الحوار لم يفشل .. ولكن ..

م.عماد عبد الحميد الفالوجي  

      رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

    انتهت الجولات الماراثونية للحوار الفلسطيني  فى القاهرة قبل أيام والتى استمرت حوالي اسبوعين متواصلين , تضاربت خلالهما التصريحات الإعلامية بين كافة المسئولين الفلسطينيين بين متفائل ومتشائم ومتشائل , وشارك فى هذا الحوار كافة الفصائل الفلسطينية وعدد من المستقلين , وتوزعوا على خمس لجان أساسية هي لجنة المصالحة والأمن والحكومة والانتخابات ومنظمة التحرير , ولا يمكن القول بعد كل هذا الجهد الكبير الذي بذلته  الجهة الراعية وهي جمهورية مصر العربية سواء قبل أو خلال الحوار أن يكون الحوار فشل فشلا كبيرا بل يمكن تسجيل نقاط إيجابية كبيرة لعل أهمها هو حدوث اللقاء بحد ذاته شكل تسجيل مرحلة جديدة فى مسيرة الحوار ذاتها حيث لأول مرة بعد الانقسام وحرب الإخوة فى غزة قبل أكثر من عامين ونصف يلتقي الإخوة الأعداء وجها لوجه بدون وسيط أو ساتر وهذه نقطة مهمة حيث تم إذابة الجليد ونسف الشروط المسبقة للحوار , والنقطة الثانية هو الخوض التفصيلي فى كافة نقاط الخلاف بدون تردد أو مواربة أو خوف من الفشل – عكس ما حدث خلال حوار مكة – ووضع كافة تفاصيل الخلاف على طاولة الحوار واتسام الجميع بالصراحة والوضوح مهما كانت قاسية , وبالتالي لعل هذه المرة الأولى التى يتعرف فيها كل طرف على مواقف الطرف الآخر وجها لوجه وليس عبر الفضائيات ووسائل الاعلام , والنقطة الثالثة أنه سيخرج من هذا الحوار برامج كل طرف بشكل واضح للجمهور الفلسطيني وسنجد أنفسنا للمرة الأولى بعيدين عن الغموض فى مواقف البعض التى لم نقرأ منها شيئا مكتوبا خلال الانتخابات الماضية وسيضطر الجميع للإجابة بشكل تفصيلي على كل سؤال من أسئلة ضرورات الحكم فى فلسطين بشكل تفصيلي بعيدا عن الشعارات الكبيرة ذات الطابع العام.

 

     ولكن بالرغم من تلك الايجابيات الكبيرة والهامة لم ينجح الحوار حتى الآن من الوصول الى الغاية المرجوة النهائية – مع قناعتي بأننا سنصل فى نهاية المطاف – وذلك بسبب أن المصلحة الفصائلية لازالت هى المسيطرة على قادة بعض الفصائل فى كافة الملفات المطروحة فكل فريق يحاول تحقيق الانجاز الأكبر لحزبه بغض النظر عن التأثيرات السلبية الكارثية الناتجة عن تأخير تحقيق المصالحة على مجمل القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي لازالت دماؤه تنزف جراء العدوان المتواصل عليه من جيش الاحتلال الإسرائيلي , ولازالت عدم قدرة البعض من التمييز بين البرنامج الحزبي الداخلي للفصيل وبين برنامج الحكومة , وبين مؤسسات السلطة ومؤسسات الحزب , ومن الغريب الحديث على سبيل المثال عن الحكومة بأنه مطلوب منها أن تحمي المقاومة وهذا مفهوم غريب لأن التجربة فى الحقيقة أثبتت أن المقاومة هى التى يجب عليها أن تحمى الحكومة وليس العكس وأن يكون مفعول المقاومة عنصر قوة لتحقيق أهداف السلطة وهى بناء ما دمره الاحتلال وتعزيز صمود الشعب فوق أرضه واستكمال التحرير وكسب الرأي العام الدولي لصالح القضية والاستفادة من كافة  المتغيرات الدولية وغيرها من الانجازات الدبلوماسية , ولذلك يجب أن يكون برنامج الحكومة قادرا على تحقيق أهدافها وذلك بشكل منفصل عن برنامج الفصائل ,  أما قضية الأمن فالأصل الاتفاق على بناء الأجهزة الأمنية واقتصار دورها على حفظ الأمن الداخلي والعام للشعب الفلسطيني وعدم الانجرار وراء قضايا خطيرة لا جواب لها مثل موقف الأجهزة الامنية من المقاومة , لأن قضية المقاومة هى قضية داخلية تخضع لحوار داخلي خاص بين الفصائل ويتم الاتفاق على برنامجها وآلياتها بما يخدم المصلحة العليا لشعبنا , أما ملف الانتخابات فيجب الاتفاق أولا أن المخرج من الحالة الراهنة هو التوجه الفوري لإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية وكذلك للمجلس الوطني على أساس النسبية الكاملة حتى نتجاوز الكثير من العقبات التى قد تعيق إجراء الانتخابات إذا تحدثنا عن نظام الدوائر وبالنسبة للمستقلين فقد أثبتت الانتخابات الماضية أن لا أمل لفوز المستقلين بدون دعم الفصائل فى الدوائر وبالتالي بإمكان المستقلين تشكيل قوائم خاصة بهم وتحقيق حضور فى المجلس القادم .

 

    وهكذا فإننا نعتقد أن ما تبقى من قضايا خلافية بالإمكان تجاوزها ليس فقط عبر النوايا الحسنة والإرادة الصادقة ولكن من أجل المصلحة العامة لشعبنا وقضيتنا فلا يجوز أن يتمترس كل فريق أمام مواقفه بل النظر للأمام بعيون شعبه وقضيته لأن الوقت لن ينتظرنا طويلا والمتغيرات المحيطة بنا جد خطيرة تحتاج القوة والحكمة والوحدة .

المصدر: http://www.adam.ps/adam/index.php?option=com_content&view=article&id=59:...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك