السينما الأمريكية تعادي المسلمين

لا تفتأ السينما الأمريكية تقدم الفيلم تلو الفيلم لذي يقدم صورة مشوهة للعرب والمسلمين، ونحن نلجأ في كثير من الأحيان إلى الاحتجاج والاعتراض على هذه الأفلام، وإن كان الجهد المقابل في إنتاج أفلام تقدم تصويراً جيداً للعرب والمسلمين ما زال محدوداً، ولكنه يبشر بخير ويحتاج إلى كثير من الدعم والتشجيع وبخاصة من أصحاب رؤوس الأموال العربية الذين وسّع الله عليهم في الرزق.

وقبل أشهر أعلن عن عرض فيلم (الحصار) فقامت قناة (اقرأ) الفضائية بتقديم حلقة متميزة حلقة في برنامجها الناجح (مدارات الأحداث) بعنوان : (هوليوود .. وصورة العرب والمسلمين) يوم الخميس 23رجب 1419هـ. وقد بذل المعدّان للبرنامج الدكتور عبد القادر طاش(مقدم البرنامج أيضاً)، والأستاذ عبد العزيز قاسم جهداً واضحاً في إعداد محاور البرنامج، فهذه المحاور تحتاج إلى عدة حلقات أو سلسلة من الندوات.

وقد تضمن البرنامج حوارات مع كل من الأستاذ صلاح الدين الحافظ نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام، الذي تحدث عن التشويه المتعمد في الإعلام الغربي لصورة العرب والمسلمين. وتحدث الناقد السينمائي الأستاذ أحمد بهجت عن تاريخ هوليود في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وقد اختلف الدكتور أسامة قفاش عن سابقيه بأن أشار إلى أننا يجب أن نبحث أيضاً في إيجابيات الفيلم رغم طغيان السلبيات على الفيلم. أما المخرج السينمائي العالمي الأستاذ صلاح العقاد فقد سأله الدكتور عبد القادر طاش عن مشروعاته لمواجهة هذه الصورة فذكر من ذلك عزمه منذ سنوات على تقديم فيلم عن البطل صلاح الدين الأيوبي، ولكنه يواجه دائماً عزوفاً من أثرياء العالم العربي عن تمويل مثل هذا الفيلم.

ولدى سؤاله عن مشروع مدينة عربية للسينما ذكر أن الهدف الأساس من إنشاء هذه المدينة – وقد ذكر أنه لا يريد تسميتها مدينة حتى لا يتخوف البعض من ذلك- هو هدف اقتصادي في المقام الأول، وذكر أنه حينما أنتج فيلم الرسالة وفيلم عمر المختار اضطر إلى استئجار الكثير من الأدوات والمعدات كما أن الديكورات التي صنعها في أماكن مستأجرة اضطر إلى هدمها بعد انتهاء تصوير الفيلم، ولو كان يملك المكان الذي صنع فيه تلك الديكورات لاستطاع أن يخرج عدداً من الأفلام بتكلفة أقل. ولكن أحد المشاركين في البرنامج من الأستوديو أشار إلى أن امتلاك العرب لمكان للإنتاج السينمائي يمكنهم من التحكم في نوعية الأفلام التي تنتج، فيمكننا أن ننافس هوليوود بإنتاج أفلام تتميز بتمسكها بالقيم والأخلاق الإسلامية وتبتعد عن الرذيلة والعنف والجنس التي تتميز بها أفلام هوليوود.

وتضمن البرنامج لقاءً مطولاً مع الأستاذ نهاد عوض من المجلس الأمريكي الإسلامي، وما قام به المجلس منذ أن عرف عن تصوير الفيلم ومحاولاته التدخل لإجراء بعض التعديلات على السيناريو، لإبعاد كل ما يمكن أن يكون فيه تشويه لصورة العرب والمسلمين وتكريس الصورة النمطية للعربي المسلم، ولكن الشركة المنتجة للفيلم أبت الاستجابة. وهنا بدأ المجلس في خطة محكمة لمقاومة التشويه الذي يمكن أن يحدثه الفيلم بتوزيع نشرات تحمل معلومات عن الإسلام والمسلمين وما احتواه الفيلم من تشويه كما قدمت الدعوات للأمريكيين لزيارة المساجد والمراكز الإسلامية للتعرف على المسلمين عن قرب وأنهم ليسوا كما يصورهم الفيلم.

ولهذه الخطة أصل في الدعوة الإسلامية فإنه يعجبني أن أذكر ما قاله جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي حينما سأله عن الإسلام فقال (كنّا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف. فكنّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات …وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام...." فهل نزيل جهل الأمريكيين بالإسلام بمثل هذه الرسالة الواضحة، وكذلك من خلال السلوك الإسلامي الذي كان له الأثر الكبير في إقبال شعوب بأكملها للدخول في الإسلام.

وهنا أود أن أشيد بالسيدة أودري شبّاز Audrey Shappaz التي تعمل في مؤسسة قامت بتأسيسها في منطقة سان فرانسسكو لتدريب أساتذة العلوم الاجتماعية في المدارس المتوسطة والثانوية في طرق تدريس هذه المواد فيما يخص العالم العربي والإسلامي. وقد عقدت العديد من الدورات كما قامت بعمل رحلات تثقيفية لهؤلاء إلى منطقة (دار الإسلام) في ولاية نيومكسيكو.
كما أود الإشارة إلى الجهود التي تبذلها اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز التي تستحق منّا كل الدعم والمساندة لما تقوم به من دور إيجابي في الدفاع عن قضايا العرب الأمريكيين، وليتها لا تختص بالعرب وحدهم فالمسلمون من العرب هم الأكثرية وليت بعض الجمعيات الإسلامية هناك تشارك أكثر في نشاطات هذه اللجنة، وقد أكد لي هذا الغياب أحد مسؤولي المجلس الإسلامي الأمريكي وكنت أود لو ذكر لي الأسباب وهل يسعون إلى التغلب عليها.

وقد ظهرت العديد من الكتابات حول فيلم الحصار، وقد أعجبني ما كتبه الأستاذ سليمان الهتلان (الرياض 12شعبان 1419هـ) حيث انتقد بعض ردود الأفعال العربية على الفيلم دون معرفة الفيلم ومشاهدته وتفهم "ثقافة هوليوود المعقدة"، وأشار إلى أن الاحتجاجات العربية أسهمت في أن كسب الفيلم مزيداً من الأضواء الإعلامية التي يبحث عنها أي منتج سينمائي. ولكنه ذكر في ختام مقالته بعض الاقتراحات للرد على مثل هذه الأفلام حيث يقول: " والسبيل الوحيد لتجميل الوجه العربي يأتي أولاً عبر تصحيح أوضاع العرب والمسلمين أنفسهم، بالمساهمة الفاعلة في الإنتاج الأكاديمي والفكري والفني بدلاً من تسخير كل الجهود من اجل ردود أفعال عاطفية ومتسرعة ومتشنجة أحياناً من غير قراءة واعية وقدرة علمية على فهم وتحليل الواقع الثقافي والاجتماعي لبلد كبير كالولايات المتحدة…"

كما أود الإشارة إلى ما نقلته صحيفة الشرق الأوسط( 24رجب 1419هـ) عن الكاتبة شارون واكسمان من صحيفة هيرالد تريبيون بأنه لو كان سيناريو الفيلم مختلفاً بأن كان الإرهابيون "يهوداً" أو "نصارى" يمكن،- قبل كل شيء- أن تقوم هوليوود بتصويرهم على هذا النحو؟" وتساءل كاتب الشرق الأوسط: لماذا اقتصرت ردود أفعال المنظمات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة على هذا النوع من التشويه النمطي المنظم للشخصية العربية والإسلامية على التظاهرات والاحتجاجات؟ لماذا لم تلجأ هذه المنظمات إلى القضاء كما تفعل المنظمات اليهودية إزاء ما كان يظهر من إساءات لليهود اعتمدت أسلوب الصورة النمطية الذي أطلقت عليه مصطلح نزعة معاداة السامية؟

ولعل الوقت مازال مبكراً للبدء في إجراءات من هذا القبيل من المنظمات العربية الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية. وهل السؤال الذي يمكن أن نقدمه هو ما دور الفرد المسلم العربي العادي في الولايات المتحدة من مثل هذه الأفلام التي لا بد ستنعكس على تعامل الآخرين معه؟ لماذا لا يمسك بالقلم أو الهاتف أو بالبريد الإلكتروني فيبعث برسالة احتجاج إلى المسؤولين عن إنتاج هذا الفيلم؟ وأيضاً أليست الدول العربية الإسلامية معنية بمثل هذا الفيلم فتقدم الدعم والمساندة للمؤسسات الإسلامية التي تعمل في الولايات المتحدة؟ ألا يمكن أن تبعث سفارات الدول العربية والإسلامية التي يزيد عددها على خمسين سفارة برسائل احتجاج لشركة (فوكس القرن العشرين)؟

ومن الذين كتبوا عن فيلم الحصار الدكتور سامي حبيب في مقالته الأسبوعية بهذه الجريدة (9شعبان 1419هـ)، وقدم بعض الاقتراحات العملية ومنها التوعية العالمية المضادة من خلال افتتاح موقع في الإنترنت لتفنيد مفتريات الفيلم، وثانياً المقاطعة الاقتصادية للشركة المنتجة لهذا الفيلم، وثالثاً رفع دعوى قضائية ضد منتجي الفيلم.

وهذه الاقتراحات يمكن أن نقول بأنها الرد على المدى القصير، ولكننا نحتاج إلى التخطيط للمدى الطويل، ومن ذلك أننا بحاجة لفهم العقلية الغربية التي أنتجت هذا الفيلم ولا يتم ذلك إلاّ من خلال افتتاح أقسام للدراسات الأوروبية والأمريكية بحيث ندرس الغرب (عموماً) من النواحي العقدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية وندرسهم من خلال الدراسة الإقليمية أو دراسة المناطق بحيث نستطيع قادرين على فهمهم فهماً صحيحاً.

كما أننا بحاجة إلى تطوير صناعة السينما العربية الإسلامية، فنركز على الموضوعات التي تبرز مبادئ الإسلام وقيمه وأخلاقه وتراثه وأعلامه. هل يكفي أن يعرف العالم عمر المختار رحمه الله تعالى من خلال فيلم واحد ونحن الذين يزخر تاريخنا بالعظماء والأبطال؟ ولعل شبكة الإنترنت تتيح لنا من الفرص ما لم يتح لنا من قبل في وسائل الإعلام الأخرى فلا يتأخر المسلمون عن استخدام هذه الوسيلة في الكتابة في كل الموضوعات، فلا يكفي أن يكون للمسلمين حديث عن الإسلام في المواقع التي تضم كلمة إسلام فإننا مطالبون أن تكون لنا مواقع في السينما، وفي علم الاجتماع، وفي كل جوانب الحياة فأين السينما العربية الإسلامية؟ وأين مواقعنا على الإنترنت؟

المصدر: http://www.madinacenter.com/post.php?DataID=106&RPID=87&LID=8

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك