الحوار والحوار الدرامي

يوسف المحسن

يذهب بعض المشتغلين في ميدان الاتصال والاتصال المنظم إلى أن الحوار اليومي العادي يختلف عن الحوار الدرامي في كون الأول غير موجهه للغير من قاموا به تحديداً وإيضاحا ، بينما يكون الثاني موجها للثالث الغائب الحاضر وهو المشاهد المتلقي البعيد المنصت في آن معاً .ولأن الاتصال هو مكننة الأفكار المشعة المتحركة(1)أو هو عملية بث المعاني بين الأفراد عندما يطلع عليه، فأن الحوار الدرامي يعد من أكثر أجزاء العمل الدرامي(هو النشاط الأتصالي التصاقا واتضاحا أمام الآخرـ المتلقي ـ حيث يعكف الكاتب في أغلب الأحايين عليه للتعبير عن أنشغالاته الواقعة فكراً أوتذوقاً جماليا بحتا ، ممتطيا إلى ذلك أحسن الدروب التي تحمل في جنبتها موقفاً ـ شعوراً ـ عاطفة متقدة أو خاملة، واضعاً نصب عينيه أن الحوار هو تمكن الفرد من التعبير عن رغبته ونواياه وما يمتلك من خبرة ومعرفة وما يختلج في داخله من أحاسيس ولهذا فأن الحوار الدرامي يتخذ أشكالاً عدة فهناك الحوار بين شخصين أو بين ثلاثة أو بين شخص واحد ومجموعة من الأشخاص أو أن شخصاً يحدث ذاته الحاضرة أو يتحدث إلى ما حوله من الأشياء أو حوار الفرد مع ربه والأخير لا يتوخى حضوره الفعلي لأن الذات الإلهية لا تدخل في حوار مع الفردـ الإنسان ـ وفق ما علمناه من مميزات الحوار المعلومة والحوار الدرامي يجب أن يكون على جانب كبير من الموضوعية والإيجاز منطلقا من بد يهات الشخصيات التي رسمها أو تخيلها الكاتب ، لأنه يؤدي مجمل أنقلابات في داخل النص المكتوب،لعل من أهمها تعريف المتلقي(المشاهد بالشخصيات وأبعادهاالثلاثة،المادي،الأجتماعي،النفسي،مضافاً إلى ذلك وجوب أن يلقي الحوار ضوءا على ما بعد هذه الأبعاد وأسبابها أي أننا إزاء الحوار يقدم لنا دافع والمبرر ، ولا يراد الإيجاز فيه الدخول في دائرة التعقيد قد يؤدي إلى عدم الفهم إي عدم إتمام فعل الاتصال بالمشاهد،وفي الاتجاه ذاته عدم الدخول في الإسفاف والابتذال والافتضاح النطقي أو افتضاح المعاني ، مما نراه في العديد من الأعمال الدرامية التي شاهدناها نلحظ روائع الأدب العالمي زاخرة بجمل طويلة مبسطة لكنها درامية في كل تفاصيلها(2)وهي فوق ذلك تؤدي وضيفتها الاتصالية ، وأهم مقومات الحوار الناجح هو الإيقاع ، أي الانسجام بين كل جزء وأخر وبين كل جزء والكل ، وعلى الكاتب أن يكون متمتعاً بأذن موسيقية ، ولا بد أن يمتلك إحساسا بالإيقاع أي يدرك متى يزيد من سرعة كلام الشخصية ومتى يحتاج المشهد إلى التحرك السريع أو الهادئ(3).ويرى العديد من المختصين والمشتغلين في ميدان الكتابة الدرامية أن وظائف الحوار ومهماته تتخذ أجزاء ومقومات العمل الدرامي الباقية حيث يقول لاغوس أيجري(4)أن وضيفته تتخلص في كشف الشخصية والقصة والحدث والأحداث المقبلة ،لكن روبرت أس كريمن(5) يختلف عن سابقه حيث يرى أن وظائف الحوار هي أعطاء المعلومات،التعبير عن العواطف، تطوير الحدث وعلى هذا يمكنني القولبأن وضيفة الحوار في العمل الدرامي التلفازي تكمن في الإحاطة بالحدث ــ نقل النوع ـ تأجيج الحدث، وهذه الوظائف الثلاث تؤمن مشاركة وجدانية للمشاهد خاصة إذ أنطلق الحوار من أجواء التلقي وانتمائه المجتمعي أو النفسي .مثلما يكون المنظر الدرامي إيقاعا بصرياً فأن الحوار هو إيقاع موسيقي لفضي ، له أبعاده التي لا تؤدي دورها إلا في إطار القدرة الفنية التي تربطها ربطاً وثيقاً بنمو الحدث والشخصية لتحقيق وحدة العمل الأدبي أو وحدة الموقف(6)و مما يمكن ملاحظته أن كثير من كتاب الدراما التلفزيونية الذين انحدروا من مجالات أخرى والذين يروون أن الكتابة للتلفاز هي ناتج عرضي لثقافاتهم أو لمزاولتهم الكتابة في أشكال أخرى ، وهم غير مختصين في هذا الضرب الإبداعي ربما لاستسهال هذه العملية أو الاتكاء على( الدعم التصحيحي)الذي يضيفه مخرج العمل أو تلبية لنوازع ظرفية ، ربما ينعكس على( قيمة)أعمالهم وقدراتها على امتطاء جواد الاتصال .وليس من الصعب الذهاب إلى إن الشخصيات في مجمل ما عرض مؤخراً أو سابقاً(على وتيرة واحدة ) وجميع الشخصيات تنطق بلغة الكاتب:الفلاح ،العامل،السكاف،ضابط الشرطة،الطبيب، جميعهم أبواق في فم الكاتب وجميعهم نسخ من الكربون لما يمتلكه الكاتب من مزايا حوارية أي أن الشخصية لا تنطلق من داخلها وأنما من داخل الكاتب وهذا خطأ يقع فيه صغار الكتاب وكبارهم على حد سواء

------------------------------------

الهوامش
1- أنتظر كتابنا الموسوم مكننة الأفكار
2- د. عبد العزيز حمودة ــ البناء الدرامي ص 164.
3- روجرم بسفيلد الابن ـ فن الكاتب ص 230.
4- أنظر كتابه ـ فن كتابة المسرحية ـ ت خشبة ص 411 -431.5- روبرتأس كرين
16
Television Writing p- 7-
د. محمد غنيمي هلال النقد الأدبي 696.

المصدر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=75356

hglw]

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك