ملامح الغباء فى حواراتنا السياسية

ملامح الغباء فى حواراتنا السياسية

ملامح الغباء فى حواراتنا السياسية

سيد يوسف

تمهيد
فى يقينى أن الغباء فى ديننا معصية واقرؤوا - إن شئتم -الآيات التي تحض على التفكير وإعمال العقل وتذكروا أن لفظة الألباب ومشتقاتها ذكرت فى القرآن أكثر من ست عشرة مرة ...ولأمر ما كان النبى محمد صلى الله عليه وسلم يكثر فى قيام الليل من تلاوة ( إن فى خلق السموات والأرض و اختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب).

واقرؤوا- إن شئتم- قوله تعالى (صم بكم عمى فهم لا يرجعون) وإنها لصفعة للذين يعطلون حواسهم عن التفكير، واقرؤوا- إن شئتم- قوله تعالى (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)، واقرؤوا- إن شئتم- التفكير فريضة إسلامية لعباس محمود العقاد ...بل لا أتجاوز قواعد المنطق حين أقول إن التفكير ضرورة إنسانية.

وبناء عليه سوف نشير فى موضوعنا هذا إلى إبراز عدة مشاهد تصرخ بشدة الغباء عسانا نتخلص منها فى حياتنا الثقافية والاجتماعية وسجالنا السياسى.

(1)
محاكمة النيات
وتعنى الحكم على الأشخاص لا بناء على معطيات مادية ولكن بناء على ما سيفعله فى المستقبل وهذه الفكرة إهانة للعقل وحجر عليه من التفكير بمرونة وحرية....وما رأيت أحدا يحاكم النيات إلا وبدا لى سخيف العقل سيء النفس ....وكأنه يعمل منجما للغيب أو قارئ بخت....

ومثال ذلك: أن يظن أحدهم ظنا يحسبه يقينا يبنى عليه حكما ويكون حكمه هذا وكأنه فوق المناقشة والدحض بل ويتعامل معه على أساس أنه حقيقة فلا داعي لإنكارها.
وقديما ظن بعض الحمقى أن الإسلام غير صالح لكل زمان ومكان حتى إذا ما وضح للناس- معظم الناس - أن هذه فكرة خاطئة إذا ببعضهم يحاكم نيات معتنقيها ويرون أنهم يتاجرون بالدين.
فقد نرى أحدهم يتهم أحدا بأنه إرهابي فيقول لك لماذا؟ فترد عليه بكذا وكذا فيفند حجتك بمنطق وموضوعية فتقول هذا هو الظاهر أما الباطن فهو غير ذلك...هلا رددت بموضوعية على كلامه أم هو التصيد القميء للأخطاء ؟؟!!!

(2)
اجتزاء الرؤية وبتر بعض الكلام من سياقه
وهو ما يعنى انتقاء جملة ما أو كلمة ما من حديث الآخر حتى يبنى عليها المجادل ما يريد أن يبثه من أفكار وكأنه يعزل خاصية معينة من سياقها العام ويؤكدها فى سياق آخر.

ومثال ذلك: بعد يوم حافل بالعمل والإنجاز لا يعود فلان إلى منزله إلا ويتذكر كل ما هو مؤلم فمثلا يتذكر أن فلانا تجاهله أو أن فلانا قاطعه فى الكلام ثم يبنى على ذلك حكما كأن يرى نفسه بهذا تافها أو عديم القيمة...هذا فى الوقت الذى ينسى فيه انه التقى بكثيرين ممن أظهروا له الاحترام والتقدير وهكذا فى مناقشاتنا السياسية لا نقنع إلا بما فى نفوسنا من الآخرين لا بما فى الموقف نفسه من أحداث متجاهلين بقية مواقفه هو أو غيره الايجابية ثم يبنى على ذلك الموقف الكثير والكثير من الأغلاط.

(3)
القفز على الاستنتاجات الخاطئة
ونعنى به التفسير الخاطئ لموقف ما بسبب عدم توافر معلومات معينة أو بسبب وجود سياق مختلف .

ومثال ذلك: أن احدهم قد يظن بنفسه أنه ممل ومرفوض لمجرد أن احدهم تثاءب وهو يتكلم أو لم يعلق بترحاب على ما طرحه من أفكار ........أو أن تتصل بالهاتف بأحدهم ولا تجده ثم هو ينسى أن يتصل بك مثلا فإذا بك تفسر الموقف على انه إهمال لك وانك لا تمثل له أهمية .
وينسحب هذا الأمر على رؤيتنا لكثير من الحركات السياسية والدينية المطروحة الآن على الساحة العربية.

(4)
التفسير السلبى لما هو ايجابي

والحق أن تلك خاصية الحمقى ولو أنها فى واقع الأمر أسوأ بكثير من عملية الانتقاء السلبى وعزل الكلام عن سياقه فإن احدهم هاهنا يتجاوز انتقاء بعض العبارات إلى تفسير ما هو ايجابي بما هو سلبى .

ومثال ذلك: تفسير نجاح الإخوان فى برلمان 2005 على انه بداية لحقبة مظلمة وعلى أنه عودة إلى الظلاميين وعلى أنه غباء من الشعب لأنه أعطى صوته لمن خدعه ولمن لا يستحق وذلك بدلا من تفسير الأمر على بعض جوانبه الايجابية مثل بداية تعبير عن صوت المواطن الحر وإن شابه بعض الخطأ من جانب النظام أو على أنه خطوة نحو الحرية أو على انه تصويت ضد الفساد والرشوة والديكتاتورية أو غير ذلك.

(5)
الهضم والابتلاع لا المشاركة

ونقصد به أسلوب الكل أو لا شيء فبعض الأشخاص يميلون إلى إدراك الأحداث على أنها إما صواب أو خطأ دون أن يدركوا أن الأمر الواحد قد يجمع فى طياته بعض جوانب الصحة والخطأ مع تغليب جزء على آخر وقد يؤدى مستقبليا إلى نتائج إيجابية فعالة لو أتيحت له الفرصة .

والدراسات النفسية تؤكد أن أصحاب هذا النوع من التفكير يتسمون بالتعصب والتوتر والقلق والجمود والتصلب وبلغة أخرى بالتشنج الثقافى ...ويغرى هذا النوع من التفكير صاحبه بالنزوع إلى الكمال المطلق ومن ثم يصاب صاحبه بالإحباط عند الفشل.

ومثال ذلك: ما حدث من انتخابات برلمانية فى مصر 2005 حيث لم يتوقع الحزب الحاكم تلك الخسارة ومن ثم لم يتحمل مزيدا من نجاح المعارضة- رغم انه يهيمن بصورة أخرى ملتوية بضم المستقلين له- فقام بترويع الناس واستخدام وسائل انتقدتها منظمات حقوق الإنسان العربية وغيرها....ونرى أن الذى حمله على ذلك طريقة التفكير الخاطئة التى يتبناها منظروه ألا وهى الهضم والابتلاع لا المشاركة

ملاحظات عند الخاتمة

هى بعض قواعد نستلهم منها طريقتنا فى التفكير والرد كنا نرجو لها دراسة أوسع لولا ضيق المقام وكنا نهدف بها تسليط الضوء على بنيتنا العقلية عند الأخذ والرد والتحليل والنقد....
وفى يقينى أن الطريق طويلة ولكن الأمل معقود بنواصى المستقبل وبالأجيال القادمة عساها تستلهم روح العلم بقلب نقى وعقل يقظ، ونود أن نشير إلى أن هناك طرقا أخرى ذات أثر خطر على بنيتنا العقلية نرجو دراستها لاحقا منها:

التعميم- العجز عن تقدير خير الشرين- التركيز على العيوب فقط- التماوت حول الآلام والكوارث- التشاؤم وسوء الظن- العجز عن ترتيب الأولويات- الخلط بين استحالة الإدراك واستحالة الوجود- العجز عن التجريد- تقديس بعض ما هو لغير الله- التأثر بمكانة ذوى الإيحاء- التعصب- العجز عن المعرفة بالضد- التثبت مما هو واضح- تسمية الأمور بغير اسمها – أخرى

المصدر: http://www.atida.org/forums/showthread.php?t=2329

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك