الانظمة الشمولية والانظمة الديمقراطية

حكم العالم من انظمة حكم مختلفة منها الملكية ومنها الجمهورية ومنها الدكتاتورية ومنها الديمقراطية ومنها حكم العائلة الواحدة او القبيلة الواحدة فتكون المناصب السيادية للبلد محصورة بالعائلة او القبيلة الحاكمة وبعض الاشخاص المقربين منها ومثل هذه الانظمة هي السائدة في دول الخليج العربي . اما انظمة  الحكم العسكرية والتي تدار من قبل ضباط الجيش والذين وصلوا الى الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية فهي انظمة  ديكتاتورية قمعية يحكم فيها البلد بالحديد  والنار  في ظل احكام عرفية  ومصادرة للحريات العامة .

 الانظمة الشمولية يكون الحكم فيها من قبل حزب واحد بأيديولوجية معينة سواء كان  الحزب دينياً او قومياً او يسارياً يُحتكر فيها النشاط السياسي للبلد بأكمله بالحزب الحاكم ولا يسمح بوجود اي معارضة لذلك الحكم وتكون ايديولوجيا الحزب الحاكم هي المحرك الاساسي للدولة في المجالات السياسية والاقتصادية كما توظف السياسة الخارجية للبلد  لخدمة  مصالح الحزب الحاكم . اما الاعلام والمتمثل بالصحافة والاذاعة والتلفاز وغيرها من وسائل الاعلام الاخرى فتكون مسخرة للترويج لفكر الحزب الحاكم كما ان هذه الانظمة  تستخدم وسائل قمع وحشية من امن ومخابرات  ضد المعارضين  لها اوالمختلفين معها فكرياً او عقائدياً سواء كانوا افراداً او احزاباً سياسية . كما تدعي هذه الانظمة بكونها انظمة ديمقراطية  فتقوم بأجراء انتخابات شكلية لتشكيل مجالس نيابية او مجالس للمحافظات ومن اعضاء احزابها حصراً وقد تقوم بأجراء استفتاء على رئيس الدولة  والذي يحصل على اصوات لا تقل  نسبتها عن 99% والتي يعتبرها النظام مبرراً لاضفاء الشرعية  على ممارساته القمعية ضد الغالبية العظمى للشعب ومثل هذه الانظمة  النظام السابق في العراق.

اما الانظمة  الديمقراطية  التعددية والمطبقة في اغلب الدول  الاوربية والامريكية وبعض الدول الآسيوية والافريقية والتي يكون فيها تداول السلطة عن طريق صناديق الانتخابات والتي يكون  فيها اكثرية حاكمة واقلية معارضة ويكون  فيها الحكم للشعب كما توفر هذه الانظمة حرية  الرأي وحرية الاعلام وحرية الاحزاب السياسية والمنظمات المهنية في ممارسة نشاطها السياسي والاجتماعي  .

لبناء وطن ديمقراطي تعددي يجب توفر المرتكزات الاساسية التالية :

اولاً) المواطنة : ان مفهوم المواطنة مرتبط بالوطن بحدوده الجغرافية ويكون ولاء الفرد المطلق للوطن دون الحزب او الدين او المذهب او الطائفة او القبيلة والتي اساسها توفر الروابط الموضوعية بين الافراد والدولة للوصول الى انظمة حكم اكثر ديمقراطية من خلال السعي نحو المساواة بين افراد المجتمع وتحقيق العدل والانصاف بين المواطنين لبناء دولة متطورة يتساوى فيها جميع المواطنين بالحقوق  المدنية والسياسية ويتحملون نفس الواجبات حتى تكون المشاركة الواعية للجميع دون استثناء لبناء وطن الجميع وهذا يتطلب من الدولة توفير الحقوق لمواطنيها ومن هذه الحقوق :

1- تأمين امن المواطن اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً .

2- توفير الخدمات الحيوية للمواطن مثل العمل والتعليم والسكن الملائم والرعاية الصحية والاجتماعية .

3- حفظ كرامة المواطن واستقلاليته وعدم التعدي على حقوقه المدنية والسياسية والدستورية .

4- توفير الضمانات الدستورية المتمثلة بحرية الرأي والمعتقد والمشاركة الفاعلة بأدارة الحكم في البلاد من خلال حرية الترشيح والانتخاب .

5- تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية لجميع المواطنين فيكون تكافؤ الفرص لهم متساوية للحصول على الوظائف العامة والتعليم والبعثات الدراسية والرعاية الصحية والاجتماعية وتقديم الخدمات العامة لجميع فئات المجتمع بغض النظر عن انتمائهم السياسي او القومي او الديني او المذهبي .

اما الواجبات التي على المواطن ان يقدمها لوطنه هي:

1- الالتزام بالولاء والاخلاص للوطن والدفاع عنه عند حصول اي اعتداء خارجي عليه .

2- المساهمة الفاعلة في اختيار نوع الحكم من خلال المشاركة الفاعلة بالانتخابات .

3- احترام الانظمة والقوانين التي تصدر عن الدولة وعدم التجاوز عليها .

4- المساهمة الفاعلة والواعية مع بقية المواطنين لبناء الوطن وتقدمه وازدهاره.

5- ان يتحلى المواطن بالتسامح تجاه التنوع الثقافي والقومي والمذهبي والطبقي في المجتمع .

لبناء دولة متحضرة ومتطورةً ومزدهرةً لا بد من بناء مواطنة صالحة والتي يتساوى فيها جميع المواطنين بالحقوق والواجبات والتي تقع على عاتق الدولة وجميع المواطنين باختلاف قومياتهم او اديانهم او مذاهبهم على حد سواء بعيداً عن التعصب القومي او الديني او المذهبي ونبذ المحاصصة الطائفية او العرقية لأنها تؤدي الى تمزق النسيج الاجتماعي للوطن مما يؤثر سلباً على شعور الفرد بالمواطنة والذي تؤدي الى التخلف الاجتماعي وضعف تفاعل المواطنين مع سلطات الدولة وهذا يؤدي الى اضعاف في تطبيق القوانين والانظمة التي تصدرها الحكومة .

ثانياً) الديمقراطية : لبناء نظام حكم ديمقراطي تعددي لابد من اشاعة ثقافة الديمقراطية على مستوى الافراد وعلى مستوى الجماعات وترسيخ هذه الثقافة في اذهانهم وعقولهم لنبذ العنف والارهاب والذي لا يولد غير الكراهية والموت والدمار فالمواطن الذي يكون ذهنه مشبع بقيم ديمقراطية حية لا يكون هنالك مكان للعنف والارهاب في ذهنه . ان اهم الاسس التي ترتكز عليها الديمقراطية هي :

1- الحوار الديمقراطي ونبذ العنف : الحوار منهج انساني متطور يستخدمه العقلاء من اجل اقناع الاخرين بآرائهم وافكارهم مستخدمين الحجج والبراهين لدعم تلك الآراء والافكار وان على النخب السياسية والفكرية والثقافية ان تسلك طريق الحوار البناء لمعالجة قضايا الدولة والمجتمع للوصول الى الحلول الافضل والانجح لحل المشاكل التي تصادفهم والذي يجب ان يكون حواراً عقلانياً وموضوعياً وهادئاً وبعيداً عن التشنج والتهكم والسخرية من الطرف المقابل المتحاور معه وفسح المجال له  للتعبير عن رأيه بكل حرية وهو الطريق الامثل للوصول الى المجتمع الديمقراطي التعددي الخالي من  العنف .

2- ترسيخ آليات الديمقراطية في المجتمع والتي تتمثل بانتخابات حرة ونزيهة وبمشاركة واسعة من قبل المواطنين للأدلاء بأصواتهم وبكل حرية لاختيار الافضل والأكفء لتمثيلهم في مجلس النواب ومجالس المحافظات  .

3- حرية الرأي والصحافة والاعلام وذلك لايصال الحقيقة وبكل شفافية وموضوعية الى الجماهير ولكشف الفاسدين والمقصرين عن اداء واجباتهم .

4- اشاعة العلم والمعرفة والثقافة بين اوساط المجتمع لكي يتمكن المواطن المتعلم من انتخاب المرشح الأكفء والاقدر على ادارة شؤون البلد .

5- احترام التعددية الحزبية والأثنية لمكونات الشعب وعدم تفضيل مكون على حساب مكون اخر .

6- احترام حرية المعتقد الديني لجميع المذاهب والاديان وحقها في ممارسة شعائرها الدينية  وبكل حرية .

7- احترام سيادة القانون واستقلال القضاء لان ضعف تطبيق القانون وعدم استقلالية القضاء يؤدي الى انتشار ظاهرة العنف في المجتمع ويكون حل المشكل التي تنشأ بين الأفراد او الجماعات عن طريق الاعراف العشائرية على حساب سيادة القانون .

ثالثاً) وجود منظمات مجتمع مدني : المجتمع المدني  هو الاطار الذي تنتظم فيه العلاقة بين الافراد والجماعات على اسس ديمقراطية وقيام دولة المؤسسات والتي تحترم فيها حقوق المواطن السياسية والثقافية والاجتماعية والتي تضم النقابات المهنية والنوادي الاجتماعية والجمعيات الخيرية والانسانية والتي تكون غير خاضعة لسلطة الدولة وبعيدة عن التسيس ومن اهم الواجبات التي يجب ان تقوم بها هذه المنظمات:

1- نشر الوعي الديمقراطي في المجتمع .

2- ارساء اسس دولة المؤسسات واهمية سيادة القانون .

3- القيام بالدور الرقابي على مؤسسات الدولة وكشف بؤر الفساد المالي والاداري فيها وفضح الممارسات الخاطئة للاشخاص وللكيانات السياسية .

4- التثقيف بمبادئ حقوق الانسان وضرورة احترامها والدفاع عنها .

5- نشر ثقافة الحوار البناء والقبول بالاخر ونبذ العنف .

6- نشر ثقافة الولاء للوطن (ترسيخ قيم المواطنة) دون القبيلة او الدين او المذهب او القومية .

ان بناء الدولة الديمقراطية التعددية يتطلب ان يكون لمنظمات المجتمع المدني دور اساسي وفعال في تثبيت ركائز الدولة الديمقراطية والتي لا يمكن لها ان تعمل الا في ظل اجواء ديمقراطية يكون للأفراد والجماعات الحرية الكاملة للتعبير عن آرائهم وخياراتهم في مجتمع تحترم فيه سيادة القانون .

المصدر: http://almothaqaf.com/index.php/qadaya/74234.html

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك