علوم الرياضيات بين الإبداع الإسلامي والإنصاف الغربي وإجحافه

الكاتب  :  د. خالد حربي: مصر

 

اجتذب المسلمون الناحية العملية من الرياضيات، فلم يكتفوا باستيعاب الهندسة اليونانية، ولكنهم اهتموا أيضاً بتطبيقها عملياً، وقد نجحوا في ذلك أيما نجاح، وهنا تكمن عبقرية المسلمين وأثرها العظيم في تقدم العلم عامة والرياضيات خاصة، والجبر بصورة أخص، ذلك العلم الدقيق الذي اخترعه إمام الرياضيين المسلمين محمد بن موسى الخوارزمي (182-232هـ/798-846م) الذي لم يمتد تأثيره إلى علماء الرياضيات المسلمين في العصور اللاحقة فقط، بل امتد إلى العالم الغربي، فلقد اعترف أصحاب كتاب (تأريخ كيمبردج للإسلام) بأن الخوارزمي هو المسؤول بصورة أساسية عن تأسيس علم الجبر.
 وقد جاءت معرفة الغرب لكتاب الجبر والمقابلة للخوارزمي عن طريق الترجمات اللاتينية التي وضعت له، فلقد ترجم جيرارد الكريموني الأصل العربي لكتاب الجبر والمقابلة إلى اللغة اللاتينية في القرن الثاني عشر للميلاد، وترجمه أيضاً روبرت الشستري وأصبح أساساً لدراسات كبار علماء الرياضيات الغربيين. وإلى مصنفات الخوارزمي الأخرى يرجع الفضل في نقل الأرقام الهندية – العربية إلى الغرب حيث سميت باسمه أول الأمر algorisms (الغوريتمي)، ثم جعل الألمان من الخوارزمي اسماً يسهل عليهم نطقه، فأسموه Algorizmus ، ونظموا الأشعار باللاتينية تعليقاً على نظرياته. وما زالت القاعدة الحسابية (Algrithmus) حتى اليوم تحمل اسمه كرائد لها. وقد نشر (فردريك روزن) كتاب الجبر والمقابلة سنة 1831م في لندن، ونشر كارنبسكي ترجمة أخرى مأخوذة من ترجمة الشستري سنة 1915. ومن ذلك يتضح أن أعمال الخوارزمي في علوم الرياضيات قد لعبت في الماضي والحاضر دوراً مهماً في تقدمه، لأنها أحد المصادر الرئيسة التي انتقل خلالها الجبر والأعداد العربية إلى الغرب. فعلم الجبر من أعظم ما اخترعه العقل البشري من علوم، لما فيه من دقة وأحكام قياسية عامة. والخوارزمي هو الذي وضع قواعده الأساسية وأصوله الابتدائية كما نعرفها اليوم، وشكَّل بذلك مدرسة رياضياتية ممتدة، لعبت دوراً مهماً في تطور الرياضيات منذ أن بدأ صاحبها هذا التطور، وذلك عندما انتقل من الحساب إلى الجبر، والذي اعترف العالم أجمع بأنه واضعه الحقيقي.
لم تتوقف الحضارة الإنسانية على الإفادة من الحضارة الإسلامية في الرياضيات على الخوارزمي فحسب، بل اعتبر علماء الغرب ثابت بن قرة (221-288هـ/835-900م) أعظم هندسي مسلم على الإطلاق، وهو الذي ترجم الكتب السبعة من أجزاء المخروطات في كتب أبولونيوس الثمانية إلى العربية فحفظ للإنسانية بذلك ثلاثة كتب من مخروطات أبلونيوس فقدت أصولها اليونانية. ويُعد ثابت من أوائل علماء الحضارة الإسلامية الذين تصدوا للبرهنة على المصادرة الخامسة لإقليدس الخاصة بالخطوط المتوازية بعد أن فشل علماء اليونان في البرهنة عليها. وما من شك في أن هذه المصادرة تلعب دوراً مهماً في علم الهندسة، وليس أدل على ذلك من أنها شغلت تفكير علماء الرياضيات منذ القرن الثالث قبل الميلاد وحتى القرن التاسع عشر الميلادي. وقد تصدى علماء الحضارة الإسلامية للبرهنة على هذه المصادرة، وبذلوا جهوداً كبيرة في إثباتها أدت إلى ظهور الهندسات اللاإقليديسية في العصر الحديث، تلك التي اقترنت بأسماء غربية، مع أن علماء الحضارة الإسلامية هم الرواد الأُول لهذه الهندسات، ومنهم ثابت بن قرة.
ويُعد كتاب الأرثماطيقي في الأعداد والجبر والمقابلة أشهر كتب أبي كامل المصري (236-318هـ/850-930م) حيث استمر هذا الكتاب فاعلاً في التقاليد الرياضياتية عبر العصور اللاحقة، ووضعت له شروحات كثيرة. وقد وصل  إلينا في نسختين مخطوطتين، وتُرجم إلى العبرية ترجمة ناقصة، وتُرجم إلى اللغة الإنجليزية ونُشر سنة 1966 بمعرفة مارتن ليفي. ويشتمل كتاب الجبر والمقابلة لأبي كامل على معادلات الخوارزمي الست شارحاً لها، ومعللاً بعضها، وأضاف عليها معادلات كثيرة بلغت تسعاً وستين معادلة وربطها بالهندسة. 
ويُعد أبو كامل، بحسب مارتن ليفي، أول من حل المعادلات الجبرية التي درجتها أعلى من الدرجة الثانية، ووردت هذه الحلول لأول مرة في تاريخ الرياضيات ضمن مصنفاته في المضلعين الخماسي والعشاري، فضلاً عن كتاب الجبر والمقابلة. وإذا كان الخوارزمي قد أوجد الجذر الموجب لمعادلات الدرجة الثانية، فإن أبا كامل اهتم بإيجاد الجذرين الموجب والسالب، واستطاع حل الكثير من المعادلات المحتوية على مجهولين وأكثر حتى خمسة مجاهيل.. وهكذا كمّل أبو كامل المصري جبر الخوارزمي وأضاف عليه، ففسر مبادئه بطريقة جازمة، وعالج الجذور الصم، وأجرى العمليات الحسابية من جمع وطرح على الحدود الجبرية، وكل هذه العمليات مثَّلت تطويراً مهماً لعلم الجبر في العصور اللاحقة لأبي كامل، وأثَّرت فيمن جاء بعده من علماء الرياضيات المسلمين كالكرخي، وعمر الخيام، وامتد التأثير إلى علماء الغرب، بل علماء الأرض على حد قول فلورين كاجوري في كتابه (تاريخ الرياضيات) حيث قال: (كانت مؤلفات أبي كامل خلال القرن الثالث عشر للميلاد من المراجع الفريدة لعلماء الرياضيات في جميع أنحاء المعمورة). وكما اعتمد العالم ليوناردو البيزي على مؤلفات أبي كامل، قرر هورد إيفز أن العالم الرياضياتي المشهور (فابوناسي) استند في مؤلفاته في علمي الحساب والجبر على مؤلفات الخوارزمي وأبي كامل المصري.
أما أبو الوفاء البوزجاني (329-388هـ/940-998م) فهو أحد الأئمة المعدودين في الرياضيات والفلك، وألف فيهما مؤلفات مهمة أفادت منها الإنسانية، ففي الرياضيات برع أبو الوفاء في الهندسة واكتشف فيها كشوفاً لم يسبقه إليها أحد، وكذلك الجبر حيث زاد في بحوث الخوارزمي زيادات تعد أساساً لعلاقة الهندسة بالجبر، ومنها أنه حل هندسياً معادلات من الدرجة الرابعة، وأوجد حلولاً تتعلق بالقطع المكافئ مهدت السبل لعلماء الغرب فيما بعد أن يدَّعوا تقدمهم بالهندسة التحليلية خطوات واسعة أدت إلى أروع ما وصل إليه العقل البشري وهو التفاضل والتكامل. وينكشف ادعاؤهم إذا علمنا أن علم التفاضل والتكامل تم اكتشافه في الحضارة الإسلامية أيضاً على يد ثابت بن قرة. ومع ذلك اعترف علماء الغرب أن أبا الوفاء هو أول من وضع النسبة المثلثية (ظل)، وأول من استعملها في حلول المسائل الرياضياتية، وأدخل القاطع، والقاطع تمام، ودرس تربيع القطع المخروطي المكافئ بأنواعه الثلاثة: مكافئ، وناقص، وزائد، كما درس المساحة الحجمية للقطع المكافئ المجسم، وأوجد طريقة جديدة لحساب جداول الجيب التي امتازت بدقتها. ووضع البوزجاني الجداول للمماس، ووضع المعادلات التي تتعلق بجيب زاويتين، وبهذه الاكتشافات، وبخاصة وضع (ظل) في أعداد النسبة المثلثية أصبح البوزجاني في نظر علماء الغرب من الخالدين، حيث أسس بذلك ووضع أحد الأركان التي قام عليها علم حساب المثلثات الحديث.
ووضع أبو سهل الكوهي (ت405هـ/1014م) عدداً من المؤلفات الهندسية المهمة ضمنها إنجازاته الهندسية وفي مقدمتها اهتمامه بمسائل أرشميدس وأبولونيوس التي تؤدي إلى معادلات ذات درجة عالية من معادلات الدرجة الثانية، فالفروض التي لم يستطع أرشميدس إثباتها تمكن الكوهي من استخراج حلها ببراعة فائقة، وقد شكل هذا الحل أهمية في تاريخ الهندسة، وعُدّ من أحسن ما كُتب عن الهندسة عند المسلمين. وإذا كان ثابت بن قرة قد ابتدع علم التفاضل والتكامل بإيجاده حجم الجسم المتولد من دوران القطع المكافئ حول محوره، فإن الكوهي قد طوّر مسيرة هذا العلم بإيضاحه كيفية إنشاء قطعة كروية تكافئ قطعة كروية أخرى معلومة، وتساوي مساحة سطحها الجانبي مساحة السطح الجانبي لقطعة كروية ثابتة معلومة.
أما الكرخي، أبو بكر محمد بن الحاسب (350-421هـ/961-1034م) فشرع في حسبنة الجبر بمحاولة استغناء العمليات الجبرية عن التمثيل الهندسي. وقد استطاع الكرخي بالفعل أن يحقق تلك الخصوصية الجبرية وجاءت نظريته التي وقف عليها (فبكي) أحد علماء الرياضيات الغربيين المشهورين، وانتهى بعد دراسته لكتاب الكرخي الكافي في الحساب مقرراً أنها النظرية الأكثر اكتمالاً، أو بالأصح النظرية الوحيدة في الحساب الجبري عند المسلمين التي نعرفها حتى اليوم.
كما وضع الكرخي تطويراً فريداً لقانون حل معادلات الدرجة الثانية لم يسبقه إليه أحد، وأصبح قانوناً رئيساً في علم الجبر. كذلك طوّر الكرخي القانون الخاص بإيجاد الجذر التقريبي للأعداد التي ليس لها جذر، وابتكر صيغة جديدة تخرج الجذر التقريبي لما لا يمكن إخراجه من الأعداد، كما ابتكر طريقة معالجة مختلف المتواليات، وعُدّ أول من عالج وبرهن على المتوالية التي سماها (الاندراجية). وعن طريق حله لمعادلة عددين مجموع مكعبيهما يساوي مربع العدد الثالث، استنتج الكرخي المعادلة التي لا يخلو منها كتاب في الجبر، وهي: أ سن + ب صن = م عن- 1. وابتكر قانوناً يسمح بجمع وطرح الأعداد الصم، وهي الأعداد التي ليس لها جذر وهو: 
 
 
إن المثلث المشهور الذي ادعاه بسكال الفرنسي (ت 1662) لنفسه هو مثلث الكرخي الذي دشنه ضمن أهم مبتكراته الرياضياتية وهي اكتشافه نظرية ذات الأسين أو ذات الحدين لأسس صحيحة موجبة، وترتيبه معاملات مفكوك (س + 1)ن، فجاء مثلثه لمعاملات نظرية ذات الحدين. وظل الغرب يستفيد من جبر وحساب الكرخي حتى القرن التاسع عشر، حيث ترجم هوسهيلم كتاب الكرخي (الكافي في الحساب) إلى اللغة الألمانية، وبه أصبحت أوروبا، على حد قول جورج سارتون، مدينة للكرخي الذي قدم للرياضيات أعم وأكمل نظرية في علم الجبر عرفتها، وبقيت حتى القرن التاسع عشر الميلادي تستعمل مؤلفاته في علمي الحساب والجبر، وعُدّ الكرخي، بحسب هورد إيفز، من بين العلماء الرياضيين المبتكرين لما في كتابه الفخري من نظريات جبرية جديدة تدل على عمق وأصالة في التفكير، وهو أحسن كتاب في علم الجبر في العصور الإسلامية (الوسطى) مستنداً على كتاب محمد بن موسى الخوارزمي (الجبر والمقابلة)، وامتاز كتاب الفخري بطابعه الأصيل في علم الجبر لما فيه من الابتكارات الجديدة والمسائل التي لا يزال لها دور في الرياضيات الحديثة.
واطلع عمر الخيام (ت515هـ/1121م) على أعمال الخوارزمي وتناولها بالدرس جاعلاً من نفسه منافساً له يحاول أن يصل إلى أشياء جديدة لم يصل إليها الخوارزمي، وبالفعل وضع الخيام كتابه (في الجبر) الذي فاق كتاب الخوارزمي في نظر البعض. فقد ركز الخيام جُل اهتمامه على حل جميع أنواع معادلات الدرجة الثالثة وهي المسألة التي لم يتوصل أسلافه إلى حل لها عن طريق الجذور، فحلها الخيام بالطريقة الهندسية. وأخذ رينيه ديكارت الفرنسي (ت1650) طريقة حل معادلات الدرجة الثالثة التي أبدعها الخيام، بنصها الحرفي وضمَّنها كتابه (الجومطري) دون أن يشير إلى صاحبها الأصلي عمر الخيام. كما ادعى سيمون الهولندي (ت 1620) لنفسه فكرة (التصنيف) الذي أبدعها عمر الخيام الذي يُعد باعتراف جورج سارتون، أول من أبدع فكرة التصنيف، فعُد بذلك أول من مهد الطريق أمام تدشين (الهندسة التحليلية)، إذ قام بتصنيف المعادلات بحسب درجتها، وبحسب الحدود التي فيها محصورة في أربعة عشر نوعاً، وبرهن هندسياً على حل معادلة منها باستخدام القطوع المخروطية الثلاثة: الدائرة، والقطع المكافئ، والقطع الزائد، تلك القطوع التي انتحلها أحد علماء الرياضيات الغربيين وهو ياكيري (ت 1733) وضمّنها في نظريته عن الخطوط المستقيمة ونسبها له مؤرخو الرياضيات الغربيون، إلا أن مؤلفات الخيام تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه أول من أبدعها واستعملها في تاريخ الرياضيات، وذلك حينما برهن على المصادرة الخامسة لإقليدس ذلك البرهان الذي ساهم في تطور الهندسة الحديثة، فقد افترض الخيام فروضاً ثلاثة للبرهنة على أنه إذا كانت زاويتان في مستطيل متساوي الأضلاع تساوي كل منهما زاوية قائمة، فإن الزاويتين الأخريين تساوي كل منهما زاوية قائمة، ويستحيل أن تكون حادة أو منفرجة، وانتهى إلى أنه لا يبقى إلا أن يكونا زاويتين قائمتين، فعُدّ الخيام أول من استعمل هذه الفروض الثلاثة (الزاويتان حادتان – منفرجتان – قائمتان)، ومما لاشك فيه أن هذه الفروض تلعب دوراً مهماً في الهندسات اللاإقليديسية الحديثة.
ويرجع الفضل لنصير الدين الطوسي (597-672هـ/ 1201-1274م) في ابتكار وتعريف الأعداد الصم، وهي الأعداد التي ليس لها جذر، والتي لا تزال تشغل أهميتها في الرياضيات الحديثة. كما يُعد أول من فصل علم حساب المثلثات عن علم الفلك ووضع أول كتاب في حساب المثلثات سنة 648هـ/ 1250م وهو كتاب (أشكال القطاعات) الذي دوّن فيه أول تطوير لنظرية جيب الزاوية إلى ما هي عليه الآن، وذلك باستعماله للمثلث المستوي. وانتحل بعض الغربيين كثيراً من نظريات كتاب الطوسي ونسبها لنفسه، فالناظر في كتاب ريجيومونتانوس (علم حساب المثلثات) يدرك لأول وهلة أن كثيراً من نظرياته وأفكاره موجودة بنصها في كتاب نصير الدين الطوسي (أشكال القطاعات) الذي عُدّ أول كتاب من نوعه على مستوى العالم يفصل علم المثلثات عن علم الفلك، واعتُمد مرجعاً رئيساً لكل علماء الغرب الباحثين في علم المثلثات الكروية والمستوية، وذلك بعد ترجمته إلى اللاتينية والإنجليزية والفرنسية، فدرسوه وأفادوا به إلى الدرجة التي معها نسب ريجيومونتانوس كثيراً من نظرياته لنفسه كما ذكرت. 
وأظهر الطوسي براعة فائقة وخارقة للعادة، بحسب جورج سارتون، في معالجة قضية المتوازيات في الهندسة حيث ألم بأسس الهندسة المستوية المتعلقة بالمتوازيات، وبرهن كثيراً من مسائلها، تلك البراهين التي شكلت نظرية أساس عمل الإسطرلاب، ولأول مرة في تاريخ الرياضيات استطاع الطوسي دراسة المثلث الكروي قائم الزاوية، وأوجد منه متطابقات مثلثية. وانتهى إلى أهم ما قدمه للإنسانية جمعاء، وهو وضعه للهندسة اللاإقليديسية الحديثة التي تلعب دوراً مهماً حالياً في تفسيرات النظرية النسبية ودراسة الفضاء.
وإذا كانت الهندسة اللاإقليديسية الحديثة قد اقترنت حديثاً بأسماء غربية مثل فاوس وريمان الألمانيين، وبولياي المجري، ولوباتشوفسكي الروسي، فإن هناك شهادات غربية أيضاً تُرجع الفضل لأهله وتعترف بوضع نصير الدين الطوسي للهندسة اللاإقليديسية الحديثة، فقد برهن الطوسي بكل جدارة، على حد قول درك ستريك، على المصادرة الخامسة من مصادرات إقليدس، وتوصل وبرهن على أن مجموع زوايا المثلث تساوي قائمتين، وذلك يكافئ المصادرة الخامسة من مصادرات إقليدس، وبذلك يكون الطوسي قد وضع أساس الهندسة اللاإقليديسية الحديثة. ويذكر هورد إيفز أن جرولاسكير الإيطالي المسمى بأبي الهندسة اللاإقليديسية قد اعتمد بصورة أساسية على عمل نصير الدين الطوسي في هذا الميدان من الهندسة. ويدرس جان والس الرياضياتي الإنجليزي الشهير برهان نصير الدين الطوسي على المصادرة الخامسة لإقليدس، ويخرج من دراسته معترفاً بفضل نصير الدين الطوسي في وضع الهندسة اللاإقليديسية وظهور فجر الرياضيات الحديثة.
وإذ اكانت أهمية العالم إنما تقاس بما قدمه من تطوير لعلمه الذي يبحث فيه، فإن ابن البنّاء المراكشي (654-731هـ/1256-1321م) قدم من الأفكار والنظريات الرياضياتية المبتكرة ما أدى إلى تطور وتقدم علم الرياضيات في الحضارة الإسلامية، وفي العصور اللاحقة، وقد دل على ذلك أن كتاب تلخيص أعمال الحساب لابن البنّاء نال اهتمام علماء الرياضيات في العصور اللاحقة له، فدرسوه ولخصوه، وشرحوه شروحات متعددة، ظل بعضها، وهو شرح القلصادي الكبير من المراجع الرياضياتية الرئيسة على الجانبين العربي والغربي إلى الدرجة التي معها، ادعى بعض الغربيين كثيراً من نظريات ابن البناء ونسبوها لأنفسهم زوراً وبهتاناً، لكن هناك في الوقت نفسه شهادات غربية معترفة بهذا الزور وذلك البهتان وتُرجع الفضل لأهله، ففي النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي ترجم أريستيدمار كتاب تلخيص أعمال الحساب لابن البناء إلى اللغة الفرنسية، وبعد أن درسه دراسة وافية، قرر أن كثيراً من النظريات الرياضياتية المنسوبة لعلماء غربيين هي نظريات ابن البنّاء المراكشي. وهذا ما حدا بديفيد سميث أن يذكر أن كتاب تلخيص أعمال الحساب لابن البنّاء يشتمل على بحوث كثيرة في الكسور ونظريات لجمع مربعات الأعداد ومكعباتها وقانون الخطأين لحل المعادلة من الدرجة الأولى. وقدم ابن البنّاء، بحسب فرانسيس كاجوري، خدمة عظيمة بإيجاده الطرق الرياضياتية البحتة وإيجاده القيم التقريبية لجذور الأعداد الصم، ولذا رأى جورج سارتون أن كتاب تلخيص أعمال الحساب لابن البنّاء المراكشي يحتوي على نظريات حسابية وجبرية مفيدة، إذ أوضح العويص منها إيضاحاً لم يسبقه إليه أحد، لذا يُعد كتابه من أحسن الكتب التي ظهرت في علم الحساب.
وإذا كان الخلاف بين علماء الرياضيات كبير، على حد قول ديفيد سميث، فإن غالبيتهم يتفق على أن غياث الدين الكاشي (ت839هـ/1436م) هو الذي ابتكر الكسر العشري، ويعترف سميث بأن المسلمين في عصر الكاشي سبقوا الأوروبيين في استعمال النظام العشري، وأنهم كانوا على معرفة تامة بالكسور العشرية، ولا يخفى ما لهذا الابتكار من أثر بالغ في اختراع الآلات الحاسبة.
 بحث الكاشي كيفية تعيين نسبة محيط الدائرة إلى  قطرها، وأوجد تلك النسبة، على حد قول سميث، إلى درجة من التقريب لم يسبقه إليها أحد، وتكاد تعادل النسبة التي استخرجها علماء القرن العشرين بالآلات الحاسبة، فوصلت نسبة الكاشي إلى 16 خانة عشرية، وقيمتها 3.1415926535898732.
 كما توصل الكاشي إلى قانون خاص بمجموع الأعداد الطبيعية أو المتسلسلة العددية المرفوعة إلى القوة الرابعة، وهو قانون لا يمكن التوصل إليه بقليل من النبوغ على رأي كرادي فو. فقد توصل علماء الحضارة الإسلامية قبل الكاشي إلى قوانين عدة في مجموع الأعداد الطبيعية المرفوعة إلى القوة الأولى والثانية والثالثة، وزاد الكاشي بوضع قانون مجموع الأعداد الطبيعية المرفوعة إلى القوة الرابعة. ومما لاشك فيه أن هذا القانون أدى إلى تطور علم الأعداد تطوراً ممتداً منذ الكاشي وحتى العصر الحديث، خصوصاً وأن الكاشي استطاع إيجاد خوارزمية لحساب الجذور النونية لأي عدد والتي عُدت حالة خاصة للطرق التي اكتشفت بعد ذلك بقرون في العصر الحديث بمعرفة (هورنر). 
وإذا كان بعض مؤرخي الرياضيات الغربيين ينسبون نظرية (ذات الحدين) لإسحاق نيوتن أو لغيره من الغربيين، فإن منهم من يعترف بأن صاحبها هو غياث الدين الكاشي، ففي كتابه مصادر الرياضيات يقرر دريك سترويك أن الكاشي هو أول من فكر في طريقة ذات الحدين – بعد أن وضع أساسها الكرخي وعمر الخيام-، ويرجع له الفضل في تطوير خواص معاملاتها، فاستخدم لإيجاد حدود المعادلة الجبرية قاعدة عمر الخيام وطورها وجعلها قاعدة عامة لنظرية ذات الحدين لأي أس صحيح. ولا يغيب عن البال ما لنظرية ذات الحدين من أهمية في الرياضيات حتى الآن.
ولا تقل أهمية نظرية ذات الحدين عن أهمية الرموز الجبرية، تلك التي أثبتّ في دراساتي وبيّنت أن أبا الحسن القلصادي (835-891هـ/1426-1492م) هو أول من دشن واستعمل الإشارات والرموز الجبرية المستعملة في الجبر حتى الآن. ودوّن القلصادي رموزه هذه في كتابه (كشف الأسرار عن علم الغبار) الذي امتدت أهميته من المسلمين إلى الغرب الذي ترجمه إلى اللاتينية وأفاد بما فيه، وبيّنت أن هذا الكتاب يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن أحد الرياضيين الغربيين وهو فرانسوا فيته (ت 1603) الذي اشتهر بعلم المثلثات والهندسة والجبر، قد أخذ رموز القلصادي في مبدأ استعمال الرموز في الغرب ونسبها لنفسه. و لكني أوضحت أيضاً أن كتاب (كشف الأسرار عن علم الغبار) يثبت وباعتراف أحد مؤرخي الرياضيات الغربيين وهو فرانسيس كاجوري أن القلصادي قد استخرج قيمة تقريبية للجذر التربيعي للكمية (أ2 +ب)، وهذه القيمة التقريبية أخذها علماء الرياضيات الغربيون وبخاصة ليوناردو أف بيزا الإيطالي ومواطنه تارتاليا وغيرهما واستعملوها في إيجاد القيم التقريبية للجذور الصم. وانتهيت في دراستي للقلصادي باعتباره آخر المؤلفين الكبار في الأندلس بإيضاح إسهامه في تطور الرياضيات، وخاصة علم الحساب وعلم الجبر، فقد أسدى للإنسانية خدمة جليلة بتطويره علم الجبر، ذلك التطوير الذي ظل ممتداً منذ عصره وحتى العصر الحديث، وليس أدل على ذلك من أن مؤلفاته في الحساب والجبر، وبخاصة كتابه (كشف الأسرار عن علم الغبار) ظلت معيناً ينهل منه طلاب العلم في الغرب حتى القرن العشرين.
 من كل ما سبق يتضح بصورة قوية مدى إسهام علماء الرياضيات المسلمين في تأسيس علوم الرياضيات الحديثة، الأمر الذي يجعلنا نقف بصورة واضحة على حجم الإسهام الرياضياتي الإسلامي في الحضارة الإنسانية.

 

الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك