حوار بين تقي وشقي ( نماذج من حوارات المسلمين)

حوار بين تقي وشقي ( نماذج من حوارات المسلمين)

الشيخ عائض بن عبد الله القرني الفئات الرئيسية للموضوع
جامع العلوم والفوائد

في هذا الموضوع يكمل فضيلة الشيخ عائض ما كتبه حول موضوع حوار بين تقي وشقي ويعرض هنا لبعض الحوارات التي حدث من بعض الصحابة وبعض التابعين تجاه بعض الكفار أو الظلمة ويبدأها بالحوار التالي: حوار حبيب بن زيد مع مسيلمة الكذاب شقي آخر وما أكثر الأشقياء هو مسيلمة الكذاب يدعي أنه نبي من الأنبياء فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بأمره أرسل إليه حبيب بن زيد وهو أحد الصحابة عمره ثلاثون سنة وهذا الصحابي قد تربى على القرآن ولا يملك من الدنيا إلا سيفه يفلق به هامات الأعداء ومصحفه الذي يتصل من خلاله بالله عز وجل وسجداته في السحر وقلبه الذي وعى القرآن، فيقول عليه الصلاة والسلام: يا أيها الناس إني مرسلكم إلى ملوك الدنيا فلا تختلفوا علي. قالوا: سمعا وطاعة يا رسول الله، فقال: قم يا حبيب بن زيد واذهب إلى مسيلمة الكذاب، فيتهيأ لأشد الأمور قسوة وشدة لأنه قد يتعرض للموت فتودعه أمه وتبكي بكاء شديدا لفراقه، لكنها علمت أنه مأمور بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام وعلمت أمه أنها سوف تفارقه وستلقاه في جنة عرضها السموات والأرض وكأن لسان حالها يقول كما قال ابن زيدون: بنتم وبنا فما ابتلـت جوانحنـا٭٭٭٭ شوقا إليكم ولا جفت مآقينا تكاد حين تناديكـم ضمائرنـا ٭٭٭٭ يقضي علينا الأسى لولا تأسينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي٭٭٭٭ مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا وبعد أن أتى إلى مسيلمة قال له: من أنت؟ قال: حبيب بن زيد. قال: ماذا جاء بك؟ قال: جئت برسالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له: أتشهد أنه رسول الله. قال: أشهد أنه رسول الله. قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع شيئا. قال: أتشهد أنه رسول الله؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أتشهد أني رسول؟ قال: لا أسمع. فقال مسيلمة الكذاب لأحد جنوده: اقطع منه جزءا من اللحم فقطع منه ثم وقعت على الأرض فأعاد عليه السؤال فأعاد عليه بنفس الإجابة كما هي فقطع منه قطعة أخرى وظل يقطع منه حتى قطعه قطعا متناثرة في مجلسه وارتفعت روحه إلى الله إلى الخالق جل في علاه يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي (سورة الفجر آية ٢٧-٣٠) حوار خبيب بن عدي مع الكفار خبيب بن عدي عرضوه على مشنقة الموت وسألوه: ماذا تريد يا خبيب؟ قال لهؤلاء الكافرين الوثنيين المشركين: أريد أن أصلي ركعتين، فقام وتوضأ وصلى ركعتين واستعجل فيهما ثم فرغ منهما وقال لهم: والله لولا أن تظنوا أني أخاف الموت لأطلت في الركعتين ثم رفعوه على المشنقة فدعا عليهم قائلا: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا. قالوا: أتريد أن يكون محمد مكانك وأنت في أهلك ومالك؟ قال: لا. والله لا أريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصاب بشوكة وأني في أهلي ومالي ثم قتل. يقول أهل السير كموسى بن عقبة كان خبيب بن عدي يقول قبل أن يقتل: اللهم أبلغ عنا رسولك ما لقينا الغداة والسلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا رسول الله، هو في مكة والرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة فأخذ يقول صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظة: عليك السلام يا خبيب، عليك السلام يا خبيب، عليك السلام يا خبيب. ثم أنشد خبيب أنشودة الموت وهي قصيدة الفداء: ولست أبالي حين أقتل مسلما ٭٭٭٭ على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك ٭٭٭٭على أشلاء شلو ممزع حوار الأسود العنسي مع أبي مسلم الخولاني لقد سأل الأسود العنسي في اليمن أبا مسلم أن يؤمن به ويشهد أنه رسول الله. فقال له أبو مسلم: لا أسمع شيئا، وكذبه أبو مسلم أحد الأولياء من التابعين، فجمع له حطبا وألقاه في النار فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعلها الله بردا وسلاما عليه فعانقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفرح وأخذ يقول: مرحبا بخليل هذه الأمة أو بالرجل الذي أشبه الخليل إبراهيم أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه: لماذا؟ لأنه تقي عرف الله وذاك شقي جحد نعمة الله وتعدى على حدود الله وأوليائه. حوار ربعي بن عامر مع رستم ربعي بن عامر رضي الله عنه وأرضاه أحد الأعلام المسلمين في حرب القادسية دخل على رستم قائد فارس ومعه ما يقارب مائتين وثمانين ألفا من الجنود، فيقول له رستم بعجرفة القوة: ماذا جاء بكم؟ وكان مع ربعي رمح مسلم وثوب ممزق وفرس كبير معقور بلغ هذا الفرس من العمر عتيا. يقول له رستم ومعه وزراؤه وأصحابه وهو يضحك: جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور والرمح المسلم والثوب الممزق؟ فرد عليه ربعي بن عامر بلسان الواثق: من نصر ربه إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. فرد عليه هذا الشقي بعد أن أدهشه رد ربعي بن عامر: لا تخرج من قصري أو إيواني حتى تحمل ترابا على رأسك، فحمل ربعي بن عامر ترابا وقال لأصحابه هذه بشرى أن يملكنا الله أرضهم. وبعد ذلك دخل سعد بن أبي وقاص تلك الأرض. وانتصر ودخل إيوان الضلالة وحطم وكر الوثنية الفارسية وهو يقول: ما ورد في القرآن: كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين (سورة الدخان آية ٢٥\٢٦) هذان خصمان اختصموا في ربهم (سورة الحج آية ١٩) والدائرة دائما تقع على الأشقياء الذين لم يعرفوا الله تعالى ولم ينقادوا لأمره ولم ينتهوا لنهيه. الحوار بين الحجاج بن يوسف وسعيد بن جبير الحجاج بن يوسف أحد المسلمين الذين أعرضوا عن المنهج وانحرفوا، والحجاج هذا هو الحجاج الذي عرفه كل مسلم بصفاته وميوله والشمس أبدا لا تتغير: بينما يذكرنني أبصرنني ٭٭٭٭ عند قيد الميل يسعى بالأزر قال تعرفت الفتى قلنا نعم ٭٭٭٭ قد عرفناه وهل يخفى القمر وهو ليس بقمر كما اعتدنا أن نرى القمر بل هو قمر في الظلمة وقمر في الانحراف وقمر في سفك الماء فلهذا الرجل قصص لا بأس أن أورد بعضها في هذه الرسالة. قصة الحجاج مع الأعرابي يقول طاووس بن كيسان عالم اليمن: كنت جالسا عند مقام إبراهيم عليه السلام في الحرم وبعد أن صليت ركعتين عند المقام جلست أنتظر وأنظر للناس وهم يطوفون وإذا بجلبة الرماح وإذا بوقع السيوف والسلاح فالتفت فإذا هو الحجاج بن يوسف وحرسه داخل الحرم، الحجاج الذي قتل مائة ألف نفس يقولون عنه أنه رأى في منامه أن القيامة قامت وأن الله قتله بكل نفس قتلها قتلة واحدة وقتله الله سبعون قتلة بمقتل سعيد بن جبير. يقول طاووس: فإذا بأعرابي يطوف حول البيت والحجاج جالس فإذا بحربة قد نشبت في ثوب هذا الأعرابي وهو يطوف فوقعت على الحجاج فقبضه الحجاج وقال له: من أين أنت؟ قال: من أهل اليمن. فقال له الحجاج: كيف تركت أخي؟ قال له الأعرابي: ومن أخوك؟ قال له: أخي محمد بن يوسف وكان ظالما مثل الحجاج وقد ولاه الحجاج ولاية اليمن فقال له الأعرابي: تركته سمينا بطينا. فقال: ما سألتك عن صحته ولكن سألتك عن عدله؟ فقال له الأعرابي: تركته غشوما ظلوما. فقال له الحجاج: أما تعرف أنه أخي؟ فقال الأعرابي للحجاج: يا حجاج أتظن أنه يعتز بك أكثر من اعتزازي بالله، فقال طاووس: والله ما بقيت شعرة في رأسي إلا وقامت من هذه الكلمة. قصة الحجاج مع سعيد بن جبير ظل الحجاج يطارد العالم الجليل سعيد بن جبير ثماني سنوات أو أكثر حتى عثر عليه، وسعيد بن جبير هذا عالم ورع تقي ظل يجاهد لإعلاء راية التوحيد وليرفع لا إله إلا الله عالية خفاقة وظل ينشر العلم وكان عالما عاملا فلما قبضوا على سعيد بن جبير كما ذكر هذه القصة صاحب تحفة الأحوذي، دخل سعيد بن جبير على الحجاج فقال له الحجاج: ما اسمك وهو يعرف اسمه؟ فقال له: اسمي سعيد بن جبير. فرد عليه الحجاج قائلا: بل أنت شقي بن كسير. فقال له: أمي أعلم إذ سمتني. فقال له شقيت أنت وشقيت أمك، ثم قال له: والله لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى. قال: لو أعلم أن ذلك إليك لاتخذتك إلها، فقال الحجاج: إلي بالذهب والمال. فأتوه بأكياس الذهب والفضة فنثروها بين يدي سعيد بن جبير ليفتنه. قال سعيد بن جبير: يا حجاج إن كنت اتخذته رياء وسمعة وصدا عن سبيل الله فوالله لن يغنيك من الله شيئا. فقال: علي بالمغنية (جارية تغني) فقال لها الحجاج: غني واعزفي. فبكى سعيد بن جبير، قال له الحجاج: هل تبكي من الطرب؟ فقال له سعيد: والله ما بكيت طربا ولكن بكيت لجارية سخرت لغير ما خلقت له لأنها ما خلقت لتغني وعود قطع لمعصية الله ! فقال الحجاج: خذوه وولوه إلى غير القبلة والله يا سعيد بن جبير لأقتلنك قتلة ما قتلها أحد من الناس. قال سعيد: يا حجاج اختر لنفسك أي قتلة أردتها والله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها فاختر لنفسك أي القتلة تريد؟ قال الحجاج: ولوه إلى غير القبلة. قال سعيد أينما تولوا فثم وجه الله (سورة البقرة آية ١١٥) قال الحجاج: أنزلوه أرضا. قال سعيد منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخركم تارة أخرى ( سورة طه آية ٥٥) موت الحجاج: قال الحجاج: اقتلوه. فقال سعيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله خذها يا حجاج حتى تلقاني بها غدا عند الله، اللهم لا تسلطه على أحد بعدي يا قاسم الجبابرة اقسم الحجاج وفي نفس المجلس ظهرت بثرة في يد الحجاج فظل يثور مثلما يثور الثور شهرا كاملا لا ينام من شدة الألم والتعب ولا يعرف يأكل ولا يشرب. يقول الحجاج عن نفسه: ما مرت بي ليلة إلا ورأيتني أسبح في الدم وما مرت بي ليلة إلا ورأيت كأن القيامة قامت وأن الله يحاسبني ويقتلني عن من قتلته قتلة واحدة إلا سعيد بن جبير قتلني به الله سبعين مرة وقصمه الله بعد شهر وهو يعتبر شقيا نسبيا مسلما لكنه لم يعرف الهداية ولا الاستقامة ولم يتحسس مهمته في الحياة. الصراع مستمر: يا أخي في الله إن الصراع بين التقي والشقي ما زال يجري على أرض الواقع وما زالت المناظرة بين الطرفين قائمة والأشقياء أناس اهتدوا بغير هدى الله واستنوا بغير سنة الله ورسوله فأحد هؤلاء الأشقياء يقول من شقاوته وهو إيليا أبو ماضي: يقول جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت فهو ملحد زنديق قال: جئت لا أعلم من أين ولكن أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت وسأبقى سائـرا إن شئـت هذا أم أبيـت لست أدري لست أدري هذا إنسان جاهل مثل الحمار لأنه لم يعرف لماذا أتى إلى الحياة ولم يعرف دوره فيها ولم يبصر طريق الرشاد بل غوى وانحرف إن مثل هذا وغيره كثير لا خلاق لهم في الدنيا ولا في الآخرة، هناك فرق بين هذا المغشي عليه وبين المؤمن الذي يقول لأحد خلفاء بني العباس وأحد الوعاظ لما وقف أمام المستضيء وهو خليفة عباسي من أكبر الخلفاء يعظه ويذكره ويقول له: ستنقلك المنايا عن ديارك يبـدلك البلى دارا بدارك فدود القبر في عينيك يرعى وترعى عن غيرك في ديارك فيغمى على الخليفة من كثرة البكاء حتى يرش بالماء، أي فرق بين هذا النتاج وذاك النتاج؟ أو المؤمن الآخر الذي يقول ولو أنا إذا متنا تركنا ٭٭٭٭ لكان الموت غاية كل حي ولكنا إذا متـنا بعثنا٭٭٭٭ ويسأل ربنا عن كل شيء أي والله فإن هذا الحوار مستمر أبدا ما دامت الحياة بين أديب مؤمن وآخر ملحد وبين عالم عرف الله وعالم لم يعرف إلا الماديات ولم يؤمن إلا بما تبصره عينه وبين شاعر مؤمن وآخر زنديق فهو حوار تقي وشقي. فيا أخي المسلم أين مقامنا نحن من هذا الحوار. نرجو من الله العلي القدير أن نكون في صف الأتقياء وأن يبعدنا ربنا عن زمرة الأشقياء وأن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى وأن يحشرنا مع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وحسن أولئك رفيقا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. هذا كتاب قامت بنشره دار الضياء للنشر والتوزيع بالرياض
المصدر:
http://www.bab.com/articles/full_article.cfm?id=4014

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك