه وتعالى حكيم في تشريعاته وأحكامه، لا يفعل الحماقات والأخطاء.
5- الدعوة إلى القتل والمذابح الجماعية، كنتيجة للعنصرية
لقد أوضحنا في النقطة السابقة دعوة النصرانية إلى شرب الخمور والمسكرات، والتي يترتب عليها غياب العقل، ومن ثم التصرّف الهوائي الهمجيّ، والقيام بأحط الأعمال.
ومن تلك الأفعال التي قد يقوم بها شارب الخمر بغير إدراك منه: القتل والزنا، .. إلى غير ذلك.
ونجد أيضًا أن بالكتاب المقدس للنصرانية: أن المسيح الذي تعتقد (النصرانية) فيه الألوهية، قد أمر بذبح أعداءه الذين رفضوا ملكه عليهم، (إنجيل لوقا 19: 27).
بل إننا نجد أيضًا أن الأنبياء الفاتحين الوارد ذكرهم في الكتاب المقدس للنصرانية، بعدما لوثت الأيدي الخفيّة سيرتهم، أنهم: «استولى على مدينة أريحا وأبادوا سكانها عن آخرهم، الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والبقر والغنم والحمير بحدّ السيف، وأحرقوا ثم أحرقوا المدينة بكل ما فيها» (يشوع).
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية قد أمر بالانتقام من قبيلة عماليق وقتلهم جميعًا، بما فيهم الأطفال الرضّع، حيث يقال:
«اقتلوا كل رجل وامرأة وطفل رضيع وبقر وغنم وجمل وحمار» (صموئيل الأول اصحاح 15 عدد 2).
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية يقول:
«لا تشفق أعينكم ولا تعفوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء، اقتلوا للهلاك، نجسوا البيت، واملأوا الدور قتلى» (حزقيال ، اصحاح 9 ، عدد 5).
ونجد أيضًا: أن الكتاب المقدس للنصرانية يقول بأن الله قد أمر بني إسرائيل، قائلًا لهم: «حين تقربوا من مدينة كي تحاربها، استدعها للصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك (أي أبوابها) فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا، فاضرب جميع ذكورها بحدّ السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم فتغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الربّ إياها» (التثنية، اصحاح 20، عدد 10).
أي أنه ما ينفع الصلح لأي مدينة يقوم بنو إسرائيل بمحاربتها، لأنهم لابد وأن يكونوا عبيدًا لبني إسرائيل، مع أنهم فتحوا لهم الأبواب ووافقوا على الصلح.
وأيضًا فالكتاب المقدس للنصرانية يدّعي بأن المسيح قال لأتباعه: «لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم» (إنجيل متى 7: 5).
إلى غير ذلك من مثل ما ذكرنا، والسبب في ذلك هو: العنصرية البغيضة المقيتة.
فإذا كان الكتاب المقدس للنصرانية يقول: بأن المسيح (المزعوم ألوهيته) قد أمر بذبح الأعداء وأن الأنبياء الذي قد أورد ذكرهم يأمرون ويقومون بعمليات الإبادة والمذابح الجماعية وأن الإله يأمر باسترقاق الناس وتسخيرهم للخدمة حتى في حالة الصلح، فإلى أي شيء يشير ذلك؟؟
لاشك، أن ذلك الذي قد أشرنا إليه ما هو إلا دعوة صريحة للقتل القتل، والقيام بعمليات إبادة شاملة من خلال المذابح الجماعية، كنتيجة للتفرقة العنصرية المتأصلة لدى أهل النصرانية.
وما قامت به الحروب الصليبية من عمليات إبادة ومذابح جماعية على مرّ التاريخ، شاهد ذلك.
6- الدعوة إلى الاغتصاب والفحش والزنا
لقد أشرنا سابقًا إلى أن دعوة النصرانية إلى شرب الخمور والمسكرات هي في حدّ ذاتها دعوى إلى شتى أنواع الجرائم والمفاسد، والتصرّف الهمجي، والقيام بأحطّ وأقبح الأعمال، وذلك يعني:
أن دعوة النصرانية إلى شرب الخمور والمسكرات، كما هو متضح من كتابها، هو أيضًا دعوة إلى الاغتصاب والفحش والزنا ...... إلى غير ذلك.
ونجد أيضًا أن الكتاب المقدس للنصرانية يذكر من الرذائل والفواحش ما يثير الغرائز الجنسية للإنسان، مما يؤدّي إلى الانحطاط الخُلُقي وارتكاب شتى أنواع الفواحش والمنكرات من المحرمات، ومن دلائل ذلك ما جاء في سفر (القضاة 16: 1)، (الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية)، حيث يمكن الرجوع إلى ذلك الموضوع لتأكد مما أشرنا إليه، لما يجد اللسان خجلًا من استعفافٍ عن ذكر مثل تلك الرذائل والمنكرات التي ينصّ عليها ذكر السفر بالكتاب المقدس للنصرانية.
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية، يذكر الكثير من القصص التي وقعت بها أحداث الزنا (بين الرجل والمرأة)، بل ويصور ويصف تلك المشاهد من الزنا جزءً بجزء، ابتداءً من أول الحدث إلى نهايته.
(تعالى الله عز وجل عن أن يذكر في كتابه مثل تلك الرذائل والفواحش والمنكرات).
وبما أنه من المحال أن نذكر ما قد نصّ عليه الكتاب المقدس للنصرانية، تعفّفًا عن تسطير مثل تلك الألفاظ، فإننا نشير بإيجاز إلى قليل من المواضع التي تنصّ على مثل تلك الرذائل والخبائث.
ومن تلك المواضع بالكتاب المقدس للنصرانية: (سفر راعوث: 3: 4)،
(سفر الملوك الأول 1 : 1 – 3).
ونجد أيضًا أن الكتاب المقدس للنصرانية يذكر الكثير من القصص التي وقعت بها أحداث الزنا بين المحارم، كزنا الأب بابنتيه، كما في (سفر التكوين 19: 33 – 35).
وكزنا الابن بزوجة أبيه ، كما في (سفر التكوين 35: 22).
وكزنا زوجة الابن بوالد زوجها، كما في (سفر التكوين 38: 5- 18)
وكزنا الأخ بأخته، بل اغتصابها، كما في (سفر صموئيل الثاني 16: 22).
و(سفر صموئيل الثاني 3: 11)، و(سفر صموئيل الثاني 13: 14).
وكزنا الابن بزوجات أبيه، كما في (سفر صموئيل الثاني 16: 22).
ليس ذلك فحسب، بل كل من تلك الحالات وغيرها تصوّر وتصف تلك المشاهد من الزنا جزءً بجزء، ابتداءً من أول الحدث حتى نهايته، وكأنها دورات تدريبية متخصصة في كيفية القيام بمثل تلك الرذائل، والتي تُعدّ من أحطّ وأخبث الأعمال والمنكرات.
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية لم يترك العاهرات (الزواني) سدىً، بل إنه يذكر لهن قصصًا مع وصف فاضح لعهرهن، وتصوير مُخلّ لتلك المشاهد القذرة من الزنا، وكما أوضحنا فإنه نظرًا لتعفّف اللسان عن ذكر مثل تلك الفضائح، فإننا نُحيل القارئ والباحث إلى المواضع التالية، للتأكد مما ذكرنا، ومن تلك المواضع:
(سفر حزقيال 16: 28)، (سفر حزقيال 23: 1 – 49)
(سفر التثنية 38: 8 – 10) ، (سفر هوشع 4: 12)، (سفر هوشع 4: 14 – 15)
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية، يتضمن ما يسمّى بـ(نشيد الإنشاد)، والذي تلقّبه النصرانية بـ(قدس الأقداس)، حيث يوضح التفاصيل الخاصّة بكيفية الزنا بالمرأة البغيّ، بل ويصف مفاتن المرأة وأدقّها، وذلك بكلمات تخجل منها الألسنة عن النطق بها، والآذان عن سماعها، والأقلام عن تسطير حروفها، وللك فإن نشيد الإنشاد، الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، إنما هو بمثابة درس عن كيفية ممارسة الزنا والجنس.
فإذا ما نشأ إنسان طاهر عفيف، بعيد عن مثل تلك الفواحش، ولكنه أخذ يقرأ مثل تلك الفقرات من الكتاب المقدس للنصرانية، فإنه سرعان ما يأخذ دورة تدريبية في الانحطاط الخلقي، وكيفية ممارسة مثل تلك الرذائل.
والمستوى الأول من تلك الدورة التدريبية الفاحشة، يجده فيما يُسمّى بـ(سفر نشيد الإنشاد).
والمستوى الثاني من تلك الدورة التدريبية الفاحشة، يجده فيما يُسمّى بـ(سفر حزقيال)، ..... وهكذا، ثم يكون بعد ذلك على أعلى مستوى من الانحطاط الخلقي، وممارسة الزنا وشتى أنواع الفواحش.
وقد يندهش القارئ لهذه الكلمات التي نسطرها ، كوصف لما بالكتاب المقدس للنصرانية من خلع وفجور، ولكنه يمكنه التأكد مما ذكرنا بالرجوع إلى تلك المواضع التي قد أشرنا إلى جزء منها.
بل إن الأعجب مما ذكرنا: أن الكتاب المقدس للنصرانية ينسب مثل ذلك النشيد الخليع المسمّى بـ(نشيد الإنشاد) إلى نبي الله سليمان عليه السلام، بل إن من التناقض العجيب: أن الكتاب المقدس للنصرانية يرجع ويقول بأن سليمان النبي قد عبد آلهة أخرى (الأصنام) في آخر حياته.
تعالى الله عز وجل عن سوء الاختيار لأنبياءه ورسله، وعن إنزال الكلمات الرذيلة الفاحشة في كتبه، علوًا كبيرًا.
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية، يدّعي أن الله قد أمر هوشع أن يتخذ لنفسه زانية وينجب أولاد زنى، كما في سفر (هوشع، إصحاح أول ، عدد ثاني).
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية يدّعي أن الله قد أمر بأن يرتوي المرء من ثديي امرأته، كما في (سفر الأمثال اصحاح 5 عدد 18).
ومن قليل ما أشرنا إليه بالكتاب المقدس للنصرانية يتبيّن: أن الكتاب المقدس للنصرانية مليء بالأقوال الفاحشة، والعبارات البذيئة، من مثيل تلك الكتب التي يحظر طبعها ونشرها.
ومن ثم يتبيّن السبب من وراء انتشار مثل تلك الرذائل والفواحش والمنكرات بين صفوف المسيحية إلى تلك الصورة الكبيرة المذهلة، بما فيها الكنائس في احتفالياتها بأعياد الميلاد في أول السنة الميلادية، لا سيما المجتمع الغربي الذي لا تحكمه قوانين الإسلام وتشريعاته.
فمن يقرأ موادًا فاسدة، فإن العقل يصير فاسدًا، بحيث إن من يقرأ عن الإباحية، فإن الذهن سرعان ما يتعود على ذلك، ومن ثم تتصعّد الأمور، وتنحلّ القيم، ثم يجد الإنسان نفسه منغمسًا في تلك الإباحية المقيتة.
فنوعية القصص التي تُقرأ تشكل نوعية العقلية التي سوف تكون عليها، والعلم الحديث شاهد على ذلك.
ومن المحال في حقّ الله تعالى أن يُنسب إليه مثل ذلك الذي أردناه من الكتاب المقدس للنصرانية، أو غيره مما هو على شاكلته، ككلام صادر منه جلّ وعلا.
7- الدعوى بأن ولادة البنات تضاعف نجاسة الأمهات عن الذكور
ونوجز ذلك بذكر ما تدّعيه النصرانية، من أن ولادة البنات تضاعف نجاسة الأمهات عن الأولاد، مستمدة تلك الدعوى من كتابها المقدس، لما جاء في (سفر اللاويين 12: 1 – 5)، بحيث تكون المرأة نجسة إذا ما ولدت أنثى، لمدة أسبوعين، بينما تكون نجسة لمدة أسبوع واحد إذا ما ولدت ذكرًا.
8- الدعوى بأن المرأة كانت سببًا في إغواء آدم:
حيث نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية يدّعي بأن المرأة هي من كانت سببًا في إغواء آدم عليه السلام.
والحق: أن الأمر بخلاف ما تدّعيه النصرانية، لأن المرأة لم تكن هي من تسبب في إغواء آدم.
9- الدعوى بتحريم الزواج من الأرملة والمطلّقة
حيث نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية يُحرّم الزواج من المرأة الأرملة والمطلقة، كما في (سفر اللاويين، إصحاح 21، عدد 14).
إلى غير ذلك من مثيل ما ذكرنا، مما هو مناقض للتشريع الإسلامي، وتعاليمه.
فالإسلام هو من رفع من قدر ومنزلة المرأة، وأعطاها حقّها دون أن يهضم منه شيئًا، ويكفي أن نشير لبرهان ذلك، إلى:
أن الله تعالى قد أنزل في كتابه المحكم (القرآن الكريم)، الذي قد بعث به خاتم الأنبياء والرسل محمد ، سورة تسمّى (بسورة النساء)، ولا يوجد ما يسمى بسورة الرجال.
فأي تشريف وتكريم للمرأة بصفة خاصة، والنساء بصفة عامة، بعد هذا التكريم الذي حظيت به من رب العالمين، في كتابه العظيم (القرآن الكريم).
10- الدعوة إلى عدم الختان، ومن ثم إثارة الغرائز الجنسية
حيث إن النصرانية تدّعي أن الختان كان واجبًا من قبل، ولكنه صار منسوخًا لديها،
ولا شك أن مثل ذلك الادّعاء إنما هو ادّعاء باطل.
فالختان، هو بمثابة التهذيب للشهوة الجنسية، والتي إذا ما زادت عن حدّها اللائق، كانت مؤدّاها إلى محاولة إشباعها بطرق غير شرعية، ومن ثم التصرف بطريقة همجيّة أشبه بالطبيعة الحيوانية، ومن ثم كثرة حالات الزنا والاعتداء والاغتصاب، والإحصائيات العالمية برهان ذلك.
وننوه إلى: أن الطبّ له دور في ذلك، بحيث إنه إذا ما تبيَّن أن بنتًا ما (كمثال) لا تحتاج إلى الختان كحالة خاصة بها، فإنها لا تُختن، ولا يجب الختان في حقها آنذاك، ولكن الأصل هو الختان بالنسبة للذكور والإناث على حدّ سواء.
فأي تشريع أعظم من هذا التشريع الإسلامي الحنيف.
9- الدعوة إلى أكل لحم الخنزير
حيث تدّعي النصرانية أن الخنزير كان محرّمًا من قبل، ولكنه صار محللًا لها، لما جاء في (سفر اللاويين اصحاح 11 عدد 1)، ولا شك أن ذلك ادّعاء باطل، حيث إن الخنزير قد ثبتت نجاسته علميًّا، وذلك بشهادة أطباء النصارى أنفسهم، وبذلك يصير الخنزير مُحرَّمًا علميًا، إضافة إلى تحريمه شرعًا.
ومن المُحال في حق الله تعالى أن يُنسب إليه تحليله للنجاسات والخبائث.
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير مما يدعو إليه الكتاب المقدس للنصرانية، مما هو مُخالف للحقّ الموافق للفطر النقيّة والنفوس الزكيّة والعقول الراجحة الرشيدة، ولكن نكتفي بتلك النماذج التي قد أشرنا إليها، على أن نختم هذه النقطة بذكر ما قاله الأديب (جورج برناردشو) عن الكتاب المقدس للنصرانية، لما يحتويه من ألفاظ وقصص فاحشة تنكرها القلوب السيلمة، والفطر النقية، حيث يقول:
«إنه من أخطر الكتب الموجودة على وجه الأرض، احفظوه في خزانة مغلقة بالمفتاح».
وغيره يقول:
«إن قراءة قصص الكتاب المقدس للأطفال يفتح الباب لفرص مناقشة العبرة وراء الجنس، وإن الكتاب المقدس (للنصرانية) إذا لم يُهذب ويُنقح قد تعتبره مجالس الرقابة صالحًا للكبار فقط، لمن جاوز الثامنة عشرة من العمر (لما فيه من خلع وفجور)] (الحقيقة المجرّدة – اكتوبر 1977).
وغير ذلك الكثير من الشهادات التي تشهد بمساوئ الكتاب المقدس للنصرانية، وتهاجمه بشدة.
ومن قليل ما أشرنا إليه يتبيّن لنا الكثير من المساوئ التي يدعوا إليها الكتاب المقدس للنصرانية، من فساد معتقد، ونكارة دعوة، وبذئ قول، وفحش قصص... إلى غير ذلك مما يستحيل نسبه إلى الله تعالى، وإلحاقه به جلّ وعلا.

المسيح في النصرانية
لقد نسبت النصرانية الألوهية إلى المسيح، بزعم أنه أحد أقانيم ثلاثة للإله الذي تتصوره، حيث تقول (النصرانية) بأن المسيح هو الإله الابن، وتعني بذلك: القول بأنه ابن الله.
وإذا ما كانت الألوهية قد نُسبت إلى المسيح لمجيئه ببعض المعجزات، تأييدًا من الله تعالى له، وشهادة بصدق رسالته، فماذا عن غير المسيح من الأنبياء والمرسلين، الذين قد أتو بالكثير والكثير من المعجزات والخوارق أيضًا، تأييدًا من الله تعالى لهم، وشهادة بصدق دعواهم؟!!
إن مما يوضح بطلان الزعم بألوهية المسيح في النصرانية، ويؤكد أنه ليس إلا أحد أنبياء الله تعالى ورسله، وذلك من الكتاب الذي تزعم قدسيته، الآتي:
أن المسيح لمَّا أظهر أحد معجزاته التي قد أيده الله تعالى بها، ما كان من الناس إلا أن قالوا: قد قام فينا نبي عظيم، وذلك كما ينصّ عليه إنجيل لوقا، حيث يقول:
«ومَجدوا الله قائلين: قد قام فينا نبي عظيم» (لوقا 7: 11 – 17)
مما يؤكّد أن المسيح لم يَدّع الألوهية أبدًا، ولم يُعلّم الناس مثل ذلك، وإنما أخبرهم بأنه نبي مُرسل من الله تعالى إليهم.
ولو كان المسيح مدّعيًا للألوهية أو أيًّا مما تزعمه النصرانية، لقال الناس في مثل ذلك الموقف السابق، الذي يخبر به إنجيل لوقا: قد قام فينا إله عظيم، ولكن معاذ الله أن يدّعي المسيح عليه السلام مثل ذلك الإدّعاء، فلم يقل المسيح إلا ما أمره الله تعالى به، ولم يكن أبدًا ليدّعي مثل ذلك الادّعاء الباطل.
وصدق الله تعالى إذ يقول في كتابه المحكم (القرآن الكريم): ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة: 116-117]
ويؤكد ما ذكرنا أيضًا، أن الناس كانوا يلقّبون المسيح بالمُعلّم، ولم يكونوا يلقّبونه أبدًا بالإله، أو يلقب ابن الله، كما ينصّ على ذلك إنجيل يوحنا، حيث يذكر ما كان الناس يقولونه للمسيح كلقب، وذلك في الفقرة الآتية:
«يا مُعلم، نعلم أنك قد أتيت من الله مُعلّما» (يوحنا: 3: 1)
إلى غير ذلك مما قد أشرنا إليه في السابق، حيث قد قمنا بتوضيح بطلان الزعم بألوهية المسيح، ومن ثم عقيدة النصرانية، وذلك في نقاط سابقة.
ونوضح، أن كلمة (المسيح) مشتقة من الكلمة العبرية (مِسياه).
ومصدر كلمة (المسيح) في اللغة العربية (مَسَحَ)، بمعنى: دَعَكَ ودَلَكَ، ودَهَنَ.
وقد كان الكهنة والملوك يمسحون (أو يدهنون) بالزيت المُقدّس لديهم عند رسمهم بوظائفهم( ).
ولقد نسبت النصرانية المسيح إلى أنه من نسل داود من جهة الجد، كما في (الرسالة إلى أهل رومية 1: 3)، والعجيب: أنه يدخل في نسل المسيح الذي تعتقد النصرانية بألوهيته، ما ينصّ كتابها على أنهم أولاد زنا، وهما (فارض وزارح) من ثامار.
بل ومن العجيب أيضًا، أننا نجد مثل ذلك التناقض البيّن الذي تقع فيه النصرانية، حيث إنه تناقض في أبسط الأمور، وهو ميلاد المسيح، حيث نُفاجئ بأن الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستانية تحتفل بميلاد المسيح في اليوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر، بينما نجد أن الكنائس الأرثوذوكسية، مثل الكنيسة القبطية واليونانية والروسية، تحتفل بميلاد المسيح في السابع من شهر يناير.
وإذا كان مثل ذلك التناقض في النصرانية، يقع في أبسط الأمور، فما بالنا بما هو أعظم منها، فهل نجد اتفاقًا؟!! بالتأكيد: لا، حيث إن الطوائف النصرانية (من كاثوليك، وبروتستانت، وأرثوذوكس، ...) برهان ذلك.
ومما يثير الدهشة والعجب، أننا نجد أن المسحيين (عابدي المسيح) لا يحفظون وصايا المسيح التي يذكرها كتابهم (الكتاب المقدس للنصرانية).
وذلك على الرغم من قول المسيح: «إن كنتم تحبّوني فاحفظوا وصاياي»، كما ينص على ذلك (إنجيل يوحنا 14: 15).
وإذا ما تساءلنا: لماذا لا تحفظون تلك الشريعة والوصايا؟
فإن الجواب يكون منهم (المسيحيين) على النحو الآتي:
حيث يقولون بأن الشريعة قد سُمِّرت على الصليب، وهم يعنون بذلك أن الشريعة قد انتهت وأُلغيت، ثم يستطردوا الكلام بقولهم: نحن الآن نعيش تحت الرحمة والنعمة الإلهية( ).
والتساؤل: إلى أي مدى يكون التضييع للتعاليم الدينية في النصرانية؟؟
بل والأكثر عجبًا، عدم الاستحياء من مثل ذلك التضييع لهذه التعاليم، والدفاع عن ذلك القول بمثل تلك المقولات الفارغة( ).
ولقد نسبت النصرانية للمسيح، أنه قال لوالدته «يا امرأة»، كما جاء في إنجيل (يوحنا 2: 4)، وكأنه ممتهنًا لها، مُتناسيًا فضلها.
ولقد نسبت النصرانية للمسيح أيضًا، أنه قال:
«أتظنون أني جئت لأعطي سلامًا على الأرض، كلا أقول لكم بل انقسامًا»، كما ينصّ على ذلك إنجيل (لوقا 12: 51).
مما يدل على أن النصرانية قد نسبت المسيح إلى الدمويّة والوحشية، وإثارة الحروب والفتن، وإحداث الخراب والإنقسام.
ويؤكد ذلك في النصرانية، أننا نجد من الأناجيل ما يُخبر بأن المسيح قد أمر بذبح أعداءه الذين رفضوا ملكه عليهم، كما في إنجيل (لوقا 19: 27).
إلى غير ذلك مما تنسبه النصرانية إلى المسيح، من تهم وادّعاءات لا أساس لها من الصحة، كأحد أنبياء الله تعالى.
ونختم هذه النقطة بما يوضح خصوصية رسالة المسيح إلى بني إسرائيل، وذلك من الكتاب المقدس للنصرانية، حيث ينصّ إنجيل متى (15: 22- 26) على أن المسيح قال:
«لم أُرسَل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالّة». وذلك في آخر الحدث المذكور بإنجيل متى.
مما يؤكد على أنه لابد من مجيء رساله عالمية بعد رسالة المسيح، بحيث تكون رسالة خاتمة لجميع الرسالات السابقة، وإلى البشرية كافّة.

أول معجزات المسيح في النصرانية
وإضافة إلى ما قد نسبته النصرانية للمسيح، نذكر ذلك الافتراء الذي رَمَته (النصرانية) به، ولكن تحت عنوان خاص لتوضيح خطورته، حيث زعمت النصرانية أن أول معجزات المسيح كانت تحويله الماء إلى خمر، وذلك كما في إنجيل يوحنا (2: 1 – 10)، أعاذنا الله تعالى منها ومن شرها.
وقد أشرنا إلى ذلك سابقًا، مع توضيح لبعض من خطورة تلك الخمور والمسكرات.
فمنذ أن ساد الاعتقاد في النصرانية بأن تحويل الماء إلى خمر، كان أحد معجزات المسيح، والخمر الخبيثة صارت تتدفق كالمياه وسط العالم المسيحي، لا سيما وأنهم يعتقدون بأنها ليست أحد معجزات المسيح فحسب، بل أول معجزاته، مع إدراكهم بأن تلك الخمر الخبيثة هي مصدر كل رذيلة، حيث إنه بغياب وعي وإدراك شخص ما بسبب الخمر، يصير مهيئًا تمامًا لارتكاب شتى أنواع الجرائم والرذائل والمنكرات، من قتل، وزنا واغتصاب، وسرقة، .... إلى غير ذلك من الفواحش والمنكرات( )، حيث يصير الإنسان يتصرف بطريقة عشوائية بهائمية مثل الحيوانات، بل أحطّ سلوكًا منها، بعد أن حُجب وفُقد عقله.
وهناك من القسيسين من تدرج في شرب الخمر إلى أن وصل إلى حدّ الإدمان في شربها، بسبب مثل ذلك الادّعاء الذي قد نُسب إلى المسيح افتراءً وزورًا.
حيث إن القسيسين كانوا يتناولون تلك الخمور فيما يُسمّى عندهم بالتقليد الكنسي بإقامة العشاء الربّاني (على حدّ زعمهم).
ونختم هذه النقطة بالإشارة إلى: أن الله سبحانه وتعالى مُنزّه تمامًا عن أن يُشرّع إباحة تناول أي من تلك الخمور والمسكرات، أو أن يجعل تحويل الماء إلى خمر معجزة لأحد أنبياءه ورسله.
فالله عز وجلّ عظيم، لا يصدر منه إلا ما هو جميل وعظيم.
حفظنا الله جميعًا من الخمور وشرّها، ومن سوء المعتقد في الله سبحانه وتعالى.

التحريف والكتاب المقدس للنصرانية، ونوع الكلام المذكور فيه
لقد استطاعت الأيدي الخفيّة ذات المطامع والأهواء أن تنال من الإنجيل الذي جاء به المسيح، ومن قبله التوراة التي جاء بها موسى... إلى غير ذلك مما قد سبق الإنجيل والتوراة في مجيئهما.
ومن ثم فإن الكتاب المقدس للنصرانية بما هو متضمن له مما يُسمّى بالعهد القديم، وأيضًا ما يُسمّى بالعهد الجديد، قد تم تحريفه وتضييعه من قِبَل الحاقدين وأعداء الدين.
ويشهد على ذلك: عدم وجود نسختان متطابقتان من المخطوطات التي ترجع إليها النصرانية، لتزكّي وتدعّم إحداهما الأخرى.
فإننا نجد تحت ما تسمّيه النصرانية بالعهد الجديد ما يُسمّى بإنجيل متى وإنجيل لوقا وإنجيل يوحنا وإنجيل مرقس، ولا نجد ما يُسمّى بإنجيل المسيح، إضافة إلى الاختلافات والتناقضات والتضاربات بين كل من تلك الأناجيل وبعضها البعض.
غير أننا نجد نسبة ما يُنسب إلى المسيح مع ما قد ناله من تحريف وتضييع، لا يتجاوز 10% من محتويات تلك الأناجيل المختلفة، والإنجيل ذو الحروف الحمراء يوضح ذلك.
وإذا كان الأمر كما ذكرنا، فماذا عن باقي محتويات الأناجيل الـ90%، الغير منسوبة إلى المسيح؟!! من كتبها؟ ومن أضافها؟ ولماذا؟!
وهل لأحد أن يكتب أو يضيف كلمة واحدة إلى كلام الله تعالى، فضلًا عن 90% تنسبها النصرانية من كتابها إلى غير كلام المسيح؟!
مع التنويه إلى: أنه من المعلوم أن الإنجيل الذي قد جاء به المسيح لم يُكتب في عهده، وإنما كانت كتابته بعد ما يُقارب الـ 300 سنة من رسالته، ومن ثم تعدّدت الأناجيل مع ما بها من اختلافات وتناقضات، وكثرة للمراجعات والتنقيحات إلى يومنا الراهن، والتي ستظل كذلك إلى ما شاء الله تعالى.
لذلك، فإنه لا يوجد سند متّصل لمثل تلك الأناجيل المختلفة يصحّ نسبه إلى المسيح.
ويؤكد ذلك: أن الكثير من كُتّاب ومؤلفي الكتب والأسفار التي يتكون منها الكتاب المقدس للنصرانية، منهم من هم مشكوك فيهم، ومنهم من هم مجهولون بالكليّة.
ومثال ذلك: أن الكُتَّاب للنسخة المنقحة يقولون عن مصدر سفر القضاة: أنه ربما يكون صموئيل، وسفر راعوث ربما يكون صموئيل، والعجيب: أنهم عندما يأتون إلى سفر صموئيل نفسه يعلنون أن المؤلف مجهول.
أي أن كتاب ومؤلفي الأسفار مشكوك فيهم.
وغير ذلك الكثير والكثير من الأسفار التي يشكّون في كتّابها ومؤلفيها، والأسفار التي يُجهل كتابها ومؤلفيها بالكلية.
ومن نماذج التحريفات والتغييرات التي قد تمّت بالكتاب المقدس للنصرانية، والتي اكتشفت بواسطة ما قام به المراجعون (من علماء المسيحية) للنسخة المعتمدة (نسخة الملك جيمس) للكتاب المقدس للنصرانية، حين رجعوا (كما يقولون) إلى المخطوطات الأكثر قدمًا، وهؤلاء المراجعون كما يوصفون: 32 عالمًا يعودون إلى خمسين طائفة مختلفة، حيث قد استبدلوا كلمة (ghost) بكلمة (spirit)، بحيث يصير المعزى الذي بشرت بمجيئه الأناجيل يُسمّى (The Holy spirit).
وذلك من التحريف والتغيير والتبديل البيِّن، حيث إنهم لو كانوا يعلمون أن ما بأيدهم هو كلام الله حقًّا لما تلاعبوا بكلماته وألفاظه مثل ذلك التلاعب الواضح الصريح، وذلك حتى يُشبعوا أهواءهم، وتتحقق لهم مطامعهم، وتتجدد المبيعات من كتابهم مرة أخرى، وهكذا، كما هو الدأب منذ زمن بعيد، حيث الإصدار المتجددة للنسخ العديدة المختلفة بمرور الزمان، ومن ثم جمع الأموال الطائلة جرّاء ذلك الإسلوب المخادع.
وصدق الله تعالى إذ يقول:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة: 79].
ومما يبرهن على أن الكتاب المقدّس للنصرانية قد حُرِّف وضيِّع: ما قد أشرنا إليه في النقطة السابقة لهذه الجزئية، تحت عنوان (إلى أي شيء يدعوا الكتاب المقدس للنصرانية؟)، بحيث يمكن الرجوع إليها، وذلك حتى لا نلجأ إلى التكرار.
نوع الكلام المذكور في الكتاب المقدس للنصرانية
ولإيضاح نوعية ذلك الكلام المذكور بكتاب النصرانية، نشير إلى مزيد من مواضع مثل تلك القصص الفاحشة الرذيلة، التي يتضمنها (الكتاب المقدس للنصرانية)، والتي تصور الكثير والكثير من مشاهد الزنا والاغتصاب وقصص العاهرات (الزواني)، مع وصف فاضح لعهرهن، وتفصيل مقذذ لتلك المشاهد جزءً بجزء، ابتداءً من أول الحدث وحتى نهايته، مما يثير الغرائز الجنسية للإنسان القارئ أو السامع لها، ومن ثم مُؤدّى ذلك إلى الانحطاط الخُلُقي، والانغماس في مستنقع مثل تلك الفواحش، والتي هي من أحطّ وأقبح الرذائل والمنكرات.
ومن ثم عدم ترك أدنى مجال للشك، لدى صاحب فطرة نقية ونفس زكيّة وعقل رشيد، في أنّ الكتاب المقدّس للنصرانية قد خضع تمامًا لما قام به الملوثون من تحريف وتضييع له.
ومن المواضع التي تؤكد ما أشرنا إليه، حيث لا يمكن ذكره تعفّفًا، الآتي:
(سفر التكوين 19: 3 – 35)، والذي ينصّ على أحد أنواع زنا المحارم، والذي هو من أقبح وأحطّ أنواع الزنا، حيث يذكر قصة زنا الأب بابنتيه، وكيفية حدوث ذلك.
(سفر التكوين 35: 22)، حيث يذكر قصة زنا الابن بزوجة أبيه.
(سفر التكوين 38: 15 – 18)، حيث يذكر قصة زنا الزوجة بوالد زوجها.
(سفر صموئيل الثاني 13: 11، 13 : 14)، حيث يذكر قصة زنا الأخ بأخته، بل اغتصابها.
(سفر صموئيل الثاني 16: 22)، حيث يذكر قصة زنا الابن بزوجات أبيه.
وإذا ما أراد أحد أن يقرأ مزيدًا عن الإباحية والجنس، فإنه يمكنه الرجوع إلى مثل تلك الأسفار بالكتاب المقدس للنصرانية، التي سوف نشير إلى مواضع بعض منها، حيث إن بها قصصا للعاهرات (الزواني) مع وصف فاضح لعهرهن، وتصوير مُقزّز لتلك المشاهد من الزنا، ومن تلك المواضع:
(سفر حزقيال 23: 1 – 49)، (سفر التثنية 38: 8 – 10).
(سفر هوشع 4 : 12)، (سفر هوشع 4: 14 – 15)، نشيد الإنشاد.
إلى غير ذلك من المواضع الكثيرة التي تؤكد ما ذكرنا.
ولذلك، فإن من قليل ما أشرنا إليه من بعض محتويات الكتاب المقدّس للنصرانية في هذه الجزئية، يتبيّن:
أن اللغة المستخدمة بالكتاب المقدس للنصرانية إنما هي لغة أهل الفسق والعهر، وأهل الخمور والفجور، حيث إن اللغة المستخدمة فاسقة إلى حد كبير، بحيث يستعف الإنسان الفاضل عن قراءة مثل ذلك الكلام بعينه، فضلًا عن سماعه أو النطق به.
ومن المُحال لذي فطرة سوية ونفس زكيّة وعقل رشيد، أن ينسب مثل ذلك الكلام المذكور بالكتاب المقدس للنصرانية إلى الله تعالى.
فتعالى الله عز وجل عن كل سوء علوًا كبيرًا.

مؤسس عقيدة التثليث في النصرانية
يعدّ بولس (قديس النصارى) هو مؤسس المسيحية القائمة على عقيدة التثليث (تعدد الآلهة)، كما نراها اليوم، وكذلك يعتبره النصارى أيضًا.
ولقد أدخل بولس في عقيدة النصرانية من الكفريات والشركيات، ما لم يقله المسيح عليه السلام، وما لم يدع إليه، وهذا ما يعترف به النصارى أنفسهم، غير أن بولس (قديس النصارى) قد غيّر وبَدَّل في كتاب النصرانية الكثير والكثير، حيث إن (بولس) قد ألّف أسفارًا (يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية) كثيرة أكثر من أي مؤلف آخر من مؤلفي الكتاب المقدس للنصرانية.
وقد كان يكتب في رسائله المؤلفة من التعبيرات والمبالغات ما لا يفهم معناها حرفيًا، مما قد جعل من تعاليم المسيح فوضى هائلة.
والعجيب، أننا نجد: أنه في حين عدم كتابة المسيح عليه السلام كلمة واحدة من الكتاب الذي تقدسه النصرانية، وأن ما يُنسب إليه من ذلك الكتاب (الكتاب المقدس للنصرانية) لا يتجاوز الـ10%، مع عدم كتابته له، حيث يتضح ذلك فيما يسمى بإنجيل الحروف الحمراء (الذي يوضح نسبة الكلام المنسوب إلى المسيح باللون الأحمر)، نجد أن قديس النصرانية بولس قد تفوق على المسيح وقام بتأليف أكثر من نصف الكتاب المقدس للنصرانية وحده (وفقًا لما تمليه عليه أهواءه، حيث إن كلام الله تعالى لا يُؤلف)، وذلك هو سبب تفضيل (مايكل هارت) لبولس على المسيح في كتابه أعظم مائة في التاريخ.
ولذلك: فإننا نجد أن النصرانية على الدوام عندما تتحدث، تقول: قال بولس ... يقول بولس ...، ولا نجدها تتحدث بما تنسبه إلى المسيح في كتابها إلا نادرًا.
ولا شك: أن ذلك من التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية، والذي يشهد بعدم مصداقية كتابها، وأنه ليس إلا مؤلفًا من قِبَل العديد من المؤلفين، وفقًا لما تمليه أهواء ومعتقدات كل منهم، ومن ثم نجد التناقض البيّن بين محتوياته ومؤلفاته (الكتاب المقدس للنصرانية).
ومن العجيب أيضًا، أننا نجد: أن مؤلفي أناجيل النصرانية لم يعرفوا شيئًا عن قديس النصارى (بولس)، بل إن بولس نفسه لم يكن يعلم شيئًا عن الأناجيل الأربعة لدى النصرانية، مع أنه (بولس) وغيره أنبياء في زعمها (النصرانية).
ولا شك أن ذلك أيضًا من التناقض العظيم الذي تقع في النصرانية، والذي يوضح عدم مصداقية كتابها، والذي يتضمن أقوال ومؤلفات كل منهم.
حقيقة بولس ونشأته
ونوضح هذه الجزئية من كتاب (عتاد)، للشيخ/ أحمد ديدات، مع تصرف يسير، كالآتي:
لم يكن بولس أحد الحواريين الـ 12 للمسيح عليه السلام، وإنما كان يهوديًا اسمه (شاول)، وكان يضطهد المسيحيين الأوائل أشدّ الاضطهاد كما يعترف هو بذلك، ومع أنه لم يكن من الحواريين إلا أنه قد كتب وألّف أكثر من نصف كتاب النصرانية وحده، وقد روّج المسيحية (بمفهومه ومعتقده الذي أدخله فيها) في عقر ديار الدولة الرومانية، وقدّم لهم الكثير من التسهيلات المخالفة للشريعة المسيحية (تبعًا لهواه وما يمليه عليه عقله) لكي يتحولوا إلى المسيحية، وقدّم لهم المسيح (كإنسان إله) أو (إله إنسان)، وهي صورة مألوفة لدى الرومان الذين كانوا يتصورون الآلهة على صورة البشر.
تعالى الله عز وجل عن ذلك الإفك علوًا كبيرًا.
ولقد أباح بولس للرومان أيضًا: شرب الخمور، وعدم ضرورة الاختتان، تجرءً وافتراءً منه على الله تعالى وشريعته.
ثم كانت عاقبته (بولس) المخزية من الله تعالى له في الدنيا قبل الآخرة، أن تمّ قتله صلبًا بأمر من الإمبراطور نفسه، وهو الإمبراطور نيرون.
فبولس إنما هو يهودي الأصل، قام ببث سمومه في المسيحية، ومن ثم تحريف مسارها عن الصراط المستقيم.
ولقد حاول أيضًا أحد اليهود، وهو عبد الله بن سبأ، أن يُقلّد بولس ويتبعه، بأن يفعل في الإسلام نفس ما فعله بولس في المسيحية.
حيث حاول عبد الله بن سبأ اليهودي، أن يبث سمومه أيضًا في الإسلام، بعد أن ادّعى الإسلام نفاقًا (أي أنه ما زال على اليهودية)، فأخذ يطعن في أئمة المسلمين، ويثير الفتن المؤديّة للحروب بين المسلمين ... إلى غير ذلك، مؤسسًا بذلك الفرقة المارقة، وهي (الشيعة الروافض)، التي لا تعرف لله حقًّا، ولا لطريق النبي محمد  اتباعًا، ولا تعرف لأصحابه الكرام قدرًا، وهم (الصحابة الكرام) الذين صبروا على عظيم الإبتلاءات والمحن، والتضحية بكل غالٍ وثمين من نفس ومال ... في سبيل نشر هذا الدين العظيم (الإسلام) إلى كافة أنحاء الأرض.
فلقد قام عبد الله بن سبأ (اليهودي) بتأسيس تلك الفرقة (الشيعة الروافض) على الاعتقاد الفاسد في ذات الله تعالى والعديد من المعتقدات الأخرى الفاسدة، والقائمة على الطعن في كتاب الله تعالى (القرآن الكريم) والقائمة على الطعن في آل بيت النبي محمد  (أزواجه الأطهار)، والقائمة على الطعن في أصحابه (أصحاب النبي محمد ) الكرام....، والقائمة على كثير من التشريعات الفاسدة (كزواج المتعة، واختلاس وسرقة الأموال بزعم جمعها لإمامهم المنتظر).... إلى غير ذلك من المعتقدات والتشريعات الفاسدة، والمفتراة على الله تعالى كذبًا وزورًا.
فلقد حاول عبد الله بن سبأ اليهودي، القيام تمامًا بعمل بولس في المسيحية، حيث إن (عبد الله بن سبأ) في بدايته قام بالرفع من مرتبة الإمام علي بن أبي طالب (أحد أصحاب النبي محمد ، ورابع الخلفاء الراشدين في الإسلام) إلى منزلة فوق منزلة من سبقه من أئمة المسلمين (أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان)، ثم قام برفع مرتبته (علي بن أبي طالب) إلى منزلة الألوهية، بعد أن ادّعى له الوصية بالخلافة.
وكان عبد الله بن سبأ اليهودي يحاول تأليه الإمام علي بن أبي طالب، مثلما فعل بولس بتأليه المسيح.
بل إن من التماثل والتطابق بين عبد الله بن سبأ اليهودي، وبين بولس المسيحية:
أن عبد الله بن سبأ بعد ما أن زعم ألوهية الإمام علي بن أبي طالب، زعم أنه نبي، محاكاة لما فعله بولس النصرانية، من تأليه للمسلح، وادّعاء لنفسه بالنبوة.
ولكن الفرق بين بولس المسيحية، وابن سبأ اليهودي:
أن بولس قد نجح في بث سمومه (من معتقدات باطلة وتشريعات فاسدة) في المسيحية، ومن ثم تحريف مسارها عن الصراط المستقيم.
بينما لم ينجح ابن سبأ اليهودي في ذلك، حفظًا من الله تعالى لهذا الدين الخاتم (الإسلام) الذي جاء به النبي محمد .
ثم كانت خاتمة السوء لذلك اليهودي المنافق عبد الله بن سبأ شبيهة أيضًا بنهاية ذلك المخادع بولس، الذي قد قُتل صلبًا بأمر من الإمبراطور نيرون، خزيا من الله تعالى لهما في الدنيا قبل الآخرة.
عقيدة بولس والتناقض العظيم
إننا نجد الكثير والكثير من التناقضات والاختلافات في المسيحية، ولكن ما يثير العجب والدهشة: أن يُناقض بولس (قديس النصرانية) المسيح نفسه (إله النصرانية، كما في اعتقادها).
فبينما نجد أن الخلاص (النجاة) عند المسيح يكون بالتحقق بما ورد في الوصايا كما
(إنجيل متى 19: 16- 7)، نجد أن الخلاص (النجاة) عند بولس يتم بالاعتقاد في تأليه المسيح، ومن ثم صلبه وموته (أي صلب وموت الإله).
تعالى الله عز وجل عن ذلك الإفك علوًا كبيرًا
وذلك يوضح التناقض العظيم الذي تقع فيه النصرانية، ومن ثم بطلان ما هي عليه من كلام بولس.
وإضافة إلى ما سبق:
إننا نلحظ بوضوع فساد ما يدعوا إليه قديس النصرانية بولس، من معتقدات وتشريعات باطلة، ومن ذلك: رسالته إلى أهل رومية (8: 15)، حيث تقول:
«إن روح الله تدخل فيك، وتُصبح ولدًا لله، وتصرخ: أبا الباب ... فقد أصبح الآن الله أبوك، ويمضي ويقول: إنه قد أصبح الآن لك أيضًا أم جديدة».
ولذلك يوجد الآن من يطلقون على أنفسهم المولودين مرة ثانية، ويقولون: بأن أبانا الله (تعالى الله عن ذلك الإفك علوًا كبيرا).
ويتضح من ذلك الذي أشرنا إليه: أنه إذا ما كان الأصل (المعتقد) فاسدًا، فإننا لا نندهش مما قد يصل إليه المرء بعد ذلك، من عظيم الفحش والفساد في المعتقد الذي يؤمن به وكذلك التشريع الذي يتمسك به، والسلوكيات والتصرفات الصادرة منه، حيث إن المرء إذا لم يستح، فهو يصنع ما يشاء.
من تشريعات بولس
ها هو قديس النصرانية (بولس) يستطرد في بث سمومه في المسيحية، من خلال تشريعاته الفاسدة، التي لا تطيب لها نفس سوية ولا يُقرّ بها عقل رشيد.
فبينما نجد ما قد أثبته العلم الحديث من الأضرار والمفاسد الناتجة عن تناول الخمور والمسكرات، نجد أن قديس النصانية بولس يقدم للنصرانية الوصيّة بشرب الخمر عن الماء، ويفضله على الماء، على أن يكون ذلك وحيًا من الله تعالى، كما في الرسالة الأولى إلى (ثيموثاوس 5: 23).
تعالى الله عز وجل عن ذلك علوًا كبيرا.
وبذلك يكون قديس النصارى بولس قد وصف الله تعالى بالجهلِ وعدم علمه بما تسببه الخمور والكحوليات من أضرار لمتناوليها، ومن ثم عدم حكمته في تشريعاته وأحكامه (تعالى الله عز وجل عن كل ذلك الإفك علوًا كبيرا).
بل إننا نجد أيضًا أن قديس النصرانية بولس، قد ناقض وخالف ما جاء بوجوب الختان، كما في العهد القديم من الكتاب المقدس للنصرانية.
ولم يكتف بولس بمعارضته لما جاء في الكتاب المقدس للنصرانية، بل إنه قد هدّد كل من يختتن بأنه لن ينفعه المسيح بشيء، إلى غير ذلك من تشريعاته (تشريعات بولس) الفاسدة، النابعة من أهواءه ومن ثم يتبين لنا كذب بولس وافتراءه على الله تعالى، بل إنه يعترف بذلك.
من اعترافات بولس:
لقد اعترف بولس بكذبه على الله تعالى، كما ورد في رسالته إلى أهل روميّة (3: 7)، حيث يقول: «إن كان صدق الله، قد ازداد بكذبي لمجده».
بل إن من العجيب: أنه (بولس) يدافع عن كذبه وخطيئته، فيقول:
«فلماذا أُدان أنا بعد كخاطئ».
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير من فضائح وأكاذيب قديس النصرانية (بولس).
ومما أشرنا إليه من الدلائل الواضحة، يكون البرهان والاستنتاج، بأن: قديس النصرانية بولس، ليس بنبي كما هو الزعم لديها، وإنما هو مفتر متجرئ على الله تعالى وأحكامه وتشريعاته، ومن ثم يتبيّن عدم مصداقية الكتاب المقدس للنصرانية، والذي قد ألف بولس أكثر من نصفه وحده، وأنه ليس بكلام الله عز وجل، وإنما هو كتاب مؤلف من قبل البشر، أمثال بولس وغيره.

نشأة عقيدة التثليث، ومن ثم عقيدة الصلب والفداء، وبطلانهما
إن المتصفح في الكتاب المقدس للنصرانية، يجد أنه كتاب قائم على جذور إغريقية (يونانية) بمفاهيم مغلوطة، حيث إن التراث الإغريقي (اليوناني) هو ما كان سائدًا في العالم حينئذ.
فقد كانت الثقافة اليونانية القائمة على تعدد الآلهة وتجسيمها هي المسيطرة في ذلك الوقت، ومن تلك النقطة كانت البداية في انحراف النصرانية عن توحيد الله تعالى، وإتجاهها إلى التثليث.
وقد انتشرت تلك العقيدة الفاسدة (التي تذمّ وتعيب الإله الخالق) في اليونان وإيطاليا.
ولقد شاع في الوثنيات القديمة اعتبار بعض الملوك والعظماء آلهة ومخلّصين للشعوب من الأزمات والخطايا، ويوضح ذلك ما ذكره السير (آرثر فندلاي) في كتابه (صخرة الحق)، حيث ذكر أسماء ستة عشر شخصًا اعتبرتهم الأمم آلهة سعوا في خلاص هذه الأمم، منهم:
أوزوريس في مصر (1700 ق.م)، وبعل في بابل (1200 ق.م)، وديوس فيوس في اليونان (1100 ق.م)، وكرشنا في الهند (1000 ق.م)، وبوذا في الصين (560 ق.م)، وبرومثيوس في اليونان (547 ق.م)، ومتر (متراس) في فارس (400 ق.م).
ونتيجة للغلو في محبة شخصية المسيح، اعتبرته بعض الطوائف إلهًا أيضًا، ثم نشأت عقيدة الصلب والفداء لوضع مُبرّر لنزول ذلك الإله على الأرض، ثم عملت على نشر ذلك المعتقد الفاسد.
ومن المعلوم أن أقدم إنجيل لدى النصرانية إنما هو باللغة اليونانية، على الرغم من أن اليونانية لغة لم يتكلمها المسيح عليه السلام، وذلك من التناقضات العظيمة التي تقع فيها النصرانية، والتي توضح أن الإنجيل الذي بين يديها الآن ليس من كلام المسيح، وإنما هو تأليف بشري، لكثير من المؤلفين، وفقًا لما تمليه عليهم الأهواء.
وعند الرجوع 1000 سنة ق.م، نجد أن التاريخ مليء بنقوش وكتابات تعكس إعجاب الناس بالشمس، والسبب في ذلك: أن الشمس تشرق كل صباح مُحضِرةً الرؤية والدفء، ومُنقذة للإنسان من الليل البارد... إلى غير ذلك من منافعها، التي هي بتقدير من الله تعالى.
فبدون الشمس، عرفت الثقافات أن المحاصيل لن تنمو، ولن تبقى حياة على الأرض.
فالحضارات القديمة تتبعث الشمس والنجوم، وقامت بتجسيد حركاتها وعلاقاتها ببعضها البعض في أساطير مختلفة.
لقد تمّ تجسيد الشمس بصفاتها التي قد جعلها الله تعالى سبًا في الإنقاذ على أنها الخالق، أو الإله الغير منظور، حيث كانت تُعرف بـ(شمس الإله) أو (نور العالم) أو (مُخلّص البشرية). وكذلك اعْتُبرت البروج الـ 12 الفلكية أماكن حلول شمس الإله.
فحورس هو إله الشمس عند المصريين القدماء (3000 ق.م)، حيث إن (حورس) هو الشمس المتجسدة كإنسان، وحياته عبارة عن سلسلة من الأساطير المستعارة من حركة الشمس في السماء.
فحورس (الإله الشمس المتجسد كإنسان) عند المصريين القدماء هو نفسه المسيح (الإله المتجسد كإنسان) عند النصارى اليوم، ويتبيّن ذلك جليًّا من قصة حورس الخرافية، المطابقة لما قد افتراه المسيحيون على المسيح من أوهام وقصص خيالية ونوضح ذلك، كالآتي:
- وُلد حورس في 25 ديسمبر من العذراء إيزيس (ماري)، (كما يعتقد المصريون القدماء)، وأن ولادته قد ترافقت بظهور نجم في الشرق، ثم قام ثلاثة ملوك بتتبعها لتحديد المولود (المُخلِّص، كما في زعمهم).
- وفي سن 12 سنة كان حورس صبيًّا كثير العلم، ومعلما.
- وفي سن الـ 30 من عمر حورس، قام من يُدعى بـ(أنوب) بتعميده، وهكذا بدأ خدمته.
- وأيضًا كان لحورس 12 تلميذ يجول معهم.
- وقد صنع حورس أيضًا العديد من المعجزات (كما في زعم المصريين القدماء)، مثل شفاء المرضى، والسير على الماء.
- وعُرف حورس بالعديد من الأسماء الإيحائية (كما في زعم المصريين القدماء)، مثل: الحق والنور، وابن الإله الممسوح، وحمل الإله، والراعي الصالح .... إلى غير ذلك.
- ووفقًا لما في معتقد المصريين القدماء، نجد أن حورس (الإله الشمس المتجسد كإنسان كما في زعمهم) قد صُلب بعد أن خانه (تبفون)، ثم دُفِن (حورس) 3 أيام، وأنه قام بعد ذلك من بين الأموات.
ومما أشرنا إليه، يتضح: أن قصة حورس الزائفة عند القدماء المصريين، هي نفسها قصة المسيح المفتراة زورًا وبهتانًا من عُبَّاده المسيحيين اليوم، حيث إن الفرق الوحيد هو في اختلاف الزمان، وأسماء الأشخاص.
فتعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرا.
فمن رضي في اعتقاده بإلهه وخالقه مثل تلك الأوهام والافتراءات، ومثل تلك النقائص والعيوب، كتجسده (الإله الخالق العظيم) في صورة بشرية كمخلوق ضعيف، ومن ثم صلبه وقتله، ودفنه بين الأموات، وقد صاروا أجسادًا بالية، مُتحلّلة، تسري الديدان القذرة بين أحشاءها ومن فوقها وعلى جنباتها، فعليه أن يؤمن أيضًا بحورس (إله الشمس عند المصريين القدماء)، لأنه لا فرق إذن بين أي من الاعتقادين الفاسدين، سواءً كان عند المصريين القدماء أو لدى النصارى اليوم.
والتساؤل المهم:
أنه إذا ما آمنت النصارى بما كان عليه المصريون القدماء، من اعتقاد فاسد، ولا سبيل لها غير ذلك، لأن كلتا القصتين متطابقتين، فأي من الإلهين أحقّ بالعبادة، حورس كما يعتقد المصريون القدماء، أم المسيح الذي يزعمون ألوهيته؟؟
(مجاراة لافتراءات النصرانية)
وإذا ما جازف أحدهم (أحد النصارى) عنادًا، واتباعًا للهوى، باختيار أحدها (وهو المسيح)، فهل يكون المسيح حقًّا هو الأحقّ بالعبادة، إذا ما علمنا أن هناك الكثير من القصص المزعومة عند القدماء (ق.م)، مُطابِقة لقصة المسيح (المُفتراة) عند النصارى اليوم، مع العلم بأن تلك القصص المتماثلة لقصة المسيح، هي أقدم وأسبق بكثير مما قد افترته النصرانية اليوم حول المسيح والزعم بألوهيته وعبادته، فهل يكون المسيح بذلك هو الأحق بالعبادة؟!
(مجاراة لافتراءات النصرانية)
فما قصة المسيح المزعومة لدى النصارى اليوم إلا نقل ونسخ لما كانت عليه الأمم السابقة من اعتقادات فاسدة، وزعم باطل.
لا شك: أنه لا التباس بين الحق والباطل، وأن الحق هو في غير مثل ذلك المعتقد الفاسد، الذي قد تناقلته النصرانية اليوم من الأمم السابقة، والذي يعيب وينقص من قدر وشأن الإله العظيم الخالق.
ونوضح: أن خِصال حورس المطابقة لافتراءات النصرانية اليوم بشأن إلهها المسيح، كانت موجودة في العديد من ثقافات العالم، حيث إن العديد من الآلة الأخرى (كما في معتقدات الشعوب السابقة) تحمل نفس الإطار الإسطوري العام، مثل:
- أتيس (فرجيا): وُلِد من العذراء ناتا، في 25 من ديسمبر، ثم صُلب ودُفن، ثم بعد 3 أيام قام من بين الأموات (كما في زعمهم الباطل).
- ومثل: كريشنا (الهند): وُلِد من العذراء ديفاكي، مع نجم في الشرق يُعلن ولادته، وأنه صنع المعجزات مع تلاميذه، ثم بعد موته قام أيضًا من بين الأموات (كما في معتقدهم الباطل).
- ومثل دنيوسيس (اليونان): وُلد من عذراء في 25 ديسمبر، وأنه كان مُعلّما رحّالًا، صنع المعجزات مثل تحويله الماء إلى خمر (وفي ذلك تطابق لما تفتريه النصرانية على المسيح من أن أول معجزاته كانت تحويله الخمر إلى ماء)، وأنه سُمِّي بأسماء مثل (ملك الملوك) و(ابن الإله الوحيد المولود)، وأنه أيضًا بعد موته قام من بين الأموات (كما في معتقداتهم الباطلة).
- ومثل ميترا (الفرس): وُلِد من عذراء في 25 ديسمبر، وكان لديه 12 تلميذ، وأنه صنع المعجزات، ثم بعد موته بـ 3 أيام قام من بين الأموات.
والعجيب: أن يوم عبادة ميترا (الفرس)، هو يوم الأحد .... إلى غير ذلك، من معتقداتهم الباطلة.
خلاصة الأمر:
أن هناك العديد من المُخلِّصين من جميع أنحاء العالم، يشتركون في الصفات العامة (كما هو الزعم الكاذب)، مما هو يدعوا إلى تساؤل مهم، وهو:
لماذا تلك الصفات؟ لماذا الميلاد العذري (من عذراء، أي بدون تدخل بشري) في 25 من ديسمبر؟؟
وللإجابة على ذلك التساؤل، نتعرّف على آخر المخلّصين وهو المسيح (كما هو الزعم لدى النصرانية)، والذي يعبده النصارى، ويقولون، بأنه إله مُتجسد في صورة إنسان.
فالمسيح، كما في زعم النصرانية: وُلِد من العذراء مريم في 25 ديسمبر في بيت لحم، وأُعلنت ولادته بنجم في الشرق، وقام بتتبعه ثلاثة ملوك، أو مجوس لتحديد وإهداء المُخلّص الجديد.
وأنه (المسيح) عندما كان عمره 12 سنة كان صبيًّا معلِّمًا.
وأنه (المسيح) عندما كان عمره 30 سنة، قام يوحنا المعمدان بتعميده.
وأنه (المسيح) كان له 12 تلميذ يتجول معهم، ويصنع المعجزات، مثل شفاء المرضى، والسير على الماء، تمامًا مثلما كان يعتقد المصريون القدماء في إلههم حورس الذي كان متجسدًا في صورة إنسان.
وأنه (المسيح) كان يُعرف بـ(ملك الملوك) و(نور العالم) و(حمل الإله) تمامًا مثلما كان يعتقد اليونانيون (في نيوسيس).
وأنه (المسيح) بعدما أن تمّت خيانته من يهوذا، تمّ صلبه، ووضع في القبر، ثم بعد 3 أيام قام من بين الأموات.
تعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرا.
وهنا يبدو تساؤل جديد، وهو:
لماذا خصّص 25 ديسمبر بالميلاد العذري للآلهة المزعومة، دون غيره من التواريخ؟
الجواب: هو: لعل ما دفع إلى ذلك الوهم الباطل، والأكاذيب المفتراة، هو:
أنه في 25 ديسمبر تتحرك الشمس درجة واحدة شمالًا، مُبشّرة بطول الأيام.
ولعلنا نلحظ أيضًا: أن أكثر رموز فلكية تتعلق بتلاميذ مسيح النصرانية الـ 12 تلميذ، هي الأبراج الـ 12 في دائرة الأبراج الفلكية.
تساؤل آخر:
لماذا تتوهّم وتعتقد الشعوب السابقة (التي كانت تعبد الشمس وغيرها كآلهة متجسدة في صورة بشرية) ومن ثم النصرانية تابعة لها (حيث قامت بعبادة المسيح كإله متجسد في صورة بشرية) الموت لآلهتها المزعومة لمدة 3 أيام؟!
الجواب، لعل ما دفعهم إلى ذلك: أنه ابتداءً من يوم 22 ديسمبر تبدو الشمس وكأنها قد توقفت عن الحركة لمدة 3 أيام، وكأن فَناء الشمس صار أمرًا مُحققًا، وهو ما يُسمّونه توهّمًا (بموت الشمس)، وخلال تلك الأيام الثلاثة الفاصلة، تقع الشمس قرب تشكيلة الأبراج المُسمّاه بالصليب الجنوبي.
وفي 25 ديسمبر تتحرك الشمس بمقدار درجة واحدة شمالًا مبشرة بطول الأيام.
ولهذا السبب يُقال ماتت الشمس على الصليب لمدة 3 أيام فقط، لتقوم أو لتتولد من جديد.
ولهذا السبب يتشارك مسيح النصرانية، والآلهة الأخرى كالشمس وغيرها في الصلب والموت لمدة 3 أيام، والقيامة من الموت (افتراءً وكذبًا على الله تعالى).
فالمسيحية ليست إلا مُجرّد قصة رومانية، تطورت سياسيًا، ويسوع (المسيح) النصرانية هو الإله الشمس للمسيحية الغنوسية.
فالديانة المسيحية (النصرانية) في تصورها اليوم، ليست إلا محاكاةً ساخرةً لعبادة الشمس، حيث وضعت رجلاً يسمى يسوع (المسيح) مكان الشمس، ومنحته العبادة التي كانت أصلًا للشمس فالمسيحية في تصورها اليوم ليست إلا بناء على الباطل، كما يشهد التاريخ بذلك.

نقض عقيدة التثليث، وبطلانها
يقول إنجيل يوحنا: «لأن الشهود في السماء ثلاثة، الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة واحد» (رسالة يوحنا الأولى 5: 7).
فتلك الجملة هي أقرب إلى ما يسميه النصارى بالثالوث المقدس، وهو أحد دعائم النصرانية ولكن العجيب في الأمر (كإحدى التناقضات في المسيحية) هو أن مراجعوا النصوص المنقحة قاموا بحذف تلك الجملة، باعتبارها زيفًا عقائديًا، ولكن الترجمات الأخرى لكتابهم المقدس ما زالت تحتوي على تلك الفقرة السابق ذكرها (التي تمثل الإعتقاد الزائف لدى النصرانية)، والتي قد حُذِفت قبل ذلك من مراجعوا النصوص المنقحة( ).
نقض وإبطال عقيدة التثليث بالدليل
والبرهان العقلي الدامغ
أ- إن النصرانية تقول بأن الآب هو الله، والابن هو الإله، والروح القدس هو الله، ولكنهم ليسوى ثلاثة آلهة، وإنما هو إله واحد.
- وتقول بأن الآب قدير، والابن قدير، والروح القدس قدير، ولكنهم جميعًا ليسوا ثلاثة قديرين، وإنما هو قدير واحد.
- وتقول بأن الآب شخص، أو أقنوم، والابن شخص أو أقنوم، والروح القدس شخص أو أقنوم، ولكنهم ليسوا ثلاثة أشخاص أو أقانيم، وإنما هم شخص أو أقنوم واحد( ).
وذلك يُنافي أدنى درجات العقول.
فأي من اللغات تتحدث النصرانية بها، حيث تجعل الثلاثة واحدًا، والواحد ثلاثة.
فالفطر السليمة السوية السويّة، والعقول الراجحة الرشيدة تخالف وتعارض ذلك المعتقد أشد ما يكون التخالف والتعارض.
ب- وكما أشرنا، فإن النصرانية تعتقد بأن الإله عبارة عن ثلاثة أشخاص أو أقانيم، وهم الآب والابن والروح القدس، وأن هؤلاء الثلاثة هم واحد، وقد أوضحنا أن ذلك يخالف أدنى درجات المعقول، حيث إن ذلك يقود إلى الاعتقاد (عن طريق الاستنتاج) بأنهم (الأشخاص أو الأقانيم) غير منفصلين.
وبما أن النصرانية تعتقد أن الإله الابن (المسيح) قد عُذِّب وصُلب، ثم مات، فإن ذلك يعني: أن كلا من الآب والابن والروح القدس قد عُذِّبا أيضًا مع الابن لكونهما غير منفصلين عنه.
(مجاراة لافتراءات النصرانية على الله تعالى)
وذلك لأن النصرانية تعتقد أن الثلاثة أقانيم المتمثلة في الآب والابن والروح القدس، إنما هم واحد. ومن ثم فإن الإله الابن عندما مات، فإن ذلك يعني: أن الآب والروح القدس قد ماتا معه أيضًا، لكونهم غير منفصلين عنه (مجاراة لافتراءات النصرانية على الله تعالى).
وذلك يقودنا إلى تساؤل مهم، وهو: هل يموت الإله؟!
وإذا كان قد مات كما تعتقد النصرانية، فمن كان يُدبّر العالم الذي يحيا فيه، وغيره مما هو ليس بمعلوم لدينا؟!
وإذا كان إله النصرانية قد مات، فمن الذي أحياه بعد موته؟ هل هو إله آخر؟!
تعالى الله عز وجل عن مثل تلك الافتراءات التي تزعمها النصرانية، علوًا كبيرا.
وأعاذنا الله تعالى من فساد القلب والعقل، ونلوذ به سبحانه وتعالى من أن نُغمس في مثل ذلك المستنقع الروحي الذي تتمرغ فيه النصرانية.
ومما أشرنا إليه بإيجاز، يتبيّن لنا جليًّا بطلان عقيدة التثليث التي تزعمها النصرانية، والتي تتنافى مع أقل درجات المعقول، حيث إن الله تعالى قد وهبنا العقل لنعقل به، ونميز بين الحق والباطل من خلاله.

مؤلفي الأناجيل، وبطلان الادّعاء بالإلهام
لقد تم اختيار 4 أناجيل من قِبَل الكنيسة، من بين الكثير والكثير من الأناجيل المختلفة المؤلفة، وذلك وفقًا لما يتوافق مع مرادها من تأليه للمسيح، والزعم بصلبه وقتله، ثم قيامته بعد ذلك من بين الأموات.
لذلك: فإن تلك الأناجيل الأربعة تنسب إلى (4) أربعة مؤلفين، هم متى ولوقا ومرقس ويوحنا.
فيقال: إنجيل متى، ويُقال: إنجيل لوقا أو إنجيل مرقس أو إنجيل يوحنا، ولا يوجد من بينها إنجيل المسيح عيسى عليه السلام، على الرَغم من أنه هو من أُنزل عليه الوحي من الله تبارك وتعالى، وهو من جاء بالرسالة، لا متى أو غيره من مؤلفي الأناجيل.
ويرجع عدم وجود إنجيل المسيح عيسى عليه السلام، إلى أنه لم تُكتب كلمة واحدة من الإنجيل طوال حياته (كما تقرّ النصرانية بذلك)، ولم يأمر أحدًا بكتابته.
لذلك: فإن جميع الكتب المتضمن لها الكتاب المقدس للنصرانية، ما هي إلا كتبًا مجهولة الهوية، كما يعترف بذلك علماء النصرانية المتخصصون، وكما سوف نوضح ذلك بمشيئة الله تعالى في النقاط القادمة.
غير أننا نجد: أن متى يستخدم إنجيل مرقس على إطلاق بلا قيد، حيث ينقل وينسخ منه إلى إنجيله، كما يتبيّن ذلك جليًّا من كتابهما، مما يوضح بطلان الادّعاء بالإلهام لمؤلفي الأناجيل.
ونجد أيضًا: أن مرقس على الرغم من أنه لم يكن أحد حواري المسيح، إلا أنه قام بتأليف إنجيل خاص به.
وذلك أيضًا من التناقض العظيم الذي تقع النصرانية فيه، والذي يؤكد أن تلك الأناجيل المؤلفة ليست إلا كتبًا مجهولة الهوية لأشخاص مجهولين.

ومن أعظم التناقضات في الكتاب المقدس للنصرانية:
أننا نجد أن (لوقا)، أحد مؤلفي الأناجيل المُتضمن لها الكتاب المقدس للنصرانية، والذي تزعم النصرانية إلهامه فيما يكتبه (أي أن النصرانية تزعم أن ما يكتبه كان بوحي من الله)، نجده ينسب المسيح في إنجيله إلى أنه (ابن يوسف)، وذلك يعني:
1- أن المسيح ليس إلهًا، أو ابنًا للإله، حيث إن أباه معلوم لديه، وهو يوسف النجار، وهو بذلك يخالف ويناقض المسيحيين حيث تأليههم للمسيح.
2- أو أن ذلك، يعني: أن السيدة مريم، إما:
أ- أنها قد تزوجت من يوسف النجار، وأنجبت المسيح، وهو بذلك يخالف المسيحيين أيضًا، وكذلك المسلمين، حيث إن السيدة مريم لم تكن متزوجة من أحد.
ب- أو أن السيدة مريم ، كانت غير متزوجة من يوسف النجار، وبذلك يكون قد نسبها إلى الفحش والفجور، ومن ثم نسب ولدها إلى أنه وَلَد زنا، موافقًا بذلك ادّعاءات وافتراءات اليهودية، وذلك كله ادّعاء باطل.
لذلك فإن لوقا بكلامه، يكون مناقضًا للمعتقد التي عليه المسيحية الآن.
ومن الأدلة على بطلان الادّعاء بالإلهام من الله تعالى لمؤلفي الأناجيل:
1- أننا نجد أن (لوقا) يذكر في إنجيله ويقول (نحو) أي (ما يُقارب)، وفي ذلك إشارة واضحة بيّنة إلى عدم إيحاء الله تعالى له، ومن ثم بطلان الادّعاء بالإلهام من الله عز وجل.
لأنه لو كان ما يقوله (لوقا) وحيًا من الله تعالى، لذكر ما يكتبه من أحداث بالصيغة الجازمة المثبتة، الغير تقديرية منه، والخاضعة لعقله، ومن ثم احتمال الصواب والخطأ فيها.
2- أننا نجد: أن لوقا ومرقس أو غيرهما، ليسوا من الحواريين.
فإذا كان الأمر بالنسبة للحواريين (أصحاب وتلاميذ المسيح)، إذا ما ادّعى أي منهم الإلهام من الله تعالى، يحتاج إلى الإثباتات والدلائل البيّنة التي توضح وتؤكد ذلك الادّعاء المزعوم بالإلهام، مع عدم وجود أي من تلك الإثباتات أو الدلائل، فما بالنا بغير الحواريين، إذا ما ادّعى أي منهم الإلهام؟؟
وإذا لم يثبت بدليل بيّن واضح، إلهام أي من الحواريين، فهل يكون (لوقا ومرقس ..) من ذوي الإلهام؟؟
بالطبع: لا، فما ذلك كله إلا ادّعاء كاذب، وافتراء باطل على الله تعالى.
قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة الأنعام: 93]
3- ومن الأدلة على بطلان الادّعاء بالإلهام: التناقضات والاختلافات والأغلاط الفاحشة في الأناجيل ومن ثم الكتاب المقدس للنصرانية، المتضمن لها.
إن التناقضات والاختلافات، والأغلاط الفاحشة في الأناجيل، ومن ثم الكتاب المقدس للنصرانية، تثبت بطلان الادّعاء بالإلهام لكتبة ومؤلفي الأناجيل المختلفة، حيث إنه:
من المفترض أنه لا اختلاف بين ما يُلهمه مؤلفوا الأناجيل، وأنه لابد وأن يكون واحدًا فقط، وليس ذو تناقض واختلاف.
ولكن ما نجده، وكما هو متضح من الأناجيل المختلفة: أن مؤلفي الأناجيل إنما يكتبون ويؤلفون حسب طبائعهم وعاداتهم، ومفهومهم، وأن ما يُدعى بالإلهام، إنما هو ادّعاء لا سند له، ولكنه التوهم والتخمين.
فالأناجيل مليئة بالتناقضات والاختلافات، اللفظية والمعنوية، وعلى سبيل المثال لا الحصر: نجد أن إنجيل متى ومرقس يتناقضان ويختلفان في التحرير (كتاباتهما)، وإذا ما اتفقا (نادرًا)، نجد أن إنجيل لوقا يكون مخالفًا لهما.
ومن المعلوم أنه كان هناك أناجيل أخرى كثيرة، موجودة، ولكن ما حدث، هو: أن تم اختيار 4 أناجيل، وهي إنجيل متى، ولوقا، ومرقس، ويوحنا، وكان من الممكن أن يكون الاختيار لتلك الأناجيل أكثر أو أقل من ذلك العدد المُختار لتلك الأناجيل الأربعة.
والتساؤل المهم، الذي يوضح بطلان ذلك الادّعاء بالإلهام لمؤلفي الأناجيل، هو:
إذا ما كان مؤلفوا الأناجيل المختارة مُلهمين في زعم النصرانية، فهل يكون أي من أصحاب الأناجيل الأخرى مُهلمًا، إذا أضيف إنجيله الذي قد ألفه لمحتويات الكتاب المقدس للنصرانية؟!
وإذا ما تم استبعاد أي من تلك الأناجيل الأربعة عند الاختيار من بين كثير من الأناجيل، فهل يعني ذلك أن كاتبه ومؤلفه ليس بملهم؟؟
هل ذلك المقياس القائم على التخمين واتباع الأوهام والظنون، والمترتب على الاجتماعات والندوات (كما في مؤتمر نيقيه 325 م) المُعرّضة للخطأ والإصابة، والتي ينتاب اقتراحاتها وقراراتها التغيير والتعديل، من جيل إلى جيل، ومن كنيسة لأخرى، هو من يحكم بإلهام أو غير إلهام هؤلاء المؤلفين لتلك الأناجيل، التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، والذي تنسبه النصرانية إلى الله تعالى، وتزعم حفظه؟!!
بالطبع: لا، ولذلك: فإن الادّعاء بالإلهام لمؤلفي الأناجيل المختلفة، والمليئة بالتناقضات والاختلافات، والأغلاط الفاحشة إنما هو ادّعاء كاذب، وزعم باطل.
4- ومن الأدلة على بطلان الادّعاء بالإلهام، أننا نجد:
أن النصرانية قد دسَّت أبناء الزنى (في العهد القديم) في سلسلة نسب المسيح (في العهد الجديد) بكتابها الذي تزعم قدسيته، وذلك على الرغم من اعتقادها بألوهية المسيح، وأنه هو الربّ والمخلّص، وعلى الرغم أيضًا من أن المسيح لا نسب له أصلًا، لأنه قد وُلد من غير أب.
ولكننا نجد النصرانية قد اخترعت له (المسيح) نسبًا، متضمنًا لستة من الزناة وذريتهم، مع أنه كان من المفترض أن يُرجموا، وفقًا لحكم الله تعالى فيهم (كزناة)، كما أوحى جل وعلا بذلك إلى نبيه موسى عليه السلام.
وذلك يوضح ويبيّن: بطلان الادّعاء بالهام مؤلفي الأناجيل من الله تعالى، حيث:
إن مثل تلك الافتراءات لا يمكن أن يكون مصدرها الوحي الإلهي، ولكنها الأهواء والشهوات، المُحرِّك الأساسي، والدافع القوي لمثل تلك الادّعاءات الكاذبة، والافتراءات الباطلة.
ومن التناقض العجيب أيضًا (الذي تزعمه النصرانية) أن أحد مؤلفي الأناجيل المتضمن لها الكتاب المقدس للنصرانية، وهو متى، قد قام بتسجيل 26 اسمًا في سلسلة، مُدّعيًا بأنها سلسلة نسب المسيح من جهة أبيه، على الرغم من أن المسيح قد وُلِد من غير أب.
وأما إذا ما حاولت النصرانية خروجًا من ذلك المأزق الكبير الذي قام متى بوضعها فيه من خلال ما ذكره في إنجيله، وزعمت (النصرانية) بأن تلك السلسلة لنسب المسيح إنما هي من جهة والدته (السيدة مريم)، فذلك زعم غير صحيح مطلقًا، والسبب في ذلك ببساطة وبوضوح، هو: أن متى لم يذكر اسم السيدة مريم في تلك السلسلة وفي غيرها.
وعلى الرغم من اعتقاد متى في (المسيح) بأنه إلهه ومُخلّصه، إلا أنه يضع تلك السلسلة كآباء وأجداد لإلهه الذي يعبده.
تعالى الله عز وجل عن كل ذلك علوًا كبيرًا.
ثم نجد أن لوقا (أحد مؤلفي الأناجيل) يضع هو الآخر في إنجيله نسبًا للمسيح (الذي لم يكن له نسب أصلًا)، على الرغم من أنه يعتقد فيه (في المسيح) الألوهية، ويعتقد أنه مخلّصه.
إلا أننا نجد: أن لوقا في إنجيله لم يوافق متى على تلك السلسلة من النسب المزعوم للمسيح، فهو لم يكتف بـ (26) أبًا وجدًا لإلهه الذي يعبده (المسيح)، بل إنه سجل (41) أبًا وجدًّا لإلهه ومخلصه الذي يؤمن به.
تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا.
وكما أوضحنا، فإن متى ولوقا قد وضعا في تلك السلسلة من النسب المزعوم، العديد من الزناة، تعالى الله عز وجل عن مثل تلك الادّعاءات الكاذبة، والافتراءات الباطلة علوًا كبيرًا.
ومن التناقض العجيب أيضًا:
أنه في كلتا سلسلتي النسب المزعوم للمسيح، بإنجيل متى ولوقا، لا نجد إسمًا واحدًا مشتركًا بين تلك الأسماء الموجودة في أي من القائمتين للنسب المزعوم، سوى اسم يوسف، الذي يزعم كل منهما (متى ولوقا) في غرابة ودهشة، أنه والد المسيح، كما يتبين من إنجيل لوقا (3: 23)، وذلك بعد حذف ما بداخل علامتي التنصيص، لأنه ليس في الأصل أو المخطوط من الكتاب المقدس للنصرانية، ولكنه إضافة وحشو من تلقاء المترجم، كما تقرّ النصرانية بذلك.
ومما أشرنا إليه بإيجاز، نستنتج: بطلان الادّعاء بالإلهام لمؤلفي الأناجيل من الله تعالى.

كتاب النصرانية والأناجيل المفقودة
لقد اتضح لنا من بعض النقاط السابقة بذاءة وفحش الكلمات المستخدمة في تأليف الكتاب المقدس للنصرانية، مما يؤكد استحالة كونه منزلًا من الله تعالى.
فالله سبحانه وتعالى موصوف بجميع صفات الكمال، ومُنزه عن النقائص والعيوب.
وفي حال الادّعاء بأن تلك الكلمات البذيئة الفاحشة مُنزّلة من عند الله تعالى، فإن ذلك يعني وصفه سبحانه وتعالى بالنقائص والعيوب، فتعالى الله عز وجل عن ذلك علوًا كبيرًا.
فالكتاب المقدس للنصرانية ما هو إلا مؤلفًا لمجموعة من المؤلفين المجهولين (كما سوف نوضح ذلك بمشيئة الله تعالى) الذي قاموا بتأليف أسفاره وفقًا لأهواء كل منهم، واختلافها، ومن شواهد ذلك:
خضوع الكتاب المقدس للنصرانية دائمًا للتنقيحات والمراجعات، والحذف والتغيير والتبديل، كما هو متضح للجميع، وسيظل كذلك إلى ما شاء الله.
وما يدل ذلك إلا على: أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس مُنزّلا من عند الله تعالى، وذلك لأن كلام الله عز وجل لا يمكن لمخلوق أن يضيف إليه أو يحذف منه أو يغير فيه حرفًا واحدًا.
فالمسيح عليه السلام لم يكتب كلمة طوال حياته، ولم يأمر أي شخص بكتابة أي منها، كما تعترف وتقرّ المسيحية بذلك.
لذلك فإن الكتاب المقدس للنصرانية، عبارة عن: كتب مجهولة الهوية، كما يشهد بذلك علماءها المتخصصين، (كما سنوضح ذلك بمشيئة الله تعالى في النقاط التالية).
بل إن من التناقض العجيب، أننا نجد (على سبيل المثال لا الحصر): أن الإنجيل المنسوب إلى المؤلف متى ليس بإنجيل متى.
فعلى الرغم من وقوع الكتاب المقدس للنصرانية في التناقض الكبير في حال كونه منسوبًا إلى غير المسيح وهو الذي قد جاء بالرسالة، وأنزل الله تعالى عليه الوحي، إلا أننا نجد أن المؤلفين الذين يُنسب إليهم بعض الأناجيل، ليسوا هم بمؤلفيها، وأن مؤلفيها مجهولون، ومثال ذلك: إنجيل متى، ونوضح ذلك من خلال نقل ما بيّنه الشيخ/ أحمد ديدات، وعلّق عليه، في إحدى مناظراته، بتصرف يسير.
ففي (إنجيل متى، إصحاح 9، فقرة 9)، نجده يقول:
«وفيما يسوع (يعني المسيح عيسى) مُجتاز من هناك رأى (يعني: المسيح عيسى) إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية فقال (المسيح عيسى) له (يعني: متى) فقام من التوّ وتبعه».
والتساؤل المهم: من كتب مثل ذلك الكلام؟! هل هو الله؟! بالطبع: لا
هل المسيح هو من كتب ذلك؟! بالطبع: لا
إذن فلم يبق سوى متى، فهل كتب متى ذلك؟! بالطبع: لا
فلو أن متى هو من كتب ذلك، لقال: [وفيما يسوع مجتاز من هناك رآني (بدلًا من جملة رأى إنسانًا) جالسًا عند مكان الجباية فأتى نحوي وقال لي (بدلًا من: له) فقمت (بدلًا من: فقام) من التوّ وتبعته (بدلًا من: وتبعه)].
فالاستنتاج إذن، هو: أن متى نفسه لم يكتب ذلك الإنجيل، ومن ثم فإن مؤلف ذلك الإنجيل يكون مجهولاً.
لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية لا يمكن أن يكون منزلاً من عند الله تعالى، وإنما هو عبارة عن كلمات وعبارات لمؤلفي مجهولين، كما هو واضح جليّ.
ونجد أيضًا: أن النصرانية قد استخدمت في كتابها كلمات لا تزال مجهولة المعنى، مبهمة، وذلك إلى الآن.
فأي لغة تلك التي كُتبت بها كلمات كتاب النصرانية، ولم يعرف علماءها (علماء النصرانية) لها معنى، وهي لا تزال موجودة به، ومن مثل تلك الكلمات:
لوبيم، لهبيم، بتروسيم، مالتوهيم، أماميم، كاثلوهيم ... إلى غير ذلك، فبأي لغة يتحدث الكتاب المقدس للنصرانية؟!
الجواب، هو: أن تلك الألفاظ لا معان لها على الحقيقة، وأن يدًا خفية قد تناولت ذلك الكتاب الذي تقدسه النصرانية بالتحريف والتغيير والتبديل.
ومن المعلوم، أيضًا: أن أسماء الأعلام لا تُترجم، ولكن تُترجم الكلمات فقط.
ولكننا نجد التناقض العجيب في كتاب النصرانية: وهو ترجمة أسماء الأعلام، وتغييرها، وتحريفها عما كانت عليه، ومثال ذلك:
اسم (بطرس)، تم تغييره وتحويله إلى (بيتر)، وهناك فرق كبير واضح، ولكنه التحريف والتبديل.
لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية، لا يمكن أن يكون كلام الله عز وجل، وذلك:
لأن كلام الله تعالى ليس لمخلوق حق في أن يغيّر فيه حرفًا واحدًا، حتى وإن كان ذلك في الأسماء.
ومن ثم فإن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا صناعة بشرية، كما هو واضح جليّ لنا.
ونوضح أيضًا، أنه من التناقض العظيم بالكتاب المقدس للنصرانية:
أنه (الكتاب المقدس للنصرانية) يتضمن العديد من الكتب التي كانت يكثر حولها الجدل، باعتبارها ليست من كلام الله تعالى، ولكننا نجد بكل بساطة وجرأة، إدراجها وإضافتها داخلة (داخل الكتاب المقدس للنصرانية) وفقًا لما تمليه الأهواء والعقول المختلفة، ومثال ذلك:
(رؤيا يوحنا)، آخر كتب العهد الجديد، والذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، فقد كان مرفوضًا حيث كان يُسمى بالهرطقة (كلام ركيك ليس له معنى، ولا يوجد من وراءه غاية أو نفع)، إلى أن أضيف عام 382 م في مؤتمر قسطنطينيه).
ونجد أيضًا، أن من التناقض العظيم بالكتاب المقدس للنصرانية:
أنه (الكتاب المقدس للنصرانية) كان متضمنًا لكتب كانت شائعة في القرون الأولى للكنيسة على أنها من عند الله تعالى، ولكنها حُذِفت بعد ذلك باعتبارها تلفيقًا، وأنها ليست من عند الله، ومثال ذلك
(كتاب الراعي): إحدى كتب العهد الجديد الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، وهو كتاب عن الرؤى، حيث كان ذلك الكتاب شائعًا في القرون الأولى للكنيسة حتى أواخر القرن الخامس، ثم تم إسقاطه بعد ذلك.
والتساؤل المهم: أي كتاب ذلك الذي تزعم النصرانية قدسيته، ونزوله من عند الله تعالى، مع ما فيه من تلك التناقضات العظيمة البيّنة؟!
وكيف كان يتعبد معتنقوا النصرانية بمثل تلك الكتب المجهولة، التي لا علاقة لها بالوحي (كما يُقرّون)؟!
وما المانع إذن من أن تحذف كتب أخرى يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، باعتبارها تلفيقًا (صناعة بشرية) من قِبَل علماء النصرانية المتقدمين في الأزمنة المتقادمة، كما حدث في غيرها؟!
لا شك: أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا كتابًا خارجًا عن الإطار الربّاني، كما هو واضح جَليّ مما ذكرنا، ولذلك كان انحراف النصرانية عن المسار الصحيح الذي كان عليه المسيح وأتباعه.
الأناجيل الأخرى:
لقد أظهرت الإكتشافات الحديثة في الصحراء المصرية: أنه في أول أربعمائة سنة بعد المسيح، كان موجودًا أكثر من عشرين إنجيل.
ومن الأناجيل الأخرى، التي لم تُختار ليتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية:
- إنجيل توماس - إنجيل بطرس - إنجيل فيليب
- إنجيل الطفولة ليعقوب - إنجيل مريم المجدلية ..... إلى غير ذلك.
فالاكتشافات التي قد تمت في نجع حمادي عام 1945 م غيرت تمامًا الفكرة عن المسيحية الأولى، ومثال ذلك:
- إنجيل توماس: فإنه يوضح أن الاعتقاد للمسيحيين بصلب المسيح وموته وقيامته من الموت، لم يكن مقطوعًا به في القرن الثالث والرابع الميلادي.
- ولو أن إنجيل بطرس تم اعتماده وقبوله لكان النصارى اليوم آمنوا بأن المسيح لم يمت على الصليب، ولتغيّرت شكل المسيحية تمامًا.. ، إلى غير ذلك من الأناجيل الأخرى.
فائدة:
يتبيّن لنا جميعًا، مما أوردنا آنفًا:
أن تلك الأناجيل الأربعة التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، وغيرها مما هو مُدرج أيضًا داخل كتاب النصرانية، ليس بكلام المسيح عليه السلام، الذي قد جاء بالرسالة وأُنزل عليه الوحي.
حيث إننا نجد، ما يسمى بـ: إنجيل متى، إنجيل لوقا، إنجيل مرقس، إنجيل يوحنا، إنجيل توماس، إنجيل بطرس، إنجيل فيليب، إنجيل مريم ..... إلى غير ذلك من الأناجيل.
ولكننا لا نجد من بين تلك الأناجيل الإنجيل الذي يُعترف به من الجميع على أنه وحي من الله تعالى، وهو إنجيل المسيح عليه السلام.
لذلك: فإن تلك الأناجيل التي قد تضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، أو غيرها من الأناجيل الأخرى، ليست إلا إضافات بشرية مختلفة (كما هو واضح لنا) خارجة عن الإطار الربّاني اللازم لهداية البشرية إلى الله تعالى.

كيفية وصول الأناجيل، واختيارها،
ونسبة الكلام المنسوب إلى المسيح فيها
بداية، علينا أن نعلم: أنه لابد لكون الكتاب سماويًا (أي لكونه منزّل من عند الله تعالى، لا من تأليف وصنع البشر) واجب التسليم به:
أن يثبت أولًا، بدليل، أن هذا الكتاب كُتب بواسطة النبي الفلاني، ووصل بعد ذلك بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل.
والاستناد إلى شخص يُدعى أنه ذو إلهام بمجرد الظنّ والوهم (كما تزعم النصرانية) لا يكفي في إثبات أنه كتاب سماوي.
لذلك: فإن أهل الكتاب لا يوجد لديهم سند متصل لكتاب واحد من كتب العهد القديم أو الجديد (التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية)، وهم مُقرّون ومُعترفون بذلك، حيث يقولون:
إن سبب فقدان السند عندنا (المسيحيين) هو وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة 313 سنة ( ).
والعجيب: أنه على الرغم من فقدان النصرانية لسند كتابها المقدس، وعدم وجود سند لكتاب واحد من كتب العهد القديم أو الجديد (التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية) يثبت رجوعه إلى زمن المسيح، إلا أنها ببساطة، وبلا أدنى مبالاة، تؤمن بما في يديها من مؤلفات بشرية خاضعة للتناقض والاختلافات، والتغيير بتقادم الزمان، وتنسبها إلى الله تعالى، دون حجّة أو برهان، ودون دليل وسلطان مبين.
والعجيب أيضًا:
أنه عند التفحص في كتب الإسناد لها (النصرانية) لا يُرى فيها شيئًا غير الظنّ والتخمين، فهي تعتمد على الظن والتخمين، لا على الدليل والبرهان.
ومن المعلوم أن الظنّ لا يغني من الحق شيئًا، وما دامت لم تأت (النصرانية) بدليل شاف وسند متصل، فهذا يدل على أن ما بيديها الآن ليس بكتاب سماوي، حيث تناولته الأيدي البشرية الخبيثة بالتحريف والتبديل تبعًا للأهواء والشهوات، كما يتضح ذلك مما يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية ويحتويه من تناقضات واختلافات ( ).
ولذلك: فإننا نجد أن كتاب النصرانية يتضمن كتبًا تسمّى باسم متى ولوقا ومرقس ويوحنا، وبولس، .... بالإضافة إلى ضعفي هذا العدد من الكتب ذات الأسماء الغامضة.
ومن العجيب أيضًا: أنه لا يوجد كتاب واحد من تلك الكتب (التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية) يُنسب إلى المسيح.
وهنا نشير إلى إحدى الشواهد والدلائل والبراهين التي تشهد بصدق رسالة النبي محمد ، وهي: أنه لو كان محمد  هو مؤلف القرآن الكريم، ما كان ليعجز عن أن يجعل القرآن الكريم متضمنًا بجانب السورة التي تسمى باسم مريم (والدة المسيح)، سورة أخرى باسم والدته ، الحانية العطوفة (آمنة)، أو زوجته العزيزة (خديجة)، أو ابنته الحبيبة (فاطمة)، ولكن حاشاه  أن يفعل مثل ذلك، فمثل ذلك لا يمكن أن يكون أبدًا، وذلك:
لأن القرآن الكريم ليس من صنع أو كلام محمد، وإنما هو كلام الإله الخالق، رب العالمين( ).
ومما سبق، يمكن القول: بأنه لا يمكن توضيح كيفية وصول الأناجيل إلى يدي النصرانية اليوم، لأنه لا سند متصل لكتاب واحد من كتب العهد القديم أو الجديد، التي يتضمنها كتابها المقدس.
ولكن ما يمكن توضيحه بإيجاز: هو كيفية نشأة الكتاب المقدس للنصرانية.
فالكتاب المقدس للنصرانية، ما هو إلا بقايا من الذكريات المتناثرة، حيث ظلّت تتناقل شفاهية، تفسرها الأهواء، وتضيف إليها، وتحذف منها، وتحرفها كيفما تشاء، حتى تم إخراجها عن إطارها الربّاني، وإلقاءها في أحضان عدد من الوثنيات القديمة، والفلسفات الوضعية، التي جعلتها عاجزة عن هداية أتباعها( ) (كما أوضحنا في النقاط السابقة).
وهذا هو السبب الحقيقي من وراء المظالم التي تسود الأرض في زماننا، من جهة النصرانية.
وحين تم التدوين لبعض تلك الذكريات القديمة، تم بلغات غير لغات الوحي( )، حيث إن أقدم إنجيل نجده، إنما هو باللغة اليونانية، وهي لغة لم يتكلمها المسيح، بل إن أقدم إنجيل يرجع زمانه إلى ما يقارب الـ 300 سنة أو يزيد من زمن المسيح.
ولقد تم ذلك التدوين لتلك الذكريات القديمة بواسطة أقلام متفرقة (أقلام مؤلفي الأناجيل وغيرهم من أصحاب الرسائل ومن سواهم)، في أماكن متعددة، وفي أزمنة متباعدة، وصلت إلى العديد من القرون بعد موت أو رفع الرسول الذي تلقّى الرسالة الأصلية، والتي فقدت أصولها السماوية بالكامل.
ولذلك تعدّدت الأسفار والأناجيل، وتناقضت المعلومات وكثرت المراجعات إلى يومنا الراهن، وستظل كذلك إلى ما شاء الله( ).
وفي ذلك دليل دامغ على أن الكتاب المقدس للنصرانية، ليس بكلام الإله الخالق، وإنما هو مؤلف كبير للعديد من المؤلفين.
كيفية اختيار الأناجيل:
لقد تم اختيار الأناجيل الأربعة (متى ولوقا ومرقس ويوحنا) التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، من بين الكثير والكثير، العشرات والعشرات، بل المئات والآلاف من الأناجيل.
ولقد تم اختيارها وفقًا لما يتوافق مع الأهواء من تأليه للمسيح (كما كان ذلك معتادًا في معتقد كلا من اليونان والرومان، وغيرهما، من تجسيد للإله في صورة بشرية، كما أوضحنا سابقًا)، وتبعًا للشهوات، كما في تحليل وإجازة شرب الخمور ... وغير ذلك.
أي، أنه قد تم اختيار تلك الأناجيل بلا أدنى أسس عقلية منطقية.
ولقد كان من الممكن أن تكون الأناجيل المُختارة غير تلك الأناجيل الأربعة، أو أن يكون عددها أقل أو أكثر من أربعة أناجيل.
والتساؤل المهم: هل يمكن أن يكون كتاب الإله الخالق، العليم الحكيم، العظيم القدير، عُرضة لمثل تلك الاحتمالات أو غيرها؟!
بالطبع: كلا، لذلك فإن الكتاب المقدس للنصرانية الذي كان مُعرضًا لأن يكون عدد الأناجيل المختارة به أقل أو أكثر من الأربعة أناجيل المتضمن لها حاليًا، لا يمكن أن يكون كلام الإله الخالق، العليم الحكيم، العظيم القدير، وإنما هو مؤلف كبير للعديد من المؤلفين المجهولين، والذي كان من الممكن ببساطة، أن يكون لغيرهم (لغير مؤلفي الكتاب المقدس للنصرانية)، إذا ما تمّ اختيار غير تلك الأناجيل الأربعة.
ومن التناقض العجيب:
أن تلك الأناجيل التي قد تم اختيارها، ليست منسوبة إلى المسيح عليه السلام، وهو الذي قد أنزل الله تعالى عليه الوحي، لا غيره من مؤلفيها (مؤلفي الأناجيل).
فإننا نجد ما يسمى بإنجيل متى، وليس بإنجيل المسيح عليه السلام.
ونجد أيضًا ما يسمى بإنجيل لوقا، وليس بإنجيل المسيح عليه السلام.
ونجد أيضًا ما يسمى بإنجيل مرقس، وليس بإنجيل المسيح عليه السلام.
ونجد أيضًا ما يسمى بإنجيل يوحنا، وليس بإنجيل المسيح عليه السلام.
بل إن ما زاد من ذلك التناقض العجيب:
أن ما بتلك الأناجيل الأربعة، التي قد تمّ ترشيحها لإدراجها ضمن الكتاب المقدس للنصرانية، ليست بكلام المسيح، ولكنها من كلام غيره، حيث إن نسبة الكلام المنسوب إلى المسيح في تلك الأناجيل الأربعة لا يتجاوز الـ 10% ، على الرغم من أن المسيح هو من أُنزل عليه الوحي، وهو من جاء بالرسالة.
ويوضح ما ذكرنا: ما يُسمّى بإنجيل الحروف الحمراء، حيث إن ما كتب بالحروف الحمراء (ذات اللون الأحمر) هو ما نسب إلى كلام المسيح، وهو لا يتجاوز الـ 10% مما كتب فيها، والباقي يرجع إلى أشخاص ومؤلفين آخرين (مجهولين)، وهو مكتوب بالحروف ذات اللون الأسود.
لذلك: فإن ما أشرنا إليه، يوضح ويؤكد أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس من كلام
الله تعالى، وإنما هو مؤلف لمجموعة من البشر المجهولين.

مما يتضمنه ويحتويه الكتاب المقدس للنصرانية، ودلالته
إن المتصفح للكتاب المقدس للنصرانية سوف يفاجئ بالدهشة والعجب لما يُنسب إليه من قداسة، وذلك بعد ما تقع عيناه على الكثير والكثير من العبارات الفاحشة البذيئة، لا سيما إذا ما كان الكثير منها منسوبًا إلى أنبياء الله ورسله، طاعنة في إيمان بعضهم، وقادحة في طهرهم وعفافهم، ومن ثم الذمّ والقدح في الإله الخالق، الذي قد اختارهم واصطفاهم من خلقه لتبليغ رسالاته.
وذلك لأن القدح في أنبياء الله ورسله يعني وصف الله تعالى بالجهل وعدم العلم، والحماقة وسوء الاختيار لأنبياءه ورسله الذين يُبلغون شريعته، مستمسكين بها، داعين إليها، ومن ثم يقتدي الناس بهم، ويهتدون إلى صراط الله المستقيم.
ولنذكر القليل من النماذج التي توضح ما أشرنا إليه.
فمن الفواحش التي تنسبها النصرانية إلى أنبياء الله تعالى، ويتضمنها كتابها، الذي تزعم قدسيته، الآتي:
أ- أنها (النصرانية) تقول بأن لوطًا، نبي الله، قد زنى بابنتيه، وحملتا بالزنى منه، كما في الباب التاسع عشر من سفر التكوين (أعاذنا الله تعالى من الاعتقاد بذلك الإفك المبين).
ب- وتقول النصرانية أيضًا بأن يهوذا بن يعقوب النبي، قد زنى بثامار زوجة ابنه، وحملت بالزنا منه، وولدت له توأمين هما فارض وزارح، كما هو مصرح به في الباب الثامن والثلاثين من سفر التكوين.
ج- وتقول النصرانية أيضًا، بأن داود وسليمان والمسيح الذين هم من أنبياء الله تعالى كلهم من أولاد فارض (المذكور آنفًا) الذي قد وُلِد من الزنا، كما في الباب الأول من إنجيل متى.
د- وتقول النصرانية أيضًا بأن داود (نبي الله) قد زنى بامرأة أوريا، وحملت بالزنا منه، فأهلك زوجها (أي أن داود أهلك زوجها) بالمكر، وأخذها زوجة له، كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من سفر صموئيل الثاني.
هـ- وتقول النصرانية أيضًا، بأن سليمان (نبي الله) قد ارتد في آخر عمره، وكان يعبد الأصنام بعد الارتداد، وبنى لها المعابد، كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول.
و- وتقول النصرانية أيضًا، بأن هارون (نبي الله) قد بنيى معبدًا للعجل وعبده، وأمر بني إسرائيل بعبادته، كما هو مصرح به في الباب الثاني والثلاثين من سفر الخروج.
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير من الافتراءات والقصص الكاذبة، التي قد ألصقتها النصرانية (تبعًا لليهودية) بأنبياء الله ورسله، فتعالى الله عز وجل عن ما ينسب إليه من الجهل والحماقة وسوء الاختيار منه لأنبياءه ورسله، علوًا كبيرًا.
والتساؤل المهم:
كيف ينجو الشباب من كلا الجنسين (ذكر وأنثى) من الوقوع والانغماس في مثل تلك الرذائل والفواحش، إذا لم ينج منها أنبيائهم، الذين هم قدوة لهم، والذين قد أوحى إليهم من الله تعالى؟!
لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية يقوم بعمل تهيئة للمناخ اللازم لإثارة الشهوة الجنسية، لكلا الجنسين (ذكور وإناث)، ومن ثم اقتراف مثل تلك الرذائل والفواحش.
ومما يؤكد ذلك: الإحصائيات التي قد أُجريت على الكثير من الدول التي تدين بالمسيحية (كأمريكا ودول أوروبا)، والتي كان من نتائجها انغماس الملايين من كلا الجنسين (ذكور وإناث) في مستنقع تلك الرذائل والفواحش (الزنا بمختلف صوره)، والاعتداءات الجنسية.
بل إن الصحف والمجلات الأمريكية والغربية تطالعنا بأنباء وقوع القسيسين أنفسهم في مثل تلك الرذائل والفواحش، التي ألصقوها بأنبيائهم من قبل.
لذلك: فإن احتواء الكتاب المقدس للنصرانية على مثل تلك الافتراءات والقصص الفاحشة، بل وإلصاقها بأنبياء الله تعالى (زورًا وبهتانًا)، يُعدّ دليلًا دامغًا على بطلانه، وأنه ليس بكلام الله تعالى مطلقًا.
ومما يتضمنه ويحتويه الكتاب المقدس للنصرانية:
1- الدعوة السيئة، والنصيحة المذمومة بتناول المسكرات والخمور (أعاذنا الله تعالى منها).
حيث ينص الكتاب المقدس للنصرانية على شرب الخمور، داعيًا إليها عن طريق بولس (الذي تنسب إليه النصرانية لقب القديس، زاعمة أنه نبي)، الذي ينصح مولى تيموثايس (معتنق الدين الجديد)، قائلًا «اشرب فقط الماء، لكن استعمل قليلًا من النبيذ لمعدتك ولأمراضك» (التيموثية 5: 23)
ومن المعلوم أن تناول الخمور يؤدي إلى ذهاب العقول، وعدم وعيها وإدراكها، ومن ثم التصرف كطبيعة بهائمية حيوانية، بل أشد وأسوأ.
حيث إنه: إذا ما غاب العقل، وفقد وعيه وإدراكه، فلا مانع حينئذ من الوقوع والانغماس في شتى مختلف الفواحش والمنكرات، كالزنا والقتل والسرقة ... إلى غير ذلك من الرذائل المختلفة.
لذلك: فإن الخمر بوابة لكل رذيلة، ولجميع أنواع الشر.
والتساؤل المهم: هل يوحى الإله العظيم الخالق إلى أحد بمثل تلك الدعوة السيئة والنصيحة المذمومة؟!! الجواب: بالطبع، كلا.
وهل يمكن أن يكون الاعتقاد بكتاب يتضمن بين طياته مثل تلك الدعوة الفاسدة إلى تناول المسكرات والخمور، على أنه وحي من الله تعالى، تعظيمًا له (لله تعالى) جل شأنه؟!
بالطبع: لا.
وهل يكون الإيمان بنبوة ذلك الدّاعي إلى مثل تلك الرذيلة (بولس)، من تعظيم الله تعالى، وتنزيهه عن الجهل والحماقة وبذئ التشريع وسوء الاختيار لأنبيائه؟!
بالطبع: لا.
فلقد اكتشف العلم الحديث: أن المسكرات والخمور والكحوليات تسبب الكثير والكثير من الأمراض الخبيثة والخطيرة.
ومن هنا يتضح بطلان نصيحة ودعوة قديس النصرانية (بولس)، ومن ثم بطلان نبوته حيث إن أنبياء الله تعالى لا تأتي إلا بالشرع القويم الحكيم، الهادي إلى الخير والرشد والصلاح.
ومن ثم يتضح بطلان الكتاب المقدس للنصرانية، المتضمن على مثل ذلك الكلام الخبيث، والدعوة السيئة (كنصيحة بولس الفاسدة بشرب الخمر، وغيرها)، وأنه ليس بكلام الله سبحانه وتعالى، وإنما هو صناعة بشرية، تناولته الأيدي الخبيثة بالتبديل والتغيير والتحريف تبعًا للأهواء والشهوات.
2- ومما يتضمنه ويحتويه الكتاب المقدس للنصرانية التصوير البغيض السيء.
ومن ذلك التصوير البغيض السيء، ما ينص عليه الكتاب المقدس للنصرانية فيما يتعلق بالسيدة مريم، وكيفية حملها بالمسيح، حيث ينص على:
«فأجاب الملاك وقال لها، الروح القدس يحلّ عليك» (إنجيل لوقا 1: 35).
حيث يتصور القارئ ذلك المشهد وكأنه مشهد جماع، كما بين الرجل وزوجته، فهل يعقل ذلك بين الخالق والمخلوق؟!
حيث إن الروح القدس في زعم النصرانية: إله أو أحد أجزاء الإله، (تعالى الله عن مثل ذلك علوًا كبيرًا).
لذلك: فإن اللغة المستخدمة في الكتاب المقدس للنصرانية، إنما هي لغة بغيضة إلى النفس، لغة الدرك الأسفل من حضارة المدن( )، لغة أعداء الله تعالى وأعداء دينه، فلا يمكن لعقل راجح رشيد أن يتقبلها على أنها وحي من الله عز وجل.
لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية لا يمكن أن يكون وحيًا من الله تعالى، الإله الخالق، الحكيم العظيم.
3- ومما يتضمنه ويحتويه الكتاب المقدس للنصرانية:
ما ينسبه إلى المسيح مما لا يليق بأفعال الأنبياء والمرسلين، وذلك على الرغم من زعم النصرانية بألوهيته (تعالى الله عز وجل عن ذلك علوًا كبيرًا).
أ- فالكتاب المقدس للنصرانية ينسب إلى المسيح: أنه قال لوالدته (السيدة مريم): «يا امرأة» (إنجيل يوحنا 2: 4)، ومعنى ذلك أن الكتاب المقدس للنصرانية ينسب إلى المسيح عدم برّه بوالدته، حيث إن استخدام كلمة «يا امرأة» في خطاب موجه للوالدة، لا يصحّ ولا يليق بإنسان فاضل، فضلًا عن نبي مرسل كريم، لأن ذلك يعد سوء أدبٍ من مستخدم ذلك اللفظ مخاطبًا به والدته.
وأيضًا: لأن استخدام تلك الكلمة «يا امرأة» يُعدّ تقليلًا من شأن الأمّ ومنزلتها الرفيعة، ومكانتها العالية.
بل إن استخدام تلك الكلمة «يا امرأة» يعني: تهميش الأم وتنكيرها، ومن ثم عدم الإعتراف بجميل معروفها، وصنيعها، من حيث الحمل به، والإرضاع له، وتربيته .... إلى غير ذلك من جميل معروفها وصنيعها إليه.
ب- ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية، ينسب إلى المسيح، أنه قال:
«أتظنون أني جئت لأعطي سلامًا على الأرض، كلا أقول لكم بل انقساما»
(إنجيل لوقا 12: 51)
أي أن الكتاب المقدس للنصرانية، ينسب إلى المسيح عدم دعوته إلى السلام، وأن مجيئه إنما هو للإفساد في الأرض، وإثارة الحروب والانقسامات، ومن ثم القتل القتل، وما لا يفعله الأنبياء والمرسلين.
فما بالنا وأن النصرانية تزعم ألوهيته!!
لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية لم يرفع من قدر ومنزلة أنبياء الله تعالى ورسله، وإنما حطّ منهما، مساويًا بهم أهل السوء والفحشاء والمنكرات.
ولا شك، أن دلالة ذلك هو: أن الكتاب المقدس للنصرانية لا يمكن أن يكون وحيًا من الله تعالى، الإله الخالق العظيم، العليم الحكيم، وإنما هو مُؤلَّف بشري لكثير من المؤلفين المجهولين، الذين قد تناولوه بالتبديل والتغيير والتحريف.

نماذج ما يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، من تناقضات واختلافات، وتغيرات وتبديلات
لقد أشرنا في النقطة السابقة إلى بعض مما يتضمنه ويحتويه الكتاب المقدس للنصرانية من فواحش ومنكرات وقصص رذيلة باطلة، قد أُلصقت بأنبياء الله زورًا وبهتانا ... إلى غير ذلك، وأشرنا إلى دلالة ذلك وهو: بطلان الكتاب المقدس للنصرانية، وأنه ليس بكلام الله تعالى.
وبمشيئة الله تعالى في هذه النقطة سوف نؤكد ما قد استنتج من النقطة السابقة من بطلان الكتاب المقدس للنصرانية، عن طريق ذكر بعض من التناقضات والاختلافات والتغييرات به، حيث إنه من المحال أن يكون كلام الله تعالى على ذلك النحو، مما قد أُلِّف وأُدرج داخل الكتاب المقدس للنصرانية.
ومن تلك التناقضات التي يتضمنها ويحتويها الكتاب المقدس للنصرانية:
1- التناقضات في العقيدة التي تزعمها.
إنه من المتفق عليه في العالم المسيحي (النصراني) الغربي والكنيسة الأرثوذوكسية الشرقية، الإيمان بما يسمى الثالوث المقدس، حيث يعني أن الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله، ومن البديهي لأي عقل طبيعي أن يُفسّر ذلك الثالوث المزعوم بأنه عبارة عن ثلاثة آلهة، وهم الآب والابن والروح القدس (وفقًا لما تزعمه النصرانية، وتفتريه على الله تعالى).
ولكننا نجد أنهم (العالم المسيحي) يناقضون أنفسهم، حيث يجعلون من الثلاثة واحدًا، ومن الواحد ثلاثة، ويقولون: بأن الثالوث المقدس لديهم هو ثلاثة آلهة، ولكنهم عبارة عن إله واحد، وذلك منافي لأدنى درجات المعقول، ومن ثم فإن ذلك مناقض للعقل السوي الذي قد فطره الله تعالى على توحيده، وتنزيهه عن كل ما لا يليق به، والتمييز بين الحق والباطل.
وذلك الذي ينادي به العالم المسيحي (حيث دعوتهم إلى الإيمان بذلك الثالوث المزعوم) يقودهم إلى خاتمة ساخرة مضحكة، حيث إنه:
حسب معتقدات المسيحية، فإن المسيح كان يحتضر (تخرج روحه) على الصليب (الذي صلب عليه، كما تعتقد المسيحية).
وبما أنها (المسيحية) تعتقد ألوهية المسيح، وأنه غير منفصل عن الآب والروح القدس، وفقًا لإيمانها بالثالوث المزعوم، فلابد أيضًا حينذاك: أن يكون كلا من الآب والروح القدس (الذي تعتقد المسيحية ألوهيتهما مع المسيح، وأنهم ثلاثة، ولكنهم غير منفصلين، افتراءً على الله) كانا يحتضران مع المسيح، وعندما مات المسيح فلابد أيضًا حينذاك أن يكونا قد ماتا معه (مجارة لافتراءات المسيحية، وتوبيخًا لها).
لذلك: فإنه لا عجب بعد ذلك عند سماع من يقول في الغرب (بأن الله قد مات)( ). تعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات والتناقضات علوًا كبيرا.
فلا شك: أن ذلك كله (ما تزعمه المسيحية) نتاج ما قد انغمست فيه من الأباطيل والأوهام.
2- التناقضات في الأناجيل نفسها:
إن من عظيم التناقضات التي نجدها في أناجيل النصرانية (المسيحية): أن أقدم إنجيل لديها هو إنجيل باللغة اليونانية، وهو الذي قد ترجم عنه سائر الأناجيل المختلفة، في حين أننا نجد أن اللغة اليونانية هي لغة لم يتكلم بها المسيح عليه السلام.
والتساؤل المهم:
لِمَن يُنسب ذلك الإنجيل (باليونانية) الذي هو بمثابة المرجع والمصدر الرئيسي للنصرانية؟
هل يُنسب إلى المسيح؟!!
بالطبع: لا، فلم تُكتب كلمة واحدة طوال حياة المسيح، غير أن تلك اللغة التي قد كُتب بها ذلك الإنجيل، لغة لم يتحدث بها المسيح عليه السلام.
وإذا كان المسيح (وهو من أنزل عليه الوحي، وليس غيره من مؤلفي الأناجيل المختلفة) لم يكتب ذلك الإنجيل، ولم يأمر أحد بكتابته، فإن هذا يعني: أن ذلك الإنجيل باليونانية (المرجع والمصدر الرئيسي، الذي قد تُرجم عند سائر الأناجيل المختلفة) مجهول الهوية، فاقد للمصداقية.
ومن ثم، فإن باقي الأناجيل، والتي تُرجمت عنه، مجهولة الهوية، فاقدة للمصداقية.
لذلك: فإن ما بين يدي النصرانية (المسيحية) اليوم، من أناجيل مختلفة وغيرها، ليست بكلام الله سبحانه وتعالى، وإنما هي مؤلفات للعديد من المؤلفين البشريين المجهولين.
ومن التناقض أيضًا:
أننا نجد أن النصرانية (المسيحية) تفخر بأن لديها 2400 مخطوط (مصدر يرجعون إليه)، في حين أننا نجد أنه: لا توجد اثنتين من بين تلك المخطوطات متطابقتان، لتُعضد إحدهما الأخرى.
بل إننا نجد أن أقدم المخطوطات لدى النصرانية، ترجع إلى 300 أو 400 سنة بعد المسيح، حيث يقول علماؤها: أن المخطوطات الأصلية قد هلكت.
لذلك، فإننا نجد التناقض والاختلاف والتغيير، وقد صار سِمَة (صفة) من سمات الكتاب المقدس للنصرانية.
وأيضًا: فإننا نجد أن كتاب النصرانية ينص صراحة على وجوب الختان (كما في سفر التكوين 17: 4)، ونجد فيه أيضًا، أن المسيح (الذي تزعم ألوهيته) كان قد خُتن في اليوم الثامن، إلا أننا نجد: أن بولس (والذي تزعم النصرانية قداسته) قد خالف شريعة المسيح، وأباح عدم الختان، تملّقًا وتودّدًا للرومان الذين لم يكونوا يريدون الدخول في المسيحية، هروبًا من الختان.
ومع ذلك فإن النصرانية ما زالت تزعم قداسة بولس (المبدّل لشريعة المسيح)، على الرغم من ضربه بشريعة المسيح عرض الحائط.
3- التناقض في اليوم الذي يُحتفل به، بزعم ولادة المسيح فيه:
إننا نجد أن النصرانية (المسيحية) تحتفل بميلاد المسيح في 25 من ديسمبر، بزعم أن المسيح قد وُلِد في ذلك اليوم، في حين أننا نجد أن كتابها يذكر ما يُناقض ذلك، حيث إنه:
في (إنجيل لوقا، العدد: 2 ، الإصحاح: 8) يذكر: أنه عندما وُلِد المسيح، جاءت الملائكة (أي في تلك الليلة التي وُلد فيها المسيح)، فوجدت الرُّعاة يسيرون في البريّة، وأن الرّعاة أخبروا أن الوليد وضعته امرأة في بيت لحم.
ونوضح ذلك التناقض الذي نحن بصدده، بما يلي:
- عند احتفال المسيحية بميلاد المسيح في 25 من ديسمبر، فإن ذلك التاريخ يوافق فصل الشتاء في فلسطين، وهو من المعلوم فصل يتّسِم بالطقس البارد.
- ولكن إنجيل لوقا يذكر أنه عند ولادة المسيح، كان الرعاة يسيرون في البريّة، أي أنهم كانوا يرعون أغنامهم أو ماشيتهم، ويستحيل ذلك في الطقس البارد الذي يتِّسِم به فصل الشتاء، حتى لا تهلك الأغنام أو الماشية.
ومن الواضح أيضًا: أنه لم يكن أحد الرعاة بمفرده هو من يرعى أغنامه أو ماشيته، وإنما كان جمع من الرعاة يرعون بأغنامهم وماشيتهم.
حيث إذا ما كان شخص ما بمفرده، هو من يرعى الأغنام في 25 من ديسمبر (أي في فصل الشتاء الذي يتِّسم ببرودة الطقس) فلربما قيل عنه أنه عديم الوعي والإدراك، ولكن إذا كان من رعى في البرية جمع من الرعاة (أي غير القليلين)، فإنه لا يمكن وصفهم جميعًا مهما كانت حماقتهم بعدم الوعي، لا سيما أنهم هم ذووا الخبرة في ذلك المجال (الرعي)، لأنه عملهم.
والتساؤل هنا: كيف يرعى الرعاة بأغنامهم أو ماشيتهم في فصل الشتاء، الذي يتّسِم ببرودة الطقس، على الرغم من أنهم هم ذووا الخبرة في هذا المجال؟!
ألا يخافون على أغنامهم أو ماشيتهم من الهلاك في طقس الشتاء البارد؟!
ما حلّ هذا اللغز المُحيّر؟؟
لاشك، أن حلّ هذا اللغز الوحيد، هو: أن الرعاة عندما كانوا يسيرون في البرية ويرعون أغنامهم أو ماشيتهم لم يكن ذلك في 25 من ديسمبر، الموافق لفصل الشتاء الذي يتّسم بطقسه البارد، وإنا كان سيرهم (الرعاة) في البرية للرعي كان في غير فصل الشتاء.
أي أن الرعي كان في غير ذلك الطقس البارد، وإنما كان في طقس ومناخ يتلاءم ويتناسب مع رعي الأغنام أو الماشية، لتجنب هلاكها.
وهذا هو ما أشار إليه القرآن الكريم، (عند ولادة السيدة مريم للمسيح، في سياق موجه إليها)، في قول الله تعالى: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم: 25].
ففي هذه الآية الكريمة السابقة، يخبرنا القرآن الكريم، بالأمر الموجّه للسيدة مريم، بأن تأكل من الرطب (التمر، الذي سوف يتساقط عليها من النخلة التي كانت تجلس بجوارها، وذلك بمجرّد أن تأخذ بأقل الأسباب المؤدية لنزوله (نظرًا لضعفها إثر عملية الولادة)، دون أن تشق على نفسها.
ومن المعلوم، أن الرطب (التمر) لا يكون في فصل الشتاء، وإنما يكون في فصل الصيف.
أي أن: الحلّ الرشيد لذلك اللغز المُحيّر الذي تقع فيه المسيحية: هو أن المسيح عليه السلام لم تكن ولادته في 25 من ديسمبر، الموافق لفصل الشتاء المُتّسِم بطقسه البارد، الذي لا يصلح للرعي فيه، وإنما كانت ولادته (المسيح)، كما أشار القرآن الكريم، في فصل الصيف، وهو الفصل الذي يتّسِم بالدفء والحرارة، وسهولة السير في المراعي، ومن ثم إمكانية الرعي فيه.
وننوه إلى:
أنه يوجد نوع آخر من التناقضات التي يتِّسِم ويتصف بها الكتاب المقدس للنصرانية، وهو:
التناقض مع مكتشفات العلم الحديث.
وبمشيئة الله تعالى سوف يتم الحديث حول هذه النقطة تحت عنوان قادم، وهو: مقارنة بين الإسلام والنصرانية واليهودية، وما توصل إليه العلم الحديث.
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير من التناقضات والاختلافات التي يتّسم بها الكتاب المقدس للنصرانية، فما أشرنا إليه ما هو إلا أحد نماذج تلك التناقضات التي تعِجّ بها النصرانية، وما قد ذكرنا برهان ذلك.
4- ومن التناقضات والاختلافات التي يتضمنها ويحتويها الكتاب المقدس للنصرانية:
1- أننا نجد سفر صموئيل الثاني (10: 18)، يقول:
«وهرب آرام من أمام إسرائيل، وقتل داود من آرام سبع مائة مركبة وأربعين ألف فارس وضرب شوبك رئيس جيشه فمات هناك».
إلا أننا نجد من يناقضه ويخالفه في سفر الأيام الأول (19: 18)، حيث يقول في تلك الفقرة:
«وهرب آرام من أمام إسرائيل وقتل داود من آرام سبعة آلاف مركبة وأربعين ألف راجل وقتل شوبك رئيس الجيش».
يتضح لنا من النصين السابقين أن المعركة واحدة، لقتل شوبك في نفس المعركة، (كما في آخر الفقرة)، ولكننا نجد أن في النص الأول: أن داود قتل سبع مائة مركبة.
بينما نجد في النص الثاني: أن داود قتل سبعة آلاف مركبة.
مع ملاحظة: أن الأرقام التي كانت تكتب بالحروف كما ذكرنا الآن، وليس الأرقام، فلم يكن الصفر (0) مستخدمًا آنذاك في الكتابة، أي أن الخطأ لم يكن بسبب زيادة أصفار أو نقصان أصفار، كالخطأ الذي يحدث في الطباعة أو سهوًا في النقل كما يدّعي البعض هروبًا من لك المأزق الحَرِج.
ونجد أيضًا، أنه في النص الأول: أن داود قتل أربعين ألف فارس.
ولكننا نجد، أنه في النص الثاني: أن داود قتل أربعين ألف راجل.
فهل ذلك العدد المقتول خاص بالفرسان كما في النص الأول، أم أنه خاص بغيرهم كما يشير النص الثاني.
والتساؤل المهم: من المسئول عن مثل تلك التناقضات والاختلافات؟؟ هل هو الله؟!
حاشا ، وكلا
وإلى أي شيء يدلنا عليه ذلك التناقض والاختلاف؟؟
لاشك، أن تلك التناقضات والاختلافات تدل على أن الكتاب المقدس للنصرانية (للمسيحية)، لا يمكن أن يكون كلام الله سبحانه وتعالى، وإنما هو ليس إلا صناعة بشرية، خاضعة كما رأينا كثير من التناقضات والاختلافات.
ومن نماذج التناقضات والاختلافات في الكتاب المقدس للنصرانية، على نحو المثال الذي قد ذكرناه آنفًا، الكثير والكثير، ولكن ما أردناه هو إعطاء خلفية مع التوضيح لذلك النوع الذي قد ذكرناه من التناقضات والاختلافات بالكتاب المقدس للنصرانية.
5- ومن التناقضات والاختلافات التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية:
أننا نجد فيما يتعلق بالصعود إلى السماء، أن أحد مؤلفي الكتاب المقدس للنصرانية، يقول: «إنه لم يصعد أحد إلى السماء إلا المسيح»، في حين أننا نجده غيره يقول بأن إيليا وحزقيا قد صعدا إلى السماء.
ومن التناقضات والاختلافات بالكتاب المقدس للنصرانية، على نحو ما ذكرناه آنفًا، الكثير والكثير، ولكن العجيب في الأمر: أننا نجد أن معتنقي النصرانية (المسيحية) قد دُرّبوا وعُلِّموا أن يفهموا بالتضاد والعكس، فإذا ما ظهر التناقض البيّن أمام أعينهم ظهورًا واضحًا، لا يأبهون ولا يعترفون به.
6- ومن التناقضات والاختلافات الواضحة، التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية:
سلسلة نسب المسيح فلقد دسَّت النصرانية أبناء الزنا في العهد القديم في سلسلة نسب المسيح في العهد الجديد، على الرغم من اعتقادها بأن المسيح هو إلهها ومُخلِّصها.
وعلى الرغم أيضًا، من أن المسيح لا نسب له أصلًا، لأنه قد وُلِد من غير أب، إلا أن النصرانية قد اخترعت له نسبًا متضمنًا ستة زناة وذريتهم، مع أن مثل هؤلاء الزناة كان من المفترض أن يُرجموا، وفقًا لحكم الله تعالى في الزناة، وكما جاء بذلك موسى عليه السلام كتشريع من الله عز وجل.
والعجيب أيضًا، أنه على الرغم من تلك الافتراءات إلا أننا ما زلنا نجد التناقض البيّن، حيث إنه:
قد قام متى بتسجيل 26 اسمًا في سلسة مُدّعيًا بأنها سلسلة نسب المسيح (الذي لم يكن له نسب أصلاً)، فعلى الرغم من اعتقاد متى (أحد مؤلفي الأناجيل الأربعة) بأن المسيح هو إلهه ومخلصه، إلا أنه يضع تلك السلسلة من النسب المزعوم كآباء وأجداد له (للمسيح).
تعالى الله عن كل ذلك الإفك علوًا كبيرا
ثم نجد أن لوقا في إنجيله لم يوافق متى على تلك السلسلة من النسب المزعوم للمسيح، ليس لأنه لم يقتنع بما قام به متى، ولكن لأنه لم يكتف بـ 26 أبًا وجدًا لإلهه الذي يعبده (المسيح)، فقام بتسجيل 41 أبًا وجدًّا لإلهه ومخلصه الذي يؤمن به (المسيح).
وكما أشرنا، فإن متى ولوقا قد قاما بوضع العديد من الزناة في تلك السلسلة من النسب المزعوم للمسيح.
(أعاذنا الله تعالى من ذلك الإفك وحفظنا منه)
ومن التناقض والاختلاف العجيب: أنه في كلا من سلسلتي النسب (لمتى ولوقا) لا نجد اسمًا واحدًا مشتركًا بين تلك الأسماء الموجودة في ذلك النسب المزعوم، سوى اسم (يوسف)، الذي تزعم النصرانية في غرابة ودهشة، أيضًا، أنه والد المسيح، تبعًا لما يقوله لوقا في إنجيله
(3: 23)، وذلك بعد حذف ما بداخل علامتي التنصيص، لأنه ليس في الأصل والمخطوط لكتاب النصرانية، ولكنه إضافة وحشو من تلقاء المترجم، والنصرانية نفسها تعترف وتقرّ بذلك.
7- ومن التغييرات والتناقضات التي يتضمنها ويحتويها الكتاب المقدس للنصرانية:
رسالة يوحنا الأولى (5: 7)، حيث تقول: «لأن الشهود في السماء ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة واحد» فتلك الفقرة هي أقرب إلى ما تسميه النصرانية بالثالوث المقدس، وهو أحد دعائمها، ولكننا نجد أن مراجعوا النصوص المنقحة قاموا بحذف تلك الفقرة، باعتبارها زيفًا عقائديًا.
وفي الوقت ذاته نجد أن الترجمات الأخرى لكتاب النصرانية المقدس، لا زالت بها تلك الفقرة، التي تمثل الاعتقاد المزيف للنصرانية)، والتي حُذِفت من مراجعوا النصوص المنقحة.

8- ومن التغييرات والتحريفات التي يتضمنها ويحتويها الكتاب المقدس للنصرانية:
أن النسخة الأردية (لكتاب النصرانية المقدس) قامت بتغيير الضمير من (هو) إلى (هي)، في الفقرة التالية: «وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم (هو) بأمور آتية» (يوحنا 16: 13).
وذلك من أجل نفي الإشارة إلى أن المُعزِّي هو النبي محمد ، وهو خداع معتاد من المبشرين للنصرانية، خاصة في اللغات الإقليمية( ).
9- ومن التغييرات والتبديلات التي يتضمنها ويحتويها الكتاب المقدس للنصرانية:
التغيير والتبديل في الإنجيل باللغة الإفريقية، حيث قامت النصرانية بإبدال كلمة مُعزِّي أو مساعد (comforter) إلى كلمة (Mediator)، واقحموا فيه جملة الروح القدس، وهي التي لم يجرأ أي دارس إنجيلي إقحامها إلى النسخ الإنجليزية المتعددة، وهكذا يصنع المسيحية الكتاب المقدس لها( ).
10- ومن التغييرات والإضافات التي يتضمنها ويحتويها الكتاب المقدس للنصرانية:
أ- إنجيل (يوحنا 14 – 26)، حيث يقول: «وأما المعزي (الذي هو الروح القدس) الذي سيرسله الآب فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم»
«But the comforter which is the holy spirit when the father will spend in my home, he shall teach you all things and bring all things to your rememberance what so ever I have said in to you» (ohn 14 – 26)
يتبين لنا من الفقرة السابقة أن كلمتي (الروح القدس) (The holy spirit)، ما هما إلا حشو في النص، حيث يجب أن توضعا بين قوسين، كما توضع بعض الكلمات داخل النص المقتبس لزيادة الإيضاح، ولكننا نجد أن هاتان الكلمتان لم يتم وضعهما داخل أقواس وبقيتا هكذا، كما في كثير من الجمل، والتي كان يلزم وضعها داخل أقواس( ).
ب- إنجيل لوقا (3: 23) حيث يقول: «ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يُظن ابن يوسف ابن هالي».
فتلك العبارة التي فوق الخط (على ما كان يُظن) لم توجد في المخطوطات القديمة، ولكن النصرانية قامت بإضافتها من تلقاء نفسها، ثم بعد ذلك أزالت الأقواس، واستمر الحال على ذلك، حيث تعبث بكتابتها وقتما وكيفما تشاء( ).
ومن تلك الفقرة السابقة، وبدون العبارة التي قامت النصرانية بإضافتها، يتضح:
أن لوقا ينسب إلى المسيح أنه وُلِد من الفجور حيث إنَّه من المعلوم أن السيدة مريم لم تتزوج.
وغير ما أشرنا إليه الكثير والكثير من التغييرات والإضافات التي لم يسلم منها الكتاب المقدس للنصرانية، فيكون دلالة ذلك: أن الكتاب المقدس للنصرانية، ليس بكلام الله تعالى، ولا يمكن أن يُنسب إليه مطلقًا.
11- ومن التغييرات والمحذوفات التي قد تمت بالكتاب المقدس للنصرانية:
كلمة (المولود) (Begotten)
ففي نسخة الملك جيمس المعروفة بالنسخة الإنجليزية المعتمدة:
«لأنه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل أو أعطى أو ضحّى بابنه الوحيد المولود لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يوحنا 3: 16).
وأما بالنسبة للنسخة القياسية المنقحة (1971 م)، فيُقرأ ذلك النص المذكور في النقطة السابقة، كما يلي:
«لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أو أعطى أو ضحّى بابنه الوحيد لكي لا يهلك....».
فنلاحظ: أن النصرانية قد حذفت كلمة (المولود) الثابتة في نسخة الملك جيمس، حيث تعتبرها النصرانية) تلفيقًا واختلاقًا( ).
حيث إن تلك الكلمة المفتراة (المولود) تسبب لها (النصرانية) الوقوع في المأزق الحَرِج، ومن ثم قرّر علماء النصرانية حذفها.
والتساؤل المهم: هل كلام الله يتم الحذف منه أو الإضافة إليه من البشر؟!!
بالطبع : لا.
لذلك: فإن ما أشرنا إليه من تبديل وتغيير، وإضافة وحذف من قِبَل علماء النصرانية أنفسهم بالكتاب المقدس للنصرانية، يوضح ويؤكد للجميع:
أن ما بين يدي النصرانية، ليس بكلام الله تعالى المحفوظ.
فإذا كان علماء المسيحية يقومون بإجراء عملية التبديل والتغيير، والإضافة والحذف، التي قد نالت من الكتاب المقدس للنصرانية، فما بالنا بمن عادى النصرانية ولم يؤمن بمعتقداتها وزعمها؟!!

مما يتضمنه ويحتويه الكتاب المقدس للنصرانية من تناقضات واختلاف
في أصول معتقداتها، وادّعاءات بصلب المسيح
إن المسيحية (النصرانية) تزعم أن المسيح قد صُلب تكفيرًا للذنوب، ومحوًا للخطايا، وذلك وفقًا لمعتقد بولس، الذي يعتبر مؤسس المسيحية على مثل تلك الأوهام، ولكن كتابها الذي تقول بقدسيته يناقض ويخالف ذلك المعتقد في كثير من فقراته، مما يؤكد بطلان ذلك المعتقد والتحريف الذي قد نال منه.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح جانبا من تلك التناقضات والاختلافات مما قد أوضحه الشيخ أحمد ديدات في كتابه (صلب المسيح حقيقة أم خيال) بتصرف.
ومن تلك التناقضات والاختلاف من الكتاب المقدس للنصرانية في ادّعاءها بصلب المسيح:
1- عدم وجود الشهود على ذلك الحدث المزعوم.
حيث يخبر أحد مؤلفي الأناجيل (مرقس) في إنجيله (14: 5).
أن كل تلاميذ امسيح قد خذلوه وهربوا وقتما كان اليهود عازمين على صلب المسيح.
والتساؤل: من أين للنصرانية (المسيحية) إذن الادّعاء بصلب المسيح، على الرغم من أن تلاميذه (وهم المقربون والملازمون له عما سواهم) لم يكونوا شاهدين على تلك الواقعة المفتراة؟!!
لا شك: أن ذلك الزعم إنما هو ادّعاء كاذب، لافتقاده أدنى مقومات مصداقيته.
ولذلك: فإننا نجد أن المسيحية (النصرانية) تتحيّر وتتخبط في تلك المسألة (ادّعاء صلب المسيح) أشد ما يكون، لتناقضها مع الكثير من فقرات كتابها الذي تقدسه.
2- التناقض والاختلاف في مدة الصلب المزعوم.
فالمسيحية تزعم صلب المسيح على الرغم من تأليهها له، وأن صلبه كان يوم جمعة، لذلك فهم يطلقون عليها الجمعة الحزينة، ولذلك فإن أكثر البلدان المسيحية (كأمريكا وغيرها) تتخذ عطلتها الرسمية في هذا اليوم( ) (يوم الجمعة)، حيث يقولون بأن إلههم (المسيح) قد مات على الصليب في ذلك اليوم (تعالى الله عز وجل عن ذلك علوًا كبيرًا).
ويزعمون (باطلاً) أيضًا أن المسيح قد وُضِع في مقبرته (على الرغم من أنهم يألهونه) أي: أنهم يزعمون أن إلههم قد صُلب ومات ثم دُفِن في مقبرة لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال، وفقًا لما ينسبونه إليه من قوله (المسيح) أنه سيكون مثل يونان (النبي يونس) عندما ظل في باطن الحوت ثلاثة أيام.
ويعتقدون (المسيحيون) أيضًا، أنه بمجيء يوم الأحد لم يكن المسيح في قبره.
والعجيب: أنه بحساب المدة التي ظل فيه المسيح في قبره (كما تزعم المسيحية) لا نجدها ثلاثة أيام وثلاث ليال كما يزعم المسيحيون، بل إننا نجد أن تلك المدة المزعومة كانت يومًا واحدًا وليلتان، وذلك ابتداءً من يوم الجمعة ليلًا إلى فجر يوم الأحد، حيث إن المسيحيين يقولون بأن إلههم (المسيح) لم يكن موجودًا في قبره في فجر ذلك اليوم (الأحد)( ).
والتساؤل المهم:
من أين يأتي ذلك التناقض والاختلاف إذا كان ما بأيديهم (المسيحيين) هو كتاب الله؟!
وإذا كان التناقض والاختلاف سِمَة أساسية في أبسط مظاهر الإيمان لهم (للمسيحيين)، فما بالنا فيما يتعلق بطبيعة الله تعالى، ووحدانيته؟!!
لاشك، بأن الشيطان قد خدعهم (المسيحيين) طوال تلك المدة (أكثر من ألفي عام) وضلَّلهم، ولبَّس عليهم أمر دينهم في أمر من أكثر الأمور أولوية في عقيدتهم( ).
لذلك: فإنه سرعان ما يزول العجب، إذا ما علمنا أن ما بأيديهم ليس إلا كتابًا مؤلفًا من كُتَّاب كثيرين تبعًا لأهواء وعقول كل منهم، فالأهواء والعقول تختلف من شخص لآخر، حيث إن ما يمليه عقل وهوى أحد المؤلفين عليه عند كتابه وتأليفه، غير ما يمليه عقل وهوى غيره من المؤلفين الآخرين.
ففي الوقت الذي نجد فيه أن مؤلفي الأناجيل صامتين عن موعد الدفن المزعوم لإله المسيحية (المسيح)، نجد أن كتبهم تخبر بعدم وجود الإله (المسيح) في قبره قبل شروق يوم الأحد، تناقض عجيب!!
حيث يجهل المؤلفون موعد الدفن المزعوم لإلههم (المسيح)، على الرغم من ادّعاءاتهم بالإلهام، وفي نفس الوقت تخبر كتبهم ومؤلفاتهم بعدم وجود الإله المزعوم في قبره قبل شروق يوم الأحد (تعالى الله سبحانه وتعالى عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا).
لذلك: فإن الكتاب الذي بين يدي النصرانية (المسيحية) لا يمكن أن يكون كلام الله تعالى، وأنه ليس إلا مؤلفًا بشريًّا لكثير من المؤلفين المجهولين.
3- تناقض واختلاف معجزة يونان (النبي يونس) عن النبوءة التي تنسبها النصرانية (المسيحية) للمسيح
فالنصرانية (المسيحية) تزعم أن المسيح كان مثل يونان، وهو النبي يونس عليه السلام، ولكن ما جاء كتابها الذي تقول بقدسيته، يدل على خلاف ذلك( ).
فمعجزة يونان كما في الكتاب المقدس للنصرانية: أنه عندما ابتلعه الحوت بعد إلقاءه (يونان) في البحر من على السفينة بواسطة رُكّابها، بعد إجراء عملية قرعة واسقرارها عليه، ظل في بطنه (الحوت)، إلى أن لفظة الحوت على الشاطئ في اليوم الثالث( ).
ولكن، من عجيب التناقض:
أنه من المعلوم أن يونان لم يكن ميتًا داخل الحوت، لأنه كان يسبح ويصلي لله طلبًا لنجدته أثناء وجوده داخل الحوت، بينما نجد أن المسيح كان ميتًا داخل قبره (كما تعتقد النصرانية)، وليس حيًّا( ).
ومن التناقض البَيّن أيضًا:
أن يونان ظل داخل الحوت إلى اليوم الثالث، ولكننا نجد أن المسيح لم يظل داخل قبره سوى يوم واحد وليلتان( )، كما أوضحنا سابقًا. (مجاراة لما تعتقده النصرانية من صلب وموت المسيح، مع زعمها بألوهيته).
ونوضح ذلك من الكتاب المقدس للنصرانية، حيث يقول:
«لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال كذلك يكون ابن الإنسان» (إنجيل متى 120: 4).
ومن ذلك، يتضح خطأ وبطلان تلك النبوءة التي يزعمها الكتاب المقدس للنصرانية، ومن ثم بطلان الزعم بقدسيته، ونسبته إلى الله تعالى، لأنه سبحانه وتعالى منزه عن الخطأ، ومنزه عن مثل تلك النقائص والعيوب.
4- تناقض صورة المسيح بعد الصلب المزعوم مع ما جاء بالكتاب المقدس للنصرانية من وصف للأجساد التي تقوم من الموت
إننا نجد أن في (إنجيل لوقا، إصحاح 20)، أن المسيح يخبر بأن الأجساد التي تقوم من الموت تكون طبيعتها روحية، أي أنها ليست في صورة بشرية من لحم وعظم.
ولكننا نجد أن المسيح يخبر (بعد انتهاء حدث الصلب المزعوم) أنه ليس روحًا، لأن الروح ليست لحم وعظام، وها هو الآن جسد بلحم وعظام، كما في إنجيل لوقا (24: 36- 43).
وكذلك، يتبيّن من إنجيل لوقا: أن المسيح لم يمت، لأنه لو كان قد مات لتحول إلى روح، كما ينص على ذلك الكتاب المقدس للنصرانية.
ومن ثم فإن إنجيل لوقا، الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، كأحد مكوناته، يُناقض الادّعاء بصلب المسيح، الذي هو من أصول معتقد النصرانية.
وذلك من التناقض العظيم الذي تقع وتتخبط النصرانية فيه.
5- موجز من الأدلة الدامغة على عدم صلب المسيح من الكتاب المقدس للنصرانية، ومن ثم التعارض مع أصل معتقدها.
أ- أن المسيح كان حريصًا على ألا يموت: حيث قد اتخذ ترتيبات للدفاع عن نفسه ضد اليهود الذين أرادوا صلبه وقتله( ) (كما ينص الكتاب المقدس للنصرانية على ذلك):
ومن ثم فإن عقيدة الخلاص التي تؤمن بها النصرانية، لا أساس لها من الصحة، لأنها إن كانت صحيحة لكان من الأولى للمسيح أن يستسلم لمراد اليهود كي يُصلب ويُقتل.
وأيضًا: إذا ما علمنا أن المسيح كان حريصًا على ألا يموت (من الكتاب المقدس للنصرانية)، مع أن النصرانية (المسيحية) تدّعي ألوهيته، فهل يستطيع اليهود فعل نقيض ما يحرص عليه إله النصرانية؟!!
(تعالى الله عز وجل عن تلك الافتراءات التي تزعمها النصرانية علوًا كبيرا).
فإذا كان المسيح إلهًا (كما تزعم النصرانية) وأراد لنفسه البقاء، فهل يستطيع اليهود أن يتغلبوا على مراده (إله النصرانية) وهو أن يبقى حيًا، لا يموت؟!!
(تعالى الله عز وجل عن تلك الافتراءات التي تروجها النصرانية علوًا كبيرا).
لاشك: أن ذلك من التناقض البيِّن الذي يؤكد بطلان ادّعاء صلب المسيح، وعظيم الإفتراءات التي تنسبها النصرانية إلى الله تعالى.
ب- أن المسيح كما بالكتاب المقدس للنصرانية قد تضرَّع إلى الله كي يُنقذه، ويحفظ حياته( )، وفي ذلك دليل بيِّن على بطلان عقيدة الخلاص التي تؤمن بها النصرانية (المسيحية)، حيث إنها (النصرانية) تزعم أن المسيح الذي تقول بألوهيته، قد قام بتقديم نفسه للصلب والقتل كفداء وتضحية منه، من أجل تخليص البشرية من إثم وخطيئة أبيهم آدم (عندما أكل من الشجرة التي نهاه ربه عن الأكل منها)، والتي تزعم (النصرانية) توارثها (توارث تلك الخطيئة عن آدم) للبشرية من بعده.
فلو أن المسيح كان مُضحيًّا مفتديًا بنفسه (كما تزعم النصرانية) لكانت تلك التضحية وذلك الفداء المزعوم عملًا راغبًا فيه قلبه، ومُحبَّبًا إليه، ولما تضرع إلى الله كي يُغيثه وينقذه ويحفظ حياته.
لذلك: فإن عقيدة الخلاص التي تؤمن بها النصرانية (المسيحية) لا أساس لها من الصحَّة، ومن ثم فإن الادّعاء بصلب المسيح إنا هو ادّعاء باطل، وافتراء كاذب.
ج- أن الله كما في الكتاب المقدس للنصرانية، قد استجاب لدعاء المسيح في أن ينقذه ويبقيه ويحفظ حياته.
فإذا كان الله قد استجاب لدعاء المسيح في أن ينقذه ويحفظ حياته، فإن ذلك يعني أن الله يريد بقاءه حيًّا، ويُريد حفظه من الصلب والقتل، أي أنه عز وجل يريد نجاته من أيدي اليهود الذين يريدون صلبه وقتله، فهل يكون غير ما أراده الله تعالى؟!!
وهل تتغلب إرادة اليهود (البشر المخلوقين) على إرادة الله تعالى، وهو الإله الخالق؟!!
بالطبع: كلا.
إذن، فما الاستنتاج الذي نخرج به من ذلك التساؤل المهم؟
لاشك، أننا نخرج بجواب لا حياد عنه، ولا بديل له لصاحب فطرة نقية وعقل رشيد، وبحث عن الحق لاتِّباعه، وهو:
أن إرادة الله تعالى غالبة على كل شيء، ومن ثم فإن المسيح لم يُصلب ولم يُقتل، وإنما حفظه الله تعالى وفقًا لإرادته وحكمته.
د- أن المسيح كما جاء بالكتاب المقدس للنصرانية، قد أكل مرة ثانية بعد عملية الصلب المزعوم( ).
فبما أن الكتاب المقدس للنصرانية يقول: بأن من مات فإنه لا يكون على هيئة بشرية، وإنما يكون روحًا، أي أنه لا يأكل.
إذن: فإنه بصلب المسيح، نستنتج أنه لن يأكل الطعام مرة ثانية، لأنه كما في زعم الكتاب المقدس للنصرانية يصير روحًا، لا يأكل.
ولكن ما حدث، كما بالكتاب المقدس للنصرانية، هو أن المسيح قد أكل الطعام مرة ثانية، مما يدل على أنه لم يكن روحًا، وإنما كان بشرًا بلحم وعظم.
ومن ثم فإن الاستنتاج البيّن، هو: أن المسيح لم يمت كي يصير روحًا (لأكله الطعام)، ومن ثم فإنه لم يُصلب ولم يُقتل، أي خلاف ما يدّعيه المبطلون.
هـ- أن المسيح كما بالكتاب المقدس للنصرانية، كان قد تنبّأ بأن معجزته ستكون مثل معجزة يونان( ) (النبي يونس) ولكننا نجد أن يونان كان حيًّا، كما جاء بسفر يونان (بالعهد القديم) الذي تضمنه الكتاب المقدس للنصرانية كأحد مكوناته، بينما نجد أن النصرانية تزعم صلب وقتل المسيح، إضافة إلى تناقض المدة المزعومة في بقاء المسيح على الصليب مع المدة التي قد ظل خلالها يونان في بطن الحوت (كما أوضحنا في السابق).
والتساؤل المهم: من أين تكون المثلية بين معجزة يونان، وهي (إلقاءه حيًّا في بطن الحوت) وبين معجزة المسيح التي تزعم النصرانية (المسيحية) صلبه وقتله وموته ودفنه ؟!!
لا شك، أنه لا توجد أدنى مثلية، إلا في حالة واحدة، وهي: عدم صلب المسيح ومن ثم عدم قتله أو موته، بحيث تكون المثلية في نجاة المسيح مما أراده اليهود به، كما نجى يونان من بطن الحوت، ومن ثم تكون المثلية في نجاتهما هما الاثنين وبقاءهما أحياء.
وغير ما أشرنا إليه الكثير والكثير من الدلائل بكتاب النصرانية، التي تناقض وتخالف أصول معتقد النصرانية وادّعاءاتها الباطلة بصلب المسيح.
ولمزيد من هذه الأدلة، يمكن الرجوع إلى كتاب: (مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء) للشيخ / أحمد ديدات.
ومن العجيب:
أننا نجد أن الجزء الخاص بصعود المسيح إلى السماء قد حذفته النصرانية (المسيحية) من نسخة إنجيل لوقا (إنجيل لوقا إصحاح 24 فقرة 51)، والتي تقول بأن المسيح صعد إلى السماء، (أي أنه لم يُصلب)، على الرغم من أن تلك النسخة ترجع إلى أقدم المخطوطات لديها، وكذلك الحال في (إنجيل مرقس إصحاح 16 فقرة 19) والتي تقول: بأن المسيح قد صعد إلى السماء، أي أنه لم يُصلب.
فلقد حذفت النصرانية هاتين الفقرتين لتوافقهما مع معتقد المسلمين بأن المسيح لم يُصلب، ولم يُقتل، وإنما رفعه الله تعالى إلى السماء.
مما سبق يتضح لنا تضمن الكتاب المقدس للنصرانية واحتواءه على عظيم التناقضات والاختلافات في أصول معتقد النصرانية (المسيحية).
وأن الادّعاءات بصلب المسيح، إنما هي ادّعاءات كاذبة باطلة، لا أساس لها من الصحة.
ومن ثم نستنتج بطلان الكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته، وتنسبه إلى الله تعالى، لفقدانه مصداقيته، وتضمنه واحتواءه لمثل تلك التناقضات والاختلافات البيّنة الواضحة، والله سبحانه وتعالى منزّه عن النقائص والعيوب وعن أن يكون كتابه المتضمن لكلامه كذلك الذي نجده في كتاب النصرانية من تناقضات واختلافات بيّنه واضحة.
لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا مؤلفًا بشريًا، خاضعًا للأخطاء والتناقضات الجسيمة، لعديد من المؤلفين المجهولين.

فقدان مصداقية الكتاب المقدس للنصرانية
إنه لمن العجيب أن نجد كتابًا يُقدَّس على الرغم من عدم وجود سند متصل له، وذلك هو حال النصرانية الذي نشاهده، حيث إنها تزعم قدسية الكتاب الذي بين يديها، مع عدم وجود سند متصل لكتاب واحد من كتب العهد القديم أو الجديد الذي يتضمنها كتاب النصرانية.
فلابد لكون الكتاب سماويًا، واجب التسليم به: أن يثبت أولًا بدليل أن هذا الكتاب كُتب بواسطة النبي الفاني (أي معلوم اسمه ونبوته)، ثم وصل بعد ذلك بالسند المتصل (عن طريق أشخاص معلوم أسماءهم وأحوالهم وصدقهم) بلا تغيير ولا تبديل.
أما الاستناد إلى شخص يُنسب إليه الإلهام بمجرد الظن والوهم (كما تدّعي النصرانية) فلا يكفي لإثبات أن الكتاب الذي بين يديها كتاب سماوي( ).
والنصرانية تقول: أن سبب فقدان السند عندها هو وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة 313 سنة( ) (من بعد المسيح)، وذلك يعد اعترافًا منها (النصرانية) بضياع الإنجيل من بين يديها.
فعند التفحص في كتاب الإسناد لها، لا يُرى فيه شيئًا، غير الظن والتخمين، فهي (النصرانية) تعتمد على الظن والتخمين، ومن المعلوم أن الظنّ لا يُغني من الحق شيئًا( ).
وما دامت (النصرانية) لم تأت بدليل شاف وسند متصل، فهذا يدل على أن ما بين يديها الآن ليس بكتاب سماوي( )، حيث تناولته الأيدي البشرية بالتحريف والتبديل وفقًا للأهواء والشهوات، كما يتضح من مضمون كتابها.
ومعلوم أن النسخ المشهورة للعهد القديم (الذي تؤمن به اليهودية، والذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية كجزء منه) عند أهل الكتاب 3 نسخ:
النسخة الأولى: وهي النسخة العبرانية، وهي المعتبرة عند اليهود وعلماء البروتستانت( ).
النسخة الثانية: وهي النسخة اليونانية، وهي التي كانت معتبرة عند المسيحيين إلى القرن الخامس عشر من القرون المسيحية، وكانوا يعتقدون إلى هذه المدة تحريف النسخة العبرانية، والنسخة اليونانية إلى هذا الزمان معتبرة عند الكنيسة اليونانية، وعند كنائس المشرق( ).
النسخة الثالثة: وهي النسخة السامرية، وهي المعتبرة عند السامريين( ).
والعجيب: أن بين تلك النسخة (المشهورة عند النصرانية) تناقضات واختلافات كثيرة. فكثير من كتب العهد القديم كانت مشكوكة غير مقبولة عند النصرانية إلى ثلاثمائة وأربع وعشرين سنة، وفي سنة 325 م انعقد مجلس علماء النصرانية (المسيحية) بحكم السلطان قسطنطين ليتشاوروا الأمر في تلك الكتب المشكوك فيها، مع أن المسيحيين القدماء قالوا بأن اليهود قاموا بتحريف التوراة لتصير الترجمة غير معتبرة، ولعناد المسيحية.
ولكننا نجد: أنه على الرغم من أن تلك الكتب مشكوك في صحتها، إلا أنه بعد العديد من انعقاد المجالس المسيحية، صارت تلك الكتب (المشكوك فيها) مُسلّم بها بين جمهور المسيحيين، إلى أن ظهرت فرقة البروتستانت، فردّوا حكم أسلافهم في بعض الكتب التي كانت مشكوكة فيها مرة أخرى( ).
والتساؤل هنا:
فهل يعقل أن تكون مثل تلك الكتب (المشكوك في صحتها) والتي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية وحيًا من عند الله تعالى، يستقي الناس منها الأحكام الشرعية ليستنيروا ويهتدوا بها في دنياهم؟!
بالطبع: لا.
وماذا إذا انعقد مجلس آخر من المجالس المسيحية في هذا الزمان، أو فيما بعد، ليتشاوروا في أمر تلك الكتب (المشكوك فيها من قبل ثم صارت مسلمة بها) مرة أخرى، وقالوا بعدم صحتها، فهل تصير بذلك كتبًا غير سماوية؟!
وهل ذلك الكتاب (الكتاب المقدس للنصرانية) الذي يتضمن ويحتوي مثل تلك الكتب المشكوك فيها، والتي تخضع في كل حين للتشاورات والمداولات والمجادلات، كتابًا مقدسًا، مُنزّهًا عن الشكوك والأخطاء، محفوظًا من الله تعالى؟!!
بالطبع: لا.
وهل انعقاد المجالس التي تختلف فيها الآراء وتتغير من حين لآخر، ومن مكان لآخر، لاتخاذ القرار أمر تلك الكتب المشكوك فيها، هو المقياس الذي يقبله عقل راجح رشيد، للحكم على مثل تلك الكتب إن كانت سماوية أم لا؟؟
بالطبع: لا.
فالحق بيّن، لا يلتبس مع الباطل، لذلك: فإن الكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته، لا يمكن أن يكون كتابًا سماويًا، ومن ثم فهو ليس بكلام الله تعالى.
ومع أننا نجد أن الأناجيل قد ضُيِّعت وحُرِّفت، إلا أننا نجد أن النصرانية تحاول القول بأن كتابها (الذي تقدسه) كامل (أي لا عيب فيه)، ولكنها سرعان ما تناقض ذلك القول لما هو فوق استطاعتها، حيث تجد (النصرانية) أن الأصل مفقود، وذلك يتناقض تمامًا مع ادّعاءها بكمال كتابها.
فكما هو متضح: فإن أقدم إنجيل موجود إنما هو باللغة اليونانية، وهي لغة لم يتكلمها المسيح، وكذلك لم يُدوّن أي إنجيل في عهد المسيح.
وكذلك، فإن أقدم إنجيل إنما يعود زمانه إلى ما يزيد على مائتي عام من زمن المسيح، إلا أنه قد بقيت بعض الإشارات (مضمونًا) إلى النبي الخاتم الذي سوف يأتي بعد المسيح، مع ما في النصوص من تحريفات واضحة.
وأيضًا، نجد أن النصرانية (المسيحية) تُمايز وتُفرِّق بين أناجيلها، فتقول إنجيل متى، أو إنجيل لوقا .... إلى غير ذلك، ولكننا من وسط تلك الأناجيل المختلفة لا نجد إنجيل المسيح الذي جاء به من الله تعالى.
ومن العجيب: أنه مع ضياع الإنجيل الذي جاء به المسيح من الله تعالى، أو تأليف الكثير من المؤلفين لأناجيل كثيرة مختلفة تبعًا لأهواء كل منهم، وإيمان النصرانية بتلك الكتب المؤلفة من كثير من المجهولين على أنها وحي من الله (كذبًا وزورًا)، إلا أننا نجد أن 50% من واضعي الأناجيل ليسوا بجواري المسيح.
والتساؤل المهم: فبأي صفة أو ادّعاء (باطل) كان تأليفهم لمثل تلك الأناجيل؟
ومن أين كانت كتاباتهم لتلك الأناجيل المختلفة في حين أنه لم تكتب كلمة واحدة في حياة المسيح (وفقًا لما تعتقده المسيحية)؟!!
لا شك: أن مثل تلك الكتابات المتعددة للأناجيل المختلفة كانت تبعًا لأهواءهم وما تمليه عليهم عقولهم المختلفة.
وكما أوضحنا سابقًا، فإن المؤلفين الأصليين لتلك الأناجيل المختلفة مجهولون.
وعلى سبيل المثال (لا الحصر):
فإن إنجيل متى ليس بإنجيل متى، وقد فصَّلنا في ذلك سابقًا، حيث إن مؤلفه الحقيقي ليس متى، وإنما مؤلف مجهول غير معلوم.
أيضًا: نجد أن مما يقوله مراجعوا النصوص المنقحة (للنصرانية):
أ- أن سفر صموئيل كاتبه مجهول.
ب- سفر أخبار الأيام الأول كاتبه مجهول، ويحتمل أن يكون عذرا، وغير ذلك الكثير، وسوف نوضح جزءً منه بمشيئة الله تعالى في النقاط القادمة.
لذلك: فإن النصرانية نفسها تقول: بعدم إيمانها بالوحي اللفظي، حيث إنه لا ملجأ لها إلا مثل تلك الافتراءات بعدم وجود وحي لفظي، وذلك:
لضياع إنجيل المسيح من بين يديها.
ولعدم وجود سند متصل لأي من تلك الكتب التي يتضمنها كتابها (كتاب النصرانية) الذي تزعم قدسيته، وهي (النصرانية) لا تنكر ذلك، بل تقرّه وتعترف به، كما أوضحنا في السابق.
فمعتقد النصرانية (المسيحية) بعدم الإيمان بالوحي اللفظي يعني:
أنها تعتقد بأن كلام الله غير محفوظ.
وإذا كان كلام الله تعالى غير محفوظ (وفقًا لادّعاءات النصرانية)، فمن أين نتعرف على كلام الإله الخالق الذي نتعبد به (بقراءته وتلاوته، وتدارسه، ومعرفة الأحكام والتشريعات منه) مما سواه من كلام البشر المخلوقين؟!!
لاشك، أنه لا سبيل لذلك، لأنه حينئذ يكون الأمر مختلطًا، ويكون الحق قد اختلط بالباطل، ولذلك:
فإن الله عز وجل حاشاه أن يترك كلامه غير محفوظ من اختلاط كلام عبيده به.
وإذا كانت المسيحية لا تعتقد بالوحي اللفظي، فإن ذلك يعني: أن الكلام الذي بين يديها إنما هو لأشخاص بشرية، يسري عليهم ما يسري على المخلوقات على سطح الأرض، من أخطاء وسهو ونسيان، إضافة إلى تعرضه للتغيير والتعديل، تبعًا لاختلاف العقول وطريقة التفكير من وقت لآخر، ومن مكان لآخر، وتبعًا للانقياد خلف الأهواء والشهوات.
والتساؤل هنا، أيضًا: ما هو الضمان الحقيقي إذن لسلامة ما ألّفه مؤلفي الأناجيل المختلفة من الأخطاء والتناقضات والاختلافات؟!!
بالتأكيد: لا ضمان حقيقي لسلامة ما ألّفوه سوى الأوهام والظنون، والأخطاء والتناقضات والاختلافات التي تعج بها مؤلفاتهم برهان ذلك.
ونثير تساؤلاً جديدًا، وهو: من أين نحصل على مصداقية ما ألّفوه (مُؤلفوا الأناجيل)؟؟
والجواب المؤكد، هو: أنه لا سبيل للحصول على مصداقية ما ألّفوه (مؤلفوا الأناجيل)، فالأناجيل التي ألّفت كثيرة جدًا، ولكن النصرانية قد اتفقت على تلك الأناجيل الأربعة، المُدرجة ضمن كتابها الذي تقول بقدسيته، ومع ذلك: فإن تلك الأناجيل الأربعة المختارة بينها اختلافات كبيرة وتناقضات كثيرة.
ومثال ذلك: نَسَب المسيح في كلٍ من إنجيل متى ولوقا، حيث نفاجئ أنه في سلسلة النسب المزعوم للمسيح في كل من إنجيل متى ولوقا: لا نجد اسمًا واحدًا مشتركًا بين تلك الأسماء الموجودة في القائمتين لذلك النسب الباطل سوى اسم يوسف، والذي يزعم كتاب النصرانية (المسيحية) في غرابة أنه والد المسيح ، على الرغم من تأليهها له (المسيح).
لذا، فإننا نستنتج: أن الإنسان بحاجة للوحي الإلهي، حيث إن العقول البشرية مختلفة. والإنسان عليه أن يُفكر في مصدر تلك الكتب التي يؤمن بها، هل هي وحي من الله تعالى، أم غير ذلك.
فإذا كانت وحيًا من الله تعالى، فلن نجد فيها أية تناقضات أو اختلافات، ولا شك أن الأمر بالنسبة للكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته على غير ذلك، كما أوضحنا سابقًا.
فالشخص السويّ الحذر، الطالب للحق، المتبع له، يمكنه التمييز بين ما هو صحيح صادق وبين ما هو باطل مكذوب، وبين ما هو معقول وما هو غير معقول.
فهناك كتب كثيرة تدَّعي أنها وحي إلهي، ومن ثم فعلى الإنسان العاقل أن يحكم على مؤلفها أ ومصدرها، ويجب عليه أن يقرأها ويتفكّر فيها.
هل ما تحتويه وتتضمنه يليق بأن يكون بحق من عند الإله الخالق، العظيم، المنزّه عن كل سوء أم لا؟؟
والكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته لا يليق مطلقًا بأن يكون من عند الإله الخالق، العظيم المُنزّه عن كل سوء، ويمكن توضيح بعض من أسباب ذلك، على النحو الآتي:
1- أن الكتاب المقدس للنصرانية مليء بالعبارات الرذيلة والقصص الفاحشة، التي تصور العديد من مشاهد الزنا صورة بصورة، ومشهدًا بمشهد، حتى وكأنه دورات تدريبية متخصصة في كيفية الدخول في ذلك المجال العَفِن والتمرّس فيه، وقد أشرنا في السابق إلى مواضع بعض من تلك القصص الرذيلة، والتي يستعف اللسان عن ذكرها، لما فيها من فحش وإثارة للغرائز الجنسية.
ويذكر الشيخ الداعية/ أحمد ديدات قصة واقعية معلومة، يُفضل ذكرها في هذه الجزئية للبيان والإيضاح، فيقول:
أنه كان كتيب صغير يجري تداوله، يحتوي على 9 فقرات من الكتاب المقدس للنصرانية، وحدث أن شخصًا أرسله إلى لجنة المراقبة، وقال لهم: اقرءوا هذا، ما هذا الكلام؟!
أي: ما ذلك الكلام البذئ الفاحش الجاري تداوله دون مراقبة منكم عليه، ومن ثم الحظر له؟!
فما كان من لجنة المراقبة إلا أن أصدرت قرارًا يقضي بحظر تداول ذلك الكتيب، وهم لا يُدركون أن تلك الفقرات التسع (9) هي جزء من كتابهم الذي يزعمون قدسيته، وأن تلك الفقرات هي من (سفر حزقيال، الإصحاح 23).
فاللغة المستخدمة في كتاب النصرانية فاسقة إلى حد بعيد، ولذلك حَظَرت حكومة جنوب إفريقا تداول ذلك الكتيب الذي أشرنا إليه، وكان من ضمن هيئة الرقابة اثنين من القساوسة حين حظروه، ولكنهما لم يعلما أنهما قد حظرا أجزاء من كتابهم الذي يقدسونه.
فالموجود بالكتاب المقدس للنصرانية (من مثيل تلك العبارات الرذيلة والقصص الفاحشة) هو الذي قد أدّى إلى تلك المفاسد في العالم المسيحي، لا سيما في أوقات أعياد الميلاد المزعومة، وفي كنائسهم في تلك الأوقات (أعياد الميلاد)، عند شربهم للمسكرات والخمور التي تذهب العقل، وتوقع في مثل تلك الرذائل والفواحش.
فإذا قرأ الإنسان موادًا فاسدة، فلابد أن يكون عقله فاسدًا.
والتحدّي الذي أثاره الشيخ/ أحمد ديدات، هو التحدّي لأي مُبشر نصراني (داع إلى النصرانية) إذا كان عفيفًا فاضلًا أن يقرأ من تلك الفقرات (التي أشرنا إليها بسفر حزقيال من الكتاب المقدس للنصرانية) على أهل كنيسته أو والدته أو زوجته أو بناته، أو خطيبته إذا كانت امرأة عفيفة فاضلة.
ولكن إذا كان إله النصرانية لم يستح ولم يخجل من إنزال تفاصيل الدعارة وعهر الزانيات، فهل يستحي من يعتقد بتلك البذاءات على أنها كلام الله، أن يقرأها على أي أحد؟!!
ولذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية هو الذي قد أدّى إلى الكثير والكثير من المفاسد المنكرة والرذائل الخبيثة التي يمتلئ ويعجّ بها العالم المسيحي.
وإذا ما استحى الإنسان العفيف الفاضل عن قراءة مثل تلك الفقرات من الكتاب المقدس للنصرانية، فإن ذلك لا شك يكون برهانًا على تحريفه وخروجه عن الإطار الربّاني.
ويوضح ذلك، هذا التساؤل البسيط: هل هذا الإنسان الحَييّ الفاضل، أكثر وأشدّ حياءً من الله تعالى؟!!
بالطبع: كلا.
إذن، فالله تعالى حَييّ عن أن ينزل مثل تلك القذارات والرذائل والفواحش في الكتاب الذي تنسبه إليه النصرانية، فهو جل وعلا القدوس المنزّه عن كل نقص وعيب وذلَل.
لذلك، فإن الكتاب المقدس للنصرانية لا يمكن أن يكون بكلام الإله العظيم الخالق، ولا أيضًا بكلام إنسان فاضل عفيف.
ونجد أيضًا بالكتاب المقدس للنصرانية:
أن المسيح على الرغم من تأليه النصرانية (المسيحية) له، وإتخاذه إلهًا يُعبد، (غلوًا وافتراءً)، إلا أنه لم يسلم من افتراءاتها (النصرانية) عليه، حيث دسّت (النصرانية) أبناء الزنى في العهد القديم في سلسلة نسب مزعومة للمسيح، مع أنها (النصرانية) تعتقد بألوهيته وأنه مُخلِّص الشعوب، وعلى الرغم أيضًا من أن المسيح لا نسب له أصلًا (لأنه وُلِد من غير أب من السيدة مريم العذراء)، إلا أن النصرانية قد اخترعت له نسبًا متضمنًا ستة (6) زناة وذريتهم( )، مع أنهم (الزناة) كان من المفترض أن يُرجموا وفقًا لحكم الله تعالى في الزناة، كما جاء بذلك موسى.
ولذلك، فإن الكتاب المقدس للنصرانية لا يمكن أن يكون كلام الله تعالى، ولا أن يُنسب إليه بحال من الأحوال.
ومن العجيب:
أنه، إضافة إلى تلك الافتراءات التي تزعمها النصرانية، فإننا نجد التناقض البيّن في فحواها، حيث إن متى أحد مؤلفي أناجيل النصرانية، والذي يُزعم إلهامه، قد قام بتسجيل 26 اسمًا في سلسلة مدّعيًا أنها سلسلة نسب المسيح (الذي لم يكن له نسب أصلًا)، وعلى الرغم من اعتقاده (متى) في المسيح بأنه إلهه ومخلصه، إلا أنه يضع مثل تلك السلسلة كآباء وأجداد لإلهه الذي يعيده.
(تعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا)
ثم نجد أن لوقا في إنجيله لم يوافق متى على تلك السلسلة من النسب المزعومة للمسيح، حيث إن (لوقا) لم يكتف بـ 26 أبًا وجدًا لإلهه الذي يعبده (المسيح)، بل إنه سجّل 41 أبًا وجدًّا لإلهه ومُخلّصه الذي يؤمن به (المسيح)
(أعاذنا الله تعالى من تلك الافتراءات، وحفظنا منها).
وكما أشرنا، فإن كلا من متى ولوقا قد وضعا في تلك السلسلة من النسب المزعوم للمسيح العديد من الزناة، غير أنه لا يوجد اسم واحد مشترك بين تلك الأسماء بقائمتي النسب المزعوم، سوى اسم واحد فقط، وهو اسم (يوسف)، والذي تزعم النصرانية في غرابة ودهشة أنه والد المسيح، وذلك كما يقول إنجيل لوقا (3: 23)، وذلك بعد حذف ما بداخل علامتي التنصيص (على ما كان يُظنّ)، لأنه ليس في الأصل والمخطوط للكتاب المقدس للنصرانية، ولكنه إضافة وحشو من تلقاء المترجم، والنصرانية تعترف وتقرّ بذلك.
أي أن ما بداخل علامة التنصيص (على ما كان يُظن) ليس إلا إضافة من المترجم لمحاولة الهروب من ذلك المأزق ذي الحرج الشديد، وهو ادّعاء الكتاب المقدس للنصرانية بأن يوسف الذي قد ذكره كلا من متى ولوقا (في سلسلة النسب المزعوم) هو والد المسيح، على الرغم من اعتقاد النصرانية بألوهيته، ومن ثم عبادته.
(تعال الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا)
ونوضح: أن ذلك النسب المزعوم الذي تنسبه النصرانية للمسيح، ليس من جهة السيدة مريم (ليس من جهة والدته)، وذلك لأنه لم يرد اسمها (السيدة مريم) في أي من قائمة النسب المزعوم، وإنما كان (النسب المزعوم) من جهة يوسف النجار.
ومن التناقضات التي نجدها بالكتاب المقدس للنصرانية:
أن بالإنجيل الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية (للمسيحية) ما يشير إلى عدد كبير من الأبناء التي ينسبها إلى الله افتراءً وكذبًا، ولكننا إذا ما سألنا المسيحي (الذي يعتقد ألوهية المسيح، ويعبده)، كم عدد أبناء الله (مجاراة لافتراءات النصرانية)؟؟.
فإنه يقول: إنه واحد (يقصد المسيح).
ولا شك، أن ذلك من التناقض الذي يقع فيه معتنقوا النصرانية، حيث يعتقدون بأن لله ابنًا واحدًا، في حين أن كتابهم الذي يزعمون قدسيته، ينسب إلى الله أبناءً كثيرين.
(تعالى الله عز وجل عن أن يتخذ ولدًا ، علوًا كبيرًا).
ومن التناقضات التي نجدها بالكتاب المقدس للنصرانية:
أنه لا يُسمّى بالإنجيل، وإنما يُقال العهد القديم، والعهد الجديد، على الرغم من أن ما جاء به المسيح إنما هو الإنجيل، ولا شك أن ما نقصده هنا هو الإنجيل الحق الذي جاء به المسيح من الله تعالى، وليس إنجيل متى أو غيره من المؤلفين.
فنجد أن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن عدة أناجيل مؤلفة ذات صناعة بشرية، لمؤلفين كثيرين مجهولين، في حين أنه ليس الإنجيل الحق الذي أوحاه الله تعالى إلى المسيح عليه السلام.
ونجد أيضًا: أن الكتاب المقدس للنصرانية، إنما يخضع للحذف منه والتبديل والتغيير، وذلك على الدوام.
حيث إن النسخ الحديثة لكتاب النصرانية تترك بعض الجمل أو الكلمات الموجودة في النسخ القديمة، وكذلك نجد بها جملًا وكلمات لم تكن موجودة بالنسخ القديمة( ).
ولاشك، أن ذلك شيء مريب لكل باحث عن الحق، حيث إن ذلك يدل على التحريف البيّن الحادث بالكتاب المقدس للنصرانية، والذي ما زال يحدث، وإلى أن يشاء الله.
مما يدل على أن ما بيدي النصرانية اليوم ليس أبدًا بكلام الله تعالى، وإنما هو كلام بشري خاضع دائمًا للتغيير والتبديل، تبعًا للأهواء والاتجاهات المختلفة لعقول مؤلفيها، ومنقحيها.
ومما يدل على ذلك ويؤكده:
أن الترجمة العالمية الحديثة (للكتاب المقدس للنصرانية) قد استبعدت الإحدى عشرة فقرة الأولى من إنجيل يوحنا (الإصحاح الثامن) عن بقية النص( )، فعلى أي شيء يدل ذلك؟؟
لا شك، أن ذلك يدل بوضوح على أن ما بين يدي النصرانية اليوم ليس بكلام الله تعالى، حيث يخضع للتنقيح والتبديل والتغيير (لما به من أخطاء وتناقضات) من قِبَل علماءها وغيرهم، دون أدنى حياء في ذلك.
ثم يأتي من بعدهم علماء آخرين للنصرانية، فيقومون بنفس العمل، من تغيير وتبديل وتنقيح لما قام به أسلافهم مرة أخرى، وهكذا.
ومع ذلك نجد أن النصرانية تزعم قدسية ما بين يديها، وتنسبه إلى الله تعالى.
ولا شك، أن ذلك زعم غير مقبول تمامًا من مبتغٍ للحق، باحث عنه، ذي فطرة نقية وعقل راجح رشيد.
لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا مؤلفًا لكتّاب بشريين، لا علاقة لهم مطلقًا بإلهام أو غيره.
وما يَعجّ به الكتاب المقدس للنصرانية، من أخطاء وتناقضات، وفواحش ورذائل ومنكرات، برهان ذلك.
(فتعالى الله عز وجل عن أن يكون كتابه مثل ما تزعمه النصرانية، علوًا كبيرًا).
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية يخضع دائمًا للإضافات.
ونموذج ذلك: أنه (الكتاب المقدس للنصرانية) يقول:
«ولما ابتدأ يسوع (يقصد: المسيح) كان له نحو ثلاثين سنة، وهو (علا ما كان يظن) ابن يوسف ابن هالي» (إنجيل لوقا 31: 23).
فتلك العبارة التي بين القوسين (على ما كان يُظن) لا توجد في المخطوطات القديمة، ولكن النصرانية أضافتها من عندها، ثم بعد ذلك أزالت الأقواس، واستمر الحال على ذلك( )، حيث إنها تعبث بكتابها كيفما تشاء.
ومن تلك الفقرة السابقة، عند إزالة ما أضافته النصرانية تدريجيًا من تلقاء نفسها، يتضح: أن لوقا نفسه، أحد مؤلفي الأناجيل التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، والذي تزعم النصرانية إلهامه بالباطل، ينسب إلى المسيح أنه قد وُلِد من الفجور.
وذلك لأنه (لوقا) ينسب المسيح إلى أنه ابن يوسف ابن هالي، ومن المعلوم أن والدة المسيح (السيدة مريم) لم تتزوج، وإنما كانت ولادتها للمسيح معجزة من الله تعالى.
ومن ثم، فإن دائرة المعارف البريطانية، قد أعلنت:
أن الأناجيل الأربعة المشهورة التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، ليست من تصنيف أحد من تلاميذ المسيح، كما أكدت بذلك الدلائل العلمية( ) (طبعة 1964).
ولذلك: فإن الكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته، ليس إلا مؤلفًا بشريًا، لكثير من المؤلفين الغامضين، ولا يمكن بأي حال نسبته إلى الله تعالى.
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية يخضع دائمًا للتحريفات والتغييرات.
ونموذج ذلك: أن النصرانية قد استخدمت بكتابها الذي تزعم قدسيته كلمات لا تزال غامضة، مجهولة المعنى، مبهمة، وإلى الآن.
ومن نماذج تلك الكلمات المجهولة المبهمة: والتي لا يعرف علماء النصرانية لها معنى إلى الآن، والتي لا تزال بكتاب النصرانية: لوبيم، لهبيم، بتروسيم، مالتوهيم، أماميم، كاثولوهيم، .... إلى غير ذلك.
والتساؤل: أي لغة تلك التي تستخدمها النصرانية في كتابها، والتي لا يعلمها علماءها، ومن ثم يجهلها غيرهم؟!!
وهل يُنزِّل الله تعالى مثل تلك الكلمات المجهولة المبهمة في كتابه، والذي كان من المفترض أن يكون هداية لخلقه، بأن يعلموا ما فيه، ويتدارسوه فيما بينهم؟!!
بالطبع: لا.
ومن ثم، فإن مثل تلك الكلمات وغيرها ما هي إلا تلفيقًا بيّنًا من قبل أيدٍ خفية قد تناولت كتاب النصرانية بالتحريف والتغيير.
فالكلمات السابقة المشار إليها وغيرها، هي في الحقيقة ألفاظ لا معان لها.
ونجد أيضًا: أن النصرانية قد قامت بترجمة أسماء الأعلام في حين أنه من المعلوم أن أسماء الأعلام لا تُترجم، وإنما تُترجم الكلمات فقط.
وذلك من الأخطاء الجسيمة التي تقع فيها النصرانية، ومن نماذج ذلك:
أن النصرانية قامت بترجمة بطرس إلى بيتر، وهناك فرق كبير بين الكلمتين، وتحريف بَيِّن واضح، وغير ذلك الكثير من نماذج التحريف والتغيير الذي قد نال كتاب النصرانية.
ومن الإضافات التي قد أُضيفت إلى كتاب النصرانية، والتي أدت إلى الوقوع في التناقض الكبير:
ما قد أُضيف إلى الفقرة التي تتحدث عن التقديم بإسماعيل عليه السلام للذبح، من قِبَل أبيه إبراهيم عليه السلام.
فمن المعلوم أن إسماعيل هو الابن البكر للنبي إبراهيم، وكتاب النصرانية يعترف بذلك ويُقرّ به، حيث إنه في سفر التكوين (والذي يؤمن به اليهودية أيضًا) إصحاح 16، عدد 15، ما يلي:
«فولدت هاجر إسماعيل وكان عمر إبراهيم آنذاك ستًا وثمانين (86) سنة».
وفي سفر التكوين (إصحاح 21، عدد 5):
«وكان عمره (إبراهيم) مائة (100) سنة حين ولد إسحاق ولده».
وذلك يعني أن الابن البكر لإبراهيم هو إسماعيل، وأن الفارق بين ولادة إسماعيل وأخيه إسحاق هو 14 سنة.
ثم نجد في سفر التكوين (إصحاح 22، عدد 2):
«وامتحن الله إبراهيم، فقال له خذ ابنك وحيدك الذي تحبه».
وهذا يعني أن تلك الفقرة تشير إلى إسماعيل، لأنها قالت (خذ ابنك وحيدك)، وكما أوضحنا، فإن إسماعيل هو الابن البكر لإبراهيم، وظل الابن الوحيد لإبراهيم لمدة 14 سنة، إلى أن وُلد بعد ذلك إسحق.
فلا يمكن أن يكون إسحاق هو المقصود بـ(خذ ابنك وحيدك)، لأنه لم يولد إلا بعد 14 سنة من ولادة إسماعيل.
ولكننا نجد أنه قد تم إدخال وإقحام كلمة (إسحاق) في حادثة الذبح لنفي أن يكون اختيار الله تعالى لمن قُدّم للذبح هو إسماعيل عليه السلام، والذي جاء من نسله النبي محمد  ليكون خاتمًا للأنبياء والمرسلين.
ومن ثم، فإن إقحام كلمة (إسحاق) بالباطل في حادثة الذبح يكون من أجل الإبعاد عنادًا وبالباطل، لذلك الشرف وتلك المرتبة عن إسماعيل عليه السلام الذي جاء من نسله النبي محمد .
وصارت الفقرة السابقة بعد إضافة وإقحام كلمة (إسحاق) تلفيقًا، تقول:
«وامتحن الله إبراهيم، فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب به إلى أرض المريا، فأخذ إبراهيم بيده النار والسكين ونظر فإذا كبش وراءه».
ومن الدلائل أيضًا، على أن المراد بقصة الذبح والتضحية هو إسماعيل، وأن إضافة كلمة (إسحاق) ما هو إلا عنادًا وعنصرية، وإقحامًا بالباطل.
أنه جاء في سفر التكوين (إصحاح 16، عدد 1)، والذي تؤمن به اليهودية كجزء من كتابها ويتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، ما ينص على أن الولد البكر هو الذي يُقدّم لذبح ولقد أكد سفر التكوين (إصحاح 4، عدد 4) أن إسحاق وُلِد بعد إسماعيل بأربعة عشر سنة.
ب- أن النص السابق (المشار إليه)، أفاد بأنه حادثة الذبح قد وقعت عند أرض (المريا)، وهي في بئر سبع، وهي المنطقة التي عاش فيها إسماعيل مع أمه (السيدة هاجر).
لذلك فإن إقحام العهد القديم (كما في سفر التكوين) لكلمة (إسحاق) في حادثة الذبح ما هو إلا تناقضًا بيّنًا واختلافًا واضحًا.
لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية لا يمكن أن يكون وحيًا من عند الله عز وجل، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾
[سورة النساء: آية 82].
ونجد أيضًا: أن بعد إصدار النصرانية لنسخة ما من كتابها، الذي تقول بقدسيته، ثم بيعها واكتساب الأموال من وراءها، يتم الإعلان عن تعديلات وتنقيحات جديدة لنفس تلك النسخة من قِبَل علماءها وقساوستها، ولكن في نسخة جديدة، ومن ثم الإقبال عليها وبيعها، واكتساب الأموال الطائلة من جرّاء ذلك الإحتيال، وهكذا.
وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾
[سورة البقرة: آية 79].
ولذلك: فإننا نجد أن نسخ الكتاب المقدس للنصرانية تختلف حسب السَنة التي يُصدر ويطبع فيها، حيث تكثر التغييرات واستبدال الكلمات، وحذف العبارات وإضافة غيرها.. وهكذا.
والتساؤل المهم:
أي من تلك الكتب: وأي من تلك الإصدارات لتلك النسخ المختلفة. يتم قبولها على أنها كلام الله تعالى؟!
وما هو المقياس الصحيح لذلك؟؟
والجواب الحق، الذي لا بديل له ولا حياد عنه؛ هو: أنه لا يمكن قبول أي من تلك الكتب أو أي من تلك النسخ لكتاب النصرانية، على أنها كلام الله تعالى، حيث إنه لا مقياس سليم صحيح يرضى به عقل راجح رشيد لقبول أي منها على أنها كلام الله تعالى.
تساؤل افتراضي: وإذا ما تم قبول نسخة ما في وقت ما، وآمن المسيحيون بها على أنها كلام الله، ثم حدثت التنقيحات والتعديلات لنفس تلك النسخة، حيث تم إضافة بعض العبارات والجمل الجديدة، وحَذْف عبارات وجمل أخرى قديمة، وتم استبدال كلمات أو فقرات قديمة بأخرى جديدة (كما هو المعتاد دائمًا)، فهل يتم قبول النسخة القديمة على أنها كلام الله تعالى أم تُرفض (بعد أن تم قبولها قبل ذلك)، وتُقبل النسخة الجديدة ذات التنقيحات والتعديلات للنسخة القديمة؟!!
وما مصير أولئك الذين كانوا قد اعتقدوا في النسخة القديمة من كتابهم المقدس، أنها كلام الله، وماتوا قبل أن يتم إصدار مثل تلك النسخ الجديدة، ذات الإضافات الحديثة، لعبارات وجمل لم تكن موجودة قبل ذلك، مُستبعده لعبارات وجمل قديمة (كانت في النسخة السابقة)، مستبدلة كلماتها بكلمات أخرى، هل كان اعتقادهم سليمًا صحيحًا في أن ما كان بأيديهم هو كلام الله تعالى؟!
وأيضًا، ما حال هؤلاء الذين وصلت إليهم النسخة ذات التعديل والتنقيح الجديد، إذا ما ظهرت نسخة جديدة لتلك التي بأيديهم، ذات تعديل وتنقيح جديد، ولم يدركوا تلك النسخة؟! وماذا إن أدركوها؟!!
لاشك، أن ذلك كله هراء ولعب واستخفاف بالعقول، فلا أحد له الحق في تبديل كلام الله تعالى: أو أية إضافة إليه أو استبعاد عنه.
فالحق ليس إلا واحدًا، غير ممتزج بباطل، حيث لا يختلف أحد من ذوي العقول الرشيدة والنفوس الزكية والفطر السوية عليه.
ونوضح: أن الترجمات غير النُسخ.
فالترجمات ما هي إلا نقلًا لمعان الكلمات والجمل من لغة لأخرى، دون إضافة في الأصل الذي تترجمه ودون حذف منه، ودون تغيير في الأصل أو تعديل وتبديل له، كما هو الحال في ترجمات القرآن الكريم.
حيث يتم نقل معان الكلمات التي تتكون منها الآيات والسور إلى اللغات الأخرى (لغير الناطقين باللسان العربي) لإمكانية فَهم القرآن الكريم، دون أدنى إضافة في الأصل (القرآن الكريم بلغته العربية) ودون أي حذف منه، ودون أدنى تعديل فيه أو تبديل له.
فلا يتم تلاوة القرآن الكريم بغير اللغة العربية، التي قد أُنزل بها من الله تعالى، ولا يتم الحفظ إلا بها.
أما النُسخ (كما هو الحال بالكتاب المقدس للنصرانية):
فإنه يتم الإضافة إليها، والحذف والاستبعاد منها، والتغيير والتبديل فيها، ومن ثم التناقض، حيث إن النصوص مختلفة، ولا شك أن ذلك مُحال قبوله في كلام الله تعالى.
لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية ما هو إلا مؤلفًا بشريًّا لعديد من المؤلفين المجهولين، والذي يخضع دائمًا للتغيير والتبديل والإضافة والحذف، ومن ثم التناقض، ونسخه الكثيرة المختلفة برهان ذلك.
ونوضح نموذجًا من تلك التعديلات والتنقيحات والتغييرات في الكتاب المقدس للنصرانية، على النحو التالي:
فنجد أن طائفة الكاثوليك لإحدى الطوائف المسيحية لها نسخة خاصة بها من الكتاب المقدس للنصرانية، والتي قد أعيدت طباعتها في دووي عام 1609، متضمنة 73 كتابًا( ).
بينما نجد أن طائفة البروتستانت (إحدى الطوائف المسيحية) لها أيضًا نسخة خاصة بها من الكتاب المقدس للنصرانية، وهي نسخة الملك جيمس، والتي طبعت عام 1611 م، حيث قامت بحذف (7) سبعة أسفار من الكتاب المقدس للنصرانية( )، باعتبارها تلفيقًا وتزويرًا.
إلى غير ذلك من طوائف المسيحية، والتي لا تعترف كل منها بالنسخة الخاصة بها أيضًا.
ومن التناقض العجيب:
أنه على الرغم من عدم إيمان الكاثوليك (إحدى طوائف المسيحية) بنسخة الملك جيمس، إلا أنهم (النصارى الكاثوليك) يجبرون معتنقي النصرانية الجدد على شراء نسخة الملك جيمس (النسخة الخاصة بطائفة البروتستانت)، وذلك لأنها النسخة المترجمة إلى أكثر من ألف لغة من لغات العالم النامي( ).
ومع ذلك: فإن نسخة الملك جيمس لكتاب النصرانية، والتي طبعت لأول مرة في عام 1611 م، وعُدِّلت ونُقِّحت وغُيِّرت في عام 1881م ، فسميت بالنصوص المُنقّحة، ثم عُدِّلت ونُقِّحت وغُيِّرت مرة أخرى في عام 1952، وسميت الـ R.S.V، ثم لم تسلم من التعديل والتنقيح والتغيير مرة أخرى في عام 1971م( ).
ومع ذلك نجد أن آراء علماء النصرانية (32 عالمًا من علماء المسيحية – النصرانية – يساندهم 50 من الطوائف الدينية) في نسخة الملك جيمس، كالآتي:
حيث يقولون: ولكن نصوص الملك جيمس بها عيوب خطيرة جدًا.
ومن نماذج التنقيح: رسالة يوحنا الأولى (5: 7) والتي تقول:
«لأن الشهود في السماء ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة واحد».
فتلك الجملة السابقة هي أقرب إلى ما تسميه النصرانية بالثالوث المقدس، وهو أحد دعمائها.
ولكن مراجعوا النصوص المنقحة حذفوا تلك الفقرة (من رسالة يوحنا)، لأنهم يعتبرونها زيفًا عقائديًّا، ولكن الترجمات الأخرى لكتاب النصرانية ما زالت بها تلك الفقرة التي تمثل الاعتقاد المزيّف لدى النصرانية، والتي قد حُذِفت من مراجعوا النصوص المنقحة.
والتساؤل المهم:
من المسئول عن مثل تلك الاستبعادات والإضافات، والتعديلات والتغييرات والتحريفات، ومن ثم التناقضات والاختلافات في ذلك الكتاب الذي تقدسه النصرانية؟؟
الجواب: إن علماء النصرانية هم الذين يبدّلون ويُعدِّلون ويُغيّرون بعض الكلمات الموجودة بالمخطوطات الأصل لديهم بكلمات أخرى، ويُبرّرون ذلك بقولهم: حتى يكون النصّ أكثر وضوحًا.
ولا شك، أن مثل تلك الإدّعاءات جرأة في التحريف والتبديل، مع عدم الحياء فيها، وإذا لم يستح الإنسان فهو يفعل ما يشاء.
فلا أحد له الحقّ في مثل ذلك التحريف والتبديل بمثل تلك الادّعاءات الباطلة، والتي لا أساس لها من الصحة.
ومما يشهد بتلك التحريفات التي قد انغمس فيها الكتاب المقدس للنصرانية:
أ- المدخل الجديدة من الكتاب المقدس لطائفة الكاثوليك (إحدى طوائف النصرانية – المسيحية)، حيث ينص على الآتي:
ومن الواضح أن ما أدخله النسّاخ من التبديل على مرّ القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مُثقلًا بمختلف ألوان التبديل، ظهرت في عدد كبير من القراءات.
وأيضًا، ممن يشهد بمثل تلك التحريفات التي قد انغمس فيها الكتاب المقدس للنصرانية.
- حيروم، وفقًا لما قالة (واردكاتلك) في كتابه.
حيث قد صرّح حيروم في مكتوبه: أن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكون في الباب الأخير من إنجيل مرقس.
- شهادة العالم النصراني: جراهام سكروجي، عضو معهد مودي للكتاب المقدس، وهو من أكبر علماء البروتستانت التبشيريين، حيث يقول في كتابه (هل الكتاب المقدس كلمة الربّ): «نعم إن الكتاب المقدس من صنع البشر، بالرغم من أن البعض جهلًا منهم قد أنكرو ذلك».
ويقول أيضًا: «إن هذه الكتب قد مرّت من خلال أذهان البشر، وكُتبت بلغة البشر وبأقلامهم، كما أنها تحمل صفات تتميز أنها من إسلوب البشر».
فأقدم المخطوطات لدى النصرانية ترجع إلى 300 أو 400 سنة من بعد المسيح، حيث إن علماءها (النصرانية) يقولون بأن المخطوطات الأصلية قد هلكت.
ولذلك: فإنه لا يوجد من بين آلاف النسخ الموجودة اليوم للكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته نسختان متطابقتان باللغة الأصلية.
ومن بين أربعة آلاف مخطوطة مختلفة (لأناجيل مختلفة) قام القساوسة الكنسية باختيار (4) أربعة أناجيل ليتضمنها كتابهم المقدس، وذلك لتوافقها (الأناجيل) مع ما يميلون إليه.
ومما أشرنا إليه يتبين: أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا مؤلفًا فاقدًا للسند المتصل، حيث إن مؤلفيه أغلبهم مجهولون، ولم يروا المسيح، ولذلك نجد أن الإنجيل الذي تنسبه النصرانية للمسيح يتحدث أكثر من ثلاثة أرباعه عن ما بعد المسيح، فكيف يكون إنجيل المسيح إذن؟؟
ولذا: فإنه لم يجرؤ أي من المؤلفين زعم أن ما ألفه كان إنجيل المسيح.
ونختم هذا الفصل بما شهد به علماء النصرانية أنفسهم (32 عالمًا، وخمسين طائفة دينية متعاونة)
حيث قالوا: بأن مؤلفي الكتاب المقدس للنصرانية مجهولون، ومثال ذلك:
- سفر التكوين: المؤلف مجهول
- سفر الخروج: ينسب إلى موسى، والمؤلف مجهول
- سفر اللاويين: عامّة يُنسب إلى موسى، والمؤلف مجهول.
- سفر العدد: عامة ينسب إلى موسى، والمؤلف مجهول.
- سفر يشوع: يُنسب (أي: أنه غير مؤكد، يعني: يُحتمل) معظمه ليشوع؛ ولكن ماذا عن باقي السفر؟؟ لاشك أنه غير معلوم من يُنسب إليه.
- سفر القضاة: يحتمل أن يكون صموئيل.
- سفر راعوث: ليس معروف بالتحديد.
سفر صموئيل 1: المؤلف مجهول.
- سفر صموئيل 2: المؤلف مجهول.
- سفر الملوك الأول: المؤلف مجهول.
- سفر الملوك الثاني: المؤلف مجهول.
- سفر أخبار الأيام الأول: المؤلف مجهول ويُحتمل أن يكون عذرا.
- سفر أخبار الأيام الثاني: المؤلف مجهول، ويحتمل أن يكون عذرا.
- سفر استر: المؤلف مجهول.
- سفر الجامعة: المؤلف مشكوك فيه، ولكن عادة يُنسب إلى سليمان.
- مزامير داود: يوجد مؤلفين آخرين له غير معروفين (مجهولين).
- سفر أشعيا: فيه أجزاء مؤلفها غير معلوم (مجهول).
- سفر يونا: المؤلف مجهول.
- سفر حبقون: المؤلف مجهول، وهكذا.
لذلك: فإن الكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته ليس إلا كتابًا مجهول النسب والهوية، ساقط السند، فالعهد القديم والعهد الجديد (الذي يتضمنها كتاب النصرانية) كلاهما غير معلوم مؤلفيها.
فمؤلفي الكتاب المقدس للنصرانية، إما أن يكونوا مجهولين، وإما أن يُقال فيهم (من المحتمل).
تعالى الله عز وجل عن أن يكون كتابه مثل ما تزعمه النصرانية علوًا كبيرا.
ولذلك فإنه يتبين لنا بالأدلة القاطعة والتي قد أشرنا إلى جانب منها:
فقدان الكتاب المقدس (للنصرانية) لمصداقيتهما.

مما قد حُفظ من الأناجيل مضمونًا إيذانًا بالرسالة الجديدة،
العالمية الخاتمة (رسالة النبي محمد )
بداية، ننوه إلى: أنه على الرغم من أن الأناجيل (التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية) قد ضُيّعت وحُرِّفت، كما هو متضح، حيث إن أقدم إنجيل موجود إنما هو باللغة اليونانية، وهي لغة لم يتكلم المسيح بها، ولم يُدوَّن أي إنجيل في عهده (المسيح)، وكذلك فإن أقدم إنجيل موجود بين يدي النصرانية، إنما يعود زمانه إلى ما يزيد على مائتي أو ثلاثمائة عام من زمن المسيح، على الرغم من ذلك كله إلا أنه قد بقيت بعض الإشارات مضمونًا إلى النبي الخاتم للأنبياء والرسل محمد ، والذي سوف يأتي بعد المسيح عليه السلام، مع ما في النص من تحريفات وإضافات واضحة( )، مثل كلمة (الآب)، فمثل تلك الكلمة (الآب): إنما هي كلمة مُختلقة ملفَّقة، قد أضافتها النصرانية لتوافق معتقدها الفاسد في ذات الله تعالى، وقد أشرنا إلى ذلك سابقًا، (تعالى الله عز وجل عن إفك النصارى علوًا كبيرا).
والنصرانية نفسها لا تستطيع أن تنكر ما قد تنبأ به المسيح من مجيء من يتسلّم القيادة والريادة، ويرشد إلى الحق من بعده (النبي المنتظر بعثته بعد المسيح).
واليهودية نفسها كانت تنتظر إنجاز وتحقيق 3 نبوءات، وهي:
مجيء المسيح ومجيء إيليا ومجيء النبي المنتظر من بعدهما، كما يوضح إنجيل يوحنا
(1 : 25)، ولكن اليهود لم يؤمنوا بالمسيح وحاولوا صلبه وقتله، وقاموا بقتل النبي يحيى
(إيليا)، وكذلك حاول اليهود قتل النبي الذي كان مُنتظرًا بعثته وهو النبي محمد ، على درب (طريق) أسلافهم من قتل الأنبياء، وذلك على الرغم من أنهم كانوا ينتظرون إنجاز وتحقق هذه النبوءات الثلاث.
ولا غرابة في ذلك (فيما فعله اليهود)، إذا ما علمنا أن تكذيب الأنبياء وقتلهم هو دأب اليهود، لما تمليه عليهم طبائعهم الغليظة.
ونوضح: أن النبي الذي بشّر به المسيح لا يمكن أن يكون من تلاميذه، رغم أنهم النخبة (المجموعة) الخاصه به والمقرَّبة منه، وذلك لما وصفهم به المسيح من قلة الإيمان( ).
ويتبيّن ذلك من الكتاب المقدس للنصرانية، حيث يذكر إنجيل متى:
أن المسيح قال لتلاميذه: «فقال (المسيح) لهم (تلاميذه) ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان»
(إنجيل متى 8 : 26).
«وقال (المسيح) له (بطرس) يا قليل الإيمان» (إنجيل متى 14: 31).
ومن المؤكد أن المسيح لا يقول إلا حقًّا، حيث إنه لا يكذب( ).
ومن المؤكد أيضًا: أنه من المستحيل أن يكون النبي قليل الإيمان( ).
فالله تعالى يُحسن اختيار أنبياءه، فهو سبحانه وتعالى مُنزّه عن سوء الاختيار.
وقال المسيح أيضًا لتلاميذه (كما في إنجيل لوقا):
«أيها الجيل غير المؤمن والملتوي، إلى متى أكون معكم وأحتملكم» (إنجيل لوقا 9: 41).
لذلك: فإن لا يمكن أن يكون النبي المنتظر بعثته بعد المسيح أحد تلاميذه، على الرغم من أنهم النخبة الخاصّة به والمقرّبة له.
ومن ثم، فإن النبي الذي بشَّر به المسيح لا يمكن أيضًا أن يكون أيضًا من غير تلاميذه، ممن عاصروه، أي أنه لا يمكن أن يكون النبي المُبشَّر به من قوم المسيح، لأنه إذا ما كان المسيح قد وصف المجموعة الخاصة به والمقرّبة له بذلك الوصف الرديء، فما بالنا بغير المقربين منه، لا سيما وأن قومه (قوم المسيح) رفضوه (المسيح)، ولم يقبلوه( )، ويوضح ذلك ما جاء في إنجيل يوحنا، ونصّه: «إلى خاصته (اليهود) جاء وخاصته لم تقبله (المسيح)» (إنجيل يوحنا 1: 11).
وللتعرف من الكتاب المقدس للنصرانية على صفات هذا النبي المُبشَّر به من المسيح في الإنجيل (الذي يتضمنه كتاب النصرانية)، نوضح أولاً: جزئية من الامتحان الذي أمر به المسيح، كما في الكتاب المقدس للنصرانية، حيث يذكر إنجيل يوحنا، أن المسيح قال:
«أيها الأحباء لا تُصدّقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم» (إنجيل يوحنا 4: 1).
فيتضح جليًّا من إسلوب كتاب النصرانية: أن (روح الله) تعني (نبي الله).
وأن (كل روح) تعني: كل نبي، فالنصرانية تعبّر عن النبي بكلمة الروح، وفي ذلك إشارة واضحة من كتاب النصرانية، أنه: سوف يأتي نبي صادق غير كاذب، حيث يقول كتابها (امتحنوا)( ).
ومن ثم: فإنه لمعرفة صدق هذا النبي، فإنه لابد من امتحانه، لأن هناك أنبياء كذبة كثيرين. ومن علامة هذا النبي الصادق الذي قد بشّر بمجيئه الكتاب المقدس للنصرانية:
الاعتراف بالمسيح عليه السلام، وفقًا لما قاله يوحنا في كتابه: «بهذا تعرفون روح الله: كل روح يعترف بيسوع المسيح قد جاء في الجسد فهو من الله» (إنجيل يوحنا 4: 2).
وبالفعل، فقد جاء النبي محمد  مُكذّبًا لافتراءات اليهودية على المسيح، وادّعاءاتها الكاذبة بأنه ولَد زنا، ولكن دون مغالاة فيه، ودون تأليه له أو نَسْب إليه جزءً منها.
وبمشيئة الله تعالى، سوف نوضح الامتحان الذي أمر به المسيح (كما بالكتاب المقدس للنصرانية)، للتعرف على هذا النبي الصادق الذي قد بشَّر بمجيئه من بعده، وذلك بعد أن نشير إلى جزء من مواصفاته التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، والتي لا تنطبق يقينًا إلا على النبي محمد ، خاتم الأنبياء والمرسلين، وبشارة أخيه المسيح عيسى عليه السلام.

فمن بشارات المسيح عليه السلام بالنبي محمد ، والتي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، الآتي:
1- في إنجيل يوحنا (14: 26)، حيث ينص على:
«وأما المعزي (الذي هو الروح القدس) الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويُذكركّم بكل ما قلته لكم»
[But the comforter which is the holy spirit whom the father will spend in my name, he shall teach you all things and bring all things to your rememberance what so ever I have said in to you] (ohn 14 – 26).
بداية ننوه إلى: أنه قد أوضحنا سابقًا، أن ما بقي في الإنجيل من بشارات المسيح عليه السلام بالنبي محمد ، إنا هي بشارات ضمنية، تشير بوضوح إليه ، مع بقاء ما في النص (بإنجيل النصرانية) من تحريفات واضحة، نظرًا لضياع الإنجيل وتحريفه.
فكما هو بَيّن: إن أقدم إنجيل موجود إنما هو باللغة اليونانية، وهي لغة لم يتكلم بها المسيح، وكذلك فإنه لم يُدوَّن أي إنجيل في زمن المسيح (كما تعترف وتقرّ النصرانية).
وكما هو معلوم، فإن اليونانيين كان سائدًا بينهم الكثير من الأساطير والقصص الخرافية، والاعتقادات الباطلة بتعدد الآلهة وتجسدها في صورة بشرية ... إلى غير ذلك، كما أوضحنا سابقًا.
(تعالى الله عز وجل عن كل ذلك علوًا كبيرًا).
ومما هو بالنص السابق من تحريفات واضحة: كلمة الآب، فهي من الإضافات التي قد لجأت إليها النصرانية، حتى تتوافق مع معتقداتها الفاسدة، من تجسيد للإله في صورة بشرية، وختانه في صغره، وأكله وشربه وتبوّله وتغوّطه .... إلى غير ذلك (تعالى الله عز وجل عن افتراءات النصرانية علوًا كبيرا).
وننوه أيضًا، إلى:
أنه من الإضافات الزائدة بالنص السابق: (الذي هو الروح القدس)،
(which is the holy spirit) حيث إن تلك الجملة المشار إليها ما هي إلا حشوًا زائدًا، وإضافة للنصّ كما في غيرها من الجمل المضافة، التي تضعها النصرانية داخل أقواس أو تبقيها دون وضعها بين الأقواس، وذلك حسبما يتفق مع متطلباتها وأهواءها، وذلك من أجل إبعاد ما في النص من إشارة إلى النبي الذي قد بشر المسيح بمجيئه من بعده، وهو النبي محمد ، وبرهان ذلك:
ما جاء في إنجيل يوحنا (4: 1)، حيث يذكر يوحنا أن المسيح قال:
«أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين خرجوا إلى العالم» (يوحنا: 4: 1).
حيث يتضح جليًّا من الإسلوب المصاغ به تلك الفقرات بإنجيل النصرانية، أن كلمة روح الله تعني: نبي الله، بدليل قول: لأن أنبياء.........
ومن ثم يتبيَّن لنا عظم التحريف الذي قد نال الكتاب المقدس للنصرانية، ولا يزال، حيث يخضع كتابها على الدوام لكافة صور التحريف، لا سيما إن كانت مضادة لنبي الإسلام، وبشارة المسيح عليه السلام، وبمجيئه  من بعده.
ونعود ثانية إلى النص السابق وإشارته إلى النبي الذي قد بشر المسيح بمجيئه من بعده:
فـ (المعزي) الوارد ذكره في النص السابق، أو (المساعد) (comforter) كما في النص الإنجليزي، والذي بشر به المسيح عليه السلام، وأنه سوف يأتي بعده، هو نفسه النبي الذي سوف يأتي بعد رفع المسيح عليه السلام.
وكما أشرنا في السابق، فإنه قد ثبت أن روح الله (كما في سياق كتاب النصرانية) تعني: نبي الله، وليس الروح القدس الذي تزعمه النصرانية، ويؤكد ذلك أيضًا ما جاء في إنجيل يوحنا (16: 7)، حيث يقول:
«لكني أقول لكم الحق خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزيّ، ولكن إذا ذهبت أرسله إليكم» (يوحنا 16: 7).
فمن النص السابق يتبيّن أن المعزّي ليس روحًا، ولكنه رجلًا، كما كان المسيح رجلًا، ويذكر إنجيل يوحنا أيضًا:
«وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق» (إنجيل يوحنا 16: 12 – 13).
وذلك يعني أن روح الحق (نبي الحق) بعدما يجيء (كما بشر بذلك المسيح) فهو يرشد إلى جميع الحق، ومن ثم فهو يقدم الحل الأمثل لأي من المشكلات الناشئة، والتي يعجز عن حلّها غيره.
ومثال ذلك: مشكلة المسكرات (الخمور)، ومشكلة العنصرية، ومشكلة النساء الزائدات عن الحاجة (التي لم تتزوج) في المجتمعات لا سيما المجتمعات الغربية، .... وغير ذلك من المشكلات.
فنجد أن الروح القدس الذي تزعمه النصرانية، وتعتقد بأنه أحد أقانيم ثلاثة لإلهها المزعوم، وتعتقد بأنه المراد من بشارة المسيح، لم يقدم (الروح القدس الذي تزعمه النصرانية) للنصرانية أدنى شيء من الحلول لمثل تلك المشكلات المشار إليها أو غيرها، وذلك خلال أكثر من ألفي (2000) عام مضت( ).
ومن العجيب: أننا نجد في كتاب النصرانية، أن أول معجزات المسيح هي:
أنه (المسيح) قام بتحويل الماء إلى خمر، كما في إنجيل يوحنا (2: 7 - 10).
وبسبب تلك المعجزة المزعومة، والمفتراة كذبًا، ظلّت الخمر تجري كالماء في المسيحية( )، ومن ثم انتشرت الجرائم والفواحش بسبب تلك المسكرات البغيضة، التي تفقد الإنسان عقله، وتجعله يتصرف بطريقة عشوائية بهائمية كالحيوانات، بل أحطّ منها.
ومن العجيب أيضًا: أن قديس النصرانية (بولس)، يفضح نفسه، وينصح بالخمر قائلاً:
«لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمرًا قليلًا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة» (تيموثاوث 5: 23).
والمسيحيون يتقبلون مثل تلك النصائح الفاسدة، الهالكة عن المسكرات، على أنها كلام الله الذي لا يخطئ، وهم يعتقدون (المسيحيون) أن روح القدس هو من ألهم واضعي الأناجيل بمثل تلك النصائح الفاسدة الهالكة( ).
(تعالى الله عز وجل عن إفك النصرانية علوًا كبيرا).
والتساؤل المهم:
هل قدّم الروح القدس الذي تزعمه النصرانية، حلًا لأي شيء، أم أنه أفسد كل شيء (كما في نصيحة بولس الفاسدة، وغيرها)؟!!
لا شك، أنه أفسد كل شيء، وبرهان ذلك أيضًا:
أن هناك من القسيسين من تدرج في شرب الخمر إلى أن وصل إلى حدّ الإدمان في شرب الخمور والمسكرات بسبب ذلك الإلهام السئ الذي تزعمه النصرانية، من الروح القدس لبولس أو غيره (من مؤلفي الأناجيل وغيرهم)، حيث كانوا (القسيسين) يتناولون الخمور في التقليد الكنسي، بإقامة ما يزعمونه بالعشاء الرباني( ).
وأما النبي محمد  فقد قضى على تلك الرذيلة وغيرها، بتحريم الخمر والمسكرات، قليلة كانت أو كثيرة، بتشريع إلهي حكيم( ).
لذلك: فإن النبي محمد  هو (المعزّي)، و(المساعد comforter) كما في النص الانجليزي، الذي يرشد إلى جميع الحق، وليس أحد سواه مما تزعمه النصرانية.
ومن ثم، فإن النبي محمد  هو نبي الله الخاتم، الذي قد بشر المسيح بمجيئه من بعده.
2- وفي إنجيل يوحنا (16: 13 – 14)، بعد ما أخبر بإحدى صفات هذا النبي «يرشدكم إلى جميع الحق» الذي قد بشر بمجيئه المسيح من بعده، يخبر بصفة أخرى من صفاته، وهي: كما تقول الفقرة «ويخبركم بأمور آتية» (إنجيل يوحنا (16: 13 – 14).
وهذه الصفة إنما هي إحدى الصفات التي تنطبق بجلاء ، وبوضوح تام على النبي محمد ، حيث إنه  قد أخبر بغيبيات وحقائق علمية لم يكن لأحد أدنى معرفة بها في ذلك الوقت، والتي لم تُكتشف إلا في هذا العصر الحديث.
ولمزيد من التفاصيل في هذه النقطة، يُرجى الرجوع إلى المصادر الإسلامية التي توضح الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومنها:
أ- سلسلة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم (السماء ، الأرض ، الحيوانات ، النباتات ....) للدكتور/ زغلول النجار.
ب- سلسلة الإعجاز العلمي في السنة النبوية، للدكتور/ زغلول النجار.
جـ- مسموعات للدكتور/ زغلول النجار، عن الإعجاز في القرآن الكريم والسنة النبوية، مثل (موسوعة القرآن والعلم الحديث).
د- إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، للأستاذ/ كريم نجيب الأعز.
هـ- هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة.
لذلك: فإن هذه الصفة المذكورة في إنجيل يوحنا تؤكد أن النبي محمد ، هو النبي المُبشّر بمجيئه من المسيح عيسى عليه السلام.
3- وفي إنجيل يوحنا، طبعة لندن 1821 ، 1831 ، 1844، يُخبر بأن المسيح قال:
«وأما الآن، فأنا ماضي إلى الذي أرسلني، وليس أحد منكم ليسألني أين تمضي؟ لكن لأني قلت لكم هنا قد ملأ الحزن قلوبكم، ولكن أقول لكم الحق أنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم الفارقليط».
وفي إنجيل يوحنا أيضًا، يخبر المسيح قائلاً:
«ابن البشر ذاهب والفارقليط من بعده يجيء لكم بالأسرار ويفسر لكم كل شيء، وهو يشهد لي كما شهدت له».
ويتضح مما أوردناه: أن إنجيل يوحنا يُبشّر بالرسول الذي قد أخبر المسيح بمجيئه من بعده، وذلك في قوله: «إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم الفارقليط»، وأيضًا في قوله: «ابن البشر ذاهب، والفارقليط من بعده يجيء».
ويتضح أيضًا: أن «الفارقليط»، هو من بشّر المسيح بمجيئه من بعده.
ولفظ (الفارقليط) يعني: الذي له حمد كثير، وذلك في اللغة اليونانية (لغة أقدم إنجيل بين يدي النصرانية) وهذا اللفظ (الفارقليط) يوافق معنى: أحمد، مثلما قال الدكتور (كارلونلينو)، الحاصل على دكتوراة آداب اللغة اليونانية القديمة.
وقال غيره: إن لفظ (الفارقليط) في القاموس العبري بمعنى الحمد، ويُشتق من الحمد، أحمد ومحمد، وهم يصدقان في نبي الإسلام .
فـ (محمد) و(أحمد) هما من أسماء رسول الله .
فرسول الله  محمود في الأرض، ومحمود في السماء، وقد آتاه الله عز وجل المقام المحمود في الآخرة.
لذلك: فإن النبي محمد  هو بشارة أخيه المسيح عليه السلام.
4- وفي إنجيل متى (1: 42)، يخبر المسيح عليه السلام عن أمّة هذا النبي  المُبشّر به، فيقول: «ألم تروا أن الحجر الذي أخّره البناؤون صار رأسًا للزاوية من عند الله، كان هذا عجيبًا في أعيننا، ومن أجل ذلك أقول لكم: إن ملكوت الله سيؤخذ منكم ويدفع إلى أمة أخرى تأكل ثمرتها، ومن سقط على هذا الحجر ينشدخ».
ونوضح ما ذكره إنجيل متى، مفصلاً:
أ- لقد قال النبي محمد  «مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى فأكملها وأتمّها إلا موضع لبنة منها، فجعل الناس يطوفون بها ويعجبون منها، ويقولون: هلا وضعت تلك اللبنة؟ فكنت أنا تلك اللبنة» [صحيح الجامع الصغير].
فيتبيّن لنا أن ما قاله رسول الله  يتوافق مع ما ذكره إنجيل متى في النص الآتي:
«ألم تروا أن الحجر الذي أخّره البناؤون صار رأسًا للزاوية من عند الله، كان هذا عجيبًا في أعيننا».
فاللبنة التي تأخر وضعها وأخبر بها النبي محمد  كمثال، وكانت مكملة ومتممة للدار، توافق التشبيه بالحجر الذي أخره البناؤون وصار رأسًا للزاوية (كما في إنجيل متى).
وكما أن الناس كانوا يعجبون من تلك الدار التي ينقصها اللبنة الأخيرة لإكمالها وإتمامها (كما في حديث النبي محمد )، فإن تأخير الحجر المتبقى من البناءين عن وضعه في مكانه، كان أيضًا عجيبًا في أعين الناس (كما في إنجيل متى).
ب- لقد كانت العرب قبائل متناحرة، ومتقاتلة، متفرّقة بغير ملك أو سلطان أو رئيس، ولكن بعد مجيء هذا الرسول الخاتم للأنبياء والمرسلين محمد ، ألّف الله عز وجل بين قلوبهم، وجمع شملهم بقيادة نبيه محمد ، الذي آمنوا به وصدقوا برسالته، فأصبح للمسلمين دولة عظيمة، مُتسِعة الرقعة شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، بفضل من الله عز وجل، ونصره لهم.
وهذا يوافق ما ذكره إنجيل متى «إن ملكوت الله سيؤخذ منكم ويدفع إلى أمّة أخرى».
ج- لقد قال رسول الله : «مثل المسلمين واليهود والنصارى، كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملًا إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا إلى نصف النهار، فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا، وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا، أكملوا بقية عملكم، وخذوا أجركم كاملًا، فأبوا وتركوا، واستأجرا آخرين بعدهم، فقال: أكملوا بقية يومكم هذا، ولكم ما شرطت لهم من الأجر، فعملوا حتى إذا كان العصر قالوا: لك ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي فعلت لنا فيه، فقال لهم: أكملوا بقية عملكم، فإن ما بقي من النهار شيئًا يسيرًا، واستأجر قومًا أن يعملوا له بقية يومهم، فعملوا بقية يومهم، حتى إذا غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مثلهم وما قبلوا من هذا النور» [صحيح البخاري].
فما قاله رسول الله  يوافق ما ذكره إنجيل متى في «ويدفع إلى أمة أخرى تأكل ثمرتها».
د- أنه بعد مجيء النبي محمد ، وإيمان أصحابه به رضوان الله عليهم، بدأت الغزوات والفتوحات الإسلامية لنشر التوحيد، والدعوة إلى عبادة الله عز وجل وحده، دون أن يُشرك به شيئًا، ودون أن يُعتقد فيه جل وعلا اعتقادًا باطلًا، أو يُوصف بما هو ذمّ وقدح ونقص في ذاته جل وعلا، ومن ثم إقامة دولة الإسلام.
ولقد نصر الله عز وجل نبيه ، وأقرّ عينه بدولة الإسلام القائمة على توحيد الله عز وجل، والتعاليم السامية، والتشاريع القويمة، والمعاملات الكريمة على أسس من الخير والفضيلة، ثم تولّى أصحابه الكرام رضوان الله عليهم، مهام نشر دين الله عز وجل في الأرض.
ولم تمر سوى سنوات قلائل، تمّ فيها فتح البلاد شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، ونُكّسَت رايات جميع من وقف صادًّا عن نشر دعوة الحق (الإسلام)، حيث انهزمت كل من امبراطورية الفرس والروم على أيدي المسلمين الفاتحين، ولم تعد لأي من الإمبراطوريتين قائمة.
ومن ثم كان ذلك موافقًا لما ذُكر في إنجيل متى «ومن سقط على هذا الحجر ينشدخ».
وغير ما ذكرنا الكثير من البشارات بالنبي محمد  في الإنجيل الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، ولذلك يتأكد لدينا:
أن النبي محمد  هو الروح الحق، الذي قد بشّر بمجيئه المسيح من بعده، وليس أحد سواه.
ونعود ثانية، إلى توضيح الامتحان الحاسم الذي قد أمر به المسيح كما ينص الكتاب المقدس للنصرانية، للتعرف على هذا النبي الذي قد بشّر (المسيح) بمجيئه من بعده، وهذا الامتحان الحاسم، هو: اختبار الحمض، الذي أراد المسيح أن تطبقه النصرانية على كل مُدّعٍ للنبوة، للتعرّف على النبي الحقّ الذي قد بشَّر به.
حيث يخبر إنجيل متى (7 : 15 – 20) أن المسيح قال:
«احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم، هل يجتنون من الشوك عنبًا أو من الحَسَكِ تينًا، هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة، وأما الشجرة الرديّة فتصْنع أثمارًا رديّة، لا تقدر شجرة جيدة أن تضع أثمارًا رديّة، ولا شجرة رديّة أن تصنع أثمارًا جيدة، كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار، فإذا من ثمارهم تعرفونهم» (إنجيل متى 7: 15 – 20).
ونجد أيضًا، إنجيل متى (7 : 25)، أن المسيح قال فيمن بشّر بمجيئه من بعده: «من نتاجه ستعرفونه، فهل سيجني الرجال العنب من الشوك، أو هل سيجنون التين من الشوك؟ فكل شجرة طيبة تنتج ثمارًا طيبة، وكل شجرة خبيثة ... فبواسطة نتاجه ستعرفونه» (إنجيل متى (7 : 25).
فإذا ما طبقنا هذا الامتحان الحاسم المذكور آنفًا، على النبي محمد  نجد أن النبي محمد  قد جاء بالمعتقد السليم الصافي، الذي ليس فيه أدنى إفراط أو تفريط وليس فيه غلو النصرانية للمسيح أو تكذيب اليهودية وقذفها له.
ونجد أيضًا: أن النبي محمد  قد جاء بالشرع القويم، والعبادات الهادية، والتعاليم السامية، والدعوة إلى كل خير، وإلى الفضائل ومكارم الأخلاق، والأمر بكل برّ ومعروف، بالمعروف، والنهي عن كل رذيل ومنكر أيضًا بالمعروف.
ونجد أيضًا: في الكتاب الذي أُنزل على النبي محمد  (القرآن الكريم) رسالة كاملة متمّمَة لما جاء به رسول الله موسى وكذلك رسوله المسيح عيسى عليهما السلام.
ونجد أيضًا: أنه بعد مجيء النبي محمد  وقبول الناس دعوته وانتشارها، قد قامت الدولة الإسلامية الكبرى، ذات الرقعة الواسعة في شتى أقطار الأرض، القائمة على توحيد الله عز وجل، والقائمة على العدل وأسس الخير والفضيلة، واتسعت هذه الرقعة الإسلامية الواسعة، شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، لا سيما بعد أن انهزمت تحت رايتها (راية الإسلام والتوحيد الخالص لله عز وجل) كلا
من امبراطورية الفرس (عُبَّاد النار، التي هي من مخلوقات الله عز وجل)، وامبراطورية الروم
(عبّاد المسيح، الذي خلقه الله عز وجل وشرفه بالنبوة والرسالة كسائر الأنبياء والمرسلين)، ولم تعد لأي من الإمبراطوريتين أية قائمة بعد ذلك.
ولذا: فإن التشبيه الوارد ذكره بإنجيل متى «كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة» وكذلك «فإذا من ثمارهم تعرفونهم»، لا ينطبق إلا على النبي محمد ، الذي أقام الله عز وجل به دولة الحق (الإسلام)، والذي بشر المسيح بمجيئه من بعده.
وننوه إلى: أنه إذا لم يكن النبي محمد  رسولاً حقًا من عند اله عز وجل لكانت نهايته ونهاية دعوته وفشلها في إثمارها ثمارًا طيبة، ولكان خزي الله له، شأنه شأن من أخزاهم الله عز وجل من مدّعي النبوة والرسالة أمثال مسيلمة الكذاب وغيره، ولكن الحال على غير ذلك، حيث كان نصر الله عز وجل لنبيه محمد ، وتأييده تبارك وتعالى لدعوته ورسالته، ومن ثم نجاحها وإثمارها ثمارًا حسنة طيبة، وأيضًا فلقد أقام الله عز وجل به  دولة الحق (الإسلام) القائمة توحيده جل وعلا، وأقرّ عينه  بنجاح دعوته وإقامة هذه الدولة العظيمة، ألا وهي دولة الإسلام.
ولذلك: فإن النبي محمد  هو من بشّر المسيح بمجيئه من بعده.

رسالة المسيح وليست ألوهيته، من الكتاب المقدس للنصرانية
لقد أشرنا في النقطة السابقة إلى عدم مصداقية الكتاب المقدس للنصرانية، وإلى مجهولية نسبه وهويته، وسقوط سنده سواءً كان ذلك في العهد القديم أو العهد الجديد الذي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية.
ولكن مشيئة الله تعالى أن يكون ذلك الكتاب الذي تعتقد النصرانية قدسيته متضمنًا لما يدل على رسالة المسيح، ونفي ألوهيته، ومن ثم مناقضة ما تعتقده النصرانية من تأليه للمسيح وعبادة له.
فالله تعالى قادر على أن يحقّ الحق ولوكره الكافرون والمبطلون.
ومما يدل على رسالة المسيح وعدم ألوهيته، من كتاب النصرانية: ما جاء في إنجيل يوحنا (17: 3) حيث يقول: «وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي ويسوع (المسيح) الذي أرسلته».
حيث يتضح من تلك الفقرة السابقة التمييز والتفريق بين الإله الحقيقي وبين من تزعم النصرانية ألوهيته (المسيح) بالباطل.
ومن ثم فإن الفقرة السابقة أيضًا: تشير إلى رسالة المسيح وعدم ألوهيته، وأن الله تعالى هو الذي بعثه وأرسله.
لذلك: فإن النصرانية في مأزق ذي حرج شديد، لتعارض اعتقادها وتناقضه مع ما جاء بالكتاب الذي تقدسه، من رسالة المسيح وعدم ألوهيته.
ومما يدل على رسالة المسيح وعدم ألوهيته من كتاب النصرانية:
ما جاء في إنجيل لوقا (6/ 12): من أن المسيح كان يعبد الله، وكان يصلي له سبحانه وتعالى، حيث يقول إنجيل لوقا، فيما يتعلق بالمسيح وعبادته لله تعالى:
«وفي تلك الليلة خرج إلى الجبل وقضى الليل كله في الصلاة» (إنجيل لوقا 6 / 12).
وغير ذلك الكثير من الفقرات بالكتاب المقدس للنصرانية، والتي يتبين تكرارًا، عبودية وصلاة المسيح لله تعالى.
مما يؤكد: أن المسيح كان عبد الله تعالى، ورسولًا منه (حيث شرفه ربه تبارك وتعالى بالنبوة والرسالة)، وأنه (المسيح) ليس إلهًا كما تزعم النصرانية بالباطل.
ومما يؤكد رسالة المسيح وعدم ألوهيته:
اعتراف المسيح ذاته بعدم ألوهيته، وأنه ليس إلا ابنًا للإنسان، فلم يقل (المسيح) في أي من الأناجيل التي تؤمن بها النصرانية، ولو في مرة واحدة أنه ابن الإله.
ولكن ما كان يكرره ويؤكد عليه أنه ابن الإنسان: حيث تكرر لفظ (ابن الإنسان) على لسان المسيح كثيرًا، كما في الكتاب الذي تقدسه النصرانية.
ومن المواضع التي يكرر فيها المسيح لفظ أنه (ابن الإنسان):
إنجيل متى (30: 8) ، (11: 9)، (12: 32 – 40)، (20: 28)، (24: 30)،
(25: 31)، (26: 24)
وأيضًا في إنجيل مرقس (2: 28)، (4: 41).
وأيضًا في إنجيل لوقا (9/ 56)، (17: 24)، (8: 8).
وأيضًا في إنجيل يوحنا (3: 13)، (5: 27)، (13: 31)، (6: 27).
بل إننا نجد أن الأناجيل التي تؤمن بها النصرانية وتقدسها، تشهد بأن كل من عاصر المسيح كان يشهد بنبوته ورسالته، وليس كما تدّعي النصرانية (كذبًا) ألوهيته.
وبرهان ذلك ما جاء في إنجيل لوقا (7: 11 – 17) من أنه:
لما قد ظهرت معجزات المسيح الدالة على رسالته كانوا (الذين عاصروا المسيح) يمجدون الله قائلين: «قد قام فينا نبي عظيم» (إنجيل لوقا).
مما يؤكد بشرية المسيح، ومن ثم نبوته ورسالته كنبي مرسل من الله تعالى، وليست ألوهيته (المسيح)، وأنه ليس ابنًا لله، ولكنه (المسيح) هو ابن الإنسان كما نص على ذلك كتاب النصرانية.
لذلك: فإن الحق الذي لا مرية فيه، ولا حياد عنه: أن المسيح عليه السلام ليس إلا عبدًا لله تعالى، ورسولاً منه.

عقيدة الإسلام في الإله الربّ سبحانه وتعالى
لقد أرسل الله تبارك وتعالى نبيه محمدًا  خاتمًا به الأنبياء والرسل، في بيئة قد عُرِفت بعبادة الأوثان والأصنام؛ ومن حول تلك البيئة كانت اليهودية والنصرانية بما قد نسبتا من صفات ذم ونقص وعيب، غير لائقة بالإله الربّ سبحانه وتعالى.
ونوجز هذه النقطة: بأن عقيدة المسلمين في الإله الربّ سبحانه وتعالى تتمثل فيما جاء به النبي محمد  من التوحيد الكامل لله سبحانه وتعالى.
وهذا التوحيد الكامل لله سبحانه وتعالى ينقسم إلى 3 أقسام:
أ- توحيد الربوبية: وهو الإيمان والتصديق بأن الله تبارك وتعالى هو الخالق الرازق المالك، المُدبّر لجميع الأمور... إلى غير ذلك من صفات أخبرنا بها النبي محمد ، والاعتقاد بأنه لا ربّ سوى الله تبارك وتعالى.
ب- توحيد الألوهية: وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وحده، بأن لا يتخذ الإنسان مع الله تعالى ندًّا أو شريكًا يعبده، أو يتقرّب إليه بأي شكل من الأشكال.
فالله سبحانه وتعالى هو المستحق بالعبادة وحده دون غيره.
ج- توحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما سَمَّى به نفسه، وبما وصف به ذاته في كتابه (القرآن الكريم) أو على لسان رسوله، من أسماء وصفات ذات جمال وكمال، من غير تحريفها أو تعطيلها، ومن غير تكييف أو تمثيل.
ونشير إلى توضيح مُبسط لإحدى السور القرآنية الكريمة، التي جاء بها النبي محمد  والتي تبيّن في إيجازٍ عجيب مُبهر، وتناسق ودِقّة للألفاظ، جانبًا من وحدانية اله تبارك وتعالى، إذ يقول الله تعالى:
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾
[سورة الإخلاص].
الله أحد، تعني: أن الله سبحانه وتعالى واحد، لا يمكن تجزئته مثلما تدّعي النصرانية أو غيرها.
الله الصمد، تعني: أن الله سبحانه وتعالى ليس بأجوف، وأنه هو سبحانه وتعالى السيد المقصود وحده في الحوائج على الدوام.
فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في حياتهم( ).
لم يلد ولم يولد، تعني: أن الله سبحانه وتعالى هو الأول بلا ابتداء، فليس قبله شيء، وهو سبحانه وتعالى الآخر بلا انتهاء، فليس بعده شيء، فلا ينتهي أو يفنيه شيء.
ومن ثم فإن الله سبحانه وتعالى لم يُولد من شيء، وكما أنه سبحانه وتعالى لم يولد من شيء، فإنه جلّ وعلا لم يَلدِ شيئًا، وليس بحاجة إلى أي شيء، وذلك لكمال غناه سبحانه وتعالى.
ولم يكن له كفوًا أحد، تعني: أن الله سبحانه وتعالى ليس له مُكافئًا أو مماثلًا في أسمائه أو صفاته أو أفعاله، فهو جلّ وعلا ليس كمثله شيء.
وما ذكرنا من توضيح هذه النقطة إنما هو إشارة فقط إلى جانب من عقيدة المسلمين في الإله الربّ سبحانه وتعالى.
وللاستفاضة في هذه النقطة يمكن الرجوع إلى الكتب الإسلامية الموثّقة، المُخصصة لهذا الموضوع.
ونختم هذه النقطة بتوضيح، وهو:
أن ما تعتقده النصرانية واليهودية في الإله الربّ سبحانه وتعالى، وما تنسبه إليه كل منهما من صفاته ذم ونقص وعيب، غير لائقة به سبحانه وتعالى، يُنافي تمامًا مع ما يعتقده المسلمون في الإله الرب سبحانه وتعالى من توحيدٍ وتنزيه كامل له جلّ وعلا.

عقيدة الإسلام في أنبياء الله تعالى ورسله
لقد جاء الإسلام مُناقضًا لما قد نسبته النصرانية واليهودية إلى أنبياء الله ورسله، من ادّعاءات وافتراءات، لا يمكن لفِطر نقية وعقول سوية، قبولها في حق إنسان فاضل فضلًا عن نبي مرسل من الله تعالى.
ومثال ذلك، لا الحصر:
- نبي الله نوح (عليه السلام): فبينما نجد أن كلا من النصرانية واليهودية قد نسبتا إليه شرب الخمر ... وغير ذلك، نجد أن الإسلام قد جاء نافيًا عنه مثل تلك الرذيلة وغيرها، بل وشاهدًا له بأنه أحد الخمسة، الذين هم أصحاب العزم من الرسل.
- نبي الله لوط (عليه السلام): وبينما نجد أن كلا من النصرانية واليهودية قد نسبتا إليه شرب الخمر أيضًا، بل والوقوع في أقبح أنواع الزنا، ألا وهو زنا المحارم، حيث تدّعي كل منهما (النصرانية واليهودية) أنه قد شرب الخمر ثم زنا بابنتيه الواحدة تلو الأخرى بعد أن فقد عقله، نجد أن الإسلام قد جاء نافيًا عنه مثل تلك القبائح والرذائل، وشاهدًا له أنه نبي كريم قد أرسله الله تعالى لدعوة قومه إلى التخلّي عن ما هم عليه من انغماس في وحل الرذائل والفواحش المنكرة، ودعوتهم إلى الخير والفضيلة ومكارم الأخلاق.
- نبي الله يوسف (عليه السلام): وبينما نجد أن كلا من النصرانية واليهودية قد نسبتا إليه أنه قد قام بحل تكة سراويلة لممارسة رذيلة الزنا مع سيدته، نجد أن الإسلام قد جاء نافيًا عنه مثل ذلك، مبينًا أن سيدته هي من كانت تراوده عن نفسها، وأنه هو من استعصم وامتنع امتناعًا شديدًا، وأن ذلك كان بفضل من الله تعالى عليه، وإكرام منه جل وعلا له.
- نبي الله هارون (عليه السلام): وبينما نجد أن كلا من النصرانية واليهودية قد نسبتا إليه أنه قد بنى معبدًا للعجل وقام بعبادته، وأنه أمر بني إسرائيل بعبادته ...، نجد أن الإسلام قد جاء نافيًا عنه مثل تلك الافتراءات، وأنه هو من قد نهى بني إسرائيل عن عبادة ذلك العجل الذي صوّره لهم السامريّ، فاتبعوه، وذلك عند غياب نبي الله موسى عليه السلام.
- نبي الله داود (عليه السلام): حيث نجد أن الإسلام قد نفى عنه تهمة الوقوع في رذيلة الزنا، وغيرها من الافتراءات التي قد نُسبت إليه.
- نبي الله سليمان (عليه السلام): حيث نجد أن الإسلام قد نفا عنه ما قد نُسب إليه من ارتداده في آخر حياته. وعبادته للأصنام ... وغير ذلك.
- نبي الله المسيح (عليه السلام): فبينما نجد أن اليهودية قد كذّبت بمعجزة ولادته، وبدعوته ورسالته، وقامت بنسب أمه إلى الفجور ومن ثم ولادته الغير شرعية، نجد أن الإسلام قد جاء شاهدًا بمعجزة ولادته وصدق دعوته ورسالته، ومُكرِمًا لوالدته (السيدة مريم) نافيًا عنها ما قد نسبته اليهودية إليها.
وبينما نجد أن النصرانية قالت بأن المسيح قد ادّعى الألوهية، افتراءً عليه، نجد أن الإسلام قد جاء مُبرئًا له من تُهمة ادّعاءه للألوهية، مُبينًا أن ما عليه النصرانية الآن من تأليه للمسيح وعبادة له، كان من قبيل إفراطهم وغلوهم فيه بغير وجه حق.
ومن قليل ما أشرنا إليه يتبين لنا: أن الإسلام هو دين الله الحق، الذي قد جاء مُدافعًا عن أنبياء الله تعالى ورسله، مما قد نُسب إليهم من ادّعاءات كاذبة وافتراءات باطلة، لا يمكن لفطرٍ نقية وعقولٍ سوية قبولها في حق إنسان فاضل، فضلًا عن نبيٍ كريم مُرسل.
ومن ثم يتبين لنا: أن الإسلام هو دين الله الحق الذي جاء مُنزهًا لله سبحانه وتعالى عما قد نسبته إليه النصرانية واليهودية من الجهل وعدم العلم بما سوف يفعله أنبيائه ورسله في المستقبل.
وأنه هو (الإسلام) الذي جاء منزهًا له سبحانه وتعالى عن ما قد نسبته إليه النصرانية واليهودية من سوء الاختيار لأنبيائه ورسله.
وأنه هو (الإسلام) الذي جاء مثبتًا له سبحانه وتعالى صفة الحكمة، والتي قد نفتها النصرانية واليهودية عنه سبحانه وتعالى، وذلك لأن الله عز وجل قد أرسل أنبيائه ورسله ليكونوا مصابيح هدى، يهتدي الناس بهم إلى الله تعالى عن طريق الاقتداء بهم وبأخلاقهم وأفعالهم، والانتهاج بمنهجهم الربّاني.

لماذا كانت عقيدة الإسلام هي العقيدة السليمة الصحيحة؟
وللإجابة عن ذلك التساؤل، نوضح في عدة نقاط ما يلي:
- أن عقيدة الإسلام هي العقيدة الوحيدة التي توجب الإيمان بالتوحيد الكامل المطلق لله سبحانه وتعالى.
حيث توجب الإيمان بتوحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات لله سبحانه وتعالى، وقد أشرنا إلى ذلك في نقطة سابقة.
- أن عقيدة الإسلام: هي العقيدة الوحيدة التي توجب الإيمان بجميع أنبياء الله تعالى ورسله، وتدافع عنهم مما قد نُسِب إليهم من ادّعاءات كاذبة وافتراءات باطلة، بل وترفع من قدرهم، لأنهم اختيار الله تبارك وتعالى، العليم الحكيم.
فالله سبحانه وتعالى هو أعلم بمن يختارهم ويصطفيهم لرسالاته.
أن عقيدة الإسلام: هي من جاءت بالقول الحقّ الفصل في المسيح بن مريم.
فبينما نجد أن اليهودية لا تؤمن بنبي الله المسيح، وتُكذِّب بدعوته ورسالته، بعد أن نسبته إلى الولادة الغير شرعية، نجد أن النصرانية على النقيض تمامًا قد قامت بالمغالاة في المسيح، وادّعت ألوهيته، وقامت بعبادته.
ولكننا نجد أن الإسلام قد جاء بنفي ما قد افترته كلا من اليهودية والنصرانية.
حيث إن الإسلام قد جاء بالقول الحقّ الوسط، الذي تقبله الفطر النقية والعقول السويّة، دون إفراط أو تفريط.
وهو أن المسيح عليه السلام ليس بإله، ولكنه عبدًا لله تعالى ورسولاً كريمًا منه، وأن ولادته (المسيح) كانت ولادة معجزة من غير أب، مُؤيدةً بكلامه في المهد تبرئة له ولوالدته، وتمهيدًا لنبوته ورسالته.
- أن الإسلام يجتمع أهله جميعًا (المسلمون) في شتى أقطار الأرض على اختلاف أجناسهم وألوانهم حول كتاب سماوي واحد، وهو القرآن الكريم، الذي جاء به خاتم النبيين والمرسلين محمد .
وليس كما هو الحال في غيره من النصرانية أو اليهودية، حيث تتعدد الأسفار والأناجيل وتكثر إصدارات النسخ، الواحدة تلو الأخرى مع اختلافها، بحيث يتم جمع الأموال الطائلة جرّاء ذلك عن طريق بيعها.
- أن الكتاب السماوي الذي جاء به الإسلام، ألا وهو القرآن الكريم، هو الكتاب الوحيد الذي يتمتع بالمصداقية الكاملة، وذلك دون غيره من الكتب السماوية التي قد فقدت مصداقيتها نظرًا للتحريف الذي قد نالها وأخرجها عن إطارها الرباني الصالح لهداية البشر.
- أن الإسلام هو الوحيد الذي يُلزم أهله (المسلمين) بالإيمان بجميع الكتب السماوية السابقة التي قد أنزلها الله تبارك وتعالى على أنبيائه ورسله، مثل الزبور والتوراة والإنجيل، ولكن على هيئتها التي قد نزلت بها، من الله تعالى، قبل أن تنالها الأيدي الخبيثة بالتحريف والتغيير والتبديل، ومن ثم إخراجها عن إطارها الربّاني.
- أن الإسلام قد جاء داعيًا إلى السماحة والرحمة، والطهر والعفاف، وحسن الأخلاق والمعاملات.
- أن الإسلام قد جاء بالعبادات الهادية والتشريع القويم الذي به تستقيم البشرية قاطبة.
ولقد اكتشف العلم الحديث مصداقية التشريعات والتعاليم الإسلامية والتي قد جاء بها نبي الإسلام محمد .
وغير ما أشرنا إليه الكثير والكثير، حيث يتبين بجلاء أن العقيدة الإسلامية هي العقيدة الوحيدة التي تقبلها الفطر النقية والنفوس الزكية والعقول السوية، ولا تتعارض أبدًا معها.
ومن ثم: فإن عقيدة الإسلام هي العقيدة الصحيحة السليمة، التي لم ينالها أدنى تحريف أو تغيير أو تبديل.

مم يتكون القرآن الكريم؟
بداءة، نوضح، أن القرآن الكريم هو كتاب سماوي يتضمن بين صفحاته كلام الإله الرب سبحانه وتعالى فقط، وليس كلام أحد غيره ولو كان حرفًا واحدًا.
ومن ثم فإن من بين الكتب الخاصة بالمسلمين نجد:
- الكتب الخاصة بكلام خاتم النبيين محمد ، وهي كتب الأحاديث النبوية الشريفة.
- ونجد الكتب الخاصة بتفاصيل حياته  الطاهرة وأدقها، وهي كتب السيرة النبوية المطهرة.
- ونجد الكتب الخاصة بأقوال علماء المسلمين.
- ونجد الكتب الخاصة بأقوال وتأريخ المؤرخين المسلمين، وهكذا.
لذلك فإننا نجد أن سور القرآن الكريم تبدأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، وهو الإله الرب سبحانه وتعالى المُنزِّل لها.
ونوضح أيضًا: أن القرآن الكريم هو كلام ربّ العالمين، من غير ما يُسمّى بالهوامش أو الحواشي الشارحة له، أي أنه ليس كما في غيره (مثل الكتاب المقدس للنصرانية)، سواءً كانت تلك الهوامش والحواشي من الله تعالى أو من أقوال وكتابات البشر.
ولقد حفظ الله تبارك وتعالى سنة نبيه محمد  المفسرة لكتابه الخاتم (القرآن الكريم)، وذلك من خلال الأحاديث الشريفة التي قد أخبرنا بها .
وبالنسبة لما يتكون منه القرآن الكريم، فإنه يتكون من:
آيات وسور مكية: وهي الآيات الكريمات والسور القرآنية الكريمة التي قد نزلت على النبي محمد  من الله رب العالمين، منذ بدء رسالته  وإلى أن هاجر إلى المدينة المنورة بعد قرابة 13 سنة من بعثته .
آيات وسور مدنية: وهي الآيات الكريمات والسور القرآنية الكريمة التي قد نزلت على النبي محمد  من الله رب العالمين، منذ هجرته  إلى المدينة، وإلى أن توفّاه الله تعالى، بعد قرابة 10 أعوام من هجرته .
ولقد ظل ترتيب سور القرآن الكريم وآياته الكريمات وفقًا لما أشار به رسول الله ، وحيًا من الله سبحانه وتعالى.
وهكذا بقي القرآن الكريم على النحو الذي ارتضاه ربنا تبارك وتعالى.

إلى أي شيء يدعوا القرآن الكريم؟
لقد أنزل الله تبارك وتعالى القرآن الكريم هداية للبشر أجمعين، داعيًا إلى ما تسموا به النفوس، وإلى ما تُزكّى به الأرواح.
وبمشيئة الله تعالى سوف نشير في هذه النقطة إجمالًا إلى بعضٍ مما يدعوا إليه القرآن الكريم، وأول ما نشير إليه:
1- دعوة القرآن الكريم إلى الإيمان بالله تعالى، وبوحدانيته وعظيم صفاته، وحكيم شريعته، وطلاقة قدرته، ليس ذلك فحسب، بل ويحث الأمة على أن تعمل جاهدة على الدعوة إلى ما يدعوا إليه.
2- الدعوة إلى تنزيه الله سبحانه وتعالى عن ما نُسب إليه من كل من النصرانية واليهودية وغيرها، من صفات ذم ونقص وعيب، غير لائقة به سبحانه وتعالى، وقد أشرنا إلى موجز من ذلك في نقطة سابقة.
3- الدعوة إلى رفع قدر الأنبياء والمرسلين، ودفع الافتراءات المنسوبة إليهم من كل من النصرانية واليهودية، أو غيرها، وقد أشرنا إلى موجز من ذلك في نقطة سابقة.
4- الدعوة إلى الصبر والرحمة، وعدم سفك الدماء، والعفو عن الناس. ونموذج ذلك على الترتيب:
قول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ [سورة البلد: 17 – 18] .
قول الله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
[سورة البقرة: 179].
قول الله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [سورة البقرة: 237].
قول الله تعالى: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ....﴾
[سورة البقرة: 263].
5- الدعوة إلى الطهر والعفاف، والنهي عن الخمر والميسر والربا ونموذج ذلك على الترتيب،
قول الله تعالى:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ .....﴾ [سورة النور: 30 - 31].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ .....﴾
[سورة الأحزاب: 59].
وقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [سورة المائدة: 90].
وقول الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة البقرة: 287] .
6- الدعوة إلى الرفع من منزلة المرأة وتكريمها، ومنحها كافة حقوقها التي كانت قد سُلبت منها، حيث إن الإسلام جاء منافيًا لما تدعيه كلا من النصرانية واليهودية، وقال بأن ولادة المرأة للبنات لا تزيد أو تضاعف من نجاستها، بل لا تكون سببًا في نجاستها أصلًا.
ولقد جاء الإسلام مُعطيًا للمرأة كافة حقوقها في الإرث (الميراث) بعد أن كانت محرومة منه قبل ذلك، ونموذج ذلك في القرآن الكريم، قول الله تعالى:
﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [سورة النساء: 7].
- ولقد جاء الإسلام مُجيزًا لزواج الأرملة والمطلقة، ونموذج ذلك من القرآن الكريم، قول الله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ .....﴾ [سورة البقرة: 234 – 235].
وقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ .....﴾ [سورة البقرة: 232].
7- الدعوة إلى شتى أنواع الخير والفضيلة، وبر الوالدين وصلة الأرحام ونموذج ذلك من القرآن الكريم، قول الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
[الحج: 77].
وقول الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [سورة الإسراء: 23 : 24].
وقول الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [سورة البقرة: 177].
وقول الله تعالى: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾
[سورة الإسراء: 26].
8- تحليل الطيبات وتحريم الخبائث ونموذج ذلك من القرآن الكريم، قول الله تعالى:
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ....﴾ [سورة الأعراف: 157]
9- الدعوة إلى إقامة العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي.
ونموذج ذلك من القرآن الكريم، قول الله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة النحل: 90]
10- الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونموذج ذلك من القرآن الكريم، قول الله تعالى:
﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [سورة آل عمران: 104].
بل وجَعْل خيرية هذه الأمة الخاتمة مشترطة بهذه الدعوة السامية الكريمة.
ونُدلل على ذلك من القرآن الكريم، بقول الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ....﴾ [سورة آل عمران: 110].
إلى غير ذلك مما جاء به القرآن الكريم من عبادات هادية وتعاليم سامية، وأخلاق رفيعة، ومعاملات كريمة على أسس من الخير والفضيلة.

السيدة مريم عليها السلام، في القرآن الكريم
لقد كرّم الإسلام السيدة مريم تكريمًا بليغًا وطهرها مما قد نسبته اليهودية إليها من ادّعاءات كاذبة وافتراءات باطلة.
فلقد زكّى الله تعالى السيدة مريم في كتابه العظيم (القرآن الكريم)، وقال في حقها: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [سورة مريم: 37].
فأي تكريم وتشريف للسيدة مريم أعظم من أن يتقبلها ربها تبارك وتعالى بقبول حسنٍ وأن ينبتها نباتًا حسنًا، وأن يرزقها رزقًا طيّبًا من حيث لا تحتسب، وأن يصفها بعرفانها لجميل نعم الله تعالى عليها، حيث تنسب النعمة والفضل إلى الله تعالى.
وغير ذلك الكثير من الآيات الكريمات التي تكرّم وتشرّف السيدة مريم، وتصفها بالصلاح والزهد والتقوى...
ولقد كرّم الإسلام السيدة مريم وطهرها، وأخبر بأن حملها بالمسيح عليه السلام وولادتها له كان بإرادة من الله تعالى وكلمة منه، إذ يقول الله تعالى في كتابه العظيم (القرآن الكريم) في حقها (السيدة مريم) عندما بُشِّرت من الملائكة بحملها للمسيح عليه السلام:
﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [سورة آل عمران: 47].
ولقد أخبر الإسلام بما قد أيّدها الله تبارك وتعالى من معجزة كلام وليدها (المسيح) في المهد، دفاعًا عنها، وتطهيرًا لها مما قد نُسب إليها من افتراءات باطلة، إذ يقول الله تعالى في شأن وليدها المسيح عليه السلام وكلامه في المهد:
﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [سورة آل عمران: 46].
ومن قليل ما أشرنا إليه يتبين لنا كيف كان تكريم القرآن الكريم للسيدة مريم البتول، ومدى التشريف العظيم، والمنزلة الكريمة التي قد حظيت بها في الإسلام.
فلقد كرّم الإسلام السيدة مريم تكريمًا لا نظير له، ويكفي في ذلك أن يذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم، الخاتم لجميع الكتب السماوية، والمعجزة الكبرى لخاتم أنبيائه ورسله محمد  والباقية إلى قيام الساعة، ألا وهو القرآن الكريم، كلام رب العالمين.

المسيح عليه السلام، في القرآن الكريم
لقد برّأ الله تعالى المسيح عليه السلام في القرآن الكريم، مما قد نسبته إليه اليهودية من الولادة بغية ونسبه إلى الزنا ...، إذ يخبر الله تعالى في قرآنه الكريم ما قد بشرت به الملائكة السيدة مريم من حمل وولادة للمسيح عليه السلام، بإرادة وكلمة من الله تعالى، فيقول:
﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [سورة آل عمران: 45].
ولقد برّأ الله تعالى أيضًا المسيح عليه السلام في القرآن الكريم مما قد نسبته إليه النصرانية من تهمة ادّعاءه الألوهية، إذ يقول سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم:
﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [سورة المائدة: 116 ، 117].
لذلك فإن القرآن الكريم هو من جاء بالقول الفصل في المسيح بن مريم، دون إفراط النصرانية له، ودون تفريط اليهودية تجاهه، فليس كما ادّعت وافترت عليه كلا من النصرانية واليهودية.
حيث إن القرآن الكريم قد جاء: بأن المسيح هو عبد لله تعالى، ورسول كريم منه، كانت ولادته آية ومعجزة، وكان كلامه عليه السلام في المهد تشريفًا له، وتطهيرًا لوالدته مما قد نُسب إليها افتراءً وزورًا، وإيذانًا بنبوته ورسالته بعد ذلك، إذ يقصّ الله تعالى في ما أخبر به المسيح عند كلامه في المهد، فيقول:
﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [سورة مريم: آية 30].

صفات المسيح عليه السلام في القرآن الكريم
لقد كرّم الله تبارك وتعالى المسيح عليه السلام في كثير من آيات القرآن الكريم، وأنزله منزلة كريمة، رفيعة مشرّفة، ومن هذه الصفات الكريمات التي قد نصّ عليها القرآن الكريم مُشرِّفًا بها المسيح عليه السلام:
1- أنه (المسيح عليه السلام) وجيهٌ في الدنيا والآخرة ومن المقربين، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [مريم: 45].
2- أنه عليه السلام ذو علم وحكمة، وفي ذلك يقول الله تعالى:
﴿ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾ [سورة آل عمران: 48].
3- أنه عليه السلام ذو بركة، وذو صلاح وعبادة، إذ يقول الله تعالى في حق المسيح عند كلامه في المهد فيما تكلّم به (المسيح):
﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾
[سورة مريم: 31].
4- أنه بر بوالدته، وليس جبارًا شقيًا، إذ يقول الله تعالى في حق المسيح عند كلامه في المهد فيما تكلم به: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [سورة مريم: 32].
5- أن السلام من الله تعالى على المسيح يوم ولادته يوم مماته ويوم بعثته حيّا بعد ذلك، وفي ذلك يقول الله تعالى في حق المسيح عند كلامه في المهد فيما نطق به:
﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [سورة مريم: 33].
إلى غير ذلك من الصفات الكريمات التي تكرّم وتشرّف المسيح عليه السلام، والتي قد أشار إليها القرآن الكريم.

هل صُلب المسيح عليه السلام في القرآن الكريم؟؟
لقد بيّن القرآن الكريم أن المسيح عليه السلام لم يُصلب، ولم يُقتل كما ما تدّعي كلا من النصرانية أو اليهودية، وإنما أُلقي شبَهَه على من دلّ اليهود عليه (المسيح) ليقتلوه، ومن ثم فإن من صُلِب هو يهوذا الذي قد دلّ اليهود على المكان الذي به المسيح، وذلك بعدما ألقي شبه المسيح عليه، فأخذه اليهود بدلًا من المسيح، ظانين أنه هو (المسيح).
وأما المسيح عليه السلام فقد نجَّاه الله تعالى من أيدي اليهود، ومما أرادوا به من صلب وقتل، ورفعه إلى السماء، إلى أن يأتي وقت نزوله في آخر الزمان.
وفي ذلك يقول الله تعالى:
﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [سورة النساء: 157، 158].

متى ينزل المسيح عليه السلام؟ ولماذا؟ وأين ينزل؟
ينزل المسيح عليه السلام من السماء إلى الأرض في آخر الزمان، بعد خروج المسيح الدجال الذي يدّعي الألوهية، على الرغم من عدم استطاعته أن يزيل ما به من عور، حيث إنه في إحدى عينيه عور، وتعالى الله عز وجل أن يكون كذلك.
ومن ثم فإن المسيح عيسى ابن مريم ينزل فيقتل ذلك الدَجّال الكاذب الذي قد ادّعى الألوهية، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية.
ومن الحِكم في نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان:
1- أنه يحتمل أن يكون ذلك لأن اليهود قد همّوا بقتله وصلبه، ويزعمون أنهم قد نجحوا في ذلك، وكانوا ينسبونه إلى السحر وغيره.
ولقد ضرب الله عز وجل على اليهود الذلّة والمهانة، فلم تقم لهم راية منذ أعزّ الله الإسلام وأظهره، ولم يتم لليهود بعد ذلك أي سلطان أو قوة أو شوكة في أي بقعة من بقاع الأرض، ولا يزالون كذلك حتى يقرب الزمان من نهايته، ويقترب قيام الساعة، فيظهر المسيح الدجّال الذي يَدّعي عن الألوهية، فيبايعه اليهود، ويظنون أنهم صار في مقدرتهم الانتقام من المسلمين( ).
فإذا صار الأمر إلى ذلك، أنزل الله تعالى من السماء المسيح عيسى عليه السلام، وهو من كان في زعم اليهود أنهم صلبوه وقتلوه، فيقتل المسيح الدجال، وينتصر المسلمون معه في حربهم على اليهود الذين كانوا قد آمنوا بالدّجّال واتبعوه( ).
2- ويحتمل أن يكون نزول المسيح عيسى ابن مريم في آخر الزمان ليستوفي ويستكمل أجله، ويموت ويُدفن في التراب، لأنه لا ينبغي لمخلوق من التراب أن يموت في السماء( )، وإلى ذلك يشير القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى:
﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [سورة طه: 55].
وأما عن مكان نزول المسيح عيسى ابن مريم:
فإنه (المسيح عيسى) ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، كما أخبر بذلك النبي محمد ، كما في رواية مسلم من حديث النواس بن سمعان: أن رسول الله ، قال:
«ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدّر معه كاللؤلؤ، فيُدرك الدجّال عند باب لدّ فيقتله ...» (رواه مسلم).
مهرودتين، تعني: ثوبين مُمصّرين يميل لونها إلى اللون الأصفر.
المنارة البيضاء، تعني: المئذنة البيضاء.
إذا طأطأ رأسه قطر، تعني: إذا أحنى رأسه سقط من رأسه ماء.
جمانٌ كاللؤلؤ، تعني: حبات عرق كأنها اللولؤ الأبيض، أي أن المسيح عليه السلام إذا رفع رأسه تحدرت منه قطرات عرق كاللؤلؤ الأبيض.
باب لُدّ، تعني: باب قرية لُدّ، التي بفلسطين اليوم.
ونشير في إيجاز إلى ومضة مبهرة، من جوانب الإعجاز النبوي الشريف لرسول الله ، حيث إنه:
لم يكن هناك منارة بيضاء شرقي دمشق وقت بعثة النبي محمد ، وما بُنيت هذه المنارة البيضاء في المسجد الدمشقي بشرقي دمشق بالحجارة البيضاء إلا في سنة 741 هجرية.
ولكنه  قبل بناء المنارة البيضاء، يخبر ببناء هذه المنارة، بل ويخبر  بلونها.
بل وأيضًا يُخبر النبي محمد  بباب لُدّ، على الرغم من أنه لم يكن وقت بعثته  قرية تسمّى بقرية لُدّ، وما عُرِفت هذه القرية (لُدّ) إلا فيما بعد.
ومن ثم فإن ما أخبر به النبي محمد  من أخبار جاءت وقائعها صادقة محققة في هذا الحديث النبوي الشريف، تكون بمثابة الومضات المبهرات الشاهدات على نبوته  وصدق رسالته.

كيفية وصول القرآن الكريم، وحفظه منذ نزوله على النبي محمد 
لقد كانت مشيئة الله تعالى أن تكون رسالة النبي محمد  هي الرسالة الخاتمة لجميع الرسالات السابقة، وأن يختم بالنبي محمد  جميع الأنبياء والرسل السابقين، وأن يكون الكتاب المُنزَّل عليه (القرآن الكريم) هو آخر الكتب السماوية، ومهيمنًا عليها.
فليس بعد مجيء خاتم الأنبياء والمرسلين محمد  أي نبي أو رسول آخر.
وليس بعد إنزال القرآن الكريم عليه ، أي إنزال لأي كتاب سماوي آخر.
ونظرًا لأن الكتب السماوية السابقة قد نالها التحريف والتغيير، والتبديل والتضييع، وذلك عندما وكّل الله تعالى حفظها إلى البشر، فقد كان من حكمته سبحانه وتعالى أن يتعهد هو جل وعلا بحفظه، حيث إنه ليس بعد إنزال القرآن الكريم أي إنزال لأي كتاب سماوي آخر.
كيفية وصول القرآن الكريم، وحفظه:
لقد كان حفظ القرآن الكريم حفظًا عجيبًا مبهرًا، حيث إنه كان يُحفظ أولا في الصدور قبل أن يُحفظ في السطور.
فقد كان القرآن الكريم ينزل به أمين السماء جبريل عليه السلام على النبي محمد  مُفرَّقًا، حيث لم يكن نزوله جُملة أو دُفعة واحدة، وإنما كان نزوله (القرآن الكريم) على مدى 23 سنة، منذ بعثة النبي محمد ، وإلى وفاته.
وبعد ما ينزل أمين السماء جبريل عليه السلام بآيات القرآن الكريم على النبي محمد ، ما يكون من النبي  إلا أن يحفظها تمامًا عن ظهر غيب، ويقرأها على أصحابه الكرام، الذين آمنوا به، ويُسارع في تعليمها لهم.
ثم ما يكون من أصحاب النبي محمد  إلا أن يُسارعوا في تعلمها (آيات القرآن الكريم) وحفظها تمامًا في صدورهم.
ثم يقوم أصحاب النبي محمد  بتعليمها (آيات القرآن الكريم) لأولادهم وأزواجهم وذويهم وغيرهم بقدر ما يستطيعونه، بل ويُحفظوهم إياها، وهكذا.
بحيث صار القرآن الكريم كاملًا محفوظًا في الصدور قبل السطور.
ولقد ساعد في ذلك: أن العرب كانوا يُعرفون بأنهم أهل اللسن والبلاغة والفصاحة، وكانوا يتمتعون بسرعة الحفظ، ويتميزون بجودة الذاكرة، ويتضح ذلك من قصائدهم وأشعارهم، حيث كان بإمكان العربي في زمن بعثة النبي محمد  أن يحفظ قصيدة من الشعر مكوّنة من مئات الأبيات (أبيات الشعر) بمجرّد سماعها.
وإضافة إلى حفظ القرآن الكريم في صدور أصحاب رسول الله ، كان رسول الله  يأمر بكتابة ما أُنزل عليه من آيات القرآن الكريم فيما تيسَّر له آنذاك من العظام والجلود ولحى الأشجار، حيث كان  له عدد من كُتَّاب الوحي ممّن أجاد القراءة والكتابة من أصحابه الكرام.
وعندما توفي النبي محمد ، كان القرآن الكريم قد حُفظ كاملًا في صدور الكثير من أصحابه الكرام، وفيما تيسَّر الكتابة عليه من العظام والجلود ولحى الأشجار.
وعندما تولى أبو بكر الصديق خلافة المسلمين، واحتفظ بكل هذه الوثائق التي قد كُتب عليها القرآن الكريم كاملًا، ثم احتفظ بها أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب بعدما تولى خلافة المسلمين من بعده، ثم أمر الخليفة الثالث للمسلمين عثمان ابن عفان بكتابة القرآن الكريم كاملًا في مصاحف، وذلك بعدما تقدمت الوسائل التي يمكن الكتابة عليها.
وهذا المصحف الذي أمر الخليفة الثالث للمسلمين عثمان بن عفان بكتابته هو الذي بين جميع المسلمين الموحدين لله تعالى إلى اليوم.
ونقصد المسلمين الذين قد عرفوا لرسول الله  قدره، وحفظوا لأزواجه الأطهار منزلتهم، وحفظوا لأصحابه الكرام فضلهم.
وأما غير ما أشرنا إليه من فِرق مارقة قامت على أسس يهودية للطعن في الدين (الإسلام) والنيل منه، أمثال الشيعة الروافض وغيرهم، فهؤلاء لا تصحّ نسبتهم إلى الإسلام بالكليّة، وفساد معتقداتهم وتشريعاتهم برهان ذلك.
ولما أشرنا إليه يتبين لنا: أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي قد تعهّد الله تبارك وتعالى بحفظه، حيث إنه ليس بعده إنزال لأي كتاب سماوي آخر.
ومن ثم فقد حُفِظ القرآن الكريم حرفًا حرفًا، وكلمةً كلمة، وآية آية، بل وقد حُفِظ ترتيب آياته وسوره في الصدور والسطور على الوجه الذي قد ارتضاه الإله العليم الحكيم، الله رب العالمين.

مصداقية القرآن الكريم
لقد أوضحنا في كثير من النقاط السابقة بعضًا من الأدلة والبراهين على فقدان الكتاب المقدس للنصرانية لمصداقيته، وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح في هذه النقطة بجلاء بعضًا من الأدلة والبراهين على مصداقية القرآن الكريم، ومن ثم صدق خاتم المرسلين، النبي محمد ، وصدق دعوته ورسالته.
أولًا: ومما يُدلل على مصداقية القرآن الكريم:
- أن الإسلام الذي جاء يدعوا إليه النبي محمد ، هو الوحيد الذي يمكنه التوحيد بين كل من اليهود والنصارى والمسلمين، ويجدوا فيه التوافق والملائمة.
فبينما نجد أن اليهودية تؤمن بنبوة موسى دون نبوة المسيح عيسى، وأن النصرانية تؤمن بنبوة موسى، وتنسب إلى المسيح ادّعاءه للألوهية ومن ثم اتخاذه إلهًا يُعبد، نجد: أن الإسلام الذي جاء يدعوا إليه النبي محمد  يؤمن بنبوة موسى مع تبرءته مما قد افترته عليه اليهودية، ويؤمن أيضًا بنبوة المسيح مع تبرءته مما قد نسبته إليه اليهودية من الولادة بغية بطريقة غير شرعية، ومع تبرءته أيضًا مما قد نسبته إليه النصرانية من ادّعاءه للألوهية، ورفعها (للنصرانية) له (للمسيح) دون وجه حق لمرتبة الألوهية.
مع التنويه إلى: أن الإسلام جاء مُكرمًا ومُبجّلًا للمسيح عليه السلام كرسول من عند الله تعالى، وكأحد أولي العزم من الرسل (وهم نوح وإبراهيم وموسى والمسيح عيسى ومحمد)، ومُكرمًا لوالدته (السيدة مريم)، ومُبرءً لها مما قد نسبتها إليه اليهود من الفحش والفجور.
وأن الإسلام قد جاء مقرًا بمعجزة ولادة المسيح عليه السلام بغير أب (إرادة من الله تعالى)، وبنطقه وكلامه (المسيح) في المهد تبرءة لوالدته (السيدة مريم)، وتمهيدًا لرسالته بعد ذلك.
لذلك: فإن المسلمين يؤمنون بالتوراة التي جاء بها نبي الله موسى عليه السلام من عند الله تعالى، وبالإنجيل الذي جاء نبي الله المسيح عليه السلام من عند الله تعالى، وبالقرآن الذي جاء به نبي الله محمد  من عند الله تعالى، وليس بأي من التوراة التي قد حُرِّفت وغيرت، والتي بأيدي اليهود اليوم، أو الإنجيل الذي قد ضُيِّع وحُرِّف، والذي بأيدي النصارى اليوم.
لذلك: فإن الإسلام الذي جاء يدعوا إليه النبي محمد ، هو الوحيد الذي يمكنه التوحيد بين كل من اليهود والنصارى والمسلمين، مما يؤكد مصداقيته، ومصداقية من جاء يدعوا إليه، ومن ثم مصداقية الكتاب الذي جاء به من الله تعالى هدى ورحمة للعالمين، ألا وهو القرآن الكريم.
ثانيًا: ومما يُدلِّل على مصداقية القرآن الكريم:
أن الإنسان بفطرته يكون بحاجة للوحي الإلهي، حيث إن العقول مختلفة، لذلك فإن عليه (الإنسان) أن يُفكر في مصدر الكتب التي يؤمن بها، هل هي وحيٌ من الله تعالى أو غير ذلك (من صنع وتأليف البشر).
فإذا كانت وحيًا من الله تعالى، فلن يجد فيها أية اختلافات أو تناقضات، والأمر بالنسبة للكتاب المقدس للنصرانية أو الكتاب الذي بين يدي اليهودية على غير ذلك.
فالشخص السويّ الحذر يمكنه التمييز بين ما هو صحيح وبين ما هو مكذوب، وبين ما هو معقول وما هو غير معقول( ).
فهناك كتب كثيرة تدّعي أنها وحي إلهي، ومن ثم فإن الإنسان العاقل عليه أن يحكم عليها من خلال دراستها والتفكر فيها، ومعرفة حقيقة مصدرها وحقيقة مؤلفيها، ومن ثم يسأل نفسه:
هل ما تحتويه وتتضمنه هذه الكتب يليق ويرتقي بأن يكون بحق وحيًا من عند الإله الخالق القدير، المنزه عن كل سوء، أم لا؟
ومما أشرنا إليه سابقًا، يتجلّى لنا: أن القرآن الكريم الذي بين أيدي المسلمين (أهل السنة) هو الكتاب الوحيد الذي ينزه الله تعالى عن كل ما قد افترته عليه اليهودية والنصرانية وغيرهما، وينزهه سبحانه وتعالى عن كل عَيْب ونقص، وذمٍ وسوء، وذلك لأن الله تعالى قد تعهّد بحفظه (القرآن الكريم) بعدما حُرِّفت وضُيِّعت التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السابقة، عندما وُكِّلت البشرية بحفظها.
لذلك: فإننا نجد أن القرآن الكريم قد حُفظ أشد ما يكون الحفظ، حيث قد حُفِظ كتابيًا وأيضًا شفاهيةً، حيث كان صحابة رسول الله  بجانب كتابتهم للقرآن الكريم، كانوا يحفظونه في صدورهم ويُحفِّظونه لمن بعدهم، ويُعلِّمونه لهم.
ثالثًا: ومما يوضح مصداقية القرآن الكريم، أننا نجد:
أن القرآن الكريم قد تحدّى الجميع، العرب وغيرهم، في كل مكان وزمان، في أن يأتوا ولو بسورة واحدة من مثل سوره، من حيث البلاغة وروعة المعاني ودقة الألفاظ وسموها وائتلافها...، ولكن الجميع قد خابوا وفشلوا أمام هذا التحدي، ولقد شهد بُلغاء العرب بذلك.
ولا يزال هذا التحدي قائمًا إلى الآن، وإلى قيام الساعة، برهانًا على مصداقية القرآن الكريم وأنه كلام ربّ العالمين.
ولا عذر لمن يرفض هذا التحدِّي بزعم أنه لا يُحسن العَربية، لأن هناك الآلاف بل الملايين من النصارى واليهود وغيرهما، الذين يجيدون اللغة العربية لا سيما المستشرقين الذين درسوا اللغة العربية وتعلمّوها من أجل مُحاولة الطعن في القرآن الكريم.
ومع ذلك فإننا نجد عَجْزهم التام أمام هذا التحدّي، وفشلهم البيّن في التصدي له( ).
وإضافة إلى ما ذكرنا، فإن القرآن الكريم يحتوي على جانب الإعجاز العلمي في شتى المجالات (طب ، فلك ، جيولوجيا ، ...) كشاهد على مصداقيته، وبرهان على أنه وحيٌ مُنزلٌ على النبي محمد  من الله تعالى.
حيث إن الكثير من آيات القرآن الكريم تشير إلى حقائق علمية مبهرة منذ أكثر من ألف وربعمائة عام، والتي لم يتوصل إليها العلم الحديث إلا في هذا الزمان، بعدما يزيد على 14 قرن من نزول القرآن الكريم على النبي محمد ، والتي لم يكن لأحد أدنى معرفة بهذه الحقائق العلمية المبهرة وقت نزول آيات القرآن الكريم، فتكون هذه الآيات الكريمات من القرآن الكريم بجانب تضمنها للإعجاز اللغوي والبياني، ومضات مُبهرات، شاهدات على مصداقية القرآن الكريم، وصدق خاتم المرسلين محمد ، الذي جاء به (القرآن الكريم) هدى ورحمة للعالمين.
ولمن أراد التعرف على مزيد من هذا الجانب من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، يمكنه الرجوع إلى المصادر المتخصصة في ذلك، مثل:
مجموعة كتب: من آيات الإعجاز العلمي (السماء، الأرض ، الحيوانات، النباتات)، في القرآن الكريم – للدكتور زغلول النجار.
ومثل، مجموعة كتب: الإعجاز العلمي في السنة النبوية، للدكتور/ زغلول النجار.
ومثل، كتاب: إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، أ/ كريم نجيب الأغر.
ومثل، هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة.
إلى غير ذلك من المصادر المتخصصة في هذا الجانب من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
رابعًا: ومما يُدلّل على مصداقية القرآن الكريم:
أننا نجد أن القرآن الكريم ينزه الله سبحانه وتعالى عن كل نقص وسوء مما قد افترته النصرانية واليهودية وغيرهما عليه سبحانه وتعالى.
ونجد أيضًا: أن القرآن الكريم يُعظّم الله تعالى أشدّ ما يكون التعظيم، ويرفعه فوق تخيّل كل إنسان، وهذا هو اللائق به سبحانه وتعالى، فهو الإله الخالق العظيم.
ونجد أيضًا: أن القرآن الكريم يُكرم أنبياء الله تعالى ورسله، ويحفظ لهم منزلتهم الرفيعة، مما قد نُسب إليهم من النصرانية واليهودية إثر التحريف الكبير الذي قد نال من كتبهما.
ونجد أيضًا أن القرآن الكريم قد برّءَ المسيح من تهمة ادّعاءه للألوهية، ومن المنزلة التي قد رفعها إليه النصارى بغير وجه حق، ويبرءه أيضًا مما قد نسبته إليه اليهودية من الولادة بغية، بطريقة غير شرعية.
وفي الوقت ذاته: نجد أن القرآن الكريم هو الذي يُبجّل المسيح عليه السلام ويُكرمه كأحد أولي العزم من الرسل، أجرى الله تعالى على يديه الكثير من المعجزات كغيره من الأنبياء، تأييدًا لدعوته ورسالته.
ونجد أيضًا أن القرآن الكريم يكرم السيدة مريم، والدة المسيح، ويبرءها مما قد نسبتها إليه اليهود من الفحش والبغاء.
فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه المُحكم (القرآن الكريم):
﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾
[سورة آل عمران: 45-46]
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، والتي يتبين منها أن القرآن الكريم يكرم المسيح عليه السلام كأحد أولي العزم من الرسل ويُبجّله، ويُكرم والدته (السيدة مريم)، مُبينًا أن ولادتها للمسيح عليه السلام إنما كانت بإرادةٍ من الله تعالى، وبشرى منه جلّ وعلا لها، ومن ثم تطهيرها مما قد نسبته اليهود إليها من الفحش والبغاء.
ونجد أيضًا: أن القرآن الكريم يبرئ المسيح عليه السلام مما قد نسبته إليه النصرانية، من سوء خلقه، وسوء معاملته لوالدته.
فبينما نجد في (إنجيل يوحنا إصحاح 2 عدد 4) أن المسيح قد أهان أمه وأساء المعاملة لها في وسط جمع من الناس، حيث إنه قال لوالدته «يا امرأة»، وفقا لما جاء بالكتاب المقدس للنصرانية، دون أدنى احترام وتبجيل أو عرفان للجميل، وكأنه أنكر حسن جميلها وصنيعها معه، نجد أن القرآن الكريم يصف المسيح عليه السلام ببره لوالدته، وحسن خلقه وجميل تعامله معها، حيث إن الله تعالى يقول مبينًا ما نطق به المسيح عند كلامه في المهد، وشاهدًا بصدقه:
﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [سورة مريم: 32].
خامسًا: ومما يُدلِّل على مصداقية القرآن الكريم:
أنه (القرآن الكريم) به حلٌ لجميع المشكلات، ليس هذا فحسب، بل عن فيه التوجيهات المثلى والإرشادات القويمة في شتى جوانب الحياة، ومثال ذلك:
المدة التي تنتظرها المرأة قبل أن تتزوج مرة أخرى، وذلك بعد طلاقها أو وفاة زوجها.
فإذا ما تمَّت مقارنة بين القرآن الكريم وبين أي مما في أيدي النصرانية (الكتاب المقدس لها) أو اليهودية (التوراة التي قد تم تحريفها) في تحديد المدة التي تنظرها المرأة قبل أن تتزوج مرة أخرى بعد وفاة زوجها.
نجد:
عدم وجود أدنى توجيه أو إرشاد لتلك المدة التي تنتظرها المرأة في المسألة المشار إليها، وذلك في أي من التوراة التي بين يدي اليهودية اليوم، أو الكتاب الذي تؤمن به النصرانية وتدَّعي قدسيته، ولكننا نجد التوجيه الأمثل والإرشاد الأقوم في القرآن الكريم، كما هو الدأب دائمًا في شتى جوانب الحياة، حيث قال الله تعالى في كتابه الحكيم، القرآن الكريم:
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ....﴾ [سورة البقرة: 228].
أي أن المرأة المطلقة إذا ما أرادت أن تتزوج مرة أخرى، فعليها أن تنتظر مدة ثلاثة قروء أي ثلاث حيضات لها، وذلك كما أشرنا فيما يتعلق بالمرأة المطلّقة.
أما بالنسبة للمرأة التي توفى عنها زوجها، وأرادت أن تتزوج مرة أخرى، فعليها أن تنتظر مدة أربعة أشهر وعشرة أيام، حيث يقول الله تعالى في كتابه المحكم (القرآن الكريم):
﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾
[سورة البقرة: 234].
وأما إذا كانت المرأة ذات حمل (أي تحمل في بطنها جنينًا)، وأرادت أن تتزوج مرة أخرى بعد طلاقها أو بعد وفاة زوجها، فعليها أن تنتظر مدة الحمل كاملة، إلى أن تضع حملها (جنينها)، وإذا كانت المدة المتبقية للحمل أقل من الأربعة أشهر والعشرة أيام في حالة المرأة التي قد توفّى عنها زوجها (مثلًا)، فعليها أن تنتظر المدة الأطول وهي أربعة أشهر وعشرة أيام.
وقبل أن نبين المغزى والحكمة من التحديد لهذه المدد والأزمنة في كل من تلك الحالات المتفرقة، نثير تساؤلًا: كم يبلغ القرآن في دقته وشموله، في توجيهاته وإرشاداته للمسألة الواحدة، آخذًا في الحسبان الحالات المتعددة والمتفرقة لها؟ وعلى أي شيء يدل ذلك؟
لا شك بأن القرآن الكريم قد بلغ الكمال المصداقية في كل شيء.
وإذا ما أردنا أن نتعرف على حكمة القرآن الكريم في تحديده لهذه المدد والأزمنة (المشار إليها سابقًا) في كل من تلك الحالات المتفرقة، وأيضًا دلالة ذلك علميًا، فعلينا أن نعلم:
أن من الحكم الجليلة في فرض العدة (المدة المنتظرة) على المرأة: التأكد من براءة الرحم، حيث إن الله تعالى يقول:
﴿ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴾ [سورة البقرة: 228]
والذي يدل على براءة الرحم، هو: الحيض، لا الطهر.
فالمرأة إذا مَرّ عليها ثلاثة أطهار لم يدل ذلك على أنها حامل أم لا، لأن الطهر يأتي على المرأة الحامل وغير الحامل، أما إذا جاءت ثلاث حيضات فذلك يدل قطعًا على أنها غير حامل( ).
ومما يُدعم ذلك القول، هو الآية الكريمة:
﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ [سورة الطلاق: 4].
فهذه الآية الكريمة جعلت مناط الاعتداد بالأشهر: عدم الحيض، فدلّ ذلك مرة أخرى على أن الأصل هو الإعتداد بالحيض( ).
ولكن اللافت للنظر هنا: هو تحديد عدد القروء (الحيضات) على أنها ثلاثة في حالة المرأة المطلقة، من أجل تبرءه الرحم.
والتساؤل: ما هو الإعجاز العلمي في هذا التشريع؟
حاصل الكلام: هو أنه من الممكن أن تحمل المرأة وأن تحيض مرة أولى، ثم تحيض ثانية، ولكن لا تستطيع أن تحيض مرة ثالثة، أي أنه بعدم وجود الحيض في المرة الثالثة يثبت الحمل بيقين.
وهكذا عندما يتيقن زوج هذه المرأة (التي قد طلقها) من حملها، فمن الممكن أن يراجع نفسه ويسترجعها من أجل عدم تدمير عائلة ناشئة، ولكي ينعم الطفل الآتي برعاية الأمومة والأبوة في آن واحد، وإلى ذلك تشير الآية القرآنية الكريمة. ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ﴾ [سورة البقرة: 228].
وبعولتهن، تعني: أزواجهن.
أما الآية الثانية، والتي تتحدث عن المرأة التي قد توفى عنها زوجها، فإنها تحدد عدتها: بأربعة أشهر وعشرة أيام، وذلك للتأكد أيضًا من براءة الرحم.
ودلالة ذلك علميًا: هو أن الأم الحامل في نهاية الإسبوع التاسع عشر أي عند قرب نهاية الأربعة أشهر والعشرة أيام تحسّ بحركات الجنين اللاإرادية، وأما قبل ذلك فحركات الجنين لا تشعر بها الأم، ولا تحسّ بأن الجنين حيّ.
وإذا مرّت الأربعة أشهر والعشرة أيام، ولم تشعر المرأة بحركة الجنين، فإنها تتيقن حينئذ بأن الجنين قد مات في أحشائها، فتباشر إزالته بالطرق الطبيّة.
وأمّا إذا شعرت الأم بالحركة للجنين فعدتها تنتهي بوضع حملها (أي ولادتها)، لقول الله تعالى: ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ..... ﴾ [سورة الطلاق: 4].
وكما أشرنا في السابق، فإن المرأة تعتد أربعة أشهر وعشرًا لتتيقن من أن الجنين حيّ( ).
ولتمام الفائدة، نوضح:
أن الآية الكريمة: ﴿ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة البقرة: 240].
منسوخ حكمها بالآية التي قبلها، والتي أشرنا إليها، وهي قول الله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾
[سورة البقرة: 234].
ومن ثم يتجلى لنا أن من الحكمة في بقاء الآية السابقة، المشار إلى نسخها وبقاءها تلاوة، أن يُفهم: أن المرأة المتوفّى عنها زوجها لها أن تعتد في بيت زوجها حولًا كاملًا على سبيل الاختيار منها، (أي إن اختارات ذلك) وليس على سبيل الوجوب عليها.
وغير ما أشرنا إليه الكثير والكثير من التوجيهات المثلى والإرشادات القويمة في شتى جوانب الحياة، بآيات القرآن الكريم، والتي يثبت عظيم دلالتها والإعجاز العلمي بها، كلما تقدّمت التقنيات والوسائل التكنولوجية في شتى الميادين والعلوم.
لذلك: فإنه يتبيّن لنا من التوجيهات المثلى بالقرآن الكريم وتشريعاته القويمة في شتى جوانب الحياة، الدليل الدامغ والبرهان القاطع على عظيم مصداقيته وكمالها.
وإذا كان النصارى يسمون التوراة بالعهد القديم، ويسمون الإنجيل بالعهد الجديد، فإنهم لو صدقوا مع أنفسهم لقالوا بأن القرآن الكريم هو العهد الأخير مهيمنًا على جميع الكتب السابقة.
سادسًا، ومما يُدَلِّل على مصداقية القرآن الكريم:
أن القرآن الكريم ليس متضمنًا إلا على كلام الإله الربّ الخالق سبحانه وتعالى.
فإذا ما قارنَّا بين القرآن الكريم، وبين كتاب النصرانية (مثلًا) من هذا الجانب، فإننا نجد: أن الكتاب المقدس للنصرانية متضمن لثلاثة أنواع من الكلام، بل إن شئنا لقلنا أربعة أو خمسة أنواع، وهي:
أ- ما يصفونه بأنه كلام الإله الربّ.
ب- ما يصفونه بأنه كلام الإله الابن، الذي يزعمون أنه ابن الربّ.
جـ- ما نستطيع أن نقول عنه بأنه كلام المؤرخ الذي كان يكتب ما يسمع عنه، وهو ما يتكون منه معظم كتابها الذي تدّعي قدسيته.
د- الرسائل والقصص والأساطير الخيالية، وما يمكن أن يسمى بـ (ألف ليلة وليلة)( ).
هـ- أنواعًا مختلفة من النثر، حيث تجمع بين النوع المُحرج والنوع الدنئ والنوع الفاحش.
وكل تلك الأنواع السابقة مجموعة بين جِلدتي كتاب واحد، تنسبه النصرانية إلى إلهها تحت مُسمى الكتاب المقدس لها.
وذلك ما لا يمكن لعقل سوي أن يتقبله (الكتاب المقدس للنصرانية) على أنه كلمة الله، فتعالى الله عز وجل عن كل ذلك العبث الذي تدَّعيه النصرانية علوًا كبيرًا.
أما بالنسبة للكتاب الذي بين أيدي المسلمين، وهو القرآن الكريم:
فإنه ليس متضمنًا إلا على كلام الله سبحانه وتعالى.
وأما بالنسبة لكلام النبي محمد ، الذي قد ختم الله تعالى به الأنبياء والرسل، فإنه مُسجّل محفوظ في كتب مُخصصة لذلك، وهي كتب الأحاديث النبوية الشريفة.
وأما بالنسبة لسيرته  (النبي محمد) من حيث ولادته، ومكان ولادته، وأزواجه وأولاده، ودعوته وهجرته، وجهاده، وأخلاقه، وعشرته، .... إلى وفاته وحسن خاتمته ، فإنها مسجلة محفوظة في كتب مخصصة لذلك، وهي كتب السيرة النبوية المطهرة.
وأما بالنسبة لكلام علماء المسلمين وأئمتهم (أهل السنة) فإنها مُسجلة محفوظة في كتب أخرى مخصصة لذلك.
والمسلم لا يساوي بين كل هذه الكتب، فكل منها لها مكانتها ومنزلتها( ).
لذلك: فإنه لا يمكن مقارنة أي مما بأيدي اليهودية أو النصرانية اليوم بعد التحريف والضياع، بكتاب الله تعالى (القرآن الكريم)، الذي جعله مهيمنًا على جميع الكتب السابقة.
وإذا ما أخذنا الكتاب الذي بين يدي النصرانية باعتباره مشتملًا على كتاب اليهودية تحت مُسمّى العهد القديم، لتوضيح انتفاء المشابهة بينه وبين القرآن الكريم من جانب آخر، وعلى نطاق أوسع، فإننا نبرهن على ذلك باختيار ثلاثة أسباب نقوم بتبيانها، وهي:
أ- لقد كان القرآن الكريم دائمًا ولا يزال بأيدي الناس، حيث قد كتبه الصحابة الكرام في زمن النبي محمد  وحفظوه في صدورهم، ومن ثم لم يختلف أحد على محتوى ومضمون القرآن الكريم.
وبعد وفاة النبي محمد  اجتمع صحابته الكرام، وقاموا بجمع القرآن كله في كتاب واحد، متفقين عليه، ولم يُنازع أ ويحتجّ أحد ويقول إنهم تركوا شيئًا من القرآن أو أضافوا للقرآن شيئًا ليس منه، فلم يحدث مثل ذلك أبدًا، وذلك منذ البداية.
أما بالنسبة لكتاب النصرانية التي تزعم قدسيته، فلم يكن له مثل ما حظي به القرآن الكريم من هذا التاريخ المجيد الذي قد أشرنا إليه، أو ما يدانيه.
فلقد كان الكتاب المقدس للنصرانية ملكًا للكنيسة، وليس ملكًا للناس، أي أنه كان في حوزة الكنيسة ورجالها، ولم يكن بإمكان العامة الإطلاع عليه أو قراءته أو معرفة ما يناله من تحريفات وتغييرات، وإضافات وتبديلات، وفقًا للأهواء والشهوات، عبر المؤتمرات، والتاريخ شاهد على ذلك.
وأيضًا، فإن الكتاب المقدس للنصرانية إنما يرجع إلى أكثر من 300 سنة بعد المسيح، حيث لم يتم كتابة أي شئ منه في زمن المسيح( ).
ب- أننا نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية عندما كُتب كان ذلك بلغات ميّتة أو بائدة، وإذا ما أرادت النصرانية الرجوع إلى أقدم نسخة لكتابها، فإنها ترجع إلى تلك النسخ التي قد دُوِنت بتلك اللغات الميتة البائدة.
حيث إن الكتاب المقدس للنصرانية مكتوب باللغة اليونانية القديمة، والآرامية القديمة، والعبرية القديمة، وهي لغات لا يتحدث بها أحد اليوم، وقلة من العلماء تعرفها( ).
لذلك فإنه من اليسير عند ترجمتها، أن ينالها التغيير والتبديل والتحريفات وفقًا للأهواء والشهوات واختلاف العقول.
وما نراه من اختلاف النسخ بالنسبة للكتاب المقدس للنصرانية، والتي كان من المفترض ألا تكون متعددة (أي لا يكون هناك أكثر من نسخة واحدة، حيث إن النسخ بخلاف الترجمات)، وكثرة المراجعات والتنقيحات إلى يومنا الراهن والتي ستظل كذلك إلى ما شاء الله، برهان على صدق ما نقوله.
وأما بالنسبة للقرآن الكريم:
فإنه مكتوب بلغة حيّة، وهي اللغة العربية، حيث يتحدث بها الملايين والملايين من المسلمين اليوم، في مختلف البلدان سواءً كانت العربية أو غيرها من البلدان الأوروبية والآسيوية والإفريقية وغيرها في مختلف قارات العالم.
ولذلك: فإننا نجد اجتماع الأمة الإسلامية قاطبة على القرآن الكريم، دون أدنى خلاف أو إشكال حوله.
ج- أننا نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية قد وصل عبر مخطوطات كثيرة جدًا، مختلفة، حيث لا تطابق بينها.
لذلك: فإننا نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية مليء بالحواشي، حيث إنه عند قراءة فقرة منه (على سبيل التوضيح)، فإننا نجد في الحاشية ترجمةً بديلةً لتلك الفقرة، أو ما شابه ذلك.
بينما، نجد أن القرآن الكريم، لم يختلف فيه أحد، ولم يتنازع حوله، ولو في حرف واحد من حروفه.
حيث لم يذهب أحد إلى القول بأن هذا الحرف خطأ في طبعة .... أو .......، إلا إذا كان خطأً في الطباعة، وذلك يُعالج، بل إن ذلك مُنعدمًا اليوم بعد التقدم في التقنيات والوسائل التكنولوجية في الطباعة.
فلا نجد أحد يُنازع ويقول إنه كان يجب أن تكون (الكلمة أو الحرف) هكذا، أو لا يجب أن تكون كذلك.
لذلك: فإنه لا يوجد أدنى جدل حول القرآن الكريم، مما يُدلِّل على مصداقيته، وأن الله تبارك وتعالى قد حفظه حفظًا تامًا، من أدنى تحريف أو ضياع.
وفي هذا إشارة إلى عالمية الرسالة المحمدية، وإلى أنها الرسالة الخاتمة لجميع الرسالات السابقة، وذلك لأن الله تعالى قد حفظها( ).
وقبل أن نختم هذه النقطة، نقوم بإلقاء المزيد من الضوء حول الترجمات، والتفرقة بينها وبين النسخ.
فالنسخ المختلفة، تعني: الاختلاف في النصوص نفسها.
ويمكن توضيح ذلك بجلاء، في أننا على سبيل المثال، نجد: أن طائفة البروتوستانت وهي إحدى طوائف النصرانية، تقول بأن النسخة المعتمدة لديها من الكتاب المقدس للنصرانية هي نسخة الملك جيمس، وهي لا تتضمن 7 كتب قد تضمنتها النسخة المعتمدة من الكتاب المقدس للنصرانية، لطائفة الكاثوليك، وهي أيضًا إحدى طوائف النصرانية.
وفي الوقت ذاته، نجد أن النسخة المعتمدة من الكتاب المقدس للنصرانية لطائفة الأرثوذوكس، التي هي أيضًا إحدى الطوائف النصرانية، قد تضمنت كتبًا أكثر من تلك النسختين التي بأيدي طائفة البروتوستانت أو حتى طائفة الكاثوليك.
إضافة إلى كثرة النسخ وتعددها للطائفة الواحدة من أي من طوائف النصرانية، نظرًا للتغييرات والاختلافات في النصوص ذاتها لنفس تلك النسخة من عام لآخر، ومن بلد لآخر، عبر ما يسمونه بالمراجعات والتنقيحات إلى حد التشتت والتشرذم.
وأما بالنسبة للترجمات المختلفة، فإنها تعني: اختلافا في اختيار وانتقاء الكلمات التي يمكن التعبير بها عن معنى النص الأصلي، والذي يظلّ ثابتًا متفقًا عليه، دون أدنى تغيير، وهذا ما نجده في ترجمات معاني القرآن الكريم.
حيث إن الترجمة لا تُسمّى قرآنًا، ولا تسمى ترجمة للقرآن، وإنما تسمى ترجمة معاني القرآن الكريم أو ترجمة تفسير القرآن الكريم.
فالترجمات لمعاني أو تفسير القرآن الكريم ليست قرآنًا، لذلك فإن هذه الترجمات ليست معجزة، حيث يمكن أن يؤتى بترجمة أحسن وأفضل مما هي عليه الآن.
ولكن المعجز هو القرآن الكريم نفسه، حيث إنه معجز باللفظ العربي، وبالمعنى الدقيق البليغ،... إلى غير ذلك، ولا يمكن تشبيهه (القرآن الكريم) بأي كلام آخر.
فالقرآن الكريم هو الوحي الإلهي، وهو باللفظ العربي الذي قد نزل به، كل حرف، وكل كلمة، وكل آية، وكل سورة، وكل بسملة في أولها، بل إن ترتيب السور في القرآن الكريم هو ترتيب توقيفي دقيق محفوظ، لم يُبدّل ولم يُغيّر، فهو ترتيب مُعجز؛ لا يمكن أن يؤتى بمثله في العربية، أوفى غيرها من اللغات( ).
وشاهد ذلك بلغاء العرب وحكمائهم الذين شهدوا بذلك، حيث إنهم أهل اللغة، وأهل البلاغة والفصاحة والبيان.
ومن موجز ما أشرنا، فإن ما نستنتجه بيقين، هو: المصداقية التامة للقرآن الكريم الذي جاء به النبي محمد ، خاتمًا به الله تعالى الأنبياء والمرسلين.

النبي الذي أُنزل عليه القرآن، ورسالته العالمية
لقد تحدثنا في النقطة السابقة عن مصداقية القرآن الكريم الذي أُنزل على النبي محمد ، والتي قد ثبتت (مصداقية القرآن الكريم) بالأدلة الدامغة والبراهين القاطعة، مما يُدلّل ويبرهن على صدق النبي الذي أنزل عليه هذا القرآن، وصدق رسالته، ومصداقيته في دعوته.
وإذا ما أردنا أن نوجز حديثًا عن هذا النبي الخاتم الأمين محمد  ورسالته العالمية الخاتمة في هذه النقطة، فإننا فقط نقوم بالردّ على ادّعاء بعض أعداء الإسلام الحاقدين، في إشارة عاجلة موجزة إلى عالمية رسالته وختامها للرسالات السابقة، ونُحيل من أراد المزيد من الحديث عن هذه النقطة إلى كتاب/ محمد رسول الله حقًّا وصدقًا.
بداية: نوضح أن التصديق بنبي مُرسل من الله تعالى، داعيًا إليه، هاديًا للبشرية إلى الصراط الحقّ المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه، أقرب إلى العقل السليم والفطرة النقية من تكذيبه، فما بالنا إذا جاء هذا النبي المُرسل بما يشهد لنبوته ورسالته من معجزات وخوارق، تأييدًا من الله سبحانه وتعالى له.
فالنبي محمد  قد جاء بالمعتقد السليم الصافي، الذي لا شائبة فيه ولا عكرات، وقد جاء بالكثير والكثير من المعجزات والخوارق، وأعظمها معجزة القرآن الكريم، الذي قد أشرنا إلى جانب من إعجازه في النقطة السابقة، تأييدًا من الله عز وجل لنبوته  ورسالته.
ولقد جاء النبي محمد  بالشرع القويم، الذي فيه علاج لكافّة المشكلات القديمة والحديثة، في الشرق والغرب.
ولقد جاء  بالعبادات الهادية والمعاملات الكريمة والأخلاق الرفيعة، والتعاليم السامية.
ولقد حفظ الله سبحانه وتعالى السيرة الطيبة العطرة لخاتم أنبياءه ورسله محمد ، تأييدًا منه تبارك وتعالى له، لتكون شاهدًا على صدق دعوته ورسالته .
فالله سبحانه وتعالى أعلم حيث يجعل رسالته، فكما أنه سبحانه وتعالى قد اختار نبيه موسى، وقد كان هاربًا من قوم الرجل الذي كان قد قتله عن غير قصد، إضافة إلى تعثّره في الكلام، وكما أنه سبحانه وتعالى قد اختار نبيه المسيح، وكان قومه يشكّون في نسبه، وفقًا لما يقوله كتاب النصرانية (لوقا 3: 23)، كذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد اختار نبيًّا أميًّا لأمة أميّة لا تعرف القراءة والكتابة، مع بلاغتها وفصاحتها، ونبوغها في فنون الشعر والنثر والأدب( ). ولكنه  قد تخرج من مدرسته (مدرسة النبوة) العلماء في شتى مجالات الحياة، والفقهاء، والمحدثين، .... إلى غير ذلك.
وفي ذلك يقول (توماس كارلايل) أحد المفكرين، في محاضرة ألقاها يوم الجمعة الموافق (الثامن من مايو 1840م)، وكانت المحاضرة بعنوان: (عندما يكون البطل نبيًّا)، وكان المستمعون من الانجليكان، وهم المسيحيون الانجليز، الآتي:
«قوم رعاة أغنام فقراء، هائمون على وجوههم في صحراء، مجهولون، لا يعبأ بهم أحد منذ فجر التاريخ، أُرسل إليهم نبي بطل بوحي، فآمنوا به، انظر المغمورين، أصبحوا أفذاذًا بارزين، الفئة الصغيرة أصبحت عالمًا كبيرًا، وفي غضون قرن واحد وصلت العروبة إلى غرناطة بأسبانيا من جهةٍ، وإلى دلهى من جهة أخرى....، إن العقيدة هي الدافع القوي للحياة، تاريخ أمة أصبح مُثمرًا، روحها ارتفعت وارتقت بمجرد أن أصبحت صاحبة عقيدة».
وفي شأن النبي محمد ، يقول الفيلسوف البريطاني (جورج برناردشو):
«إنني أعتقد أن رجلًا مثل محمد لو تسلّم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه لتمّ له النجاح في حكمه، ولقاد العالم بأسره إلى الخير وحل المشاكل على وجه يحقق للعالم السلام والسعادة المنشودة».
ومن العجيب: أن نجد من يسعى جاهدًا بغير أدنى بصيرة، في الهجوم على رسالة النبي محمد ، بادّعاءه اختلاق رسالة النبي محمد  من اليهودية والنصرانية.
ويُرَدّ على مثل ذلك الافتراء بصفعة صاعقة لمُدّعية، وذلك أن:
1- وقت رسالة النبي محمد  ونزول الوحي عليه بالقرآن الكريم، لم يكن الكتاب المقدس للنصرانية بمحتواه من عهد قديم (التوراة التي يؤمن بها اليهود) وعهد جديد (الإنجيل ورسائل أخرى) قد ترجم إلى اللغة العربية بعد.
والتساؤل المهم:
فمن أين يأتي الاختلاق إذن، والقرآن الكريم الذي أُنزل على النبي محمد  إنما هو باللغة العربية؟!
لذلك، فإن القول باختلاق رسالة النبي محمد  من اليهودية أو النصرانية، إنما هو ادّعاء كاذب، وافتراء باطل.
2- أن رسالة النبي محمد  قد تعرّضت للقضية الأكثر خطورة لدى النصرانية وهي اعتقادها بألوهية المسيح، حيث جاءت (رسالة النبي محمد ) بنقض ذلك المعتقد تمامًا.
وأيضًا فإن رسالة النبي محمد  قد تعرّضت لنفس القضية بالنسبة لليهودية، والتي تُعدّ من أكثر القضايا خطورة لديها، وهي: سبَّها (سب اليهودية) للمسيح، وسبِّها لوالدته، وتكذيبها له، وادّعاء ولادته بطريقة غير شرعية، حيث جاءت (رسالة النبي محمد ) بنقض تلك الادّعاءات والافتراءات تمامًا.
ففي الوقت الذي تقول فيه النصرانية بألوهية المسيح، وأنه ابن الله، وأنه ثالث ثلاثة، وفي الوقت الذي تُكذّب فيه اليهودية برسالة المسيح، وتنسبه إلى الولادة بغية، وتنسب والدته إلى الزنا والفجور، في ذلك الوقت جاء النبي محمد  بالقول الوسط الصحيح، والمعتقد الصافي السليم، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، جاء (النبي محمد ) بالوحي الذي أوحاه إليه ربه تبارك وتعالى، وهو:
أن المسيح عليه السلام إنما هو عبد الله ورسوله، وأن ولادته كانت آية معجزة من الله جلّ وعلا، وأن ما ظهر على يديه من معجزات إنما هي بقدرة الله عز وجل، كغيرها من المعجزات والخوارق التي أجراها تبارك وتعالى على يدي نبيه محمد ، والأنبياء من قبله، تأييدًا من الله تعالى لهم، كدلالة بيّنة وشهادة واضحة على صدق دعوتهم ورسالتهم.
وكذلك الأمر بالنسبة للسيدة مريم، حيث تزعم النصرانية بأنها والدة الله، وعلى النقيض تمامًا تنسبها اليهودية إلى الزنا والفجور، ومن ثم كانت ولادتها للمسيح، في ذلك الوقت جاء النبي محمد  بالقول الوسط الصحيح، والاعتقاد الصافي السيلم، الذي أوحاه إليه ربه تبارك وتعالى، دون إفراط أو تفريط، وهو:
أن السيدة مريم ليست بوالدة الله، ولكنها في الوقت ذاته الطاهرة العفيفة، التقيّة النقيّة، التي قد أتت بولدها (المسيح عليه السلام) بإرادة من الله تعالى وحكمة منه، والتي (السيدة مريم) قد أيّدها ربها تبارك وتعالى بمعجزة كلام وليدها في المهد، تبرءة لها وتمهيدًا لرسالته.
لقد أُكرمت السيدة مريم في القرآن الكريم الذي جاء به خاتم النبيين والمرسلين محمد ، تكريمًا عظيمًا، لم تحظ (السيدة مريم) بمثله في الكتاب المقدس للنصرانية نفسه، من بين 66 كتابًا لطائفة البروتستانت النصرانية و 73 كتابًا لطائفة الكاثوليك النصرانية، وأكثر من ثمانين كتابًا لطائفة الأرثوذوكس النصرانية، ولا أدلّ على ذلك من أن الله سبحانه وتعالى قد اختصّها (السيدة مريم) في كتابه العظيم (القرآن الكريم) بسورة تسمّى باسمها، وهي (سورة مريم)، دون غيرها من نساء العالمين.
3- أن رسالة النبي محمد  قد جاءت بخير تشريع للعالمين، للناس كافة، على اختلاف فئاتهم، مناقضة تمامًا لما عليه اليهودية والنصرانية الآن من تشريعات تم تحريفها وتبديلها وتغييرها.
4- أن رسالة النبي محمد  قد جاءت ناقضة لما قد تضمنته التوراة بعد تحريفها والتي بأيدي اليهود اليوم وكذلك الكتاب المقدس للنصرانية، من أكاذيب وافتراءات باطلة على أنبياء الله ورسله، مُكذِّبة لها، وناقضة لتلك القصص الفاحشة المُنكرة، والتي ينسبها كلا من اليهود والنصارى إلى كلام الله، ومن ثم يؤمنون بها.
لذلك: فإن من هذه الأسباب المشار إليها، وغيرها، يتبيّن بطلان مثل تلك الدعوى الواهية باختلاق القرآن من اليهودية والنصرانية، وأنها ما هي إلا محض ادّعاء كاذب، وافتراء باطل.

عالمية رسالة النبي محمد 
لقد بينّا في الردّ على دعوى اختلاق القرآن من اليهودية أو النصرانية، ما جاء به النبي محمد  من معتقد صاف سليم، لا غلو فيه ولا تفريط، ولا فحش فيه ولا نكارة، مناقض لكل من افتراءات اليهودية والنصرانية، إضافة إلى ما جاء به  من تشريع قويم مُناقض لما حرّفته كلا من اليهودية والنصرانية، وإضافة إلى ما جاء به  من تعاليم سامية وعبادات هادية ومعجزة باقية (القرآن الكريم) إلى قيام الساعة، وفي ذلك كله برهان على عالمية رسالته .
ولمزيد من الاستفاضة في هذه النقطة يمكن الرجوع إلى كتاب/ الإله الخالق ما بين تعظيم المسلمين وافتراءات النصارى والكاذبين وإنكار الملحدين.
ويمكن أيضًا بيان عالمية رسالة النبي محمد ، بتوضيح الآتي:
أن النبي محمد  بعد ما آمن الناس بدعوته ورسالته، وقيامه  بتأسيس الدولة الإسلامية على أسس الخير والفضيلة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قام بإرسال الرسائل إلى ملوك وأمراء الدول الخمس المجاورة له، داعيًا إياهم أن يقبلوا الإسلام دينًا من عند الله ربّ العالمين.
ومن هذه الدول التي قام النبي محمد  بإرسال الرسائل إليها: الفرس والروم، وهما أكبر امبراطوريتين في ذلك الوقت، إضافة إلى إرساله  الرسائل إلى ملك مصر، وإلى ملك اليمن، وإلى نجاشي الحبشة.
ثم جاءت الفتوحات الإسلامية لكل من تلك الدول وغيرها بما فيها امبراطوريتي الفرس والروم، وذلك في عهد أصحاب النبي محمد ، ومَن بعدهم، حيث انتشر الإسلام انتشارًا عظيمًا، ولاقى قبولًا واسعًا شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، في آسيا وإفريقيا وأوروبا ودخل الناس فيه أفواجا.
وكل ذلك مما يؤكد ويبرهن على عالمية رسالة النبي محمد ، وأنها للناس كافة في كل مكان وزمان، حيث قد حفظها الله تبارك وتعالى من أهواء ومطامع الحاقدين.
ونُدلّل على مصداقية رسالة النبي محمد  ومن ثم عالميتها بما قد أوحاه إليه ربه تبارك وتعالى:
حيث إن أول آية بفاتحة الكتاب (القرآن الكريم) الذي جاء به النبي محمد  هي: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 1]، وليست الحمد لله ربّ المسلمين.
أي أن من صفات الإله الذي جاء النبي محمد  يدعوا إلى وحدانيته، أنه جل وعلا ربّ للعالمين، وليس ربًّا لفئة معينة مثلما تدّعي اليهودية (حيث تزعم أن الربّ هو ربّ بني إسرائيل) أو غيرها.
ولو أن محمدًا  كان مُدعيًا للنبوة، مُعلنًا رسالته عنادًا لليهودية أو النصرانية أو غيرهما، لكان من الممكن أن يأتي بدلًا من الآية السابقة بقول: الحمد لله ربّ المسلمين، أو ما شابه ذلك، ولكن حاشاه .
فالنبي محمد  لم يتكلم إلا بما قد أوحاه إليه ربّه تبارك وتعالى، ولم يكن إعلانه لرسالته عنادًا لليهودية أو النصرانية، أو ما شابه ذلك، وإنما كان إعلانه  لرسالته بتكليف من الله عز وجل له، إعلانًا للحقّ وإظهارًا له، ودحرًا للباطل وإزهاقًا له.
ومن ثم يتبين بجلاء عالمية رسالة النبي محمد  من خلال دعوته إلى وحدانية الإله الخالق، ربّ البشر أجمعين وربّ العالمين، كما أوضحنا ذلك من خلال الآية الكريمة السابقة.

نماذج ممن شهد لهذا النبي الخاتم الأمين محمد 
لقد شهد الكثير والكثير من العلماء الغربيين في شتى المجالات للنبي محمد ، وحيث إنه لا يتسع إدراج هذه الشهادات في هذه النقطة القصيرة، فإننا بمشيئة الله تعالى سوف نوضح فقط بعضًا من هذه الشهادات، للتعرف على جانب من الأسباب التي جعلت مثل هؤلاء الغربيين من أصحاب المكانة والمنزلة في مجتمعاتهم، أن يشهدوا لهذا النبي الخاتم الأمين محمد ، على الرغم من نشأتهم وسط مجتمعات معادية للإسلام.
ونبدأ بـ:
1- ماسيرمان: وهو مُحلل نفسي أمريكي، وأستاذ في جامعة شيكاغوا، إضافة إلى أنه يهودي.
فهو (ماسيرمان) يعطي الأسس التي يبنى عليها اختياره للقائد الأعظم لجميع الأزمنة، وفقًا لرؤيته، وهي:
أ- يجب أن يتوفر في القائد التكوين السليم للقيادة.
ب- يجب أن يوفر القائد نظامًا اجتماعيًا يشعر فيه الناس بالأمن والطمأنينة.
ج- يجب أن يوفر لشعبه مجموعة واحدة من المعتقدات.
ثم يقول بعد شرح لهذه الأسس: «لعل أعظم قائدًا على مر العصور هو محمد () الذي جمع الأعمال الثلاثة، وقد فعل موسى (عليه السلام) نفس الشيء بدرجة أقل»( ).
2- مايكل هارت: وهو مؤرخ وعالم رياضيات.
حيث نجده، يضع النبي محمد  في المرتبة الأولى بكتابه (الخالدون المائة)، وهو كتاب يقوم بتصنيف أكثر الأشخاص تأثيرًا في التاريخ.
3- جون وليم درايو: وهو طبيب، ودكتور في الحقوق.
حيث نجده يقول بكتابه (تاريخ التطور الفكري الأوروبي) في شأن النبي محمد ، مضمونًا: أن النبي محمد  وُلِد في مكة، في جزيرة العرب سنة 569 بعد الميلاد، وبعد سنوات صار الرجل الذي كان أعظم تأثير على الجنس البشري من بين جميع الرجال.
4- الموسوعة البريطانية:
حيث نجدها تكتب عن النبي محمد :
«أنه الأكثر نجاحًا من بين كل الشخصيات الدينية».
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير من شهادات الغرب وغيرهم، لهذا النبي الخاتم الأمين محمد ، الذي جاء بالإسلام هدى ورحمة للعالمين.
ونكتفي بما قد أشرنا إليه في هذه النقطة، وذلك للانتقال بمشيئة الله تعالى إلى نقطة أخرى بخصوص موضوع هذا الكتاب.

الإسلام ونور العلم
لقد شاء الله عز وجل أن يكون خاتم أنبياءه ورسله نبيًّا أميًا، وأن تكون بداية دعوته وسط قومه أميّين، لا يعرف أكثرهم القراءة والكتابة، مع بلاغتهم وفصاحتهم، ونبوغهم في الشعر والنثر وشتى فنون الأدب العربي، فكانت مشيئة الله تعالى وفقًا لعلمه الشمولي وحكمته البالغة سبحانه وتعالى.
فمع أن النبي محمد  كان أميًّا، وبُعث وَسَط أناس أغلبهم أميّين (العرب قبل البعثة) وسَط قوم يسودهم الجهل ويعمّهم الظلام، ولا يعبأ بهم أحد، إلا أنه قد تخرج من مدرسته  العلماء والفقهاء المحدثين...، وتخرج من مدرسته  قادة العالم في شتى المجالات العلمية (فلك ، طب ، هندسة ، جيولوجيا، جغرافيا، تاريخ...)، والقيادية العسكرية، .... إلى غير ذلك.
ولم لا!، وقد كان أول ما أنزله الله تبارك وتعالى عليه  من آيات القرآن الكريم، هو قوله تعالى: ﴿إقرأ...﴾ [سورة الأعلى: 1].
وذلك على الرغم من أميّته ، وعدم معرفته بالقراءة أو الكتابة، مما يؤكد على أن الإسلام هو دين العلم، والنهوض بالأفراد والمجتمعات إلى أعلى مستوى من مستوياته (العلم).
فإذا ما كان أول ما أنزله الله تبارك وتعالى على النبي محمد ، هو الدعوة والحث على العلم، فإن ذلك يعني:
أن نفس هذه الدعوة، والحث على العلم أيضًا لأمته ، حيث إنها تقتدي بنبيها .
إضافة، إلى أن القرآن الكريم، وهو الكتاب المُنزّل من ربّ العالمين على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ، نجده مُتضمّنًا للكثير والكثير من الحقائق العلمية المُبهرة المُكتشفة حديثًا، في شتى المجالات العلمية (فلك، طب ، جيولوجيا، ...)، والتي لم يكن لأحد أدنى معرفة بها وقت بعثة النبي محمد  وتنزّل القرآن عليه من الله تبارك وتعالى، ليكون هذا الكتاب المُحكم المُبين (القرآن الكريم) شاهدًا على صدق دعوته  ورسالته العالمية، ودعوته إلى العلم النافع في شتى المجالات، وتوظيفه في النهوض والرقيّ بالمجتمعات البشرية إلى أسمى مكانة وأرفع منزلة.
وشاهد ذلك واقعيًا: أن العرب لم يعرفوا الحضارة ولم يعرفوا العلم والنور، إلا بعد اعتناقهم للإسلام دينًا، ورضوا بنبيه (نبي الإسلام)  رسولًا، وبالكتاب المُنزّل عليه (القرآن الكريم) دستورًا ووحيًا من الله تعالى، مهيمنًا على جميع الكتب السابقة.
فالعرب قبل الإسلام، وقبل بعثة النبي محمد ، كانوا في جاهلية مظلمة، وفي تخلف عظيم.
ولنتطرق إلى نموذج آخر غير الإسلام، كي يتبيّن لنا الفارق العظيم بين الإسلام وغيره، في هذا الموضوع الذي نحن بصدده (العلم)، وليكن ذلك النموذج مُتمثل في الكنيسة، التي هي رمز للنصرانية، حيث نجد:
أن الكنيسة كانت عقبة كبيرة في طريق العلم، وشاهد ذلك:
أنها (الكنيسة) كانت عائقًا كبيرًا في التطور الصناعي بأوروبا، طوال فترة تسلطها، وذلك على مدى قرون.
فنجد أن الكنيسة قد أحرقت ما يزيد على 3000 عالمًا من علماء النصارى ممن تلقّوا علومهم في الجامعات الإسلامية لا سيما بالأندلس (وقت ازدهار علم وحضارة المسلمين)، والتي كانت آنذاك مصدرًا للنور والعلم، ومن أبرز هؤلاء العلماء الذين أحرقتهم الكنيسة: جاليليو وبرونوا، .... إلى غير ذلك.
ونجد أن الكنيسة أرادت أن تضاد المعلومة الإسلامية، التي سبق إليها علماء المسلمين، حيث قالوا بأن الأرض كروية، وليست مسطحة كما ادّعى فلاسفة اليونان من قبل، وورثته عنهم (فلاسفة اليونان) الكنيسة، وغير ذلك الكثير والكثير.
لذلك، فإن أوروبا كان يطلق عليها أوروبا المظلمة وقت ونتيجة الحكم الكنسي (حكم الكنيسة) لها، فلم يبدأ عصر التنوير بأوروبا إلا حينما تسارع النصارى إلى جامعات المسلمين لتلقي علومهم، ثم العودة بعد ذلك إلى بلادهم بهذه العلوم المأخوذة من علماء المسلمين.
فإذا كان العرب لم يعرفوا الحضارة إلا بالإسلام، ولم تعرف أوروبا الحضارة إلا من المسلمين، بعد أن نُبِذَت وطُرِحت علوم الكنيسة جانبًا، فعلى أي شيء يدل ذلك؟!
الجواب، الذي لا مرية فيه ولا بديل له، هو: لاشك أن الإسلام هو دين النور والعلم.
فالإسلام يحث على تعلم العلم النافع، داعيًا إلى حسن استغلاله وتوظيفه، نهوضًا ورقيًّا بالمجتمعات إلى أسمى مكانة وأرفع منزلة من الرقيّ والحضارة.

الإسلام وحل المشكلات التي عجزت عن حلها اليهودية والنصرانية،
ومن ثم عالميته
لقد جاء النبي محمد  بالإسلام دينًا ، داعيًا إليه، مشتملًا على الحق، متضمّنًا لكافة أنواع الخير.
ومن الخير الذي جاء به الإسلام: حل جميع المشكلات على اختلاف أنواعها، بما فيها المشكلات التي قد عجزت عن حلّها اليهودية والنصرانية، ونموذج ذلك:
1- حلّ المشكلة العقدية: والتي تتعلق بتأليه النصرانية للمسيح، ومن ثم الاعتقاد بالتقاء الطبيعة الإلهية مع الطبيعة البشرية، والاعتقاد بأن السيدة مريم هو والدة الإله، في حين مناقضة اليهودية تمامًا للنصرانية في الإعتراف بالمسيح، حيث تُكذّب (اليهودية) بنبوته ورسالته (بنبوة ورسالة المسيح)، بل وتنسب أمّه إلى الفجور، ومن ثم فهي تنسب المسيح إلى الولادة بُغية، بطريق غير شرعي.
وفي ظلّ مثل تلك المعتقدات بين الإفراط والتفريط، جاء الإسلام بالقول الحقّ الوسط، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، جاء بالمعتقد الصحيح السليم، الذي تُقرّه الفطر النقية والنفوس الزكية، العقول الرشيدة، ولا تقبل غيره.
فالإسلام قد جاء بالقول الفصل، وهو: أن المسيح عيسى عليه السلام هو عبد الله ورسوله، وأن السيدة مريم العذراء (والدة المسيح) هي الطاهرة العفيفة، وأن حملها بالمسيح عليه السلام، كان بكلمة من الله تعالى (كن فيكون)، وفقًا لعلمه وحكمته سبحانه وتعالى وإرادته ومشيئته، فكما خلق سبحانه وتعالى آدم من غير أب ولا أم، فقد شاء سبحانه وتعالى أن تكون ولادة المسيح من غير أب.
ولقد جاء الإسلام بأن ميلاد المسيح عليه السلام، كان ميلادًا معجزًا، مُؤيّدًا بكلامه (المسيح) في المهد، تبرءةً لأُمّه مما قد نسبته اليهود إليها، وتمهيدًا لرسالته.
وأن الله تعالى قد رفع المسيح عليه السلام إلى السماء، وحال بين صلبه وقتله من أعداءه، ومن ثم فإن الإسلام قد جاء نافيًا تمامًا الادّعاء الذي تزعمه النصرانية، في إهانته وصلبه وتعذيبه وقتله، تكفيرًا لذنوب البشر، حيث إن مثل ذلك المعتقد إنما هو من أحطّ مراتب الكفر، وسبٌ عظيم للذكاء الإنساني.
فالكتاب المقدس للنصرانية، يقول: «عن ابنه (تقصد النصرانية: ابن الإله) الذي صار من نسل داود من جهد الجسد» (رسالة إلى أهل رومية 1 : 3).
وتزيد النصرانية على مثل ذلك المعتقد الفاسد، أن أدخلت في نسل إلهها المزعوم المتجسّد في صورة بشرية، ما ينص كتابها على أنهم أولاد زنا (فارض وزارح ، من ثامار)، مُعتقدة (النصرانية) أن السيدة مريم قد حملت بذلك الإله المتجسد، ومرّت بجميع مراحل الحمل، وأنها عند ولادتها له كانت تصرخ متمخضة ومتوجعة من أجل أن تلد، كما في إنجيل (لوقا 2: 6)
و(يوحنا 12: 2).
ولا شك أن الإسلام قد جاء ناقضًا تمامًا لمثل تلك الافتراءات والأكاذيب على الله تعالى.
ولقد جاء الإسلام نافيًا تمامًا ما تفتريه اليهودية على المسيح عليه السلام، ووالدته السيدة مريم، حيث تزعم اليهودية أن السيدة مريم قد ارتكبت الفاحشة، ومن خلال ذلك جاءت بولدها المسيح، ومن ثم فإن اليهودية لا تؤمن بنبوة المسيح وتكذّب برسالته، وتزعم أن (المسيح) قد صُلب وقتل.
فالإسلام قد جاء مُقرًّا لنبوة ورسالة المسيح عليه السلام، وأنه (المسيح) قد جاء داعيًا إلى وحدانية الله تعالى كشأن سائر الأنبياء والمرسلين، وأنه (المسيح) كان مؤيدًا بكثير من المعجزات الشاهدات على نبوته ورسالته، بما فيها معجزة كلامه في المهد، تبرءة لأُمّه السيدة مريم العذراء، وتمهيدًا لنبوته ورسالته.
ومما سبق يتبيّن لنا عظمة دين الإسلام في حلِّه لأكبر مشكلة في الاعتقاد بين أصحاب الشرائع السماوية، وتوحيده لهم في ظلّ معتقد صحيح سليم تُقرّه الفطر النقية والنفوس الزكيّة والعقول السويّة، وتتوافق وتنسجم معه أشدّ ما يكون التوافق والانسجام.

ولتمام الفائدة، نوضح:
أن الآذان في الإسلام، إعلان بدخول وقت عبادة الصلاة لإقامتها، وفيه يقول المؤذن:
أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله
والشقّ الأول من الشهادة (أشهد أن لا إله إلا الله) يعني: توحيد الله تعالى في ألوهيته وربوبيته، وأسماءه وصفاته، وأنه لا شريك له في العبادة، وهذا هو الذي جاءت تدعوا إليه جميع الأنبياء والرسل.
والشقّ الثاني من الشهادة (أشهد أن محمدًا رسول الله)، مما يعنيه: استبعاد أن يكون محمد  مشاركًا للإله تعالى في ألوهيته، فيكون ذلك بمثابة التحذير مما قد وقعت فيه النصرانية من تأليه للمسيح وإشراكه للإله في ألوهيته.
ومما يعنيه الشق الثاني في الشهادة أيضًا: أنه لا شريك للنبي محمد  في الاتباع، ومن ثم فعلى الجميع أن يتبع النبي محمد  في هديه وسنته.
ومما سبق يتبيّن لنا شمولية الإسلام وعالميته، وختام رسالة النبي محمد  لجميع الرسالات السابقة.
فتشريع الإسلام للآذان مشتملًا على ما أوضحناه من معان، يكون بمثابة عمل الأنبياء والمرسلين، حيث الدعوة إلى توحيد الله تعالى في ألوهيته وربوبيته وأسماءه وصفاته، وأنه لا شريك له سبحانه وتعالى في العبادة، وذلك على مدار اليوم بأكمله حيث الآذان والإقامة لخمس صلوات متفرقات بالليل والنهار، وفي شتى بقاع الأرض حيث المساجد الكثيرة في مختلف الأقطار والبلدان. فالإسلام هو دين الله عز وجل، الذي قد وعد سبحانه وتعالى بحفظه.
2- حلّ الإسلام لمشكلة العنصرية، والقضاء على الكِبْر.
إننا نجد اليهود يُفضِّلون أنفسهم على غيرهم من البشر في عنصرية عجيبة مقيتة، حيث يُصوّرون أنفسهم بأنهم أبناء الله وأحباؤه بلا أدنى دليل أو برهان، وأن غيرهم قد خُلقوا لخدمتهم، أي أن اليهود يجعلون أنفسهم فوق البشر جميعًا، ويزعمون أنهم شعب الله المختار.
والأعجب من ذلك: أنهم (اليهود) ينسبون تلك العنصرية إلى إلههم، حيث يقولون بأن الربّ هو ربّ بني إسرائيل.
وإذا كان الأمر كذلك مثلما يزعم اليهود، فماذا عن غيرهم من البشر؟!
لا شك، أن الفطر النقية والعقول السويّة لا يمكن أن تقبل أيًّا من تلك الادّعاءات التي يزعمها اليهود.
ونجد أيضًا، أن النصارى ينسبون الألوهية إلى المسيح، وأنه كان متجسدًا في صورة بشرية، في ملامح أشبه ما تكون بشاب انجليزي أو ألماني ، ذي بشرة بيضاء، وعين زرقاء، وشعر أصفر. ... إلى غير ذلك.
ولا شك، أن تلك الصورة (المواصفات) المنسوبة إليها الألوهية، إنما تكون سببًا في نشأة العصنرية، حيث حدوث الفجوة الكبيرة بين الأوروبيين وغيرهم من الأجناس الأخرى التي تنتسب إلى النصرانية، من أصحاب البشرة السمراء أو غيرهم ممن هم على غير تلك المواصفات التي يوصف بها إله النصرانية، المزعوم تجسده في صورة بشرية.
وعلى نقيض اليهودية والنصرانية، فإننا نجد:
أن الإسلام هو الوحيد المتصدّي لمثل تلك المشكلة، مشكلة العنصرية، والتي قد انغمست في وحلها اليهودية والنصرانية وغيرهما.
فالمعيار الذي يُقاس به المرء في الإسلام هو تقواه لله عز وجل، وليس اللون أو الجنس.
ولنتعرف على موجز من كيفية تصدّي الإسلام لمشكلة العنصرية، من خلال التشريع الحكيم، الذي قد جاء به، وليكن أول ما نُشير إليه من هذا التشريع الحكيم:
أ- الصلاة: فالإسلام يوجب على المسلم الإلتقاء 5 مرات في اليوم مع إخوانه من المسلمين في الصلاة بالمسجد، الأبيض مع الأسود، والغني مع الفقير.
فالمسلمون على اختلاف جنسياتهم وتباين ألوانهم ومراتبهم يصطفّون مُتحازين كتفًا لكتف في أثناء الصلاة.
ويكون الاجتماع بين المسلمين على نطاق أوسع في يوم الجمعة، حيث يجتمع المسلمون في صلاة الجمعة بالمساجد الكبيرة الجامعة، على نطاق أوسع وأكبر.
ويجتمع المسلمون في تجمع أوسع وأشمل مرتين في العيدين، حيث يستحب ويستحسن أن تكون صلاة العيدين في الخلاء، مما يُتيح شعورًا أكبر بالأخوة الإسلامية، حيث التجمع الكبير للمسلمين( ).
ب- الحجّ: وفوق ما أشرنا إليه من تجمع المسلمين على اختلاف جنسياتهم وألوانهم ومراتبهم في الصلاة، اللقاء الأكبر في رحاب الكعبة المشرفة مرة واحدة على الأقل في العمر لمن استطاع إلى ذلك سبيلًا، وهذا هو اللقاء العالمي لكل مسلمي العالم على اختلاف جنسياتهم وألوانهم وأعمارهم ووظائفهم، لا سيما عندما يلبسون ثياب الحج الواحد.
والتساؤل المهم:
هل يوجد مثل هذه المساواة في أي شعيرة أخرى لأي دين آخر؟؟
الجواب: قطعًا، لا.
فالقاعدة الأساسية في المفاضلة بين بني البشر كما أُعلن عنها في كتاب الله عز وجل، هي: التقوى والعمل الصالح، والتخلّق بالأخلاق الكريمة، وحسن التعامل مع الله (آداء حقه جل وعلا) ومع الناس، وليس اللون أو الجنس أو المال( ).
فهذا هو بلال الحبشي (من الحبشة) ذو البشرة السوداء، يختاره النبي  من بين أصحابه الكرام للقيام بمهمة الآذان، بينما يقف هو  في الإمامة.
فبعد أن كان العرب شديدي التفاخر بالأنساب قبل بعثة النبي محمد ، نجد هذه المساواة العجيبة والمؤاخاة الصادقة بين كل منهم بعد بعثته ، والدخول في دين الله (الإسلام) أفواجا. وهذا هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في شأن بلال الحبشي الذي كان من أوائل من أسلموا، وقد كان عبدًا فأعتقه أبو بكر، يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا.
وأيضًا، نجد أن المسلمين فور وصولهم إلى أرض أسبانيا (الأندلس الإسلامية) أصدروا مرسومًا يُطمئنوا فيه الجميع، ويؤكدوا أن لجميع الرعايا ذوي الأجناس المختلفة تمتعهم بالحريّة دون تمييز بين الأجناس.
مما سبق يتبيّن لنا عالمية الإسلام، فهو المظلّة التي يتساوى تحتها الجميع، فلا فرق بين أبيض وأسود إلا بتقوى الله عز وجل.
فالإسلام يُقرّر مبدأ المساواة ، وأن الناس سواسية، وأنهم خُلقوا جميعًا من نفس واحدة، وأنه لا تفاضل بين الأجناس والأعراق والشعوب إلا بالتقوى والعمل الصالح.
3- قضاء الإسلام على الرِقّ
ونوجز هذه الجزئية في:
أننا نجد، أن في الشريعة اليهودية جُعل جزاء السارق أن يُسترق ويُصبح ملكًا للمسروق، ومن المعلوم أن الكتاب المقدس للنصرانية متضمن لكتاب اليهودية تحت ما يُسمى بالعهد القديم، ولكننا نجد أن الشرعية الإسلامية التي جاءت ناسخة للشرائع السابقة، قيّدت نظام الرقّ وعملت على إلغاءه بالتدريج، ومثال ذلك:
أن جعلت كفّارة بعض الذنوب تحريرًا لرقاب العبيد والإماء، ونموذج ذلك:
قتل المسلم للمسلم عن غير قصد، بحيث يجب على القاتل (عن غير قصد) حينئذ دفع الديّة لأهل المقتول، مع تحرير رقبة، مع بعض التفصيلات من الناحية الفقهية الإسلامية.
ونجد أن الشريعة الإسلامية جعلت عتق العبيد والإماء من أكبر أعمال البرّ التي يأجر الله تعالى عليها أجرًا كبيرًا.
فالشريعة الإسلامة هي الشريعة الخاتمة لجميع الرسالات السابقة، ومن ثم فإنه ولابد أن تكون متكاملة في كل نواحيها، بحيث تلائم مختلف الأزمنة، مع مرورها وتقادمها.

4- قضاء الإسلام على شرب الخمر.
ونوجز الحديث في هذه الجزئية بأن نشير إلى:
أن المسيحية لا تجد غضاضة في شرب المسكرات والخمور، بل إن قديسها (بولس) الذي تُنسب إليه القداسة يدعوا إلى ذلك، وقد أوضحنا ذلك في السابق.
وعلماء النصرانية (المسيحية) يقبلون جميع شواهد كتابهم المقدس الذي يزعمون قدسيته المتعلقة بالمسكرات والخمور باعتبارها كلام الله المعصوم، ومن ثم يتبيّن لنا كيف وصلت تلك الإحصاءات لشاربي الخمور والمسكرات في العالم المسيحي إلى تلك النسبة المفجعة، حيث إن الملايين والملايين من العالم المسيحي من شاربي الخمور ومدمنيها.
بل إننا نجد أن الآلاف والآلاف من القساوسة المسيحيين يدمنون شرب الخمور، لا سيما بعد مشاركتهم في الشعيرة الكنسية التي يدعونها بالعشاء الإلهي أو الربّاني.
ولقد اكتشف العالم الحديث أن المسكرات والخمور والكحوليات تسبب الكثير والكثير من الأمراض الخطيرة والخبيثة، وقد أشرنا إلى ذلك سابقًا.
ومن هنا يتبيّن بطلان كلام قديس النصرانية (بولس)، ومن ثم بطلان الادّعاء بقداسته.
وعلى نقيض ما قد انغمست فيه النصرانية، نجد أن:
الإسلام هو من يُحرم جميع المسكرات والخمور بأنواعها المختلفة، سواءً كانت كثيرة أو قليلة.
ومن ثم تتضح مصداقية الإسلام في تشريعاته الإلهية الحكيمة، والتي قد جاء بها خاتم الأنبياء والرسل محمد .
5- قضاء الإسلام على الرّبا
فنجد أن الإسلام قضى على تلك المشكلة من جذورها، حيث قام بتحريم الربّا كليّة، سواء كان كثيرًا أم قيلًا، وذلك لما له من أضرار جسيمة فادحة على الأفراد والمجتمعات.
ولذا فقد قرّرت إحدى الدول الكبرى في هذا الزمان انتهاج نهج الشريعة الإسلامية، بأن جعلت نسبته الفائدة صفرًا، لما شاهدته من انهيار في بورصة الكثير من الدول الكبرى بسبب تعاملاتها الربوية.
6- كيفية تعامل الإسلام مع زيادة نسبة مواليد الإناث عن الذكور، وحلّ مشكلة زيادة عدد الزوجات عن الأزواج
ففي حين أن النصرانية تقول بعدم السماح للزوج بأن يتزوج أكثر من امرأة، نجد أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بالتشريع الحكيم المتكامل الذي فيه حلّ جميع المشكلات، آخذة في الحسبان المشاكل المستقبلية الناتجة عن زيادة معدل مواليد الإناث عن الذكور، حيث أجازت للرجل أن يتزوج من أربع زوجات، إذا وجد في نفسه القدرة على ذلك، شريطة أن يعدل بينهن، ومن ثم معالجة مشكلة زيادة عدد الزوجات عن الأزواج.
وقد حاولت ألمانيا دراسة شريعة الزواج في الإسلام، لإمكانية الاستفادة منها كعلاج لزيادة عدد النساء عن الرجال إلى حدّ كبير.
ولمزيد من إلقاء الضوء على شريعة تعدد الزوجات في الإسلام، يمكن الرجوع إلى كتاب: تعدد زوجات النبي محمد  كدليل نبوة وصدق رسالة.
وغير ما أشرنا إليه الكثير من المشكلات التي قد عجزت عن حلّها اليهودية والنصرانية، والتي لم يأت بالحلّ الأمثل لها سوى الإسلام.
ونختم هذه النقطة بإلقاء الضوء على ثلاثةٍ من الأمور العظيمة في الإسلام، والتي يتصور الكثير من الغرب عن الإسلام نقيضها، وذلك نتيجة توظيف الحاقدين على الإسلام للوسائل الإعلامية ضدّه، لتشويه صورته والصدّ عنه، وليكن أول ما نبدأ به:
1- رحمة الإسلام في ساحة القتال
لقد كانت أوامر النبي محمد  للمجاهدين واضحة ومحدّدة، فقد أوصاهم  بالإلتزام للآداب الإنسانية، حتى في قتل العدوّ.
فأوصاهم  بعدم التمثيل بجثث القتلى أو تشويهها.
وأوصاهم  بعدم قتل النساء والولدان.
وأوصاهم  بعدم قتل الشيخ الفاني (الكبير في السنّ، الذي لم يُقاتل).
وأوصاهم  بعدم قتل أصحاب الصوامع (الرهبان في الأديرة).
وأوصاهم  بعدم قتل عمّال العدوّ الذين يستخدمهم بالأجر في غير القتال.
كما أمرهم  بعدم الغدر، وعدم الاختلاس من الغنائم( ).
وتاريخ الجهاد الإسلامي يؤكد ذلك كله، وشاهد عليه.
2- الصفح عند المقدرة
ويتضح ذلك جليًّا عند فتح النبي محمد  لمكة المكرمة، حيث دخلها النبي  في عشرة آلاف مقاتل، وأحاطها، وظنّ أهل مكة آنذاك الهلاك المبين.
وقد كان يحقّ لرسول الله  الثأر من القرية التي عذّبته هو وأتباعه، وأخرجتهم منها، ولكن لم يكن من نبي الرحمة  إلا الرحمة والصفح والعفو عن أهلها( ).
ومن ثم إقرار هذا المبدأ (الرحمة والصفح والعفو) كمبدأ إسلامي، وأحد تعاليمه السامية.
وبمقارنة هذا المبدأ العظيم (الرحمة والصفح والعفو) في الإسلام، مع مبدأ الأنبياء الفاتحين الوارد ذكرهم في اليهودية والنصرانية، بعدما لوثت الأيدي الخفية سيرتهم( )، نجد أنهم:
«قد استولوا على مدينة أريحاء، وأبادوا سكانها عن آخرهم، الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والبقر والغنم والحمير بحدّ السيف، وأحرقوا ثم أحرقوا المدينة بكل ما فيها» (يشوع 6: 0، 21، 24).
وهذا هو سرّ الهمجية التي يقوم بها مقاتلي اليهود والنصارى تجاه ما سواهما، ومن خالفهما، لا سيما المسلمين العُزّل من أقل ما يُحتاج إليه للقتال، وبخاصة في هذا العصر الحديث الذي قد تطورت فيه الوسائل الحربية بشكل كبير، والحروب الصليبية التي قامت بها النصرانية، ولا تزال، لاجتياح أراضي المسلمين وسرقة ثرواتها دليل ذلك، وأيضًا ما يقوم به اليهود من مذابح جماعية للعُزّل على أرض فلسطين برهان على ذلك.
حيث إنهم (مقاتلي اليهود والنصارى) قد استمدوا تلك الهمجيّة والوحشية من كتبهم التي بين أيديهم، بعد تحريفها والتغيير والتبديل فيها، وفقًا للأهواء وما يتماشى مع مطامعهم وأغراضهم.
3- تسامح الإسلام
فالتسامح هو أحد المبادئ العظيمة للإسلام، لا سيما تجاه أهل الكتاب (اليهود والنصارى)، حيث إنه لا إكراه في الدين.
والتسامح، هو مبدأ إسلامي معروف، فقد أمر الإسلام بحسن معاملة الناس أيًّا كانت عقائدهم، وأمر أتباعه بمجادلة أهل الكتاب (لتبيان الحقّ لهم) ومحاورتهم بالحسنى، ومطالبتهم بالبرهان على صدق دعواهم، فلم يأمر الإسلام بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا( ).
فالإسلام هو الرسالة العالمية للناس كافة.
فقد كانت الرسالات السابقة للإسلام رسائل خاصة لأقوام بعينهم، أما رسالة الإسلام فهي رسالة عالمية للناس كافة، من أجناس وشعوب مختلفة، رسالة عالمية يقبلها أناس ذو مستويات متباينة من العلم والثقافة، رسالة عالمية يفهمها أناس بسطاء وعلماء.
فبينما نجد أسفار اليهودية والنصرانية مليئة بأمثلة وصفية مثيرة للصور الذهنية، لما قد انتابها من تناقضات وتعقيدات، نجد أن الإسلام رسالة عالمية واضحة لا غموض فيها ولا أسرار، رسالة عالمية يسيرة مُيسِّرة، لا تكلِف نفسًا إلا وسعها.

لماذا أسلم هؤلاء ؟
لقد تبيّن لنا مما سبق أن الإسلام هو دين الله عز وجل الذي أرسل به جميع أنبياءه، ورسله للدعوة إليه خاتمًا لهم بمحمد  نبيًا ورسولا، مُنزِّلًا عليه المعجزة الكبرى، ألا وهو كتابه الباقي (القرآن الكريم) مُهيمنًا على جميع الكتب السابقة، فليس بعد نزول القرآن الكريم أي كتاب سماوي آخر.
ولقد امتنّ الله تبارك وتعالى على الكثير والكثير بتوفيقهم وهدايتهم إلى الإسلام دينا، والتصديق بمحمد  نبيًّا ورسولًا، والإيمان بمصداقية القرآن الكريم المُنزّل عليه، وقد أوضحنا ذلك في السابق، فالإسلام هو الأسرع نموًا في العالم وذلك وفقًا للإحصاء العالمي.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح بعض النماذج من هؤلاء الكثيرين الذين هداهم الله تعالى للإسلام، مُبيِّنين كيف أحسن هؤلاء استخدام وتوظيف ما قد وهبهم الله تعالى من نعمة العقل.
ومن هؤلاء الذين قد أسلموا لله تبارك وتعالى:
1- عالم الرياضيات والمنصّر السابق، الدكتور: جاري ميلر.
يقول: لقد جذبني لهذا الدين وضوح العقيدة، ذلك الوضوح الذي لا أجده في عقيدة سواه.
قصة أسلامة:
لقد أراد جاري ميلر في أحد الأيام أن يقرأ القرآن بقصد أن يجد فيه بعض الأخطاء التي تُعزّز موقفه عند دعوته المسلمين للدخول في النصرانية...، وكان يتوقع أن يجد القرآن كتابًا قديمًا مكتوبًا منذ 14 قرنًا، يتكلّم عن الصحراء وما إلى ذلك، لكنه ذُهل مما وجده فيه، بل اكتشف أن هذا الكتاب يحتوي على أشياء لا توجد في أي كتاب آخر في هذا العالم.
فكان يتوقع أن يجد فيه بعض الأحداث العصيبة التي مرت على النبي محمد ، مثل وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها، أو وفاة بناته وأولاده، لكنه لم يجد شيئًا من ذلك، بل الذي جعله في حيرة من أمره:
أنه وجد سورة كاملة في القرآن تُسمّى بسورة مريم، وفيها تشريف لمريم عليها السلام،
لا يوجد مثيله في كتاب النصارى ولا في أناجيلهم.
ولم يجد سورة باسم عائشة زوجة النبي محمد ، أو فاطمة ابنته رضي الله عنهما، وكذلك وجد أن المسيح عيسى عليه السلام ذُكر بالاسم 25 مرّة في القرآن، في حين أن النبي محمد  لم يُذكر إلا في 4 مرات فقط.
مما يُدَلّل على أن هذا القرآن إنما هو وحيٌ من عند الله تبارك وتعالى، وليس اختلاقًا منه، ومن ثمّ مصداقية دعوة ورسالة من أتى به، وهو النبي محمد ، وصدق الإسلام الذي جاء يدعوا إليه.
2- فانسان مونتيه
يقول: إن القرآن الكريم أوضح لي أيضًا فهم التاريخ المسيحي، فالمسيحيون الأوائل لم يكونوا بعيدين عن المفهوم الإسلامي، ولم يكن المسيح إلهًا إلا في مُجمع (نيقية) الذي انعقد سنة 325 للميلاد، وفيه تقرّر بزيادة صوت واحد فقط من المُقترعين أن المسيح إله، ولو نقص هذا الصوت لبقي المسيح في النصرانية بشرًا تمامًا كما يقول الدين الإسلامي الحنيف.
3- محمد أسد (ليوبولد فايس)
يقول: أصابتني الحيرة حين شاهدت صلاة تتضمّن حركات آلية، فسألت الإمام:
هل تعتقد حقًّا أن الله ينتظر منك أن تُظهر إيمانك بتكرار الركوع والسجود؟
ألا يكون من الأفضل أن تنظر إلى داخلك، وتصلّي إلى ربّك بقلبك وأنت ساكن؟
فأجاب: بأي وسيلة تعتقد أننا يمكن أن نعبد الله؟ ألم يخلق الروح والجسد معًا؟
وبما أنه خلقنا جسدًا وروحًا، ألا يجب أن نصلي بالجسد والروح؟
ثم مضى يشرح المعنى من حركات الصلاة، وكان ذلك أول باب لدخوله في الإسلام.
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير من الذين أسلموا لله تعالى ربّ العالمين، مُحسنين الاستخدام والتوظيف لما قد وهبهم الله تعالى من نعمة العقل.
ونكتفي بموجز ما أشرنا إليه، على أنه يمكن الاستفاضة في هذه النقطة بالرجوع إلى المكتبة الإسلامية المتخصصة في ذلك.
فالحمد لله تعالى على نعمة الإسلام والهداية والتوفيق، ونسأل الله تعالى أن يشرح صدور عباده أجمعين للإسلام، واتباع خير الأنام، خاتم الأنباء والرسل، محمد .

مقارنة بين الإسلام والنصرانية واليهودية،
وما توصل إليه العلم الحديث
لقد تبين بجلاء مدى التخبط الذي تقع النصرانية واليهودية، وذلك بعد التقدم المذهل في شتى المجالات العلمية، وبين ما توصل إليه العلم الحديث من حقائق ومعلومات، تتناقض مع الكتاب المقدس للنصرانية وكذلك كتاب اليهودية، في حين توافقها (الحقائق العلمية والمعلومات) مع ما أشار إليه القرآن الكريم وأخبر به، مع سبق (القرآن الكريم) في ذلك منذ أكثر من 1400 عام.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح جزءً من التناقض الجليّ، بين ما ينص عليه كتاب النصرانية وكذلك كتاب اليهودية، وبين ما شهد به العلم الحديث وأثبته، من خلال نقطتين نكتفي بالإشارة إليها على النحو التالي:
أولًا: عمر الأرض.
فنجد في سفر التكوين أحد أسفار كتاب اليهودية، وكذلك أسفار الكتاب المقدس للنصرانية المتضمن له، (تحت ما يسمى بالعهد القديم) قد نصّ على:
أن الله قد خلق الأرض في اليوم الأول، والشمس في اليوم الرابع، والإنسان في اليوم السادس، وأنه لا فترة زمنية بين عمر الأرض وعمر الإنسان عليها.
ونجد أن المدة الزمنية من خلق آدم إلى ميلاد المسيح باعتبار التوراة العبرانية (4004) سنة، وباعتار التوراة السامرية (4700) سنة، وباعتبار الترجمة اليونانية (5872) سنة.
ويتبيّن ذلك جليًّا من موقع الموسوعة الكاثوليكية، الذي يوضح الاختلافات الزمنية بين نسخ التوراة المختلفة، والمدة الزمنية من لدن آدم وحتى ميلاد المسيح، والتي تقدر بـ (5000) سنة.
وإذا ما أضيف إلى تلك المدة 2000 سنة منذ ولادة المسيح وحتى سنة 2000 ميلادية، يكون عمر الأرض، وعمر الإنسان عليها هو (7000) سنة (لأنه كما أوضحنا، فإنه لا توجد فترة زمنية بين عمر الأرض وعمر الإنسان عليها، وفقًا لما ينص عليه سفر التكوين).

ومن ثم يتبيّن التناقض مع ما قد اكتشفه العلم الحديث، وتوصل إليه، حيث:
إن العمر المقبول للأرض وباقي المجموعة الشمسية هو حوالي 4550 مليون سنة، وليس (7000) سنة كما تزعم النصرانية واليهودية.
ويتبين أيضًا: وجود الفارق الزمني بين خلق الشمس والأرض والإنسان، وأنه ليس كما تدّعي النصرانية واليهودية من عدم وجود ذلك الفارق الزمني.
ثانيًا: شكل الأرض:
ونجد أن الكتاب المقدس للنصرانية (المتضمن لكتاب اليهودية) ينص، واصفًا شكل الأرض، بأن لها 4 أركان أو زوايا، وذلك على النحو الآتي:
أ- «... ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض» (سفر إشعيا 11: 12).
ب- «النهاية قد أزفت على زوايا الأرض الأربع» (سفر حزقيال 7: 2).
ج- «ورأيت بعد ذلك أربعة ملائكة واقفين على زوايا الأرض الأربع» (سفر الرؤيا 7 : 1).
وفي ذلك إشارة إلى: أن الأرض عبارة عن مسطح رباعي، له أربع زوايا، وأربعة أركان.
د- «ثم أخذه أيضًا إلى جبل عالٍ جدًا وأراه جميع ممالك الأرض ومجدها» (متى 4 : 8).
أي أن الشيطان قد أسر المسيح (الإله المتجسد في صورة إنسان، عند النصرانية)، وأخذه على جبل عال ليريه ممالك الأرض.
ومع رفض الفطر النقية والعقول السوية، وعدم قبولها لمثل تلك الافتراءات على الله تعالى، والتي تزعمها النصرانية في النص السابق، نوضح تعارض وتناقض (النص السابق) مع قد اكتشفه العلم الحديث، وتوصل إليه، على النحو الآتي:
فالأرض لا يمكن رؤيتها كاملة، حتى وإن كانت تلك الرؤية من مكان عال، وذلك:
لأن الأرض كروية الشكل، وبمعنى أدق، فإنها بيضاوية الشكل.
ومن ثم، فإنه بفرض قوة الرؤية، والإرتقاء إلى مكان عالي لتسهيل عملية الرؤية، فإن ما يُرى من الأرض ليس بجميع ممالك الأرض، وإنما هو جزء منها، ويبقى أجزاء أخرى منها لا يمكن رؤيتها من نفس ذلك المكان، نظرًا لكرويتها وعدم تسطحها.
ولإتمام الفائدة، نوضح:
أنه إذا ما زعمت النصرانية بأن المقصود من الأربع زوايا للأرض، التي ينص عليها كتابها، هو: الاتجاهات الأربعة، خروجًا من ذلك المأزق، فإنه يُردّ عليها، بأن:
النص الإنجليزي يوضح بجلاء أن المقصود بزوايا الأرض الأربع هو: الأربعة أركان، وليس الاتجاهات، حيث يقول (4 corners) .
وأن الاتجاهات الأربعة قد ذُكرت في فقرة أخرى، وهي: «في الجهات الأربع كان البوابون في الشرق والغرب والشمال والجنوب» (1 أخبار 9 : 24).
توضيح آخر، وهو: أن النص الوارد ذكره في (سفر إشعياء 40: 22)، والذي يقول: «الجالس على كرة الأرض وسكانها كالجندب» إنما هو إشارة قبل أي شيء إلى التحريف البيّن الذي ينال الكتاب المقدس للنصرانية، من خلال التلاعب بالألفاظ، وتغييرها وتبديلها، في أدنى ظهور لأي فرصة، يتم من خلالها ذلك.
حيث إنه بمراجعة الترجمات الأجنبية للنص السابق، يتبيّن أن لفظ (كرة) لا وجود له في التراجم الانجليزية، ولكن ما حدث هو:
أن المترجم العربي أراد إيهام القارئ باحتواء الكتاب المقدس النصرانية على إعجاز علمي، فأضاف كلمة (كرة) لتساير ما تم اكتشافه.
ويشهد لما ذكرنا: أن الترجمة السبعينية، وترجمة الملك جيمس، والترجمة الأمريكية القياسية.
حيث جاء بها بدلا مما يشير إلى لفظ كرة (الذي ابتكره المترجم العربي تلاعبًا بالألفاظ، عند ترجمته)، ما يعني عند ترجمته لفظ (دائرة).
حيث إن المذكور بالانجليزية في تلك الترجمات، هو: (The circle of Earth)، ويعني: دائرة الأرض.
ومن ثم يتبيّن التلاعب والتحريف البيِّن الذي ينال الكتاب المقدس للنصرانية، عند ظهور أي فرصة لذلك، كالتلاعب الحادث في ترجمة (The circle of Earth)، كما أشرنا.
وبمقارنة ما أشرنا إليه، بما قد أوضحه القرآن الكريم (كتاب الإسلام)، وأشار إليه (دون غموض أو تلاعب) من حقائق علمية في شتى المجالات، منذ أكثر من 1400 عام، يتبيَّن كمال مصداقيته، وأنه لا يمكن إلا أن يكون كلام الإله الخالق، الذي لا يعتريه أي خلل أو سوء أو نقصان.
ولتوضيح هذا الجانب من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، نذكر نموذجًا منه، ولكن: نوضح أولًا الإشارة القرآنية الكريمة إلى وصف الأرض التي نحيا عليها بلا أدنى غموض أو التباس، وذلك بموجز من اللفظ ودقة في الوصف.
فالله تبارك وتعالى يقول في كتابه المحكم (القرآن الكريم) واصفًا الأرض بما عليها بعد خلقها:
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ....﴾ [سورة الزمر: آية 5].
ومن الآية الكريمة السابقة، يتبين وصف الليل بأنه يُكوَّر على النهار، ووصف النهار بأنه يُكوَّر على الليل.
وفي ذلك إشارة دقيقة إلى وصف الأرض بشكل عام، وهو: كرويتها، لأنه لولا ذلك لما أمكن تكوير الليل على النهار أو تكوير النهار على الليل.
ويقول الله تعالى، في آية أخرى: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [سورة النازعات: آية 30].
وفي هذه الآية الكريمة السابقة، وصف دقيق لشكل الأرض، وذلك باستخدام فريد، لكلمة واحدة، كإعجاز لغوي، قبل أن يكون إعجاز علمي.
حيث إن كلمة (الدحية) تعني: بيضة النعام في لغة العرب.
وهذا يعني أن الله تعالى قد جعل الأرض بيضاوية الشكل، كبيضة النعامة، وهذا هو ما قد اكتشفه العلم الحديث مؤخرًا، وهو: أن الأرض ليست كروية تمامًا، وإنما هي مُفلطحة عند الجانبين، منبعجة (متباعدة الجنبين)، كالدحية (بيضة النعام) تمامًا.
وكما ذكرنا، فإننا بمشيئة الله تعالى، سوف نشير في هذه النقطة إلى نموذج من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، ليكون شاهدًا على مصداقيته، وأن الإسلام هو دين الله الحق، الذي ارتضاه للعالمين.
يقول الله تعالى في كتابه المحكم (القرآن الكريم):
﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [سورة الذاريات: آية 47]
ونوضح الإعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة من سياق حديث الدكتور/ زغلول النجار، بتصرف يسير.
فهذه الآية الكريمة السابقة يسمعها العربيّ قديمًا، في زمن الرسول ، ويتفهم معناها بأنه يقول في نفسه (مثلًا) السماء شاسعة الاتساع والذي خلقها بهذا الاتساع، قادر على أن يجعلها أكثر اتساعًا.
وفي مطلع القرن العشرين بدأ العلماء دراسة هذه النجوم (التي بالسماء)، ووسيلة دراسة هذه النجوم يكون عن طريق الضوء القادم من هذه النجوم.
فنحن نستطيع أن نعرف كل شيء عن النجم عن طريق ضوءه، حيث نعرف درجة حرارته، كتلته، درجة لمعانه، تركيبه الكيميائي، سرعة دورانه حول محوره، سرعة دورانه في مداره.
والعلماء أدركوا أن طيف النجم ينحاز إلى الطيف الأحمر، ومن ثم فقد احتار العلماء في تفسير ذلك، هل معنى هذا أن النجوم تتباعد عنا؟!
وإذا كانت تتباعد عن بعضها البعض، فأين تذهب الجاذبية التي تمسك بأطراف النجوم، بإرادة الله سبحانه وتعالى؟
واحتار العلماء لفترة طويلة، حيث ثبت أن الذي يتباعد ليست النجوم في المجرة الواحدة، بل إن المجرات تتباعد عن بعضها البعض بسرعة كبيرة جدًا، وتصل أحيانًا إلى ما يقترب من سرعة الضوء 300 ألف كيلو متر في الثانية.
لذلك، فقد ثبت للعلماء أن من صفات كوننا أنه دائم الاتساع، وهذا هو ما أوضحته الآية الكريمة: ﴿ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾، منذ أكثر من 1400 عام، حيث لم يكن لأحد أدنى معرفة بهذه الحقيقة الكونية.
ومن ثم، فإن الومضة القرآنية المبهرة (بهذه الآية الكريمة، التي نحن بصددها) كإعجاز لغوي وعلمي، شهادة حق على مصداقية القرآن الكريم (الذي جاء به النبي محمد ، داعيًا إلى دين الله الحق – الإسلام-)، وأنه كلام الله تبارك وتعالى الذي قد أوحاه إلى خاتم أنبياء ورسله محمد  .
وغير هذا النموذج الذي قد أشرنا إليه في إيجاز، الكثير والكثير من الإعجازات العلمية في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة.
ولمزيد من النماذج في هذا الموضوع، يمكن الرجوع إلى:
1- من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم (السماء، الأرض، الحيوانات، النباتات) للدكتور/ زغلول النجار.
2- من آيات الإعجاز العلمي في السنة النبوية، للدكتور/ زغلول النجار.
3- موسوعة الإسلام والعلم الحديث، الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، للدكتور/ زغلول النجار.
4- إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، أ/ كريم نجيب الأعز.
5- هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة.

يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء
الكلمة السواء التي يدعوا إليها الإسلام، وفقًا لقول الله تعالى:
﴿ قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ ﴾ [آل عمران: 64]
إن الدين الإسلامي الحنيف يدعوا أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أن يتفقوا مع المسلمين على الكلمة التي قد اتفق عليها الأنبياء والمرسلين، والتي لم يخالفها إلا المعاندون والضالّون، وهي (الكلمة التي يدعوا الإسلام إلى الاتفاق عليها) ليست مختصة بأحد دون آخر، ولكنها مشتركة بين الجميع من المسلمين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهذا من العدل في المقال والإنصاف في الجدال( )، وهذه الكلمة متمثلة في:
1- إفراد الله تعالى وحده بالعبادة، ومن ثم تخصيصه سبحانه وتعالى بالحبّ له، والخوف والرجاء منه.
2- ألا نشرك بالله تعالى شيئًا، فلا نعبد ولا ندعوا سواه، ولا نلجأ إلا إليه، فلا يُصرَف الدعاء أو العبادة لغيره جل وعلا، وإن كان نبيًّا أو وليًّا أو صنمًا أو وثنًا أو حيوانًا أو جمادًا، إلى ما شابه ذلك.
3- ألا تكون الطاعة إلا لله تعالى ولأنبياءه ورسله، لأنهم (الأنبياء والرسل) هم المُبلّغين عن الله سبحانه وتعالى لخلقه من الإنس والجنّ، فالرسل إنما هم من البشر، وأما الجنّ فيكون منهم منذرين إلى قومهم تبعًا لما جاءت به الرسل.
4- ألا نطيع المخلوقين في معصية الإله تعالى الخالق، لأن ذلك يجعل مثل هؤلاء المطاعون في معصية الله تعالى، في منزلة الربوبية التي لا يتصف ولا يختص بها سوى الله تبارك وتعالى.
وإذا ما اتفق أهل الكتاب من اليهود والنصارى على هذه الكلمة الزكيّة التقيّة العَدْل، والتي هل محل اتفاق بين الجميع، وتجرّدوا من الأهواء والأحقاد، والعصبيات والحميّات لتلك المكتسبات الدخيلة على الفطرة من عقائد المجتمعات التي قد نشأوا فيها، وإذا ما صدقت نياتهم، وأخلصوا وجههم لله تعالى، متبعين لأنبياءه ورسله، لقادهم ذلك إلى الاتفاق مع المسلمين على:
الإيمان بما جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين من توحيد كامل وشامل لله سبحانه وتعالى، وعقيدة صافية، وتشريع قويم، وعبادات هادية، ومعاملات كريمة، وأخلاق رفيعة، ومن ثم الإيمان به  كخاتم لأنبياء الله تعالى ورسله، والإيمان بالكتاب الذي أُنزل عليه ، وهو القرآن الكريم، مهيمنًا على جميع الكتب السابقة، والذي قد حفظه الله تعالى من أيدي العابثين، والذي قد أوضحنا جانبًا من مصداقيته التامّة بإيجاز في إحدى النقاط السابقة.
فالإسلام هو دين الله عز وجل الذي لا يقبل سواه، وفقًا لقوله تعالى:
﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
[سورة آل عمران: 85].
والإسلام بإيجاز يعني: الاستسلام التام لله جل وعلا، ومن ثم الإيمان بجميع أنبياءه ورسله، فيكون الإيمان بنبي الله موسى عليه السلام، والإيمان بنبي الله المسيح عليه السلام، والإيمان بخاتم أنبياء الله ورسله محمد .

الاختيار بين الإسلام والنصرانية (المسيحية) واليهودية
لقد امتنّ الله تبارك وتعالى علينا بنعمة العقل، وبه فضل الإنسان على غيره من كثير من المخلوقات، في اختبارٍ من الله عز وجل في كيفية استخدامنا لهذه النعمة العظيمة، فهل نحسن استخدامها وتوظيفها فيما يرتضيه سبحانه وتعالى، ومن ثم الفوز بثوابه ونعيمه، أم نُسئ استخدامها ، ومن ثم توظيفها فيما يُسخطه جل وعلا ويُوجب عقابه وعذابه؟
تمامًا كغيرها (كغير نعمة العقل) التي أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بها، من صحة في أجسادنا، ومال رزقنا الله تعالى إياه، وأَمْن من كثير من المهلكات في تلك الدنيا التي نحياها، وأوقات فراغ بين الحين والحين، ... إلى غير ذلك من النعم، هل نُحسن استخدامها وتوظيفها في طاعته تبارك وتعالى، أم نُسيء استخدامها ومن ثم توظيفها في معصيته جلّ وعلا؟
لذلك، فإننا مسئولون عن هذه النعمة العظيمة (نعمة العقل، التي منحنا الله تبارك وتعالى إياها، هل أحسنّا استخدامها وتوظيفها في التعرف على الحق واتباعه، تجرّدا من الأهواء والعصبيات والحميّات، أم لا؟
وقبل أن نشير إلى كيفية استخدام العقل وتوظيفه فيما يتعلق بموضوعنا، وهو الاختيار بين الإسلام والنصرانية (المسيحية) واليهودية، نوضح:
أن الإسلام هو دين الله عز وجل الذي أرسل به جميع أنبياءه ورسله، وإن اختلفت الشرائع كالنصرانية واليهودية وغيرهما، فالإسلام يعني الاستسلام والخضوع التام للقلب والجوارح لله سبحانه وتعالى، والذي يتمثل في: الاتباع لأوامره، والاجتناب لنواهيه، والاحتكام إلى شرعه، والرضا به .... وهكذا، وكل ذلك مع الحب التامّ لله تبارك وتعالى، ولم لا!! وهو الإله الخالق من العدم، الواهب لجميع النعم، الأحد الذي ليس له شريك في ألوهيته، ولذلك فهو المستحق وحده بالعبادة، والاستسلام والخضوع التام له جل وعلا.
ومن رحمة الله تعالى بنا أن بعث إلينا الأنبياء والرسل، مؤيدين منه تبارك وتعالى بما يشهد بصدق دعوتهم ورسالتهم من أجل إيضاح وتبيان الحقّ لنا، والذي هو بمثابة موضع هجوم من أهل الباطل عليه على الدوام.
ولذلك، كان من حكمة الله تعالى أن يبعث الأنبياء عقب الأنبياء مؤيدين منه تبارك وتعالى بالمعجزات والخوارج، لدعوة الناس وهدايتهم إليه تبارك وتعالى، وتحذيرهم من الإنحراف عن صراط الله المستقيم إلى سُبل أهل الزيغ والضلال، تبعًا لسوء استخدام وتوظيف العقول، وانقيادًا واتباعًا خلف الأهواء والشهوات.
ومن ثم فإنه يلزم الناس الإيمان بأنبياء الله تعالى ورسله إذا ما تبيّن صدق دعوتهم، الموافقة للفطر النقيّة والنفوس الزكيّة والعقول السويّة، مؤيِّدة بالمعجزة التي قد اختارها الله تعالى لكل منهم، وفقًا لحكمته ومشيئته.
ولا يجوز لأحد أن يُكذّب برسالة أي نبي من الأنبياء، حتى وإن كان قد آمن بسائر الأنبياء الذين من قبله أو بعده.
فالأنبياء دينهم واحد، وما أتوا إلا بدين واحد، وهو الإسلام، وإن اختلفت الشرائع التي قد بُعثوا بها إلى أقوامهم، وفقًا لمشيئته الله تعالى وإرادته وحكمته.
ولكن إذا ما أُرسل نبيين من الله تعالى، نبي إثر (عقب) نبي، على فترة من الزمن وليكن نموذج ذلك نبي الله موسى ونبي الله المسيح عليهما السلام، بأن أرسل الله تعالى نبيه موسى منزّلًا عليه التوراة، ثم بعد فترة كبيرة من الزمن أرسل نبيّه المسيح عيسى منزِّلًا عليه الإنجيل، وكان الناس خلال هذه الفترة الكبيرة بين رسالة موسى وبين رسالة المسيح، يتبعون شريعة نبي الله موسى
عليه السلام، حيث لم تأت رسالة المسيح بعد، ثم جاءت رسالة المسيح عليه السلام وفقًا لمراد الله تعالى وعلمه وحكمته، فإنه يلزم الجميع الإتباع للشريعة التي قد جاء بها المسيح، ولا يجوز لأحد رفض الإتباع للشريعة التي قد جاء بها المسيح بزعم اتباعه للشريعة التي جاء بها موسى.
وإذا ما كان حكم ما بالشريعة التي جاء بها المسيح مُغاير لحكم سابق في الشريعة التي جاء بها موسى، فإنه يكون ناسخًا لذلك الحكم السابق، ومن ثم فإنه يلزم الجميع الاتباع لهذه الشريعة التي جاء بها نبي الله المسيح، والناسخة لما قبلها، إلى أن تأتي شريعة أخرى بعدها.
وننوه إلى: أنه من المعلوم أن المسيح لم يرسل إلا لقوم بني إسرائيل، وذلك ثابت أيضًا في الكتاب المقدس للنصرانية، حيث تنسب (النصرانية) إلى المسيح قوله:
«لم أُرسل إلا لخراف بيت إسرائيل الضالّة» (إنجيل متى 15 : 22 – 26).
وتبعًا لما قد أوضحنا، فإنه بعد فترة أيضًا من الزمان قد جاءت رسالة النبي محمد  من الله تعالى، متضمنة لشريعة ناسخة لما قبلها، مُنزِّلًا سبحانه وتعالى عليه القرآن الكريم، وفقًا لمشيئته جلّ وعلا وعلمه وحكمته، بعد التحريف والتبديل والتغيير الذي قد نال كلا من التوراة التي جاء بها موسى، والإنجيل الذي جاء به المسيح عليهما السلام.
لذلك، فإنه يلزم كلا من اليهود والنصارى الاتباع للشريعة التي قد جاء بها النبي محمد  من الله تعالى.
فلا يجوز ليهودي رفض الشريعة التي قد جاء بها المسيح عليه السلام بزعم الاتباع للشريعة التي قد جاء بها موسى عليه السلام.
وكذلك فلا يجوز لنصراني رفض الشريعة التي قد جاء بها النبي محمد  بزعم الاتباع للشريعة التي جاء بها المسيح عليه السلام.
ومن ثم فإنه لا يجوز ليهودي رفض الشريعة التي قد جاء بها النبي محمد  بزعم الاتباع للشريعة التي جاء بها موسى عليه السلام أو حتى الاتباع للشريعة التي جاء بها المسيح عليه السلام.
وبما أن رسالة النبي محمد  عامة، للناس كافّة في كل مكان وإلى قيام الساعة، فإنه يلزم الجميع الإتباع للشريعة التي قد جاء بها  من الله عز وجل، والتصديق بدعوته، والإيمان بالكتاب الذي أُنزل عليه (القرآن الكريم) محفوظ من الله تعالى كمعجزة باقية إلى قيام الساعة، مهيمنًا على جميع الكتب السابقة.
وننوه إلى: أن التكذيب بنبي أو رسول واحد من أنبياء الله تعالى ورسله، بعدما يتبيّن صدق دعوته المُوافِقة للفطر النقية والنفوس الزكيّة والعقول السويّة، والمُؤيدة بالمعجزة الربّانية، يكون خروجًا بالكليّة عن الإسلام، الذي أوضحنا أنه دين الله عز وجل، والذي جاءت به جميع الأنبياء والمرسلين، وإن اختلفت الشرائع التي بعثوا بها.
ومن ثم فإن ذلك التكذيب يكون مُوجِبًا لعقاب الله عز وجل والخلود في عذابه.
ولتوضيح ذلك، نفترض مثالًا:
أنه إذا آمن شخص ما بالنبي محمد  ثم قال لا أؤمن بنبوة المسيح (مثلًا)، فإن ذلك الشخص بذلك يخرج كليّة عن دائرة الإسلام، ولا ينفعه الإيمان بالنبي محمد ، لأنه يلزمه الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله، وألا يُكذِّب أحدًا منهم.
وما دام أن ذلك الشخص (الذي افترضناه مثلًا) قد آمن بالنبي محمد ، وبالكتاب الذي أُنزل عليه (القرآن الكريم) فإنه يلزمه الإيمان بنبوة المسيح عليه السلام، لأن القرآن الكريم قد أثبت هذه النبوة للمسيح، وكذلك لموسى عليهما السلام.
وموجز ذلك: أن ذلك الشخص (الذي افترضناه مثلا) يلزمه الإيمان بنبوة ورسالة كل من أقرّ لهم القرآن الكريم النبوة والرسالة، لأن تكذيب نبوة أو رسالة أحدهم يُعدّ تكذيبًا للقرآن الذي قد أثبت النبوة والرسالة لهم.
وبالمثل، فإنه إذا آمن يهودي بموسى عليه السلام، ثم قال لا أؤمن بنبوة المسيح أو نبوة محمد، فإن إيمانه بنبوة موسى لا ينفعه بشيء، ومن ثم يصير بذلك مستحقًا لعقاب الله عز وجل، والخلود في عذابه.
وأيضًا، إذا آمن شخص نصراني بالمسيح عليه السلام، ثم قال ولكني لا أؤمن بنبوة محمد أو بنبوة فلان (غيره  من الأنبياء)، فإن إيمانه بنبوة المسيح لا ينفعه بشيء، ومن ثم يصير بذلك مستحقًا لعقاب الله عز وجل، والخلود في عذابه، فالإيمان لا يتجزأ.
ولتمام الفائدة: فإنه يُقاس على ذلك الذي أشرنا إليه، الإيمان بالملائكة، فلا يجوز التكذيب ولو بملك واحد من الملائكة، ما دام قد أثبتت له الكتب السماوية المنزّلة على الأنبياء والرسل هذه الصفة.
ويقاس على ذلك أيضاً: أنه يلزم الجميع بالله تعالى ووحدانيته، والإيمان بملائكته، والإيمان بأنبياءه ورسله، والإيمان بالكتب السماوية المُنزّلة على الأنبياء والرسل، والإيمان باليوم الآخر (يوم الحساب)، والإيمان بالقدر (أن كل ما يحدث إنما هو بقدر الله تعالى وإرادته وفقاً لحكمته مَعلُوم لله تعالى قبل حدوثه)، فلا يجوز التكذيب بأيٍ ممّا ذكرنا، وإلا خرج ذلك الإنسان المُكذّب (ولو بواحدة مما ذكرنا) عن دائرة الإيمان ومن ثم الإسلام الذي يوجب عليه الإيمان بما قد ذكرنا، ومن ثم صار ذلك التكذيب موجبًا لعقاب الله عز وجل، والخلود في عذابه.
ومما ذكرنا، يتضح: أن الإسلام الذي جاء به النبي محمد  هو دين الله عز وجل، الذي جاءت به أيضًا جميع الأنبياء والمرسلين، ومن ثم فإنه لا يُقبل سواه.
ويتضح أن رسالة النبي محمد  هي أعمّ وأشمل من رسالة المسيح ورسالة موسى عليهما السلام، إذ أن رسالة نبي الله موسى ونبي الله المسيح عليهما السلام، لم تكونا إلا لبني إسرائيل، في حين أن رسالة النبي محمد  إنما هي للبشرية كافة في كل مكان وإلى قيام الساعة، ومعجزة القرآن الكريم الباقية الخالدة برهان ذلك.
ويتضح أن الشريعة التي جاء بها النبي محمد  ناسخة لما قبلها، بحيث يلزم الجميع الاتباع لها.
ولتمام الفائدة، نوجز بعض من أسباب الاختيار للإسلام دينًا، ومن ثم اختيار رسالة النبي محمد  على كل من النصرانية واليهودية، على النحو الآتي:
1- أن الإسلام هو دين الله عز وجل الذي جاء يدعوا إليه جميع الأنبياء والمرسلين.
2- أن بالإسلام يكون الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله، ومن بينهم نبي الله موسى، ونبي الله المسيح عليهما السلام، ويكون الإيمان بآخرهم وخاتمهم نبي الله محمد .
3- أن بالإسلام يكون الإيمان بجميع الكتب السماوية المُنزّلة على أنبياء الله ورسله، ومن بينها التوراة التي أُنزلت على نبي الله موسى عليه السلام، وذلك قبل تحريفها وضياعها، ويكون الإيمان بالإنجيل الذي أُنزل على نبي الله المسيح عليه السلام، وذلك قبل تحريفه وضياعه، وكذلك يكون الإيمان بالقرآن الكريم، الذي هو آخر الكتب السماوية والمهيمن عليها جميعًا، والذي قد أُنزل على النبي محمد .
4- أن بالإسلام يكون الإيمان بجميع الشرائع السابقة التي قد جاء بها النبيون والمرسلون، ومن بينها الشريعة التي جاء بها نبي الله موسى وأيضًا التي جاء بها نبي الله المسيح عيسى عليهما السلام، وكذلك يكون الإيمان بالشريعة الخاتمة، ومن ثم الناسخة لما قبلها، والتي قد جاء بها النبي محمد .
5- أن بالإسلام يكون الإيمان برسالة النبي محمد ، وذلك يعني الإيمان برسالة نبي الله موسى وكذلك رسالة نبي الله المسيح عليهما السلام، وغيرهما من الأنبياء، ولكن الاختيار للنصرانية على رسالة الإسلام، يعني التكذيب برسالة النبي محمد ، والاختيار لليهودية على رسالة الإسلام يعني التكذيب برسالة النبي محمد  وكذلك برسالة المسيح عليه السلام، ولا شك أن التكذيب ولو برسالة نبي واحد فقط يُعدّ كفرًا، لأنه يلزم الإيمان والتصديق بجميع الأنبياء ورسالاتهم.
6- أنه قد تضافرت الشواهد والدلائل الدامغة، والبراهين القاطعة على نبوة النبي محمد  والتصديق برسالته أكثر من أي نبي آخر، وللاستفاضة في هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى كتاب: محمد رسول الله حقا وصدقا.
ونشير إلى هذه النقطة بموجز على النحو الآتي:
أ- فالنبي محمد  قد جاء بالمعتقد السليم الصافي، الذي لا شائبة فيه ولا عكرات، والذي يتوافق مع الفطر النقية والنفوس الزكية والعقول السوية، من الوحدانية الكاملة المطلقة لله تعالى، والإيمان بكمال عظمته وطلاقة قدرته جل وعلا، والإيمان بملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره ..... إلى غير ذلك.
ب- ولقد جاء  داعيًا إلى الإيمان بنبوة المسيح عليه السلام والتصديق برسالته على الرغم من تكذيب اليهود له (للمسيح) وسبِّه، وسب والدته السيدة مريم.
ج- ولقد جاء  بتبرءة المسيح عليه السلام من تهمة ادّعاءه للألوهية، تلك المنزلة التي رفعها إليه الُغلاة من أصحاب العقول المريضة الفاسدة، حيث لا يمكن أن يوصف بالألوهية سوى الإله الخالق، وهو الله سبحانه وتعالى.
د- ولقد جاء  بتبرءة السيدة مريم مما قد نسبته اليهودية إليها، من ارتكابٍ للفاحشة والرذيلة، ليس هذا فحسب، بل جاء  بتكريمها، والشهادة بتقواها وعفافها.
هـ- ولقد جاء  بإقرار وإثبات الميلاد المعجز للمسيح عليه السلام من غير أب، وإقرار وإثبات معجزة كلامه (المسيح) في المهد، تبرءة لأمه (السيدة مريم)، وتمهيدًا لنبوته ورسالته.
و- ولقد جاء  بالدعوة إلى العبادات الهادية، والتشاريع القويمة، والمعاملات الكريمة، والأخلاق الرفيعة والتعاليم السامية .... إلى غير ذلك.
ي- ولقد جاء  بالكثير والكثير من المعجزات والخوارق التي تشهد بمصداقية دعوته، وصدق دعوته ورسالته، وفي مقدمتها معجزة القرآن الكريم، وهي المعجزة الباقية إلى قيام الساعة، شاهدة بعالمية رسالته ، وختامها لجميع الرسالات السابقة.
7- مصداقية القرآن الكريم التي قد بيّناها بجلاء، وفقدان غيره (من التوراة التي بين أيدي اليهود اليوم، والكتاب المقدس للنصرانية) لهذه المصداقية، بعد التغيير والتبديل، والإضافات والتحريفات، التي نالت منهما، وقد أشرنا إلى بعض من البراهين القاطعة على ذلك.
8- الشريعة القويمة السمحاء التي قد جاء بها النبي محمد ، والتي تُقرّها الفطر النقية، وتقبلها العقول الرشيدة، ومن ثم فلا يمكن لأي من شريعة اليهودية أو النصرانية اليوم بعدما طرأ عليها من التغيير والتحريف أن تُقارنا بها (شريعة الإسلام، القويمة السمحاء).
ولقد أوضحنا في بعض من النقاط نماذجًا لمثل تلك التشريعات في اليهودية والنصرانية، والتي لا يمكن لعاقل سليم الفطرة أن يتقبلها على أنها وحي من الله عز وجل.
وغير ما اشرنا إليه الكثير من أسباب اختيار الإسلام على كل من اليهوديةوالنصرانية، وغيرهما، ولكن نختم بهذا السبب (من كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان)، هو:
9- أنه لا يكن البتة أن تؤمن اليهودية بنبوة موسى عليه السلام إن لم تؤمن بنبوة محمد ، ولا يمكن البتة أن تؤمن النصرانية بالمسيح عليه السلام إلا بعد إقرارها بنبوة محمد ( ).
حيث يُقال لكل من اليهودوالنصارى: أنتم لم تشاهدوا هذين الرسولين موسى والمسيح عليهما السلام، ولا شاهدتم آياتهما ومعجزاتهما وبراهين نبوتهما، ثم نقوم بتخصيص سؤال لكلتا الأمتين (اليهود والنصارى)، وهو:
بأي شيء عرفتم نبوة موسى عليه السلام وصدقه، وأنتم لم تشاهدوا معجزاته وبراهين نبوته؟
الجواب الأول: أن يقولوا آباؤنا أخبرونا بذلك.
فنقول لهم: ومن أين علمتم صدقهم فيما أخبروكم به؟
فيلجأوا للجواب الثاني، وهو: أن يقولوا التواتر وشهادات الناقلين بمعجزاته وآياته، والبراهين التي جاء بها حقّق ذلك عندنا.
وبالمثل يكون التساؤل موجهًا لأمة النصارى، وهو:
بأي شيء عرفتم المسيح عليه السلام وصدقه، وآمنتم به وأنتم لم تشاهدوا معجزاته وآياته؟
فيكون الردّ أيضًا: أحد الجوابين السابقين.
الجواب الأول: أن يقولوا آباؤنا أخبرونا بذلك.
فنقول لهم: ومن أين علمتم صدقهم فيما أخبروكم به؟
فيلجأوا إلى الجواب الثاني، وهو: أن يقولوا التواتر وشهادات الناقلين بمعجزاته وآياته، والبراهين التي جاء بها حقّق ذلك عندنا.
فنقول لهم:
إذًا يلزمكم الإيمان بأن محمدًا  الذي جاء داعيًا إلى الإسلام، هو رسول الله حقًّا وصدقًا، لأن من المعلوم أن الناقلين لمعجزات محمد ، وآياته وبراهين نبوته أضعاف أضعافكم بكثير( )، ولأن الله عز وجل جمع له  بين نوعيّ المعجزات، المعنوية والحسيّة، فما أعطى الله نبيًّا شيئًا إلا وأعطى خاتم أنبياءه وسله محمدًا  ما هو أكثر منه، لا سيما وأن الرسالة التي قد جاء بها النبي محمد  هي الرسالة العالمية الخاتمة.
ولما أشرنا، فإنه لا يسع المرء سوى اختيار الإسلام وقبوله دينًا، ومن ثم الإيمان بمحمد ، نبي الإسلام، ورسالته العالمية الخاتمة، والإيمان بالكتاب الذي أنزله الله تبارك وتعالى عليه، ألا وهو القرآن الكريم، المحفوظ من الإله الخالق العظيم، ربّ العالمين.

شبهات يروجها أعداء الإسلام (زورًا)،
وإبطالها بموجز من الردّ عليها
لقد تبيَّن لنا مما سبق أن الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله تبارك وتعالى للعالمين، وتبيَّن صدق دعوة نبي الإسلام محمد  وصدق رسالته، ومصداقية الكتاب الذي أوحاه ربه تبارك وتعالى إليه وهو القرآن الكريم، والذي به تستقيم البشرية على صراط الله المستقيم.
ومن ثم، فإنه يتوجب علينا أن لا نلقي بآذاننا لما يثيره أعداء الإسلام من ادّعاءات كاذبة، وافتراءات باطلة، لأنه إذا ما تبيّن صدق الإسلام، ومصداقية القرآن، وبطلان غيره مما هو بأيدي غير المسلمين، فإنه يتأكد لنا أن ما يثيره أعداء الإسلام من ادّعاءات وشبه إنما هي دعاوي كاذبة، وافتراءات باطلة، قد قام علماء الإسلام بالردّ عليها وتفنيدها كاملة.
وعلى الرغم من ذلك نجد أن أعداء الله ورسله تأبى إلا الطريق المعوجّ، فيسعون جاهدين لإطفاء نور الإسلام، يسعون لإطفاء نور التوحيد الذي جاء به خاتم المرسلين محمد ، وذلك عن طريق إثارة شبهات باطلة، لا أساس لها من الصحة، ثم ترويجها في أوساط يغيب عنها الإسلام، حيث لا تعلم عن الإسلام شيئًا سوى اسمه فقط.
فما يروجه مثل هؤلاء الأعداء الحاقدين على الإسلام ليست إلا شبهًا واهية ساقطة، هجومًا عليه ونيلًا منه، وذلك من خلال صدّ الناس عن فهم حقيقة الإسلام وإدراك مقاصده، ومن ثم الصدّ عن الدخول في دين الله عز وجل.
وعلى الرغم مما يُروجه أعداء الله عز وجل من دعاوي باطلة وشبه ساقطة بأساليب ماكرة خادعة إلا أن ما يروجونه إنما هو في ذاته لصالح الإسلام، وذلك إذا ما تم بيان كذبه وبطلانه ومن ثم يكون بمثابة أحد البراهين القاطعة على أن الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله تبارك وتعالى للعالمين.
فمع عظيم مكر وكيد الحاقدين على الإسلام وأهله نجد أن الله سبحانه وتعالى ينصر دينه ويتم نوره ولو كره الكافرون، فهو القائل سبحانه وتعالى:
﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [سورة الصف: 8 – 9].
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح في هذا الفصل بطلان تلك الشبه التي يروجها أعداء الإسلام (افتراءً وكذبًا)، بموجز من الردّ عليها.
فنجد أن، أعداء الإسلام يتساءلون في مكر وخداع:
لماذا يُعطي الذكر مثل حظّ الأنثين في الإرث؟ أي لماذا شرع الإسلام أن يأخذ الذكر ضعف ما تأخذه الأنثى في الميراث؟
ثم يتساءلون (أعداء الإسلام) في تعجّب: هل يُعدّ هذا عدلًا؟! أليس هذا ظلمًا للمرأة؟!
وذلك من أجل الهجوم على الإسلام بالباطل، ومن ثم النيل منه بغير وجه حق.
ونُوضّح بإيجاز ردًّا على مثل تلك الشبهة الواهية الساقطة، فنقول:
بداية، إن تشريع الإسلام بأن يأخذ الذكر ضعف نصيب الأنثى في الميراث ليس بظلم على الإطلاق، وإنما هو عدل كامل من إله عليم حكيم، وذلك لكثير من الأسباب، منها:
أن المرأة طوال حياتها مسئولة من الرجل، مكفولة منه، بمعنى: أن المرأة في مرحلة طفولتها ونشأتها تكون مكفولة من أبيها، فوالدها هو من ينفق عليها، وإذا ما تُوفي والدها فإن أخاها أو عمها أو خالها يُنفق عليها إلى أن تتزوج.
ثم إذا ما تزوجت (المرأة) صارت مسئولة عن زوجها، مكفولة منه، حيث إن زوجها هو من ينفق عليها، فالشريعة الإسلامية تلزمه بذلك، في حين أن المرأة ليت مُلزمة بأن تُنفق على زوجها أو نفسها أو أولادها (إذا ما صارت أمًّا)، ما دامت في كنف زوجها، حيث إنها مسئولة منه، وهذا طوال حياتها.
فالمرأة يعولها ويكفلها وليُّها (المسئول عنها)، مثل أن تتزوج ويعولها ويكفلها زوجها بعد الزواج، ويعولها ويكفلها أولادها إذا ما تُوفّى زوجها.
فنجد أن المرأة لا تلزمها الشرعة الإسلامية بالإنفاق، وإنما هي من يُنفق عليها، وذلك منذ طفولتها وطوال حياتها.
فإذا ما أخذت المرأة نصيبها من الميراث (نصف نصيب الرجل) فهو محفوظ بكامله لها.
في حين أننا نجد أن الرجل دائمًا هو من تلزمه الشريعة الإسلامية بالإنفاق، وليست المرأة، لما قد اختصه الله تبارك وتعالى من صفات تؤهله لذلك دون المرأة.
فالرجل هو من يُلزم دائمًا بالإنفاق على المرأة إذا ما صارت في كنفه، مسئولة منه.
لذلك: فإن الشريعة الإسلامية حينما أعطت المرأة نصف نصيب الذكر في الإرث (الميراث)، كان ذلك تكريمًا لها، لا سيما بعد أن كانت المرأة لا ترث شيئًا في الجاهلية، قبل ظهور الإسلام.
وأيضًا، فإن الشريعة الإسلامية حينما أعطت الذكر ضعف نصيب الأنثى فقط، كان ذلك عدلًا مطلقًا، وليس ظلمًا له (حيث إلزامه بالإنفاق على المرأة وليس العكس)، لأنها (الشريعة الإسلامية) قد أخذت في الحسبان ما قد اختصه الله سبحانه وتعالى من صفات دون المرأة، تؤهله لذلك.
مما يدل على: أن التشريع الإسلامي، العادل، الحكيم، لا يمكن إلا وأن يكون مصدره هو الإله الخالق ، الحكيم العادل.
2- ونجد أيضًا، أن أعداء الإسلام يتساءلون في مكر وخداع:
لماذا شهادة الرجل في الإسلام ضعف شهادة المرأة وليستا متساويتين؟!
بداية: نوضح أنه من المعلوم أن الرجل قد اختصه الله تبارك وتعالى بصفات دون المرأة، تؤهله للقيادة والريادة وليس العكس، وهذا مما لا يختلف فيه اثنان من أصحاب العقول الرشيدة والنفوس الزكية.
ودليل ذلك: أنه إذا ما عُلِم أن شهادة الرجل ضعف شهادة المرأة، فإن ذلك لا تستنكره النفوس السويّة، بعكس الحال إذا ما قيل (افتراضًا) أن شهادة المرأة ضعف شهادة الرجل، حيث تستغربه وترفضه العقول الرشيدة، وتستنكره النفوس السويّة.
لأنه من المعلوم: أن الرجل هو من يتميز على المرأة بصفات خِلقية، اختصه الله بها دون المرأة، وليس العكس، ونُدلِّل عقليًا على أن تشريع الإسلام بأن شهادة الرجل ضعف شهادة المرأة هو من كمال العدل والتشريع، بالآتي:
من المعلوم أن طبيعة المرأة تجعلها بعيدة بصفة كبيرة عن مشاكل الحياة العامة، لوجود من يكفلها ويعولها منذ صغرها، وطوال فترة حياتها، كما أوضحنا في السابق، ومن ثم فإن من يتصدى لمشاكل الحياة المختلفة، والتي تتكرر على الدوام (حيث إن الدنيا دار ابتلاء وامتحان) هو الرجل وليس المرأة.
لذلك، فإن من يصلح للشهادة هو الرجل، وليست المرأة، حيث إنها بعيدة عن تلك المشكلات التي يواجهها الرجل، وإذا علمت بعض التفاصيل لمشكلة ما حدثت، فإنها يغيب عنها تفاصيل أخرى، نظرًا لأن الأصل في الإسلام:
هو أن تقرّ المرأة في بيتها، تعمل على تربية وتعليم أبناءها خير تربية وأفضل تعليم، مراعية لحقوق زوجها من تهيئةٍ للمناخ الأسري اللطيف الطيب، الذي يحتاجه بعد عناءه طوال يومه في عمله، دون أدنى عكرات بسبب إهمالها في المأكل أو الملبس أو نظافة ونظام المنزل .... أو إلى غير ذلك، وكذلك تعمل المرأة على مراعاة كافة الحقوق المختلفة لأبناءها (ذوي الأعمار المختلفة)، ومن ثم فإن عمل المرأة إنما هو في بيتها، بعيدًا عن المشكلات العامة، فلا يكون عملها بخارج بيتها مزيدًا من الإرهاق عليها، وأيضًا لا يوجد من الوقت ما يسمح بذلك العمل الخارجي، إذا ما قامت بعملها الداخلي (في بيتها) على خير وجه.
وإذا ما كان الأصل في الإسلام أن تقرّ المرأة في بيتها، فإننا نجد أن الرجل لا يتم عمله (في الغالب) إلا إذا اختلط بغيره من الناس على اختلاف طبائعهم، وتغايرها واختلافها معه.
لذلك، فإن عمل الرجل يكون خارج بيته (في الغالب)، ومن ثم التعرض لكثير من مشكلات الحياة المتكررة، بغض النظر عما إن كان هو ذاته طرف أساسي فيها، أو أن نصيبه منها هو أن يكون شاهدًا عليها.
وننوه إلى: أننا نجد أن شهادة المتعلم تتعادل مع شهادة الأميّ، وذلك: لأن صدق النقل الذي يترتب على الوجود والمشاهدة هو ما تعتمد عليه الشهادة وليست ثقافة العقول.
وأيضًا ننوه إلى: أن طبيعة المرأة من ضعف (عن الرجل) ومزيد من الخوف أو إلى غير ذلك من صفات (فُطرت عليها) ذات تأثير كبير على إتزانها وثبوتها ارتباكها ونسيانها عند الإدلاء بشهادتها، تجعلها في حاجة إلى من يهدئ من روعها ويثبتها ويُذكّرها، لا سيما إن كانت شهادتها في مشكلة كبيرة أو حادث خطير.
ولذلك: فإن الشريعة الإسلامية قد أخذت في حسبانها طبيعة المرأة الفطرية، ومن ثم كان التشريع الحكيم أن تكون شهادة المرأة يلزمها شهادة امرأة أخرى معها تثبتها وتذكرها في حال ارتباكها ونسيانها.
لذلك: فإن التشريع الإسلامي بأن شهادة الرجل ضعف شهادة المرأة إنما هو تشريع حكيم، لا يمكن إلا وأن يكون مصدره الوحي الإلهي من الإله الخالق تبارك وتعالى.
3- ونجد أيضًا: أن أعداء الإسلام يَدّعون كذبًا أن الإسلام يأمر بالوحشية وضرب النساء، ومن ثم يتساءلون في مكر وخداع: كيف تأمر شريعة الله بذلك؟! (قاتلهم الله).
بداية، نوضح حقيقة الادّعاء الكذاب الذي قد افتراه أعداء الإسلام، وهو:
أن الإسلام لم يأمر بالوحشية، ولم يأمر بضرب النساء مطلقًا، ولكنه أباح (أجاز) ضرب الرجل لامرأته كمرحلة ثالثة، عند نشوزها وعصيانها، ليس هذا فحسب بل إن إجازة الإسلام لأن يضرب الرجل زوجته، إنما هو مشروط: بأن يكون ضربًا غير مُبرّح، أي غير مؤثّر، فلا يُكسر فيه عظمًا ولا يؤثر فيها شيئًا.
فرسول الله  قد أمر المسلمين بأن يتقوا الله في النساء، وذلك في حديثه الشريف، حيث قال: «فاتقوا الله في النساء ....» (صحيح مسلم).
وأباح (أجاز)  أيضًا عند عصيان المرأة لزوجها وعدم طاعتها له، أن يضربها (كمرحلة ثالثة) شرط أن يكون الضرب غير مُبرّح، حيث قال: «فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبرّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» (صحيح مسلم).
ونوضح أيضًا، أن إجازة الشريعة الإسلامية لأن يضرب الرجل زوجته إنما يأتي كمرحلة ثالثة، بعد مرحلتي:
أ- الوعظ والتذكير ب- الهجر في المضاجع.
لقول الله تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [سورة النساء: 34].
ونشوز النساء يعني: ترفع المرأة عن طاعة زوجها وعصيانها له.
والهجر في المضاجع، يعني: كناية عن عدم قربهن (عدم قرب الرجل للمرأة) كمرحلة ثانية، بعد الوعظ، وعدم اتعاظهنّ.
والضرب، يعني: كما أوضحنا في السابق، وهو الضرب المشروط، أي الضرب الغير مؤثر، فلا يُكسر فيه عظمًا، ولا يؤثر فيها شيئًا، كأن يضرب الرجل امرأته بمسواك الأسنان، الشبيه بفرشاة الأسنان اليوم.
ومن ثم يتبيّن لنا: أن الإسلام لم يأمر بالوحشية، حيث إنه لم يأمر بضرب النسا، ولكنه أباحه بشروط، كمرحلة ثالثة، لتهذيب المرأة عند عصيانها لزوجها وعدم طاعتها له، وعدم استجابتها للموعظة (كمرحلة أولى)، وعدم ازدجارها بالهجر في المضاجع (كمرحلة ثانية).
ومن ثم يتبين لنا أيضًا: بطلان ذلك الادّعاء الكاذب الذي يحاول ترويجه أعداء الإسلام، وأن إباحة (إجازة) الإسلام لأن يضرب الرجل زوجته يأتي كمرحلة ثالثة، وبشروط (كما أوضحنا)، وأن ذلك من حكمة الشريعة الإسلامية لتهذيب المرأة الغير سوية، الناشز على زوجها، لأنه من المعلوم أن ليست النساء كلهن سواء.
فكما أنه يوجد نساء كريمات فضليات، فإنه يوجد أيضًا نساء غير سويّات، في حاجة إلى التهذيب من خلال تلك الوسائل الثلاث السابق ذكرها.
فالله تعالى أوجب على المرأة طاعة زوجها، حيث إن الزوج كثيرًا ما يتعرض للمشاق والصعوبات والمُضايقات، لتعرضه للكثير من مشاكل الحياة المتكررّة، فضلًا عما يبذله من جهد طوال فترة عمله، ومن ثم يعود من عمله متعبًا منهكًا، في غير استطاعة لاحتمال مزيد من التعب والعناء جرّاء عدم طاعة امرأته وعصيانها له.
فالحمد لله تبارك وتعالى الذي شرع هذا التشريع الحكيم، وجاء به خاتم الأنبياء والمرسلين محمد .
4- ونجد أيضًا، أن أعداء الإسلام يتساءلون في مكر وخداع:
لماذا تمنع الشريعة الإسلامية المرأة من أن ترتدي ما تشاء من لباس الزينة والتبرج والسفور، عند خروجها من بيتها؟! أليست تلك حرية شخصية؟!
بداية، ننوه إلى: أنه لا يمكن أن يوجد ما يسمى بالحريّة المطلقة، حيث إنه إذا ما دعا أحد إلى مثل تلك الحرية الزائفة فإن ذلك يعني: التعدي على حريّات الآخرين.
ومثال ذلك: أنه لا يستطيع أحد أن يرفع صوت المذياع إلى أقصى ما يمكن، لا سيما إن في وقت متأخر من الليل وفي وسط يعيش معه غيره (الجيران)، بزعم أن ذلك حريّة شخصية.
أو أن يترك سيارته في وسط طريق عام بزعم أن ذلك حريّة شخصية.... أو إلى غير ذلك.
لذلك: فإنه لا يوجد ما يسمى بالحريّة الشخصية المطلقة، وإلا صارت مثل تلك المجتمعات الرافعة لذلك الشعار الزائف، مجتمعات تعمّها الفوضى، حيث يضيع فيها كل شيء.
فالإنسان ما هو إلا أحد مخلوقات الله تعالى، أي أنه ليس إلا عبدًا لله عز وجل.
لذلك: فإن سلوكيات الإنسان وتصرفاته ليست وفقًا لما تمليه عليه نفسه وهواه، وإنما هي منضبطة في إطار ما شرعه الله تعالى له، والله سبحانه وتعالى هو علام الغيوب، الحكيم الخبير.
ومن حكمة الشريعة الإلهية: أن جعلت سلوكيات الإنسان وتصرفاته بعيدة عن مثل تلك الحرية الزائفة التي نحن بصدد الحديث عنها، بعيدة عن التعدّي على حقوق الغير، منضبطة في إطار ما شرعه الله تعالى.
ومن ثم يتبيّن لنا: أن سلوكيات المرأة وتصرفاتها ليست وفقًا لما يمليها عليها تفكيرها، وإنما هي منضبطة كما ذكرنا، في إطار ما شرعه الله لها.
ومما لا شك فيه: أننا نؤمن بحكمة الله تعالى ومن ثم حكمة شريعته التي قد جاء بها خاتم الأنبياء والمرسلين محمد .
ومما تتضمنه الشريعة الإسلامية الحكيمة التي بُعث بها النبي محمد .
منع المرأة من أن ترتدي ما تشاء من لباس الزينة والتبرج والسفور عند خروجها من بيتها، لما فيه من مخالفة لأوامر الله تعالى، ولما له من أخطار جسيمة عليها وعلى غيرها، ومن ثم الخطر على المجتمع بأكمله، وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح جزءًا من تلك الأخطار في النقطة التالية.
5- ونجد أيضًا أن أعداء الإسلام يتساءلون في مكر وخداع:
لماذا تقيد الشريعة الإسلامية من حريّة المرأة وتأمرها بالحجاب؟!
بداية ننوه إلى: أنه قد سبق وقد أوضحنا أن سلوكيات المرأة وتصرفاتها إنما هي منضبطة في إطار شريعة الله تعالى، والتي جاء بها خاتم الأنبياء والمرسلين محمد .
ونوضح، أنه من حكمة الشريعة الإسلامية في أمرها بالحجاب الشرعي للمرأة:
- حماية المرأة والرجل ومن ثم المجتمع ككل من الفتن، وصيانته من الرذائل، لأن المرأة إذا لم تلتزم بتنفيذ أمر الله تعالى فيها بارتداءها للحجاب، ولم تقم بستر زينتها، وقامت بكشف مفاتنها لجذب الناس إليها، فإن ذلك يؤدي إلى انتشار الفاحشة، والانغماس في وحل الرذيلة، ومن ثم فساد المجتمع بأكمله (رجال ونساء)، وانحطاط المجتمعات الغير ملتزمة بالشريعة الإسلامية، أخلاقيًا، لا سيما المجتمعات الغربية، برهان ذلك.
ويتضح أيضًا، أن من حكمة الشريعة الإسلامية في إلزام المرأة بارتداءها الحجاب الشرعي:
- الحفاظ على استقرار الأسرة وأمنها، بحيث لا يُسرق رجل من زوجته نتيجة افتتانه بامرأة أخرى ممن خالفن الشرع الإلهي، وأبدين زينتهن ومفاتنهن، لا سيما إذا ما كانت زوجته قد تجاوزت مرحلة ما من عمرها، وبدأت نضارتها وجمالها في الفناء والذبول (حيث إن نضارة المرأة قد لا تتجاوز الـ 15 سنة من سن زواجها، إذا كان زواجها مبكرًا)، ومن ثم تهيئة المناخ المناسب لانتشار الرذائل والفواحش بين صفوف الرجال والنساء.
ويتضح أيضًا، أنه من حكم الشريعة الإسلامية في إلزام المرأة بارتداء الحجاب الشرعي:
- الحفاظ على المرأة والرجل على حد سواء.
حيث تحافظ الشريعة الإسلامية على المرأة من اعتداءات المجرمين المفسدين عليها، إثر انجذابهم إليها وافتتانهم بها، نتيجة كشفها لزينتها، وعدم ارتداءها للحجاب الشرعي الذي أمرها الله تعالى به.
وأيضًا تحافظ الشريعة الإسلامية على الرجل أيضًا من الوقوع في مثل تلك المحرمات والكبائر، والرذائل المنكرة، إثر افتتانه بامرأة ما غير ملتزمة بالحجاب الشرعي الذي أمرها الله تعالى به.
ومن ثم الحفاظ على المجتمع بأسره من الإنحطاط الخلقي، والنهوض به إلى مستوى أخلاقي رفيع، قائم على تنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى واجتناب نواهيه، ومن ثم الخضوع لسلطان الله تعالى، والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير من الحكم الجليلة في إلزام الشريعة الإسلامية للمرأة بارتداء الحجاب الشرعي، ولكن نكتفي بموجز ما أشرنا إليه.
ولتمام الفائدة، نوضح: إحدى الحكم الجليلة للتشريع الإلهي بتحريم النظر عمدًا إلى المرأة الأجنبية (الغير محرّمة عليه شرعًا، بحيث يمكنه الزواج منها) إضافة إلى كونه تشريع إلهي، يلزَم الجميع تنفيذه، خضوعًا لسلطان الله تعالى في خلقه.
وهذه الحكمة التي نودّ أن نشير إليها، هي:
أن نظرة الرجل للمرأة هي بداية نزوعه إليها، وإثارة شهوته تجاهها، فيكون نتيجة ذلك الوقوع في كبائر الذنوب والمعاصي، ومن ثم فساد الفرد والمجتمع لانتشار مثل تلك الفواحش والرذائل.
لذلك: فإن تحريم الشريعة الإسلامية للنظرة إلى المرأة الأجنبية عمدًا، إنما هو حفاظ على سلامة وأمن الفرد والمجتمع ومن ثم استقراره.
ونعود ثانية إلى الحجاب الشرعي للمرأة، والذي أمرت به الشريعة الإسلامية، حيث يتأكد لنا من قليل ما أشرنا إليه:
أن الحجاب الشرعي للمرأة هو أكبر تأمين لها من حيث الحفاظ عليها وعلى زوجها، ومن ثم استقرار الحياة الزوجية، وصيانة المجتمع من الرذائل والفواحش، فلو أن الإسلام لم يأمر بالحجاب، لكان على المرأة أن تلتزم به وأن تدعوا إليه.
فالحمد لله على شريعة الإسلام، وأن جعلنا من أمة خير الأنام محمد ، الذي جاء بخير شرع هدى ورحمة للعالمين.
6- ونجد أيضًا، أن أعداء الإسلام يتساءلون في مكر وخداع:
لماذا أجاز الإسلام تعدد الزوجات للرجل؟!
بداية ننوه إلى: أن في إجازة الشريعة الإسلامية لتعدد الزوجات حكم جليلة وفوائد عظيمة، تشهد بأن الشريعة الإسلامية إنما هي شريعة إلهية حكيمة، وللاستفاضة في هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى كتاب: تعدد زوجات النبي محمد  كدليل نبوة وصدق رسالة، جمع وترتيب/ محمد السيد محمد.
ويمكن أن نشير إلى بعض من هذه الحكم الإلهية الجليلة في إجازة الشريعة الإسلامية لتعدد الزوجات، كما يلي:
أ- أن الشريعة الإسلامية لم تأت لتقتل شهوة الرجل وغريزته الطبيعية التي فطره الله عز وجل عليها، وإنما جاءت لتوجهها وتسيّرها الاتجاه والمسار الصحيح، وفقًا لما يريده ويرتضيه الله تبارك وتعالى.
ب- أن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بأن الرجال أقل عددًا من النساء، وأن الرجال أكثر تعرضًا لأسباب الموت منهن، في جميع ميادين الحياة( )، لا سيما الحروب، ويدلل على ذلك: الحروب الحديثة، كالحرب العالمية الأولى والثانية، والتي هلك فيها ملايين الرجال، وأصبحت جماهير غفيرة من النساء ما بين أبكار ومتزوجات بعد فقد عائلهن بلا زواج.
فلو أن الزوج اقتصر في زواجه على واحدة فقط لبقي عدد ضخم من النساء محرومًا من الزواج، مما يضطرهن إلى ركوب الفاحشة، والانحطاط إلى درجة البهائم في عدم الصيانة والمحافظة على الشرف والمروءة والأخلاق( ).
ج- أن الإناث كلهن مستعدات للزواج، وذلك وفقًا لما جاءت به الشريعة الإسلامية الحكيمة، لأن الأصل في لوازم النكاح والزواج أنها جميعًا تقع في عبء ومسئولية الرجل، من توفير للمسكن والفراش والصداق والملبس والمأكل والمشرب وتوفير احتياجات الزوجة، ومن حيث الإنفاق عليها، وذلك كله تكريمًا للمرأة، خلافًا لما جرت عليه العادات في هذا الزمان( ).
لذلك، فكثير من الرجال لا قدرة لهم على القيام بلوازم النكاح.
فالمستعدّون للزواج من الرجال أقل من المستعدات للزواج من النساء، لأن المرأة لا عائق لها، أما الرجل فيعوقه الفقر وعدم القدرة على لوازم النكاح( ).
فلو اقتصر الرجل بالزواج من امرأة واحدة لضاع كثير من المستعدات للزواج أيضًا لعدم وجود أزواج، فيكون سببًا لضياع الفضيلة وتفشي الرذيلة، والانحطاط الخلقي، وضياع القيم الإنسانية، كما هو واضح في المجتمعات النصرانية واليهودية وخاصة المجتمعات الغربية، لا سيما في كنائسهم ومعابدهم، في أوقات مرحهم وأعيادهم المزعومة، فلا يُرى إلا كل مُنكر وفسوق.
وكما هو معلوم، فإن كثيرًا من الدّاعين للنصرانية (المبشرين لنصارى) يقعون في مثل تلك الرذائل والإباحيات، حيث قد افتضح أمرهم من خلال الوسائل الإعلامية الخاصة بهم أنفسهم، ولا مجال لأحد منهم أن ينكر ذلك.
د- يوجد من الرجال من قد منحهم الله سبحانه وتعالى قوة وطاقة (على غير المعتاد) وسعة في أرزاقهم، وكما أشرنا، فإن الإسلام لم يأت ليقتل شهوة الرجل وغريزته الفطرية، بل جاء ليوجهها ويُسيّرها الاتجاه والمسار الصحيح.
فلقد أجاز الله سبحانه وتعالى تعدد الزوجات رحمة منه سبحانه وتعالى لمثل هؤلاء، وتوسعة منه تبارك وتعالى على عباده المؤمنين، وخاصة أن المرأة يأتي عليها وقت تحيض فيه شهريًا، ووقت تنفس فيه بعد الولادة، فلا يستطيع الزوج مجامعة زوجته آنذاك أو عند مرضها.
وأيضًا، حتى لا يكون إرهاقًا للزوجة الواحدة، فيكون تعدد الزوجات آنذاك (إلى أربع زوجات) رحمة للمرأة أيضًا، وتخفيفًا عنها، ولكن شرط أن يعدل الزوج بينهن (زوجاته) جميعًا.
هـ- يوجد من الرجال من هو دائم الترحال والسفر بين دولتين أو أكثر مع طول أو قصر المسافة بينهما، وذلك من وقت لآخر موافقة لعمله.
فقد يطول سفره أو يقصر، وليس بإمكانيته المحدودة اصطحاب زوجته معه في كل سفر، لا سيما إن كان قد رُزق بالأولاد، وفي مراحل تعليمية مختلفة، فكان من رحمة الله سبحانه وتعالى بنا، وبمثل هؤلاء أن أحلّ لنا تعدد الزوجات، صيانة ومحافظة على الفضيلة، وعدم تفشي الرذيلة والوقوع في المحرّم، وخاصة إذا كان العمل والسفر بين دولتين منتشرًا فيهما الفتن والفواحش والرذائل، كالدول الغربية التي على غير شريعة الإسلام.
مع التنويه إلى: أنه يُشترط أن لا تطول مدة سفر الزوج وغيابه عن زوجته عن الحد اللائق الذي قد تتأذى فيه المرأة، فيكون سببًا في معاناتها.
وكما أشرنا، فإنه يُشترط أيضًا أن يعدل الزوج بين زوجاته جميعًا، رحمة وحكمة من الله سبحانه وتعالى.
د- يوجد كثير من الأزواج الذين تتوفر فيهم الرغبة في كثرة الأولاد والنسل والعشيرة الصالحة، مع قوة وطاقة في أبدانهم وسعة في أرزاقهم.
فلم يُضيق عليهم ربنا تبارك وتعالى بتحجيم هذه الرغبة الحسنة، ولكن شرط:
القدرة على الإنفاق عليهن (الزوجات) والتربية والمعاملة الحسنة لهن، على أسس من الخير والفضيلة، مُستمدّة من شريعة الله عز وجل، قائمة على تقواه جلّ وعلا وتطبيق شرعه.
وغير ذلك الكثير من الحكم الجليلة والفوائد العظيمة إثر إجازة الشريعة الإسلامية لتعدد الزوجات ولذلك، فإنه لا يسعنا إلا أن نقول: الحمد لله على نعمة الإسلام وشريعته الحكيمة السمحاء، وكفى بها نعمة.
7- ونجد أيضًا، أن أعداء الإسلام يتساءلون في مكر وخداع:
لماذا شرّع الإسلام الختان؟!
وقبل أن نوضح حكمة الإسلام في تشريعه للختان (للذكور والإناث)، نبيّن:
أنه قد جاء في التوراة التي يؤمن بها اليهود، والتي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، تحت مسمّى (العهد القديم)، ما يدل على أن الختان هو شريعة الأنبياء والمرسلين، حيث جاء في سفر التكوين:
«وختن إبراهيم إسحاق ابنه وهو ابن ثمانية أيام كما أمر الله» (سفر التكوين،
إصحاح 21، فقرة 4).
ومع ذلك، فإننا نجد (على سبيل المثال لا الحصر) أن الكنسية الكاثوليكية ترفض ختان الإناث، مما يؤكد أن مصدر الأحكام الشرعية عندهم (النصارى) ليس وحيًا شرعيًا، ولكنه اتباعًا للأهواء والشهوات والنصوص المحرفة( ).
ومن ذلك يتبيّن لنا أن أعداء الإسلام عندما يرفضون الختان أو يحرّمونه، إنما يرفضونه ويحرمونه مخالفة لشريعة المسلمين، وليس اتباعًا لشريعة يتمسكون بها، إضافة إلى سعيهم لنشر الفاحشة والرذيلة على نطاق أوسع، والمجتمعات اليهودية والنصرانية لا سيما الغربية، برهان ذلك.
حيث إن الإحصائيات لمعدلات تلك الفواحش والرذائل (الجنسية) في مثل تلك المجتمعات المشار إليها التي لا تدين بالإسلام مرتفعة جدًا بالمقارنة مع أية مجتمعات أخرى (يهودية كانت أو نصرانية) تعيش في ظل الإسلام.
فمن حكمة الإسلام في تشريعه للختان (للذكور والإناث) وفوائده التي قد تم اكتشافها حديثًا.
أنه يحدّ من الشهوة الزائدة للإنسان (ذكور وإناث)، والتي إذا أُفرِطَت (زادت عن القدر المناسب لها) ألحقته بالحيوانات والبهائم، وأدّت إلى الوقوع والانغماس في مثل تلك الفواحش والرذائل الجنسية ومن ثم فساد الأفراد والمجتمعات( ).
اعتدال سلوك المختون وتوازنه العصبي والمِزاجي، والإحصائيات برهان ذلك، حيث إن معدل الانتحار في غير المختونين أكبر بكثير من المختونين( ).
إلى غير ذلك من الحكم والفوائد في تشريع الإسلام للختان لكلا من الذكور والإناث.
ونجد أيضًا من أعداء الإسلام، من يتساءل في مكر وخداع:
أليس الختان سببًا في البرود الجنسي؟!
والإجابة على مثل ذلك التساؤل الماكر: قطعًا: لا.
فشريعة الإسلام في الختان، ليست سببًا على الإطلاق فيما يسمى بالبرود الجنسي، حيث إن الإسلام لا يأمر بالاستئصال الكامل لموضع الختان، وإنما قال باستئصال جزء منه، لأن تركه دون تهذيب يؤدي إلى أضرار صحيّة، ويؤدي إلى حياة زوجية غير مستقرة، بين الزوجين، إضافة إلى عدم إمكانية الطهارة جيدًا( )، وكل ذلك ثابت علميًا.
ويؤكد ذلك: أن من دول الغرب من يتجه إلى فرض الختان على الإناث لما فيه من فوائد بالغة، حيث إن عدم ختان الأنثى يُعرضها للفاحشة ويدفعها إليها( ).
فالحمد لله على شريعة الإسلام، التي جاء بها خير الأنام محمد ، وحيًا وهديًا من الإله الخالق، الحكيم العظيم، رب العالمين.
8- ونجد أيضًا، أن أعداء الإسلام يتساءلون في مكر وخداع:
لماذا يأمر الإسلام بأن تُذبح الحيوانات والطيور قبل أكلها؟!
أليس في صعقها (بالكهرباء) أو رميها في جبهتها بالرصاص رحمة بها بدلًا من ذبحها؟!
إجابة التساؤل الأول:
إن الإسلام حين أمر بتزكية وذبح الحيوانات والطيور التي يبيح أكلها، كان ذلك رحمة من الله تعالى بالإنسان الذي يأكلها، لأنه عند ذبحها يخرج الدم المسفوح من عنقها بكثافة واندفاع، مُحمّلًا بما فيها (الذبيحة) من الميكروبات والأمراض، والتي كان من الممكن أن تنتقل إلى الإنسان إذا ما أكل من تلك الحيوانات أو الطيور عند عدم ذبحها وتزكيتها.
لذلك، فإنه من رحمة الله سبحانه وتعالى بالإنسان، أن شرع في الإسلام ذبح الحيوانات والطيور التي يبيح أكلها، حفاظًا على سلامته، ووقاية له من الأضرار.
إجابة التساؤل الثاني:
أولًا: إن الإسلام، كما أوضحنا في التساؤل السابق، أمر بذبح الحيوانات والطيور التي يُجيز أكلها رحمة بالإنسان الذي يأكلها، حيث يخرج الدم المسفوح من عنقها عند ذبحها، مُحملًا بما فيها من الميكروبات والأمراض، ولا يحدث ذلك عند صعقها بالكهرباء أو عند رميها في جبهتها بالرصاص.
ثانيًا: إن أمر الشريعة الإسلامية بتزكية الحيوانات أو الطيور المباح أكلها عن طريق ذبحها، هو في ذاته رحمة بها عن صعقها بالكهرباء أو رميها بالرصاص، لأنه من صفات الذبح في الشريعة الإسلامية: الاحساس في الذبح، بأن تكون الآلة التي يُذبح بها (السكين أو ما شابهها) حادّة، بحيث تتم عملية الذبح بسهولة ويسر، وفي أقل وقت ممكن، بحيث لا تتعذّب الذبيحة جرّاء عدم حدّه آلة الذبح أو إطالة وقت عملية الذبح.
ومن الإحسان في الذبح أيضًا: ألا نُري الذبيحة (الحيوان أو الطير المباح أكله) آلة الذبح، حتى لا تتعذّب جرّاء رؤيتها لها.
ومن الإحسان في الذبح أيضًا: أن نُرِح الذبيحة، بحيث تكون في وضع مريح لها، ومُناسب لعملية الذبح.
وننوه إلى: أنه عند ذبح الذبيحة بالسكين أو ما شابه ذلك من الآلات الحادة، فإنها (الذبيحة) تتعرض لحالة شبيهة بعملية التخدير، وذلك عند ملامسة آلة الذبح الحادة لعنقها من أعلى الحلق، وقت عملية الذبح، مما يُيسر عملية الذبح دون إيذاء للذبيحة.
وبعد ما يتم قطع العرقين الأماميين لأعلى العنق (الحلق)، يعمل العرقان الخلفيان المتصلان برأس الذبيحة، ومن ثم استقبال إشارات المخّ، كسبب على ضخّ الدّم وإخراجه مُحمّلًا بما في الذبيحة من ميكروبات وأمراض من العرقين الأماميين.
فسبحان من شرع هذا الشرع الحكيم، هدى ورحمة للعالمين.
والحمد لله على نعمة الإسلام، وأن جعلنا تبارك وتعالى من أمة خير الأنام محمد .
9- ونجد أيضًا، أن أعداء الإسلام يتساءلون في مكر وخداع:
ألم ينتشر الإسلام بالسيف؟!
والإجابة على مثل ذلك التساؤل هي: قطعًا، لا.
ويوضح ذلك: أن دعوة الإسلام في بادئ الأمر كانت متمثلة في النبي محمد ، وكان قومه آنذاك وغيرهم يعبدون الأصنام، وغيرها من المعبودات الأخرى الباطلة.
وبمرور الوقت، ومع الجهد الدعوي العظيم الذي قد بذله النبي محمد  في الدعوة إلى الإسلام وإلى عبادة الله تعالى وحده، ومع التوفيق الإلهي له ، آمن الكثير من الصحابة الكرام بدعوته  ورسالته، وأخذوا هم أيضًا يدعون إلى الإسلام وإلى عبادة الله تعالى وحده إلى أن انتشر الإسلام في شتى أقطار الأرض.
ومثال ذلك: الصحابي أبو ذر الغفاري، حيث قد أسلم هو وأخوه، فلما رجعا إلى قومهما أسلمت نصف قبيلة غفار (قبيلة أبي ذر) بدعوة أبي ذر( ).
ولقد أسلمت قبل الهجرة قبيلة بني الأشهل في المدينة المنورة في يوم واحد ببركة وعظ ودعوة الصحابي مصعب بن عمير رضي الله عنه الذي صدّق وآمن بدعوة النبي محمد ، فما بقي رجل ولا امرأة إلا أسلم غير عمرو بن ثابت، فإنه تأخر إسلامه إلى غزوة أحد، وبعد إسلامهم كان مصعب رضي الله عنه يدعوا الناس إلى الإسلام، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا فيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من سكان عوالي المدينة، أي قراها من جهة نجد( ).
وغير ذلك الكثير من النماذج التي توضح أن الإسلام لم ينتشر مطلقًا بالسيف أو القتل كما يفتري المبطلون.
فالشريعة الإسلامية لم تُجبر أهل الكتاب على الإسلام، بل تركت لهم حريّة الاختيار، وهذا معلوم للجميع.
فلم يُجبر اليهود منذ بدء الرسالة، ومجئ النبي محمد  بها على اعتناق الإسلام والدخول فيه، على الرغم من سيادة دولة الإسلام على جميع الأمم آنذاك، في تلك الفترة، وعلى مدار قرون عديدة، وكذلك الحال مع المسيحيين، حيث لم يُجبر النصارى على اعتناق الإسلام، والدخول فيه.
فلقد حكم المسلمون أسبانيا 736 عامًا، ولو كان المسلمون قد استعملوا السيف أو أي نوع من الإرهاب من أجل نشر الإسلام لما بقي مسيحي واحد في إسبانيا بعد مرور أكثر من سبعة قرون من حكم المسلمين لها (إسبانيا) والسيطرة عليها، ولما بقي من يقوم بمحاولة إسقاط الحكم الإسلامي عليها.
لذلك:
فإنه يتأكد للجميع أن المسلمين لم يستخدموا السيف أو أية وسيلة من وسائل العنف والقوة من أجل نشر الإسلام وإرغام المسيحيين على الدخول فيه.
وأيضًا: فلم يتجه جيش إسلامي واحد إلى أندونيسيا أو نيجيريا ... إلى غير ذلك، ومع هذا فإن سكان هذه الدول قد اعتنقوا الإسلام، وقبلوه وارتضوه دينًا.
واليوم يعتنق الكثير من الأوروبيين والأمريكيين .... الإسلام دينا، ومن المؤكد أن هذا ليس بحد السيف قطعًا، كما هو متضح للجميع.
ومن البراهين أيضًا على عدم استعمال المسلمين للسيف من أجل نشر الإسلام:
أن هناك الملايين من المسيحيين يعيشون وسط العالم العربي والإسلامي في ظل سيادة الإسلام، دون المساس بحرية اعتقاداتهم، ومع ذلك فقد أسلم الكثير والكثير منهم في شتى بقاع الأرض، وفي قلب العالم المسيحي نفسه، وذلك لأن سيف الإسلام إنما هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة التي أمر الله سبحانه وتعالى بها، ولو كان غير ذلك لما بقي مسيحي واحد وسط هذا العالم المسلم، ومصر الغالية نموذج ذلك.
فهل كان أهل مصر قبل الفتح الإسلامي إلا مسيحيين مضطهدين من قِبَل الرومان الذين هم على المسيحية أيضًا، ولكنهم ينتمون إلى طائفة أخرى غير التي ينتمي إليها المسيحيون المصريون.
ولذلك: فقد سام الرومان المسيحيين المصريين سوء العذاب واضطهدوهم أشدّ الاضطهاد لمجرّد انتمائهم (الرومان) إلى إحدى الطوائف المسيحية الأخرى التي لا ينتمي إليها المسيحيون المصريون.
فعلى الرغم من انتسابهم جميعًا للمسيحية، إلا أنه يكفر بعضهم بعضًا ويُضلّل كلا منهما الآخر، كما هو المتبع بين صفوف المسيحية وطوائفها المختلفة، ولا مجال لأحد أن ينكر ذلك.
وبقي الحال السيء لهؤلاء المسيحيون المصريون إلى أن جاء الفتح الإسلامي وخلّص المسيحيين المصريين من اضطهاد المسيحيين الرومان لهم، مع الحفاظ على حرية معتقداتهم (المسيحيين المصريين)، ودون المساس بأماكن ودور عباداتهم، ولذلك فرح المسيحييون المصريون بهذا الفتح الإسلامي العادل، واعتنقت الأغلبية الساحقة منهم (المسيحيون المصريون) الإسلام، وقبلوه وارتضوه دينًا، والنسبة بين المسلمين والمسيحيين في مصر برهان ذلك.
ولو أن الفتح الإسلامي لمصر أجبر المسيحيين المصريين على الدخول في الإسلام بعد هزيمته للرومان لما بقي مسيحي واحد في مصر، ولكن الأمر على غير ذلك، حيث قد بقيت قلة قليلة من مسيحي مصر على معتقداتهم التي قد أوضح الإسلام بكافة الدلائل والبراهين بطلانها، ومع ذلك فلم يجبر المسلمون المسيحيين على الإسلام، بل تركوا لهم حرية الاعتقاد والاختيار مع عدم المساس بأماكن ودور عباداتهم.
وننوه بشدة إلى:
أن مما أشرنا إليه يتبين بجلاء أن الإسلام لم ينتشر مطلقًا بحد السيف الذي يفتريه المبطلون، وإنما كان استخدام السيف في حالة الجهاد الذي شرعه الإسلام، ضد من حال بين المسلمين ودعوتهم لغيرهم من الأمم والشعوب إلى دين الله عز وجل، ودفاعًا عن الإسلام وأهله من أهواء ومطامع أعداءه والحاقدين عليه.
ولذلك:
فإن سيف الإسلام الحقيقي هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
فالإسلام يحمل في طيّة انتشارًا عظيمًا، وقبولًا واسعًا، فهو الأسرع نموًّا، والإحصائيات الحديثة برهان ذلك.
فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
10- ومن أعداء الإسلام من يتساءل في مكر وخداع:
لماذا يفرض الإسلام الجزية على غير المسلمين؟!
وللإجابة على مثل ذلك التساؤل نوضح موجزًا مما قد جاء على موقع (المرصد الإسلامي لمقاومة التنصير) ردًّا على مثل تلك التساؤل، حيث:
إن الجزية ضريبة من يبقى على دينه من غير المسلمين، الغني الموسر، وذلك مقابلة حماية المسلمين لهم، في حين أن المسلمين يقومون بدفع وآداء زكاة أموالهم.
وليس من العدل أن يدفع المسلم زكاة لأمواله ويُعفى منها غير المسلم، على الرغم من حماية المسلمين لغيرهم ممن يعيش في كنفهم.

وننوه إلى:
أنه عند أداء غير المسلم (الموسر) الذي يعيش في كنف الإسلام، للجزية المناسبة العادلة المفروضة مقابل حمايته يصير حقًّا على المسلمين، وواجبًا عليهم أن يقوموا بحمايته ما دام يعيش في كنفهم، تحت مظلة الإسلام وحكمه.
ويتبيّن هذا جليًّا في معاهدة صحابي رسول الله  (خالد بن الوليد) لنصارى الشام، حيث يقول ما يلي:
«هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق أمانًا على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، ولا يُسكن شيء من دورهم، وأي شيخ منهم ضُعف عن العمل أو أصابته آفة أو كان غنيًّا وافتقر، طُرحت عنه الجزية، وأُعطي هو وأهله إعانة من بيت مال المسلمين».
ولهذا عندما بلغ الصحابي أبو عبيدة تجهيز جيش الروم ضده، ولم يكن مستعدًّا آنذاك لمواجهتهم، قام بردّ الجزية التي كان قد أخذها من نصارى الشام، قائلًا:
«إنما رددنا عليكم أموالكم، لأنه قد بلغنا ما جُمع لنا من الجموع (الجيوش)، وإنكم قد اشترطتم علينا أن نحميكم، وإننا الآن لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم».
ويشهد التاريخ: أن كثيرًا من النصارى كانوا يفضلون البقاء تحت حكم المسلمين العادل عن ظلم الدولة الرومانية التي كانت تستبيح أموال الناس ونساءهم.
وكثيرًا من اليهود كانوا يلجأون إلى بلاد المسلمين وإلى الأندلس (وقت حكم المسلمين لها – إسبانيا -) وإلى تركيا هربًا من تسلط الكنيسة وجرائمها ضدهم، وملاحقاتها المستمرة لهم.
لذلك: فإنه يتأكد للجميع عدل الإسلام حين قام بفرض الضريبة على غير المسلمين الذين يعيشون في ظل الإسلام مقابل حماية المسلمين لهم، كما يؤدي المسلمون زكاة أموالهم.
وتتأكد أيضًا سماحة الإسلام، حين قام بفرض الضريبة على غير المسلمين القادرين الموسرين الذين يعيشون في ظل الإسلام، ولم يفرضها على الضعفاء والمحتاجين، وإنما تقدم لهم المعونات من بيت مال المسلمين.
فالحمد لله تعالى رب العالمين على نعمة هذا الدين العظيم، ألا وهو الإسلام.
11- ونجد أيضًا من أعداء الإسلام من يتساءل في مكر وخداع:
لماذا ينص الإسلام على قتل المرتد (التارك للإسلام، بعد أن كان معتنقًا له أو أظهر الدخول فيه)؟!
بداية ننوه إلى:
أن الإسلام لم يأمر بقتل المرتد عن دينه إلا بعد رفع الجهل عنه، وإزالة ما قد التبس عليه من افتراءات وشبه يُروجها أعداء الإسلام بالباطل، وبعد توضيح وإظهار الحق الجليّ الذي لا مرية فيه له.
فلا يعقل أنه بعد أن أسلم وآمن آبائه وأجداده بالحقّ الذي لا مرية فيه، ولا تقبل الفطرة السوية والعقل الراجح الرشيد سواه، وابتغوه وارتضوه، أن يأتي من بعدهم مِن ذريتهم ممن قد انغمس في شهواته مبتغيًا إغراءات الحاقدين على الإسلام وأهله، أو ممن ألقى بنفسه في أحضان الفكر الغربي القائم على الإلحاد والإشراك بالله تعالى، أو ممن أصغى بأذنيه لما يمليه عليه أعداء الإسلام من فتن وشبهات دون البحث عن مصداقيتها، ومن ثم التحاق ذريته من بعده بما هو عليه من فساد ديني وبطلان معتقد وانحراف عن الحقّ تبعًا له، ومن ثم إحداث الخلخلة والشقاق في صفوف المجتمع الإسلامي.
ثانيًا أن الإسلام ينصّ على قتل المرتد عن دينه خشية النفاق.
فمن أعداء الإسلام الماكرين من قد يُظهر إسلامه خداعًا ونفاقًا ليبث سمومه من فتن وشبهات كاذبة ثم يُعلن ارتداده عن الإسلام لإحداث الاضطرابات في صفوف المجتمعات الإسلامية، ومثال ذلك: اليهود في وقت بعثة النبي محمد .
حيث إن اليهود كانوا قد اتفقوا على أن يُظهر بعضهم الدخول في الإسلام نفاقًا وخداعًا، ثم يقومون بالإعلان عن ارتدادهم عنه (الإسلام)، للتشكيك في دين الله عز وجل، ومن ثمّ
إثارة الفتن والشبهات بين المسلمين والمجتمع الإسلامي، كمحاولة بئيسة لردّ المسلمين عن دينهم. ولكن الله تعالى ردّ كيد اليهود في نحورهم، وأبطل كيدهم وأتمّ الله نوره رغم أنف الأعداء والحاقدين على الإسلام وأهله.
لذلك: فإن الإسلام عندما نصّ على قتل المرتد عن دينه، فإنه بذلك يحمي الاختيار.
فالإسلام لم يجبر أهل الكتاب على الدخول في الإسلام، ولم يأمر بذلك، ومن ثم فإن من يريد الدخول في الإسلام واعتناقه دينا، فعليه أن يُفكر جيدًا قبل إعلان ذلك.
فلا يدخل في الإسلام إلا من تيقَّن بمصداقيته، وآمن حق الإيمان أنه دين الله عز وجل الذي ارتضاه للعالمين.
ثم إن الإسلام لا ينصّ على قتل المنافق الذي يظهر الإسلام ويلتزم بأداء فروضه مع إخفاءه وإبطانه الكفر، ولم يأمر بذلك.
وشاهد ذلك: أن عددًا من المنافقين وقت بعثة النبي محمد  وظهور الدولة الإسلامية، لم يؤمنوا ولكنهم أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر وأخفوه، لينعموا ويأمنوا تحت مظلته ورايته (الإسلام)، وكان رسول الله  يعلم هؤلاء المنافقين، حيث قد أخبره الله تعالى بأسماءهم.
وعلى الرغم من خذلان هؤلاء المنافقين للمسلمين، لا سيما وقت حروبهم، بتراجعهم عن القتال بأعذار واهية في أحرج اللحظات كيدًا بالمسلمين إلا أن لرسول الله  لم يقتلهم، ولم يأمر بقتالهم، ولكنه  وكّل سريرتهم (ما يخفونه) إلى الله عز وجل.
ولذلك: فإن الشريعة الإسلامية قد جمعت بين كلا من صفة الحكمة حين قامت بحماية الاختيار لكل من يُفكّر في اعتناق الإسلام والدخول فيه، وبين صفة العدل والسماحة، حيث لم يُجبَر أهل الكتاب على الدخول في الإسلام، وإنما تركت لهم حريّة الاختيار في ذلك، حتى وإن آثروا الحياة والعيش في ظل وكنف الإسلام وأهله.
12- ونجد أيضًا من أعداء الإسلام من يتساءل في مكر وخداع:
أليس القرآن اختلاقًا من الإنجيل؟!
الإجابة: قطعًا ، لا.
فلا يلجا إلى مثل ذلك الادّعاء الكاذب إلا حاقدًا معاندًا أو جاهلًا لا يمتلك أدنى علم عن مثل ذلك الادّعاء الباطل، ونوجز في الردّ على مثل ذلك الافتراء، بتوضيح ما لا يمكن إنكاره، وهو: أن الإنجيل إلى القرن السادس الميلادي (وقت بعثة النبي محمد ، ومجيئه بالقرآن الكريم من الله تعالى) لم يكن له ترجمة بالعربية، والقرآن الكريم إنما أنزله الله تعالى على النبي محمد  بالعربية، فكيف يجرؤ أن يُقال باختلاق القرآن من الإنجيل؟!
لا شك، أن ذلك عته وسفور نتيجة للحقد والعناد والجهل.
شيء آخر مهم: وهو أن القرآن الكريم يدعوا إلى وحدانية الله تعالى وتعظيمه وتنزيهه، وليس كما تفتري النصرانية من تجزءة له وزعم بتعدده.
فمفتتح سور القرآن الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم
حيث إن منها نتعرف على بعض من أسماء الله تعالى وصفاته الحسنى، فالله تعالى من أسماء الرحمن، والرحيم، ومنها يتبين لنا: أن الله تعالى إنما هو إله واحد، موصوف بصفة الرحمة.
بينما نجد أن المسيحية (النصرانية) تقول باسم الآب والابن والروح القدس.
ومنها يضلّ الإنسان عن توحيد الله وتعظيمه وتنزيهه، ويتجه إلى الكفر به وإشراك غيره معه، فبدلًا من أن يوحده، وينزهه عن الشريك، نجد أنه ينسب إليه النقص ويُشرك معه غيره في وحدانيته( ).
إلى غير ذلك مما يؤكد كذب وبطلان ما يروجه الحاقدون من افتراءات وأكاذيب حول القرآن الكريم، ولكن نكتفي بموجز ما أشرنا إليه، وننوه إلى:
أن المسلمين لا يطلقون على أنفسهم مُسمّى المحمديين، وإنما ذلك هو محاولة من أعداء الإسلام لنسب ذلك المسمّى بالباطل إلى المسلمين.
فالمسلمون لا يعبدون النبي محمد ، لذلك فإنهم لا يُسمون بالمحمديين، وإنما يعبد المسلمون الله تعالى وحده وينزهونه عن المثيل والشريك.
بينما نجد أن النصارى يسمّون أنفسهم بالمسيحيين، لأنهم يعبدون المسيح، وينسبون إليه الألوهية، (تعالى الله عز وجل عن غلو النصارى في المسيح، علوًا كبيرًا).
فالمسيح ليس إلا نبيًا بشريًّا كريمًا، شرفه الله تعالى بالنبوة والرسالة كغيره من الأنبياء والمرسلين، وأيده الله تعالى بالمعجزات تصديقًا لنبوته ورسالته كغيره من الرسل.
فالحمد لله تعالى على نعمة الإسلام، وصلاةً وسلامًا على من جاء بالتوحيد الخالص لله تعالى، إلى يوم الدين.
13- ونجد أيضًا أن أعداء الإسلام يتساءلون في مكر وخداع:
ماذا يعني نزول القرآن الكريم على عدة أحرف، كما يعتقد المسلمون؟!
والإجابة على هذا التساؤل، هي:
أن القرآن الكريم نزل من السماء إلى الأرض على قلب النبي محمد  على عدة أحرف، نظرًا لاختلاف لهجات وألسنة القوم الذين نزل فيهم وهم العرب، وقد يتعذر على الواحد منهم أن ينتقل من لهجته إلى اللهجة التي نزل بها القرآن الكريم لو أنه نزل بحرف واحد، وبخاصّة أن هذه اللهجات، قد تربّوا عليها وصارت طبيعة عندهم، واعتادت ألسنتهم على النطق بها في حياتهم، فكانت رحمة الله سبحانه وتعالى بأمّة النبي محمد  أن يخفّف ويُيّسر عليهم فهم كتابه وحفظه وتلاوته، حيث كانوا أمّيين، لا يكتب منهم إلا القليل( ).
ومن ذلك يتبيّن لنا براعة وفضل النبي محمد  في نطقه بكل لهجات العرب دون تعثُّر، حتى إنه كان يُقرِء كل قبيلة بما يوافق لهجتها ويلاءم لسانها، على الرغم من أن النبي محمد  كان أُميًّا، لا يعرف قبل بعثته سوى لهجة قريش.
لذلك، فإن نطق النبي محمد  بلهجات العرب جميعًا، يُعدّ من معجزاته  التي تدل على صدق نبوته( ).
فعلى الرغم من أن النبي محمد  كان أميًّا، إلا أنه قد تخرّج من مدرسته  (مدرسة النبوة) الفقهاء والمحدثين والعلماء في شتى المجالات .......... إلى غير ذلك.
ومما أشرنا إليه، يتبيّن: أن من حكمة الله تعالى أنه أنزل القرآن الكريم على النبي محمد  على عدة أحرف، رحمة بعباده المؤمنين، فالحمد لله ربّ العالمين.
14- ونجد أيضًا، أن أعداء الإسلام يحاولون إثارة الشبهات والافتراءات الكاذبة حول تشكيل القرآن الكريم، وإعراب كلماته.
والردّ الموجز على مثل تلك الافتراءات والادّعاءات الكاذبة، هو:
أن العرب هم أهل اللغة وأهل البلاغة والفصاحة والبلاغة والبيان، والقرآن الكريم إنما أنزل باللغة العربية، وإذا ما كان في القرآن الكريم أدنى شيء مما يثيره الحاقدون بالباطل من أخطاء في تشكيله وإعراب كلماته، لما خفى على العرب وهم أهل اللسن والفصاحة، والبيان والبلاغة، لا سيما من لم يؤمن منهم، ومحاولاتهم في إيجاد المآخذ والثغرات في القرآن الكريم للطعن فيه، والتكذيب به وبنبوة من جاء به.
فعلى الرغم من عداوة المشركين للنبي محمد ، ومحاولاتهم المستمرة للطعن في نبوته  والتكذيب برسالته، إلا أنهم عجزوا وفشلوا في العثور على أدنى ثغرة في الكتاب الذي جاء به، كمأخذٍ للطعن فيه والتكذيب به.
فلم يستطيع العرب أن يأتوا ولو بسورة واحدة قصيرة من مثل ما جاء به القرآن الكريم من سور، بل إنهم اعترفوا بحسنه وأشاروا بعظمته، والمنصفون المهتدون منهم لم يسعهم إلا أن يؤمنوا به ويصدقوا بما فيه وحيًا من عند الله تعالى، وهديًا يهتدون به.
والتساؤل المهم، أنه:
إذا ما عجز أهل اللغة واللسن والفصاحة، والبيان والبلاغة من إيجاد أدنى ثغرة في القرآن الكريم كمأخذ عليه، بل إنهم أشادوا بحسنه وعظمته، على الرغم من معاداة من لم يؤمن منهم للنبي محمد  أشدّ المعاداة، فهل يُعقل أن يدّعي مُنصف عاقل بعد ذلك بوجود أخطاء في تشكيل القرآن الكريم وإعراب كلماته؟!
بالطبع: لا
لذلك: فإن ما أشرنا إليه دليل دامغ وبرهان قاطع على كذب وبطلان مثل تلك الدعاوي التي يروجها أعداء الإسلام الحاقدين عليه.
وننوه إلى إشارة بسيطة كتوضيح لما يجهله الحاقدون أو لما يتغافلون عنه عمدًا من أجل تحقيق أهدافهم ومطامعهم الخبيثة، وهي:
أن الإعراب في اللغة العربية إنما هو فرع المعنى.
بمعنى: أنه من الممكن أن تأخذ الكلمة الواحدة في نفس السياق للجملة الواحدة، أكثر من حركة إعرابية، في حالات معينة لا تخفى على أهل اللغة.
وبمعنى أكثر وضوحًا: أنه قد تأخذ كلمة معينة في سياق جملة ما حركة النصب فتكون منصوبة، ولكنها من الممكن أيضًا أن تأخذ حركة الجرّ وتكون مجرورة، ولكن ذلك لا يحدث إلا في حالات معينة، معلومة لأهل النحو والبلاغة في اللغة العربية.
ولكن أعداء الإسلام الحاقدين لجهلهم باللغة العربية وأسرارها ومواطن جمالها، نجدهم يتخبطّون دائمًا في إثارتهم لمثل تلك الدعاوي الكاذبة التي يروّجونها.
ومن ثم، فعلى من يلتبس عليه أمر ما إثر ما يروجه أعداء الإسلام الحاقدين، أن يرجع إلى علماء الإسلام المعتمدين، المختصين لإزالة مثل ذلك الإلتباس الذي لا أساس له من الصحة.
فالحمد لله تعالى الذي امتن علينا باللغة العربية، لغة القرآن الكريم، الذي أُنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ، معجزة خالدة باقية للعالمين.
15- ونجد أيضًا أن أعداء الإسلام لا سيما من أهل النصرانية، يتساءلون صدًا للناس عن القرآن الكريم، في مكر وخداع:
لماذا النسخ في القرآن الكريم؟!
وللإيجاز في الردّ على مثل ذلك التساؤل، نوضح أولًا: ما يُناقض مثل ذلك التساؤل الماكر، حيث إن النسخ موجود عندهم أنفسهم، ثابت في كتابهم.
فاليهود يؤمنون بالتوراة، والنصارى يؤمنون بالتوراة أيضًا، ويسمونها العهد القديم، ولا يُركزّون عليها، وإنما يركِّزون على الإنجيل وغير ذلك من الرسائل التي يؤمنون بها والتي كتبها بولس وغيره، تحت مُسمّى العهد الجديد.
والعجيب: أن أحكام التوراة عند النصرانية قد صارت منسوخة بعد مجيء المسيح، على الرغم من أننا نجد في كتابها الذي تقدسه، أنه:
«لا بد أن تبقى أحكام الإنجيل وكتب العهد العتيق جارية ما دامت السماوات والأرض بمقتضى هذه الآيات»
وذلك مما تقع فيه (النصرانية) من الخطأ والتناقض: لأنه إذا كان بمقتضى الآيات بقاء أحكام العهدين (العهد القديم – التوراة – الذي يؤمن به اليهود، والعهد الجديد – الإنجيل – الذي تركز عليه النصرانية، حيث تؤمن بالعهدين ولكنها تركز على العهد الجديد كما تطلق)، فإنه يلزم أن يكون جميع القسيسين واجبي القتل (أي يجب عليهم القتل)، لأنهم لا يعظّمون يوم السبت الذي تعظّمه اليهود، وناقض تعظيمه (يوم السبت) على حكم التوراة واجب القتل( ).
ومما يدل أيضًا على أن النسخ موجود في النصرانية:
أن النصرانية تقول بأن الخنزير كان نجسًا في العهد القديم (التوراة) ولكنه صار مُحللًا في العهد الجديد، على الرغم من أنها (النصرانية) تؤمن بالعهد القديم والعهد الجديد تحت ما يسمى بالكتاب المقدس.
أي أن النصرانية تعتقد أن حكم تحريم الخنزير قد نُسخ، وذلك لا شك أنه ادّعاء كاذب باطل، حيث إن أطباء النصارى أنفسهم يشهدون بنجاسة الخنزير، وبذلك يصير الخنزير علميًا مُحرَّمًا، لأن الله تعالى لا يُحلّل الخبائث والنجاسات.
وما أشرنا إليه يوضح جانبًا من التناقض الفادح الذي تقع فيه شريعة النصرانية، مما يؤكد تحريفها البيّن تبعًا للأهواء والشهوات، ومن ثم ندُلل على بطلانها.
وأيضًا، نجد أن النصرانية تعتبر أن الختان كان واجبًا في العهد القديم، ولكنه صار منسوخًا في العهد الجديد، ولا شك أن ذلك ادّعاء باطل.
بل إننا نجد أن بولس الذي تزعم النصرانية قداسته، قد هدّد كل من يختتن بأنه لن ينفعه المسيح بشيء يوم القيامة، وذلك مما لا شك فيه يؤدي إلى الإثارة للشهوات الجنسية، ومن ثم انتشار الرذائل والفواحش، كما يؤكد الأطباء.
وأيضًا، نجد أن الأضحية كانت بدم العجول، قربانًا لرفع الخطايا، ولكن النصرانية تزعم نسخ ذلك عندها، ليصير دم المسيح، كما تدّعي كذبا، هو القربان والأضحية الوحيدة التي يتم بها تكفير خطايا الناس، كما في سفر العبرانيين، الإصحاح 5، العدد 2.
وأيضًا، نجد أن رسائل اليهود قد نُسخت في النصرانية، وصارت عهدًا قديمًا، وإذا ما حاججنا النصارى بنص من العهد القديم، أجابوا بأن ذلك عهد قديم، أما عهدنا نحن فجديد يُخالف العهد القديم.
حيث إن بولس الذي تزعم النصرانية قداسته، قد أبطل قوانين العهد القديم، وزعم أن النصرانية قد تحرّرت من قوانين العهد القديم، كما في (سفر روميا، إصحاح 7 عدد 2)، وكتاب (العبرانيين إصحاح 8 عدد 13)، إلى غير ذلك مما يؤكد وجود النسخ لدى النصرانية، ومن ثم تناقض مثل ذلك التساؤل الماكر الذي قد أثاره بعض أصحاب النصرانية، مع حقيقة ما بكتابهم.
ثانيًا: نشير إلى بعض من الحكم الجليلة والفوائد العظيمة للنسخ في القرآن الكريم:
فالنسخ في القرآن الكريم إنما هو تشريع إلهي، ومن ثم فإننا نجد فيه الفوائد العظيمة والحكم الجليلة، وذلك على نقيض ما نجده من النسخ في كتاب النصرانية الذي تزعم قدسيته، الذي هو تبعًا للأهواء والشهوات، كما أشرنا آنفًا، كما في إباحة النصرانية لأكل الخنزير على الرغم من نجاسته، وكما في تحريمها (النصرانية) للختان على الرغم من أن عدم الأخذ به يؤدي إلى الإثارة القوية للشهوات والغرائز الجنسية عن الحدّ اللائق، مما يؤدي إلى ركوب الفاحشة، وانتشار مثل تلك الرذائل والمنكرات .... إلى غير ذلك.

ومن الحكم الجليلة للنسخ في القرآن الكريم:
أ- التدرج في التشريع، رحمة من الله تعالى بعباده المؤمنين، ومثال ذلك الخمر، حيث كان العرب قديمًا يشربون الخمر كشربهم للماء، ولا يمكنهم الاستغناء عنه (كإدمان له).
فكان من رحمة الله تعالى، أنه لم يُحرّم عليهم الخمر مرة واحدة، وإنما كان التدرّج في تحريمه، إلى أن صار مُحرّمًا مُطلقًا، الكثير منه والقليل، وذلك للمفاسد العظيمة المترتبة عليه.
ب- أنه إذا ما كان النسخ لحكم ما قد نزل مناسبًا لوقت معيّن أو حادث معيّن في بداية الرسالة النبوية، تبعًا لمراد الله تعالى وحكمته ورحمته، فإنه يأت حكم آخر منه تبارك وتعالى خير وأفضل من سابقه الذي قد نُسخ، ليُناسب البشر جميعًا في شتى أقطار الأرض، وفي مختلف الأزمنة وتقادمها، فيأخذه المسلمون، ويعملون به إلى قيام الساعة، ومن ثم تكون لهم السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
ج- إدراك المسلمين لجميل فضل الله تعالى عليهم في تشريعه لهم، وعظيم رحمته ورأفته بهم، ومن ثم تعظيمهم له جل وعلا.
إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة والحكم الجليلة للنسخ في القرآن الكريم.
فالحمد لله تعالى على جميل تشريعه، وعظيم منته على أهل كتابه العظيم (القرآن الكريم)، وأتباع رسوله خاتم النبيين محمد .
16- ومن أعداء الإسلام من يتساءل في مكر وخداع:
أليست هذه الآية ﴿ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ﴾ [سورة النساء: 117] في القرآن، دلالة على ألوهية المسيح؟!
الإجابة القطعية: لا.
ونوجز توضيحًا للردّ على ذلك التساؤل المخادع بما ورد في كتاب «الإله الخالق ما بين تعظيم المسلمين وافتراءات النصارى والكاذبين وإنكار الملحدين»، على النحو التالي:
أ- أن الآية الكريمة التي نحن بصددها، لها تفسير غير ما قد ابتكره أعداء الإسلام وذهبوا إليه، من قول مكذوب واجتراء منكر، بدليل غيرها من الآيات البينات التي توضح وتبيّن بطلان ما ذهبوا إليه من تأليه للمسيح.
بل إن الآية بتمامها توضح وتؤكد عدم ألوهية المسيح، حيث إن الآية بتمامها، هي:
﴿يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [النساء: 171].
وبذلك يتبيّن عكس ما يحاول أعداء الإسلام إثارته وترويجه من افتراءات كاذبة.
ب- لماذا يستدلّ أعداء الإسلام في مثل تلك الادّعاءات الكاذبة – بألوهية المسيح بهذه الجزئيات من الآيات الكريمات في القرآن الكريم، مع أنهم لا يؤمنون به ويكذبونه، ضلالًا وجحودًا؟!
لاشك، أنه استدلال باطل، منبثق من أهواءهم واجتراءهم على الله تعالى، حيث يجدون بغيتهم في هذه الأجزاء القصيرات من الآيات الكريمات لإمكانية التأويل الباطل.
جـ- نوضح أن المقصود بقول الله تعالى: ﴿ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ﴾.
أولًا: أن يكون المراد بالكلمة في هذه الآية الكريمة، مثل قوله تعالى ﴿ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾ [لقمان: 27]: أي: آياته وبدائع مقدوراته، وهذه الآية يوضحها قول الله تعالى
﴿ وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 91].
ثانيًا: أن يكون المراد بالكلمة في الآية الكريمة: قوله تعالى ﴿كن﴾
يعني: أنه سبحانه وتعالى خلق المسيح عليه السلام بقدرته من غير أب، وفقًا لإرادته ومشيئته وحكمته، بأن قال له (كُن) فكان ما أراده الله جل وعلا، كما كان ذلك في حق آدم عليه السلام، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59]
ثالثًا: أن يكون المقصود بالكلمة في الآية الكريمة: كلمته سبحانه وتعالى التي بَشَّر بها مريم، كما في قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [آل عمران: 45].
رابعًا: أن تكون إضافة الروح إلى الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى: ﴿ وَرُوحٌ مِنْهُ ﴾: إضافة تشريف، أي: أن تكون هذه الإضافة من باب إضافة الأعيان، مثل رسول الله ، كما في قوله تعالى ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29]، ومثل بيت الله، كما في قوله تعالى ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ﴾ [الحج: 26]، ومثل ناقة الله، كما في قوله تعالى ﴿ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ ﴾ [هود: 64].
أن تكون إضافة الروح إلى الله سبحانه وتعالى مثل قوله تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13] (جميعًا منه) تعني: من خلقه ومن عنده، فليست (من) للتبعيض، بل لابتداء الغاية.
أن تكون إضافة الروح إلى الله تعالى، لما كان للمسيح عليه السلام من إحياء الموتى بإذن من الله تعالى كمعجزة له، ومن ثم دلالة على نبوته ورسالته، كما حدث للنبي محمد  من معجزة بكاء وحنين جذع النخلة الذي كان يخطب عليه له، ومعلوم أن حياة الخشبة التي ليس فيها روح أصلاً كمعجزة أبلغ من حياة الميت الذي كان به روح قبل موته، وأيضًا كما حدث للنبي محمد  من نطق الشاة المسمومة بعد ذبحها ونضجها لتخبر النبي  بما فيها من سمّ لتحذّره من أكلها كعصمة ومعجزة من الله تعالى له .
أن تكون إضافة الروح إلى الله تعالى، لأنه: ليست الكلمة صارت المسيح عليه السلام، ولكن بالكلمة صار المسيح عيسى عليه السلام.
أن تكون إضافة الروح إلى الله تعالى، تعني: الروح التي أرسل ربنا تبارك وتعالى بها جبريل عليه السلام، وحيث إن المخلوقات الحية لها روح، فهل تكون آلهة أو ذات طبيعة إلهية؟!
أن تكون إضافة الروح إلى الله تعالى، لما كان من نفخ روحه جبريل عليه السلام في السيدة مريم، لتَلِد بالمسيح عليه السلام، فهو سرّ من أسراره.
أن يكون قول الله تعالى (وروح منه) يعني: رسوله منه أو محبّه منه.
ومما أشرنا إليه يتبيّن كذب وافتراء أعداء الله عز وجل، في ادّعاءهم واجتراءهم المنكر من وجوه كثيرة، فالقرآن الكريم حقّ،وليس مشتملًا إلا على الحق، ولا تناقض بين آياته وبين ما يدعوا إليه، فهو الكتاب العزيز الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
17- ومن أعداء الإسلام من يفتري كذبًا بأن المعجزات والخوارق ليست مقياسًا على إثبات النبوة، قاصدين أن المعجزات والخوارق التي أجراها الله تعالى على يد نبيه محمد  تأييدًا منه جل وعلا له ليست مقياسًا على صدق نبوته.
والردّ الموجز، الذي لا حياد عنه ولا مرية فيه، على مثل ذلك الادّعاء الكاذب، والافتراء الباطل:
أن الفطر السليمة السويّة والعقول الراجحة الرشيدة تُقرّ وتقبل بأن المعجزات والخوارج التي أجراها الله تعالى على أنبياءه مقياس وبرهان على صدق نبواتهم ورسالاتهم، إذا ما كانت دعوتهم لا تتعارض معهما (الفطر السليمة السوية والعقول الراجحة الرشيدة) ، بأن تكون المعجزات والخوارق التي قد أتوا بها ملازمة للدعوة السليمة الصادقة إلى وحدانية الله تعالى وطلاقة قدرته وعظيم صفاته وكمالها، وجميل حكم شريعته.
وإذا لم يكن الأمر وفقًا لما أشرنا، فبأي شيء نعرف النبي الصادق مِمّن يدّعي النبوة والرسالة كذبًا وزورًا؟!
ولماذا تؤمن النصرانية بالمسيح، بل وتزعم ألوهيته كذبًا وزورًا؟!
فالمسيح الدجال الذي قد أخبر النبي محمد  به، وبكذب دعوته، والذي سوف يأتي في آخر الزمان بمعجزات وخوارق مُدّعيًا للألوهية (بالباطل)، إنما تستنكره النفوس الزكية، وتُنكر دعوته الفطر السوية والعقول الرشيدة، لأنه وإن أتى بمعجزات وخوارق إلا أن صفاته لا تليق أبدًا بعظيم صفات الله تعالى وكمالها.
ومن ثمَّ يتبيّن بجلاء كذب دعوته وادّعاءه وبطلانهما.
فالمسيحُ الدجّال أعور، ولا يليق ذلك بعظيم صفات الله تعالى وكمالها.
والمسيح الدجّال إنما هو عبارة عن مجسم بشري ضخم، يحتويه المكان، ولكن الله تعالى لا يمكن أن يحتويه مكان، فهو جلّ وعلا خالق المكان وخالق الزمان.
إلى غير ذلك من صفات للمسيح الدجّال، والتي لا تليق مطلقًا بأن تنسب إلى عظيم صفات الله تعالى وكمالها.
لذلك، فإننا نجد أن أعداء الإسلام قد أحجبوا عقولهم عن معجزات الأنبياء الآخرين، والتي هي أعظم من معجزات المسيح عليه السلام، وذلك من أجل نفي رسالة النبي محمد .
فالنبي محمد  قد جاء بالكثير والكثير من المعجزات والخوارق، وقد جاء بالمعتقد السليم والتشريع الحكيم، والتعاليم السامية والعبادات الهادية، وبالقول الحقّ الفصل في المسيح عيسى بن مريم الذي قد اختلفت فيه كلا من النصرانية واليهودية، ما بين الإفراط والتفريط، حيث جاء  مصدقًا برسالة المسيح عليه السلام، ولكنه (المسيح) في الوقت ذاته ليس إلهًا أو ابنًا للإله كما تزعم النصرانية، وإنما هو عبد الله ورسوله.
ومما أشرنا إليه يتبيّن: أن ما يدّعيه بعض أعداء الإسلام من أن المعجزات والخوارق ليست مقياسًا على إثبات النبوة، إنما هو ادّعاء كاذب، من أجل أن يتحقق مرادهم ومسعاهم، من أن يظل المسيح عندهم إلهًا أو ابنا للإله أو ثالث ثلاثة، كما يزعمون باطلًا.
فتعالى الله عز وجل عن كل ذلك الإفك علوًا كبيرًا.
18- ونجد أيضًا من أعداء الإسلام، من يحكم على الإسلام من خلال فرقة الشيعة ومعتقداتها وشعائرها الدينية، في محاولة منهم لتشويه صورة الإسلام بالباطل.
وللردّ على مثل تلك المحاولة الماكرة لتشويه صورة الإسلام من خلال الشيعة، نوضح:
أن الشيعة (الروافض) ليسوا بحجة على الإسلام، بل إنهم ليسوا من الإسلام في شيء، فلا يجوز لأحد أن يحكم على الإسلام من خلال مثل أولئك الخارجين عنه.
ولتوضيح جزء من ذلك وتأكيده، نُبيّن بعضًا من المعتقدات الفاسدة للشيعة (الروافض)، والتي تتنافى كليَّة مع الإسلام، وما جاء به، مثل:
أ- أننا نجد الشيعة (الروافض) قد تشابهت مع اليهود في الكثير، وما ذلك إلا لأنه من قام بتأسيسها وإنشاءها هو عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي ادّعى الإسلام كذبًا ونفاقًا (ليطعن فيه)، وزعم محبة آل البيت بالباطل.
فمما تشابهت فيه الشيعة (الروافض) مع اليهود:
1- أن الشيعة قالت بالتجسيم، ونسبته إلى الله جلّ وعلا، أي أنها قالت بأن الله ما هو إلا جسم كبير، تعالى الله عز وجل عن ذلك علوًا كبيرا.
ولذلك، فإن اليهود هم أول من يؤمن بالدّجّال الذي يخرج في آخر الزمان مُدّعيًا للألوهية، ثم صارت الشيعة (الروافض) معطلة لصفات الله عز وجل، وقاموا بوصف ربّ العالمين بالصفات السلبية، تعالى الله عز وجل عن ذلك علوًا كبيرا.
2- أن الشيعة (الروافض) تؤمن بعقيدة البداء، وهي عقيدة منكرة في حق الله تعالى، حيث إنها (عقيدة البداء) تستلزم سبق الجهل وحدوث نشأة العلم، أي عدم العلم بالغيب، وتنسبها إلى الله عز وجل، وعلى نقيض ذلك تؤمن الشيعة (الروافض) بأن أئمتها يعلمون كل العلوم، ولا تخفى عليهم خافية (فتعالى الله عز وجل عن كل ما تفتريه الشيعة عليه، علوًا كبيرا).
3- أن اليهود تكره وتبغض جبريل عليه السلام، الذي نزل بالوحي من الله تعالى على رسله، ويقولون هو عدوّنا من الملائكة، لأنه ينزل بالتكليف، وكذلك فإن الشيعة (الروافض) تقول غلط أو أخطأ جبريل بنزوله بالوحي على محمد ، وأن الرسالة كانت من نصيب شخص آخر (تعالى الله عز وجل عن أن يحدث في ملكوته غير ما يشاء وغير ما تقتضيه حكمته).
4- أن اليهود حرّفوا التوراة، وكذلك الرافضة (الشيعة الروافض)، فإنها حرَّفت القرآن الذي بين يديها وتعتقد بذلك، إضافة إلى أنها (الرافضة) تقول بأنه (القرآن) مخلوق.
(تعالى الله عز وجل عن ألا يحفظ كتابه الذي قد تعهد بحفظه للعالمين، علوًا كبيرا).
5- أن اليهود كانوا يؤذون ويقتلون أنبياءهم، ولقد آذوا نبي الله موسى كثيرًا، وافتروا عليه الافتراءات والأكاذيب وكذلك فإن الشيعة (الروافض) قد آذت رسول الله  في أهل بيته، حيث قد افترت الكذب على السيدة عائشة رضي الله عنها زوجة رسول الله محمد ، ونسبت إليها الخيانة لعرض رسول الله  (قاتلهم الله).
تعالى الله عز وجل عن ألا يحفظ خاتم أنبياءه وسله في أهل بيته، علوًا كبيرا.
6- أن الشيعة (الروافض) يدّعون بأن المهدي الذي يَنتظرونه، والذي سوف يلتفون حوله ويُقاتَلون معه، عند خروجه من السرداب (كما يزعمون كذبًا)، لن يحكم بالقرآن الكريم الذي أُنزل على النبي محمد  وإنما سوف يحكم بالتوراة، وما ذلك إلا لما أشرنا سابقا، من أن مؤسس تلك الفرقة المارقة الضالّة هو ابن سبأ اليهودي.
ولقد تشابهت فرقة الشيعة (الرافضة) مع النصارى في زواجهم، حيث: إن النصارى ليس لنسائهم صداقًا، وإنما يتمتعون بهن تمتّعًا، وكذلك فإن الشيعة (الروافض) يتزوجون بالمتعة، ويُرغبون فيه.
فالله تعالى لم يشرع ذلك التشريع (زواج المتعة) كتشريع نهائي باق إلى قيام الساعة لما ينتج عنه من الأضراروالمفاسد، ولم يكن لرسول الله  أن يجيز زواج المتعة كشريعة نهائية يعمل المسلمون بها إلى قيام الساعة، وذلك لأن مصدر التشريع الذي جاء به النبي محمد  هو الله سبحانه وتعالى العليم الحكيم.
فلم تكن إجازة زواج المتعة سوى في فترة من فترات الرسالة، كإحدى الضرورات آنذاك، وكتيسير في بادئ الأمر ثم حُرِّم بعد ذلك تحريمًا نهائيًا إلى قيام الساعة، لما ينشأ عنه من أضرار ومفاسد بعد ذلك، ولما يترتب عليه من ضياع للأنساب، وعدم الاستقرار الأسري، ومن ثم عدم استقرار المجتمع.
فلقد كان الزنا منتشرًا في صفوف المجتمع العربي قبل مجيء النبي محمد  بالرسالة، لا سيما وأن مثل تلك البيئة الحارة تساعد على نمو وإثارة الغرائز الجنسية.
ثم بعد مجيء النبي محمد  بالرسالة وتحريم الزنا والخروج بالجيش الإسلامي في الغزوات نصرة للحق ودعوة إلى دين الله عز وجل (الإسلام)، في أيام طويلة وشهور، كان من الصعب على العربيّ أن يحدّ من شهوته وغريزته الفطرية تجاه النساء طوال هذه المدة البعيدة، بعد أن كان ذلك الأمر متاحًا ومُيّسرًا له في أغلب الأوقات، مما يجعل ذلك أمرًا شاقًّا عليه فكانت الضرورة والتيسير في إجازة زواج المتعة في فترة من الفترات، إلى أن صار تحريمه أبديًا إلى قيام الساعة، كما يقول بذلك علماء أهل السنة نظرًا للأدلة الدامغة والبراهين القاطعة، وفقًا للأحاديث الثابتة الصحيحة على ذلك، لا سيما وأن الفطرة السوية التي فطرنا الله تعالى عليها تأبى مثل ذلك الزواج (زواج المتعة) كشريعة نهائية باقية إلى قيام الساعة، وكذلك العقل الرشيد، لما ينشأ عن مثل ذلك الزواج من أضرار ومفاسد، قد أشرنا إلى جزء منها آنفًا.
ولكن الشيعة (الروافض) التي قامت على أسس قام بوضعها الخبيث عبد الله بن سبأ اليهودي تطعن في الإسلام، لم تكن لتقبل إلا ما يتوافق مع أهواءها وشهواتها ومصالحها، بغضّ النظر عن كونه مُحرّمًا من الله تعالى إلى قيام الساعة.
لذلك: فإننا نجد من الشيعة (الروافض) من أصحاب المنزلة والمكانة بين صفوف مجتمعهم الشيعي،وحتى علماؤهم يأبون مثل ذلك الزواج لبناتهم، ويرفضونه، وإنما يبيحونه لغير بناتهم من فتيات ونساء المجتمع الشيعي، لما في ذلك من وسيلة لإشباع أهواءهم وشهواتهم ومطامعهم، أي أنهم يستخدمون باقي صفوف المجتمع الشيعي كوسيلة لإشباع غرائزهم الجنسية، والواقع شاهد ذلك .
فالشيعة (الروافض) ليسوا بحجة على الإسلام، وإذا ما قال أحدهم بحدوث زواج المتعة بعد وفاة رسول الله ، فإن ذلك قطعًا يكون محمولًا على من لم يبلغه تحريم مثل ذلك الزواج تحريمًا أبديًا إلى قيام الساعة، لا سيما وأن ذلك الوقت كان المسلمون منشغلون في مهمة نشر دين الله تعالى في شتى بقاع الأرض، ولم تكن وسائل الإتصال آنذاك تمكنهم من الإتصال السريع ببعضهم البعض.
والدليل على ذلك: أن ذلك الزواج (زواج المتعة)، كان قد تمّ بعد وفاة النبي محمد ، ولكن ما إن علم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تحريم ذلك الزواج بعد أن كان مجازًا في فترة من الفترات، قام بمنعه.
ولقد انفردت الشيعة (الروافض) عن غيرها من اليهود والنصارى، بسبها وشتمها ، بل وتكفيرها لأصحاب رسولها.
فالشيعة (الروافض) يسبّون ويشتمون أصحاب رسول الله ، ويعتقدون كفرهم، عدا ثلاثة أو أكثر قليلًا (قاتلهم الله).
فالله سبحانه وتعالى هو العليم الحكيم، الذي قد اختار رسوله ، واختار له أصحابه (وزراءه) الذين هم أهلٌ لذلك الشرف وتلك المنزلة (شرف ومنزلة صحبته )، حيث يوءازرونه ويُناصرونه، ويضحون بأموالهم وأنفسهم في سبيل نشر دعوته.
ومع كل ذلك، تأبى الشيعة (الروافض) إلا البقاء على ما هم عليه من مثيل ذلك الفساد في المعتقد والخلل فيه.
فإنك إن سألت اليهود: من خير أهل ملتكم؟
أجابوا بلا أدنى تردد: أصحاب موسى عليه السلام.
وإن سألت النصارى: من خير أهل ملتكم؟
أجابوك بلا أدنى تردد: حواري المسيح.
ولكنك إن سألت الشيعة (الروافض): من شر أهل ملتكم؟
أجابوك بلا أدنى تردد: أصحاب محمد (قاتلهم الله).
فأصحاب النبي محمد  هم أول من آمنوا به وبدعوته، وصدقوا برسالته، وهم أول من ناصروه، وهم أول من نصروا هذا الدين العظيم (الإسلام)، فهم خير البشر بعد الأنبياء والرسل، رضي الله عنهم أجمعين.
ومن قليل ما أشرنا إليه، يتبين لنا: أن أهل السنة هم أهل الاتباع للحق، وهم من تقام بهم الحجة، وليس غيرهم كأولئك الشيعة الروافض الذين قامت فرقتهم على أسس منكرة قام بوضعها الخبيث عبد الله بن سبأ اليهودي.
وغير ما ذكرنا الكثير من معتقدات الشيعة الروافض الفاسدة، وفقههم الباطل، ولكن نكتفي بما قد أشرنا إليه.
فالحمد لله على نعمة الإسلام، وأن جعلنا من أهل السنة القائمين على الاتباع للحق الذي جاء به خاتم النبيين والمرسلين محمد .
19- ونجد أيضًا، من أعداء الإسلام (كالنصرانية وغيرها) من يروج إدعاءً كاذبا، يزعم فيه أن إله المسلمين من صفاته العجرفة والطغيان، من خلال تفسيرهم الهوائي (تبعا لأهوائهم وأحقادهم) لاسمين من أسماء الله تعالى، مذكورين في قرآنه، وهما (الجبار، المتكبر)، مدّعين أن الإله ليس من أسماءه هذين الاسمين المذكورين آنفا.
بداية نوضح: أن أعداء الله عز وجل، وأعداء دينه (الإسلام)، ليس لديهم الأمانة في النقل عن الإسلام، إذ أثاروا ما ليس بحق، فأخذوا وتركوا كيفما شاءوا، وحسبما يتفق مع أهواءهم ومرادهم، فأثاروا شبهة ساقطة معدومة، وروجوا لها، مستغلين في ذلك: جهل من يروجون له مثل تلك الشبهة،وعدم علمه بحقيقة الإسلام وما جاء به من توحيد الله سبحانه وتعالى في ربوبيته وألوهيته، وأسماءه وصفاته، وتنزيهه جل وعلا عن كل نقص وسوء.
ثم نشير ثانيًا إلى: أن أعداء الإسلام عندما أثاروا جدلاً باطلاً حول اسمين من أسماء الله تعالى، وهما (الجبار، المتكبر) تناسوا عن قصد أن من أسماء الله تعالى أيضًا عند المسلمين:
الرحمن، الرحيم، العفو، الغفار، الغفور، الودود، الرءوف، المنان، الكريم، اللطيف، السلام، الحق، ... إلى غير ذلك من أسماء الله تعالى العلية التي أخبرنا بها جل شأنه في كتابه وعلى لسان رسوله .
ثالثا: نشير إلى توضيح بسيط لهذين الاسمين الكريمين لله تعالى (الجبار، المتكبر) من كتاب (أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة، د/ محمود عبد الرزاق الرضواني)، بتصرف يسير، على النحو التالي:
(الجبار) في اللغة: صيغة مبالغة من اسم الفاعل (الجابر).
وأصل الجبر: إصلاح الشيء بضرب من القهر، ومنه (جبر العظم): أي أصلح كسره، و(جبر المريض): أي عالجه.
و(الجبار): اسم دل على معنى من معاني العظمة، وهو في حق الله تعالى وصف محمود، من معاني الكمال والجمال، وهو في حق العباد وصف مذموم من معاني النقص.
(المتكبر): اسم فاعل للموصوف بالكبرياء.
و(المتكبر): هو العظيم القاهر لعتاة وطغاة خلقه، إذا نازعوه العظمة قصمهم وأهلكهم.
فالكبرياء لا يكون إلا لله عز وجل، وليس لأحد من خلقه، وهو في حق الله تعالى مدح، ومن صفات الكمال والجمال، وفي حق العباد وصف مذموم من معاني النقص.
وإيجاز ما سبق: هو أن الله تعالى رحمن رحيم بعباده المؤمنين، رءوف بهم، يعفو عنهم، ويغفر لهم خطاياهم، إذا ما أنابوا إليه واستغفروه، ورجعوا إليه.
وأن الله تعالى هو المتفرد بصفة الكبرياء والعظمة وحدة، فهو الخالق وحده، وإذا ما نازعه أحد في كبرياءه وعظمته، أذله وأهلكه.
ومن ثم يتبين: أنه لا يصح أن يفسر أحد أسماء الله تعالى وفقا لمراده وهواه، آخذا منها ما شاء، متغافلا ومتناسيا لما لا يريده ولا يحقق مسعاه، مما به يفتضح أمره، ويبطل به كيده.
فالإسلام هو دين الله الحق، الذي قد جاء داعيا إلى وحدانية الله تعالى بشتى صورها، ومنزها له جل وعلا عن كل نقص وعيب وسوء.
رابعًا: نشير إلى شيء مما قد غفل عند أعداء الإسلام وتناسوه، وهو:
أن صفة (الجبر، والكبرياء) من الاسمين (الجبار، المتكبر) قد نص عليهما الكتاب المقدس للنصرانية في كثير من أسفاره، مثل:
- ما جاء في (سفر أيوب 9:9): [صانع النعش، والجبار والثريا ومخادع الجنوب]
- ما جاء في (سفر أشعياء 25: 11) [يبسط يديه كما يبسط السابح ليسبح فيضع كبرياءه مع مكايد يديه]
- ما جاء في (سفر المزامير 47: 9): [... لأن الله مجان الأرض هو متعال جدًا].
واستفادة لما قد أثارته النصرانية من شبهة معدومة، تم إيضاح بطلانها، نوضح:
أن ما تزعمه النصرانية من أن الله تعالى خلق البشر لأنه يحبهم، إنما هو زعم يتناقض مع العقل، ومع ما جاء في كتابها، ومع ما يشهد به التاريخ، ونوضح ذلك في نقاط موجزة، كالآتي:
- أن الإنسان يمرض ويبكي ويتألم.
- أن بالكتاب المقدس للنصرانية ما ينص على: أن الله قد أمر اليهود بقتل الكثير والكثير، فهل ذلك يعني أن الله يحب من أمر اليهود بقتلهم (المقتولين)؟!
بالطبع: كلا
- وأن التاريخ يشهد على الكثير والكثير من الطغاة الظالمين، ممن قد أثاروا الحروب، وقتلوا وشردوا واغتصبوا الملايين والملايين... وسعوا في الأرض فسادا، فهل مع ذلك نزعم أن الله تعالى يحب هؤلاء المفسدين، الطغاة، الظالمين؟!
بالطبع: كلا.
ومن ثم يتبين لنا التناقض والتضارب في زعم النصرانية، حتى من أبسط أمور العقيدة: كالغاية من خلق الله تعالى لعباده.
إذن، فإن القول الفصل في ما تزعمه النصرانية، هو ما جاء به الإسلام من توضيح:
بأن الدنيا إنما هي دار ابتلاء واختبار لأجل الآخرة، وليست جنة خلقت من الله تعالى حبا للبشرية.
وأن من نجح في هذا الابتلاء والاختبار، بالإيمان والتقوى والعمل الصالح، هو من يحبه الله تعالى، ومن ثم ينجيه من عذابه، ويسكنه فسيح جناته.
وأن من يسقط ويفشل في اجتياز هذا الابتلاء والاختبار، بالكفر والعصيان، هو من يبغضه الله تعالى، ومن ثم ينال عذابه، ويحرم من الفوز بجنته.
ويعلمنا الإسلام أيضا: أن الله سبحانه وتعالى عليم حكيم لا يظلم، فهو جل وعلا أعلم بما هو أهل للفوز بحبه تبارك وتعالى ومن ثم رضاه وجنته، وأنه سبحانه وتعالى أعلم بمن هو ليس بمستحق لذلك.
فالحمد لله تعالى على الإسلام العظيم الذي جاء بالمعتقد السليم القويم، هدى ورحمة للعاملين.
20- ومن أعداء الإسلام من يتساءل في مكر وخداع:
لماذا تأمر الشريعة الإسلامية بقطع يد السارق، ورجم الزاني بالحجارة؟! أليست في هذه الحدود عنف وقسوة؟!
بداية، وقبل أن نوضح بعض من الحكم الجليلة والفوائد العظيمة في هذان الحدان المشار إليهما كتشريع إسلامي، تنوه إلى:
أنه من رضي بالله تعالى ربا، وبالإسلام دينا، ونبي الإسلام محمد  رسولا، وذلك بعد ما تضافرت الأدلة القاطعة والبراهين الدامغة على ذلك، والتي تتوافق مع الفطر السوية والنفوس والزكية والعقول الرشيدة)، فعليه أن يذعن بالاستسلام التام لله تعالى، والخضوع المطلق لجميع أوامره ونواهيه، ولشرعه الحكيم، مستيقنا بأن ما شرعه الله تعالى فيه كل الخير، والصلاح لأحوال عباده، والاستقرار للمجتمع المسلم.
فإذا ما كان الأصل صحيحًا سليمًا حقًّا (المعتقد الإسلامي في الإيمان بوحدانية الله تعالى والإيمان بملائكته وأنبياءه وكتبه والإيمان بالقدر وباليوم الآخر...، والذي يتوافق مع الفطر السليمة والعقول الرشيدة)، فإن ما نتج عنه من تشريع فإنه لا بد وأن يكون صحيحًا سليمًا حقًّا.
وننوه أيضًا إلى: أن في الأمر المشار إليه تفصيل.
فبالنسبة للسرقة: فليست أية سرقة تقطع فيها يد السارق حدا، وإنما يوجد حد أدنى لقيمة ذلك الشيء المسروق الذي تقطع فين يد سارقة.
غير أن من يسرق لسدّ جوعه (عند عدم إمكانية الحصول على ما يسد به جوعه) لا تقطع يده.
إضافة إلى أن حد السرقة لا يقام إلا عند ثبوت جريمة السرقة يقينا على مرتكبها (فاعلها)، وكذلك سائر الحدود، وذلك عند وصول الأمر إلى القاضي، أما إذا سرق السارق ولم يفتضح أمره، فيستحب أن يستر على نفسه، ومن ثم يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى.
وبالنسبة للزنا:
فليست أية جريمة زنا يرجم مرتكبها، فإن لم يكن الزاني قد تزوج قبل ذلك فإنه لا يرجم، وكذلك الزانية إذا كانت بكرًا لا تُرجم.
وأيضا، إذا كان الزاني عبدا (مملوكا) فإنه لا يرجم وإنما يجلد، وكذلك الزانية، وأيضا من أكره على الزنا، فإنه لا يقام عليه حد الرجم.
إضافة إلى أن حد الزنا، لا يقام إلا عند ثبوت تلك الجريمة المنكرة على مرتكبها (فاعلها)، وتثبت تلك الجريمة بأحد أمرين:
1- الإقرار: وهو أن يعترف الزاني أو الزانية بفعل تلك الفاحشة.
2- الشهود: وهو أن يشهد أربعة رجال من المسلمين الأحرار العدول بأنهم رأوا العضو الذكري لفلان (الزاني) في فرج (العضو الأنثوي) لفلانة (الزانية) كالمرود في المكحلة، وذلك أمر يصعب جدًا تحقيقه.
أما إذا زنى الزاني ولم يفتضح أمره، فيستحب أن يستر على نفسه، وكذلك الزانية، ومن ثم يجب عليهما أن يتوبا إلى الله تعالى.
إلى غير ذلك من التفصيلات في ذلك الأمر المشار إليه بالتساؤل الذي نحن بصدده، والتي يمكن الرجوع إليها في كتب الفقه الإسلامي.
فالإسلام لا يريد لمثل تلك الجرائم والفواحش أن تنتشر، ولذلك كان من اللازم أن يضع حدا زاجرًا لمثل تلك المنكرات.
ومن الحكم الجليلة والفوائد العظيمة في إقامة هذان الحدان المشار إليهما (حد السرقة، حد الزنا) كتشريع إسلامي:
- سيادة الأمن والأمان بين صفوف المجتمع الإسلامي، واندثار الرذيلة، وانتشار الفضيلة، والنهوض بالمجتمع إلى أفضل وأرقى مكانة، وأشرف منزلة يرتضيها الله تبارك وتعالى.
فالحدود التي شرعها الإسلام تمثل حدودا زاجرة لكل من تسول له نفسه الخبيثة بأن يثير ويحدث القلق والزعر والاضطرابات بين صفوف المجتمع الإسلامي، وتمثل أيضا سدًّا منيعًا أمام كل من يحاول التفكير في أن يعبث ببنات المسلمين، وأن يهتك أعراضهن، وأن يلحق الأذى بالمسلمين في أعراضهم.
فإقامة هذه الحدود تكون في شهود وحضور طائفة من المسلمين، ومن ثم ينتشر نبأ إقامتها بيقين بين صفوف المجتمع، ومن ثم يعتبر الجميع بمن تقام فيهم هذه الحدود.
لذا، فإن الإسلام حينما شرع مثل هذه الحدود، إنما كان ذلك حفاظًا على الفرد والمجتمع والرقي بهما في شتى جوانب المعاملات والأخلاقيات إلى القمم السامقة، وندلل على ذلك أيضا:
أنه في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود التي أمرت بها نجد أن حالات السرقة أو الزنا أو غيرها من الجرائم إنما هي قليلة جدا، ولا تكاد تذكر إذا ما قورنت بحالات السرقة أو الزنا أو غيرها من الجرائم في المجتمعات التي لا تعيش في ظل الإسلام وتطبيق شرعه وإقامة حدوده، والمجتمعات الغربية وغيرها من البلدان الغير إسلامية برهان ذلك.
فأعداء الإسلام إنما يحسدوننا (المسلمين) من داخلهم على هذه الشريعة القويمة التي قد امتن الله تعالى علينا بها، والتي يأمن في ظلها الفرد على نفسه وأهله وماله، والتي بها تنتشر الفضيلة ومكارم الأخلاق وتسمو المجتمعات إلى أعلى منزلة وأرفع مكانة، ومن ثم فإنه يجب على المسلمين في شتى أقطار الأرض أن يحتكموا إلى شريعة الله عز وجل، وأن يقيموا حدوده ليسعدوا في دنياهم، ويكون لهم الفلاح في أخراهم.

وختاما لهذا الفصل، نوضح:
أن مما أشرنا إليه من ردود موجزة على ما يحاول أعداء الإسلام إثارته وترويجه بالباطل، يتبين كذب ادعاءاتهم، وبطلان افتراءاتهم، وما يلجأون إليه من استخدام لأساليب ملتوية خادعة من أجل تحقيق مطامعهم الدنيئة وإشباع رغباتهم الفاسدة هجوما على الإسلام وأهله.
ومن ثم، فإنه يجب علينا: أن لا نلقي بأسماعنا لمثل هؤلاء الحاقدين الذين لا يألون سعيا وجهدًا في إثارة وترويج تلك الشبهات الواهية الساقطة، في استغلال منهم لجهل من يروجون له تلك الفتن والشبهات، بحقيقة الإسلام وما جاء به.
وأن تكون مرجعيتنا في مواجهة مثل هؤلاء الحاقدين إلى علماء الإسلام الربانيين المعتمدين، الذين لا يخافون في الله لومة لائم، والذين قد بذلوا وقتهم في تعلم هذا الدين والصدّ عنه من هجمات المعتدين الحاقدين.
أن على غير المسلمين المنصفين إذا ما أرادوا أن يتعرفوا على حقيقة الإسلام، أن يسمعوا منه، لا أن يسمعوا من غيره، لا سيما وقد أوضحنا كيف يحاول أعداء الإسلام الحاقدين أن يُلبّسوا بين الحق والباطل لتشويه صورة الإسلام.
وهذه الدعوة التي ندعوا إليها غير المسلمين إنما هي من العدل والإنصاف، ولا يمكن للعقل الرشيد أن يقبل غيرها.
ونسأل الله تعالى أن يوفق كل مبتغ للحق إلى ما فيه الخير والرشاد، وأن يرد كيد الحاقدين في نحورهم، وأن يبطل كيدهم، فهو جل وعلا ولي ذلك والقادر عليه.

ختامًا
لقد أشرنا في النقاط السابقة إلى موجز لمعتقد كل من الإسلام والنصرانية اليهودية.
ولقد تبين بجلاء لأصحاب الفطر النقية والنفوس الزكية والعقول السوية مدى صفاء العقيدة الإسلامية ونقاءها، وبساطتها ووضوحها، وخلوها من الشوائب والعكرات التي أصابت غيرها، ومن ثم سهولة فهمها واستيعابها من جميع الفئات والطبقات البشرية ومن جميع المستويات العقلية المختلفة، حتى وإن كانت ذات جهالة وأمية، وذلك دون إعنات للفكر أو قهر للذهن بأي صورة من الصور.
لذلك فإن ما أشرنا إليه وأوضحناه يعدّ شاهدًا دامغًا، ودليلاً بيّنًا وبرهانًا قاطعًا لأولى الألباب والبصائر على أن الإسلام هو دين الله الحق الذي ارتضاه ربنا تبارك وتعالى للعالمين، وأن من يبتغ غيره دينًا فلن يقبل منه وسيكون يوم القيامة من الخاسرين، مصداقا لقول الله تعالى:
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾
[سورة آل عمران آية: 85]

رسالة
وختاما لهذا البحث الموجز، نقدم هذه الرسالة القصيرة في عدة نقاط، وذلك إتمامًا للفائدة المرجوة من هذا الموضوع الذي نحن بصدده.
وهذه النقاط هي على الترتيب كالآتي:
1- أن الإسلام بسيط في مفهومه، بعيد كل البعد عن مثل تلك الفرق المارقة التي تظهر بين الحين والآخر منتسبة إليه.
بمعنى أن المسلم لا ينتسب إلى أي من تلك الفرق المارقة المبتدعة من أصحاب الفُرقة والهوى، وإنما يكون على ما كان عليه النبي محمد  وأصحابه الكرام من بعده، متبعًا لهم، مقتديًا بهم.
وذلك وفقا لما أرشدنا إليه النبي محمد  حيث إن تلك الفرق المارقة المبتدعة كلها في ضلال وخسران إلا من استمسك بهدي النبي محمد ، وهدي أصحابه المتبعين له من بعده .
ومن ثم يتبين:
أن على المسلم أن ينتهج نهج نبيه محمد ، والسلف الصالح من بعده، وهم أصحابه الكرام، ابتداءً من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، ومن تبعهم بإحسان.
وذلك لأن رسول الله  قال: «خير أمتي قرني» رواه البخاري
وقال : «خير الناس قرني» رواه البخاري.
أي: أن أفضل الناس بعد الأنبياء هم الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، الذين عاصروا النبي محمد .
وأن هؤلاء الصحابة ومن عاصرهم وتبعهم هم أفضل من في أمة النبي محمد  لذلك:
فإن كلمة (السلفية) لا تعني فرقة أو جماعة، وإنما هي منهج يسير عليه المسلم، متبعًا لأصحاب نبيه محمد ، الذين عاصروه وفهموا عنه فهمًا صحيحًا، ومن تبعهم بإحسان، متوارثين ذلك الفهم الصحيح عنهم، وذلك ليسلم المسلم من الوقوع في مستنقع البدع والفتن.
2- أن المسلم يلزمه بجانب الإيمان والاعتقاد السليم، العمل بأركان الإسلام، والالتزام بتعاليم هذا الدين وأوامره، والاجتناب لنواهيه.
فالله تعالى يقول: ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر].
ومن ثم يتبين أن الإيمان يكون مقترنا بعمل الصالحات والالتزام بتعاليم الإسلام.
وأن عدم التزام فئة من المسلمين بتعاليم وهدي الإسلام، لا يعني أن ينظر إلى الإسلام من خلال تلك الفئة المتهاونة، لأنهم بتقصيرهم ليسوا بصورة للإسلام.
ومن ثم فإن الإسلام يُنظر إليه من خلال هديه وتعاليم شريعته، ومن يلتزم بنهجه، ويستن بسنة من جاء به وهو النبي محمد .
3- أن المسلم لا يبتغ العزة إلا في دين الله عز وجل، ألا وهو الإسلام.
فإذا ابتغى المسلم العزة في الإسلام أعزه الله جل وعلا، وأما إذا ابتغى العزة في غير دين الله تعالى، أذله الله جل وعلا.
وشاهد ذلك: أن العرب كانوا قبل بعثة النبي محمد  عبارة عن قبائل متناحرة متشرذمة لا يأبه أحد بهم.
ولكن بعد بعثة النبي محمد  وإيمانهم به، وتصديقهم لدعوته ورسالته، واتباعهم له، وتطبيقهم لشرع الله عز وجل الذي قد جاء به، صاروا أعزّ من على الأرض، وفتح الله تعالى عليهم الأمصار والبلدان.
4- أن المسلم لا يوالي إلا أهل الإسلام، وينصرهم في الحق وينصح لهم ويمنعهم عن الباطل، ويبرأ من غيرهم، مع عدم ظلمهم أو انتهاك حقوقهم.
5- أن المسلم عليه أن يشكر الله على هذه النعمة العظيمة التي امتن عليه بها، ألا وهي نعمة الإسلام حيث وفقه للإيمان والتوحيد.
ويكون الشكر لله تبارك وتعالى على نعمة الإسلام:
بتطبيقه والالتزام بتعاليمه، والاحتكام إلى شرعه.
ونود أن نلقي مزيدا من الضوء على هذه الجزئية، وهي: الاحتكام إلى شرع الله عز وجل.
حيث إن المسلم لا يلجأ أبدا للاحتكام إلى غير شريعة الله جل وعلا، ولا يرضى إلا بحكم الله عز وجل الذي ارتضاه لعباده من فوق سبع سماوات، وذلك لأن المسلم يؤمن بالله سبحانه وتعالى خالقًا ومشرعًا ومجازيًا (بيده الثواب والعقاب).
فلا يُعرض عن تطبيق شرع الله جل وعلا، ويرضى بغيره إلا من كان منافقًا، حاقدًا على الإسلام وأهله.
فبتطبيق شريعة الله جلّ وعلا يكون الأمن والرخاء، والسعادة في الدنيا، والفوز برضا الله تبارك وتعالى في الآخرة.
الدعوة إليه: وذلك بتوضيح حقيقة هذا الدين العظيم لمن يجهله، من قبل أن يبث أعداء الإسلام سمومهم في أذهان من يسعون لصدهم عنه، معتمدين جل الاعتماد على جهلهم بالإسلام، وما جاء به من تعاليم سامية ومعاملات كريمة، وعبادات هادية، وشريعة محكمة سمحاء.
6- أن المسلم عليه أن يدعوا لهذا الدين العظيم الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وألا يجادل إلا بالتي هي أحسن، مبتغيًا في ذلك نصرة دين الله عز وجل فقط.
7- أن المسلم عليه أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر، مع الأخذ في الاعتبار:
أن الأمر بالمعروف والدعوة إليه تكون بالمعروف، أي بالأسلوب الصحيح القويم الرشيد.
وأن النهي عن المنكر يكون أيضا بالمعروف، أي: بالأسلوب الصحيح القويم الرشيد.
ومن ثم تكون خيرية هذه الأمة، امتثالا لقول الله تعالى:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [سورة آل عمران آية: 104]
وأخيرًا نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ينفع بهذه الكلمات الموجزات، وأن يجعلها في ميزان حسناتنا جميعًا، وأن يستعملنا في نصرة دينه، وأن يتقبل منا ومن الجميع صالح الأعمال، وأن ينميها لنا، فهو تبارك وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك