ماجد الغرباوي والضد بين ثقافتي الذبح والرحمة

ولد الأفكار العظيمة عادة من صراع الثقافات السرمدي تماما كما ولد التدين من الصراع بين الخير والشر، والظلمة والنور، والحرية والعبودية، والانفتاح والاستبداد.

وما بين ثقافتي "جئتكم بالذبح" و"إنا أرسلناك رحمة للعالمين" بون شاسع وتباعد؛ بعد المشرق عن المغرب، وتنافر وصل إلى حد ثبات التوازي بما لا يتيح ولو مجرد فرصة لتلاق مهما عظمت الجهود، وعليه لا يمكن لشخصٍ ما مهما عظمت منزلته وقويت مقدرته أن يجمع بين الاثنين أو يوحد المنهجين، فالتوحيد أمر خارج سياقات المنطق ، والجمع أمر خارج سياقات العقل، ومن يدعي انه يمكن أن يجمع بينهما كاذب أو مغرور بنفسه لأن معنى ذلك أنه قادر على الجمع بين أشد الأضداد تنافرا في الكون كمن يريد الجمع بين النار والماء في إناء واحد.

 أما الإنسان هذا الكائن الفريد الغريب الذي تحدى عبر تاريخه الطويل كل المعوقات، ووقف بوجه كل الصعوبات ونجح بحكمته ورجاحة عقلة بالصمود والثبات والبقاء حتى بعد فناء الوحوش والديناصورات التي هي أشد منه قوة بمئات المرات فإنه أثبت ويثبت أن المستحيل قضية نسبية ممكن أن نستغفلها أو نستدرجها أو نلتف حولها بما حبانا الله به من فكر وقوة شكيمة وعقل مدبر، فإذا ما كان التوحيد بين الضدين مستحيلا فإن تقوية أحد الضدين على الآخر قد يحول دون وقوع النزاع طالما أن احد الطرفين سوف يشعر بأن الكفة ليست متساوية، وأنها ليست في صالحه، وأن هزيمته ممكن أن تكون خيارا أوحدا.

istebdad

 من هذه الاستحالة المعجزة، إستحالة الجمع بين الضدين الإنسان والوحش ولدت الحاجة إلى المنطق والحِجاج لإثبات أي من المنهجين أصدق وأكثر موائمة للنًفًس الإنساني، وأقرب إلى طبائع الإنسان العاقل السوي، ومثل هذا العمل الكبير بمضامينه ورؤاه لا يمكن أن يتم إلا بتفكيك أدق الجزئيات والنزول إلى أعمق أعماق الجذور، بل النزول حتى إلى طبقات التربة تحت نهايات الجذور لاستكشاف كل المناطق المعتمة والمظلمة والمسكوت عنها وتسليط الأنوار الكاشفة عليها لكي لا يبقى هنالك مجالا للشك.

وبحكم علاقتي بالأستاذ ماجد الغرباوي، ومن خلال متابعتي لنشاطاته الفكرية وقراءتي لبعض مؤلفاته وبحوثه وكتاباته عرفت أنه احد الذين نذروا أنفسهم للغوص في لجة وأتون هذا الأمر غير ملتفت إلى المخاطر التي تحيط به من كل صوب، وأدركت أنه خلال مسيرته النضالية الطويلة الشاقة عمل بجد ومثابرة ليكون أحد أبرز الناشطين في هذا المضمار الأشد تعقيدا وتحسسا، فترجم وألَّف وأنجز مجموعة من الكتب والبحوث القيمة التي أغنت المكتبة العربية برؤى كانت تحتاجها وأفكار كانت متعطشة لها، وبالرغم من كونه أصدر وترجم مجموعة كبيرة من الإصدارات الرائعة إلا أن ما نجحتُ بالإحاطة به لا يمثل إلا أنموذجا صغيرا من كم كبير.

ومع ذلك، ومن خلال هذا الأنموذج أتيحت لي فرصة الإطلاع على منجزين أو ثلاثة فقط وجدتها تشترك سوية بأنها تدعو الإنسان ليكون قريبا إلى إنسانيته؛ بعيدا عن روح التوحش التي لا يريد البعض مفارقتها، أو روح الاستحمار التي حبس البعض نفسه في أجوائها وعالمها. وما يدعو للدهشة والاستغراب أنه بالرغم من وجود ونشاط وفاعلية هذين المؤثرين بسبب مرافقتهما للإنسان منذ الأزل إلا انه لا التوحش نجح في تغيير مسار الكون وحول جميع البشر إلى وحوش ضارية أو طبًّعهم بطباع الوحوش، ولا الاستحمار نجح في كشف المؤامرات التي تحاك ضد الإنسان أو نجح في سلب عقل الإنسان وتحويله إلى كائن بليد مستحمر، ولكن لا ينكر أنهما نجحا سوية أو كلا على انفراد في التأثير في شرائح بعينها من المجتمع لا يستهان بعددها وقوتها، ولاسيما حينما نجح أحدهما أو كلاهما في بعض الأحيان بفرض قيمهما على بعض المجتمعات أو الجماعات حقبة من الزمن بسبب المنافسة بين القيم الدينية أو المذهبية أو المجتمعية الموروثة للجماعات البشرية.

وهنا بالضد من تلك المعادلة فرض المنطق نفسه بعلمية وواقعية ليثبت أن التوحش والاستحمار قوتان ممكن للإنسان أن يتحداهما بيديه العاريتين وبفكره النير الذي أخرس كل الأسلحة الفتاكة عبر التاريخ، والظاهر أن الأستاذ الغرباوي كان واحداً من الذين أستهوتهم لعبة التحدي؛ فشمر عن ساعده وبرى قلمه وتوكل ليزرع فحرث حقله وألقى حبوبه ونقل الماء عبر المفازات فأزهر الحقل وأثمر الزهر وفاح الضوع في الأجواء ثمرا يسر الناظر ويجبر الخاطر، ومع أني عاجز عن تتبع كل أشكال ذلك الثمر إلا أن ما نجحت بالإحاطة به:

إشكاليات التجديد

تحديات العنف

التسامح ومنابع اللاتسامح: فرص التعايش بين الأديان والثقافات

العنف أسبابه وأشكاله

الضد النوعي للاستبداد

الدين والفكر في شراك الاستبداد - جولة في الفكر السياسي للمسلمين.

وبهذه المناسبة أعلنها دعوة صادقة بأن يمن الله على الأستاذ الغرباوي بالصحة ليتم مشروعه الكبير، ويا حبذا لو تكون هناك قائمة بمؤلفاته مع خلاصات عن كل واحد منها تعرض في موقع صحيفة المثقف.

المصدر: http://mail.almothaqaf.com/index.php/tanweer/71707.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك