مفهوم التواصل ورفض الأخر

التصعيد والتسامي الأخلاقي وحبّ الخير من أبرز سمات التربية الأخلاقية، فلم يبن الإسلام سياسته الأخلاقية على أساس المقابلة والمكافأة في المعروف والإحسان، وفعل الخير وحسب، بل ودعا إلى الإحسان إلى المسيء والعفو عنه، لتحرّر الملكات الأخلاقية في نفس الإنسان من الذاتية والنفعية الاعتبارية، لئلا تفقد قيمتها التكاملية، وأثرها التعبّدي، فالإنسان إذا تعامل تعاملاً أخلاقياً لكي يعامله الناس بمثل ما يعامل به الآخرين، من غير أن يتجاوز تلك الحسابات الشخصية في تعامله الأخلاقي، فهو أقرب إلى التاجر والمقايض في المعاملة.

وهو مرشّح للانتكاس الأخلاقي ، وأقرب إلى النفعية الشخصية منه إلى حبّ الخير واحترام القيم، والتجرّد في القصد ونية القربى إلى الله تعالى.

ولقد حثّ القرآن الكريم على التكامل الأخلاقي، وأن يكون حبّ الخير والتسامي الأخلاقي غرض مقصود للإنسان المسلم، لكماله، وفضل عائديته، وحبّ الله لذلك، ومكافأته لفاعل الخير.

ونُلاحظ هذه الدعوة الأخلاقية المتسامية هي الاتجاه الأخلاقي الذي يدعو إليه القرآن والسنّة والمطهّرة، فأعلى مراتب الأخلاق في الإسلام مرتبة كالآتي:

أن تحسن إلى من أساء إليك، ثمّ أن تعفو عمن ظلمك، ثم أن تقابل الإحسان بالإحسان، فنحن نقرأ في النص التربوي الإسلامي:

(( وإنْ عاقَبْتُمْ فعاقِبوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ولئن صَبَرْتُمْ لَهَو خَيْرٌ للصّابرين)) النحل / 126

(( يا أيّها الّذينَ آمنوا إنّ مِنْ أزواجِكُمْ وأولادِكُمْ عَدوّاً لَكُمْ فاحْذَروهُمْ وإنْ تَعْفوا وتَصْفَحوا وتَغِفروا فإنّ اللهَ غَفورٌ رَحيم.(التغابن / 14

))وأن تَعفوا أقرَبُ للتّقوى ولا تَنْسوا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ إنّ اللهَ بِما تَعْملونَ بَصير ((.(البقرة / 237

))فبأيّ آلاء ربّكُما تُكذّبان * هَلْ جَزاء الإحسانِ إلاّ الإحسان ((.(الرحمن / 59 ـ 60

ويتحدّث الإمام جعفر الصادق (ع) عن مكارم الأخلاق فيقول:

))ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة، أن تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم إذا جهل عليك(((1)
وتنفيذاً للمنهج التربوي في الإسلام يدعو الرسول  صلى الله عليه وسلم الإنسان المسلم إلى تجاوز حالات الإساءة والقطيعة إذا ما تورّط بها الطرف الآخر من الأرحام والأقارب، لأزالة هذه السيئة الأخلاقية، سيئة القطيعة، فيدعو إلى صلة الذين قطعوا وصلهم.

فالرسول  صلى الله عليه وسلم  لا يعتبر من يقابل الصلة، بالصلة، قد بلغ المطلوب في صلة الرحم، فتلك عمليّة مكافأة الإحسان بالإحسان، بل يدعو إلى التصعيد والتسامي، يعتبر الواصل لرحمه، هو مَنْ يصل مَنْ قطعه، ويزيل الحواجز النفسية بوصله ونسيانه الإساءة، ويبادر للتقارب والمودّة لرحمه، فقد روي عنه  صلى الله عليه وسلم قوله:ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل مَنْ إذا قطعت رحمه وصلها   (2(.
إنّ الدعوة النبوية إلى تجاوز الحواجز النفسية، والانتصار على دوافع الإساءة في النفس الإنسانية لهي أفضل دعوة إلى حلّ المشاكل العالقة بين ذوي القُربى فإنّ القطيعة تتعمّق، وتتحوّل إلى عداء مستحكم، إذا لم يبادر أحد الطرفين إلى تجاوزها، واختراق الحواجز التي صنعتها المشاكل والأخطاء.

وكما تعالج المبادرة بالصّلة والزيارة، والدعوة إلى تناول الطعام، والمراسلة والهدية والمساعدة، وقضاء الحاجة للأرحام، والمشاركة في المسرّات والأحزان بإزالة الحواجز التي صنعتها المشاكل والأخطاء، يعالج هذا المعروف كذلك الحالات النفسية الأنطوائية ، والطبيعة الانعزالية التي يعاني منها بعض الأشخاص لا بسبب مشاكل حدثت بينهم وبين الآخرين، بل كثيراً ما تكون بسبب أوضاع وعقد وحالات نفسية خاصّة. فإنّ هذه الصّلة تعيد للطرف الآخر قدرته على التعامل الاجتماعي، وتخرجه من دائرة العزلة والانطوائية ، وتعينه على الخروج من الأزمة النفسية هذه.

وتلك النتائج والآثار السلوكية وتنعكس انعكاساً ايجابياً على علاقة الفرد والأسرة، وتظهر في عموم علاقاته الاجتماعية بالناس، القريب منهم والبعيد.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الطبرسي / مشكاة الأنوار / باب صلة الرحم.

(2) البخاري / صحيح البخاري / ج 8 / باب ليس الواصل بالمكافئ.

(3) الكليني / الكافي / ج 2 / ص 150

المصدر: http://1bac.medharweb.net/modules.php?name=News&file=article&sid=214

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك